back page fehrest page next page

مدارس آيات خلت من تلاوة ** و منزل وحي مقفر العرصات

و أنشده إبراهيم بن العباس :

أزالت عناء القلب بعد التجلد ** مصارع أولاد النبي محمد

فوهب لهما عشرين ألف درهم من الدراهم التي عليها اسمه كان المأمون أمر بضربها في ذلك الوقت قال فأما دعبل فصار بالعشرة آلاف التي حصته إلى قم فباع كل درهم بعشرة دراهم فتخلصت له مائة ألف درهم و أما إبراهيم فلم يزل عنده بعد أن أهدى بعضها و فرق بعضها على أهله إلى أن توفي رحمه الله و كان كفنه و جهازه منها .

9-   حدثنا أحمد بن يحيى المكتب قال حدثنا أبو الطيب أحمد بن محمد الوراق قال حدثنا علي بن هارون الحميري قال حدثنا علي بن محمد بن سليمان النوفلي قال إن المأمون لما جعل علي بن موسى الرضا (ع) ولي عهده و إن الشعراء قصدوا المأمون و وصلهم بأموال جمة حين مدحوا الرضا (ع) و صوبوا رأي المأمون في الأشعار دون أبي نواس فإنه لم يقصده و لم يمدحه و دخل على المأمون فقال له

[143]

يا با نواس قد علمت مكان علي بن موسى الرضا مني و ما أكرمته به فلما ذا أخرت مدحه و أنت شاعر زمانك و قريع دهرك فأنشد يقول :

قيل لي أنت أوحد الناس طرا ** في فنون من الكلام النبيه

‏لك من جوهر الكلام بديع ** يثمر الدر في يدي مجتنيه

‏فعلى ما تركت مدح ابن موسى ** و الخصال التي تجمعن فيه

‏قلت لا أهتدي لمدح إمام ** كان جبرئيل خادما لأبيه

فقال المأمون أحسنت و وصله من المال بمثل الذي وصل به كافة الشعراء و فضله عليهم .

10-   حدثنا الحسين بن إبراهيم بن أحمد بن هشام المكتب رحمه الله قال حدثنا علي بن إبراهيم بن هاشم عن أبيه قال حدثنا أبو الحسن محمد بن يحيى الفارسي قال نظر أبو نواس إلى أبي الحسن علي بن موسى الرضا (ع) ذات يوم و قد خرج من عند المأمون على بغلة له فدنا منه أبو نواس فسلم عليه و قال يا ابن رسول الله قد قلت فيك أبياتا فأحب أن تسمعها مني قال هات فأنشأ يقول :

مطهرون نقيات ثيابهم ** تجري الصلاة عليهم أينما ذكروا

من لم يكن علويا حين تنسبه ** فما له من قديم الدهر مفتخر

فالله لما برأ خلقا فأتقنه ** صفاكم و اصطفاكم أيها البشر

فأنتم الملأ الأعلى و عندكم ** علم الكتاب و ما جاءت به السور

فقال الرضا (ع) قد جئتنا بأبيات ما سبقك إليها أحد ثم قال يا غلام هل معك من نفقتنا شي‏ء فقال ثلاثمائة دينار فقال أعطها إياه ثم قال (ع) لعله استقلها يا غلام سق إليه

[144]

البغلة و لما كانت سنة إحدى و مائتين حج بالناس إسحاق بن موسى بن عيسى بن موسى و دعا للمأمون و لعلي بن موسى الرضا (ع) من بعده بولاية العهد فوثب إليه حمدويه بن علي بن عيسى بن هامان فدعا إسحاق بسواده فلم يجده فأخذ علما أسود فالتحف به و قال أيها الناس إني قد أبلغتكم ما أمرت به و لست أعرف إلا أمير المؤمنين المأمون و الفضل بن سهل ثم نزل و دخل عبد الله بن مطرف بن هامان على المأمون يوما و عنده علي بن موسى الرضا (ع) فقال له المأمون ما تقول في أهل البيت فقال عبد الله ما قولي في طينة عجنت بماء الرسالة و غرست بماء الوحي هل ينفخ منه إلا مسك الهدى و عنبر التقى قال فدعا المأمون بحقة فيها لؤلؤ فحشا فاه .

