الصفحة 252

(16)

نبوءات نبي الله عيسى عليه السلام عن الرسول والأئمة عليهم السلام والأئمة المضلين

أبان عن سليم: قال: أقبلنا من صفين مع أمير المؤمنين عليه السلام، فنزل العسكر قريبا من دير نصراني. فخرج إلينا من الدير شيخ كبير جميل حسن الوجه حسن الهيئة والسمت ومعه كتاب في يده، حتى أتى أمير المؤمنين عليه السلام فسلم عليه بالخلافة. فقال له علي عليه السلام: مرحبا يا أخي شمعون بن حمون، كيف حالك رحمك الله؟

فقال: بخير يا أمير المؤمنين وسيد المسلمين ووصي رسول رب العالمين. إني من نسل رجل من حواري أخيك عيسى بن مريم عليه السلام، وأنا من نسل شمعون بن يوحنا وصي عيسى بن مريم. وكان من أفضل حواري عيسى بن مريم عليه السلام الاثني عشر وأحبهم إليه وآثرهم عنده وإليه أوصى عيسى بن مريم عليه السلام وإليه دفع كتبه وعلمه وحكمته، فلم يزل أهل بيته على دينه متمسكين بملته فلم يكفروا ولم يبدلوا ولم يغيروا.

النبي والأئمة الاثني عشر عليهم السلام في كتب عيسى عليه السلام

وتلك الكتب عندي إملاء عيسى بن مريم وخط أبينا بيده، وفيها كل شئ يفعل الناس من بعده ملك ملك، وكم يملك وما يكون في زمان كل ملك منهم، حتى يبعث الله رجلا من العرب من ولد إسماعيل بن إبراهيم خليل الرحمن من أرض تدعى (تهامة) من قرية يقال لها (مكة)، يقال له (أحمد)، الأنجل العينين، المقرون الحاجبين، صاحب الناقة والحمار والقضيب والتاج - يعني العمامة - له اثنا عشر اسما.


الصفحة 253
ثم ذكر مبعثه ومولده وهجرته ومن يقاتله ومن ينصره ومن يعاديه وكم يعيش وما تلقى أمته من بعده من الفرقة والاختلاف.

وفيه تسمية كل إمام هدى وإمام ضلالة إلى أن ينزل الله عيسى بن مريم من السماء.

فذكر في الكتاب ثلاثة عشر رجلا (1) من ولد إسماعيل بن إبراهيم خليل الله، هم خير من خلق الله وأحب من خلق الله إلى الله. وإن الله ولي من والاهم وعدو من عاداهم. من أطاعهم اهتدى ومن عصاهم ضل. طاعتهم لله طاعة ومعصيتهم لله معصية.

مكتوبة فيه أسمائهم وأنسابهم ونعتهم وكم يعيش كل رجل منهم واحدا بعد واحد، وكم رجل منهم يستسر بدينه ويكتمه من قومه، ومن يظهر منهم ومن يملك وينقاد له الناس حتى ينزل الله عيسى بن مريم عليه السلام على آخرهم. فيصلي عيسى خلفه ويقول: (إنكم أئمة لا ينبغي لأحد أن يتقدمكم)، فيتقدم فيصلي بالناس وعيسى خلفه في الصف الأول. أولهم أفضلهم، وآخرهم له مثل أجورهم وأجور من أطاعهم واهتدى بهداهم.

نص ما في كتب عيسى عليه السلام

بسم الله الرحمن الرحيم، أحمد رسول الله واسمه محمد وياسين وطه ون والفاتح والخاتم والحاشر والعاقب والماحي، وهو نبي الله وخليل الله وحبيب الله وصفيه وأمينه وخيرته. يرى تقلبه في الساجدين - يعني في أصلاب النبيين - ويكلمه برحمته فيذكر إذا ذكر. وهو أكرم خلق الله على الله وأحبهم إلى الله، لم يخلق الله خلقا - ملكا مقربا ولا نبيا مرسلا، من آدم فمن سواه - خيرا عند الله ولا أحب إلى الله منه، يقعده الله يوم القيامة على عرشه ويشفعه في كل من شفع فيه. وباسمه جرى القلم في اللوح المحفوظ في أم الكتاب وبذكره، محمد رسول الله.

ثم أخوه صاحب اللواء يوم القيامة يوم الحشر الأكبر، وأخوه ووصيه ووزيره،

____________

(1). هم النبي والأئمة الاثني عشر عليهم السلام.

الصفحة 254
وخليفته في أمته، وأحب خلق الله إلى الله بعده علي بن أبي طالب ولي كل مؤمن بعده.

ثم أحد عشر إماما من ولد أول الاثني عشر، اثنان سميا ابني هارون شبر وشبير وتسعة من ولد أصغرهما وهو الحسين، واحدا بعد واحد، آخرهم الذي يصلي عيسى بن مريم خلفه). (1)

فيه تسمية كل من يملك منهم ومن يستسر بدينه ومن يظهر. فأول من يظهر منهم يملأ جميع بلاد الله قسطا وعدلا، ويملك ما بين المشرق والمغرب حتى يظهره الله على الأديان كلها.

