الصفحة 223
ما ألف عمر فجمع له الكتاب، وحمل الناس على قراءة واحدة، فمزق مصحف أبي بن كعب، وابن مسعود، وأحرقهما بالنار؟

فقال له علي عليه السلام، يا طلحة إن كل آية أنزلها الله جل وعلا على محمد عندي بإملاء رسول الله وخط يدي، وتأويل كل آية أنزلها الله على محمد وكل حرام وحلال أو حد أو حكم أو شئ تحتاج إليه الأمة إلى يوم القيامة مكتوب بإملاء رسول الله صلى الله عليه وآله وخط يدي، حتى أرش الخدش (1).

قال طلحة: كل شئ من صغير وكبير أو خاص أو عام كان أو يكون إلى يوم القيامة فهو عندك مكتوب؟

قال: نعم وسوى ذلك، إن رسول الله صلى الله عليه وآله أسر إلي في مرضه مفتاح ألف باب من العلم يفتح من كل باب ألف باب، ولو أن الأمة منذ قبض رسول الله صلى الله عليه وآله اتبعوني وأطاعوني لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم، يا طلحة ألست قد شهدت رسول الله صلى الله عليه وآله حين دعا بالكتف ليكتب فيه ما لا تضل أمته، فقال صاحبك إن نبي الله يهجر (2)، فغضب رسول الله صلى الله عليه وآله وتركها؟ فقال، بلى قد شهدته.

____________

(1) الأرش: الدية.

(2) في شرح النهج لابن أبي الحديد ص 20 من الج 2 مسندا عن علي بن عبد الله بن العباس عن أبيه قال: - لما حضرت رسول الله " ص " الوفاة - وفي البيت رجال فيهم عمر بن الخطاب - قال رسول الله " ص ": " إئتوني بكتاب وصحيفة، أكتب لكم كتابا لا تضلون بعدي " فقال عمر: كلمة معناها أن الوجع قد غلب على رسول الله " ص ". ثم قال: عندنا القرآن حسبنا كتاب الله فاختلف من في البيت واختصموا فمن قائل يقول: " القول ما قال رسول الله " ص " ومن قائل يقول: " القول ما قال عمر " فلما أكثروا اللغط واللغو والاختلاف، غضب رسول الله " ص " فقال: " قوموا إنه لا ينبغي لنبي أن يختلف عنده هكذا " فقاموا. فمات رسول الله " ص " في ذلك اليوم، - فكان ابن عباس يقول إن الرزية كل الرزية: ما حال بيننا وبين كتاب رسول الله " ص "

=>


الصفحة 224
قال: فإنكم لما خرجتم أخبرني رسول الله صلى الله عليه وآله بالذي أراد يكتب ويشهد عليه العامة، فأخبره جبرئيل أن الله قد قضى على أمتك الاختلاف والفرقة ثم دعا بصحيفة فأملى علي ما أراد أن يكتب في الكتف، وأشهد على ذلك ثلاثة رهط: سلمان، وأبا ذر، والمقداد. وسمى من يكون من أئمة الهدى الذين أمر الله بطاعتهم إلى يوم القيامة (1) فسماني أولهم، ثم ابني هذا وأشار بيده إلى الحسن والحسين. ثم تسعة من ولد ابني الحسين، كذلك كان يا أبا ذر ويا مقداد؟ فقاما ثم قالا: نشهد بذلك على رسول الله صلى الله عليه وآله.

فقال طلحة: والله لقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: " ما أقلت الغبراء ولا أظلت الخضراء على ذي لهجة أصدق ولا أبر عند الله من أبي ذر " وأنا أشهد أنهما لم يشهدا إلا بالحق، ولأنت عندي أصدق وأبر منهما.

ثم أقبل علي عليه السلام فقال: اتق الله يا طلحة وأنت يا زبير، وأنت يا سعد، وأنت يا بن عوف. اتقوا الله وآثروا رضاه، واختاروا ما عنده، ولا تخافوا في الله لومة لائم.

____________

<=

قال ابن أبي الحديد قلت: هذا الحديث قد خرجه الشيخان: محمد بن إسماعيل البخاري ومسلم بن الحجاج القشيري في صحيحيهما، واتفق المحدثون كافة على روايته.

(1) ينابيع المودة ص 440 قال:

وفي فرائد السمطين بسنده عن مجاهد عن ابن عباس رضي الله عنهما قال:

قدم يهودي يقال له: " الأعتل " فقال: يا محمد أسألك عن أشياء تلجلج في صدري منذ حين، فإن أجبتني عنها أسلمت على يديك، قال: " سل يا أبا عمارة " فقال: يا محمد صف لي ربك.. إلى أن قال: صدقت فاخبرني عن وصيك من هو؟ فما من نبي إلا وله وصي، وإن نبينا موسى بن عمران أوصى يوشع بن نون. فقال: " إن وصي علي بن أبي طالب وبعده سبطاي الحسن والحسين، تتلوه تسعة أئمة من صلب الحسين ". قال:

يا محمد فسمهم لي قال: " إذا مضى الحسين فابنه علي، فإذا مضى على فابنه محمد، فإذا مضى محمد فابنه جعفر، فإذا مضى جعفر فابنه موسى، فإذا مضى موسى فابنه علي، فإذا مضى على فابنه محمد، فإذا مضى محمد فابنه علي، فإذا مضى علي فابنه الحسن، فإذا مضى الحسن فابنه الحجة محمد المهدي فهؤلاء اثنى عشر " الخ.

