فتنة فضل الله

الخلفيات ، الأهـداف ، النتائج

بقلم: محمد باقر الصافي

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

إلى من سينزعج ويتضرر من هذا الكتاب:

(( حقّ يضرّ خيرٌ من باطـل يسرّ ))

 

 

الطبعة الأولى

 

جمادى الأولى 1418 / أيلول 1997

 

 

كيف تبدأ الفتن

عن مولانا أميرالمؤمنين عليه السلام: "إنما بدءُ وقوع الفتن أهواءٌ تتّبع وأحكـامٌ تبتدع، يخالف فيها كتابُ الله، ويتولى عليها رجالٌ رجالاً على غير ديـن الله، فلو أن الباطل خلص من مزاج الحق لم يخفَ على المرتادين، ولو أن الحق خلصَ من لبس الباطل انقطعت عنه ألسن المعاندين، ولكن يُؤخذ من هذا ضغثٌ ومن هذا ضغثٌ فيمزجان، فهنالك يستولي الشيطان على أوليائه وينجو الذين سبقت لهم من الله الحسنى".

وعنه عليه السلام: "إن أبغض الخلائق إلى الله رجل وكله الله إلى نفسه، فهو جائــرٌ عن قصد السبيل، مشغوفٌ بكـلام بدعة ودعاء ضلالة، فهو فتنة لمن افتتن به، ضالٌ عن هدي من كان قبله، مضلّ لمن اقتدى به في حياته وبعد وفاته، حمّال خطايا غيره، رهنٌ بخطيئته.

ورجلٌ قَمَشَ جهلاً، موضع في جهال الأمة، غار في أغباش الفتنة، عم بمـا في عقـد الهدنة، قد سمّاه أشباه الناس عالماً وليس به. بكّر فاستكثر من جمع ما قلّ منه خيرٌ مما كَثر، حتى إذا ارتوى من ماء آجن، واكتنز من غير طائل جلس بين الناس قاضياً ضامناً لتخليص ما التبس على غيره، فـإن نزلت به إحدى المبهمات هيّأ لها حشواً رثاً من رأيه ثم قطع به، فهو من لبس الشبهات في مثل نسج العنكبوت، لا يدري أصاب أم أخطأ. فإن أصاب خاف أن يكون قد أخطأ، وإن أخطأ رجا أن يكون قد أصاب، جاهلٌ خبّاط جهالات، عاش ركاب عشـوات، لم يعض على العلم بضرس، يذري الروايات إذراء الريح الهشـيم، لا مليءٌ ـ والله ـ بإصدار ما ورد عليه ولا هو أهل لما فوّض إليه، لا يحسب العلم في شيء مما أنكره، ولا يرى أن من وراء ما بلغ منه مذهباً لغيره، وإن أظلم عليـه أمـرٌ اكتتـم به لما يعلم من جهـل نفسـه. تصـرخ من جور قضائه الدماء، وتعجّ منه المواريث، إلى الله أشـكو من معشـر يعيشـون جهالاً، ويموتون ضلالاً...".

وعنه عليه السلام: ".. وآخر قد تسمّى عالماً وليس به، فاقتبس جهائل من جهّال، وأضاليل من ضلال، ونصبَ للناس أشراكاً من حبائل غرور، وقول زور، قد حمل الكتاب على آرائه، وعطف الحق على أهوائه، يؤمّن الناس من العظائم، ويهوّن كبير الجرائم، يقول: أقف عند الشبهات وفيها وقع، ويقـول: أعتزل البدع وبينها اضطجع. فالصورة صورة إنسان، والقلب قلب حيـوان، لا يعرف باب الهدى فيتبعه، ولا باب العمى فيصد عنه، فذلك ميت الأحيـاء، فأين تذهبون؟ وأنّى تؤفكون؟ والأعلام قائمة، والآيات واضحة! والمنار منصوبة! فأين يتاه بكم؟…"

*        *        *

مـنـبـع الـفـتـنـة

فكرت كثيـراً في الاسلوب الــذي ينبغي عـرض القضية من خلاله، في العـلاج والدواء الذي يجب وصفه للناس، ففي معترك هذه الفتنة العمياء وغمراتها التي تمضي كقطع الليل المظلم، يصعب أداء الدور الرسالي ويتعقد سبيل النهوض بواجب التوعية والتبصير.. ولكني بحمد الله، كلما رجعت إلى سادتي وولاتي وأولياء نعمتي أبداً، وجدت عطاءهم غير مجذوذ، لا يبليه تقادم الزمن ولا تنال منه محدثات الأيام، فالأصيل يجود، فكيف بالأصالة والجود…

في الأحاديث الشريفة السابقة ما يكشف الحقيقة ويرشد إلى أساس المعضلة ومنبـع الفتنة التي تعصف بساحتنا اليوم. إنه اختلاط الحق ومزجه بالباطل عبر ظهوره بلباس "يلبس" على الناس ويفسح لذوي المصالح والأهواء ولنزغ الأبالسة والشياطين…، فقد تصدّى للتنظير الإسـلامي واستنباط الأفكار والمفاهيم، ثم الأحكام والفتاوى "معممٌ" لا ناقة له في الفقه ولا جمل، ولا بضاعة له في العلم ولا متاع… يبكي وهو يقرأ دعاء كميل، ويبالغ في الوعظ والإرشاد، وهو يعيش السخرية والاستهزاء في داخله والكفر والانحراف في واقعه!

خرج من النجف الأشرف ولم يبلغ الثلاثين، صفر اليدين إلا من بعض الأدب والشعر، وكثير من سخط والـده وغضبه! لا شهادة تثبت علماً وتضعه في مصاف العلماء، ولا ممارسة تكشف عن كفاءة وحركة تمضي به على "سـبيل نجـاة"..

كيف لا وقد قضى أيام شبابه في ذلك الجوار المقدس لاهياً عابثاً متنفراً من حـوزة جعفر بن محمد صلوات الله عليه! مشمئزاً من مداولات العلماء ومناولات الفضلاء، منصرفاً إلى مطالعة كتب وكتابات أقل ما يقال فيها إنها نتاجات فكر أجنبي عن الإسلام، دخيل على التشيع، مُعادٍ لأهل البيت ومناصب لشيعتهم…

قضاها متسكعاً على ضفاف "شط الكوفة ساقطاً في مزالق أخلاقية جرحت قلب والده وأدمت كبده، وصيرته في دوامة قلق واضطراب على مستقبل هذا الشاب، ما لبث أن تحول إلى تشـاؤم وحذر وخوف مما سيلحقه هذا الولد الشؤم ويجنيه على دين أجداده… وقد كتب (رحمه الله) في هذا المضمون للعلامة آية الله السيد حسين مكي والد السيد علي مكي العاملي وكيل الإمام الخوئي وقطب الطائفة في الشام.

ولعـل مسألة السقوط الأخلاقي وعقوق الوالد هذه، بالإضافة إلى الإخفاق العلمي وعدم الحصول على شهادة اجتهاد وإتمام الدراسة الحوزوية، هي التي ولدت العقدة في نفسـيته، وخلقت مركّب النقص في شخصيته، ودفعته لتقحم أمواج الفتنة وإلقاء الطائفـة فيها… وقد يلقي الأحمق حجـراً في بئر يعجز جميع عقلاء العالم عن إخراجه! والأدق أن نقول إن هـذه وتلك خلقت الأرضية ومهدت الطريق في روحيته ليكون أداة طيّعة لتنفيذ هذه الفتنة العمياء

من هنا، من هـذا القعر الآسن، لا تجد في بطانته إلا النفعيين المرتزقة، أو المتهتكين البـاحثين عن غطاءٍ "شرعي" يسمح لهم بالخلاعة والمجون في أوساط المؤمنين!.. ومن هنا، من بؤرة الشُح والجدب العلمي، لا تجد في اللفيف المحيط به، من معممين وكوادر ثقافية، إلا المتردية والنطيحة! أوكل إلى هذا جمع الأحـاديث و"دراستها" سنداً ودراية!! وأوعز إلى ذاك إلقاء دروس في علم الأخلاق!! وانفرد هو "بتفسير" القرآن الكريم.. من خلال وحي يزعم أنه يستلهم منه! ويصرح قائلا: "أستوحي"!!

ومن هنا أيضاً تراه ألقى "بمثقف" لم يتم دراسته الثانوية! ولكنه استعان ببعض المصطلحات ولقّن بعض التعابير، كمن تزود لرمضاء قاحلة، وعـرة على أهلهـا والأدرى بشـعابها ومسـالكها، بقطـرة مـاء.. وآخر مهرج أخرق، حق أن يُعطى بوقـاً وطبلاً، لا قلماً وقرطاساً، وأن يلحق بمشجعي الفرق الرياضية ليهتف بالأهازيج على مدرجات ملاعب كرة القـدم، وفي أحسن الأحـوال ينبغي أن يوكل إليه تشكيل جوقات لندب الموتى وقراءة المراثي على طريقة الثكالى في الجبانات… لا أن يؤلف الكتب ويرد على العلماء!… (وقد علمنا أن المذكور معلم حساب في إحدى مدارس الأيتام التي "يرعاها" فضل الله، فانظر أي جيل سينشيء هذا الساقط وعلى أي عقيدة سيكبر هؤلاء الأيتام المساكين.. ومن هنا نتعرف على جانب وصورة من جرائم فضل الله وحزبه).

ألقاهما في مواجهة إبن بجدتها وأمير فنها، العلامة السيد جعفر مرتضى العاملي ليكتب الأول "هامشاً" على متن اخترعه، وتعليقاً على نصّ افتـرضه، لا وجـود له في "مأساة الزهراء"…!! بينمـا راح الثاني الذي يقطـر النصب من قلمه ويتفجر بغض أهل البيت والحقد عليهم من جوانبه، فـي ندبة سيده إلى حد الإسفاف وما يبعث على الغثيان! فكتب في مأساة فضل الله، والمصيبة التي حلت به جراء نشر كتاب السيد جعفر.. نعم، فالمصيبة عندهم هي نقد صاحبهم، والمأساة هي منـاقشته، أما ما جرى على الزهراء وأهل البيت صلوات الله عليهم فهو من مواد التندر في محافلهم وموارد السخرية في نواديهم المنكرة

وحتى لا نبخس الناس أشيائهم، نقول:

السيد محمد حسين فضل الله رجل ذو تجربة سياسية وخبرة اجتماعية، انتسب إلى الحلقـات الأولى لحزب الدعوة في العراق في أواسط الستينات، ثم تولى ركناً أساسياً فيه في لبنـان، وحزب الدعوة في لبنان كان خياراً يُراد له تقويض مشروعي: الإمام المغيب موسى الصدر المعد لإلغاء الزعامات الشيعية التقليدية من عوائل وإقطاعيين ومن علمـاء تقليديين، وهكذا مشروع الشهيد السيد حسن الشيرازي المبتني على حالة مترسخة في الطائفية، والأصح أن نقول في المذهبية… كان فضل الله ورقة ثالثة اُريد لها أن تؤسس للهوية الشيعية في لبنان على الصعيد الفكري والعقائدي والسياسي والاجتماعي بما يدمجها في الوجود السني، وبمعنى آخر يلغيها تماماً!

لـديه إمكانيات مالية وإعلامية واسعة جداً، من النادر توفرها في عالم ديـن شيعي أو حتى كيان سياسي شيعي، خصوصاً على الصعيد الإعـلامي، بحيث يصدق أن يقال إنه كتلة وكيان إعلامي بحت، ولا شيء إلا الصورة والفرقعة والرعيد والبريق الإعلامي!

يتمتّع بنفوذ لا بأس به في أوسـاط طبقة معينة من مؤمني لبنان والكويت والبحرين، وكذلك مؤمني العراق (لأسباب وعوامل مختلفة، ليس هذا مقام بيانها)، تصب عموماً في قنوات حزب الدعوة وشبكاته التنظيمية، وكان وجوده آخذاً في التوسع والامتداد في لبنان ليكوّن لنفسه رصيداً جماهيرياً وحالة شعبية شـيئاً ما، خارج دائرة الحزب، إلا أن استعجاله في الكشف السـافر عن آرائه، واسـتهانته بالمواجهات التي تصدّت له، ورعونته في أساليب الرد، أرجعت وضعه فانكفأ من جديد على النطاق الحزبي، وإن تردّد مؤخراً أن حزب الدعوة يفكر هو الآخر في صيغة للتخلي عنه وطرده، حذر أن يورده مورده، فيذهب حرضاً...

الرجـل مثقف ومطلع على بعض العلوم والمعلومات، دون تخصص ولا تضلـع في أي منها، بل دون فهم ووقوف حتى على بعض حقائقها.. مجرّد حكايات ومقالات تتعلق وتتحدث حول هذه العلوم قرأها واطلع عليها.

وكما يقول أحد الخبراء (الذي استقصى جميع كتب فضل الله واستمع إلى جميع الأشرطة المسجلة لأحاديثه، واطلع على كل ما كتبته عنه الصحافة والإعلام المرئي والمسموع): إن شأنه شأن بقعة أرض مترامية الأطراف، شاسعة المساحة، ولكنها صحراء قاحلة لا تجد فيها واحة ولا شجرة مثمرة، اللهم إلا اثلة هنا وصفصافة هناك، لعـلّ قائظ تائه في هذه الرمضاء يستظلّ بها فيأنس ويخال أن "ليس وراء عبادان قرية"! ويضيف الخبير قائلاً: قد يخاله الظمآن بحرا، ولكن ما إن يدنو منه حتى يكتشف أنه سراب بقيعة!

يخوض في كل موضـوع، ويجيب على كل سؤال مباشرة. لم يسجل في تأريخـه انه توقف في مسألة أو موضوع، كأن يقول إن الأمر يحتاج إلى مراجعة، أو إنني لست مستحضراً الجواب الآن، أو إنني لا علم لي في هذا الموضوع.... أبداً!!

