{وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى * وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى*إن هُوَ إِلاَ وَحْيٌ يُوحَى} سورة النجم الآية 1 ـ 4

قال السيد محمد حسين فضل الله في تفسيره:
{وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى} والمراد به ـ على الظاهر ـ الكوكبُ السماوي الذي يُضيء في السماء ثم يسقط نحو الغروب، وهناك أقوال أخر في معناه، ولكن من دون دليل على كونها مقصودة من الآية، في حين يُحدِّدُ المعنى المطلق للنجم ظاهرُ اللفظ الذي يتناسب مع الآيات التي أقسم الله فيها ببعض الأجرام السماوية كالشمس والقمر ونحوهما [من وحي القرآن ج 21 ص 253]

أقول: قوله «على الظاهر» فلست أدري عن أيِّ ظاهر يتحدث، فإنَّ الآيةَ لم تُحدِّد المقصودَ من النجم أولاً، وليته كان دلَّ على القرينة التي حدَّدت النجمَ، وأنه خصوص الذي يضيء في السماء ثم يسقط نحو الغروب، فإنَّ النجومَ كثيرةٌ جداً، واستظهارُهُ بأنه خصوصُ ما ذكره من نجم يحتاجُ إلى دليل وهو مفقود.

ثانياً: دعوي ـ أنَّ المقصودَ من النجم هو خصوصُ الجُرم السماوي، بدليل أنه مما يتناسب مع تلك الآيات التي أقسم الله فيها ببعض الأجرام السماوية كالشمس والقمر ـ دعوي وكلامٌ يمكن أن نقبله ولكن بشروط:

الشرط الأول: فيما إذا كان القرآنُ قد جري على توضيح المعنى والمراد من آيةٍ معيَّنة، إعتماداً على وضوح المعنى المراد من آية معيَّنة ثانية.

الشرط الثاني: أن يكون هناك دليلٌ على أنَّ القرآن قد اعتمدَ على الآية الثانية في هذا المورد أو ذاك مثلاً، لتكون هي المبيِّنة للمعنى المراد من الآية الأولى، وذلك كما لو كانت الآيةُ الثانيةُ تُمثِّلُ قرينةً قطعيَّةً ونصَّاً واضحاً.

وإلا ـ مع عدم وجود دليل خاص على أنَّ المقصود من هذه الآية أو تلك ما تفيده تلك الآية الثانية ـ فإنَّ مجردَ جريانِ القرآن على توضيح المراد من آية على وضوح المراد من آية ثانية، لا يكفي لأن نعتمد على ذلك في كلِّ الآيات التي لا يكون المراد منها واضحاً.

الشرط الثالث: أن لا يثبت عن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) أو عن أهل البيت (عليهم السلام) توضيحُ المقصودِ والمرادِ من الآية، فإنه إذا ثبت ذلك، فإنَّ المتعيِّنَ أن نرفع اليد عما ندَّعي أنه ظاهرٌ من هذه الآية أو من تلك، ويجبُ عندئذ الأخذُ بما ثبت عنهم (عليهم السلام).

ثم إنَّ هذا كلَّه كأمر عامٍّ مطلَقٍ، ولكنْ يبقى الكلامُ في استنطاق الآية التي نبحث فيها وما يُستفاد منها، فأن استفدنا من الآية معنى ما وجاءت الروايةُ ولو كانت ضعيفةً، تُؤيِّد إرادةَ المعنى الذي استفدناه، فقد يرقى الحالُ إلى تعيُّنِ إرادة المعنى، وإلى الاطمئنانِ بأنه هو المرادُ والمقصودُ، ولا مجال لضبط هذا الأمر تحت قاعدة خاصة، فإنَّ لكلِّ موردٍ من موارد الآيات الشريفة خصوصيتَه.

ثم إنَّ تعيين المعنى لا يتوقَّفُ على فهم المراد من حاقِّ اللفظ أي من اللفظ نفسه، بل وله سُبُلٌ كثيرةٌ، وقد يكون للتأمُّلِ في الآية وما يرتبط بها مما بعدها أو قبلها دخالةٌ جداً، بحيث يحصل لدي المتأمِّلِ أنَّ المعنى المراد، ليس هو خصوص ما يُستفاد من اللفظ الظاهر من الآية وحدها.

وفي الآية التي نبحثُ فيها، فإنَّ القرينةَ قائمةٌ على أنَّ ما التزم به السيد محمد حسين فضل الله غير صحيح.

