فصل (مناقب الصنديد الكرار)

 فيا أيها المرتاب في فضل داحي الباب، وأم الكتاب وحاكم يوم الحساب، وولي النعيم والعذاب، يوم المآب، مؤمن حبه النجاة من العقاب، وعترته الهداة الأنجاب، أليس هو الرجل الذي قال في حقه النبي صلى الله عليه وآله وقوله الحق: (من أراد أن ينظر إلى إسرافيل في رفعته، وإلى ميكائيل في درجته، وإلى جبرائيل في عظمته، وإلى آدم في هيبته، وإلى نوح في صبره ودعوته، وإلى إبراهيم في سخاوته، وإلى موسى في شجاعته، وإلى عيسى في سماحته، وإلى محمد في شرفه ومنزلته، فلينظر إلى علي بن أبي طالب عليه السلام) (1) وهذا تنبيه ورمز إلى أنه الاسم الأعظم الجاري في كل شئ، وأن كل شئ خلقه الله فإن عليا مولاه ومعناه، لأنه كلمة واجب الوجود والنور المشرق في سماء الوجود والموجود، فكل رفعة وإن علت - فإنها تحت درجته، وكل منزلة - وإن علت - فهي دون منزلته، وتحت رتبته، فمقام الأملاك في صوامع الأفلاك، دون منزلته وتحت رتبته، ومقام ونور الكواكب والأقمار من إشراق شمس عظمته، فهو العلي العظيم، ولي العلي العظيم، فهو عماد الأولياء، ودعوة الأنبياء.

 فرفعة إسرافيل، وعظمة جبرائيل، وهيبة آدم، وكرم الخليل، وشجاعة موسى وسماحة عيسى، وحكمة داود، وملك سليمان، ذرة من فخره وقطرة من بحره، وكيف لا يكون كذلك؟ وهو العلة في وجودهم، وسر موجودهم، فلولاه ما دار فلك، ولا سبح لله ملك، فالنظر إليه عبادة، والوقوف معه عبادة، والموت على حبه شهادة، وموالاته سعادة، وهو الذي قال في حقه الرسول يوم خيبر: (لو لم أخف أن تقول أمتي فيك ما قالت النصارى في المسيح ابن مريم لقلت اليوم فيك حديثا) (2) فلو قال لدعوه ربا، لكنهم دعوه ربا، وما قال، وذاك لعظيم الخصال ولما قال الرسول ما قال، قال المنافقون: ما باله يرفع خساسة ابن عمه يريد أن يجعله ربا فكفروا فيه بمقالة الرسول، والمنكر الآن لفضل ولي الرحمن لا فرق بينه وبين فلان وفلان

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

( 1) مناقب ابن المغازلي: 212 ح 256، وأمالي الشجري: 1 / 133 وغرر البهاء الضوي: 298 وروضة الواعظين: 128.

( 2) معجم الطبراني الكبير: 1 / 320 ومناقب الكوفي: 2 / 615.

 

 

 

فصل

وفي ذلك اليوم لما جاءت صفية إلى الرسول صلى الله عليه وآله وكانت أحسن الناس وجها فرأى في وجهها شجة، فقال: ما هذه وأنت ابنة الملوك؟ فقالت: إن عليا لما قدم الحصن هز الباب فاهتز الحصن، وسقط من كان عليه من النظارة وارتجف بي السرير، فسقطت لوجهي فشجني جانب السرير، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وآله: يا صفية إن عليا عظيم عند الله، وإنه لما هز الباب اهتز الحصن واهتزت السماوات السبع، والأرضون السبع، واهتز عرش الرحمن غضبا لعلي، وفي ذلك اليوم لما سأله عمر فقال: يا أبا الحسن لقد اقتلعت منيعا ولك ثلاثة أيام خميصا، فهل قلعتها بقوة بشرية؟ فقال: ما قلعتها بقوة بشرية، ولكن قلعتها بقوة إلهية، ونفس بلقاء ربها مطمئنة رضية (1).

 

فصل

وفي ذلك اليوم لما شطر مرحب شطرين، وألقاه مجندلا جاءه جبرائيل باسما متعجبا فقال له النبي صلى الله عليه وآله: مم تعجبك؟ فقال: إن الملائكة تنادي في صوامع وجوامع السماوات: (لا فتى إلا علي ولا سيف إلا ذو الفقار)، وأما إعجابي فإني لما أمرت أن أدمر قوم لوط حملت مدائنهم وهي سبع مدائن من الأرض السابعة السفلى إلى الأرض السابعة العليا، على ريشة من جناحي، ورفعتها حتى سمع حملة العرش صياح ديكهم، وبكاء أطفالهم، ووقفت بها إلى الصبح أنتظر الأمر ولم أنتقل بها، واليوم لما ضرب علي ضربته الهاشمية وكنت أمرت أن أقبض فاضل سيفه حتى لا يشق الأرض فيصل الثور الحامل لها يشطره شطرين، فتنقلب الأرض بأهلها فكان فاضل سيفه علي أثقل من مدائن لوط، هذا وإسرافيل وميكائيل قد قبضا عضده في الهواء ! ! (2).

 أقول: استعظم الجاهل هذا الحديث، فاضل سيف علي أثقل من مدائن لوط على يد جبرائيل هذا وإسرافيل وميكائيل قد قبضا عضده في الهواء هو غلو.

 فقلت: يا بعيد الفكرة وجامد الفطرة، جبرائيل وميكائيل وإسرافيل خلق الله خلقوا من شعاع نور محمد وعلي، ومحمد وعلي خلقا من جلال ذي الجلال، فهم صفة الله وكلمة الله وأمر الله، وخلق

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

( 1) أمالي الصدوق: 415 مجلس 77 ح 10، والطرائف: 519.

( 2) مدينة المعاجز: 1 / 426، والبحار: 21 / 40.

 

 

الله، ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وآله: لو كانت البحار مدادا والغياض أقلاما، والسماوات صحفا، والجن والأنس كتابا، لنفد المداد وكلت الثقلان، أن يكتبوا معشار عشر فضايل إمام يوم الغدير (1)، وكيف يكتبون وأنى يهتدون؟ ولقد شهد لهذا الحديث النبوي الكتاب الإلهي من قوله: قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي ولو جئنا بمثله مددا (2)، وأكبر كلمات الله علي، وإليه الإشارة بقوله صلوات الله عليه: (أنا كلمة الله الكبرى) (3) فله الفضل الذي لا يعد، والمناقب التي ليس لها حد، ولقد أنصف الشافعي محمد بن إدريس إذ قيل له: ما تقول في علي؟ فقال: وماذا أقول في رجل أخفى أولياؤه فضائله خوفا، وأخفى أعداؤه فضائله حسدا، وشاع له بين ذين ما ملأ الخافقين (4)، فأحببت أن أنظم هذا الحديث شعرا فقلت:

روى فضله الحساد من عظم شأنه * وأكبر فضل راح يرويه حاسد

محبوه أخفوا فضله خيفة العدى * وأخفاه بعضا حاسد ومعاند

وشاعت له من بين ذين مناقب * تجل بأن تحصى وإن عد قاصد

إمام له في جبهة المجد أنجم * علت فعلت أن يدن هاتيك راصد

لها فوق مرفوع السماك منابر * وفي عنق الجوزاء منها قلائد

مناقب إن جلت جلت كل كربة * وطابت فطابت من شذاها المشاهد

فتى تاه فيه الخلق طرا فعابد * له ومقر بالولاء وجامد

إمام مبين كل فضل له حوى * بمدحته التنزيل والذكر شاهد (5)

فكل مبالغ في فضله إلا الغلو فهو معتذر، وكل مطنب ومطرب في مدحه فهو مختصر، وإلى هذا، المعنى أشار العارف الخليعي رضي الله عنه فقال:

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

( 1) بحار الأنوار: 40 / 73 - 75، وتذكرة الخواص: 23، والطرائف: 1 / 208.

( 2) الكهف: 109.

( 3) روى الصدوق في الأمالي 11 مجلس 3، عن النبي: (علي كلمة الله العليا) وفي رواية: (الإمام كلمة الله) البحار 25 / 169 وفي معاني الأخبار: (أنا كلمة الله التقوى).

( 4) كشف اليقين: 4.

( 5) أعيان الشيعة: 6 / 468.

 

 

سارت بأنوار علمك السير * وحدثت عن جلالك السور

والواصفون المحدثون غلوا * وبالغوا في علاك واعتذروا

 

فصل (عدم إدراك حقيقة علي عليه السلام)

وكيف لا يعتذرون وأنى يبصرون، وقد روى الأصبغ بن نباتة أن أمير المؤمنين عليه السلام كان يجلس للناس في نجف الكوفة فقال يوما لمن حوله: من يرى ما أرى ؟.