وعلى غرار زملائه ورفاقه الذين تنزّل عليهم الشياطين، تراه في كل وادٍ يهيم… يتحدّث في الفلك، في الطب، في الفلسفة، في التفسير، في الفقه، في الأصول، في الكلام، في المنطق، في الأدب.. ولعلّه يلقي محاضرة في كل منها، ولكنه حديث سطحي ضحل، وعرض ساذج مبتور. حديث مَن قرأ شيئاً عن الموضوع وألمّ ببعض الشيء، ثم صبّه في قالب خطابي ليستعرض به أمام حفنة من العوام، يبهـرها صدى سمعة الرجل وصيته وجلبة خيله وحراسه أكثر مما تفقه من قوله وتعي حديثه!..

ويأتي "اللبس" و"المزج" من هنا: فلا هــو حديث عـوام جهلة، كيف وهـو مليء بالمصطلحات والعبارات الرنانة! ولا هو منطـق العلماء وأهل العلم، فهو أجوف لا يعني شيئاً، دون مبالغة، فما يلقيه في ساعة كاملة يمكن ذكره ـ كفكرة ـ في خمسة دقائق، والباقي غثاء سيل ورغاء ناقة!

وأعجب ما في الأمر أن الرجل استرسل في هذا النهج حتى صدّق نفسه! فصـار يتحـدّث بهذا الاسلوب أمام الجميع، حتى أمام العلماء وأهل الفن وذوي الحرفة! وهـم يسـتمعون إلى حشد المترادفات وموج النعوت التي تكـرر معنًى يظل في أصله وجوهره فارغاً، يكتمون ضحكتهم ويخفـون تعجبهم! فهل كسد سوق العلم إلى هذا الحد، وهل "قلّـت الخيل حتى شدّت السرج على ......" ؟!

ولكنك تجـد ـ دائماً ـ شناً يوافق طبقه... وتجد همجاً رعاعاً ينعقون وراء كل ناعق...

مَن حضر بحثه الفقهي يقرر انه لا يجيد حتى الحفظ ، فلا يحسن إلقاء ما حـاول حفظه البارحة من "التنقيـح" و"الجـواهر" و"المستمسك"، فهـو حفـظ مـن غيـر فهـم! ولعـل انشغـالات الساحـة وهمومها لم تدّخـر له وقتـاً لهكـذا أمـور، فأنصـرف عنها إلـى ما هو أهم في نظره، إلـى المنافسة والصــراع علـى الحطام، على المال والجاه والرئاسة، فهو مـا يقض مضجعه ويسهد ليلـه، خصوصاً وأن "الدرس" يعـد من المواقـع المضمونة التي يكفل الراتب الدولاري حفظها وديمومتها، فلماذا العناء والتعب؟ وهذا القطيع سيبقى رابضاً ما دام المرتع معشوشباً بالدولارات، نظِراً بالعطايا والهبـات.. والتأمين الصحي! والمصيبــة العظمى تقـع عندمـا يحـاول الرجل أن يجتهد ويأتي بجديد من جعبته! عندها تجد كيف يختلط الفقه بالفجـل، والأصـول بالبقول، والرواية بالغواية.. والفن بالهن! وقد أصاب آية الله العظمى الشيخ الوحيد الخراساني كبد الحقيقة عندما وصف "اجتهاده" قائلا: "إنها سفاهة وليست فقاهة"!

هـذا هو أ‏ساس المشكلة وجذر الفتنة، لقد جاء حظ هذه الطائفة المظلومة أن تكون بضاعة هذا الرجل المعقد ومطيته إلى الرئاسة والزعامة والشهرة هي الديـن، ومن سوء طالعنا أن هواه لا يقف عند حد إمام جماعة في "النبعة" أو قائد فرع اتحاد الطلبة لحزب الدعوة في لبنان، ولا عند محاضر أو مؤلف يتسلى الأطفال والشباب بمطالعة كتبه ومؤلفاته.. كـلا، فالنهم لا تشبعه إلا المرجعية العظمى للطائفة! والزعامة العامة على الشيعة في لبنان والعراق والخليج.. مرجعية ستدمر كل ما في طريقها حتى تصل، وهو عازم على الوصول..

والوصولية تعمي وتصم، وأربابها فجّار لا يرقبون إلاًّ ولا ذمة، إنهم على استعداد لأن تعصف الفتنة في الساحة وتتقاذفها أمواج الفرقة والمشاحنة، في سبيل لفت الأنظار إلى كتاب تافه لهم عسى أن يقرأ أو تزيد مبيعاته (لا توزيعه المجاني)! أو في سبيل تصدّر اسمهم أو صورتهم القبيحة الصفحات الأولى للمجلات العالمية.... وقد يصل بهم الأمر إلى التبوّل في بئر زمزم حتى تتناقل الألسن اسمهم وذكرهم "الشريف".

أما مكـانتهم والموقعية التي احتلوها فهم على اسـتعداد للقتل والإرهاب في سـبيل الحفاظ عليها، كيف لا وأيديهم تقطر ملوثة بدماء الشيعة في سبيـل أصـل الوصـول والتربع على العرش، فإذا اقتضى النقش بعض الأصباغ الحمراء، فلا بأس فهي رخيصة عنده، هينة على خاطره "الشريف"!

*        *        *

من الذي بدأ ؟

يكرر فضل الله التحذير من الفتنة ومن إلهاء الساحة بالمعارك الجانبية وإشغالها عن العدو الحقيقي: أمريكا وإسرائيل.....

ترى من الذي يريد إلهاء الساحة الشيعية ويعمل على إشغالها؟!

من الذي عمد إلى الإثارات والتشكيكات، وهو يعلم علم اليقين بردود الفعل، ويقطع بحتمية الأجوبة التي ستلاحق ما يثير؟ نعم، فهي عقائد الناس ومقدساتهم، وقد برهن الشيعة مراراً على صلابتهم في كل مواجهة، وحدّتهم في ردّ كل مبتدع يريد النيل من أهل البيت فيتنكر لمقاماتهم ويشكك في منزلتهم وخصوصـاً قضية سـيدة نسـاء العالمين صلوات الله عليها. وقد برهنوا ذلك أمام الوهابيين كما أثبتوه أمام ربائبهم وصغار مرتزقتهم، الذين ينبت أحدهم بين الفينة والأخرى كما قرن الشيطان ليثير واحداً من العناوين القديمة ويكرر نغمة سبقه أربابه في العزف عليها طويلاً.

فما هي إلا إشكالات ابن تيمية وابن حجر ومبغض الدين الخطيب والآلوسي وجار الشيطـان، من مقالات "التحفة الإثنى عشرية" و"الصواعق" و"المنهاج" وأضرابها، مع تقديم وتأخير، وحذف واختصار هنا وإضافة وإطناب هناك، إجترها الرجل في طرح من "داخل البيت"، لم يختلف عن الطرح الوهابي إلا في الحذر والجبن الذي لم يسمِّ الأشياء بأسمائها فهاجم التوسل والشفاعة وتنكر لها ونقضها دون أن ينعتهـا بالشرك، وطعن في المعجزة ونال من الكرامة ومن مقامات الأولياء دون أن يسميها بالكفر والغلو وهكذا.

وهي إشكـالات أكل الدهر عليها وشرب وأشبعها علماؤنا بحثاً وردا، وصنف فيها المتقدمون منهم كما المتأخرون عشرات الكتب والردود

هل يتوقع فضل الله أن يقوم بهذا الدور الخبيث ولا ينبري من ينكر عليه ويضـرب على يديه الآثمتين.. هل بعد هذا هراء؟! وقد شهد بالأمس القريب كيف تجاهل الإمام الخميني (قدس سره) شؤون الدولة والثورة وهي في أحلك ظروفها، ليصدر حكمه على امرأة جاهلة حمقاء رفضت اعتبار الزهراء عليها السلام قدوة للنساء في عصرنا الحاضر، وقدمّت عليها بطلة قصـة يابانية كان التلفزيون الإيراني يعرضها آنذاك، تمثل الكفاح الاجتماعي والصـلابة أمام شظف العيش وما إلى ذلك من قيم.. فصدر الحكم بإعدامها وإعدام كل من نشر هذا الرأي الكافر من مخرج ومُعدّ ومقدّم! وقد أذهل الحكم الغـرب والشرق واحتاروا فيه، وقامت قيامتهم على "التحجر" و"الرجعية" و"الإرهاب الفكري" و"الدكتاتورية" و... كل ما يأخذه فضل الله اليوم على من ينكر عليه!

وجريمة المرأة المحكومة بالإعـدام تلك لا تعادل عُشر جريمة فضل الله كماً وكيفاً، فلا هو إمرأة حمقـاء  ولا ما قاله يماثل ويساوي ما قالت! فهـل يعقـل أن تمر دون حساب وعقاب؟ وقد يتبادر في ذهن القارىء هنا سؤال: إذا كـان الرجل عالماً بردود الفعل فكيف له أن يُقدم ولماذا؟ والـرد إنه كان مغروراً بقدرته على الصمود، وكان مأخوذاً بخلو الساحة من مراجع كبار، وكان يراهن على علاقاته وارتباطاته بإيران وضغطها لصالحه.. وقد كان ولا يزال يتضوّر جوعاً للشهرة ويتقطع عطشاً للسمعة.. والوصولية عمياء تورد صاحبها المهالك.

من الذي بدأ؟ من الذي أشعل الفتنة، حتى إذا أخذت بتلابيبه وضيقت عليه خناقه أخذ يستنجد ويصرخ، ويتذكر الأخلاق والآداب، ويندب إلى الوحدة وعدم الانشغال بما لا طائل من ورائه؟!

لعمري وهل يتم مصداق "رمتني بدائها وانسلت" وينطبق على مورد أكثـر من هذا؟ ها هو معاوية العصر يكرر ما لقنه إياه إبليس الرجيم في حرب صفين، إذ علت بعد انتهاء الحرب صيحة في عسكر الشام سأل عنها معاوية، فأخبروه بأن الجند وجدوا عمار بن ياسر رضوان الله عليه في قتلى علي عليه السلام وصار يذكر بعضهم بعضاً بحديث رسول الله صلى الله عليه وآله "عمار تقتله الفئة الباغية" فما كان من الشيطـان إلا أن أوحى له ليقول لهم: إنما قتله من جاء به إلى الحرب، وهو علـي وصحبه، فهم الفئة الباغية...

وهنا يثير فضل الله الفتنة ويشعلها حتى إذا كبرت كرة النار وجاء المدافع ليركلها ويردها إلى منبعها، صـرخ واستغاث، وصار يبكي الوحدة ويندب الشمل المبدد والجمع المشتت والطاقـات المهـدورة ويرثي انشغال السـاحة بما لا يقدم ولا يؤخر، ويغمز بالأيدي المخابراتية والأغراض الإستعمارية وراء هذه الفتنة!!

تباً لمعاوية وتعساً!!

والعجب إنه يحـذر ـ من جهة ـ من إلهاء الساحة وإشغالها، بينما يصر من جهة أخـرى ويعتـرف (في معرض ردّه وإنكاره للأفكار والعقائد التي يؤمن وينـادي بها) بأنه لم يطرح تلك الآراء إيماناً واعتقاداً بها، وإنما طرحها على نحو التسـاؤل! ويعلن بمليء فمه إنه إنما أراد "إثارة" الساحة من خـلال التشكيك في "موروثـات" يزعـم زورا وبهتانا انها لا تسـتند إلى أدلـة علمية وأسس عقلية! وأنه أراد نفض الغبار عنها بصقلها وإجلاء الحقيقة فيها!

*        *        *

دور المخـابـرات!

يكرر فضل الله إن الحملة ضده يقف خلفها الاستعمار، ويؤكد أن هناك أيدٍ مخابراتية وأجهزة جاسوسية تهندس لهذه الحملة وتديرها.. ونحن نعطيه الحق في هذا القذف!

من حق فضل الله أن يتهمنا وجميع الموالين بالعمالة للمخابرات وخصوصاً الأمريكية (CIAفهو لا يؤمن بالغيب، ولا يؤمن بأن للبيت ربّ يحميه، يسخر القلوب ويجند الأيدي ويشحذ الهمم، فتنبعث الغيرة وتنهض الحميـة من كل حدب وصوب.. دون تنسـيق ولا تنظيم ولا حتى علم مسبق!

فيؤلف هذا كتاباً، وينشـر ذاك بياناً، ويعتلي ثالث منبراً، ويستفتي آخر المراجـع و.... إنها نفوس عشـقت آل محمد، وأفئدة هوت إليهم، فهوتهـم حتى الصبـابة والهيام، وهي تتفتت شوقاً إلى عملٍ يقرب إليهم وخطوة تدني منهم، كيف وقد ظهر داع وطرأ موجب للدفاع عن حياضهم أمام عدوان ظالم وهتك مبطن، أشد قسوة وضراوة من الظاهر السافر؟

إننا نتشرف بلثم أعتابهم، ونعيش على أمل أن نُكتب من خدامهم وعبيدهـم، بل ندعـو ونتضرع: أن روحي وأرواح العالمين لتراب أقدامهم الفداء، وأقل الفداء..

فهل يعرف فضل الله عمّن نتكلم؟ ومن نحب؟ هل عرف حب آل محمد؟ هـل ذاق حلاوته؟ هل لمس برد الولاء في قلبه؟

"لو شفّك الوجد لم تعذل ولم تلم"..

حق له أن يسـتنكر وأن يتعجب، فلا ينقضي عجبه إلا بالافتراء والقذف وتوجيه التهم، لو كان له نصيب من حب آل محمد لما بلغ في جفوته هذا المبلغ ولما أوغل في عداوته إلى هذا الحد.. حتى قال فيه الشاعر:

فإذا صحّ أنه حسني               فهو بالخصم لا بأهليه برّ

لقد تقولب فكـره وانصب تفكيره وغدت ذهنيته لا تفهم إلا التمثيل والاستعراضات الموضوعة الكاذبة، لا يمكنه أن يتصوّر العفوية والإرتجال، لا يمكنه أن يستوعب وجود صدق وإخلاص، فقد تشرّبت حياته بالدجل والتظاهر والتمثيل، وصار مرتكزه في التعامل مع المحيط والجو هو هذه القواعد والضوابط.. ارتهان مقيت للمادة والمادية، وغياب للمعنى والمعنوية، لا تجده حتى في أشد المحيطات والأجواء الدنيوية، فهناك تلمس بين فترة وأخرى نفحة معنوية وومضة غيبية ولحناً يخرجك عن عالم المادة والسيـاسة والمعادلات و... أما هنا، فلا عين لهذه الأمور ولا أثر، ليس إلا الحس والشهود والمحاسبات، مما يجهز على الروح ويقضي على المعنويات..

