ـ النبي لا يملك أية مقومات ذاتية كبيرة.

ـ النبي لا يملك أية قدرات شخصية مطلقة.

ـ الدرس الفكري: أن لا نغرق انفسنا بالأسرار العميقة التي يحاول البعض إحاطة شخصية النبي بها.

ـ يحيطون النبي بالأسرار للإيحاء بأنه يرتفع فوق مستوى البشر.

ـ النبي ليس فوق مستوى البشر في إمكاناته الذاتية.

ـ النبي ليس فوق مستوى البشر في قدراته الكبيرة.

ـ هو فوق البشر بأخلاقه، وخطواته، ومشاريعه المتصلة برسالته.

ـ علينا أن نشعر أن النبي قريب منا بصفاته البشرية التي هي اساس التمثل والإتباع، والإقتداء.

ـ الأبحاث السائرة في هذا الإتجاه، إنحراف عن الخط القرآني في دراسة شخصية النبي.

ـ الله قد يطلع النبي على بعض غيبه، مما قد يحتاجه في نبوته من علم المستقبل، أو خفايا الأمور.

ـ التصور القرآني ينفي فعلية علم النبي للغيب من الناحية الوجودية.

ـ النبي ليس مجهزاً في تكوينه البشري بالقدرة على علم الغيب.

ـ الله يطلع رسله على الغيب بطريقة التعليمات التدريجية.

ـ ليس علمه بالغيب منطلقاً من قدرة تتحرّك بالفعلية، بحيث يعلم بالغيب كلما أراد من خلالها.

 يقول السيد محمد حسين فضل الله:

"{إن اتبع إلا ما يوحى إلي} وهكذا أراده أن يقف بينهم عبداً خاشعاً بين يديه، لا يملك أية مقومات ذاتية كبيرة، أو أية قدرات شخصية مطلقة، رسولاً أميناً على الدور الذي أوكله الله إليه، فهو ينتظر أمر الله ووحيه في كل صغيرة أو كبيرة ليتبعه، ويبلغه للناس، وربما كان الحديث عن الإتباع موحياً بالصفة المطيعة المتواضعة التي تجسدها شخصيته ليكون في ذلك بعض الإيحاء لهم بالطاعة لله، والإستغراق في دور العبد المطيع الذي يتمثل حركة العبد (النبي)، في شخصية العبد المؤمن، وإذا كان التوجيه الإلهي يفرض على الرسول أن يقدم نفسه إلى الناس بهذه الصفة فقد نجد فيه الدرس الفكري الذي يريدنا أن لا نغرق أنفسنا بالأسرار العميقة التي يحاول البعض أن يحيط بها شخصية النبي، للإيحاء بأنه يرتفع فوق مستوى البشر في إمكاناته الذاتية، وقدراته الكبيرة، بل بصفته الرسالية من حيث أخلاقه، وخطواته، ومشاريعه المتصلة برسالته.

وذلك هو السبيل للتعامل مع شخصية الأنبياء، والأولياء، بالأسلوب القريب إلى الوعي الإنساني العادي، في ما يمكن للإنسان أن يعيشه، ويتصوره ويتمثله في نفسه، ليشعر بأن النبي قريب منه بصفاته البشرية المثلى التي يمكن أن تكون أساساً للتمثل، والإتباع، والإقتداء، وفي ضوء ذلك، نجد في الأبحاث السائرة في هذا الإتجاه انحرافاً عن الخط القرآني الذي يرسم للناس في دراستهم لشخصية النبي (ص)، وهنا نقطة، وهي مسألة نفي النبي في حواره مع المشركين علمه بالغيب، فقد جاء في الميزان، قال: المراد بنفي علم الغيب، نفي أن يكون مجهزاً في وجوده بحسب الطبع بما لا يخفى عليه معه ما لا سبيل للإنسان بحسب العادة إلى العلم به من خفيّات الأمور كائنةً ما كانت  تفسير الميزان ج7ص97

 وهذا هو التصور القرآني الصحيح الذي يؤكد نفي الفعلية لعلم الغيب من الناحية الوجودية بمعنى أن يكون مجهزاً في تكوينه البشري بالقدرة الخاصة لعلم الغيب بحيث يتحرك نحوه ـ في فعليته ـ بشكل طبيعي، بل المسألة هي أن الله قد يطلعه على بعض غيبه مما يحتاجه في نبوته من أمور المستقبل، ومن خفايا الأمور كما في قصة عيسى (ع)، {وأنبئكم بما تأكلون وما تدخرون في بيوتكم} (آل عمران:49) ونحو ذلك، ولعل هذا هو الذي أشار إليه أمير المؤمنين علي (ع) في إخباره بالمغيبات عن سؤاله: (هل هذا علم بالغيب؟) في تصورهم للمعنى الذاتي من خلال القدرات الخاصة التي يملكها في ذلك.

 فأجاب: (وإنما هو تعلم من ذي علم)  نهج البلاغة الخطبة 128 وهذا هو الذي عبر عنه بعض المفسرين (هو علم الغيب بالعرض) أي تعلم من عالم الغيب.

وخلاصة الفكرة: هي أن الله كان يطلع رسله بطريقة التعليمات التدريجية المحدودة على الغيب كما في قوله تعالى: {عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا} (سورة الجن:26) ولم يكن علم الغيب منطلقاً من قدرة تتحرك بالفعلية ليعلم بالغيب كل ما أراد من خلالها بحيث إن الله أعطاه ذلك من خلال القاعدة المنتجة للعلم في نفسه.. والله العالم [ من وحي القرآن ج9ص114-115ط2]

ونقول:

إننا نسجل هنا ما يلي:

1 ـ من أين؟ وكيف علم السيد فضل الله أن النبي لا يملك مقومات ذاتية كبيرة، أو قدرات مطلقة، أو أن الأنبياء ليسوا فوق مستوى البشر في قدراتهم الذاتية وإمكاناتهم.