فلما بعث النبي - وأبي حي - صدق به وآمن به وشهد أنه رسول الله، وكان شيخا كبيرا ولم يكن به شخوص. فمات أبي وقال لي: (إن وصي محمد وخليفته - الذي اسمه في هذا الكتاب ونعته - سيمر بك إذا مضى ثلاثة أئمة من أئمة الضلالة والدعاة إلى النار المسمين بأسمائهم وقبائلهم فلان وفلان وفلان ونعتهم وكم يملك كل واحد منهم، فإذا مر بك فاخرج إليه وبايعه وقاتل معه عدوه فإن الجهاد معه كالجهاد مع محمد، والموالي له كالموالي لمحمد والمعادي له كالمعادي لمحمد).

الأخبار عن أبي بكر وعمر وعثمان وسائر الغاصبين في كتب عيسى عليه السلام

وفي هذا الكتاب - يا أمير المؤمنين - إن اثني عشر إماما من قريش من قومه يعادون أهل بيته ويمنعونهم حقهم ويقتلونهم ويطردونهم ويحرمونهم ويتبرؤون منهم ويخيفونهم، مسمون واحدا بعد واحد بأسمائهم ونعوتهم، وكم يملك كل رجل منهم وما يملك، وما يلقى منهم ولدك وأنصارك وشيعتك من القتل والخوف والبلاء.

وكيف يديلكم الله منهم ومن أوليائهم وأنصارهم وما يلقون من الذل والحرب والبلاء والخزي والقتل والخوف منكم أهل البيت.

____________

(1). هنا آخر النص الذي ينقله من كتاب الراهب.

الصفحة 255

الراهب يبايع أمير المؤمنين عليه السلام

ثم قال: يا أمير المؤمنين، ابسط يدك أبايعك، فإني أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله وأشهد أنك خليفة رسول الله في أمته ووصيه وشاهده على خلقه وحجته في أرضه، وإن الإسلام دين الله وإني أبرء من كل دين خالف دين الإسلام، فإنه دين الله الذي اصطفاه لنفسه ورضيه لأوليائه، وإنه دين عيسى بن مريم ومن كان قبله من أنبياء الله ورسله، وهو الذي دان به من مضى من آبائي. وإني أتولاك وأتولى أوليائك، وأبرء من عدوك وأتولى الأحد عشر الأئمة من ولدك وأبرء من عدوهم وممن خالفهم وبرء منهم وادعى حقهم وظلمهم من الأولين والآخرين. ثم تناول يده وبايعه.

ثم قال له أمير المؤمنين عليه السلام: ناولني كتابك، فناوله إياه. فقال علي عليه السلام لرجل من أصحابه: قم مع هذا الرجل فانظر ترجمانا يفهم كلامه، فلينسخه لك بالعربية مفسرا.

فأتاه مكتوبا بالعربية.

فلما أتاه به قال لابنه الحسن عليه السلام: يا بني، ائتني بالكتاب الذي دفعته إليك. فأتاه به، فقال: أنت يا بني اقرأه، وانظر أنت يا فلان - الذي تستجهل - في نسخة هذا الكتاب، فإنه خطي بيدي وإملاء رسول الله صلى الله عليه وآله علي.

فقرأه فما خالف حرفا واحدا ليس فيه تقديم ولا تأخير، كأنه إملاء رجل واحد على رجلين!

فحمد الله أمير المؤمنين عليه السلام وأثنى عليه وقال: (الحمد لله الذي لو شاء لم تختلف الأمة ولم تفترق، والحمد لله الذي لم ينسني ولم يضع أمري ولم يخمل ذكري عنده وعند أوليائه إذ صغر وخمل ذكر أولياء الشيطان وحزبه).

ففرح بذلك من حضر عند أمير المؤمنين عليه السلام من شيعته وشكر، وساء ذلك كثيرا ممن حوله حتى عرفنا ذلك في وجوههم وألوانهم.


الصفحة 256

(17)

خطبة أمير المؤمنين عليه السلام محذرا من الفتن

أبان عن سليم بن قيس قال: صعد أمير المؤمنين عليه السلام المنبر، فحمد الله وأثنى عليه وقال:

أيها الناس، أنا الذي فقأت (1) عين الفتنة ولم يكن ليجترئ عليها غيري. وأيم الله لو لم أكن فيكم لما قوتل أهل الجمل ولا أهل صفين ولا أهل النهروان. وأيم الله لولا أن تتكلموا وتدعوا العمل لحدثتكم بما قضى الله على لسان نبيه صلى الله عليه وآله لمن قاتلهم مستبصرا في ضلالتهم عارفا بالهدى الذي نحن عليه.

ثم قال عليه السلام: سلوني عما شئتم قبل أن تفقدوني، فوالله إني بطرق السماء أعلم مني بطرق الأرض. أنا يعسوب المؤمنين وأول السابقين وإمام المتقين وخاتم الوصيين ووارث النبيين وخليفة رب العالمين. أنا ديان الناس يوم القيامة وقسيم الله بين أهل الجنة والنار، وأنا الصديق الأكبر والفاروق الذي أفرق بين الحق والباطل، وإن عندي علم المنايا والبلايا وفصل الخطاب، وما من آية نزلت إلا وقد علمت فيما نزلت وأين نزلت وعلى من نزلت.

أيها الناس، إنه وشيك أن تفقدوني، إني مفارقكم وإني ميت أو مقتول. ما ينتظر أشقاها أن يخضبها من فوقها؟ يعني لحيته من دم رأسه.