لقد ارتهنته هذه الأجـواء وهيمنت عليه، فهو عندما يُستقبل في محفل من تلك المحافل المختـلَـقة ويهتف له بالهتافات، وتجرى معه اللقاءات الصحفية والتلفزيونية، يكون مُسبقاً بالثمن الذي دفع وبالأيدي التي نظمت ورتبت وأعدت وأخرجت، بل ووضعت حتى السيناريو والحوار اللازم لهذه المظاهر الزائفـة، يعلم بدقة تحيط بجميع الجزئيات والتفاصيل، وبما جرى خلف الكواليس حتى أخذ الحدث هذا الشكل الظاهر.

فكيف له أن يصدق بأن "حملة" بهذا الحجم وعلى هذا القدر من النجاح والتأثير، تنهض بهـا المرجعية العليا في النجف الأشرف بعد قم المقدسة، وتغطي دول الخليج العربي بعد لبنان والشام، وتزحف نحو بلاد الغرب والمهجر.. يمكن أن تكون عفويـة؟! أو يصدق ويؤمن انه يمكن ان تكون مولاتنا الزهراء صلوات الله عليها أشارت إشارة فانقلبت الدنيا عليه بهذا الشكل؟!

القلوب بيد الله، وإنما سمي "القلب" قلباً لتقلبه واستعداده للتغير والانقلاب، فهل يحتمل فضل الله أن مَن بيده القلوب قلبها بغضاً وكرهاً له، فأرادت أن تعبّر عن كرهها وبغضها لأفكاره وأعماله ومواقفه وأحاديثه، بل لشخصه الخبيث فأقدمت على هذه "الحملة"؟!.. كــــلا، لا يمكنه فهم هذا المنطق ولا استيعابه، فضلاً عن تصديقه والإذعان له..

فمجرد الإلتفات إلى هذه الحقيقة هو ضرب من البصيرة التي قد تستتبع هـدىً وتنتهي إلى التنبه والخروج من الغفلـة، وهـذا لطف خاص لن يهبه الله لمن نازعه رداءه، فالكبرياء رداء الله ما نازعه إياه عبد إلا قصم  ظهره.. والرجل ممن استحوذ عليه الشيطان وصبغه بصبغته!

ومنهج التعامل مع المتكبرين فهو سنة الإملاء والاستدراج.. {أيحسبون أنما نمدهم به من مالٍ وبنين نسارع لهم بالخيـرات بل لا يشعرون}، {فذرني ومن يكذب بهذا الحديث سنستدرجهم من حيث لا يعلمون. وأملي لهم إن كيدي متين}، {ولا يحسبّن الذين كفروا أنما نملي لهم خير لأنفسهم إنما نملي لهم ليزدادوا إثماً ولهم عذاب مهين}.. وهل هناك بعد إنكار فضائل أهل البيت عليهم السلام ومراتبهم تكذيب؟ وهل هناك كفر أكبر من ظلمهم وبخسهم حقهم؟! وهل بعد التشكيك في مقاماتهم ووقوع مصائبهم جريمة؟! وأين هذه من استحقاق اللطف الإلهي الخاص في التنبيه والإيقاظ عن الغفلة؟!

وهـو مـاضٍ في عتوّه واسـتعلائه وطغيانه، لتكون المحصلة التي بلغها، وينـشد إبلاغها الأمة في غفلة من يخرق موضعه في السفينة، لسفهٍ لا لحكمةٍ "خضرية" (وهنا، اندفع تحت غطاء الدفاع عن النفس)، بأن آيات الله العظمى: السيد السيستاني والميرزا التبريزي والوحيد الخراساني والسيد محمد سعيد الحكيم والميرزا الغـروي والسيد الصدر... إما عملاء تحركهم المخـابرات الأجنبيـة من حيث يشعرون أو تسخرهم من حيث لا يشعرون، أو إنهم سذج وبسطاء يستغفلهم ويستغل "رجعيتهم" و"جمودهم" و"عدم إنفتاحهم" بعض من نصبوا أنفسهم حماة للولاية ومدافعين عن حياضها..! وبين هذا الخيار وتلك الفرضية، قائمة سوداء يكيل فيها التهم ويوزع الافتراءات التي يأتي في أسفل درجاتها: الحسد والمال والمنافسة على الزعامة..

لتكون النتيجة: سحق المذهب وتدمير الطائفة، بعقائدها ورموزها ومرجعياتها وكل مقدساتها.. فكل الدنيا، وكل الشيعة على خطأ، وفضل الله وحزب الدعوة وحدهم على صواب!

هـذا مـا سيقع وما سيكون لو خلّي الرجل وطبعه ورغباته وأمانيه، ولم يحل  بينها وبين تحقيقها مانع وزاجر…

تعالوا نقارن بين صفين، يقف في أحدهما مراجع الأمة وفقهاء الطائفة وأعلامها، الآيات العظام والعلماء الأعلام: السيد علي السيستاني / الميرزا جواد التبريزي / الشيخ الوحيد الخراساني / السيد محمد الروحاني / الشيخ فاضل لنكراني / الشيخ محمد تقي بهجت / السيد علي البهشتي / الشيخ لطف الله الصافي / السيد محمد الشاهرودي / السيد محمد سعيد الحكيم / السيد محمد الوحيدي التبريزي / السيد صادق الروحاني / السيد مهدي المرعشي / السيد محمد الصدر / الشيخ محمد أمين زين الدين / الميرزا علي الغروي / السـيد حسن القمي / السيد تقي القمي / الشيخ محمد الهاجري / السيد محمد الشيرازي / الميرزا حسن الإحقاقي / الشيخ محمد تقي الفقيه / السيد علي مكي العاملي / الشيخ محمد مهدي شمس الدين / الشيخ محمد تقي الإيرواني / السيد الكوكبي / الشيخ الفلسفي / السيد مصباح / الشيخ مرواريد / الشيخ حسن زادة الآملي / الشـيخ جوادي الآملي / السيد موسى الزنجاني / الشيخ ناصر مكارم الشيرازي ....

وفي الصف المقابل يقف: عبدالله الغريفي / حسن نوري / مهدي العطار / جعفر الشاخوري / جواد الخالصي / يحيى محمد علي / أبوطه دحام / تامر حمزة (بالتاء) / وجيه قانصو / مصطفى الحاج علي / نجيب نور الدين / عادل القاضي / باقر الناصري / أحمد أحمد / حسين شحادة / سليم الحسني / علي المؤمن / سركيس نعوم / أبوجعفر العلاق / حسين الشامي اللندني / ابراهيم الأشيقر (جعفري)/ سيد عبدالله العلي (قطر).  

صفّ الجهل والأمية الذي لا تجد فيه إلا الحثالة المرتزقة وأعداء الدين والحزبيين الذين أثروا في لندن من الحقوق الشرعية، وأموال إغاثة الشعب العراقي ودعم "أبو ناجي" ، يتقدمهم أحد الحمقى المغفلين (الغريفي) مصداق "من باع دينه بدنيا غيره"!

*        *        *

مشــروع المخـابرات

ونعود لنقول: من حق فضل اللـه أن يتهم من يهاجمونه بالعمالة، وله أن يفتري وأن يقذف وأن يشتم.. فتلك المقدمات لا بد أن تنتهي إلى هـذه النتيجة.. لنعطيه الحـق ولنسمح لـه بهذا التجني، فهذا مما يزيده ويزيدنا، يزيـده تخبطاً وسخافة، كما يزيده سـعيراً وعذاباً في آخرته، ويزيدنا أجـراً وثواباً، وتكفيراً عن ذنوبنا وسـيئاتنا، ومن الطبيعي أن نهزم في معركة السباب والإفتراء.. "يغلبون الكرام ويغلبهم اللئام"، و"ما ظفر من ظفر الإثم به" و"الغالب بالشر مغلوب".....

ولكن أليس من حقنا أن نشك ونظن نحن أيضاً؟!

هل يرقى سلوك فضل الله إلى مستوى لا يناله الشك والظن؟ أم أن العكس هو الصحيح، فعليك أن تتعسف وتتعامى لتحمله على محمل خير؟!

دعونـا نستعرض بعض الأرقام وننظر في معطيات مسلّمة من واقع لا يختلف عليه إثنـان، لا في لبنان ولا في غيرها... دعونا نعالج الظواهر والمظـاهر ونحللها، بالعقل والمنطق، لنرى هل تطاله الشكوك؟ هل يبقى له محمل واحد من السبعين التي لم يوفر لنا واحداً منها؟!

وها نحن نتسائل:

هل يوجد عالم شيعي غير فضل الله تتجاوز ميزانيته الشهريه المليون دولار؟ هذا الثابت منها، أما الطارىء وما يغطي تكلفة المشاريع قيد الإنشاء وما إلى ذلك، فلها حساب آخر وميزانية أخرى مختلفة؟!!

وهل تعلمون ماذا يفعل المال في زماننا، وكل زمان…؟ عندما يتحرك على غرار الإرساليات التبشيرية، يستغل العوَز والمرض والجهل… يمد اللقمة والدواء والكتاب التعليمي بيد، ويبسط شبكة الولاء والتبعية الحزبية بيد أخرى ويلقيها ليصطاد الضمائر ويتاجر بالنفوس، ويحشد الأكف: ليبني على حرارتها وهي تلتهب بالتصفيق بيتاً أسوداً وعرشاً طاووسياً وصرحاً ماسونياً في قلب دار الإسلام وجوف كعبة المسلمين… في ربوع علي عليه السلام ومرابع شيعته حرسهم الله!!

وأكثر ما يحز في النفس ويؤلم، ويقلب الحشى على جمر الغضى، ان بعض هـذا المال هو حقوق شرعية يدفعها بسطاء المؤمنين في الكويت والسـعودية إلـى وكيـل معزول بعد ثبوت خيانته للمرجعية وانكشـاف دوره الحزبي الخبيث في سرقة الأمـوال واستباحة خمس آل البيت، ومع أنه أثـرى بهذه الأموال وصار يُعد من "الوجهاء"، وما هو إلا نكرة، لا بالعير ولا بالنفير… ولكنها أموال مسمومة، {فسينفقونها ثم تكـون عليهم حسرة} وإن لم يبتاعوا به الخمور فقد سخّروه لما هو أشد فجوراً مما ينكأ جروح المولى ويجددها على قلبه المضنى وهو في مغيبه روحي له الفداء.. سخّروه للنصب المبطن والوهابية المنمقة!!

هل يوجد عالم شيعي يسيطر على أكثر من خمسة دور نشر على مستوى لبنان والعالم العربي، وما يقارب خمسة أخرى له كثير من النفوذ والسيطرة عليها وإن لم تكن تتبعه مباشرة؟!

هل هناك عالم دين شيعي غير فضل الله يصدر ثلاث مجلات دورية وينفذ في سياسة وقـرار أربعة أخرى؟! بحيث لا يخلو عدد لها من مقالة أو موضوع أو لقاء تجريه معه!؟

ولا يدرك أهمية ذلك إلا من خاض هذا المعترك واشتغل به، وكرقم صغير أسجل حالتي الشخصية، فقد احترت أيّما حيرة في سبيل طباعة هـذا الكتيب المتـواضع، فلا دار نشـر تتبناه ولا مطبعة تقبل بطبعه ولا صحيفة تنشـر عنه، حذرا من إرهاب حزب الدعوة وطمعا في أموال فضل الله… حتى وجدت أحد الموالين الذي تبرّع بتنظيم المتن على جهاز كمبيوتر شخصي، ثم اقترضت لتأمين المال اللازم لطباعته، بينما "الملاك" و"العارف" و"البلاغ" و"التوحيد" و"المحجة البيضاء" و"دار الرسول الأكرم".. المزودة بأحدث الأجهزة والآلات تقنية وقدرة، تطبع بأفخــر ما يمكن وأرقى مستوى يناهض مطبوعـات الشركات التجارية الكبرى والبنوك!… وبتعداد نسخ تكتض بها المخازن المتكدّســة أصلاً بسابقاتها، بعد التوزيع المجاني العشوائي، الذي لا يوفر حتى الأميين!

ثم هل تعلمون ماذا يعني الإعلام؟ وأي مفعول يمتلك؟ الإعلام الذي يلعب الدور الأساسي في إنتخابات رئيس الولايات المتحدة الأمريكية، والدور الأول في شحن وتعبئة الرأي العام الغربي لدعم اليهود والصهيونية وإسرائيل.. الإعلام الذي يرفع ويخفض، يخلـق جبلاً من حفنة تراب، ويصـور الجبال الشّم مدراً يركل بالأقـدام! الإعلام كيد ساحر، وليس ثمّة موسى ولا عصا تلقف ما يصنع وتفضح ما يؤفكون؟!

الإعلام هو الذي صنع من فضل الله "بطلاً" و"رمزاً" و… "فتنة"!

هل هنـاك عالم شيعي على وجه هذه البسيطة تتبعه عشرات المؤسسات والمبّرات الخيرية التي تناهز في ثقلها الصليب الأحمر الدولي؟!

هل هناك عالم شيعي لديه ثلاث حوزات علمية يتولاها مباشرةً وأكثر من عشرة اخرى تتبعه بشكل غير مباشر؟!

والحوزة تعني مصنع الطلبة والعلماء، وهي هنا مصنع أدوات "اللبس" والتدليس! وتعني الحربة الأولى التي تطعن الأصالة غـدراً في ظهرها.. فهي بين ظهرانيها! والسوس الذي ينخر في أساس البيت ليفته ويبليه.

حوزات ستنتج "طلبة وعلماء" يحاربون الطلبة والعلماء! "ومعممين" يسقطون ويشوهون صورة العمامة وقدسيتها؟!

"رجل دين" يرتدي ثوب الروحانية الشيعية وهو سني العقيدة، مادي الفكر، منحل الخلق، شاذ السلوك!

