ـ تكذيب السيدة الزهراء في تفسير آيات الإرث.

ـ سليمان يرث أباه في امتداد حركة النبوة فيأخذ موقعه.

ـ وراثة سليمان لداود لا بمعنى الإرث المادي .

يقول السيد محمد حسين فضل الله:

"وورث سليمان داود" كما يرث الابن أباه، في ملكه وماله، وكما يرث الأشخاص الموقع والدرجة وكما يرث الأنبياء الرسالة ممن تقدمهم، لا بمعنى الإرث المادي لأن الله هو الذي يعطي الرسالة والموقع والدرجة العليا، للمتأخر من الأنبياء، وليس هو النبي المتقدم، بل بمعنى الامتداد الذي يجعل من كل واحد مرحلة متصلة بالمرحلة السابقة فيما هو امتداد حركة النبوة في الحياة وهكذا أخذ سليمان موقع أبيه.. وأراد أن يعلن القوة التي يملكها في مواقع المعرفة، ليعرف الناس من قوته الجانب الذي يربطهم به ليزدادوا التصاقا بشخصيته واتباعا لرسالته [ من وحي القرآن ج17ص193-194]

ونقول:

 سيأتي الحديث عن ذلك في تعليقنا على الفقرة التالية.

 

ـ المال ليس هو المشكلة المعقدة لدى زكريا في من يملكه بعد موته.

ـ يرثني ويرث من آل يعقوب، ليكون امتدادا لخط الرسالة.

ـ ليس المقصود بالآية هو ارث المال.

ـ المال ليس هو الأساس في الإرث في تفكير زكريا.

ـ زكريا يريد من يرث موقعه (أي بالنسبة إلى الرسالة).

يقول السيد محمد حسين فضل الله:

".. {وكانت امرأتي عاقراً} مما يجعل المسألة صعبة أو مستحيلة على مستوى الوضع الطبيعي ـ فأراد أن يلتمس لنفسه الأمل من خلال قدرة الله {فهب لي من لدنك وليا} فيما تعنيه الكلمة من الشخص الذي يلي أمر الإنسان فيعينه في حياته، ويخلفه بعد موته، وربما كان في التعبير بكلمة {من لدنك} ما قد يوحي بأن المسألة لا تتصل بالحالة الطبيعية للسبب، بل بالحالة الغيبية التي لا سبب فيها إلا للقدرة الإلهية المباشرة "يرثني ويرث من آل يعقوب" ليكون امتدادا للخط الرسالي الذي يدعو إلى الله، ويعمل له، ويجاهد في سبيله، ولتستمر به الرسالة في روحه وفكره وعمله.

ما هو المراد بالإرث

وقد أثيرت في هذه الفقرة مسألة ارث المال، وهل هو المقصود بكلمة الإرث، أو أن المقصود به ارث العلم والرسالة، لأن الأنبياء لم يورثوا درهما ولا دينارا، بل ورثوا شيئا من علومهم.. وربما اتصل هذا الحدث بمسألة ارث السيدة العظيمة فاطمة الزهراء فدكا من أبيها محمد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ومدى صحة الحديث الذي واجهها به أبو بكر عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): نحن معاشر الأنبياء لا نورث، ما تركناه صدقة.. وغير ذلك من التفاصيل.

وقد أشرنا ـ فيما تقدمنا من حديث ـ أن المال لم يكن هو الأساس في الإرث في تفكير زكريا، لا من جهة أن الأنبياء لا يورثون، بل لأن المال لم يكن في مستوى المشكلة المعقدة لديه، فيمن يملكه بعده موته.. وذلك انطلاقا من خلو الساحة من بعده، من شخص يحمل الرسالة مما يجعل القضية في دائرة الخطورة فيما يتطلع أبيه الظاهر أن الصحيح: إليه زكريا من مستقبل الرسالة لأن الذين يأتون من بعده ويرثون موقعه، ليسوا في مستوى المسئولية ليترك الأمر لهم فيما يقومون به في حركة الواقع.. ولعل الحديث عن ارث آل يعقوب، الذي هو خط الرسالة يؤكد هذا المعنى [ من وحي القرآن ج15ص13-14]

ونقول:

لقد احتجت السيدة الزهراء عليها السلام على أبي بكر بقوله تعالى {وورث سليمان داود}، كما استدلت بهذه الآية بالذات في قضية فدك على اعتبار أنهما تتحدثان عن ارث المال. والسيد محمد حسين فضل الله ـ كما ترى ـ يذهب إلى أن المراد بهذه الآية وتلك هو ارث النبوة فقط، من دون نظرٍ إلى إرث المال‍!!.