والذي فلق الحبة وبرأ النسمة، لا تسألوني من فئة تبلغ ثلاثمائة فما فوقها فيما

____________

(1). أي قلعت.

الصفحة 257
بينكم وبين قيام الساعة إلا أنبأتكم بسائقها وقائدها وناعقها (1)، وبخراب العرصات متى تخرب ومتى تعمر بعد خرابها إلى يوم القيامة.

فقام رجل فقال: يا أمير المؤمنين، أخبرنا عن البلايا.

فقال عليه السلام: إذا سأل سائل فليعقل وإذا سئل مسؤول فليلبث. إن من ورائكم أمورا ملتجة مجلجلة (2) وبلاء مكلحا مبلحا. (3)

والذي فلق الحبة وبرأ النسمة، لو قد فقدتموني ونزلت عزائم الأمور وحقائق البلاء لقد أطرق كثير من السائلين واشتغل كثير من المسؤولين. وذلك إذا ظهرت حربكم ونصلت عن ناب وقامت عن ساق وصارت الدنيا بلاء عليكم حتى يفتح الله لبقية الأبرار.

فقام رجل فقال: يا أمير المؤمنين، حدثنا عن الفتن.

فقال عليه السلام: إن الفتن إذا أقبلت شبهت وإذا أدبرت أسفرت. وإن الفتن لها موج كموج البحر وإعصار كإعصار الريح، تصيب بلدا وتخطئ الآخر. فانظروا أقواما كانوا أصحاب الرايات يوم بدر فانصروهم تنصروا وتؤجروا وتعذروا.

فتنة بني أمية أخوف الفتن

ألا إن أخوف الفتن عليكم من بعدي فتنة بني أمية. إنها فتنة عمياء صماء مطبقة مظلمة، عمت فتنتها وخصت بليتها. أصاب البلاء من أبصر فيها وأخطأ البلاء من عمي عنها. أهل باطلها ظاهرون على أهل حقها، يملؤون الأرض بدعا وظلما وجورا. وأول من يضع جبروتها ويكسر عمودها وينزع أوتادها الله رب العالمين وقاصم الجبارين.

____________

(1). تشبيه بالراعي إذا نعق بغنمه أي صاح بها وزجرها.

(2). أي مضطربة مرددة.

(3). أي مفزعة معجزة.

الصفحة 258
ألا إنكم ستجدون بني أمية أرباب سوء بعدي كالناب الضروس تعض بفيها وتخبط بيديها وتضرب برجليها وتمنع درها.

وأيم الله، لا تزال فتنتهم حتى لا تكون نصرة أحدكم لنفسه إلا كنصرة العبد السوء لسيده، إذا غاب سبه وإذا حضر أطاعه. وأيم الله لو شردوكم تحت كل كوكب لجمعكم الله لشر يوم لهم.

فتن ما بعد بني أمية

فقال الرجل: فهل من جماعة - يا أمير المؤمنين - بعد ذلك؟ قال عليه السلام: إنها ستكونون جماعة شتى، عطاؤكم وحجكم وأسفاركم واحد والقلوب مختلفة.

قال: قال واحد: كيف تختلف القلوب؟ قال عليه السلام: هكذا - وشبك بين أصابعه - ثم قال: يقتل هذا هذا وهذا هذا، هرجا هرجا ويبقى طغام جاهلية ليس فيها منار هدى ولا علم يرى. نحن أهل البيت منها بمنجاة ولسنا فيها بدعاة.

قال: فما أصنع في ذلك الزمان يا أمير المؤمنين؟ قال عليه السلام: انظروا أهل بيت نبيكم، فإن لبدوا فالبدوا وإن استنصروكم فانصروهم تنصروا وتعذروا، فإنهم لن يخرجوكم من هدى ولن يدعوكم إلى ردى، ولا تسبقوهم بالتقدم فيصرعكم البلاء وتشمت بكم الأعداء.

يفرج الله عن الفتن بالإمام المهدي عليه السلام

قال: فما يكون بعد ذلك يا أمير المؤمنين؟ قال عليه السلام: يفرج الله البلاء برجل من بيتي كانفراج الأديم من بيته. ثم يرفعون إلى من يسومهم خسفا ويسقيهم بكأس مصبرة ولا يعطيهم ولا يقبل منهم إلا السيف، هرجا هرجا، يحمل السيف على عاتقه ثمانية أشهر حتى تود قريش بالدنيا وما فيها أن يروني مقاما واحدا فأعطيهم وآخذ منهم بعض ما قد منعوني وأقبل منهم بعض ما يرد عليهم حتى يقولوا: (ما هذا من قريش، لو

الصفحة 259
كان هذا من قريش ومن ولد فاطمة لرحمنا) يغريه الله ببني أمية فيجعلهم تحت قدميه ويطحنهم طحن الرحى. (ملعونين أينما ثقفوا أخذوا وقتلوا تقتيلا، سنة الله في الذين خلوا من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلا). (1)

أهل البيت عليهم السلام هم الملجأ في الفتن

أما بعد، فإنه لا بد من رحى تطحن ضلالة، فإذا طحنت قامت على قطبها. ألا وإن لطحنها روقا وإن روقها حدها وعلى الله فلها.

ألا وإني وأبرار عترتي وأطائب أرومتي أحلم الناس صغارا وأعلمهم كبارا. معنا راية الحق والهدى، من سبقها مرق ومن خذلها محق ومن لزمها لحق.