حدثنا أبو نصر محمد بن الحسن بن إبراهيم الكرخي الكاتب بإيلاق قال حدثنا أبو الحسن محمد بن صقر الغساني قال حدثنا أبو بكر محمد بن يحيى الصولي قال سمعت أبا العباس محمد بن يزيد المبرد يقول خرج أبو نواس ذات يوم من داره فبصر براكب قد حاذاه فسأل عنه و لم ير وجهه فقيل إنه علي بن موسى الرضا (ع) فأنشأ يقول :

إذا أبصرتك العين من بعد غاية ** و عارض فيك الشك أثبتك القلب

‏و لو أن قوما أمموك لقادهم ** نسيمك حتى يستدل بك الركب

12-   حدثنا الحاكم أبو علي الحسين بن أحمد البيهقي قال حدثنا محمد بن يحيى الصولي قال حدثنا محمد بن يزيد المبرد قال حدثني الحافظ عن ثمامة بن أشرس قال عرض المأمون يوما للرضا (ع) بالامتنان عليه بأن ولاه العهد فقال له إن من أخذ برسول الله (ص) لحقيق أن يعطى به و لعلي بن الحسين (ع) كلام في هذا النحو .

[145]

13 -   حدثنا الحاكم أبو علي الحسين بن أحمد البيهقي قال حدثني محمد بن يحيى الصولي قال حدثنا محمد بن زكريا الغلاني قال حدثنا أحمد بن عيسى بن زيد بن علي و كان مستترا ستين سنة قال حدثنا عمي قال حدثنا جعفر بن محمد الصادق (ع) قال كان علي بن الحسين (ع) لا يسافر إلا مع رفقة لا يعرفونه و يشترط عليهم أن يكون من خدم الرفقة فيما يحتاجون إليه فسافر مرة مع قوم فرآه رجل فعرفه فقال لهم أ تدرون من هذا قالوا لا قال هذا علي بن الحسين (ع) فوثبوا فقبلوا يده و رجله و قالوا يا ابن رسول الله أردت أن تصلينا نار جهنم لو بدرت منا إليك يد أو لسان أ ما كنا قد هلكنا آخر الدهر فما الذي يحملك على هذا فقال إني كنت قد سافرت مرة مع قوم يعرفونني فأعطوني برسول الله (ص) ما لا أستحق به فإني أخاف أن تعطوني مثل ذلك فصار كتمان أمري أحب إلي .

14-   حدثنا الحاكم أبو علي الحسين بن أحمد البيهقي قال حدثني محمد بن يحيى الصولي قال حدثنا المغيرة بن محمد قال حدثنا هارون الفروي قال لما جاءتنا بيعة المأمون للرضا (ع) بالعهد إلى المدينة خطب بها الناس عبد الجبار بن سعيد بن سليمان المساحقي فقال في آخر خطبته أ تدرون من ولي عهدكم فقالوا لا قال هذا علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (ع) .

سبعة آباء هم ما هم ** هم خير من يشرب صوب الغمام

15-   حدثنا الحاكم أبو علي الحسين بن أحمد البيهقي قال حدثني محمد بن يحيى الصولي قال حدثنا أحمد بن القاسم بن إسماعيل قال سمعت إبراهيم بن العباس يقول لما عقد المأمون البيعة لعلي بن موسى الرضا (ع) قال له الرضا (ع) يا أمير المؤمنين إن النصح لك واجب و الغش لا ينبغي لمؤمن إن العامة تكره ما فعلت بي و الخاصة تكره ما فعلت بالفضل بن سهل و الرأي لك أن تبعدنا عنك حتى يصلح لك أمرك قال إبراهيم فكان و الله قوله هذا السبب في الذي آل الأمر إليه .