هـذا ما يريده فضل الله من الحوزات، وهذا ما ستحققه له الدولارات التي تضـخ، فتجذب كل متسكع عاطل عن العمل ليكثر السواد في حوزة "بهمن" في دمشق و"العطـار" في قم و"الغريفي" في بيروت و… إمكانيات تحلم بها أعرق المدارس العلمية الشيعية في النجف الأشرف وقم ومشهد… وستبقى تحلم! وإغراءات يـسـيل لها لعاب كل مستضعف يبحث عن مأوى يحفظ له ظاهر محترم وعنوان مقبول.. فلماذا لا يلتحق ليضمن دنياه ويؤمن معيشته وينتسب ـ في الوقت نفسه ـ إلى أقدس مؤسسة دينية في عالمنا اليوم؟!

هـل هـذا رجل أم دولة؟ هل هو عالم دين أم حكومة؟ هل لبنان والعالم العـربي وأفريقيا وأوربا على هذا الحد من رحابة الصدر، والحرية الحقيقية بحيث تسمح لشخص واحـد "تتهمه بالإرهاب وبإرشاد حزب الله وبزعـامة الأصولية؟!!" أن يؤسس هـذه الإمبراطورية، ويمتد نفوذه داخل أغلب الأسر اللبنانية المستضعفة واللاجئين العراقيين المغلوبين على أمرهم، الذين دارت عليهم الدواهي، وشـرّدهم بطش الطاغية صدام ليمدوا أيديهم إلى هذا الضال المضل، ويسيطر على مئات طلبة العلوم الدينية من خلال مدارسه وحوزاته ورواتبه اللامتناهية؟!

   تـُرى، ما هو موقف المخابرات الأمريكية من إمبراطورية فضل الله؟ أم تـراه يزعم إنه أسسها ويمضي في إدارتها رغماً عن المخابرات وفرضاً على إرادتها؟؟!

هل يعقل أن هذه الأجهزة التي تحبس أنفاسها لتحسب وتحصي على الإسـلاميـين أنفاسهم، تجهل ما يقـوم به فضل الله! أو أنها ألقت الحبل على الغارب ولم يعـد يهمها التيار الإسـلامي، خصوصاً الذي تفوح منه رائحة الأصـولية؟ هل يمكن لعاقل أن يفرض هـذا الأمـر أو يحتمله، مجـرد احتمـال؟!

ماذا عن العلاقات الوطيدة والأخرى الحسنة التي تجمعه مع أغلب الأنظمة العربية الحاكمة؟

هل يحق لنا أن نتساءل: لماذا يسمح لدار الملاك فقط المشاركة في معرض الكتاب الإسلامي في الرياض، المعرض الذي تشرف عليه لجنة وهابية 100% تزعج حتى الحكومة السعودية في تزمتها وتطرفها!! كيف منعت هذه اللجنة جميع دور النشر الشيعية الأخرى دون النظر إلى نوعية إصداراتها، ولم تسأل عن أسماء كتبها ومؤلفيها، بل اكتفت بتصنيفها العام "دار شيعية" لتُحرم من المشاركة، بينما تسمح لفضل الله أن يُدخل جميع كتبه ومؤلفـاته دون استثناء؟!

لماذا تقر السفارة السعودية تزكية فضل الله وتمنـح من يحمـل رسالة توثيق منه فيزا للحج دون حدّ وعدّ، وخارج حصة الشيعة في لبنان والتي يفترض أن توكل إلى الجهة الشيعية الرسمية، أي المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى؟

*        *        *

دفـاعــه الـوحــيـد

ثم ما هذا الإستخفاف بالعقول واحتقار فهم الناس في الرد على كل هذه الأسئلة وغيرها المقدرة بـ "الخمسين عاماً خدمة في الساحة الإسلامية"؟!.. ما هذه المهزلة؟

بالله أخبرنا من أين جئت بهذه "الخمسين"؟ هل أنت عيسى بن مريم كلمت الناس في المهد صبياً؟ أم انك العلامة الحلي نابغة عصره وعبقري زمـانه بلـغ الاجتهاد قبل الحلم؟ ثم هل أنت الوحيد صاحب الخمسين أم أن جميع خصومك الذين تنافسـهم وتستميت في إقصائهم عن مختلف الساحات الإسلامية يتمتعون بهذه الميزة أيضاً؟

هـل السيد الشيرازي مثلاً، أقل منك عمراً في الساحة الإسلامية أم الشيخ محمد مهدي شمس الدين؟؟

وبعد، كيف ولماذا كانت هذه "الخمسين" ملاكاً للعصمة ودليلاً على النزاهة في حالتكم ووضعكم، فلا يوجه لكم لوم أو نقد أو شك إلا رفعتم هذه اللافتة أمامه، ولا تكون خمسون عاماً حقيقية من الخدمة الواقعية والعمل الصادق ملاكاً ودليلاً على نزاهة السيد السيستاني والسيد محمد سعيد الحكيم والميرزا جواد التبريزي والشيخ الوحيد الخراساني؟! فينالهم الشك والتشكيك؟ ويحق لك ولأتباعك وحزبك الطعن فيهم والنيل منهم؟!

ثم ما هذه الكذبة النكراء والوداعة المصطنعة، التي يحسدك الحمل عليهـا، والابتسامة الصفراء التي تعقب بها ذاك الدفاع المغالط من "إنني أقول: اللهم اغفـر لقومي فإنهم لا يعلمون"؟! أين أنت من هذه القمة النبوية التي تسللت إليها؟! وهل عرفت ألف باء الخلق المحمدي لتدّعي هذا المدعى وترقى هذه الدرجة؟ هل عرفت أوليات علم الأخلاق؟ هل شاركت المبتدئين أوائل مراحل السير والسلوك؟ هل خطوت أعتاب هذا الباب؟! بل أنت هائم في وادي الألاعيب السياسة، مستغرق في عالم الدنيا والمادة.. وبين هذه العوالم والأخلاق ما بين السماء ولأرض، فإرفق قليلاً بلين أجنحتك فإنها قمم الكواسر، واقنع بسفوح الهضـاب.. فهناك يمكن أن تنطلي هـذه المدعيات وتجد لبضاعتك المزجاة سوقاً رائجة من المغفلين!

   وأيـن هـذا المدّعى العصيب مما تقوم به عملياً، وراء الابتسامة وخلف تلك الوداعة المصطنعة؟ من عمليات المتابعة الحثيثة والتصفيات السيـاسية والجسدية التي تباشـرها بنفسك ضد كل من ينبس ببت شـفة من نقد أو اعتراض؟ وإذا كانت محاولة اغتيال العلامة الشيخ شمس الدين قد طواهـا النسيان، فقد بطشت بالأمس القريب بالسيد ياسين الموسوي الذي لم يحمل سلاحاً ولا شهر سيفاً، بل كتب بيراع الشهامة والغيرة "ملاحظات" دافع فيها عن الزهراء صلوات الله عليها.. وبدل الرد والاستدلال والاحتجاج العلمي ولا نقول بدل الحلم والصبر! عمدت إلى الضرب والطعن والإدماء، فهاجمه خمسة من جلاوزتك بإيعاز مباشر لم تملك كتمانه فظهر في فلتتة لسانك في محاضرة علنية مسجلة تجيب فيها على من سـألك عنه قائلا: "إنه ممن يضرّ به العفو"، هاجمه جلاوزتك وهو فرد وحيد يـرافقه طفله الصغير الذي شهد الواقعة وقد عقد الذهــول لسانه فلم ينطق إلا بعد أيام وكان أول سؤاله "كيف استطاع صدام أن يصل اليك يا أبي"؟ ظاناً أن العملية انتقام من دور والده في معارك أهوار العراق وجهاده الطويل ضد النظام العراقي؟! هل هذا هو ما تعنيه من دعائك "اللهم اغفر…."؟!

*        *        *

الإســنـاد الإعـلامي

إنها أسئلة، يمكن أن تجمع إجاباتها، لتشكّل مقدمات تقود إلى نتائج تصنع فضيحة وعاراً لا يمكن ستره ومواراته، لا بتنميق الألفاظ ولا باللعب بالعواطف، ولا بشراء الضمائر والدفع للسكوت والصمت!

فلنعد إليها:

كيف يعيش جهابذة العلم وأساطين الفكر والفقه في قم والنجف وملؤهم الحسرة على طباعة مؤلفاتهم القيّمة ونشرها ليستفيد منها النـاس، بينما تجد الأوراق والصحائف تسوّد بالطـرهات والسخافات والغث والحشو الذي يحرق به فضل الله أوقات الناس إسبوعياً، بتغطية إعلامية تلفزيونية وإذاعية وصحفية لكل كلمة وهمسة يشطط بها لسانه الآثم؟!

هل يأتي التضخيم الإعلامي والهالة التي يخلقها له الإعلام العربي والغربي، الرسمي وغير الرسمي، اعتباطاً وعفواً؟ أين الأخطبوط الصهيوني المهيمن على الإعـلام من هذه الامتدادات التي تضرب أطنابها في مواقع "يفترض" انها في صميم العداء لها وللغـرب؟ وفي جوهر خدمة الإسـلام والمسلمين؟ كيف تسمح بهذا "الفلتان" وتتركه ينساب بانتظام ونسق رائعين؟؟!

كيف كانت الصحافة الغربية "تخطىء" دائماً وهي "تنصب" فضل الله مرشداً روحيـاً لحزب الله إبان الحرب اللبنانية وأيام عزّ حزب الله وشوكته وشعبيته التي كانت تكتسح الشارع الشيعي في لبنان والعالم العربي والإسلامي، وكيف "انتبهت" فجأة إلى "خطئها" مع انتهاء الحرب ودخول المجتمع اللبناني في عهد الإعمار وزمن السلم الأهلي، ولم يعد لمقـام "المرشد الروحي" ذاك البريق السابق، والتأثير السحري القديم على الناس؟!... فكانت التضحيات تسجل لصالح فضل الله ليجني الشهرة والسمعة والثناء! وإن عادها الحنين وملكتها الحسرة في أيامنا هذه، وهي تشهد البطولات الجديدة لحزب الله في المقاومة والدفاع عن الوطن!

مَن مِن علماء الشيعة، الأحياء منهم والأموات، حظي بهذا الاهتمام، وألفت في سيرته وخصوصياته وسجاياه وفضائله كل هذه الكتب والمؤلفات؟ هل مُدحَ أحدٌ، منهم ومن غيرهم، مثلما مُدح فضل الله؟ هل تابع الكتّاب والصحفيون السيرة الشخصية والسلوك الخاص لأحد مثلما فعلـوا مع فضل الله (الأمر الذي يستنكره الرجل ويستكثره حتى على الأئمة المعصومين صلـوات الله عليهم)، هل عُظمَتْ "ذات" كما عُظّم فضل الله ولا يزال؟ أليست هذه كلها من ضروب خلق الرمز و"البطل"، لحاجة في نفس يعقوب؟!

   ترى من يقف خلف هذا التركيز وتسليط الأضواء؟ في عالم الذئاب الـذي نعيشه ونلمس في كل لحظة الضراوة والقسوة التي يتعامل بها مع الإسلام.. حتى في التعابير التي يختارها لصياغة الخبر، وفي إذاعة الأخبار ونشرها، في تجاهل بعضها وإهماله، في الاهتمام بالبعض الآخر… أم انهم علقوا الأقمار الصناعية في الفضاء لنقل الأخبار والمعلومات التي تخدم الدين الإسلامي وتساهم في تطوره عبر "انفتاحه"؟! هل هم على هذه الدرجة الكبيرة من الغباء حتى يجهلوا ما يقوم به فضل الله؟!

لماذا يخصّص تلفزيون الـ LBC، صوت النصرانية السياسية في لبنان، حلقة كاملة (أكثر من ثـلاث ساعات) من البث المباشر لجميع البلاد العربية للسيد محمد حسين فضل الله، حتى يرد ما يثار حوله، ويفنّد ويبدد مـا شاء كما يشاء؟! وكيف انعقد لسان المذيع، الذي اشتهر بتفننه في إحراج محاوريه وحشرهم، حتى صارت الشخصيات السياسية البارزة تتهرّب من لقائه، لماذا كان يمر على أجوبة فضل الله مرور المستمع المستمتع؟ ولم يُثر عليه حتى سؤال استنكاري واحد (من تلك التي اشتهر بها)؟ لمـاذا اُغلقت الإتصالات واُغفلت الإشكالات التي كانت تنهال على هذه المحطة التلفزيونية... وصار اللقاء وكأن تلفزيون بغداد يجري مقابلة مع صدام حسين؟

لماذا انتخب "سركيس نعوم" (كاتب"النهار".... وكفى!) لكي يكون المصاحب لفضل الله في هذا اللقاء؟ (وفي الحقيقة والواقع المطيباتي له)؟ كيف يسمح "لابن اليهودية هذا أن يعلمنا ديننا"؟ فيستدل بفقاهة فضل الله على حقه في الاجتهاد و"الانفتاح" ومعارضة علماء الشيعة والطعن في عقائدهم وتبني الشاذ من الآراء العقائدية والفقهية؟... وكم هو مفتون بالشاذ والشذوذ فضلة الشيطان هذا؟!

كيف يسمح له أن ينفث سمومه ليثيرها قومية، ويطعن في قمة الهرم الشيعي وأعلى سنام فيه؟ فيرجع السر في الحملة على فضل الله إلى "صراع المرجعيات" وإلى الحذر الفارسي من نشوء وبروز مرجعية عربية؟! والرجل الشيطاني يبتسم ويُمضي! بل وكأنه ضربٌ من توزيع الأدوار وتنسيق المواقف، فهو أقل من أن يصرح ويخوض بنفسه في هذه الجبهة!

متى كانت المرجعية الشيعية صراعاً ومنافسة؟ وكل تاريخها يشهد بالترفع والزهد في أعلى مستوياته؟ إن تصدي مراجعنا كان ولا زال ينطلق من المسؤولية الشرعية والتكليف الذي يستشعره أحدهم بوجوب النهوض والقيام بهذا الدور الثقيل والعبء الكبير... نعم، منذ دخول الحزبية في الحوزات العلمية، ونفوذها في بعض مواقعها، وعبثها وألاعيبها السياسية والشيطانية أصبحنا نسمح بعبارة "صراع المرجعيات"..