إنا أهل بيت من علم الله علمنا، ومن حكم الله الصادق قيلنا، ومن قول الصادق سمعنا. فإن تتبعونا تهتدوا ببصائرنا وإن تتولوا عنا يعذبكم الله بأيدينا أو بما شاء.

نحن أفق الإسلام، بنا يلحق المبطئ وإلينا يرجع التائب.

والله لولا أن تستعجلوا ويتأخر الحق لنبأتكم بما يكون في شباب العرب والموالي، فلا تسألوا أهل بيت محمد العلم قبل إبانه، ولا تسألوهم المال على العسر فتبخلوهم، فإنه ليس منهم البخل.

وكونوا أحلاس البيوت، ولا تكونوا عجلا بذرا. كونوا من أهل الحق تعرفوا به وتتعارفوا عليه، فإن الله خلق الخلق بقدرته وجعل بينهم الفضائل بعلمه وجعل منهم عبادا اختارهم لنفسه ليحتج بهم على خلقه. فجعل علامة من أكرم منهم طاعته وعلامة من أهان منهم معصيته. وجعل ثواب أهل طاعته النضرة في وجهه في دار الأمن والخلد الذي لا يورع أهله، وجعل عقوبة أهل معصيته نارا تأجج لغضبه، (وما ظلمهم

____________

(1). سورة الأحزاب: الآية 62. وفي المتن: وأخذوا.

الصفحة 260
الله ولكن كانوا أنفسهم يظلمون). (1)

يا أيها الناس، إنا أهل بيت بنا ميز الله الكذب، وبنا يفرج الله الزمان الكلب وبنا ينزع الله ربق الذل من أعناقكم وبنا يفتح الله وبنا يختم الله. فاعتبروا بنا وبعدونا وبهدانا وبهداهم وبسيرتنا وسيرتهم وميتتنا وميتتهم، يموتون بالدال والقرح والدبيلة، ونموت بالبطن والقتل والشهادة.

بلاء آل محمد عليهم السلام في الفتن

ثم التفت عليه السلام إلى بنيه فقال: يا بني، ليبر صغاركم كباركم، وليرحم كبار كم صغاركم، ولا تكونوا أمثال السفهاء الجفاة الجهال الذين لا يعطون في الله اليقين، كبيض بيض في داح. (2)

ألا ويح للفراخ فراخ آل محمد من خليفة يستخلف، جبار (3) عتريف مترف يقتل خلفي وخلف الخلف بعدي.

أما والله، لقد علمت تبليغ الرسالات وتنجيز العدات وتمام الكلمات وفتحت لي الأسباب وعلمت الأنساب وأجري لي السحاب، ونظرت في الملكوت فلم يعزب عني شئ فات ولم يفتني ما سبقني ولم يشركني أحد فيما أشهدني ربي يوم يقوم الأشهاد. وبي يتم الله موعده ويكمل كلماته، وأنا النعمة التي أنعمها الله على خلقه، وأنا الإسلام الذي ارتضاه لنفسه، كل ذلك من من الله به علي وأذل به منكبي.

وليس إمام إلا وهو عارف بأهل ولايته، وذلك قول الله عز وجل: (إنما أنت منذر ولكل قوم هاد). (4)

ثم نزل، صلى الله عليه وآله الطاهرين الأخيار وسلم تسليما كثيرا.

____________

(1). سورة النحل: الآية 33.

(2). الداح نقش يلوح به للصبيان يعللون به.

(3). العتريف بمعنى الخبيث الفاجر. وفي (د): الغطريف، بمعنى المتكبر.

(4). سورة الرعد: الآية 7.

الصفحة 261

(18)

1
تأثير الميل إلى الدنيا في علم الإنسان ودينه

قال سليم بن قيس: سمعت أبا الحسن عليه السلام يحدثني ويقول: إن النبي صلى الله عليه وآله قال:

منهومان لا يشبعان: منهوم في الدنيا لا يشبع منها، ومنهوم في العلم لا يشبع منه. فمن اقتصر من الدنيا على ما أحل الله له سلم، ومن تناولها من غير حلها هلك إلا أن يتوب ويراجع. ومن أخذ العلم من أهله وعمل به نجا، ومن أراد به الدنيا هلك وهو حظه.

والعلماء عالمان: عالم عمل بعلمه فهو ناج، وعالم تارك لعلمه فهو هالك. إن أهل النار ليتأذون من نتن ريح العالم التارك لعلمه. وإن أشد أهل النار ندامة وحسرة رجل دعا عبدا إلى الله فاستجاب له، فأطاع الله فدخل الجنة وعصى الله الداعي فأدخل النار بتركه علمه واتباعه هواه وعصيانه لله.

إنما هما اثنان: اتباع الهوى وطول الأمل، فأما اتباع الهوى فيصد عن الحق وأما طول الأمل فينسي الآخرة.

إن الدنيا قد ترحلت مدبرة وإن الآخرة قد ترحلت مقبلة، ولكل منهما بنون، فكونوا من أبناء الآخرة إن استطعتم ولا تكونوا من أبناء الدنيا، فإنما اليوم عمل ولا حساب وغدا حساب ولا عمل.