[146]

16 -   حدثنا الحاكم أبو علي الحسين بن أحمد البيهقي قال حدثني محمد بن يحيى الصولي قال حدثنا محمد بن يزيد النحوي قال حدثني ابن أبي عبدون عن أبيه قال لما بايع المأمون الرضا (ع) بالعهد أجلسه إلى جانبه فقام العباس الخطيب فتكلم فأحسن ثم ختم ذلك بأن أنشد :

لا بد للناس من شمس و من قمر ** فأنت شمس و هذا ذلك القمر

17-   حدثنا الحاكم أبو علي الحسين بن أحمد البيهقي قال حدثني محمد بن يحيى الصولي قال حدثني أحمد بن محمد بن إسحاق قال حدثنا أبي قال لما بويع الرضا (ع) بالعهد اجتمع الناس إليه يهنئونه فأومى إليهم فأنصتوا ثم قال بعد أن استمع كلامهم بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الفعال لما يشاء لا معقب لحكمه و لا راد لقضائه يعلم خائنة الأعين و ما تخفي الصدور و صلى الله على محمد في الأولين و الآخرين و على آله الطيبين الطاهرين أقول و أنا علي بن موسى بن جعفر (ع) إن أمير المؤمنين عضده الله بالسداد و وفقه للرشاد عرف من حقنا ما جهله غيره فوصل أرحاما قطعت و آمن نفوسا فزعت بل أحياها و قد تلفت و أغناها إذا افتقرت مبتغيا رضى رب العالمين لا يريد جزاء إلا من عنده و سيجزي الله الشاكرين و لا يضيع أجر المحسنين و إنه جعل إلي عهده و الإمرة الكبرى إن بقيت بعده فمن حل عقدة أمر الله تعالى بشدها و قصم عروة أحب الله إيثاقها فقد أباح حريمه و أحل محرمه إذا كان بذلك زاريا على الإمام منتهكا حرمة الإسلام بذلك جرى السالف فصبر منه على الفلتات و لم يعترض بعدها على الغرمات خوفا على شتات الدين و اضطراب حبل المسلمين و لقرب أمر الجاهلية و رصد المنافقين فرصة تنتهز و بائقة تبتدر و ما أدري ما يفعل

[147]

بي و لا بكم إن الحكم إلا لله يقضي الحق و هو خير الفاصلين .

18-   حدثنا أبو علي الحسين بن أحمد البيهقي الحاكم قال حدثني محمد بن يحيى الصولي قال حدثنا الحسن بن الجهم قال حدثني أبي قال صعد المأمون المنبر لما بايع علي بن موسى الرضا (ع) فقال أيها الناس جاءتكم بيعة علي بن موسى بن جعفر بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (ع) و الله لو قرأت هذه الأسماء على الصم البكم لبرءوا بإذن الله عز و جل .

19-   حدثنا الحاكم أبو علي الحسين بن أحمد البيهقي قال حدثني محمد بن يحيى الصولي قال حدثني عبيد الله بن عبد الله بن طاهر قال أشار الفضل بن سهل على المأمون أن يتقرب إلى الله عز و جل و إلى رسوله (ص) بصلة رحمه بالبقية بالعهد لعلي بن موسى الرضا (ع) ليمحو بذلك ما كان من أمر الرشيد فيهم و ما كان يقدر على خلافه في شي‏ء فوجه من خراسان برجاء بن أبي الضحاك و ياسر الخادم ليشخصا إليه محمد بن جعفر بن محمد و علي بن موسى بن جعفر (ع) و ذلك في سنة مائتين فلما وصل علي بن موسى (ع) إلى المأمون و هو بمرو ولاه العهد من بعده و أمر للجند برزق سنة و كتب إلى الآفاق بذلك و سماه الرضا و ضرب الدراهم باسمه و أمر الناس بلبس الخضرة و ترك السواد و زوجه ابنته أم حبيب و زوج ابنه محمد بن علي (ع) ابنته أم الفضل بنت المأمون و تزوج هو ببوران بنت الحسن بن سهل زوجه بها عمها الفضل و كان كل هذا في يوم واحد و ما كان يحب أن يتم العهد للرضا (ع) بعده قال الصولي و قد صح عندي ما حدثني به أحمد بن عبيد الله من جهات منها أن عون بن محمد حدثني عن الفضل بن سهل النوبختي أو عن أخ له قال لما عزم المأمون على العقد للرضا (ع) بالعهد قلت و الله لأعتبرن ما في نفس المأمون من هذا الأمر أ يحب إتمامه أو هو تصنع به فكتبت إليه على يد خادم له كان يكاتبني بأسراره على يده و