*        *        *

صراع المرجعيات.. صنيعة حزبية

ومتى كانت المرجعية الشيعية خاضعة لمعايير قومية؟

ألم يكن الشيخ كاشف الغطاء العراقي العربي مرجع تقليد القاجارية في إيران؟ ألم يكن المحقق الكركي العاملي اللبناني مرجع تقليد الصفوية في إيران؟ حتى قلّده الشاه طهماسب وولاه القضاء على جميع الفرس؟! ألم يكن السيد محسن الحكيـم مرجع الإيرانيين والباكستانيين والهنود كما كان مرجع العرب؟! ألم يكن مقلدوا السيد الخوئي الإيراني من العرب أكثر من الفرس؟

أليس العلماء والمراجع الفرس اليوم أكثر وفاءً للعلماء العرب وهم يصرون على بقاء الكتب والمتون التدريسية التقليدية مثل اللمعة للشهيد الثـاني (العاملي اللبناني) من فضل الله وأضرابه من أدعياء الانفتاح وإلغاء هذه المتون؟!

لماذا هذا اللحن المقيت يا فضل الله؟ وكيف صارت جميع الصحف والمجلات تعزفه في آنٍ واحد وكأنها في اوركسترا وأنت المايسترو تومىء لهـا بعصاك المخـابراتية؟... ولكن إعلم أن هذه "القشة" لن تنقذك من الغـرق، بل ستقصم ظهرك وإن ارتفع من فوقه سنام المال والشهرة والجاه والسلطة...

ثم هلم معي لننقح هذا المناط (وكأننا فرغنا من دليليته!): أليس المدعو هادي خسروشاهي الذي رفع عقيرته ليدافع عنك فعكست جريدة الشرق الأوسـط السعودية الخبر ونسبته إلى الحوزة العلمية في قم والمقربين منها! وهو أبعد ما يكون عنها، فهو طريدها والمنفي عن أجوائها لألف سبب وسبب "أبسطها" أفكاره وعقائده "الانفتاحية" "الهوائية"!! أليس الخسروشاهي هذا إيراني فارسي؟ أليس التسخيري الذي أرسـل لك أخاه ليكمل لك بناء "الصرح" في بيـروت فارسيّ من "مازندران"؟ أليس اُستاذك مرتضى العسكري الذي دفعك وحزبه للمرجعية فارسي من "إصفهان"؟... إنه غمد بلا نصل، وقمر في شــتاء.. فابحث عن ملجأ آخر يُنجيك، وبيت عنكبوت آخر تحتمي به…

كيف يدّعي في العلن أن الإيرانيين هم الذين يحركون الحرب ضده لأنه ينافسهم ويأمر أتباعه وحزبه بإشاعة هذا الأمر وبثه.. بينما يقول في جلسات معينة تضم المؤمنين وعناصر حزب الله بأن إيران معه، تدعمه وتنصره! وهي في خدمته، حتى قال بأنه قادر على إصدار أي قرار وأوامـر يريدها من طهـران، وانه قادر على ضرب و"تأديـب" أي شخص يقف ضده في إيران (بما فيهم المراجع وأساتذة الحـوزة!)، ويدلل على ذلك قائلاً: هل تخلو نشرة أخبار في الإذاعة العربية من خبر عني؟! أما النشـرة الفارسية فمن الواجب الرسمي على الإذاعة والتلفزيون الإيراني أن يذكر شيئاً عن خطبتي لكل جمعة!..

إذا كان يحق لفضل الله قذفنا واتهامنا بالعمـالة نتيجة للمقدمات التي وقف عليها، وهي لا تتجاوز الحملة الكبيرة ضده، هل يحق لنا ونحن نملك كل هذه المقدمات والأرقام المذهلة أن نشك ونظن بالرجل إنه عميل أمريكي ومشروع استعماري يريد الفساد والإفساد والفتنة في الطائفة الشيعية؟!

تعالوا ننظر في تعارض فتاواه وتضارب مواقفه مما يُشعر بفقدان المبنى وانعدام القاعدة.. فهل هي إملاءات الأسياد وأوامرهم؟ وإلا:

كيف نـراه يتوقف في حرب المخيمات (وخيراً فعل)، حتى "وضـع" القاتـل والمقتول على السواء في النـار، وأعلن إنها دماء مسلمين وحرب كافرة.. ولكننا وجدناه يفتي بكـل سهولة ورحابة صدر (وكأنه يوقع على صــك سيستلم بإزائه الملايين)، بل بإندفاع وحماس على فتوى جواز قتال "أمل" وسفك دماء الشيعة؟ وبينما كان الشهيد السيد عباس الموسوي طيب الله ثراه يقول إنها حرب خاسرة ولو انتصرنا فيها، وكان يبكي قتلى أمل كما يبكي شهداء حـزب الله، كان فضل الله يذكي نار الفتنة والاقتتال الشيعي ـ الشيعي، ويشجعه بفتاواه و"الغطاء الشرعي" الذي كان يفتقده الكثيرون من السذج والبسطاء فيأمنه لهم، وهو يقول لهم: إذهبوا على بركة الله وخلصونـا من هذا الورم الخبيث...

ونحن لا نتحـدث عن حالات الدفاع فتلك ليست بحاجة إلى فتوى، بل هي حـق شرعي، وعندما ناقشه بعض السياسيين بأولويات الساحة وضرورات المعركة و... قال: طريق القدس يَمر من فوق جنازة أمل! وعندما اعترض عليه بعض العلماء وعظموا له خطب الدماء أجابهم بأن عناصر أمل لا يصـلّون استخفافاً بالصلاة، وإن ذلك يعود لإنكارها، ومنكر الضروري كـافر! ومما جـاء في المساجلات قولـه: إنهم يقولون "يا علي" ولا يقولون "يا الله"! ويرون للإمام علي صفات ربوبية وقدرات تؤلهه.. فهم كفار لا حرمة لدمائهم!!

ألا يحق لنا أن نتساءل:

كيف تنفذ المخابرات الأمريكية (CIA) عملية إرهابية مثل "عملية بئر العبد" ثم تعترف بها وتتبناها، وتسرّب عبر مختلف الوسائل والقنوات التصريحات والكلمات التي تتبنى العملية وتقر بتنفيذها؟‍‍‍‍‍‍! هل يُعقل ذلك؟ هل لذلك سابقة في تاريخ الاغتيالات والتفجيرات والعمليات الأمنية، كلا بل "لأمر جدَعَ قصيرٌ أنفه"؟

ألا يحق لنا أن نشك إنها عملية مدبرة بحذافيرها، اُريد لها تنظيف فضل الله "وتبييضه"، ومحـو الصورة الكريهة التي ارتسمت عنه في أذهان اللبنانيين الشيعة وانطبعت بقوة في ذاكرتهم من أنه رجل هادَنَ الاحتلال الإسـرائيلي والاجتياح عام 82 ولم يعترض على الوجود الأمريكي آنذاك، بل حرّم المقاومة وأوجب القعود والإستسلام حتى يدخل بذلك في عمق ساحة حزب الله وهو يحمل بطاقة "ضحية الإستخبارات الأمريكية"؟! وهوية المجاهدين الثوار؟! ألا يحق لنا أن نصدق ما يقال بأنه أعدّ الخطة ودبّرها معهم، وأن تأخره عن لحظة الإنفجار لم يكن عفوياً، ولم يكن لطفاً إلهياً خاصّاً كما يزعم ويشيع أعوانه؟!

*        *        *                                                                                                                        

الدعم المـالي .. من أين؟

وبعد، ماذا عن السـّر الذي يجعل بعض تجار الكويت والخليج والمهجر، وبعضهم من المحسوبين على الماسونية العالمية يدعمونه مالياً إلى هذا الحد؟ كيف نفسّر "شجاعة" بعضهم ممن يضرب المثل بجبنهم وخوفهم، ولنقل حذرهم وحيطتهم المفرطة، من أي تصرف يزعج الحكومات والأنظمة، خصوصاً أجهزتها الأمنيـة، نجدهم لا يبالون أن تشيع أسماؤهم ويذاع أمرهم كممولين أساسيين لفضل الله؟‍!

ترى، هل حصل هؤلاء على ضوء أخضر من تلك الأجهزة الأمنية والأنظمة؟ أم ان الماسونية حاكمة ومهيمنة على كل هذه وتلك، فلِمَ الخوف وعلامَ الحذر؟! خصوصاً إذا علمنا أن لا مصالح تجارية تربطه بهؤلاء، حتى تجعل الأمر ـ بالنسبة إليهم كتجارـ يستحق المجازفة وله مسوغاته في قاموسهم، فهؤلاء قوارين تنـاهز رؤوس أموالهم ميزانيات بعض الـدول، وتتجاوز ممتلكاتهم حدّ الإحصاء، وليسوا بحاجة إلى الإتجار بعد الآن، وأصبح شغلهم الوحيد هو مراقبة الروافد الضخمة التي أسّسوها وهي تتـدفق وتدر المزيد، وهم في منتجعـاتهم في سويسرا وجزر الكاريبي، أو يجولون البحار والمحيطات على يخوتهم الأسطورية.

وهؤلاء، لا يحسبون إلا لشيء واحد: وضعهم السياسي من حيث رضا السلطة عنهم، وخصوصاً في بُعدهِ الأمني، فنهاية أحدهم تبدأ مع اصطدامه بالنظـام وبأجهزة المخابرات، والصدام يبدأ عند تجاوزهم للحدود المرسومة لهم، كتجار وأثرياء، مقابل الدولة والنظـام الحاكم، الذي لا يخفي حساسيته ولا يكتم توجسه من هذه الطبقة، خاصة الشيعة منهم...

فكيف تخطى هؤلاء كل هذه التعقيدات والتداخلات، وراحوا في دعم وتمويل فضل اللـه، المتهم بالإرهاب والأصولية، إلى حد العلن والتباهي والتفاخر؟ كيف لم تمس أدنى مصالحهم من قبيل العطاءات والمناقصات والمزايدات والعقود التي يبرمونها مع الدول والحكومات؟ وقيمتها خيالية، ولا يمكن فرض احتمال مرورهـا وإمضائها دون موافقة المؤسسات والأجهزة الأمنية في كل نظام!!

هـل من مخرج وجواب على هذه التساؤلات غير كون هؤلاء التجار لم يتجاوزوا ـ في دعمهم لفضل الله ـ الحدود المرسومة، والخطوط الحمـراء التـي تضعها المخابــرات أمامهم؟ هـل من تفسير آخر غيـر كـون الأجهزة الإستخباراتية لا تمانع، إن لم تكن ترحب، بدعم فضل الله وتكبيره وصنع "بطل" و"رمز" و... "مرجع" منه؟!

كيف يسمح النظام في لبنان، وهو في طور ترسيخ دعائمه وإعادة إعمار مرتكزاته السياسية والشرعية القانونية، كيف يسمح بنمو خط مواز للشرعية التي يعترف بها رسمياً كممثل للشيعة، أي المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى؟ كيف يوافق على تسجيل أوقـاف شيعية واعتماد مؤسسات خيرية شيعية تحت السلطة المباشرة لفضل الله، بمعزل عن المؤسسة الرسمية المعترف بهـا وبعيداً عنها؟ ومع إن هذا الأمر الخطير ينذر ببروز معضلة للنظام أثبتت التجربة إنها ستستفحل على مرور الأيام وتخلق مشاكل كثيرة، من واقع التجربة في مختلف البـلاد الإسلامية، إلا أن السلطة يبدو وكأنها في غاية الاطمئنان والسكينة والثقة وعدم الخوف من الفلتان والعصيان ما دامت المؤسسات والمساجد والمبرات تحت إشراف السيد محمد حسين فضل الله!؟

كيف تسمح حكومة الحريري وتمنح فضل الله رخصة لتأسيس إذاعة خاصـة به "البشـائر"، في ظروف أشبه بمعركة حامية الوطيس بين أقطاب السلطة ومراكز النفوذ في هذا البلد لتناهب وتقاسم الرخص الإعلامية؟ فيُقدم فضل اللـه على المجلس الإسـلامي الشـيعي الأعلى، وعلى دار الإفتاء السنية؟ وعلى عشرات الأحزاب والجهـات والفاعليات السياسية في لبنان التي حرمت الترخيص وثارت ثائرتها؟‍!

وماذا تعني الإذاعة؟

فضلاً عن المردود المالي والمدخول الجزيل الذي ستوفره الإعلانات الإذاعية (ستتضاعف رسومها مع تمتع الإذاعة بترخيص رسمي)، وشبكة العلاقات والمصالح الكبيرة التي سيفرزها النشاط الإذاعي في مختلف القطاعات، فإن السلطة اللبنانية تكون قد منحته منبراً ثابتاً ودائماً ومستمراً على مدار ساعات البث، يدخل جميع البيوت والسيـارات في لبنان، ولن يلبث أن يمتد إلى خارج لبنان مع تطوير أجهزة البث والحصول على موجات قصيرة ومتوسطة إلى جانب الـFM.

إنها حالة لا وجود لها في أي بلد عربي آخر، أن تمنح إذاعة لشـخص جعل لها ولبرامجها شعاراً وعنواناً عاماً، فهي إذاعة "الثقلين"، والثقـلان في هذه الإذاعة هما: كتاب الله وسنة فضل الله وسيرته! فالقرآن عند الافتتاح وقبل رفع الأذان وفي مناسبات الوفيات… وتصب بقية البرامج في مجرى واحد هو ترسيخ وتعظيم شخصية فضل الله! فهي برامج تضـم خطبه، فتاواه، سيرته، تاريخه، أسئلة وردود له ومنه، آراء الناس فيه، مقابلات حوله، إنجازاته، مشاريعه، ومؤلفاته.. هذا هو الثقل الثاني!

لماذا تعمل السلطة اللبنانية جاهدة على ترسيخ الوجود السياسي والديني لفضل الله؟ ما هي مصلحتها في ذلك؟ وماذا قدم ويقدم لها الرجـل مقابل مـا تعطيه؟! هل اهتدى الهراوي فأسلم؟ هل استبصر الحريري فآمن وتشيع لأهل البيت؟ وإذا تجاوز رئيس أو حاكم مصالحه الخاصة وأهدافه الشخصية، فهل يمكن أن يتجـاوز مصلحة نظامه والسلطة التي يمثلها ويتولاها؟

*        *        *

إنغمـاس في الدنيـا

‍‍‍‍‍‍‍‍ولنسـلط الضوء على جوانب وأبعاد أخرى تعكس بعض خلفيات الفتنة، من خلال كشفها لحقيقة شخصية الرجل وحالته الطبيعية البعيدة عن تنميقات الصحافة، وتزييفات المظاهر والأحاديث التي يتكلم بها، فالظاهر شيء، والواقع شيء آخر...