إذ يكفي لك أن تتأمَّل بعضَ الشيء في الآيةِ نفسِها وفيما بعدها من آيات، لتعرفَ أنَّ الأمرَ ليس مرتبِطاً ببيان أنَّ نجم الغروب سقط.

فإنَّ نجمَ الغروب يسقط ويهوي كلَّ ليلةٍ، فلو كان هو المقصود لكان الأنسب هو التعبير بصيغة المضارع، فيقال والنجم إذ يهوي، فإنِّ مثلَّ هذهِ الصيغةِ ـ صيغة المضارع ـ تفيدُ تكرارَ حالةِ الهوي للنجم التي تتكرر كلَّ ليلة، بينما قوله تعالى {إِذَا هَوَى} يفيد أنَّ نجماً هوي ومضتْ تلك الحالة ولم تتكرر.

على أنَّ لفظَ النجم في الآية المباركة يمكن أن يكون المرادُ منه جنسَ النجم، لا نجمَ الغروب وحده، فلا يكونُ تفسيرُ السيد محمد حسين صحيحاً على كلِّ حال.

وثانياً: بالله عليك، أيَّةُ علاقةٍ تكوينيَّةٍ أو شرعيَّةٍ، بين كون الرسولِ الأكرم (صلى الله عليه وآله) غيرَ ضالٍّ وغيرَ غاوٍ وأنه لا ينطق عن الهوي ـ كما ذكرت الآيات التي بعد هذه الآية ـ وبين سقوط النجم؟!

والآياتُ صريحةٌ في دلالتها على صدور أمر ما عن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله)، وكان سقوطُ النجم آيةَ وعلامةَ صدقِه، وهو الصادق الأمين.

فإنَّ الذي تفيده الآيات الأربعة، أنه (صلى الله عليه وآله) فيما أخبر به ما ضلَّ وما غوي، بل إنه نطق عن الوحي، ويا أيها الناس إنَّ سقوطَ النجم هو آيةُ ذلك وعلامتُه.

ولا يمكن أن يكون المقصود، هو الحديث عن كونه (صلى الله عليه وآله) صادقاً، وأنه ناطقٌ عن الوحي الإلهيِّ، وأنَّ علامةَ ذلك سقوطُ نجم الغروب.

فهل هناك من عاقلٍ يرضى بأن يُقال له: إنَّ فلاناً من الناس صادقٌ، وإنَّ علامةَ صدقِه سقوطُ نجم الغروب، والمفروض أنَّ نجمَ الغروب يسقطُ كلَّ ليلة؟!

وفعلاً فإنَّ المشكِّكين والمكذِّبين والمُذبذَبين بُهتِوا لما أن حصل سقوطُ النجم، فأيُّ نجمٍ كان ذاك، وعن أيِّ شيء أخبرهم الصادقُ الأمين (صلى الله عليه وآله)؟

فقد أخرج ابن المغازلي الشافعي في مناقبه، والحاكم الحسكاني في الشواهد، وابن عساكر في تاريخه ـ وهؤلاء من أبناء السنة ـ بإسنادهم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: كنتُ جالساً مع فئة من بني هاشم عند النبي (صلى الله عليه وآله)، إذ انقضَّ كوكبٌ ،  فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): مَنِ انقضَّ هذا النجمُ في منزله، فهو الوصيُّ من بعدي، فقام فئةٌ من بني هاشم فنظروا، فإذا الكوكبُ قد انقضَّ في منزل عليِّ بن أبي طالب (عليه السلام)، قالوا يا رسول الله: قد غويتَ في حبِّ عليٍّ، فأنزل الله تعالى{وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى}.

أقول: وأخرجه أيضاً الشيخ الصدوق في الأمالي بإسناده عن الضحاك عن ابن عباس، وبإسناده عن الإمام زين العابدين (عليه السلام) عن ابن عباس، وبإسناده عن ربيعة السعدي عن ابن عباس.

وأخرج ابن المغازلي، والحاكم الحسكاني، بإسنادهما عن أنس قال: انقضَّ كوكبٌ على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال: رسول الله (صلى الله عليه وآله): انظروا إلى هذا الكوكب، فمَنِ انقضَّ في داره فهو الخليفةُ من بعدي، فنظروا فإذا هو قد انقضَّ في منزل عليٍّ (عليه السلام)، فأنزل الله تعالى {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى}.