[148]

قد عزم ذو الرئاستين على عقد العهد و الطالع السرطان و فيه المشتري و السرطان و إن كان شرف المشتري فهو برج منقلب لا يتم أمر ينعقد فيه و مع هذا فإن المريخ في الميزان الذي هو الرابع و وتد الأرض في بيت العاقبة و هذا يدل على نكبة المعقود له و عرفت أمير المؤمنين ذلك لئلا يعتب علي إذا وقف على هذا من غيري فكتب إلي إذا قرأت جوابي إليك فاردده إلي مع الخادم و نفسك أن يقف أحد على ما عرفتنيه أو أن يرجع ذو الرئاستين عن عزمه فإنه إن فعل ذلك ألحقت الذنب بك و علمت أنك سببه قال فضاقت علي الدنيا و تمنيت أني ما كنت كتبت إليه ثم بلغني أن الفضل بن سهل ذا الرئاستين قد تنبه على الأمر و رجع عن عزمه و كان حسن العلم بالنجوم فخفت و الله على نفسي و ركبت إليه فقلت له أ تعلم في السماء نجما أسعد من المشتري قال لا قلت أ فتعلم أن في الكواكب نجما يكون في حال أسعد منها في شرفها قال لا قلت فأمضي العزم على ذلك إذ كنت تعقده و سعد الفلك في أسعد حالاته فأمضي الأمر على ذلك فما علمت أني من أهل الدنيا حتى وقع العهد فزعا من المأمون .

20-   حدثنا الحاكم أبو علي الحسين بن أحمد البيهقي قال حدثني محمد بن يحيى الصولي قال حدثني أحمد بن محمد بن الفرات أبو العباس و الحسين بن علي الباقطائي قالا كان إبراهيم بن العباس صديقا لإسحاق بن إبراهيم أخي زيدان الكاتب المعروف بالزمن فنسخ له شعره في الرضا (ع) وقت منصرفه من خراسان و فيه شي‏ء بخطه و كانت النسخة عنده إلى أن ولي إبراهيم بن العباس ديوان الضياع للمتوكل و كان قد تباعد ما بينه و بين أخي زيدان الكاتب فعزله عن ضياع كانت في يده و طالبه بمال و شدد عليه فدعا إسحاق بعض من يثق به و قال له امض إلى إبراهيم بن العباس فأعلمه أن شعره في الرضا (ع) كله عندي بخطه و غير خطه و لئن لم يترك بالمطالبة عني لأوصلنه إلى المتوكل فصار الرجل إلى إبراهيم برسالة فضاقت به الدنيا حتى أسقط

[149]