الصفحة 225
ثم قال طلحة: لا أراك يا أبا الحسن أجبتني عما سألتك عنه من أمر القرآن إلا تظهره للناس؟

قال: يا طلحة عمدا كففت عن جوابك، فاخبرني عما كتب عمر وعثمان أقرآن كله أم فيه ما ليس بقرآن؟ قال طلحة: بل قرآن كله.

قال: إن أخذتم بما فيه نجوتم من النار، ودخلتم الجنة، فإن فيه حجتنا وبيان حقنا، وفرض طاعتنا.

قال طلحة حسبي أما إذا كان قرآن فحسبي. ثم قال طلحة: فاخبرني عما في يدك من القرآن وتأويله، وعلم الحلال والحرام، إلى من تدفعه ومن صاحبه بعدك؟ قال: إن الذي أمرني رسول الله صلى الله عليه وآله أن أدفعه إليه وصبي وأولي الناس بعدي بالناس ابني الحسن، ثم يدفعه ابني الحسن إلى ابني الحسين، ثم يصير إلى واحد بعد واحد من ولد الحسين حتى يرد آخرهم حوضه، هم مع القرآن لا يفارقونه والقرآن معهم لا يفارقهم، أما إن معاوية وابنه سيليان بعد عثمان، ثم يليها سبعة من ولد الحكم بن أبي العاص، واحد بعد وأحد، تكملة اثنا عشر أمام ضلالة، وهم الذين رأى رسول الله صلى الله عليه وآله على منبره: يردون الأمة على أدبارهم القهقري (1) عشرة منهم من بني أمية ورجلان أسسا ذلك لهم وعليهما مثل جميع أوزار هذه الأمة إلى يوم القيامة.

وفي رواية أبي ذر الغفاري (2) أنه قال: لما توفي رسول الله صلى الله عليه وآله جمع

____________

(1) تفسير الطبري ج 15 ص 73 والقرطبي ج 10 ص 283 من طريق سهل ابن سعد قال:

رأى رسول الله " ص " بني أمية ينزون على منبره نزو القردة، فساءه ذلك، فما استجمع ضاحكا حتى مات. وأنزل الله تعالى: " وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس والشجرة الملعونة في القرآن ونخوفهم فما يزيدهم إلا طغيانا كبيرا. الأسراء: 60

(2) أبو ذر الغفاري. واسمه. جندب - بالجيم المضمومة والنون الساكنة والدال غير المعجمة المفتوحة. والباء المنقطة تحتها نقطة - بن جنادة - بالجيم المضمومة والنون

=>


الصفحة 226
علي عليه السلام القرآن وجاء به إلى المهاجرين والأنصار وعرضه عليهم لما قد أوصاه

____________

<=

والدال بعد الألف غير المعجمة - وقيل جندب بن السكن وقيل بريد بن جنادة.

عن عبد الله بن الصامت قال: قال لي أبو ذر: " يا بن أخي صليت قبل الإسلام بأربع سنين " قلت له من كنت تعبد؟ قال: (إله السماء) قلت فأين كانت قبلتك قال:

(حيث وجهني الله عز وجل).

وهو رابع من أسلم من الرجال فأول من أسلم علي بن أبي طالب، ثم أخوه جعفر الطيار، ثم زيد بن حارثة، وكان أبو ذر رحمه الله رابعهم.

وأمره رسول الله صلى الله عليه وآله بالرجوع إلى أهله وقال له: (انطلق إلى بلادك حتى يظهر أمرنا) فرجع إليها حتى ظهر أمر رسول الله صلى الله عليه وآله فهاجر إلى المدينة وآخى النبي صلى الله عليه وآله بينه وبين المنذر بن عمرو في المؤاخاة الثانية، وهي مؤاخاة الأنصار مع المهاجرين بعد الهجرة بثمانية أشهر، ثم شهد مشاهد رسول الله صلى الله عليه وآله.

وفيه قال رسول الله صلى الله عليه وآله: ما أظلت الخضراء وما أقلت الغبراء على ذي لهجة أصدق من أبي ذر يعيش وحده، ويموت وحده، ويحشره وحده، ويدخل الجنة وحده.

وقال: صلى الله عليه وآله أبو ذر في أمتي شبيه عيسى بن مريم في زهده وورعه.

وقال أمير المؤمنين (ع) وعى أبو ذر علما عجز الناس عنه، ثم أولى عليه فلم يخرج شيئا.

وعن أبي عبد الله (ع): دخل أبو ذر على رسول الله صلى الله عليه وآله ومعه جبرئيل فقال جبرئيل: من هذا يا رسول الله صلى الله عليه وآله؟ قال: أبو ذر. قال أبو ذر أما إنه في السماء أعرف منه في الأرض، سل عن كلمات يقولهن إذا أصبح. قال: فقال يا أبا ذر كلمات تقولهن إذا أصبحت فما هن؟ قال يا رسول الله (اللهم إني أسألك الإيمان بك والتصديق بنبيك، والعافية من جميع البلايا، والشكر على العافية، والغنى عن شرار الناس) وبعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله لم يرتد أبو ذر، وامتنع عن البيعة لأبي بكر. وأنكر عليه قيامه مقام النبي صلى الله عليه وآله وغصبه للخلافة، وهو أحد الأركان الأربعة وهم: سلمان والمقداد، وحذيفة، وأبو ذر، وممن حضر تشييع فاطمة، ولزم عليا عليه السلام وجاهر بذكر مناقب أهل البيت، ومثالب أعدائهم، وصبر على المشقة والعناء.