ومما قالته السيدة الزهراء صلوات الله وسلامه عليها في احتجاجها على أبي بكر:

".. يا ابن أبي قحافة، أفي كتاب الله أن ترث أباك ولا أرث أبي؟ لقد جئت شيئا فريا.. أفعلى عمد تركتم كتاب الله، ونبذتموه وراء ظهوركم، إذ يقول: {وورث سليمان داود} سورة النمل 16 وقال ـ فيما اقتصّ من خبر زكريا ـ إذ قال: {فهب لي من لدنك وليا يرثني ويرث من آل يعقوب}.

وقال: {أولوا الأرحام بعضهم أولي ببعض في كتاب الله} سورة الأنفال 75

وقال: {يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظّ الأنثيين} سورة النساء 11

وقال: {إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف حقا على المتقين} سورة البقرة 180

وزعمتم أن لا حظوة لي، ولا أرِث من أبي. افخصكم الله بآية أخرج أبي منها ؟ أم هل تقولون: إنّ أهل ملّتين لا يتوارثان!؟ أولست أنا وأبي من أهل ملة واحدة ؟

أم انتم أعلم بخصوص القرآن وعمومه من أبي، وابن عمي ؟!

فدونكما مخطومة مرحولة، تلقاك يوم حشرك.. الخ" راجع: بغداد لطيفور ص 12 ـ 19، وشرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج 16 ص 252 و 249 و210 وكشف الغمة للإربلي ج 1 ص 479 وبحار الأنوار ج29

ومما قالته صلوات الله عليها أيضا في احتجاجها عليهم في المسجد: " سبحان الله، ما كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عن كتاب الله صادفا ولا لأحكامه مخالفا، بل كان يتبع أثره، ويقفو سوره. أفتجمعون إلى الغدر، اعتلالا عليه بالزور؟ وهذا بعد وفاته شبيه بما بُغي له من الغوائل في حياته.

هذا كتاب الله حكما عدلا، وناطقا فصلا، يقول: {يرثني، ويرث من آل يعقوب} سورة مريم.الآية 6 و {ورث سليمان داود} سورة النمل الآية 16

فبين عز وجل فيما وزّع عليه من الأقساط، وشرع من الفرائض والميراث، وأباح من حظ الذكران والإناث ما أزاح علة المبطلين، وأزال التظني والشبهات في الغابرين ؛ {كلا، بل سولت لكم أنفسكم أمرا، فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون} سورة يوسف الآية 18

ومن الواضح أن السيد فضل الله قد سجل رأيه هذا وهو على علم تام بموقف الزهراء عليها السلام من هذا الموضوع، كما هو صريح من كلماته المنقولة عنه آنفاً. بل هو يصرح بتوازن مضمون خطبة الزهراء (ع) وبصحتها والالتزام بها: فهو يقول:

"الظاهر أن أهل البيت (ع) كانوا يتناقلونها كابراً عن كابر، بحيث كانت معروفة حتى عند صبيانهم ؛ مما يدل على أنها من المسلمات عندنا. أما من ناحية المتن، فالظاهر أنها متناسبة مع التوازن الفكري في المضمون" [ الندوة ج1ص429]

ولكنه ـ مع ذلك كله ـ يتبنى الموقف الآخر، ثم يستدل له بما رأينا، ثم يضيف إلى ذلك قوله: لعل الحديث عن إرث آل يعقوب، الذي هو خط الرسالة يؤكد هذا المعنى.

فأقرأ وأعجب، فما عشت أراك الدهر عجباً.

العودة