المطالبة عنه و أخذ جميع ما عنده من شعره بعد أن حلف كل واحد منهما لصاحبه قال الصولي حدثني يحيى بن علي المنجم قال قال لي أنا كنت السفير بينهما حتى أخذت الشعرة فأحرقه إبراهيم بن العباس بحضرتي قال الصولي و حدثني أحمد بن ملحان قال كان لإبراهيم بن العباس ابنان اسمهما الحسن و الحسين يكنيان بأبي محمد و أبي عبد الله فلما ولي المتوكل سمى الأكبر إسحاق و كناه بأبي محمد و سمى الأصغر عباسا و كناه بأبي الفضل فزعا قال الصولي حدثني أحمد بن إسماعيل بن الخصيب قال ما شرب إبراهيم بن العباس و لا موسى بن عبد الملك النبيذ قط حتى ولي المتوكل فشرباه و كانا يتعمدان أن يجمعا الكراعات و المخنثين و يشربا بين أيديهم في كل يوم ثلاثا ليشيع الخبر بشربهما و له أخبار كثيرة في توقيه ليس هذا موضع ذكرها .

21-   حدثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني و الحسين بن إبراهيم بن أحمد بن هشام المكتب و علي بن عبد الله الوراق رضي الله عنهم قالوا حدثنا علي بن إبراهيم بن هاشم قال حدثني ياسر الخادم لما رجع المأمون من خراسان بعد وفاة أبي الحسن الرضا (ع) بطوس بأخباره كلها قال علي بن إبراهيم و حدثني الريان بن الصلت و كان من رجال الحسن بن سهل و حدثني أبي عن محمد بن عرفة و صالح بن سعيد الكاتب الراشدي كل هؤلاء حدثوا بأخبار أبي الحسن الرضا (ع) و قالوا لما انقضى أمر المخلوع و استوى أمر المأمون كتب إلى الرضا (ع) يستقدمه إلى خراسان فاعتل عليه الرضا (ع) بعلل كثيرة فما زال المأمون يكاتبه و يسأله حتى علم الرضا (ع) أنه لا يكف عنه فخرج و أبو جعفر (ع) له سبع سنين فكتب إليه المأمون لا تأخذ على طريق الكوفة و قم فحمل على طريق البصرة و الأهواز و فارس حتى وافى مرو فلما وافى مرو عرض عليه المأمون يتقلد الإمرة و الخلافة فأبى الرضا (ع) ذلك و جرت في هذا مخاطبات كثيرة و بقوا في ذلك نحوا من شهرين كل ذلك يأبى أبو الحسن الرضا (ع) أن يقبل ما يعرض عليه فلما كثر الكلام و الخطاب في هذا قال المأمون فولاية العهد

[150]

فأجابه إلى ذلك و قال له على شروط أسألها فقال المأمون سل ما شئت قالوا فكتب الرضا (ع) إني أدخل في ولاية العهد على أن لا آمر و لا أنهى و لا أقضي و لا أغير شيئا مما هو قائم و تعفيني من ذلك كله فأجابه المأمون إلى ذلك و قبلها على هذه الشروط و دعا المأمون الولاة و القضاة و القواد و الشاكرية و ولد العباس إلى ذلك فاضطربوا عليه فأخرج أموالا كثيرة و أعطى القواد و أرضاهم إلا ثلاثة نفر من قواده أبوا ذلك أحدهم عيسى الجلودي و علي بن أبي عمران و أبو يونس فإنهم أبوا أن يدخلوا في بيعة الرضا (ع) فحبسهم و بويع الرضا (ع) و كتب ذلك إلى البلدان و ضربت الدنانير و الدراهم باسمه و خطب له على المنابر و أنفق المأمون في ذلك أموالا كثيرة فلما حضر العيد بعث المأمون إلى الرضا (ع) يسأله أن يركب و يحضر العيد و يخطب ليطمئن قلوب الناس و يعرفوا فضله و تقر قلوبهم على هذه الدولة المباركة فبعث إليه الرضا (ع) و قال قد علمت ما كان بيني و بينك من الشروط في دخولي في هذا الأمر فقال المأمون إنما أريد بهذا أن يرسخ في قلوب العامة و الجند و الشاكرية هذا الأمر فتطمئن قلوبهم و يقروا بما فضلك الله به فلم يزل يرده الكلام في ذلك فلما ألح عليه قال يا أمير المؤمنين إن أعفيتني من ذلك فهو أحب إلي و إن لم تعفني خرجت كما كان يخرج رسول الله (ص) و كما خرج أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) فقال المأمون اخرج كما تحب و أمر المأمون القواد و الناس أن يبكروا إلى باب أبي الحسن الرضا (ع) فقعد الناس لأبي الحسن الرضا (ع) في الطرقات و السطوح من الرجال و النساء و الصبيان و اجتمع القواد على باب الرضا (ع) فلما طلعت الشمس قام الرضا (ع) فاغتسل و تعمم بعمامة بيضاء من قطن و ألقى طرفا منها على صدره و طرفا بين كتفه و تشمر ثم قال لجميع مواليه افعلوا مثل ما فعلت ثم أخذ بيده عكازة و خرج و نحن بين يديه و هو حاف قد شمر سراويله إلى نصف الساق و عليه ثياب مشمرة فلما قام و مشينا بين يديه رفع رأسه إلى السماء .

