ـ أصول العقيدة تعرف بالسمع لا بالعقل.

ـ لا دليل يصرف معنى الرؤية عن الرؤية الحسية.

ـ النبي موسى(ع) لا يعرف: أن الله لا يرى.

ـ الله يعلّم أنبياءه أصول العقيدة بالتدريج.

ـ لا يبعد أن سؤال موسى عن رؤية الله الحسية.

ـ وأيضا.. نقاط الضعف لدى الأنبياء.

ـ الله يسلط نوره على الجبل فكيف لو تسلط عليه بنفسه؟

ـ موسى والتحاليل الفلسفية والمعادلات العقلية في استحالة تجسد الإله وإمكانه.

ويقول السيد محمد حسين فضل الله:

"ولما جاء موسى لميقاتنا وكلمه ربه قال رب ارني انظر إليك،.. ووصل موسى إلى الموعد الذي أعطاه الله له.. وكلمه ربه.. فيما يريد أن يوحي به إليه.. واندمج موسى في الجوّ الإلهي.. وشعر بالسعادة الغامرة تغمر قلبه.. ففاضت روحه بالأشواق الروحية، فيما توحيه كلمات الله إليه.. وفيما تمثله من معاني القرب من الله، والوصول إلى الدرجة العليا من رضوانه.. وبما توهج في كيانه من إشراق النور الإلهي في لحظة روحية حالمة.. فطلب من ربه أن ينظر إليه.. فقال: رب ارني انظر إليك فقد خيل إليه أن من يسمع كلام الله، يستحق أن يراه.. أو يمكن له أن يطلب رؤيته.. وهنا يقف المفسرون وقفة حيرة فلسفية كلامية.. فكيف يمكن لهذا النبي العظيم أن يطلب مثل هذا الطلب المستحيل من ربه.. وهو يعرف من خلال سموّ درجته، ورفعة منزلته في عالم المعرفة بالله.. أن الله ليس جسدا ماديا محسوسا لتمكن رؤيته.. فهو ليس كمثله شيء.. وأجاب بعضهم أن المراد بالنظر.. الرؤية القلبية التي هي كناية عن العلم الواسع بالحقيقة الإلهية.. وأجاب آخرون.. بأنه لم يسأل انطلاقا من قناعة بالسؤال، أو انسجام معه.. بل كان سؤاله استجابة لسؤال قومه الذين رافقوه إلى الموعد الإلهي.. فأراد أن يجعلهم وجها لوجه أمام الجواب الصاعق على هذا السؤال.. ولكننا لا نستبعد أن يسأل موسى هذا السؤال.. فقد لا نجد من البعيد في مجال التصور والإحتمال أن لا يكون قد مرّ في خاطر موسى مثل هذا التصور التفصيلي للذات الإلهية.. لأن الوحي لم يكن قد تنزل عليه بذلك.. ولم يكن هناك مجال للمزيد من التحاليل التأملية للجانب الفلسفي من المعادلات العقلية التي تتحدث عن استحالة تجسد الإله أو إمكانه.. لأن ذلك قد لا يكون مطروحا لدى موسى (ع).. ونحن نعرف، تماما، معنى التكامـل التدريجي للتصور الإيماني في شخصية الـرســول الـفـكريـة.. ولهذا فإننا نحـاول هنا أن نسجل تحفظنا على الكثير من الأحكام المسبقة التي تحاول تطويق النص القرآني ببعض الإستبعادات الذاتية.. كما في مثل هذه الآية.. فإننا نلاحظ أن تصورنا لشخصية الأنبياء، يبدأ من القرآن، فيما يحدثنا عنهم من أحاديث، ويسبغه عليهم من صفات فهو المصدر الأساس الأمين الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.. ونحن نرى أن الحديث القرآني يركز في بعض نقاطه على نقاط الضعف لدى الأنبياء كما يركز على نقاط القوة عندهم.. من موقع البشرية التي يريد القرآن أن يركزها في التصور القرآني في أكثر من اتجاه.. فهل نريد أن ندخل في مزايدة كلامية على القرآن، فيما يتعلق بمثل هذه الأمور.. فنفرض لأنفسنا تصورات معينة للأنبياء ثم نحاول تأويل كلام الله بطريقة لا يتقبلها النص في بعض الأحيان.. إننا نفهم التأويل حملا للفظ على خلاف الظاهر، على أساس المجاز أو الكناية أو ما يقترب منهما.. ولا بد للخروج من الظاهر أن يكون هناك دليل لفظي أو عقلي حتى نصرف اللفظ عن الظاهر من خلاله.. ولا نجد شيئا من هذين في موضوع هذه الآية، فليس هناك مانع من إرادة النظر بالمعنى الحسي فيما طلبه موسى بل هو الظاهر الواضح جدا في أجواء الآية من خلال التجربة التي قدمها الله أمامه، فيما تعطيه كلمة التجلي من أجواء استحالة الرؤية البصرية فيما وجّهه الله للجبل من نوره الذي لا يستطيع الجبل أن يتماسك معه.. فكيف لو كان التجلي له ـ سبحانه ـ.. ثم لو كان المراد الرؤية القلبية لما كان هناك وجه قريب لهذه التجربة في انهيار الجبل، فيما تعطيه من معنى مادي للمسألة.. لأن الجبل لا يحمل أي جوّ للجانب القلبي في الموضوع في تأثره بنور الله.. (قال لن تراني..) لأن الرؤية لا تكون إلا للمحدود الذي يحمل خصائص مادية، فيما يستحيل فرضه بالنسبة إلى الله الذي لا تدركه الأبصار وليس كمثله شيء.. (ولكن انظر إلى الجبل فان استقر مكانه فسوف تراني..) إنها التجربة التي تعطي لموسى فكرة توضيحية للمسألة المطلوبة.. ولكن من جانب آخر.. فقد أراد الله له أن ينظر إلى هذا الجبل العظيم.. وهو يتهاوى قطعة قطعة حتى يتحول إلى رميم أمام التجلي الإلهي الذي قد يكون كناية عن تسليط نوره عليه.. فكيف يمكن لمخلوق مثله أن يواجه نور الله.. فضلا عن أن يواجه الله بذاته ـ لو كان ذلك أمرا ممكناً [ من وحي القرآن ج10ص237-240ط2]