الصفحة 262

كيف تبدأ الفتن

وإنما ابتداء وقوع الفتن من أهواء تتبع وأحكام تبتدع، يخالف فيها حكم الله، يتولى فيها رجال رجالا ويتبرء رجال من رجال. ألا إن الحق لو خلص لم يكن فيه اختلاف وإن الباطل لو خلص لم يخف على ذي حجى، ولكن يؤخذ من هذا ضغث ومن هذا ضغث فيمزجان فيحسبان معا، فهنالك استولى الشيطان على أوليائه ونجا الذين سبقت لهم منا الحسنى.

إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: كيف بكم إذا لبستكم فتنة يربو فيها الوليد ويزيد (1) فيها الكبير، يجري الناس عليها فيتخذونها سنة، فإذا غير منها شئ قيل: (إن الناس قد أتوا منكرا)!!

ثم يشتد البلاء وتسبى الذرية وتدقهم الفتن كما تدق النار الحطب وكما تدق الرحى بثفالها (2)، يتفقه الناس لغير الدين ويتعلمون لغير العمل ويطلبون الدنيا بعمل الآخرة.

2
كلام أمير المؤمنين عليه السلام عن بدع أبي بكر وعمر وعثمان

ثم أقبل عليه السلام بوجهه على ناس من أهل بيته وشيعته فقال: والله لقد عملت الأئمة قبلي بأمور عظيمة خالفت فيها رسول الله صلى الله عليه وآله متعمدين، لو حملت الناس على تركها وتحويلها عن موضعها إلى ما كانت تجري عليه على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله لتفرق عني جندي، حتى لا يبقى في عسكري غيري وقليل من شيعتي الذين إنما عرفوا فضلي وإمامتي من

____________

(1). أي ينمو.

(2). الثفال: حجر الرحى الأسفل.

الصفحة 263
كتاب الله وسنة نبيه لا من غيرهما أرأيتم لو أمرت بمقام إبراهيم عليه السلام فرددته إلى المكان الذي وضعه فيه رسول الله صلى الله عليه وآله، ورددت فدك إلى ورثة فاطمة عليها السلام، ورددت صاع رسول الله صلى الله عليه وآله ومده إلى ما كان، وأمضيت قطائع أقطعها رسول الله صلى الله عليه وآله لأهلها ورددت دار جعفر بن أبي طالب إلى ورثته وهدمتها من المسجد (1)، ورددت قضايا من قضى من كان قبلي بجور، ورددت ما قسم من أرض خيبر (2)، ومحوت ديوان الأعطية (3) وأعطيت كما كان يعطي رسول الله (ص). (صلى الله عليه وآله

____________

(1). راجع الحديث 14 من هذا الكتاب. وقوله (رددت قضايا من قضى...)، القضى والقضاء بمعنى واحد.

(2) روى ابن شبة في تاريخ المدينة المنورة: ج 1 ص 185 وأحمد في مسنده: ج 6 ص 330: أنه لما أخرج عمر اليهود من خيبر ركب في المهاجرين والأنصار وخرج معه جبار بن صخر بن خنساء - وكان خارص أهل المدينة وحاسبهم - ويزيد بن ثابت، فهما قسما خيبر بين أهلها على أصل جماعة السهمان التي كانت عليها. فكانت مما قسم عمر من وادي القرى لعثمان وعبد الرحمن بن عوف وعمر بن أبي سلمة وعامر بن ربيعة وعمرو بن سراقة والأشيم وبني جعفر ولابن عبد الله بن حجش وعبد الله بن الأرقم وغيرهم، لكل إنسان حظر، والحظر القطعة من النخيل أو الإبل أو غيره.

وعن ابن عباس: قسمت خيبر على ألف سهم: خمسمائة وثمانين سهما للذين شهدوا الحديبية، ألف وخمسمائة وأربعين رجلا والذين كانوا مع جعفر بأرض الحبشة أربعون رجلا وكان معهم يومئذ مائتا فرس أو نحوها فأسهم للفرس سهمين ولصاحبه سهما.

(3). روي في البحار: ج 8 طبع قديم ص 288 عن ابن أبي الحديد بأسناده: أن عمر استشار الصحابة بمن يبدء في القسم والفريضة؟ فقالوا: ابدء بنفسك. فقال: بل أبدء بآل رسول الله وذوي قرابته. فبدء بالعباس قال ابن الجوزي: قد وقع الاتفاق على أنه لم يفرض لأحد أكثر مما فرض له. روى أنه فرض له خمسة عشر ألفا، وروى أنه فرض له اثني عشر ألفا وهو الأصح. ثم فرض لزوجات رسول الله صلى الله عليه وآله لكل واحدة عشرة آلاف. وفضل عائشة عليهن بألفين... ثم فرض للمهاجرين الذين شهدوا بدرا لكل واحد خمسة آلاف، ولمن شهدها من الأنصار لكل واحد أربعة آلاف. وقد روي أنه فرض لكل واحد ممن شهد بدرا من المهاجرين أو من الأنصار أو غيرهم من القبائل خمسة آلاف. ثم فرض لمن شهد أحدا وما بعدها إلى الحديبية أربعة آلاف، ثم فرض لكل من شهد المشاهد بعد الحديبية ثلاثة آلاف. ثم فرض لكل من شهد المشاهد بعد رسول الله صلى الله عليه وآله ألفين وخمسمائة وألفين وألفا وخمسمائة وألفا واحدا إلى مائتين وهم أهل هجر. ومات عمر على ذلك.