[151]

و كبر أربع تكبيرات فخيل إلينا أن الهواء و الحيطان تجاوبه و القواد و الناس على الباب قد تزينوا و لبسوا السلاح و تهيئوا بأحسن هيئة فلما طلعنا عليهم بهذه الصورة حفاة قد تشمرنا و طلع الرضا (ع) وقف وقفة على الباب قال الله أكبر الله أكبر الله أكبر على ما هدانا الله أكبر على ما رزقنا من بهيمة الأنعام و الحمد لله على ما أبلانا و رفع بذلك صوته و رفعنا أصواتنا فتزعزعت مرو من البكاء و الصياح فقالها ثلاث مرات فسقط القواد عن دوابهم و رموا بخفافهم لما نظروا إلى أبي الحسن (ع) و صارت مرو ضجة واحدة و لم يتمالك الناس من البكاء و الضجيج و كان أبو الحسن (ع) يمشي و يقف في كل عشر خطوات وقفة فكبر الله أربع مرات فتخيل إلينا أن السماء و الأرض و الحيطان تجاوبه و بلغ المأمون ذلك فقال له الفضل بن سهل ذو الرئاستين يا أمير المؤمنين إن بلغ الرضا المصلى على هذا السبيل افتتن به الناس فالرأي أن تسأله أن يرجع فبعث إليه المأمون فسأله الرجوع فدعا أبو الحسن (ع) بخفه فلبسه و رجع .

22-   حدثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني رضي الله عنه قال حدثني علي بن إبراهيم بن هاشم عن الريان بن الصلت قال أكثر الناس في بيعة الرضا من القواد و العامة و من لم يحب ذلك و قالوا إن هذا من تدبير الفضل بن سهل ذي الرئاستين فبلغ المأمون ذلك فبعث إلي في جوف الليل فصرت إليه فقال يا ريان بلغني أن الناس يقولون إن بيعة الرضا (ع) كانت من تدبير الفضل بن سهل فقلت يا أمير المؤمنين يقولون ذلك قال ويحك يا ريان أ يجسر أحد أن يجي‏ء إلى خليفة و ابن خليفة قد استقامت له الرعية و القواد و استوت له الخلافة فيقول له ادفع الخلافة من يدك إلى غيرك أ يجوز هذا في العقل قال قلت له لا و الله يا أمير المؤمنين ما يجسر على هذا أحد قال لا و الله ما كان كما يقولون و لكني سأخبرك بسبب ذلك إنه لما كتب إلي محمد أخي يأمرني بالقدوم عليه فأبيت عقد لعلي بن عيسى بن هامان و أمره

[152]