وأخرج محمد بن علي الطبري في بشارة المصطفى، والحاكم الحسكاني في الشواهد، بإسنادهما عن زرارة بن أوفى عن عبد الله بن عباس قال: بينا أنا عند رسول الله (صلى الله عليه وآله) في مسجده بعد العشاء الآخرة، وعنده جماعة من أصحابه إذ انقضَّ نجمٌ، فقال النبي (صلى الله عليه وآله): مَنِ انقضَّ هذا في حجرته فهو الوصيُّ من بعدي، قال: فوثب الجماعةُ وإذا النجم قد انقضَّ في حجرة عليٍّ (عليه السلام)، فقالوا: لقد ضلَّ محمدٌ (صلى الله عليه وآله) في حبِّ عليٍّ (عليه السلام)، فأنزل الله تعالى {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى}.

أقول: وأخرجه محمد بن العباس في تفسيره بإسناده عن غياث بن إبراهيم عن جعفر بن محمد ’، وبإسناده عن جابر عن أبي جعفر (عليه السلام)، وبإسناده عن فضل بن عبد الملك عن أبي عبد الله (عليه السلام)، وبإسناده عن محمد بن عبد الله عن أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق ’.

وأخرجه أيضاً فرات الكوفي في تفسيره عن نوف البكائي عن علي بن أبي طالب (عليه السلام)، وأيضاً عن عائشة، وعن ابن عباس، وعن بريدة الأسلمي.

وأخرجه الصدوق في الأمالي، والحاكم الحسكاني في الشواهد، بإسنادهما عن منصور بن أبي الأسود عن جعفر بن محمد’.

وقال السيوطي ـ وهو من أبناء السُّنة ـ في الدر المنثور: وأخرج ابن مردويه عن أبي الحمراء وحبة العرني، قالا: أمر رسول الله (صلى الله عليه وآله) أن تُسَدَّ الأبوابُ التي في المسجد فشقَّ عليهم، قال حبة: إني لأنظر إلى حمزة بن عبد المطلب وهو تحت قطيفة حمراء وعيناه تذرفان، وهو يقول: أخرجتَ عمَّك وأبا بكر وعمر والعباسَ، وأسكنتَ ابنَ عمك! فقال رجل يومئذ: ما يألو برفعِ ابن عمه، قال: فعلم (صلى الله عليه وآله) أنه قد شق عليهم، فدعا الصلاة جامعة، فلما اجتمعوا صعد المنبر فلم يسمع لرسول الله (صلى الله عليه وآله) خطبة قط كان أبلغ منها تمجيداً وتوحيداً، فلما فرغ قال يا أيها الناس ما أنا سددتها ولا أنا فتحتها، ولا أنا أخرجتكم وأسكنته، ثم قرأ {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى * وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إن هُوَ إِلاَ وَحْيٌ يُوحَى}.

أقول: ولا معنى لتوهم منافاة هذا الخبر لتلك الأخبار، فإنَّ المناسبة فقط مختلفة، مضافاً إلى أنَّ تلك الأخبار بيَّنتْ سبب النزول، وفي هذا الخبر يُخبر (صلى الله عليه وآله) عن أنَّ ما يفعله (صلى الله عليه وآله) من تفضيلٍ لعليٍّ (عليه السلام) وتخصيص إنما هو عن وحي السماء، ولا مجال لنا إلا للاختصار
فراجع  أمالي الصدوق ص 659إلى661 وص 680إلى681، مناقب أمير المؤمنين لمحمد بن سليمان الكوفي الزيدى المذهب ج 1 ص 556، الهداية الكبر ي ص 116ـ 117، شرح الأخبار ج1 ص 243 مناقب آل ابي طالب ج 2 ص 214 ـ 216، العمدة ص 78 و90، الفضائل ص 65، الطرائف ص 22، حلية الأبرار ج 2 ص 444، مدينة المعاجز ج 2 ص 429 ـ 436، بحار الأنوار ج 24 ص 322 ـ 324 وج 30 ص 363 وج 35 ص 272إلى284، كشف اليقين ص 379 ـ 380، نهج الإيمان ص 198، تفسير فرات الكوفي ص 449 إلى452، خصائص الوحي المبين ص 95 إلى98، التفسير الصافي ج 5 ص 84، التفسير الأصفى ج 2 ص 1219، تفسير نور الثقلين ج 5 ص 144، بشارة المصطفى ص 290، كشف اليقين ص 379 و408، تأويل الآيات ج 2 ص 620 إلى 625 ومن مصادر أبناء السُّنة: شواهد التنزيل ج 2 ص 275 إلى282، الدر المنثور ج 6 ص 122، تاريخ مدينة دمشق ج 42 ص 392، ينابيع المودة ج 2 ص 249 –250

العودة