فإن ذلك من الأمور التكوينية، ومن الغيبيات التي لا يعرفها إلا الله سبحانه..، وهو يشترط في معرفة الأمور التكوينية والغيبية وغيرها، قيام الدليل القطعي، الموجب لليقين التام، ولا يكفي فيها مطلق ما هو حجة..

2 ـ إذا كان النبي (صلى الله عليه وآله) أفضل من البشر، وإذا كان الله سبحانه قد خلقه هو والأئمة قبل خلق الخلق بألفي عام، وجعلهم أنواراً بعرشه محدقين، وإذا كانوا أنواراً في الأصلاب الشامخة، والأرحام المطهرة.

وإذا كان النبي شاهداً على الخلق يرى أعمالهم الجوارحية، والجوانحية، ويشهد عليهم بها وإذا كان يرى من خلفه كما يرى من أمامه، وإذا كانت تنام عيناه، ولا ينام قلبه، ثم ما روي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) من أنه قال لعلي (عليه السلام): (يا علي ما عرف الله حق معرفته غيري وغيرك. وما عرفك حق معرفتك غير الله وغيري)  مناقب آل أبي طالب ج3ص310والبحارج39ص84 وما إلى ذلك، وهو كثير جداً.

 فإن النتيجة تكون هي أن هناك أسراراً عميقة تحيط بهم (عليهم السلام) لا ندرك كنهها، ولا ضير في أن نغرق أنفسنا بها، إذا كان الله ورسوله، والأئمة الأطهار (عليهم السلام) هم الذين أخبرونا عنها في محـاولـة لشد أنظارنـا إليها، وإطلاعنا عليها لحكمة هم يعرفونها.

3 ـ إن شعورنا بأن النبي (ص) قريب منا بصفاته البشرية، وكون ذلك هو أساس التمثل، والإتباع، والإقتداء صحيح، ولكنه لا يمنع من اعتقادنا أيضاً بوجود قدرات، وإمكانات غير عادية لدى هذا النبي (صلى الله عليه وآله) في جهات أخرى من شخصيته، وحياته.

 بل قد يسهم وعينا لهذه الحقيقة في الحرص على الإتباع له، والتأسي به.. في الجهات العملية، في دائرة السلوك، والأخلاق، والمواقف الرسالية، والإلتزام العقيدي، والإيماني، وغير ذلك..

4 ـ إن الخط القرآني في دراسة شخصية النبي يرتفع بهذه الشخصية إلى مراتب لا تبلغها أوهام البشر، حين يأخذ نبيه في رحلة المعراج إلى السماوات العلى، حتى بلغ (عليه الصلاة والسلام) سدرة المنتهى.

وأما الآيات التي يستند إليها السيد فضل الله في إبعاد الأنبياء عن مواقع الكرامة الإلهية.. فقد فسرها العلماء، وبينوا معانيها.. بطريقة صحيحة، ومنسجمة مع كل المقاييس التي ارتضاها القرآن، وأكدها، والتزم بها الإسلام، وأيدها، وقد يجد القارئ الكريم في هذا الكتاب بعضاً من ذالك.

 5 ـ وأما أن الله سبحانه قد يطلع نبيه على بعض غيبه، مما قد يحتاجه في نبوته، فهو كلام صحيح.. ولكنه لا يمنع أيضاً من أن يطلعه على جميع غيبه، فإن قوله تعالى:{عالم الغيب والشهادة فلا يطلع على غيبه أحداً، إلا من ارتضى من رسول} لم يحدد فيه مقدار الغيب الذي يطلع الله عليه بعض رسله، بل إن سياق الآية ـ على غيبه ـ ظاهر في إمكانية أن يطلع الله بعض رسله على كل غيبه.

 فمن أين أتانا السيد فضل الله بالتخصص بخصوص ما يحتاجه النبي في نبوته؟!، ومن أين جاء بكلمة (بعض) في قوله: (بعض غيبه)؟!.

6 ـ وأما أن التصور القرآني ينفي فعلية علم النبي للغيب من الناحية الوجودية، أي أنه ينفي وجود قدرة ذاتية تمكنه من العلم كلما أراد، وساعة يشاء.. فذلك أيضاً غير صحيح، فإن التصور القرآني يعطينا إمكانية أن يعلم الله نبيه بجميع غيبه كما ألمحنا إليه آنفا.

 ولكنه ينفي أن تكون النبوة من حيث هي نبوة تقتضي علم الغيب بصورة ذاتية..

 ولا ينفي إمكانية أن يكون الله قد جهز نبيه بقدرة يستطيع بها الإطلاع على الغيب ساعة يشاء، وفي كل ما يريد.. وقد دلت الأخبار الواردة عن المعصومين (عليهم السلام) على ذلك..

 7 ـ من أين علم السيد فضل الله: أن الله يطلع أنبياءه على الغيب بصورة التعليمات التدريجية، فإن هذا يحتاج إلى دليل يقيني، ولا يكفي فيه مطلق الحجة.. كما يقول هذا البعض نفسه.

إذ لعل الله قد أطلع رسوله على غيبه كما هو مفاد الآية، لكي يرفع بهذا العلم مقامه، ويكرمه به. لكنه منعه من إخبار الناس به، فصار ينتظر أمر ربه في إبلاغ كل حدث يريد إبلاغه للناس.

 8 ـ على أن نفيه وجود قدرة تمكن النبي من علم الغيب يحتاج إلى دليل.. حسبما قرره السيد فضل الله نفسه، فأين هو دليله القطعي ـ حسب رأيه ـ الذي أقامه على هذا النفي؟

العودة