أن يقيدني بقيد و يجعل الجامعة في عنقي فورد علي بذلك الخبر و بعثت هرثمة بن أعين إلى سجستان و كرمان و ما والاها فأفسد علي أمري فانهزم هرثمة و خرج صاحب السرير و غلب على كور خراسان من ناحية فورد علي هذا كله في أسبوع فلما ورد ذلك علي لم يكن لي قوة في ذلك و لا كان لي مال أتقوى به و رأيت من قوادي و رجالي الفشل و الجبن أردت أن ألحق بملك كابل فقلت في نفسي ملك كابل رجل كافر و يبذل محمد له الأموال فيدفعني إلى يده فلم أجد وجها أفضل من أن أتوب إلى الله تعالى من ذنوبي و أستعين به على هذه الأمور و أستجير بالله تعالى و أمرت بهذا البيت و أشار إلى بيت فكنس و صببت علي الماء و لبست ثوبين أبيضين و صليت أربع ركعات فقرأت فيها من القرآن ما حضرني و دعوت الله تعالى و استجرت به و عاهدته عهدا وثيقا بنية صادقة إن أفضى الله بهذا الأمر إلي و كفاني عادية هذه الأمور الغليظة أن أضع هذا الأمر في موضعه الذي وضع الله فيه ثم قوي فيه قلبي فبعثت طاهرا إلى علي بن عيسى بن هامان فكان من أمره ما كان و رددت هرثمة بن أعين إلى رافع بن أعين فظفر به و قتله و بعثت إلى صاحب السرير فهاديته و بذلت له شيئا حتى رجع فلم يزل أمري يتقوى حتى كان من أمر محمد ما كان و أفضى الله إلي بهذا الأمر و استوى لي فلما وفى الله تعالى بما عاهدته عليه أحببت أن أفي الله بما عاهدته فلم أر أحدا أحق بهذا الأمر من أبي الحسن الرضا (ع) فوضعتها فيه فلم يقبلها إلا على ما قد علمت فهذا كان سببها فقلت وفق الله أمير المؤمنين فقال يا ريان إذا كان غدا و حضر الناس فاقعد بين هؤلاء القواد و حدثهم بفضل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) فقلت يا أمير المؤمنين ما أحسن من الحديث شيئا إلا ما سمعته منك فقال سبحان الله ما أجد أحدا يعينني على هذا الأمر لقد هممت أن أجعل أهل قم شعاري و دثاري فقلت يا أمير المؤمنين أنا أحدث عنك بما سمعته منك من الأخبار فقال نعم حدث عني بما سمعته مني من الفضائل فلما كان من الغد قعدت بين القواد في الدار فقلت حدثني أمير المؤمنين عن أبيه عن آبائه .

[153]

عن رسول الله (ص) قال من كنت مولاه فهذا علي مولاه و حدثني أمير المؤمنين عن أبيه عن آبائه قال قال رسول الله (ص) علي مني بمنزلة هارون من موسى و كنت أخلط الحديث بعضه ببعض لا أحفظه على وجهه و حدثت بحديث خيبر و بهذه الأخبار المشهورة فقال عبد الله بن مالك الخزاعي رحم الله عليا كان رجلا صالحا و كان المأمون قد بعث غلاما إلى مجلسنا يسمع الكلام فيؤديه إليه قال الريان فبعث إلي المأمون فدخلت إليه فلما رآني قال يا ريان ما أرواك للأحاديث و أحفظك لها قال قد بلغني ما قال اليهودي عبد الله بن مالك في قوله رحم الله عليا كان رجلا صالحا و الله لأقتلنه إن شاء الله و كان هشام بن إبراهيم الراشدي الهمداني من أخص الناس عند الرضا (ع) من قبل أن يحمل و كان عالما أديبا لبيبا و كانت أمور الرضا (ع) تجري من عنده و على يده و تصيره الأموال من النواحي كلها إليه قبل حمل أبي الحسن (ع) فلما حمل أبو الحسن اتصل هشام بن إبراهيم بذي الرئاستين و قربه ذو الرئاستين و أدناه فكان ينقل أخبار الرضا (ع) إلى ذي الرئاستين و المأمون فحظي بذلك عندهما و كان لا يخفى عليهما من أخباره شيئا فولاه المأمون حجابة الرضا (ع) فكان لا يصل إلى الرضا (ع) إلا من أحب و ضيق على الرضا (ع) و كان من يقصده من مواليه لا يصل إليه و كان لا يتكلم الرضا (ع) في داره بشي‏ء إلا أورده هشام على المأمون و ذي الرئاستين و جعل المأمون العباس ابنه في حجر هشام و قال له أدبه فسمي هشام العباسي لذلك قال و أظهر ذو الرئاستين عداوة شديدة لأبي الحسن الرضا (ع) و حسده على ما كان المأمون يفضله به فأول ما ظهر لذي الرئاستين من أبي الحسن (ع) أن ابنة عم المأمون كانت تحبه و كان يحبها و كان ينفتح باب حجرتها إلى مجلس المأمون و كانت تميل إلى أبي الحسن الرضا (ع) و تحبه و تذكر ذا الرئاستين و تقع فيه فقال ذو الرئاستين حين بلغه ذكرها له لا ينبغي أن يكون باب دار النساء مشرعا إلى مجلسك فأمر المأمون بسده