وما كانت تأخذه في الله لومة لائم. وكان يقول: أوصاني خليلي بست:

=>


الصفحة 227
بذلك رسول الله صلى الله عليه وآله، فلما فتحه أبو بكر خرج في أول صفحة فتحها فضائح

____________

<=

حب المساكين، وأن أنظر إلى من هو فوقي، وأن أقول الحق وإن كان مرا، وأن لا تأخذني في الله لومة لائم.

وقال له فتى من قريش مرة: أما نهاك أمير المؤمنين عن الفتيا؟ فقال: أرقيب أنت على؟ فوالذي نفسي بيده لو وضعتم الصمامة هيهنا، ثم ظننت إني منفذ كلمة سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وآله قبل أن تحتزوا لأنفذتها.

وبينا هو واقف مع رسول الله صلى الله عليه وآله يوما إذ قال له رسول الله صلى الله عليه وآله: (يا أبا ذر أنت رجل صالح وسيصيبك بلاء بعدي) قال أبو ذر: في الله؟ قال: (في الله) فقال أبو ذر: مرحبا بأمر الله.

ولما قام ثالث القوم نافجا حضنيه - كما قال أمير المؤمنين (ع) - بين نثيله ومعتلفه وقام معه بنو أبيه يخضمون مال الله خضم الإبل نبتة الربيع. كان من الطبيعي أن يشتد نكير أبي ذر على الدولة الأموية، والسلالة الخبيثة، والشجرة الملعونة.

فأرسل إليه عثمان " 200 " دينار بيد موليين له وقال لهما انطلقا إلى أبي ذر وقولا له: إن عثمان يقرئك السلام ويقول لك: هذه " 200 " دينار فاستعن بها على ما نابك.

فقال أبو ذر: هل أعطى أحدا من المسلمين مثل ما أعطاني؟ قالا: لا. فردها عليه.

ودخل يوما على عثمان، وكانوا يقتسمون مال عبد الرحمن بن عوف وكان عنده كعب فقال عثمان لكعب: ما تقول فيمن جمع هذا المال فكان يتصدق منه، ويعطي في السبل ويفعل ويفعل. قال كعب: إني لأرجو له خيرا، فغضب أبو ذر ورفع العصا على كعب وقال: " يا بن اليهودية أنت تعلمنا معالم ديننا، وما يدريك ليودن صاحب هذا المال يوم القيامة لو كانت عقارب تلسع السويداء من قلبه ".

ولما اشتد إنكاره على عثمان نفاه إلى الشام، فواصل النكير على عثمان ومعاوية، وكان يقول: والله إني لأرى حقا يطمى، وباطلا يحيى، وصادقا مكذبا، وإثرة بغير تقى، وصالحا مستأثرا عليه.

فكتب معاوية بذلك إلى عثمان فكتب إليه أن احمل أبا ذر على باب صعبة، وقتب ثم ابعث من ينجش به نجشا عنيفا حتى يدخل به على.

ثم نفاه عثمان إلى الربذة وشيعه عند خروجه إلى الربذة أمير المؤمنين، والحسن،

=>


الصفحة 228
القوم، فوثب عمر وقال: يا علي اردده فلا حاجة لنا فيه، فأخذه عليه السلام وانصرف ثم أحضروا زيد بن ثابت - وكان قاريا للقرآن - فقال له عمر: إن عليا جاء بالقرآن وفيه فضائح المهاجرين والأنصار، وقد رأينا أن نؤلف القرآن ونسقط منه ما كان فيه فضيحة وهتك للمهاجرين والأنصار، فأجابه زيد إلى ذلك، ثم قال: فإن أنا فرغت من القرآن على ما سألتم وأظهر علي القرآن الذي ألفه أليس قد بطل كل ما عملتم؟ قال عمر: فما الحيلة؟ قال زيد: أنتم أعلم بالحيلة، فقال عمر:

ما حيلته دون أن نقتله ونستريح منه، فدبر في قتله على يد خالد بن الوليد فلم يقدر على ذلك، وقد مضى شرح ذلك.

فلما استخلف عمر سأل عليا عليه السلام أن يدفع إليهم القرآن فيحرفوه فيما بينهم، فقال: يا أبا الحسن إن جئت بالقرآن الذي كنت قد جئت به إلى أبي بكر حتى نجتمع عليه، فقال عليه السلام: هيهات ليس إلى ذلك سبيل، إنما جئت به إلى أبي بكر لتقوم الحجة عليكم، ولا تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين، أو تقولوا ما جئتنا به أن القرآن الذي عندي لا يمسه إلا المطهرون والأوصياء من ولدي، قال عمر:

فهل لإظهاره وقت معلوم. فقال عليه السلام: نعم إذا قام القائم من ولدي، يظهره ويجمل الناس عليه، فتجري السنة به صلوات الله عليه (1).