 فقالوا: وما ترى يا عين الله الناظرة في عباده؟ فقال: أرى بعيرا يحمل جنازة، ورجلا يسوقه ورجلا يقوده، وسيأتيكم بعد ثلاث، فلما كان اليوم الثالث قدم البعير والجنازة مشدودة عليه، والرجلان معه، فسلما على الجماعة، فقال لهم أمير المؤمنين عليه السلام بعد أن حياهم: من أنتم ومن أين أقبلتم وما هذه الجنازة ولماذا قدمتم ؟.

 فقالا: نحن من اليمن، وأما الميت فأبونا، وأنه عند الموت أوصى إلينا، فقال: إذا غسلتموني، وكفنتموني، وصليتم علي فاحملوني على بعيري هذا إلى العراق، وادفنوني بنجف الكوفة، فقال لهما أمير المؤمنين: هل سألتماه لماذا؟ فقالا: أجل قد سألناه، فقال: يدفن هناك رجل لو شفع في يوم العرض في أهل الموقف لشفع، فقام أمير المؤمنين عليه السلام وقال: صدق، أنا والله ذاك الرجل (1).

 

 

فصل (ما عرف علي سوى النبي)

وكيف يعرف الناس عليا ويحيطون به خبرا وذلك باب قد سد النبي طريق الوصول إليه، فقال وقوله الحق: (ما عرفك إلا الله وأنا، وما عرفني إلا الله وأنت، وما عرف الله إلا أنا وأنت) (2).

 هذا حديث صحيح والناس مع صحته يدعون معرفة الله ورسوله، وصدق الحديث يوجب كذب دعواهم، وصدق دعواهم يوجب كذب الحديث، ولكن الحديث صادق، فدعواهم في معرفة حقيقة الله ورسوله كاذبة، سبحانك ما عرفناك حق معرفتك، لأن حقيقة معرفة الله ومعرفة حقيقة الله غير معلومة للبشر، وكذا معرفة حخيخه محمد وعلي عليه السلام، وإليه الإشارة بقوله: (ما عرف الله

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

( 1) بحار الأنوار: 41 / 357 ح 65 بتفاوت.

( 2) مناقب آل أبي طالب: 3 / 267، وإرشاد القلوب: 2 / 209 وبحار الأنوار: 39 84 ح 15.

 

 

غير الله، وما وحد الله غير محمد رسول الله) (1).

 وكذا حقيقة محمد وعلي ما عرفها إلا الله، وهم وقليل من أوليائهم، ممن وصل إلى الدرجة العليا العاشرة من الإيمان.

 يدل على صحة هذه الدعوى، والشاهد ما ورد في كتاب البشائر: أن عمر دخل على رسول الله صلى الله عليه وآله في مسجده يوما وبين يديه أمير المؤمنين فقال عمر: فما لي سألته (2)... الله .

قلت أصدقكم لهجة أبو ذر، فقال: هو كما قلت، فقال عمر: فما لي سألته عنك فقال: هو في مسجده، فقلت: ومن عنده؟ فقال: رجل لا أعرفه، وهذا علي، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: صدق أبو ذر يا عمر، هذا رجل لا يعرفه إلا الله ورسوله.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

( 1) في الحديث: يا علي ما عرف الله إلا بي ثم بك) البحار: 22 / 148.

( 2) نقص بالأصل ولعله: .. سألته (أبا ذر) عن علي فقال: لا يعرفه إلا الله.

 

 

 

فصل

وبيان ما أشار إليه النبي وأحال عليه أن من عرف محمدا وعليا كمعرفة الله لهم، عرف الله (1) كما عرفوه، لكن الأول ممتنع فالثاني كذلك، مثاله من القرآن: قوله سبحانه لموسى: (لن تراني ولكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني)(2) فعلق الرؤية على استقرار الجبل، واستقرار الجبل عند تجلي نور الكبرياء محال، فرؤية الرب الكبير المتعال بعين البصر محال.

 علق الممتنع على الممتنع فامتنع الثاني لامتناع الأول.

 فما لك أيها المرتاب كلما وضح الدليل ازددت ضلالا عن السبيل، وكلما لاح ضوء الصباح وفاح أقاح الإيضاح، زدت زكاما، وهل هذا ضلال عن الحق وشك في عين اليقين وإمام الصدق، فإذا كان المنافق إذا تليت عليه آيات علي أبى واستكبر، والموافق إذا تليت عليه آياته أنكر واستكثر، فما الفرق إذا بين من عمي وأبصر؟ ولقد أحسن من أشار إلى هذا المقام فقال:

أمير المؤمنين أراك لما * ذكرتك عند ذي ثقة صغى لي

وإن كررت ذكرك عند نغل * تكدر سره وبغى قتالي

فصرت إذا شككت بأصل امرئ * ذكرتك بالجميل من الخصال

فها أنا قد خبرت بك البرايا * فأنت محك أولاد الحلال

وليس يطيق حمل ثناك إلا * كريم الأصل محمود الفعال (3)

وجه آخر في معنى قوله: (ما عرف الله إلا أنا وأنت)، وذاك أن العظمة التي رآها رسول الله ليلة المعراج واختراقه الحجب السماوية، ووصوله إلى قاب قوسين والكلام الذي خوطب

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

( 1) كان الشعر في الأصل المطبوع تشويها عجيبا وممسوخا عن أصله إلى حد بعيد.

( 2) الأعراف: 143.

(3) كان الشعر في الأصل المطبوع مشوّهاً تشويهاً عجيباً وممسوخاً عن أصله إلى حدٍّ بعيد.

 

 

به بغير واسطة، مما لم ينله ملك مقرب ولا نبي مرسل، وأن ذلك كله وصل إلى أمير المؤمنين ورآه كما رآه، وإليه الإشارة بقوله: (إنك ترى ما أرى وتسمع ما أسمع) (1) فما عرف الله سبحانه من جميع الخلائق بهذه المعرفة إلا هم، وكذلك ما عرف محمدا وعليا على ما هم عليه إلا الله الذي أوجدهم من نور عظمته، وخصهم بسره وكرامته، وجعلهم في علو المقام تحت ذاته، وفوق جميع مخلوقاته، ومن ذا الذي يحصي عدد أوراق الأشجار، وقطرات الأمطار، وذرات القفار، ورشحات البحار؟ !

ووجه آخر في معنى قوله: ما عرف الله إلا أنا وأنت، والمراد أنه ليس بيننا وبين الله واسطة من المخلوقات، بل نحن أول المخلوقات والخلائق، وعين الحقائق، ونحن في مقامنا اللاحق سادة العبيد، وعبيد الحق.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

( 3) تقدم الحديث.

 

 

فصل (حقيقة الإمام والإمامة)

 وإذا عرف الناس من معنى علي العلي، إنما شاهدوا منه ليثا جائلا، وهزبرا صائلا، وغضبا قاتلا، وبليغا قائلا، وحاكما بالحق قاضيا، وغيثا هاملا، ونورا كاملا، فشهدوا صورة الجسم، وموقع الاسم، ذلك مبلغهم من العلم ! وما عرفوا أنه الكلمة التي بها تمت الأمور، ودهرت الدهور، والاسم الذي هو روح كل شئ، والهاء التي في هوية كل موجود، وباطن كل مشهود، وإن الذي خرج إلى حملة العرش من معرفة آل محمد مع قربهم من حضرة العظمة والجلال كالقطرة من البحر، وذلك لأن ذات الله تعالى غير معلومة للبشر كما مر، فلم يبق إلا معرفة الصفات، والناس في معرفتها قسمان: قسم حظهم منها الذكر لها والتقديس بها، فجعلوها في السر أورادهم، ومركبهم إلى مطلبهم ومرادهم، فتجلى عليهم نور الجمال، من سبحات الجلال، فصاروا في القميص البشرية، أشخاصا سماوية، تخضع لهم السباع، وتذل لهم الضباع.

 وهذا سر (1) تلاوة الأسماء، وكذلك الناس في معرفة آل محمد، قسم عرفوا أنهم أولياء الله والوسيلة إلى عفوه ورضاه، فقدموهم في حاجتهم لديه، وتوسلوا بهم إليه، وقسم عرفوا أنهم الكلمة الكبرى، والآية العظمى، لأن أقرب الصفات إلى حضرة الأحدية، جمال الوحدانية، لأن الواحد إما أن يكون أول الأعداد ومنبع الآحاد، والواحد الفاضل عن الاثنين، وهو الذي لا يكون زوجا ولا فردا، ذلك هو الأحد الحق..

 وأما الواحد الذي هو منبع الموجودات، فهو الواحد المطلق (2) الذي لا يحد ولا يعد، ولا لأمره دفع، ولا لسلطانه نفاد، ولا لملكه فناء، وهي الكلمة التي تخضع لذكرها الموجودات، وتنفعل بسماعها الكائنات، وهي مستورة بين حرفين كن فيكون.

 فمن تجلى على مرآة نفسه بوارق سرهم الخفي، واسمهم العلي خرق لهم الجدران، وسخرت لهم الأكوان، وكان من أولياء الرحمن، وأمن العذاب والهوان.