هل يوجد عالم شيعي، سـواء ضمن من يتصدى للزعامة والمرجعية أو غيرهم من العلماء، في مثـل وضع فضل الله المادي والمعيشي؟ هل هنـاك عالم شيعي "بليونير"؟! تتجاوز ثروته الشخصية خمسة وثلاثين مليون دولار! كأرصـدة نقدية بخلاف الأسهم والســندات والعقارات وعموم الأموال غير المنقولة؟! وعندما نقول ثروة شخصية، فلا يشمل ذلك أرقام "إمبراطـورية فضل الله"...

ولعله يتمكن من إبراز شهادة من مصرف لبنان تثبت أنه لا يملك هذا المبلغ وإنها دعوى كاذبة! ولكن هل يتمكن من إصدار شهادة مماثلة لأبنائه وبناته وإخوانه، والأصهار والأنسباء؟! الذين سجّل تلك الأموال والممتلكات بأسمائهم ووزعها بينهم؟ هل يمكنه أن يصدر شهادة مماثلة من بنوك بريطانيا وسويسرا والإمارات العربية المتحدة؟!.. فمن أين له هذا؟ وكيف أثرى وغدا من رجال الأعمال.. والأديان؟!

في بلدٍ لا يملك السواد الأعظم من الناس فيه قوت يومهم، ويحار الرجل في مأكل أسرته وملبس أطفاله وطبابتهم.. نجد الرقم المذكور أمام بند "المصروفات المنزلية الخاصة لسماحته" يبلغ عشرة آلاف دولار شهرياً، هذا دون المصاريف الخاصة الأخرى المتعلقة بالحماية والنقليات والضيافة، إنها تكلفة مأكله ومشربه وملبسه فقط! فهل سمعتم برجل دين يعيش بهذا المستوى في بلد يعيش الشعب فيه بتلك المعاناة؟! هل يتناسب هذا مع المواعظ والإرشادات ودروس الأخلاق التي يوزعها يمنة ويسرة على الناس بمناسبة ودون مناسبة.

أين هـذا من "ثورة الجياع" التي دفع الطفيلي لها؟ هل يحق لبطر مثله أن يقود من (خلف الستـار) ثورة تريد الدفاع عن الجياع والمحرومين؟ ولـو أنه أنفق ما دفعه للشيخ صبحي على المستضعفين لعالج بعض مشاكل الجياع والفقراء وخفف شيئا من بؤسهم خصوصاً انه أكثر من يكرر "لأن تشعل شمعة خير من أن تلعن الظـلام"! ولكنه لا يفكر إلا بمشـروعه، وبصنع موطأ قدم له في الساحة السياسية اللبنانية، ولو على حساب المقاومة وبثمن شق عصا المؤمنين وخلق العداوات والفتنة بينهم!!

ولـو أنه صـرف الأموال على فقراء الشيعة صرفاً راعى فيه المقاييس الشـرعية والأخلاقية لا السياسية الحزبية، لم يكن بحاجة لأن يهتف له مذيع الطفيلي: يا الله إحفظ لنا فضل الله… فلا يجيبه أحد من المحتفلين؟!

لو كان يستشعر معاناة الفقراء ويتحسس آلامهم، لواساهم وضحى ببعض بنود قائمة مصروفاته لصالحهم! ولما دفع للمدعو حسين شحادة، المطرود من أفريقيا لصفقات النفط المشبوهة التي امتزج لحمه ودمه ونبتت عظامه من أموالها الحرام، فعادت عليه وعلى صحته وبالاً ونقمة‍! وكان يحط بالهليكوبتر فوق ناقلات النفط في عرض البحر الأبيض المتوسط قبال ساحل صيدا وصور، على مرأى من البحرية الإسرائيلية ومسمع، دفع له ثلاثماءة ألف دولار، عدا ونقدا، ليصبح كاتبا ومهرجا جديدا في بلاط فضل الله! ولا عجب أن ينتقل أضرابه من المرتزقة من الشيخ المنتظري إلى فضل الله، وأن يكتب ويحشد مئات الصفحات في مهازل الرجل وترهاته (آخر كتبه كان من 1024 صفحة! في "فكر فضل الله ودراساته القرآنية"!!)، ومن يقرأ هذا الكتاب يخرج بانطباع أن مؤلفه "الأمين" يعتقد أن الوحي نزل على محمد حسين فضل الله وليس محمد بن عبدالله صلوات الله عليه وآله! وأن "من خوطب به" في الحديث: "إنما يعرف القرآن من خوطب به" عند "الشحات" هو فضل الله والعياذ بالله!

ولا ينقضي عجبـي من مجمـع السيئات هذا! كيف اجتمعت هذه الرذائل والسلبيـات كلها في شخص واحـد! فمن الجهل إلى الغرور، فحب الرئاسة والشهرة إلى الكذب والإفتراء، إلى البطر والترف… إلى الجبن…

ولا شاهد على جبنه أوضح من مسألة إحجامه عن دخول الجنوب ومقاطعته لزيارته! ومهزلة التبرير المضحك الذي يسوقه لهذا "الموقف"، من أنه مـا دام الجنوب محتلاً فلن تطأه قدمه! وكأن من يذهب إلى الجنـوب إنما يُمضي الإحتلال ويُقر إسرائيل عليه! بل إن الصمود في قرى الجنوب خدمة يؤديها أهالي القـرى الجنوبية المحتلة لإسرائيل! أو كأن نتنياهو وأسلافه ما عادوا يهنئون بطعام ولا شراب بسبب هذه الجفوة "الفضل اللهية"! حتى أنهم يفكرون بالإنسحاب لإنهاء هذا الاعتصام…!

هكذا تكون المقاومة بلغة الجبناء! نعم، إنها لغة التجار، وهل يجازف تاجر بحياته؟ ولمن سيترك الملايين؟! ومن سيرث العرش والإمبراطورية؟! في مقابل رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع، فلا يوفرون حتى فلذات أكبادهم ويرسلونهم قرابين على مذبح عشق آل محمد (كانت آخر كلمة تلفظ بها الشهيد السيد هادي نصرالله وهو يلتحم في معركة بالسلاح الأبيض مع اليهود: يا زهراء..).. بينما السيد علي يتغنج في إذاعة البشائر وهو يرد على المستمعات بالسلام والإكرام! ويتنعّم في قصر حارة حريك أو الجامع الذي حق أن يجاري الكنائس فلا تفتح أبوابه إلا يوما في الاسبوع!

هل هناك عالم دين شيعي يملك مؤسسة تجارية يوظف فيها أمواله؟ وماذا يعلم السذج من أتباعه عنها؟ مؤسسة مركزها الرئيسي دبي (الإمارات) ولها عدة فروع في لندن و ديترويت (في الولايات المتحدة الأمريكية) وزيورخ وإسبانيا تتوزع أنشطتها بين العقارات وتجارة المـواد الغـذائية ومصانع تعليب اللحوم والمضاربة بالأسهم (في زيـورخ)، وحظيت لأكثر من مرة بعمولة صفقات بيع نفط إيراني.. أمـا في لبنان فلم تترك باباً إلا طرقته ولا جحراً إلا دخلته! فمن الإستديوهات ومحلات تظهير الأفلام، إلى التعاونيات والأسواق المركزية حتى المشاريع السكنية وبناء العمارات وبيع الشقق...

هل يجوز تكديس أموال الخمـس لاسـتثمارها في أنشطته التجارية، بينما موارد الصرف تتوسع يوماً بعد يوم؟ والفقراء ببابه يلوون الأعناق ويريقون ماء الوجه لصرف ثمن دواء ووصفة طبية تنقذ مريض، وهو يتحجج بنفاذ ما في الخزينة وخلو ما في الجعبة…؟ وهي ملأى، ولكن هناك إستثمارات تنتظرها شركات فضل الله ومؤسساته التجارية!

ألا يمكننـا اعتبار تشنجاته والهستيريا التي تصيبه فيدخل المعارك ويكيـل التهم ويناوش الجميع معلولة تهديدات نالت مصالحه هذه؟ ألا يمكننـا فرض أن ثمة ما يخشاه في الخفاء وهو الإضرار بهذه الأموال والأملاك؟ فالمساس بمنزلته ومكانته سيؤثر ـ ولا شك ـ على وضعه التجاري وانتظام حركته المالية.. فيثور ليضرب ويخمش!!

*        *        *

ضـرب المرجـعـيـة الشــــيعية .....  هــو الهدف

تعالـوا نفكـر بالعقــل ونحســبها بالمنطق.. وهما أكثر ما يتبجّح به فضل الله!

الشيعة "إماميون"؟ الإمامة عندهم هي كل شيء، الإمام هو الدليل على اللـه وباب اللـه الذي منه يؤتى، وهو الوسـيلة إلى الله.. الدين عندنا نحـن الشـيعة هـو الإمـام وولايته، وما نودي بشـيء كما نودي بالولاية.. وفي عصرنا غاب الإمـام، ولم يعد صلوات الله عليه ظاهراً.

ونحن نعتقد بأن دوره التكويني في حفظ الأرض ألا تسيخ بأهلها، وكونه واسطة الفـيض والعطـاء الإلهي في نزول الأرزاق والرحمة و...، قائـمٌ مسـتمر لا يمكن أن ينقطـع، ولكن دوره في الهداية التـشـريعية، في بيان الأحكام والتولي المباشـر لـشـؤون الأمة والقضايا الحسبية أوكل ـ في ظاهر الأمر ـ إلى نوابه الفقـهاء العدول جامعي الشـرائط، أي مراجع التقليد أعزهم الله.

مـن هنا أصبحت المرجعية كما كانت منذ الغيبة الكبرى للمهدي المنتظـر عجل الله فرجه، محور الدين وأساس التشيّع، بمـا تعنيه، وبقدر ما تمثله من نيابة الإمام...

المراجع هم مصدر التشريع، من خلال استنباط الأحكام من القرآن والسنة والعقل والإجماع، وبدون الأخذ منهم والعمل بفتاواهم لا تصح العبـادات ولا تجوز المعاملات، لا صلاة ولا صيام ولا حج، ولا تجارة ولا زواج ولا طلاق ولا إرث.. إلا وفق نظر المرجع وحسب فتواه...

المرجعية هي العقد المقدس الذي يربط الأمة بالإمام، فهي التي توضح مـا يريده المولى وترشد إلى الحق.. هي حصن الأمـة وملاذها والقلعة التي تتهشم على أسوارهـا هجمات الاستعمار والإستكبار، ومؤامرات التحريف والتضليل.. ومن أبراجها يشرف على المؤامرات والمكائد التي تحاك ضد الدين والمؤمنين...

وبعد، فليقدر أحدنا نفسه في موقع العدو، هل من وسيلة للقضاء على الدين والتشيّع أنجح من ضرب المرجعية والقضاء عليها وإلغائها من الوجود الشيعي؟!

ولنتصور معاً حال الشيعة بعد ذلك.. شتـات وتيه، فرقة وتنازع، دون حجـة ولا مفـزع يلجـأون إليه لحسـم الخلاف، أيادي سبا، كإبل غاب عنها رعاتها، تتناوشها الذئاب وقد استفردت بها و"الذئبُ خالياً أسدٌ"!

والآن لننظر ماذا يفعل هذا الرجل، أو ماذا يفعل الاستعمار على يديه في واقع الأمر وحقيقته؟

في بدايـات الفتنة، عندمـا صدر ما صدر من فضل الله حول سيدة الكونين أُم الأئمة صلوات الله عليها، أرسل له آية الله العظمى السيد الكلبايكاني رسالة عتب ونصيحة أكثر منها هجوم وإدانة، طالبه فيها بـالإسراع والمبادرة لموقف يحسم فيه الجدل وينهي الأمر من أساسه فكـأنما كـان السيد رحمه الله "يدهن من قارورة فارغة"! وهل يجدي النصـح مع أمثال فضل الله؟.. فما كان من الرجل إلا أن أجاب بمنتهى الوقـاحة، بأنه مجتهد له رأي، كما السيد الكلبايكاني مجتهد له راي! مسجلاً واحدة من أكبر أرقام الجهل في إخضاع المسألة لاستحسانات واستمزاجات غاية في الغرابة! والأخطر من الجهل ما سجله من جسارة وسوء أدب مع تلك الشيبة المقدسة، التي لم يراع ـ في أقل الفروض ـ فارق السن الذي يضعه في مصاف أحد أبناء السيد الكلبايكاني رحمه الله.

ونحن لا نرى هذا الموقف معلول رعونته وتكبّره، بقدر ما نراه جزء الخطة والهدف المنشود، وهو المساس بالمرجعية والاستخفاف بها وتسفيه رأيها!! نعم، ليس فضل الله ممن يخفى عليه مقام المرجعية وخطبها، ولا آداب الحديث ومخاطبة شيوخ العلم والفقاهة، فهو أستاذ السياسة ومعلم الدجل والنفـاق.. ولكنه أمام "رســالة" شيطانية وخطة خبيثة كانت تلك خطوة فيها...

وعلى هـذا الطريق كانت رسالته الوقحـة الأخيرة لآية الله العظمى السيد السيستاني التي راح فيها إلى ما يأنف حتى غير الملتزمين عن مخاطبة العلماء به، ويترفع عنه حتى السوقيين، رسالة تصوّر حال مَن خلع رداء الحياء وتجرّد عن أوليات الأدب والأخلاق، ولم يعهد هذا الاسلوب إلا سفلة حاقدين يبحثون عما يفرغون حقدهم من خلاله!

إنها خطة القضاء على المرجعية الشيعية وإسقاطها.. هذا الهدف الاستعماري القديم الذي جند له العشرات من أضراب "مستر همفر" في السر والعلن..

وهـا نحن نسجل اليوم، بعد عدة سنوات من تلك الواقعة، كلمات ومواقف تكمل الفراغ وتتم رسم اللوحة التي احتار الكثيرون فيها آنذاك: ماذا يريد فضل الله؟ لماذا الإصـرار على هذه الفتنة؟ لماذا يدفع هذا الثمن الكبير؟! نعم، إنه مشروع إسقاط المرجعية...