[154]

و كان المأمون يأتي الرضا (ع) يوما و الرضا (ع) يأتي المأمون يوما و كان منزل أبي الحسن (ع) بجنب منزل المأمون فلما دخل أبو الحسن (ع) إلى المأمون و نظر إلى الباب مسدودا قال يا أمير المؤمنين ما هذا الباب الذي سددته فقال رأى الفضل ذلك و كرهه فقال (ع) إنا لله و إنا إليه راجعون ما للفضل و الدخول بين أمير المؤمنين و حرمه قال فما ترى قال فتحه و الدخول إلى ابنة عمك و لا تقبل قول الفضل فيما لا يحل و لا يسع فأمر المأمون بهدمه و دخل على ابنة عمه فبلغ الفضل ذلك فغمه .

23-   و وجدت في بعض الكتب نسخة كتاب الحباء و الشرط من الرضا علي بن موسى (ع) إلى العمال في شأن الفضل بن سهل و أخيه و لم أرو ذلك عن أحد أما بعد فالحمد لله البدي‏ء الرفيع القادر القاهر الرقيب على عباده المقيت على خلقه الذي خضع كل شي‏ء لملكه و ذل كل شي‏ء لعزته و استسلم كل شي‏ء لقدرته و تواضع كل شي‏ء لسلطانه و عظمته و أحاط بكل شي‏ء علمه و أحصى عدده فلا يؤده كبير و لا يعزب عنه صغير الذي لا تدركه أبصار الناظرين و لا تحيط به صفة الواصفين له الخلق و الأمر و المثل الأعلى في السماوات و الأرض و هو العزيز الحكيم و الحمد لله الذي شرع للإسلام دينا ففضله و عظمه و شرفه و كرمه و جعله الدين القيم الذي لا يقبل غيره و الصراط المستقيم الذي لا يضل من لزمه و لا يهتدي من صرف عنه و جعل فيه النور و البرهان و الشفاء و البيان و بعث به من اصطفى من ملائكته إلى من اجتبى من رسله في الأمم الخالية و القرون الماضية حتى انتهت رسالته إلى محمد المصطفى (ص) فختم به النبيين و قفى به على آثار المرسلين و بعثه رحمة للعالمين و بشيرا للمؤمنين المصدقين و نذيرا للكافرين المكذبين لتكون له الحجة البالغة و ليهلك من هلك عن بينة و يحيى من حي عن بينة و إن الله لسميع عليم و الحمد لله الذي أورث أهل بيته مواريث النبوة و استودعهم العلم و الحكمة و جعلهم معدن الإمامة و الخلافة و أوجب ولايتهم و شرف منزلتهم فأمر رسوله بمسألة أمته مودتهم إذ يقول

back page fehrest page next page