 يؤيد هذا المدعى ما رواه طارق بن شهاب عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال: يا طارق، الإمام كلمة الله وحجة الله، ووجه الله ونور الله، وحجاب الله، وآية الله، يختاره الله، ويجعل فيه منه ما يشاء،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

( 1) في الأصل المطبوع أثر بدلا عن سر النسخة الخطية.

( 2) في النسخة المخطوطة والأمر المتصل من الواحد إلى الأحد هو روح الحق ومعنى سائر الخلق وهي الكلمة.

 

 

 

 

ويوجب له بذلك الطاعة والأمر على جميع خلقه، فهو وليه في سماواته وأرضه، أخذ له بذلك العهد على جميع عباده، فمن تقدم عليه كفر بالله من فوق عرشه فهو يفعل ما يشاء، وإذا شاء الله شيئا يكتب على عضده، وتمت كلمة ربك صدقا وعدلا، فهو الصدق والعدل، ينصب له عمود من نور من الأرض إلى السماء يرى فيه أعمال العباد، ويلبس الهيبة وعلم الضمير، ويطلع على الغيب ويعطي التصرف على الإطلاق، ويرى ما بين الشرق والغرب فلا يخفى عليه شئ من عالم الملك والملكوت، ويعطى منطق الطير عند ولايته.

 فهذا الذي يختاره الله لوحيه ويرتضيه لغيبه، يؤيده بكلمته، ويلقنه حكمته، ويجعل قلبه مكان مشيئته، وينادى له بالسلطنة ويذعن له بالإمرة، ويحكم له بالطاعة، وذلك لأن الإمامة ميراث الأنبياء، ومنزلة الأصفياء، وخلافة الله وخلافة رسل الله، فهي عصمة وولاية، وسلطنة وهداية، لأنها تمام الدين، ورجح الموازين، الإمام دليل للقاصدين، ومنار للمهتدين، وسبيل للسالكين، وشمس مشرقة في قلوب العارفين.

 ولايته سبب النجاة، وطاعته معرفة (1) للحياة، وعدة بعد الممات، وعز المؤمنين وشفاعة المذنبين، ونجاة المحبين وفوز التابعين، لأنها رأس الإسلام وكمال الإيمان، ومعرفة الحدود والأحكام، تبين الحلال من الحرام، فهي رتبة لا ينالها إلا من اختاره الله وقدمه، وولاه وحكمه.

 فالولاية هي حفظ الثغور، وتدبير الأمور، وهي بعدد الأيام والشهور، الإمام الماء العذب على الظمأ، والدال على الهدى، المطهر من الذنوب، المطلع على الغيوب، فالإمام هو الشمس الطالعة على العباد بالأنوار، فلا تناله الأيدي والأبصار.

 (وإليه الإشارة بقوله: (ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين) (2) والمؤمنون علي وعترته فالعزة للنبي وللعترة، والنبي والعترة لا يفترقان إلى آخر الدهر) فهم رأس دائرة الإيمان وقطب الوجود، وسماء الجود، وشرف الموجود، وضوء شمس الشرف ونور قمره، وأصل العز والمجد ومبدؤه ومعناه ومبناه، فالإمام هو السراج الوهاج، والسبيل والمنهاج، والماء الثجاج، والبحر العجاج، والبدر المشرق والغدير المغدق، والمنهج الواضح المسالك، والدليل إذا عمت المهالك، والسحاب الهاطل، والغيث الهامل، والبدر الكامل، والدليل الفاضل، والسماء الظليلة، والنعمة الجليلة، والبحر الذي لا ينزف، والشرف الذي لا يوصف، والعين الغزيرة، والروضة المطيرة، والزهر الأريج، والبدر البهيج، والنير

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

( 1) في النسخة المخطوطة مفترضة.

( 2) المنافقون: 8.

 

 

اللائح والطيب الفاتح، والعمل الصالح والمتجر الرابح، والمنهج الواضح، والطيب الرفيق، والأب الشفيق، ومفزع العباد في الدواهي، والحاكم والآمر والناهي، أمير الله على الخلائق، وأمينه على الحقائق، حجة الله على عباده، ومحجته في أرضه وبلاده، مطهر من الذنوب، مبرأ من العيوب، مطلع على العيوب، ظاهره أمر لا يملك، وباطنه غيب لا يدرك، واحد دهره، وخليفة الله في نهيه وأمره، لا يوجد له مثيل، ولا يقوم له بديل.

 فمن ذا ينال معرفتنا، أو ينال درجتنا، أو يدرك منزلتنا.

 حارت الألباب والعقول، وتاهت الأفهام فيما أقول، تصاغرت العظماء وتقاصرت العلماء، وكلت الشعراء وخرست البلغاء، ولكنت الخطباء، وعجزت الشعراء، وتواضعت الأرض والسماء، عن وصف شأن الأولياء، وهل يعرف أو يوصف، أو يعلم أو يفهم، أو يدرك أو يملك، شأن من هو نقطة الكائنات، وقطب الدائرات، وسر الممكنات، وشعاع جلال الكبرياء، وشرف الأرض والسماء؟ جل مقام آل محمد عن وصف الواصفين، ونعت الناعتين، وأن يقاس بهم أحد من العالمين، وكيف وهم النور الأول، والكلمة العليا، والتسمية البيضاء، والوحدانية الكبرى، التي أعرض عنها من أدبر وتولى، وحجاب الله الأعظم الأعلى، فأين الأخيار من هذا؟ وأين العقول من هذا، ومن ذا عرف، من عرف؟ أو وصف من وصف، ظنوا أن ذلك في غير آل محمد، كذبوا وزلت أقدامهم، واتخذوا العجل ربا، والشيطان حزبا، كل ذلك بغضة لبيت الصفوة ودار العصمة، وحسدا لمعدن الرسالة والحكمة، وزين لهم الشيطان أعمالهم فتبا لهم وسحقا، كيف اختاروا إماما جاهلا عابدا للأصنام جبانا يوم الزحام، والإمام يجب أن يكون عالما لا يجهل، وشجاعا لا ينكل، لا يعلو عليه حسب، ولا يدانيه نسب، فهو في الذروة من قريش والشرف من هاشم، والبقية من إبراهيم والنهج من النبع الكريم، والنفس من الرسول والرضى من الله، والقبول عن الله، فهو شرف الأشراف، والفرع من عبد مناف، عالم بالسياسة قائم بالرياسة، مفترض الطاعة، إلى يوم الساعة، أودع الله قلبه سره، وأنطق به لسانه، فهو معصوم موفق ليس بجبان، ولا جاهل فتركوه يا طارق، واتبعوا أهواءهم (ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله) (1).

 والإمام يا طارق بشر ملكي وجسد سماوي، وأمر إلهي وروح قدسي، ومقام علي ونور جلي، وسر خفي، فهو ملكي الذات إلهي الصفات، زائد الحسنات عالم بالمغيبات، خصا من

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

( 1) القصص: 50.

 

 

رب العالمين، ونصا من الصادق الأمين، وهذا كله لآل محمد صلى الله عليه وآله لا يشاركهم فيه مشارك، لأنهم معدن التنزيل، ومعنى التأويل وخاصة الرب الجليل، ومهبط الأمين جبرائيل، صفات الله وصفوته، وسره وكلمته، شجرة النبوة، ومعدن الفتوة، عين المقالة ومنتهى الدلالة، ومحكم الرسالة، ونور الجلالة، حبيب الله ووديعته، وموضع كلمة الله ومفتاح حكمته، مصابيح رحمة الله وينابيع نعمته، السبيل إلى الله والسلسبيل، والقسطاس المستقيم والمنهاج القويم، والذكر الحكيم، والوجه الكريم، والنور القويم، أهل التشريف والتقويم والتقديم، والتفضيل والتعظيم، خلفاء النبي الكريم، وأبناء الرؤوف الرحيم وأمناء العلي العظيم، ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم، السناء الأعظم والطريق الأقوم.

 من عرفهم وأخذ عنهم، فهو منهم، وإليه الإشارة بقوله: من تبعني فإنه مني، خلقهم الله من نور عظمته، وولاهم أمر مملكته، فهم سر الله المخزون، وأولياؤه المقربون، وأمره بين الكاف والنون.

 لا بل هم الكاف والنون، إلى الله يدعون وعنه يقولون، وبأمره يعملون، علم الأنبياء في علمهم، وسر الأوصياء في سرهم، وعز الأولياء في عزهم، كالقطرة في البحر، والذرة في القفر، والسماوات والأرض عند الإمام منهم كيده من راحته يعرف ظاهرها من باطنها، ويعلم برها من فاجرها، ورطبها ويابسها، لأن الله علم نبيه علم ما كان وما يكون، وورث ذلك السر المصون، الأوصياء المنتجبون، ومن أنكر ذلك فهو شقي ملعون، وكيف يفرض الله على عباده طاعة من يحجب عنه ملكوت السماء والأرض؟ وإن الكلمة من آل محمد تنصرف إلى سبعين وجها).