وقال سليم بن قيس: بينا أنا وحبش بن معمر بمكة إذ قام أبو ذر وأخذ

____________

<=

والحسين عليهم السلام ومات رحمه الله في الربذة سنة " 32 " وصلى عليه ابن مسعود.

خلاصة العلامة ص 36، رجال، الكشي ص 27 تهذيب التهذيب ج 12 ص 90 حلية الأولياء ج 1 ص 156، صفة الصفوة ج 1 ص 238 وج 1 م رجال المامقاني، رجال الشيخ الطوسي ص 13 - 36.

(1) ذكر المجلسي في بحار الأنوار ج 8 ص 462 بعد نقل هذه الرواية عن الاحتجاج ما يلي:

أقول روى الصدوق " ره " مختصرا من هذا الاحتجاج عن أبيه وابن الوليد معا عن سعد عن ابن يزيد عن حماد بن عيسى عن أذينة عن أبان بن أبي عياش عن سليم بن قيس

الصفحة 229
بحلقة الباب ثم نادى بأعلا صوته في الموسم: " أيها الناس من عرفني فقد عرفني، ومن جهلني فأنا جندب بن جنادة، أنا أبو ذر أيها الناس إني قد سمعت نبيكم يقول: " إن مثل أهل بيتي في أمتي كمثل سفينة نوح في قومه، من ركبها نجى ومن تركها غرق، ومثل باب حطة في بني إسرائيل " أيها الناس إني سمعت نبيكم يقول: " إني تركت فيكم أمرين، لن تضلوا ما إن تمسكتم بهما، كتاب الله وأهل بيتي إلى آخر الحديث " فلما قدم إلى المدينة بعث إليه عثمان وقال له: " ما حملك على ما قمت به في الموسم " قال: عهد عهده إلي رسول الله صلى الله عليه وآله وأمرني به فقال من يشهد بذلك، فقام علي والمقداد فشهدا، ثم انصرفوا يمشون ثلاثتهم فقال عثمان: " إن هذا وصاحبيه يحسبون أنهم في شئ ".

وروي: أن يوما من الأيام قال عثمان بن عفان لعلي بن أبي طالب عليه السلام:

" إن تربصت بي فقد تربصت بمن هو خير مني ومنك " قال علي عليه السلام: ومن هو خير مني، قال: أبو بكر وعمر. فقال علي عليه السلام: كذبت أنا خير منك ومنهما عبدت الله قبلكم وعبدته بعدكم.

قال سليم بن قيس: حدثني سلمان والمقداد، وحدثنيه بعد ذلك أبو ذر، ثم سمعته من علي بن أبي طالب عليه السلام، قالوا: إن رجلا فاخر علي بن أبي طالب عليه السلام فقال رسول الله لما سمع به لعلي بن أبي طالب: فاخر العرب وأنت أكرمهم ابن عما، وأكرمهم صهرا، وأكرمهم زوجة، وأكرمهم ولدا، وأكرمهم أخا، وأكرمهم عما، وأعظمهم حلما، وأكثرهم علما، وأقدمهم سلما، وأعظمهم غنا بنفسك ومالك، وأقرأهم بكتاب الله، وأعلمهم بسنتي، وأشجعهم لقاء، وأجودهم كفا، وأزهدهم في الدنيا، وأشدهم اجتهادا، وأحسنهم خلقا، وأصدقهم لسانا، وأحبهم إلى الله وإلي، وستبقى بعدي ثلاثين سنة تعبد الله وتصبر على ظلم قريش لك، ثم تجاهدهم في سبيل الله إذا وجدت أعوانا، فتقاتل على تأويل القرآن كما قاتلت معي على تنزيله، ثم تقتل شهيدا تخضب لحيتك من دم رأسك، قاتلك يعدل عاقر الناقة في البغض إلى الله والبعد منه.


الصفحة 230
قال سليم بن قيس: جلست إلى سلمان وأبي ذر والمقداد فجاء رجل من أهل الكوفة فجلس إليهم مسترشدا، فقال له سلمان: " عليك بكتاب الله فالزمه، وعلي ابن أبي طالب فإنه مع القرآن لا يفارقه، فأنا أشهد أنا سمعنا رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: " إن عليا يدور مع الحق حيث دار، وإن عليا هو الصديق والفاروق يفرق بين الحق والباطل " قال: فما بال القوم يسمون أبا بكر الصديق وعمر الفاروق قال: نحلهما الناس اسم غيرهما كما نحلوهما خلافة رسول الله صلى الله عليه وآله، وإمرة المؤمنين.

لقد أمرنا رسول الله صلى الله عليه وآله وأمرهما معنا فسلمنا جميعا على علي بأمرة المؤمنين.