فقد أعلن الخبيث "فسق" جميع مـراجع التقليد في النجف الأشرف وفي قم المقدسة (والعياذ بالله)!!.

فبعد أن بيّن السادة المراجع العظام رأيهم وأصدروا حكمهم، وقد تفاوت بين إخراج فضل الله عن المذهب والتشيع، وبين إعلان بطلان آرائه وفساد نسبتها للمذهب، أعلن أن مَن حكم ضده من المراجع يعتبرون سـاقطي العدالة! أي لا عدالة لهم! فينتفي بذلك الركن الثاني (بعد العلم) فـي جامعية الشرائط فيسقط تقليدهم ورجوع الأمة إليهم، ويشمل هذا الطعن السادة الآيات العظام: السيد علي السيستاني/ الشيخ الوحيد الخراساني/ الميرزا جواد التبريزي/ السيد محمد سعيد الحكيم/ الشيخ محمد تقي بهجت/ الميرزا علي الغروي/ السيد محمد الصدر/ السيد علي البهشتي/ الشيخ محمد أمين زين الدين... والبقية التي سبق سرد أسماءهم.

فمن بقي لترجع الأمة الشيعية إليه؟! إذا كان هؤلاء فسقة والعياذ بالله، لا يجوز تقليدهم؟... والأدهى والأمر "استدلاله" وعرضه لخلفية قراره الشيطاني هـذا، وهو قوله: لأن التثبت شرط الحكم والعدالة، وهؤلاء لم يتثبتـوا ولم يسـألوني، إذاً فقد سقطت عدالتهم. {كبرت كلمة تخــرج من أفواههم إن يقولون إلا كذباً}، لقد عُرض كلّ ما قاله فضل الله مع جميع ردوده واحتجاجاته على هؤلاء المراجـع، ولم يحكموا ويفتوا إلا بعد تثبّت وحيطة ذهبت إلى حد الإفراط!

والعجب كل العجب من كلمة فضل الله هذه، وهو الذي باشر بنفسه، ابتداءاً، بإرسال ومكاتبة المراجع وخصوصـاً السيد السيستاني، ولا تكاد تخلو حملة لبنانية لزيارة العتبات المقدسة في العراق من رسول يحمل الجديد من "مؤلفات" فضل الله وكتبه وتوضيحاته على ما هو"منسوب" إليه... حتى استوفى كامل حقه في الدفاع، وراح في مرافعات ومداولات لم تتمخض إلا عن زيادة القناعة بإجرامه ترسيخ إدانته وتأكيد ثبوت التهمة عليه!.. فماذا كـان يريد؟ هل العدالة عنده أن يصدر الحكم لصـالحه؟! وإلا فهو الظلم؟! ثم راح في الافتراء وفي هذيان من "رأى الكواكب ظهرا"...

هـل حقـاً إن جميع مراجعنا ساقطوا العدالة يا فضل الله؟ وإن "الحسد" هو الـذي دعاهم ودفعهم للإفتاء ضدك وإخراجك عن المذهب؟! أم ان هذا ما جنيت على نفسك وما جنى عليك أحد.. وعلى نفسها تجني براقش!

هـل يعقل أن هؤلاء العظماء.. الذين ترتجف أيديهم وهم يكتبون الفتوى ويذيلونها بـ "واللـه أعلم"، هؤلاء الذين ترتعد فرائصهم من خشية اللــه، الذين يعيشـون أسـمى صور الزهد فلا تزيد مساحة بيوتهم (المسـتأجـرة، فمن النادر أن تجد بينهم من يملك دارا!) عن 60 ـ 80 متراً مربعـاً فقط، ولا يملكون من حطام الدنيا قرشاً ولا فلساً، ولم يشاهد أحدهم، مجرد مشاهدة، قصور فضل الله وبساتينه وسيـاراته و..، هل يعقل في من يتورع ويزهـد في مكيف يكســر حرّ صيف النجف عن عيـاله أن يبيع دينه للاستعمار، ويفتي بخروج فضل اللــه عن التشـيع إرضاءاً للـ (CIA)؟؟!!

أما إذا تحدثنا عن احتمال الجهل (في الموضوع) والإغواء فيهم...

ترى لماذا لم يتمكن صدام من إغوائهم واستغلال "سذاجتهم" لانتزاع فتوى لصالحه؟ لماذا لم تتكرر الحالة التي يزعمها فضل الله مع غيره.. هل سبق أن أجمع الفقهاء في عصر ما على موقف تجاه شخص معين كالإجماع الحاصل اليوم ضد فضل الله؟

لماذا لم يتحـرك الاسـتعمار والمخابرات الأجنبـية على إسـقاط الخميني بهذا الشكل واستغلال "سذاجة" المراجع لانتزاع فتاوى ضدّه؟ وقد كان شوكـة حقيقية يغصّون بهـا؟ لماذا كان أشد المخالفين للخميني في الحوزات، بل ومن المراجع، يقف عند حدود المعارضة السـياسـية، فيتحفظ على ثوريته، ولكنه لا يطعن بدينه وتقـواه وعقائده؟ ولم يتطـــرق التفكير إلى إخراجه عن المذهب؟‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‌‌‌‌‌‌

*        *        *

دخول فضـل الله في المرجعية

الخطوة الأخرى في خطته لتشويه المرجعية كمقدمة لإسقاطها، كانت دخوله فيها…

فبعد أن حصّن نفسه، وفرّ بعيداً عما قد يطاله  لو دنى منها، عبر تصريحـاته المتكررة بأنه لا يفكر بالمرجعية، وما كان يسوقه من شواهد للتدليل على صدق دعواه من أنه لو أرادها لأعدّ لها عدتها من الاسـتقرار والسكـنى في الحـوزة والتفرغ للتحصيل والتدريس وما إلى ذلك من لوازم المرجعية والفقاهة، وقد ذهب في التمويه والتدليس إلى حدّ الشهادة بأعلمية غيره وطرحه مرجعيته (في عرض شخصه "الكريم") وكان يكرر: "ها أنا أطرح السيستاني، وهذا يسد الطريق شرعياً على مرجعيتي ما دام السيستاني على قيد الحياة، فكيف تتهموني بأنني أسعى للمرجعية"؟!

كان يعمل في ـ الخفاء ـ ويتخذ خطوات وترتيبـات أخرى "يطبخ" فيها مشروعه على نار هادئة! فقد طبع رسالة عملية خجولة، على شكل كتاب إستفتاءات سماه "المسائل الفقهية"، ادخره في المخازن لأكثر من سنة كاملة، حتى إذا عرضه ووزعه تذرّع بأنه مجرد كتـاب فقهي وليس رسالة عملية معدّة للمقلدين!!

وتحـرك بعد ذلك على أساتذة الحوزة في قم لكسب شهادات اجتهاد، وقد قدم لذلك بحثاً "استدلالياً" في موضوع "الرضاعة"، ولم يحظ إلا بالسخرية والتهكم فقد كـان مقتبساً من كتب بعض المتأخرين، بل كان عرضاً مشوهاً لسرقة علمية مفضوحة!!

ثم إنها طريقة غريبة بعض الشـيء في الحـوزة التي تعتمد على الإجازة المبـاشرة والامتحان الشفهي والسماعي، فالكتابة لا يمكنها أن تكشف حقيقـة المستوى العلمي لما قد يداخلها من نقل وسـرقة واقتباس، ومن الممكن أن يكتب المرء موضوع ما دون أن يكون قد فهمه وهضمه… وكان فضلاء الحوزة يتساءلون: لماذا لم يمنحه أساتذته ما يطلبه منا؟

وقد "زاد في الطنبـور نغمة" عندما خطى خطوة قضت على فرصته الأخيـرة، فقد صار يقرن طلبه بعروض مالية سخية! فتحول الاستهزاء إلى اشـمئزاز وازدراء… ومع انه لم يوفر أحداً من الأساتذة، حتى من الطبقة الثانية والثالثة، فقد لجأ "كالمستجير من الرمضاء بالنار" إلى من يفتقر هو لمثل هذه الشهادة.. ولكنه رجع "بخفي حنين"، ولم يقبل حتى أولئك الاعتراف به!!

ولكن عندما يكون القرار خارج حدود "حارة حريك"، ويمتد ليكتشف المتفحّص إنه ينبع من مبنى خماسي الأضلاع في قلب واشـنطن  DC! يسهل تفسير إصراره على المشروع رغم العـودة الخائبة والإفلاس والفشل الذريع الذي مُني به على صعيد تأمين مسوغات شرعية لمرجعيته… ولماذا يمضي بصفاقـة قلّ لها النظير في حركات وخطوات مخجلـة بعثت الشفقة عليـه حتى من أعدائـه وخصـومه! فليس من المقبول أن يبلغ الإمتهان هذا الحد!

وإن دلت هذه الخطوة، خطوة زج فضل الله في المرجعية وإقحامه فيها، على شيء فهي تدل على عمق الجرح الذي أصاب القوم من الشيعة، فقـد عاشــوا العقدين الأخيرين رعبـاً حقيقيـاً من المرجعية الشيعية… وكان بعض المطلعين على بواطن الأمور، والمستوعبين للمسيرة السياسية وموقع الطائفة فيها، كانوا ينتظرون هذه الخطوة ويترقبونها بصرف النظر عن المراسيم والأحكام الشرعية والشكليات والطقوس والضوابط المطلوبة أو الممكنة لتنفيذها وتحقيق هذا المشروع، ولم تكن خطوات فضل الله التمويهية لتنطلي عليهم!

كانوا يعلمون إنه لا بد من طرح مرجعية مقبولة لدى الاستكبار العالمي تستقطب الطائفة الشيعية وتدجنها! إذ كان القرار قد صدر "سـتراتيجياً" بضـرورة طي هذه الصفحة المزعجـة وحتمية الفراغ من هذا الملف المقلق، وهو قرار مصحوب بعزم وجزم صارمين.

وهذا يعني ضرورة توفير بديل "منفتح" يمكن التحاور والتفاهم معه… فالمرجعية التقليدية، وإن لم تكن ثورية، لكنها رافضة لهم وغير مستعدة لأي شكل من أشكال التعاون معهم، والمرحلة الجديدة للواقع السياسي العالمي ما عـاد يتحمل وجود ثقل وكيان سياسي خارج المنظومة، لا بالفعل ولا بالقوة…

لذا كان لا بد من طرح مرجعية فضل الله وبذل أي ثمن في سبيل إنجاحها وتوفير الزخم اللازم والدعم المطلوب لها! ولم يكونـوا ليسمحوا بالعوائق الشرعية (عدم حصوله على شهادة اجتهاد) أن تحول بينهم وبين تحقيق هذا الهدف، فهي خارج نطاق فهمهم وتعقلهم، ومما يصنفونه قابلاً للمعالجة من خلال الإعلام والدعاية!!

وهنا سجل المراقبون سابقة تاريخية مؤلمة في المرجعية الشيعية…

فلأول مرة تدخل الحزبية وتخترق هذا الحصن المنيع، وينجح أحد الأحزاب "الإسلامية" في إعلان أحد كوادره وقادته مرجعاً للتقليد!!

وهـي المحاولة الثالثة لجعل المرجعية الدينية حزبية، أو لتعميم المرجعية الحزبية على الأمة ككل… فالأولى كانت مع الشهيد الصدر (رضوان الله عليه) ولكنها سقطت لرفضه الفكرة وعدم إنطباق الصفة، وللحساسية الشديدة التي أبداها تجاه الموضوع، مما خلف نتائج عكسية أقصت الحزب عن الحوزة تماماً!! وورّثت الحزب ندماً على اعتماده وتبنيه للصدر، وعلى أثرها، صُنف متخلفاً عن المرحلة، غير مستوعب لمتطلباتها! هكذا..!

وكانت الثانية مع السيد كاظم الحائري (بُعيد استشهاد السيد الصدر) وكان عالماً مغموراً مراهقاً للاجتهاد في ذلك الحين، تعسّف الحزب كثيراً في دفعه للصفوف الأولـى في الحوزة والدعاية لمرجعيته، فلم يكن الخيار المناسب والانتخاب الناجح لهم، فالرجل يتمتع بمسحة تدين فطري، جعلته لا ينسجم مع الحزبية والتواءاتها المريبة، وكثيرا ما كان يشاكسهم بعفوية وبساطة مثيرة للأعصاب! فسقطت هذه الخطوة أيضاً…

وها هي الثالثة فهل تنجح وقد انطبقت المواصفات، ليحقق فضل الله امنية الحزب ويتحقق المثل "إذا كان الغراب دليل قوم…"؟!

وقد باشر فضل الله دوره وقام بأداء مهامه الحزبية فور "تقلده" المرجعية، وكانت أولى الجبهات التي تحرك عليها وفتحها ضد الحوزة والمرجعية هي إرباك الموارد المالية للحوزة وتقويضها.. فقد عمد إلى التحريض على امتناع المؤمنين عن تسليم الحقوق الشرعية لمقلديهم من المراجع، بل دفعها إليه!؟ وأخذ يحرض غيره من الوكـلاء على العمل نفسه، فانقاد له الغريفي (في دمشق) الذي يحصّل أغلب حقـوق المؤمنين في الإمارات والبحرين، فأمره بالامتناع عن إرسال الأموال إلى النجف وقم، وتسليمها لحزب الدعوة بحجة وجود جهـاز تنظيمي يحسن الصرف والتصرف، وأن الأموال تنجو بذلك من الفوضى والمحسوبية التي قذف بها الإدارة المالية للمراجع والحوزات، ونزّه نفسه والحزب عنها؟! أما صاحبه الآخر في الكويت فلم يكن بحـاجة إلى التحريض والتوجيه، فقد كان هذا ديدنه منذ عشرين عاماً! يجبي الأموال والحقوق الشرعية من الناس ويسلمها للحزب ومؤسساته ورجالاته!…

وجـاءت خطوة سماحة السيد السيستاني في إسقاط وكالة هذا الثلاثي وإلغائها لتقطع الطريق على هذه المؤامرة الخبيثة.