 - [ قال المؤلف: ] وكلما ذكر في الذكر الحكيم والكلام القديم، من آية يذكر فيها العين والوجه، اليد والجنب، فالمراد منها الولي لأنه جنب الله، ووجه الله، يعني حق الله وعلم الله، وعين الله ويد الله، لأن ظاهرهم باطن الصفات الظاهرة، وباطنهم ظاهر الصفات الباطنة، فهم ظاهر الباطن وباطن الظاهر وإليه الإشارة بقوله: (إن لله أعين وأياد، وأنا وأنت يا علي منها) -.

 (فهم الجنب العلي والوجه الرضي، والمنهل الروي، والصراط السوي، الوسيلة إلى الله، والوصلة إلى عفوه ورضاه، سر الواحد والأحد، فلا يقاس بهم من الخلق أحد، فهم خاصة الله وخالصته، وسر الديان وكلمته، وباب الإيمان وكعبته، وحجة الله ومحجته، وأعلام الهدى ورايته، وفضل الله ورحمته، وعين اليقين وحقيقته، وصراط الحق وعصمته، ومبدأ الوجود وغايته، وقدرة الرب ومشيئته، وأم الكتاب وخاتمته، وفصل الخطاب ودلالته، وخزنة الوحي وحفظته، وأمنة الذكر وترجمته، ومعدن التنزيل ونهايته، فهم الكواكب العلوية، والأنوار العلوية المشرقة من شمس العصمة الفاطمية، في سماء العظمة المحمدية، الأغصان النبوية، النابعة في الدرجة الأحمدية، الأسرار الإلهية المودعة في الهياكل البشرية، الذرية الزكية، والعترة الهاشمية، الهادية المهدية، أولئك هم خير البرية، فهم الأئمة الطاهرين والعترة المعصومين، والذرية الأكرمين والخلفاء الراشدين، والكبراء الصديقين، والأوصياء المنتجبين، والأسباط المرضيين، والهداة المهديين، والغر الميامين، آل طه وياسين، وحجة الله على الأولين والآخرين، اسمهم مكتوب على الأحجار، وعلى أوراق الأشجار، وعلى أجنحة الأطيار، وعلى أبواب الجنة والنار، وعلى العرش والأفلاك، وعلى أجنحة الأملاك، وعلى حجب الجلال، وسرادقات العز والجمال، وباسمهم تسبح الأطيار، وتستغفر لشيعتهم الحيتان في لجج البحار، وإن الله لم يخلق خلقا إلا وأخذ عليه الإقرار بالوحدانية، والولاية للذرية الزكية، والبراءة من أعدائهم، وإن العرش لم يستقر حتى كتب عليه بالنور: لا إله إلا الله محمد رسول الله علي ولي الله) (1).

 يؤيد هذا ما رواه الخوارزمي في مناقبه مرفوعا إلى ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: (أتاني جبرائيل فنشر جناحيه، وإذا على أحدهما مكتوب لا إله إلا الله محمد النبي، وعلى الآخر لا إله إلا الله علي الولي، وعلى أبواب الجنة مكتوب لا إله إلا الله محمد رسول الله، علي أخوه وولي الله، أخذت ولايتهم على الذر قبل خلق السماوات والأرض بألفي عام) (2).

 ومن ذلك ما رواه أبو بكر بن الخطيب مرفوعا إلى ابن عباس قال: (على أبواب الجنة مكتوب لا إله إلا الله محمد رسول الله، فاطمة خيرة الله، الحسن والحسين صفوة الله، على محبهم رحمة الله، وعلى مبغضهم لعنة الله) (3).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

( 1) الحديث بطوله: في بحار الأنوار: 25 / 170 ح 38.

( 2) بحار الأنوار: 27 / 2 ح 2 بتفاوت.

( 3) تاريخ بغداد: 1 / 274 رقم 88 ومناقب الخوارزمي: 302 ح 297 ومقتل الخوارزمي: 1 / 4 - 108 والطرائف 6 1 / 99 بتحقيقنا.

 

 

ومن ذلك ما رواه محمد بن يعقوب الهاشمي عن علي بن موسى الرضا، عن أبيه موسى بن جعفر، عن أبيه جعفر بن محمد، عن أبيه محمد بن علي، عن أبيه علي بن الحسين، عن أبيه الحسين بن علي، عن أبيه أمير المؤمنين، عن محمد خاتم النبيين، عن جبرائيل الأمين، عن ميكائيل، عن إسرافيل، عن الله جل جلاله، أنه قال جل من قائل: أنا الله الذي لا إله إلا أنا خلقت الخلق بقدرتي، واخترت منهم أنبياء، واصطفيت من الكل محمد صلى الله عليه وآله، وجعلته حبيبا ورضيا، وبعثته إلى خلقي، واصطفيت له عليا وأيدته به، وجعلته أميني وأميري، وخليفتي على خلقي، ووليي على عبادي، يبين لهم كتابي ويشرفهم بحكمي وجعلته العلم الهادي من الضلالة، وبابي الذي أوتى منه، وبيتي الذي من دخله كان آمنا من ناري، وحصني الذي من لجأ إليه حصنته من مكروه الدنيا والآخرة، ووجهي الذي من توجه إليه لم أصرف عنه وجهي، وحجتي على أهل سمائي وأرضي، وعلى جميع من سميته (1) من خلقي، فلا أقبل عمل عامل إلا مع الإقرار بولايته مع نبوة أحمد رسولي، ويدي المبسوطة في عبادي، فبعزتي حلفت، وبجلالي أقسمت، أنه لا يتولى عليا عبد من عبادي إلا زحزحته عن النار، وأدخلته جنتي، ولا يعدل عن ولايته إلا من أبغضته، وأدخلته ناري (2).

 فمن زحزح عن النار التي هي بغض علي، وأدخل الجنة التي هي حب علي، فقد فاز، لأن النجاة من النار ودخول الجنة بالإيمان، والدرجات بالصالحات، من الأعمال، والإسلام والإيمان حب علي، لأن كمال الإسلام الإيمان، فلا إسلام حقيقي إلا بالإيمان، بل الإسلام الحقيقي هو الإيمان، والإيمان الحقيقي حب علي، وإليه الإشارة بقوله: (إن الدين عند الله الإسلام) (3) وذلك أن الإسلام هو الإيمان، والإيمان تمامه وكماله حب علي، فلا إيمان إلا بحب علي، ولا نجاة إلا به.

دليله أيضا قوله: (ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه) (4)، والمراد بهذا الإسلام حب علي، لأنه أين كان الإيمان كان الإسلام من غير عكس، فكل مؤمن مسلم، وإليه الإشارة بقوله سبحانه: (قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا) (5) فالإسلام بغير الإيمان لا

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

( 1) في الأصل المطبوع من بينهن.

( 2) بحار الأنوار: 38 / 98 ح 17 عن الأمالي بتفاوت.

( 3) آل عمران: 19.

( 4) آل عمران: 85.

( 5) الحجرات: 14.

 

 

ينجي، لأن الأعمال بخواتيمها، وخواتيم شرائع الإسلام، وخواتيم الإسلام الإيمان، وختم الإيمان حب علي، فحب علي خاتمة كل دين.

 وعين كل يقين، فحبه الجنة، وبغضه النار، دليل ذلك ما رواه صاحب الأمالي: أن جبرائيل نزل على رسول الله صلى الله عليه وآله فقال له: يا محمد السلام يقرئك السلام ويقول لك: خلقت السماوات السبع وما فيهن، والأرضين السبع وما بينهن، وما خلقت موضعا أكرم من الركن والمقام، ولو أن عبدا عبدني هناك منذ خلقت السماوات والأرض، ثم لقيني يوم القيامة جاحدا لعلي حقا لأكببته في سقر (1).

 ويؤيد ذلك ما ورد عنه صلى الله عليه وآله: وليلة أسري بي إلى السماء وجدت اسم علي مقرونا باسمي في أربع مواضع: الأول وجدت على صخرة بيت المقدس مكتوبا لا إله إلا أنا وحدي، محمد رسولي من خلقي أيدته بوزيره ونصرته به.

 قال: فقلت: يا جبريل ومن وزيري؟ فقال: علي بن أبي طالب.

 قال: لما أتيت إلى العرش وانتهيت إليه، وجدت مكتوبا على قائمة لا إله إلا أنا وحدي محمد صفوتي من خلقي أيدته بوزيره ونصرته.

 فقلت: يا جبريل ومن وزيري؟ فقال: علي بن أبي طالب عليه السلام، قال: ولما انتهيت إلى سدرة المنتهى، وجدت عليها مكتوبا أنا الله لا إله إلا أنا وحدي محمد صفوتي من خلقي أيدته بوزيره علي ونصرته به (2)، ألا وإنه قد سبق في علمي أنه مبتلى ومبتلى به، مما أتى قد نحلته ونحلته أربعة أشياء لا يفصح عن عقدها (3).