وروى القاسم بن معاوية (1) قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: هؤلاء يروون حديثا في معراجهم أنه لما أسري برسول الله رأى على العرش مكتوبا لا إله إلا الله، محمد رسول الله أبو بكر الصديق، فقال: " سبحان الله غير وأكل شئ حتى هذا " قلت: نعم. قال: " إن الله عز وجل لما خلق العرش كتب عليه لا إله إلا الله، محمد رسول الله، علي أمير المؤمنين، ولما خلق الله عز وجل الماء كتب في مجراه:

لا إله إلا الله محمد رسول الله، علي أمير المؤمنين، ولما خلق الله عز وجل الكرسي كتب على قوائمه: لا إله إلا الله، محمد رسول الله، علي أمير المؤمنين، ولما خلق الله عز وجل اللوح كتب فيه: لا إله إلا الله محمد رسول الله، علي أمير المؤمنين، ولما خلق الله إسرافيل كتب على جبهته: لا إله إلا الله، محمد رسول الله، علي أمير المؤمنين ولما خلق الله جبرئيل كتب على جناحيه: لا إله إلا الله، محمد رسول الله، علي أمير المؤمنين، ولما خلق الله عز وجل السماوات كتب في أكتافها: لا إله إلا الله محمد رسول الله، علي أمير المؤمنين، ولما خلق الله عز وجل الأرضين كتب في أطباقها: لا إله إلا الله، محمد رسول الله، علي أمير المؤمنين، ولما خلق الله عز وجل

____________

(1) لم أعثر في كتب الرجال على صاحب هذا الاسم ولعله القاسم بن بريد بن معاوية العجلي عده الشيخ الطوسي في أصحاب الصادق والكاظم عليهما السلام وفي خلاصة العلامة: القاسم بن بريد - بالباء المنقطة تحتها نقطة مضمومة - ابن معاوية العجلي ثقة روى عن أبي عبد الله " ع ".

الصفحة 231
الجبال كتب في رؤسها: لا إله إلا الله، محمد رسول الله، علي أمير المؤمنين، ولما خلق الله عز وجل الشمس كتب عليها: لا إله إلا الله، محمد رسول الله، علي أمير المؤمنين ولما خلق الله عز وجل القمر كتب عليه: لا إله إلا الله، محمد رسول الله، علي أمير المؤمنين، وهو السواد الذي ترونه في القمر فإذا قال أحدكم لا إله إلا الله، محمد رسول الله فليقل علي أمير المؤمنين عليه السلام وعن عبد الله بن الصامت (1) قال: رأيت أبا ذر آخذا بحلقة باب الكعبة مقبلا بوجهه للناس وهو يقول:

أيها الناس من عرفني فقد عرفني، ومن لم يعرفني فسأنبئه باسمي أنا جندب ابن السكن بن عبد الله أنا أبو ذر الغفاري أنا رابع أربعة ممن أسلم مع رسول الله صلى الله عليه وآله سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: وذكر الحديث بطوله إلى قوله، ألا أيتها الأمة المتحيرة بعد نبيها، لو قدمتم من قدمه الله وأخرتم من أخره الله، وجعلتم الولاية حيث جعلها الله، لما عال ولي الله، ولما ضاع فرض من فرائض الله، ولا اختلف اثنان في حكم من أحكام الله، إلا كان علم ذلك عند أهل بيت نبيكم، فذوقوا وبال ما كسبتم، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون.

وروى عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال: إن العلم الذي هبط به آدم من الجنة وما فضلت به النبيون عليهم السلام في عترة نبيكم، فأين يتاه بكم؟

قال سليم بن قيس: سأل رجل علي بن أبي طالب عليه السلام فقال - وأنا أسمع - أخبرني بأفضل منقبة لك، قال: ما أنزل الله في كتابه؟ قال: وما أنزل لله فيك

____________

(1) عبد الله بن الصامت، ابن أخي أبي ذر عنونه ابن داود في الباب الأول كذلك، ونسب إلى الشيخ " ره " في رجاله عده من أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام مضيفا إلى ما في العنوان قوله: ممن أقام بالبصرة وكان شيعيا انتهى. ولكني لم أقف على ذلك في رجال الشيخ " ره "، وعندي نسخ عديدة مصححة، ليس من ذلك في شئ منها أثر وإنما الموجود فيها: عبادة بن صامت آخر ما نسبه في رجال الشيخ " ره " فهو سهو من قلمه الشريف. رجال المامقاني ج 2 ص 189

الصفحة 232
قال " أفمن كان على بينة من ربه ويتلوه شاهد منه (1) " أنا الشاهد من رسول الله صلى الله عليه وآله وقوله: " ويقول الذين كفروا لست مرسلا قل كفى بالله شهيدا بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب (2) " إياي عنى بمن عنده علم الكتاب فلم يدع شيئا أنزله الله فيه إلا ذكره، مثل قوله: " إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون " وقوله: " أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم (3) " وغير ذلك، قال قلت: فاخبرني بأفضل منقبة

____________

(1) هود: 17 الحمويني في فرائد السمطين أخرج بسنده عن ابن عباس وبسنده عن زاده وهما عن علي كرم الله وجهه قال: إن رسول الله " ص " كان على بينة من ربه وأنا التالي الشاهد منه. - أيضا ابن المغازلي أخرج بسنده عن عباد بن عبد الله قال: سمعت عليا كرم الله وجهه يقول في خطبته - ما نزلت آية من كتاب الله إلا وقد علمت متى أنزلت، فيمن أنزلت، وما من قريش رجل إلا وقد نزلت فيه آية من كتاب الله عز وجل تسوقه إلى جنة أو نار قال رجل: يا أمير المؤمنين فما نزلت فيك؟ قال: أما تقرأ " أفمن كان على بينة من ربه ويتلوه شاهد منه الآية فرسول الله على بينة من ربه وأنا التالي الشاهد منه ينابيع المودة ص 99

(2) الرعد: 43.