فأما ما اعتمده في النساء فإنه جعل نساء أهل بدر على خمسمائة خمسمائة، ونساء من بعد بدر إلى إلى الحديبية على أربعمائة أربعمائة ونساء من بعد ذلك على ثلاثمائة ثلاثمائة، وجعل نساء أهل القادسية على مائتين، ثم سوى بين النساء بعد ذلك. وكان ذلك في سنة 20 للهجرة. راجع تاريخ اليعقوبي: ج 2 ص 153 وكتاب الخراج لأبي يوسف: ج 1 ص 43.

الصفحة 264
ولم أجعله دولة بين الأغنياء، وسبيت ذراري بني تغلب (1)، وأمرت الناس أن لا يجمعوا في شهر رمضان إلا في فريضة، لنادى بعض الناس من أهل العسكر - ممن يقاتل معي -: (يا أهل الإسلام) وقالوا: (غيرت سنة عمر، نهيتنا أن نصلي في شهر رمضان تطوعا) حتى خفت أن يثوروا في ناحية عسكري. (2)

____________

(1). روي في البحار: ج 8 (طبع قديم) ص 287 عن الإمام الصادق عليه السلام: أن بني تغلب من نصارى العرب أنفوا واستنكفوا من قبول الجزية وسألوا عمر أن يعفيهم عن الجزية ويؤدوا الزكاة مضاعفا. فخشي أن يلحقوا بالروم فصالحهم على أن صرف ذلك عن رؤوسهم وضاعف عليهم الصدقة، فرضوا بذلك.

قال المجلسي: فهؤلاء ليسوا بأهل ذمة لمنع الجزية وقد جعل الله الجزية على أهل الذمة ليكونوا أذلاء صاغرين وليس في أحد من الزكاة صغار وذل. فكان عليه أن يقاتلهم ويسبي ذراريهم لو أصروا على الاستنكاف والاستكبار.

(2). روى العلامة الأميني في الغدير: ج 5 ص 31 عن السيوطي وغيره: أن أول من سن التراويح عمر بن الخطاب سنة أربع عشرة وأن أول من جمع الناس على التراويح عمر وأن إقامة النوافل بالجماعات في شهر رمضان من محدثات عمر. و (التراويح) عشرون ركعة يصلونها جماعة في ليالي شهر رمضان.

روي في البحار: ج 8 طبع قديم ص 284 عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: أيها الناس، إن الصلاة بالليل في شهر رمضان من النافلة في جماعة بدعة...). ثم روي أن عمر خرج في شهر رمضان ليلا فرأى المصابيح في المسجد. فقال: ما هذا؟ فقيل له: إن الناس قد اجتمعوا لصلاة التطوع. فقال: بدعة ونعمت البدعة!!

روى الشيخ الطوسي في التهذيب: ج 3 ص 70 ح 227 عن الإمام الصادق عليه السلام قال: لما قدم أمير المؤمنين عليه السلام الكوفة أمر الحسن بن علي عليه السلام أن ينادي في الناس: (لا صلاة في شهر رمضان في المساجد جماعة). فنادى في الناس الحسن بن علي عليه السلام بما أمره به أمير المؤمنين عليه السلام. فلما سمع الناس مقالة الحسن بن علي عليه السلام صاحوا: واعمراه واعمراه فلما رجع الحسن عليه السلام إلى أمير المؤمنين عليه السلام قال له: ما هذا الصوت؟ فقال: يا أمير المؤمنين، الناس يصيحون: واعمراه، واعمراه فقال أمير المؤمنين عليه السلام:

قل لهم: صلوا!

روي في البحار: ج 96 ص 385 ح 5 أنه لما كان أمير المؤمنين عليه السلام في الكوفة أتاه الناس فقالوا: اجعل لنا إماما منا في رمضان. فقال: لا، ونهاهم أن يجتمعوا فيه. فلما أمسوا جعلوا يقولون: (ابكوا في رمضان، وارمضاناه) فأتاه الحارث الأعور في أناس فقال: يا أمير المؤمنين، ضج الناس وكرهوا قولك. فقال عند ذلك: دعوهم وما يريدون. ليصلي بهم من شاءوا. ثم قال: (فمن يتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا).

الصفحة 265
بؤسي لما لقيت من هذه الأمة بعد نبيها من الفرقة وطاعة أئمة الضلال والدعاة إلى النار.

ولم أعط سهم ذوي القربى منهم إلا لمن أمر الله بإعطائه الذين قال الله: (إن كنتم آمنتم بالله وما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان يوم التقى الجمعان) (1)، فنحن الذين عنى الله بذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل، كل هؤلاء منا خاصة (2) لأنه لم يجعل لنا في سهم الصدقة نصيبا وأكرم الله نبيه صلى الله عليه وآله وأكرمنا أن يطعمنا أوساخ أيدي الناس. (3)

____________

(1). سورة الأنفال: الآية 41.

(2). في الكافي والتهذيب: نحن والله الذين عنى الله بذي القربى الذين قرنهم الله بنفسه ونبيه فقال: (ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين)، منا خاصة.