 

 

فصل

وأنا أقول على فقري وإملاقي: يا آل الرسول صلوات الله عليكم وسلامه منا إليكم كلما تسنمت بعود الورق، وسجمت دموع الورق، لقد آتاكم الله من فضله ما لم يؤت أحدا من خلقه، طأطأ كل شريف رأسه لشرفكم وذل كل عزيز لعزتكم، وأشرقت الأرض بنوركم، وفاز العارفون بحبكم، فأنتم ينابيع النعم، ومصابيح الظلم، ومفاتيح الكرم، ولولاكم لم يخرج الوجود من العدم، فقلت:

يا آل طه أنتم أملي * وعليكم في البعث متكلي

بولاكم وبطيب مدحكم * أرجو الرضا والعفو عن زللي

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

( 1) بحار الأنوار: 27 / 167 ح 3 وفيه لولاية علي.

( 2) بحار الأنوار: 27 / 2 ح 5.

( 3) بحار الأنوار: 36 / 159 ح 140.

 

 

رجب المحدث عبد عبدكم * الحافظ البرسي لم يزل

لا يخشى في بعثه زللا * إذ سيداه محمد وعلي

وإن الذي خرج إلى الملائكة من معرفتكم قليل من كثير، وكيف يعرفكم الناس مع جلالة قدركم؟ وأنتم النور الذي بهر عيون العقول، فحنأت عن إدراك مجدكم، وكيف تدرك عين الشمس أبصار الخفافيش؟ ومعذور من أنكر غامض سركم، وخفي أمركم، وباهر نوركم، لأن الناظر في صحائف مجدكم، حجبهم النظر إلى الظاهر عن إدراك السرائر، وصدهم عن المعنى الشاهد زخرف الشاهد، فطوفوا بقصور المغنى، قصورا عن المعنى فكانوا كما قيل:

خلعنا هياكلنا فجادوا بلثمها * فشاقهم المغنى وفاتهم المعنى

فهم كالمنجم الذي نقل أحكام النجوم من علماء الهيئة، فهو يحدث الناس بما وعاه ولا يعقل ما رواه، مما يحجبه النور عنه وواراه، وصغره البعد في عينه وزواه، فإذا قيل له: إن الأرض بأسرها غائصة تحت الماء، وإن الخارج منها إنما هو ربع الكرة، ومنه المدن والقرى والأقاليم السبعة، والبراري والقفار، والبحار والجبال، والخراب والعمران، وإنما المسكون جزء من هذا الربع، وذلك لأن مشرق الشمس الذي هو تحت سهيل، فإن الشمس لا تغيب هناك إلا ستة أشهر والباقي نهار، وليس هناك نبات ولا حيوان، إلا صخور محترقة من حر الشمس.

 وبعد الشمس عن الأرض هناك مائة ألف فرسخ وأربعة وعشرون ألف فرسخ، وكذا ما يقابله تحت الجدي من ناحية المغرب فإن الزمان هناك ليل إلا قليل ترى فيه الشمس عند صعودها في برج السرطان، وهناك لا حيوان ولا نبات وتلك هي بلاد الظلمات، وهذه الأرض أكثرها جبال وصخور وغيرهما، ثم إن الأرض بأسرها، من مشرقها إلى مغربها، بر وبحر في ضمن فلك القمر كالخردلة في البر، وإن رفعة القمر بقدر مجموع الأرض 33 مرة، ولذلك يراه الإنسان أين كان، وإن فلك القمر بالنسبة إلى فلك الشمس الذي هو تحت السلطنة كالقطرة في البحر، ثم إن السماوات والأرض كالحلقة في الفلاة، وإن الفرس الجواد إذا كان في أشد الطرد فإنه بقدر ما يضع حافره على الأرض ويرفعه تسير الشمس خمسمائة فرسخ (1) وإن قرص الشمس بقدر مجموع الأرض 66 مرة (2) وإن الأرض مساحة سطحها في علم

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

( 1) يقول علم الفلك الحديث إن الشمس ثابتة، والأرض هي المتحركة.

( 2) قدرت سعة الشمس في العلوم الجديدة بأكثر من الأرض مقدار مليون وثلاثمائة ألف مرة.

 

 

الهيئة عشرون ألف ألف وثلاثمائة ألف وستون ألف فرسخ، وإن كل فرسخ ثلاثة أميال، والميل أربعة آلاف ذراع، وإن النجم الذي يقال له السهى، وهو نجم خفي لا يرى إلا في الظلمة لذوي الأبصار السليمة، وإنه مع خفائه بقدر مجموع الأرض 18 مرة (1) فهناك يدهش عند سماع هذا وينكره، ومن جهل شيئا أنكره، وكذا من عرف أن نسبة السماوات والأرض والأفلاك في عظمة صاحب لولاك، نسبة لا شئ إلى شئ لأن الجزء لا يقاوم الكل وإن كثر، وإن الخلق لا يقابل الخالق وإن عظم، فإن خالقه أعظم، فالنبي الذي به ولأجله تكونت الأشياء، ولولاه لما كانت هو أعظم منها، ونسبة الشمس والقمر والنجوم إلى جلال جمال أول ما خلق الله نوري لليل إلى الفجر، ونسبة السهى إلى نور البدر، لأنه هو النور الذي قهر غواسق العدم، وأضاءت به حنادس الظلم، وإن ما في أيدي الناس من أسرار آل محمد ومعرفتهم بالنسبة إلى ما خفي عليهم، كنسبة الله إلى خلقه وكيف ينسب الخلق إلى خالقهم والمماليك إلى مالكهم، وكيف يعرفون عظمة ربهم، أو يقدرونها على قدر عقولهم.

 

فصل

وعظمة الولي من عظمة النبي صلى الله عليه وآله، وعظمة النبي من عظمة الرب العلي، لأنه آية الله وآية النبي، وكلمة الله وكلمة النبي، ونائب وحي الله ووارث النبي، وبه يتم توحيد الله ودين النبي، وبيان هذا الشأن العظيم أنه أخذ له العهد على الأرواح، وجعل له الولاية المطلقة من الأزل، ولم تزل.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

( 1) في القسم 15 مرة وليس في علم الفلك الآن أحكام ثابتة عن مقدار السهى حتى نضع المقارنة.

 

 

 

 

فصل (عالم آل محمد قبل الخلق)

 وإليه الإشارة بقوله: (كنت نبيا وآدم بين الماء والطين ولا ماء ولا طين (1)، وكان علي وليا قبل خلق الخلائق أجمعين) (2)، ثم إنه أرسل الرسل إليه يدعون، وبمحمد يبشرون ويؤمنون، وبولاية علي يتمسكون، وبه إلى الله في الملمات يدعون، ثم بعث نبيه محمدا صلى الله عليه وآله فختم به الموجود كما افتتح به الوجود، ثم خصه بجوامع الكلم، وأنزل إليه السبع المثاني وهي سورة الحمد وجعل لوليه فيها مقاما رفيعا فقال: اهدنا الصراط المستقيم، والصراط المستقيم حب علي، فأمره أن يسأل لأمته الهداية إلى حب علي ثم إنه أمر نبيه أيضا بالتمسك به والحث عليه فقال: فاستمسك بالذي أوحي إليك إنك على سراط مستقيم (3) وهو حب علي، ثم أكد ذلك فقال: فاستقم كما أمرت (4) أي ادع الناس إلى حب علي لأنه يدعو إلى الإيمان أولا، ثم إلى الفرائض لأن الأصل مقدم على الفرع، فلا فرائض إلا بالإيمان، ولا إيمان إلا بحب علي، لأن التوحيد لا ينعقد إلا به، فما لم يكن الإيمان فلا فرائض، وما لم يكن حب علي فلا إيمان، فالإيمان والفرائض حب علي، فالأصل والفرع حب علي وولايته.

 

فصل (السؤال عن علي في القبر)

 ثم أخبر نبيه أن حب علي هو المسؤول عنه في القبر فقال: (وإنه لذكر لك ولقومك وسوف تسألون) (5) يعني يوم القيامة وفي القبر، ثم رفع نبيه إلى المقام الأسنى، وهو قاب قوسين أو أدنى، فخاطبه بلسان علي ثم أمره أن يرفع عليا فوق كتفه، فقال في خطبة الفخار: أنا الواقف على

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

( 1) كنز العمال: 12 / 426 ح 3558، وفضائل ابن شاذان: 34، والفردوس: 3 / 284 ح 4854.

( 2) لفظ الحديث: (كنت وليا وآدم بين الماء والطين) المراقبات: 259 وجامع الأسرار: 382 ح 763.

( 3) الزخرف: 43.

( 4) هود: 112.

( 5) الزخرف: 44.

 

 

التطنجين، قال المفسرون: هي الدنيا والآخرة، أي أنا العالم بهما، وقيل: المشرق والمغرب، وأنا، المحيط بعلم ما بينهما، وقيل: الجنة والنار، وأنا القاسم لهما، وقيل: لا بل هو إشارة إلى ارتفاعه فوق كتف رفيع المقام، وليس فوق هذا المقام إلا ذات الملك العلام، فأي رفعة فوق هذا؟ وأي مقام أعلى من هذا؟ لأن الله رفع رسوله حتى جاوز عالم الأفلاك والأملاك، وعالم الملك والملكوت، وعالم الجبروت، ووصل إلى عالم اللاهوت 18، وأمير المؤمنين عليه السلام ارتقى على كتفي صاحب هذا المقام.