عن عطية العوفي عن أبي سعيد الخدري قال:

سألت رسول الله صلى الله عليه وآله عن هذه الآية: (الذي عنده علم من الكتاب) قال:

(ذاك وزير أخي سليمان بن داود (ع). وسألته عن قول الله عز وجل: (قل كفى بالله شهيدا بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب) قال: ذاك أخي علي بن أبي طالب.

ينابيع المودة ص 103

(3) النساء: 59.

في ص 114 من ينابيع المودة قال:

في المناقب في تفسير مجاهد: إن هذه الآية نزلت في أمير المؤمنين (ع) حين خلفه

=>


الصفحة 233
لك من رسول الله صلى الله عليه وآله، فقال نصبه إياي يوم غدير خم فقال لي بالولاية بأمر الله عز وجل. وقوله أنت مني بمنزلة هارون من موسى، وسافرت مع رسول الله صلى الله عليه وآله ليس له خادم غيري، وكان له لحاف ليس له لحاف غيره، ومعه عائشة وكان رسول الله ينام بيني وبين عائشة ليس علينا ثلاثتنا لحاف غيره، فإذا قام إلى صلاة الليل يخط بيده اللحاف من وسطه بيني وبين عائشة حتى يمس اللحاف الفراش الذي تحتنا، فأخذتني الحمى ليلة فأسهرتني فسهر رسول الله صلى الله عليه وآله لسهري، فبات ليلته بيني وبين مصلاه يصلي ما قدر له، ثم يأتيني يسألني وينظر إلي فلم يزل ذلك دأبه حتى أصبح فلما صلى بأصحابه الغداة قال: " اللهم اشف عليا وعافه فإنه، أسهرني الليلة مما به " ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله: - بمسمع من أصحابه -: " أبشر يا علي " قلت: بشرك الله بخير يا رسول الله وجعلني فداك، قال: " إني لم أسأل الله الليلة شيئا إلا أعطانيه، ولم أسأله لنفسي شيئا إلا سألت لك مثله، وإني دعوت الله عز وجل أن يؤاخي بيني وبينك ففعل، وسألته أن يجعلك ولي كل مؤمن ومؤمنة ففعل وسألته أن يجمع عليك أمتي بعدي فأبى علي " فقال رجلان أحدهما لصاحبه:

" أرأيت ما سأل؟ فوالله لصاع من تمر خير مما سأل: ولو كان سأل ربه أن ينزل عليه ملكا يعينه على عدوه، أو ينزل عليه كنزا ينفقه وأصحابه فإن بهم حاجة كان خيرا مما سأل، وما دعا عليا قط إلى خير إلا استجاب له.

* * *

احتجاجه (ع) على الناكثين بيعته في خطبة خطبها حين نكثوها.

فقال: إن الله ذا الجلال والإكرام لما خلق الخلق واختار خيرة من خلقه واصطفى صفوة من عباده، وأرسل رسولا منهم، وأنزل عليه كتابه، وشرع له دينه

____________

<=

رسول الله صلى الله عليه وآله بالمدينة فقال: أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى حين قال موسى: أخلفني في قومي وأصلح.

الصفحة 234
وفرض فرائضه، فكانت الجملة قول الله عز وجل ذكره حيث أمر فقال: " أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم " فهو لنا أهل البيت خاصة دون غيرنا، فانقلبتم على أعقابكم، وارتددتم ونقضتم الأمر، ونكثتم العهد، ولم تضروا الله شيئا، وقد أمركم الله أن تردوا الأمر إلى الله وإلى رسوله وإلى أولي الأمر منكم المستنبطين للعلم، فأقررتم ثم جحدتم، وقد قال الله لكم: " أوفوا بعهدي أوف بعهدكم وإياي فارهبون (1) " إن أهل الكتاب والحكمة والأيمان آل إبراهيم عليه السلام بينه الله لهم فحسدوا، فأنزل الله جل ذكره: " أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله، فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكا عظيما (2) " " فمنهم من آمن به ومنهم من صد عنه وكفى بجهنم سعيرا (3) " فنحن آل إبراهيم فقد حسدنا آبائنا، وأول من حسد آدم الذي خلقه الله عز وجل بيده ونفخ فيه من روحه، وأسجد له ملائكته، وعلمه الأسماء كلها، واصطفاه على العالمين، فحسده الشيطان فكان من الغاوين، ثم حسد قابيل هابيل فقتله فكان من الخاسرين، ونوح حسده قومه فقالوا: " ما هذا إلا بشر مثلكم يأكل مما تأكلون ويشرب مما تشربون * ولئن أطعتم بشرا مثلكم إنكم إذا لخاسرون (4) " ولله الخيرة يختار من يشاء ويختص برحمته من يشاء ويؤتي الحكمة والعلم من يشاء ثم حسدوا نبينا محمدا صلى الله عليه وآله، ألا ونحن أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس، ونحن المحسودون كما حسد آبائنا، قال الله عز وجل: " إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي (5) " وقال: " وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله (6) " فنحن أولى الناس بإبراهيم، ونحن ورثناه ونحن أولوا الأرحام الذين ورثنا الكعبة، ونحن آل إبراهيم، أفترغبون عن ملة