(3). من قوله (ورددت من قضى من كان قبلي بجور...) إلى آخر الحديث في روضة الكافي زيادة مهمة هكذا:

(... ورددت قضايا من الجور قضى بها، ونزعت نساء تحت رجال بغير حق فرددتهن إلى أزواجهن، واستقبلت بهن الحكم في الفروج والأحكام وسبيت ذراري بني تغلب ورددت ما قسم من أرض خيبر ومحوت دواوين العطايا وأعطيت كما كان رسول الله صلى الله عليه وآله يعطي بالسوية ولم أجعلها دولة بين الأغنياء وألقيت المساحة وسويت بين المناكح وأنفذت خمس الرسول كما أنزل الله عز وجل وفرضه، ورددت مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله إلى ما كان عليه، وسددت ما فتح فيه من الأبواب وفتحت ما سد منه وحرمت المسح على الخفين وحددت على النبيذ وأمرت بإحلال المتعتين، وأمرت بالتكبير على الجنائز خمس تكبيرات وألزمت الناس الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم، وأخرجت من أدخل مع رسول الله صلى الله عليه وآله في مسجده ممن كان رسول الله صلى الله عليه وآله أخرجه وأدخلت من أخرج بعد رسول الله ممن كان رسول الله أدخله، وحملت الناس على حكم القرآن وعلى الطلاق على السنة، وأخذت الصدقات على أصنافها وحدودها، ورددت الوضوء والغسل والصلاة إلى مواقيتها وشرائعها ومواضعها، ورددت أهل نجران إلى مواضعهم، ورددت سبايا فارس وسائر الأمم إلى كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وآله، إذا لتفرقوا عني.

والله لقد أمرت الناس أن لا يجتمعوا في شهر رمضان إلا في فريضة وأعلمتهم أن جماعتهم في النوافل بدعة فتنادى بعض أهل عسكري ممن يقاتل معي: (يا أهل الإسلام، غيرت سنة عمر ينهانا عن الصلاة في شهر رمضان تطوعا) ولقد خفت أن يثوروا في ناحية جانب عسكري.

ما لقيت من هذه الأمة من الفرقة وطاعة أئمة الضلالة والدعاة إلى النار. وأعطيت من ذلك سهم ذي القربى الذي قال الله عز وجل: (إن كنتم آمنتم بالله وما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان يوم التقى الجمعان)، فنحن والله عني بذي القربى الذي قرننا الله بنفسه وبرسوله فقال تعالى: (فلله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل - فينا خاصة - كيلا يكون دولة بين الأغنياء منكم) و (ما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا واتقوا الله - في ظلم آل محمد - إن الله شديد العقاب) لمن ظلمهم رحمة منه لنا وغنى أغنانا الله به ووصى به نبيه صلى الله عليه وآله، ولم يجعل لنا في سهم الصدقة نصيبا، أكرم الله رسوله وأكرمنا أهل البيت أن يطعمنا من أوساخ الناس. فكذبوا الله وكذبوا رسوله وجحدوا كتاب الله الناطق بحقنا ومنعونا فرضا فرضه الله لنا. ما لقي أهل بيت نبي من أمته ما لقينا بعد نبينا، والله المستعان على من ظلمنا ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم).

ولا بأس بالإشارة إلى ذكر تفصيل بعض ما أشار عليه السلام إليه من البدع:

قوله عليه السلام: (وألقيت المساحة)، روي في البحار: ج 8 (طبع قديم) ص 284 أن عمر وضع الخراج على أرض السواد وأمر بمساحة أرضها، ثم ضرب على كل جريب نخل عشرة دراهم وعلى الكرم ثمانية دراهم وعلى جريب الشجر والرطبة ستة دراهم وعلى الحنطة أربعة دراهم وعلى الشعير درهمين.

وكان الفرض في الأراضي المفتوحة عنوة أن يخرج خمسها لأرباب الخمس وأربعة الأخماس الباقية تكون للمسلمين قاطبة.

قوله عليه السلام: (أنفذت خمس الرسول كما أنزل الله عز وجل)، قال ابن شهرآشوب في المثالب (مخطوط) ص 393:

إن عمر صرف الأخماس عن أهلها فجعلها في الكراع والسلاح ومنع الخمس منهم حين كثره واستعظم ما رآى من كثرته أن يدفعه إلى أهله!

وقوله عليه السلام: (سويت بين المناكح) إشارة إلى ما سيجئ في الحديث 23 من أن عمر سن أن تنكح العرب في الأعاجم ولا ينكحوهم.

وقوله عليه السلام (حرمت المسح على الخفين)، روي في البحار: ج 8 طبع قديم ص 287 عن أبي جعفر عليه السلام قال:

جمع عمر بن الخطاب أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وفيهم علي عليه السلام وقال: ما تقولون في المسح على الخفين؟ فقام المغيرة بن شعبة فقال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله يمسح على الخفين. فقال علي عليه السلام: قبل المائدة أو بعدها؟

(أي قبل نزول سورة المائدة أو بعدها؟) فقال: لا أدري. فقال علي عليه السلام: سبق الكتاب الخفين، إنما أنزلت مائدة قبل أن يقبض بشهرين أو ثلاثة.

وقوله عليه السلام (وحددت على النبيذ)، روى العلامة الأميني في الغدير: ج 6 ص 257 عن عدة طرق: أن عمر كان يشرب النبيذ الشديد وكان يقول: إنا نشرب هذا الشراب الشديد لنقطع به لحوم الإبل في بطوننا أن تؤذينا فمن رابه من شرابه شئ فليمزجه بالماء!