 

فصل

ثم أمر رسوله بالتبليغ البليغ فيه، فقال: بلغ ما أنزل إليك من ربك ثم أكد ذاك بالتهديد، فقال: (وإن لم تفعل فما بلغت رسالته) (1) لكنك بلغت فأنت فاعل، فقد بلغ فما معناه؟ هذا رمز يدل على شرف الولاية وأنه لا قبول للأعمال، قلت: أم جلت إلا بها، والمراد أنهم إن لم يؤمنوا بعلي فلا ينفعهم إسلامهم، فكأن الرسالة لم تبلغهم، فعلم أنه من لم يؤمن بعلي لم يؤمن بمحمد، ومن لم يؤمن بمحمد لم يؤمن بالله، لأن الإقرار بالولاية يستلزم الإقرار بالنبوة، والإقرار بالنبوة يستلزم الإقرار بالتوحيد، وكذا إنكار الولاية يستلزم إنكار النبوة، وإنكار التوحيد، لتوقف الاثنين على الولاية.

 

فصل (علي الكتاب المبين)

ثم أنزل بعد الحمد ألم، فجعل سر الأولين والآخرين بتضمنه في هذه الأحرف الثلاثة، وفي كل حرف منها الاسم الأعظم، وفيها معاني الاسم الأعظم ثم قال: (ذلك الكتاب لا ريب فيه) (2) يعني علي لا شك فيه، لأن القرآن هو الكتاب الصامت، والولي هو الكتاب الناطق، فأينما كان الكتاب الناطق كان الكتاب الصامت ! ! فالولي هو الكتاب، وعلي هو الولي، فعلي هو الكتاب المبين، والصراط المستقيم، فهو الكتاب وأم الكتاب، وفصل الخطاب وعنده علم الكتاب، وويل للمنكر والمرتاب.

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

( 1) المائدة: 67.

( 2) البقرة: 1.

 

 

 

فصل (لولا علي ما خلقت الجنة)

 ثم رفع مقامه بين النبيين والمرسلين، إلا من هو منه في المقام مقام الألف المعطوف من اللام، فقال: لولا علي ما خلقت جنتي (1)، ولم يقل لولا النبيين ما خلقت جنتي، وذلك لأن النبيين جاؤوا بالشرائع، والشرائع فرع من الدين، والتوحيد أصله، والفرع مبني على الأصل، والأصل مبني على الولاية، فالأصل والفرع من الدين مبني على حب علي، فحب علي هو الدين والإيمان، والجنة تنال بالإيمان، والإيمان ينال بحب علي، فلولا حب علي لم يكن الإيمان، فلم تكن الجنة، فلولا علي لم يخلق الله جنته، فاعلم أن الإيمان بالنبيين والمرسلين لا ينفع إلا بحب علي.

 

فصل

أحبط أعمال العباد بغير حبه، فقال: (لئن أشركت ليحبطن عملك) (2) وكيف يشرك بالرحمن من هو الأمان والإيمان؟ ومعناه أنك إن ساويت بعلي أحدا من أمتك فجعلت له في الخلق مثلا وشبها، فلا عمل لك، والخطاب له، والمراد أمته.

 

فصل

ثم جعل دخول الجنة بحبه وطاعته، ودخول النار ببغضه ومعصيته، فقال: لأدخلن الجنة من أطاعه وإن عصاني، ولأدخلن النار من عصاه وإن أطاعني، وهذا رواه صاحب الكشاف وقد مر ذكره.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

( 1) - وفي لفظ: (لولانا لم يخلق الله الجنة ولا النار ولا الأنبياء) البحار: 26 / 349 ح 23.

( 2) - الزمر: 65.

 

 

 

فصل (علي ألف الغيب)

 ثم أبان من فضل وليه ما لم ينكره إلا من تولى وكفر، فقال (: قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي ولو جئنا بمثله مددا) (1) والكلمة الكبرى علي بن أبي طالب عليه السلام وتحتها باقي الكلمات، ثم أبان من فضله ما هو أعلى وأكبر لمن تولى واستكبر، فقال: ولو أنما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله (2) والكلمات كلها حروف الكلمة الكبرى وداخلة تحتها، وفائضة عنها، وهي فائضة عن ذات الحق كفيض سائر الأعداد عن الواحد، ومبدأ الكلمات عن الألف، الذي أبداه عالم الغيب وأبدى عنه سائر الحروف والكلم، فهو عليه السلام ألف الغيب، وعين الوحدانية الكبرى، التي أعرض عنها من أدبر وتولى.

 

فصل (علي السر في فواتح السور)

 ثم إن الله سبحانه أوحى إلى نبيه صلى الله عليه وآله أن عليا معه في السر المودع في فواتح السور، والاسم الأكبر الأعظم الموحى إلى الرسل من السر، والسر المكتوب على وجه الشمس والقمر والماء والحجر، وأنه ذات الذوات، والذات في الذات، في الذات للذات، لأن أحدية الباري متنزهة عن الأسماء والصفات، متعالية عن النعوت والإشارات، وأنه هو الاسم الذي إليه ترجع الحروف والعبارات، والكلمة المتضرع بها إلى الله سائر البريات، وأنه الغيب المخزون بين اللام والفاء والواو والهاء والكاف والنون، فقال سبحانه: (حم عسق كذلك يوحي إليك وإلى الذين من قبلك) (3) قال الصادق: (عسق) فيها سر علي فجعل اسمه الأعظم مرموزا في فواتح القرآن وتحفه. وإليك

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

( 1) - الكهف: 109.

( 2) - لقمان: 27.

( 3) - الشورى: 3.

 

 

الإشارة بقوله: لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب (1)، ومعناه لا صلاة للعبد ولا صلة له بالرب، إلا بحب علي ومعرفته.

 

فصل

ثم إن الملك العظيم الرحمن الرحيم، صرح بهذا الشرف العظيم، في الذكر الحكيم، فقال في السورة التي هي قلب القرآن (يس)، وإنما سميت قلب القرآن لأن باطنها محتو على سر محمد وعلي لمن عرف، فقال سبحانه: يس * والقرآن الحكيم إنك لمن المرسلين (2)، والياء والسين اسم محمد ظاهرا وباطنا، والياء والسين اسم علي لأن الولاية باطن النبوة، فقال: يا حبيبي يا محمد بحق اسمك واسم علي الظاهر والباطن في الياء والسين، إنك رسولي بالحق إلى سائر الخلق.

 

فصل (الإمام محيط بالكون)

 ثم صرح لنا أن الولي هو المحيط بكل شئ، فهو محيط بالعالم، والله من ورائهم محيط، فقال: وكل شئ أحصيناه في إمام مبين (4) فأخبرنا سبحانه أن جميع ما جرى به قلمه وخطه في اللوح المحفوظ في الغيب، أحصيناه في إمام مبين، وهو اللوح الحفيظ لما في الأرض والسماء، هو الإمام المبين وهو علي، فاللوح المحفوظ علي، وهو أعلى وأفضل من اللوح بوجوده.

 (الأول) لأن اللوح وعاء الخط وظرف السطور، والإمام محيط بالسطور وأسرار السطور، فهو أفضل من اللوح.

 (الثاني) لأن اللوح المحفوظ بوزن مفعول، والإمام المبين بوزن فعيل، وهو بمعنى فاعل، فهو عالم بأسرار اللوح، واسم الفاعل أشرف من اسم المفعول، (الثالث) أن الولي المطلق ولايته شاملة للكل، ومحيط بالكل واللوح داخل فيها فهو دال على اللوح المحفوظ وعال عليه، وعالم بما فيه، ثم قال: علي صراط مستقيم، أي يدل ويهدي إلى الصراط المستقيم الممتحن به سائر الخلائق، وهو حب علي لأنه هو الغاية والنهاية.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

( 1) - صحيح مسلم: 1 / 295 ح 595 كتاب الصلاة.

( 2) - يس: 1.

( 3) - يس: 12.

 

 

 

 

فصل

ثم ذكر في آخر هذه السورة آية فيها اسم الله الأعظم فقال: (سلام قولا من رب رحيم) (1) ويخرج من تكسير حروفها السبيل (2) السلام أنا هو محمد، ثم دلنا بعد هذا المقام عظيم لنبيه على مقام آخر فيها لوليه، وأنه هو كلمة الجبار ومنبع سائر الأسرار، ومطلع فائض الأنوار، فقال: إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون (3)، فجعل وجوده الوجود (4)، والموجود بين حرفي الأمر وهما الكاف والنون، وباطن الكاف والنون الاسم المخزون المكنون، لمن عرف هذا السر المصون، وإليه الإشارة بقوله: ألا له الخلق والأمر (5) والخلق والأمر (6) هما العين والميم (7)، وذلك لأن ظهور الأفعال عن الصفات، وتجلي الصفات عن الذات.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

( 1) - يس: 58.