____________

(1) البقرة: 40

(2) النساء: 54

(3) النساء: 55

(4) المؤمنون: 33 - 34

(5) آل عمران 68

(6) الأحزاب: 6

الصفحة 235
إبراهيم؟ وقد قال الله تعالى: " ومن تبعني فإنه مني (1) " يا قوم أدعوكم إلى الله وإلى رسوله، وإلى كتابه، وإلى ولي أمره، وإلى وصيه ووارثه من بعده، فاستجيبوا لنا، واتبعوا آل إبراهيم، واقتدوا بنا، فإن ذلك لنا آل إبراهيم فرضا واجبا والأفئدة من الناس تهوي إلينا، وذلك دعوة إبراهيم عليه السلام حيث قال: " فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم (2) " فهل نقمتم منا إلا أن آمنا بالله وما أنزل علينا، ولا تتفرقوا فتضلوا، والله شهيد عليكم، قد أنذرتكم، ودعوتكم، وأرشدتكم، ثم أنتم وما تختارون.

* * *

احتجاج أمير المؤمنين (ع) على الزبير بن العوام وطلحة بن عبد الله لما أزمعا على الخروج عليه والحجة في أنهما خرجا من الدنيا غير تائبين من نكث البيعة.

روي عن ابن عباس رحمه الله أنه قال: كنت قاعدا عند علي عليه السلام حين دخل عليه طلحة والزبير فاستأذناه في العمرة فأبى أن يأذن لهما، وقال: قد اعتمرتما فأعادا عليه الكلام فأذن لهما، ثم التفت إلي فقال: والله ما يريدان العمرة، وإنما يريدان الغدرة قلت له فلا تأذن لهما فردهما، ثم قال لهما: والله ما تريدان العمرة وما تريدان إلا نكثا لبيعتكما، وفرقة لأمتكما، فحلفا له فأذن لهما، ثم التفت إلي فقال: والله ما يريدان العمرة قلت: فلم أذنت لهما؟ قال، حلفا لي بالله، قال:

فخرجا إلى مكة فدخلا على عائشة فلم يزالا بها حتى أخرجاها.

وروي أنه عليه السلام قال عند توجههما إلى مكة للاجتماع مع عايشة للتأليب عليه بعد أن حمد الله تعالى وأثنى عليه:

أما بعد فإن الله عز وجل بعث محمدا صلى الله عليه وآله للناس كافة، وجعله رحمة للعالمين

____________

(1) إبراهيم: 36

(2) إبراهيم: 37

الصفحة 236
فصدع بما أمر به (1) وبلغ رسالات ربه، فلم به الصدع (2) ورتق به الفتق (3) وأمن به السبل (4) وحقن به الدماء (5) وألف بين ذوي الأحن (6) والعداوة والوغر في الصدور، والضغائن الراسخة في القلوب، ثم قبضه الله إليه حميدا لم يقصر في الغاية التي إليها أدى الرسالة، ولا بلغ شيئا كان في التقصير عنه عند الفقد وكان من بعده ما كان من التنازع في الأمرة، وتولى أبو بكر، وبعده عمر، ثم عثمان، فلما كان من أمره ما كان أتيتموني فقلتم: " بايعنا " فقلت: " لا أفعل " فقلتم: " بلى " فقلت: " لا " وقبضت يدي فبسطتموها، ونازعتكم فجذبتموها، وتداككتم علي تداك الإبل الهيم على حياضها يوم ورودها، حتى ظننت أنكم قاتلي وأن بعضكم قاتل بعض، فبسطت يدي فبايعتموني مختارين، وبايعني في أولكم طلحة والزبير طائعين غير مكرهين، ثم لم يلبثا أن استأذناني في العمرة، والله يعلم أنهما أرادا الغدرة، فجددت عليهما العهد في الطاعة، وأن لا يبغيا للأمة الغوائل، فعاهداني، ثم لم يفيا لي، ونكثا بيعتي، ونقضا عهدي، فعجبا من انقيادهما لأبي بكر وعمر، وخلافهما لي ولست بدون أحد الرجلين، ولو شئت أن أقول لقلت:

" اللهم اغضب عليهما بما صنعا وظفرني بهما ".

وقال: عليه السلام في أثناء كلام آخر.

وهذا طلحة والزبير ليسا من أهل النبوة، ولا من ذرية الرسول، حين رأيا أن قد رد علينا حقنا، بعد أعصر فلم يصبرا حولا كاملا، ولا شهرا كاملا، حتى وثبا علي، دأب الماضين قبلهما، ليذهبا بحقي ويفرقا جماعة المسلمين عني، ثم دعا عليهما.

____________

(1) صدع بالأمر: أبانه وأظهره

(2) الصدع: الكسر.

(3) الرتق: ضد الفتق وهو: الالتيام.

(4) السبل: الطرق.

(5) حقنت دمه: خلاف هدرته، كأنك جمعته في صاحبه.

(6) الأحن: الضغائن.