ونقول:

إن موضوع رؤية الله سبحانه، وصفاته، وأصول العقيدة، هي من الأمور التي يدركها العقل، وبه تعرف، وليست مما يعرف بالسمع، إلا من حيث تأكيـد حكم العقـل، والإرشـاد إليه.

إذن كيف لم يكن موسى النبي (ع)، الذي سبق له مواجهة فرعون، المدعي للربوبية، كيف لم يكن يعرف ـ على حد قول السيد فضل الله ـ إلى مضي زمن طويل من نبوته أن الله سبحانه لا يرى؟.

فهل يعقل أنه لم يخطر في بال موسى أن يستعد لمواجهة طلب محتمل جدا من فرعون ومن بني إسرائيل رؤية هذا الإله الذي كان يأتيه جبرئيل بالأوامر والتوجيهات والتوجهات من قبله، ولم يطلب من جبرئيل أن يجمعه به ويتحدث إليه!!

ويقول:

" لذلك فإن الله تعالى لم يعرِّف موسى حتى ذلك الوقت أنه لا يرى"  نشرة بينات 21-21997

ولا ندري لماذا لم يكن قد مر في خاطر موسى هذا التصور التفصيلي للذات الإلهية؟ وكيف خيّل إليه ذلك في هذا الوقت بالذات، ولم يخيل ذلك قبل هذا الوقت؟! ولماذا لم يعرفه الله ذلك في بدايات نبوته وانتظر إلى أن مضت هذه المدة كلها؟! وهل يمكن أن يرسل تعالى نبيا لا يعرفه حق المعرفة؟ وهل يمكن أن نقبل ممن لا يعرف أصول الدين وصفات الباري تعالى أن يكون مرشدا دينيا في قرية؟ فكيف نرتضي أن يكون نبيا لله سبحانه ـ فضلا عن أن يكون نبيا من أولي العزم ـ أرسله الله إلى فرعون مدعي الربوبية؟ وكيف نسي فرعون، ومن معه، أن يسألوه عن هذا الإله الذي أرسله، من هو، وأين وكيف هو؟..

وكيف يمكن أن نفهم تعليل السيد فضل الله وتوضيحه لهذا الأمر بقوله: إن الله كان يعرف أنبياءه أصول العقيدة وصفاته بالتدريج  نشرة بينات 21-21997

ومن أين عرف السيد فضل الله ، هذا الأمر التاريخي المرتبط بالتعاطي التعليمي لله سبحانه مع أنبيائه؟!! وهل صحيح: أن أصول العقيدة تعرف بالسمع؟! وبالتدريج؟! أَوَلا يوجد دليل عقلي يمنع عن الأخذ بظاهر الآية ويصرف الرؤية عن ظاهرها؟!..

وهل كان هذا الطلب اقتراحـا من موسى مباشرة؟ أم كان استجابة لطلب قومه منه، ليؤكد لهم بصورة عملية عـدم صحة طلب كهذا؟

العودة