( 2) - كذا في المطبوع ا لسابق، ولكنه جاء في النسخة الخطية (السيد).

( 3) - يس: 82.

( 4) - في النسخة الخطية وجود الجود.

( 5) - الأعراف: 54.

( 6) - في المخطوطة (في الأمر).

( 7) - في المخطوطة (العين في الميم).

 

 

 

 

فصل (علي الفاتح)

 ثم إن الله سبحانه بشر رسوله بأنه قد رحم أمته، وغفر ذنوبهم، وأكمل دينهم، وأتم نعمته عليه ونصره، وجعل هذه المقامات والكرامات والعطيات كلها لعلي عليه السلام، ونزل ذلك في آية واحدة من كتابه سبحانه وتعالى على رسوله وعلى أمته، فقال: (إنا فتحنا لك فتحا مبينا) (1) والفتح كان على يد علي، ثم قال: (ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر) (2) قال ابن عباس: إن الله حمل رسوله ذنوب من أحب عليا من الأولين والآخرين إكراما لعلي فيحملها عنهم إكراما لهم فغفرها الله إكراما لمحمد صلى الله عليه وآله ثم قال: (ويتم نعمته عليك) يعني بعلي، وإليه الإشارة والبشارة بقوله: (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي) (3) ثم قال: (وينصرك الله نصرا عزيزا) (4) وكان النصر في سائر المواطن بأسد الله الغالب وسيفه الضارب، (ويهديك صراطا مستقيما).

 فهذا علي به الفتح، وعلى يده النصر وبحبه الغفران والآمال، فكمال الدين وتمام النعمة على المؤمن، وبه الهداية وهو الغاية والنهاية.

 وقلت:

يا من به نصر الإله نبيه * والفتح كان بعضده وبعضبه

وكمال دين محمد بولائه * وتمام نعمته عليه بحبه

وذنوب شيعته غدا مغفورة * يرضى الإله لأنهم من حزبه

والحافظ البرسي يا مولى الورى * يرجوك في يوم المعاد لذنبه

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

( 1) الفتح: 1.

( 2) الفتح: 2.

( 3) المائدة: 3.

( 4) الفتح: 3.

 

 

 

فصل (وصف علي عليه السلام في القرآن أعظم من وصف الأنبياء)

 ثم إن الله سبحانه وصف أنبياءه بأوصاف ووصف ولي نبيه بأعلى منها، فقال في نوح: (إنه كان) عبدا شكورا (1) وقال في علي: (وكان سعيكم مشكورا) (2) وأين الشاكر من مشكور السعي؟ ووصف إبراهيم بالوفاء فقال: (وإبراهيم الذي وفى) (3) وقال في علي: (يوفون بالنذر) (4) ووصف سليمان بالملك فقال: (وآتيناهم ملكا عظيما) (5) وقال في علي: (وإذا رأيت ثم رأيت نعيما وملكا كبيرا) (6) ووصف أيوب بالصبر فقال: إنا وجدناه صابرا (7) وقال في علي: وجزاهم بما صبروا (8) ووصف عيسى بالصلاة والزكاة فقال: (وأوصاني بالصلاة والزكاة (9) وقال في علي: (ومن الليل فاسجد له وسبحه ليلا طويلا) (10) ووصف محمدا بالعزة فقال: العزة لله ولرسوله (11) وقال في علي: وما لأحد عنده من نعمة تجزى إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى ولسوف يرضى) (12) وقال في علي: (إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا (13) ووصف الملائكة بالخوف فقال: (يخافون ربهم من فوقهم ويفعلون ما يؤمرون) (14) وقال في

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

( 1) الإسراء: 3.

( 2) الإسراء: 19.

( 4) النجم: 37.

( 4) الإنسان: 7.

( 5) النساء: 54.

( 7) الإنسان: 20.

( 7) ص: 44.

( 8) الإنسان: 12.

( 9) مريم: 31.

( 10) الإنسان: 26.

( 11) المنافقون: 8.

( 12) الليل: 19.

( 13) المائدة: 55.

( 14) النحل: 50.

 

 

علي: (إنا نخاف من ربنا) (1) ووصف ذاته المقدسة بصفات الألوهية فقال: (وهو يطعم ولا يطعم) (2) وقال في علي: ويطعمون الطعام على حبه (3).

 

فصل

ثم أمر الله نبيه الكريم ورسوله الرؤوف الرحيم أن يرفعه إلى المقام الكريم في التشريف والتعظيم، فقال بعد أن بالغ في بليغ المقام: لو كانت السماوات صحفا والبحار مددا والغياض أقلاما لنفد المداد وفنيت الصحف وعجز الثقلان أن يكتبوا معشار فضل علي وهذا مر ذكره لكن أعدناه ثانيا للحاجة إليه.

 

فصل

ثم دل على فضله النبي كما دل عليه الرب العلي فبين أن الأعمال لا توزن يوم المآل ولا يبلغ بها الآمال إلا بحبه فقال: لو أن أحدكم صف قدميه بين الركن والمقام، يعبد الله ألف عام، ثم ألف عام صائما نهاره قائما ليله فكان له ملء الأرض ذهبا فأنفقه وعباد الله ملكا فأعتقهم ثم قتل بعد هذا الخير الكثير شهيدا بين الصفا والمروة ثم لقي الله يوم القيامة جاحدا لعلي حقه لم يقبل الله له صرفا ولا عدلا وزج بأعماله في النار.

 هذا أيضا مر ذكره.

 

فصل

 ثم دل سبحانه على قرب عارفيه ومواليه من حضرة ربه وباريه فقال في حقه الرسول بعد بليغ المقال: (لو لم أخف لقلت) (4) وهذا كمال المبالغة وغاية الشرف لأن ما لم يقل أعظم مما قيل، وهذا مثل قوله سبحانه بعد أن مدح الجنة ووصفها فقال: (فلا تعلم نفس ما أخفي لهم) (5) وإذا كانت الجنة وهي دارة علي لا توصف فكيف يوصف صاحب الدار.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

( 1) الإنسان: 10.

( 2) الأنعام: 14.

( 3) الإنسان: 8.

( 4) وهو قوله: (لولا أني أخاف... لقلت اليوم فيها فيك مقالة لا تمر بملأ إلا أخذوا تراب نعليك) البحار: 25 / 284 ح 35.

( 5) السجدة: 17.

 

 

 

فصل (مقام علي عند الملائكة)

وأما مقامه عند الملائكة المقربين ورفعته عند جبرائيل الأمين فإنه كان يلزم ركاب علي إذا ركب ويسير معه إذا سار ويقف إذا وقف ويكبر إذا كبر ويحمل إذا حمل لأنه خادمه والخادم يدين بطاعة المخدوم، وهو مع رفعته في السماء وحمله للرسائل إلى الأنبياء فإنه فقير علي لأنه وقف ببابه سائلا فقال: (مسكينا ويتيما وأسيرا) فهذا سر الأسرار، وآية الجبار، الذي ينفد عند عد فضائله رمل القفار، وورق الأشجار، فلأنه إمام الأبرار، ووالد السادة الأطهار، وقسيم الجنة والنار، سنان النبوة، ولسان الفتوة، وختام الرسالة، وبيان المقالة، ينبوع الحكمة، وباب الرحمة، يعسوب الدين والحكمة، ومعدن الطهارة والعصمة، مريخ الانتقام وكيوان الرفعة والاحتشام، كاسر قناة الغواية، وسفينة النجاة والهداية وصاحب الخلافة والألوية من البداية إلى النهاية، وقلت:

يا أيها المولى الولي ومن له * الشرف العلي ومن به أنا واثق

لا أبتغي مولى سواك ولا أرى * إلا ولاك ومن عداك فطالق

عين العلى بك أشرقت أنوارها * صار الصفى من بحر جودك دافق

يا كاف الكل يا هاء الهدى * يا فلك نوح واللواء الخافق

من قبل خلق الخلق أنت رضيتني * عبدا وما أنا عبد سوء آبق

ونقلت من صلب إلى صلب على * صدق الولا وأنا المحب الصادق

كم يعذلوني في هواك تعنفا * أنا عاشق أنا عاشق أنا عاشق

هذه شمة من أزهار أسرار إمام الأبرار ورشحة من نثار زخار منبع الأسرار، فقل للمنكر والمرتاب والكفور: موتوا بغيظكم إن الله عليم بذات الصدور.