الصفحة 237
وعن سليم بن قيس الهلالي قال: لما التقى أمير المؤمنين عليه السلام أهل البصرة يوم الجمل. نادى الزبير يا أبا عبد الله أخرج إلي: فخرج الزبير ومعه طلحة. فقال لهما والله إنكما لتعلمان وأولوا العلم من آل محمد وعائشة بنت أبي بكر: أن كل أصحاب الجمل ملعونون على لسان محمد صلى الله عليه وآله، وقد خاب من افترى.

قالا كيف نكون ملعونين ونحن أصحاب بدر وأهل الجنة؟!

فقال عليه السلام: لو علمت أنكم من أهل الجنة لما استحللت قتالكم، فقال له الزبير: أما سمعت حديث سعيد بن عمرو بن نفيل وهو يروي: أنه سمع من رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: " عشرة من قريش في الجنة "؟ قال علي عليه السلام: سمعته يحدث بذلك عثمان في خلافته، فقال الزبير أفترا كذب على رسول الله صلى الله عليه وآله؟ فقال له علي عليه السلام: " لست أخبرك بشئ حتى تسميهم " قال الزبير: أبو بكر، وعمر، وعثمان، وطلحة، والزبير، وعبد الرحمن بن عوف، وسعد بن أبي وقاص، وأبو عبيدة بن الجراح، وسعيد بن عمرو بن نفيل. فقال له علي عليه السلام: " عددت تسعة فمن العاشر؟ " قال له: أنت قال علي عليه السلام: قد أقررت أني من أهل الجنة، وأما ما ادعيت لنفسك وأصحابك فإنا به من الجاحدين الكافرين، قال له، أفتراه كذب على رسول الله صلى الله عليه وآله؟ قال عليه السلام: ما أراه كذب، ولكنه والله اليقين. فقال علي عليه السلام: والله إن بعض من سميته لفي تابوت في شعب في جب في أسفل درك من جهنم، على ذلك الجب صخرة إذا أراد الله أن يسعر جهنم رفع تلك الصخرة، سمعت ذلك من رسول الله صلى الله عليه وآله وإلا أظفرك الله بي وسفك دمي على يديك، وإلا أظفرني الله عليك وعلى أصحابك وسفك دمائكم على يدي وعجل أرواحكم إلى النار، فرجع الزبير إلى أصحابه وهو يبكي.

وروي نصر بن مزاحم (1) أن أمير المؤمنين عليه السلام حين وقع القتال وقتل طلحة، تقدم على بغلة رسول الله صلى الله عليه وآله الشهباء بين الصفين، فدعا الزبير فدنى إليه حتى

____________

(1) نصر بن مزاحم المنقري العطار، أبو الفضل كوفي مستقيم الطريقة صالح الأمر، غير أنه يروي عن الضعفاء، كتبه حسان كما في خلاصة العلامة

الصفحة 238
اختلف أعناق دابتيهما، فقال: يا زبير أنشدك بالله أسمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول إنك ستقاتل عليا وأنت له ظالم؟ قال: نعم. قال: فلم جئت؟ قال: جئت لأصلح بين الناس فأدبر الزبير وهو يقول:

ترك الأمور التي تخشى عواقبها * لله أجمل في الدنيا وفي الدين
أتى علي بأمر كنت أعرفه * قد كان عمر أبيك الخير مذحين
فقلت حسبك من عذل أبا حسن * بعض الذي قلت هذا اليوم يكفيني
فاخترت عارا على نار مؤججة * أنى يقوم لها خلق من الطين
نبئت طلحة وسط النقع منجدلا * مأوى الضيوف ومأوى كل مسكين
قد كنت أنصر أحيانا وينصرني * في النائبات ويرمي من يراميني
حتى ابتلينا بأمر ضاق مصدره * فأصبح اليوم ما يعنيه يعنيني

قال: وأقبل الزبير على عائشة، فقال: يا أمه ما لي في هذا بصيرة، وإني منصرف. فقالت عائشة: يا أبا عبد الله أفررت من سيوف ابن أبي طالب؟ فقال، إنها والله طوال حداد، تحملها فتية أنجاد (1)، ثم خرج راجعا فمر بوادي السباع وفيه الأحنف بن قيس قد اعتزل من بني تميم، أخبر الأحنف بانصرافه فقال: ما أصنع به إن كان الزبير ألقى بين غارتين من المسلمين وقتل أحدهما بالآخر ثم هو يريد اللحاق بأهله. فسمعه ابن جرموز فخرج هو ورجلان معه - وقد كان لحق بالزبير رجل من كليب ومعه غلامه - فلما أشرف ابن جرموز وصاحباه على الزبير، فحرك الرجلان رواحلهما، وخلفا الزبير وحده، فقال لهما الزبير: ما لكما هم ثلاثة ونحن ثلاثة، فلما أقبل ابن جرموز قال له الزبير: إليك عني فقال ابن جرموز: يا أبا عبد الله إني جئتك لأسألك عن أمور الناس. قال:

تركت الناس يضرب بعضهم وجوه بعضهم بالسيف. قال ابن جرموز: أخبرني عن أشياء أسألك عنها. قال: هات قال: أخبرني عن خذلك عثمان، وعن بيعتك عليا وعن نقضك بيعته، وعن إخراجك عائشة، وعن صلاتك خلف ابنك، وعن هذا

____________

(1) أنجاد: أشداء شجعان.