أما الجبهة الثانية التي تحرك عليها الرجل فقد كانت الأحكام والفقه الشيعي.. ويكاد يكون خطر ما أقدم عليه في هذا المضمار يوازي خطر الانحراف العقائدي والفساد الفكري الذي يحمله ويبثه في الناس.

فقد فوجئت الأوساط العلمية، وحتى غير العلمية من المؤمنة الملتزمة، بسيل جارف من التهتك والميوعة التي تغزو أوساط الشيعة تحت غطاء "شرعي" وقناع "فقهي"، يأمّنه المرجع الجديد! باسم الانفتاح ومواكبة العصر ونبذ التحجر والرجعية!

"فقه" دمر الحياة الاُسرية ونسف البيوت والعوائل وهو يحرض النساء على التمرد على أزواجهن ويوهمهن بأن لا حق لهم عليهن.. وأن للمرأة الخروج من البيت والعمل والمشاركـة في الأنشطة السياسية والاجتماعية دون رضـا الزوج، بل حتى دون علمه! هتك الحياء وأفشى الإباحة بتشجيع الاختلاط وترويج الأجواء الجنسية والأحـاديث والمواضيع المثيرة وتداولها بين الفتيـان والفتيـات… وهاهي الثمار والنتائج أخذت تبرز في المحيطات "المتفاعلة" مع فتاواه: طلاق وفرقة، تمتع بالأبكـار، تـسـيّب ومجون ينافس أجواء الفسقة، تبادل للأفلام الخلاعية بين الشباب…… إلخ!!

ومن موقع الاجتهاد الكاذب والفقاهة المزورة استطاع فضل الله أن يدعـي رؤيـة جديدة وتفسيراً مبتكراً لقاعدة وأصل "القدرة شرط التكليف"، وان التكليف على قـدر الوســع والطاقة، وان الله لا يكلف نفساً إلا وسعها، وان الضرورات تبيـح المحذورات والمحظورات. فقد ذهب إلى أن أقـل العسر والضرر يمكنه أن يحلل المحرمات! وهكذا أصبح حلق اللحية والرقص والغناء وممارسـة العادة السـرية والإجهـاض.. من المباحات!! وراح في تمييع الحــدود والتفـريط بالأحكـام إلى ما يبيض وجه أبي حنيفة!!

وكانت هذه إحدى أهم غاياته من مشروعه.. أن ينسب مثل هذا "الفقه" إلى التشيّع وعلماء الشيعة والعياذ بالله.. فيقال إن أحد "مراجع" الشيعة يفتـي بجواز لمس النسـاء ومصافحتهن مثلاً، إذا سبب الامتناع حرجاً، أو خاف الرجل من ورائه الضرر، وما هو الضـرر؟ يقول، مثل أن تخشى الرسوب في الامتحـان إذا لم تصافـح المعلمة أو زميلتك في الكلية، فيؤخذ انطباع بأنك إسـلامي متشدد ويتعمدون أن ترسب في الامتحان، هذا ضرر يبيح ذلك المحظور.. فيالله وللفقـه! ولعمري فليكن الالتزام على هذا النحو وإلا فلا؟!

والعجيب انه مع هذا التفريط والاستهتار، أبى إلا التشدد ومجاراة الوهابية في فتوى تحريم التدخين! فتأمل؟!

أم هي نزعة الشذوذ والولع به؟!

فأنت قد ترى في سيرة بعض علمائنا، التي تمتد لعشرات السنين ومسيرته الفقهية التي تستغرق جميع الأبواب والفـروع من الطهارة إلى الديات، رأياً أو بعض الآراء التي لا يتجاوز عددها أصابع اليد الواحدة، ينفرد بها دون بقية العلماء ومشهور الفقهاء أو إجماعهم، إنفراد مبنائي ومخالفة لهـا أسسها ومرتكزاتها النابعة من قواعد وأصول ثابتة… أما الرجل فقد غدى مجمعاً للشذوذ، وكأنه كلّف أعوانه مطالعة جميع الكتب الفقهية وانتقاء الشاذ فيها والمخالف لإجماع الطائفة واتفاقها، ثم جمع هذه الفلتات ليجعلها رسالته العملية!!؟

ومن التضليل بمكان دعواه ودفاعه عن آرائه الشاذة أن فلاناً من علمائنا قال هذا الرأي أيضاً!! فأنت على هذا الغرار، ستجد لكل شطحة وبدعة موافقـاً، حتى آراء معمّر القذافي رئيس ليبيا ونظرياته فقد تجد لها موافقـاً من بين آلاف الآراء، فهـل نتبنى ان "قل" ليست جزءاً من سورة التوحيد ونقرأها "الله أحد"؟!

ومع هذا وذاك فقد راح في بعض المواقع وراء مشروعه وخطته حتى وإن لم يجد عذراً ولم يعثر على ذريعة، مثل رأيه في طهارة النواصب، وعدم تنجيس من يشتم الإمام علي وبنيه عليهم السلام ويناصبهم العـداء، والقول بطهارته.. فهو رأي انفرد به من بين الأولين والآخرين، ولم يجد من يوافقه حتى بين علماء السنة! أو رأيه في حرمة تعدد الزوجات!

هذه هي المؤامرة، هذه هي خطة فضل الله... إسقاط المرجعية.. وقد دخل الخطة متسللاً، وبدأ القصة من نهايتهـا.. فإسـقاط المرجعية هو طريق العبث بالدين، والعبث بالدين مقدمة لتزييفه وإدخال الأباطيل فيه.. وبالتالي القضاء عليه.. وفضل الله بدأ بالعبث والتزييف وإدخال الأباطيل، وانتهى عند السد والحصن، وها هو يضرب بمعوله وينطح برأسه.

بدأ من الهدف لتحقيق النتيجة... وهذه هي خلفيات الفتنة.

*        *        *

الموقف من الفتنة

وهنا سنستعرض بعض المواقف التي اتخذها زعماء الدين وقادة المذهـب، فنعرف ـ في ضوئها ـ تكليفنا نحن والموقف الذي يجب اتخاذه في هذه الفتنة…

فعندما نرى آية الله العظمى الشيخ بهجت، هذا المقدّس الذي يشهد كبار العلماء والعباد بأنه ممن يحتمل فيه عدم المعصية وارتكاب ذنب واحد في حيـاته! إذ انخرط في سلك العرفان والرياضة الروحية قبل بلوغه سـن التكليف… هذا الورع الـذي طرد أحد تلاميذه ومنعه من دخول بيته لأنه اغتـاب شخصاً أمامه.. نجده يندفع بحمـاس وقوة عجيبة كأنها تستمد مـن إلهـام غيبي، ويصرح بأن فضل الله مشروع وهابي ينخر في كيان التشيع من داخله!!

ونجده يبادر إلى زيارة السيد جعفر مرتضى خارقاً البروتوكول المعمول به في الحوزة (فالمرجع يردّ الزيارة ولا يبادر إلا بزيارة مرجع مثله)، ليشكره على كتابه "مأساة الزهراء" ويصرّح بصوت يتعمّد أن يسمعه الحضور، مخاطباً السيد جعفر مرتضى العاملي: "لو ألقيت عمامتك فلن تسقط على الأرض، وستتلقفها ملائكة السماء وتعرج بها إلى العرش… وتسلمهـا بيد رسول الله وآل بيته صلى الله عليه وآله بعد دفاعك عن سيدة نساء العالمين وردك على ذاك "….." "…

إنها تصرفات لم تعهد فيه ولم يسبق أن نقلت عنه! من هنا يُعلم عظم الخطب وكبر المسئولية.

وعندما نجد شخصـاً مثل آية الله العظمـى الشيخ الوحيـد الخراساني الذي استقال من المرجعية وزهد في الزعامة وقد ألقت له القياد وأسلمت العنان طائعة، فأبى وأصر على التفرغ للتدريس وتربية العلماء موكلاً المسئولية إلى غيره ممن تصدى ونهض بالدور.. نجده لم يطق في هذا الموقع السكوت ولم يقنع إلا بالتصدي ومباشرة المسئولية بنفسه، فصرح في مجلسه العلني: "يجب على جميع المؤمنين، كل بحسب وسعه وقدرته إسقاط فضل الله"! وعندما يسأله أحد الحضور: هـل نقتله؟! يجيبه: "كلا"، ثم يعقب بمـا يكشف بأن ذلك ليس لحرمة دمه، فيقول: "لأنه إذا قتل فستصبح أفكاره أكثر شهرة ورواجاً، والواجب هو القضاء على أفكاره ومنع إنتشارها". وقد بلغ الأمر عند سماحته أن أصدر حكمه على فضل الله بأنه "ضال مضـل"!!

وعندما نجد شخصاً مثل آية الله العظمى الميـرزا جواد التبريـزي، عصارة مدرسة الإمام الخوئي والأبرز فيها، أحد أساطين العلم والفقاهة في عصرنا، وصاحب الكرسي الأول في تدريس فقه آل محمد في حـوزة قم.. هذا العبد الصالح الذي غدا مضرب المثل في الزهـد والتواضع..

نجده يضع ثقله ويقف بحزم قلّ نظيره في وجه هذا التيار المنحرف، فينصحه أحد العلماء وبعض المقربين، بأن مرجعيته في بدايتها وليس من الحكمة إتخاذ مواقف تستتبع عداء بعض الفئات، خصوصـاً فضل الله وحزب الدعوة، ممن "إذا خاصم فجر" ولا يتورع عن أي إسلوب في الرد من تهمة وإفتراء وقذف وتسقيط.. وهذه كلها تهدد كيان المرجعية ولربما قوضته! فيجيب: " لتذهب مرجعيتي فداء لأهل البيت، ولأذهب أنـا وأولادي فداء للزهراء والحسين! وهل تبقى للمرجعية قيمة إذا استمر هـؤلاء في نقض عرى المذهب وترويج الفساد والانحراف على هذا النحو؟ هل ثم دين ومذهب!!"

وعندما نجد آية الله العظمى السيد السيستاني المرجـع الأعلى للطائفة، زعيم الحوزة العلمية في النجف الأشرف، الخلف الصالح للسلف الطـاهر، ينفذ صبره ويطفح به الكيل، وهو يرى نصائحه ومحاولاته لهداية الرجـل وإرشاده وثنيه عن مقاصده الخطيرة وأفكاره المضلة، تذهب أدراج الرياح، ويرى أن الإشــفاق الذي انطلق منه، والحذر من الفرقة الذي كان يخشاه صار يُستغل في اللعبة بما يسيء إليه (بصفته وعنوانه، وكذلك بشخصه)، ويساهم من خلال كيد حزب الدعوة ومكر فضل الله، في تشويه الموقف وإرباكه، خصوصـاً على عامــة المؤمنين الذين انطلت عليهم الحيلة و"اللبس"…

نجده يعلن موقفه ويحسم النزاع قائلاً: "أنا أخالف آراء فضل الله.. ولا اؤيده ولا اؤيد حزب الدعوة، وهو ليس مجتهداً، وليس وكيلاً عني، وإذا صح انه يستلم الحقوق الشرعية فهو يأخذ الأموال بالباطل… إن عقائد الطائفة المحقة مشيّدة ـ والحمد لله ـ على أسس متينة وقواعد رصينة، لن تزلزلها تشكيكات المشككين، والمرجعية الدينية أعلى مقاماً من أن تسيء إليها أقاويل المدعين"…

وبعـد تشخيص أسباب الفتنة وخلفياتها، وأهدافها ونتائجها، صار من الضـروري بيـــان الموقف الذي يجب اتخاذه في هذه الأحداث؟…

وكنت قد جعلت كلمة أمير المؤمنين عليه السـلام: "كن في الفتنة كابن اللبون لا ظهرٌ فيركب، ولا ضرعٌ فيحلب" نصب عيني، ولكن عندمـا وجدت زعماء الدين ونواب الحجة عليه السـلام يتخذون مثل هذه المواقف، ويذهبون فيها إلى هذا الحد، علمت أنها ليست من موارد تطبيق كلمة الأمير السابقة والوقوف على الحياد السلبي.

بل هي من موارد هذه الكلمة: "فخشيت إن لم أنصر الإسـلام وأهله أن أرى فيه ثلماً أو هدماً تكون المصيبة به عليّ أعظم من فوت ولايتكم التي إنما هي متاع أيام قلائل يزول منها ما كان كما يزول السراب.. فنهضت في تلك الأحداث حتى زاح الباطل وزهق، واطمأن الديـن وتنهنه". ومن موارد: "وأيم الله لأبقـرنّ الباطل حتى أخرج الحق من خاصرته"، و"رحم الله امرأ رأى حقـاً فأعان عليه، أو رأى جوراً فردّه"…

صدق مولانا أمير المؤمنين، وأما الكلمة الفصل والختام فهي وصيته صلوات الله عليه لشيعته ونصيحته لهم إذ يقول:

"أوصيكم عباد الله بتقوى الله، وأحذركم أهل النفاق، فإنهم الضالون المضلون، الزّالون المزلّون، يتلونون ألواناً، ويفتنون إفتتاناً… (إلى أن يقول) قد أعدوا لكل حق باطلاً، ولكل قائم مائلاً، ولكل حيّ قاتلاً… يقولون فيشبّهون، ويصفون فيموهون، قد هيـأوا الطريق وأضلعوا المضيق، فهم لمة الشيطان، وحمة النيـران، {أولئك حزب الشيطان، ألا ان حزب الشيطان هم الخاسرون}."

بعد هذا وذاك نعود لسلاحنا الذي لا نجاة إلا به، وهو الدعاء، وخيره وأحسنه، الدعاء في زمن الغيبة:

"اللهم عرفني نفسك فإنك إن لم تعرفني نفسك لم أعرف رسولك، اللهم عرفنـي رسولك فإنك إن لم تعرفني رسولك لم أعرف حجتك، اللهم عرفنـي حجتك، فإنك إن لم تعرفني حجتك ضللت عن ديني

اللهم لا تجعلني من خصماء آل محمد عليهم السلام، ولا تجعلني من أهل الحنق والغيظ على آل محمد عليهم السلام، فإني أعوذ بك من ذلك فأعذني واستجير بك فأجرني".

وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا ومولانا الحجة بن الحسن العسكري وعلى آبائه الطيبين الطاهرين...

*        *        *