 

فصل (آل محمد ص صفات الديان)

 آل محمد صلوات الله عليهم أجمعين صفات الديان، وصفوة المنان، وخاصة الرحمن وسفراء الغيب والقرآن، فليس للخلق على عظمتهم نسبة، ولا بعظيم جلالهم معرفة، فمعرفة العامة لعلي أنه فارس الفرسان، وقاتل الشجعان ومبيد الأقران، ومعرفة الخاصة له أفضل من فلان وفلان، فلذلك إذا سمعوا أسراره أنكروا واستكبروا وذهلوا وجهلوا وهم في جهلهم غير ملومين لأنهم لو عرفوا أن محمدا هو الواحد المطلق، وأن عليا هو العلي المطلق، فلهما الولاية على الكل، والسبق على الكل، والتصرف في الكل، لأنهما العلة في وجود الكل، فلهما السيادة على الكل، لكنهما خاصة إله الكل، وعبدي إله الكل، ومختاري معبود الكل، سبحانه إله الكل، ورب الكل، وفالق الكل، ومفضل محمد وعلي على الكل، والمستعبد بولايتهم وطاعتهم الكل، فمن عرف من مراتب الإبداع والاختراع هذا القدر وتدبره، عرف مقام آل محمد وخبره، وإليه الإشارة بقوله: (ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم) (1) لكنهم ردوه وما دروه فأنكروه وما عرفوه ومن جاءهم بشئ منه كذبوه وكفروه، وهذا شأن أهل الدعوى أنهم لم يزالوا منغمسين في حياض التكذيب، فيا وارد السراب دون الشراب، والقانع بالعذاب دون الغلل العذاب، هذا إبليس (لعنه الله) عدو الرحمن وهو يجري مجرى الدم في كل إنسان ويعلم خواطر القلوب ووساوس الصدور وهواجس النفوس، وإليه الإشارة بقوله: (أومن ينشأ في الحلية وهو في الخصام غير مبين) (2)، وهو محيط بالخلائق مع جنوده، وهذه صفات الربوبية، فانظر إلى المنافق والمرتاب والمعدم إذا ذكرت خواص إبليس قال مسلم، وإذا ذكرت خواص علي أنكر واستعظم وطعن في قائلها وتوهم، وهو أحق بالطعن وأوصم، ثم يزعم بعد ذاك أنه آمن وأسلم، كلا والليل إذا أظلم والصبح إذا تبسم، فيا مدعي اليقين وهو منغمس في شكه، ويا طالب الخلاص وهو مرتبط في شرك شكه، هذا جامسب (3) الحكيم، قد وضع كتاب القرانات، وتحدث فيه على المغيبات، وذكر فيه ظهور الأنبياء إلى آخر الدهر، وتاريخ هذا الكتاب 2211 سنة، وقد ذكر فيه الملوك والدول من أيام زرادشت إلى انقراض العالم، وتحدث فيه على الغيب فما أخطأ.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

( 1) النساء: 38.

( 2) الزخرف: 18.

( 3) في المطبوع جامبست.

 

 

 

فصل (التنبؤ بعلي عليه السلام)

 وهذا سطيح أيضا قد نطق بالمغيبات، وذكر ملة الإسلام قبل وصولها، وتحدث على حوادث الدهر إلى أيام المهدي، والكتابان مشهوران (1) يتداولهما الملوك والعلماء، ولم يخطئوا في النقل عنهم، فأما أخبار سطيح فقد رواها كعب بن الحارث، قال: إن ذا يزن الملك أرسل إلى سطيح لأمر لا شك فيه، فلما قدم عليه أراد أن يجرب علمه قبل حكمه، فخبأ له دينارا تحت قدمه، ثم أذن له فدخل، فقال له الملك: ما خبأت لك يا سطيح؟ فقال سطيح: حلفت بالبيت والحرم، والحجر الأصم، والليل إذا أظلم، والصبح إذا تبسم، وكل فصيح وأبكم، لقد خبأت لي دينارا بين النعل والقدم، فقال الملك: من أين علمك هذا يا سطيح؟ فقال: من قبل أخ لي جني ينزل معي إذا نزلت، فقال الملك: أخبرني عما يكون في الدهر؟ فقال سطيح: إذا غارت الأخيار، وغازت الأشرار، وكذب بالأقدار، وحمل المال بالأوقار، وخشعت الأبصار لحامل الأوزار، وقطعت الأرحام، وظهر الطعام لمستحلي الحرام في حرمة الإسلام، واختلفت الكلمة، وغفرت الذمة، وقلت الحرمة، وذلك منذ طلوع الكوكب، الذي يفزع العرب، وله شبه الذنب، فهناك تنقطع الأمطار، ثم تقبل البرر (الهزبرخ) بالرايات الصفر على البرازين البتر، حتى ينزلوا مصر، فيخرج رجل من ولد صخر، فيبدل الرايات السود بالحمر، فيبيح المحرمات، ويترك النساء بالثدايا معلقات، وهو صاحب نهب الكوفة، قرب بيضاء الساق مكشوفة، على الطريق مردوفة، بها الخيل محفوفة، قد قتل زوجها، وكثر عجزها، واستحل فرجها، فعندها يظهر ابن النبي المهدي، وذلك إذا قتل المظلوم بيثرب وابن عمه في الحرم، وظهر الخفي فوافق الوسمي، فعند ذلك يقبل المشوم بجمعه المظلوم، فيطاهي الروم ويقتل القروم، فعندها ينكسف كسوف إذا جاء الزخوف وصف الصفوف، ثم يخرج ملك من اليمن من صنعاء وعدن أبيض كالشطن، اسمه حسين أو حسن، فيذهب بخروجه غمر الفتن، فهناك يظهر مباركا زكيا، وهاديا مهديا، وسيدا علويا، فيفرح الناس إذا أتاهم بمن الله الذي هداهم، فيكشف بنوره الظلماء، ويظهر به الحق بعد الخفاء، ويفرق الأموال في الناس بالسواء، ويغمد السيف فلا يسفك الدماء، ويعيش

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

( 1) في المخطوط والمطبوع والكتابين مشهورين.

 

 

الناس في البشر والهناء، ويغسل بماء عدله عين الدهر من القذى، ويرد الحق على أهل القرى، ويكثر في الناس الضيافة والقرى، ويرفع بعدله الغواية والعمى، كأنه كان غبارا فانجلى، فيملأ الأرض قسطا وعدلا، والأيام حبا، وهو علم الساعة بلا امتراء (1).

 هذا كلام سطيح وإخباره بالغيب في قديم الأيام، وليس بنبي ولا إمام، وأنت بالمرصاد في تكذيب أحاديث علي وعترته، تكذب ما نطقوا به من الغيب.

 أليس هو القائل وقوله الحق: (إن بين جنبي علما جما آه لو أجد له حملة) (2)، وقوله: لقد احتويت على مكنون علم لو بحت به لاضطربتم اضطراب الأرشية في الطوي (3).

 وليس ذلك علم الشرع، وإلا لوجب عليه تعليمه، ولكن غامض الأسرار التي قال فيها: (ولكن أخاف أن تكفروا بي وبرسول الله صلى الله عليه وآله) (4).

 وقد روى أبو عبيدة الحذاء، عن أبي جعفر عليه السلام رحمهم الله عليه السلام (أنه قال: إن أحب أصحابي إلي أمهرهم وأفقههم في الحديث، وإن أسوأهم وأكثرهم عنتا ومقتا الذي إذا سمع الحديث يروى إلينا وينقل عنا لم يعقله عقله، ولم يقبله قلبه، واشمأز من سماعه وكفر به وجحده، وكفر من رواه ودان به، فصار بذلك كافرا بنا وخارجا عن ولايتنا (5).

 

فصل

ومن ذلك ما رواه صاحب الأمالي عن ابن عباس، عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال: (يا علي إن الله أكرمك كرامة لم يكرم بها أحدا من خلقه، زوجك الزهراء من فوق عرشه، وأكرم محبيك بدخول الجنة بغير حساب، وأعد لشيعتك ما لا عين رأت ولا أذن سمعت، ووهب لك حب المساكين في الأرض، فرضيت بهم شيعة، ورضوا بك إماما، فطوبى لمن أحبك، وويل لمن أبغضك.

 يا علي أهل مودتك كل أم أو أب حفيظ، وكل ذي طمرين لو أقسم على الله لأبر قسمه.

 يا علي شيعتك تزهر لأهل السماء كما تزهر الكواكب لأهل الأرض، تفرح بهم

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

( 1) بحار الأنوار: 51 / 162 بتفاوت بسيط.

( 2) تقدم الحديث.

( 3) في المصادر في الطوي البعيدة، نهج البلاغة: 52 الخطبة 5، والتذكرة الحمدونية: 1 / 91 ح 166.

( 4) بحار الأنوار: 25 / 365 ح 6.

( 5) نهج البلاغة: 250 الخطبة 175.

 

 

الملائكة، وتشتاق إليهم الجنان، ويفر منهم الشيطان.

 يا علي محبوك جيران الله في الفردوس الأعلى.

 يا علي أنا ولي لمن والاك، وعدو لمن عاداك.

 يا علي حربك حربي وسلمك سلمي.

 يا علي بشر أولياءك أن الله قد رضي عنهم ورضوا بك.

 يا علي شيعتك حزب الله وخيرة الله من خلقه.

 يا علي أنا أول من يحيى وأول من يكسى، غدا تحيى إذا حييت، وتكسى إذا كسيت) (1).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

( 1) فضائل الصحابة لأحمد: 2 / 663 ح 1131، وكنز العمال: 13 / 156 ح 36482 والطرائف: 1 / 108.