وقوله عليه السلام (وأمرت بالتكبير على الجنائز خمس تكبيرات)، روي في البحار: ج 8 طبع قديم ص 287 عن ابن حزم في كتاب المحلى قال: جمع عمر بن الخطاب الناس فاستشارهم في التكبير على الجنائز.

فقالوا: أكبر النبي صلى الله عليه وآله سبعا وخمسا وأربعا. فجمعهم عمر على أربع تكبيرات. وأورده في الغدير: ج 6 ص 244.

وقوله عليه السلام: (وألزمت الناس الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم)، إشارة إلى إسقاط عمر للبسملة عن أول السور، فقد روى ابن شهرآشوب في المثالب (مخطوط) ص 381: أن عمر حذف بسم الله الرحمن الرحيم من القرآن ومن الصلاة وقال: ليس في القرآن إلا مرة واحدة!

وقوله عليه السلام (الطلاق على السنة)، روي في البحار: ج 8 طبع قديم ص 287 أن ابن عباس قال: كان الطلاق على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وأبي بكر وسنتين من خلافة عمر طلاق الثلاث واحدة. فقال عمر بن الخطاب:

إن الناس قد استعجلوا في أمر كانت لهم فيه أناة، فلو أمضيناه عليهم فأمضاه عليهم. وأورده العلامة الأميني في الغدير: ج 6 ص 178.

وقوله عليه السلام (رددت الوضوء والغسل والصلاة إلى مواقيتها وشرائعها ومواضعها)، إشارة إلى البدع التي أحدث فيها كالمسح على الخفين ومسح الرأس والأذنين وغسل الرجلين، وكترك الصلاة لمن لم يجد الماء للغسل، ومثل وضع اليمين على الشمال في الصلاة وإسقاط البسملة وقول (آمين) بعد الحمد وكتأخير صلاة الصبح حتى تغيب النجوم وتأخير صلاة المغرب حتى تطلع النجوم وغير ذلك.

وقوله عليه السلام (رددت أهل نجران إلى مواضعهم)، روى ابن شهرآشوب في المثالب (مخطوط) ص 393 والطبري في وقائع سنة 20: أن عمر أجلى أهل نجران وخيبر عن ديارهم وقال: لا يجتمع دينان في جزيرة العرب وقد أقرهم النبي صلى الله عليه وآله عليه أن يكفوا عملها ولهم نصف الثمن وكتب لهم كتابا بذمتهم وهو معهم إلى يومنا هذا.

وقوله عليه السلام (رددت سائر الأمم إلى كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وآله)، روى ابن شهرآشوب في المثالب (مخطوط) ص 393 عن كتاب آداب الوزراء: أن عمر كان يأخذ من جميع أهل الذمة فيما اتجروا فيه كل سنة العشر ومرتين إن اتجروا مرتين ومن لم يتجر أربعة دنانير أو أربعين درهما. والفقهاء أجمعوا أن النبي صلى الله عليه وآله أخذ من كل حالم دينارا ولم ينقل أحد من أهل الأثر خبرا أن النبي صلى الله عليه وآله جعلهم في الجزية طبقات. وقد جعلهم عمر طبقات ثلاث فأخذ من الأغنياء خمسة دنانير إلى مائة درهم ومن الأوساط خمسين درهما ونحو هذا ومن الفقراء دينارا واحدا.

الصفحة 266

الصفحة 267

الصفحة 268

(19)

أحاديث عن فتنة أبي بكر وعمر

أبان عن سليم قال: شهدت أبا ذر مرض مرضا على عهد عمر في إمارته، فدخل عليه عمر يعوده وعنده أمير المؤمنين عليه السلام وسلمان والمقداد، وقد أوصى أبو ذر إلى علي عليه السلام وكتب وأشهد.

فلما خرج عمر قال رجل من أهل أبي ذر من بني عمه بني غفار: ما منعك أن توصي إلى أمير المؤمنين عمر؟

قال: قد أوصيت إلى أمير المؤمنين حقا حقا.

أمرنا رسول الله صلى الله عليه وآله ونحن أربعون رجلا من العرب وأربعون رجلا من العجم، فسلمنا على علي عليه السلام بإمرة المؤمنين، فينا هذا القائم الذي سميته (أمير المؤمنين).

ولا أحد من العرب ولا من الموالي العجم راجع رسول الله صلى الله عليه وآله إلا هذا وصويحبه الذي استخلفه، فإنهما قالا: (أحق من الله ورسوله)؟ فغضب رسول الله صلى الله عليه وآله وقال: اللهم نعم، حق من الله ورسوله، أمرني الله بذلك فأمرتكم به.

قال سليم: فقلت: يا أبا الحسن وأنت يا سلمان وأنت يا مقداد، أتقولون كما قال أبو ذر؟ قالوا: نعم، صدق. قلت: أربعة عدول، ولو لم يحدثني غير واحد ما شككت في صدقه ولكن أربعتكم أشد لنفسي وبصيرتي.

قلت: أصلحك الله، أتسمون الثمانين من العرب والموالي؟ فسماهم سلمان رجلا رجلا. فقال علي عليه السلام وأبو ذر والمقداد: (صدق سلمان) رحمة الله ومغفرته عليه وعليهم.