الصفحة 137

أو هل ترى معاوية في خروجه على أمير المؤمنين عليه السلام ألف الجماعة ولازم الطاعة أو إنه باغ أهان سلطان الله واستذل الإمارة الحقة، وخرج عن الطاعة، وفارق الجماعة وخلع ربقة الاسلام من رأسه؟ النصوص النبوية، تأبى إلا أن يكون الرجل على رأس البغاة كما كان على رأس الأحزاب يوم كان وثنيا، وما أشبه آخره بأوله، ولذلك أمر رسول الله صلى الله عليه وآله أمير المؤمنين بقتاله، وإن من يقتل عمارا هي الفئة الباغية، ولم يختلف اثنان في أن أصحاب معاوية هم الذين قتلوه، غير أن معاوية نفسه لم يتأثر بتلك الشية ولم تثنه عن بغيه تلكم القتلة وأمثالها من الصلحاء الأبرار الذين ولغ في دمائهم.

أضف إلى ذلك أن معاوية هو الخليفة الأخير ببيعة طغام الشام وطغاتهم إن كانت لبيعتهم الشاذة قيمة في الشريعة، وقد حتم الاسلام قتل خليفة مثله بقول نبيه الأعظم صلى الله عليه وآله:

إذا بويع لخليفتين فاقتلوا الآخر منهما.

وقوله صلى الله عليه وآله: ستكون خلفاء فتكثر قالوا: فما تأمرنا؟ قال: فوا ببيعة الأول فالأول، وأعطوهم حقهم.

وقوله صلى الله عليه وآله: من بايع إماما فأعطاه صفقة يده وثمرة قلبه فليطعه إن استطاع، فإن جاء أحد ينازعه فاضربوا عنق الآخر.

وهذه الأحاديث الصحيحة الثابتة (1) هي التي تصحح الحديث الوارد في معاوية نفسه وإن ضعف إسناده عند القوم من قوله صلى الله عليه وآله وسلم: إذا رأيتم معاوية على منبري فاقتلوه (2) وهو المعاضد بما ذكره المناوي في كنوز الدقائق ص 145 من قوله صلى الله عليه وآله: من قاتل عليا على الخلافة فاقتلوه كائنا من كان.

وبعد أن ترائت الفئتان أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام وطغمة معاوية حكم فيهم كتاب الله تعالى بقوله: وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفئ إلى أمر الله (3) وبها استدل أئمة الفقه كالشافعي على قتال أهل البغي (4) وأصحاب معاوية هم الفئة الباغية بنص من

____________

(1) راجع صفحة 27، 28، 272 من هذا الجزء.

(2) راجع صفحة 142 من هذا الجزء.

(3) سورة الحجرات: 9.

(4) سنن البيهقي 8: 171.

الصفحة 138
الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله (1).

وقال محمد بن الحسن الشيباني الحنفي المتوفى 187: لو لم يقاتل معاوية عليا ظالما له متعديا باغيا كنا لا نهتدي لقتال أهل البغي (الجواهر المضيئة 2: 26).

قال القرطبي في تفسيره 16 ص 137: في هذه الآية دليل على وجوب قتال الفئة الباغية المعلوم بغيها على الإمام أو على أحد من المسلمين.

وقال: قال القاضي أبو بكر بن العربي: هذه الآية أصل في قتال المسلمين، والعمدة في حرب المتأولين، وعليها عول الصحابة، وإليها لجأ الأعيان من أهل الملة، وإياها عني النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: تقتل عمارا الفئة الباغية. وقوله عليه السلام في الخوارج: يخرجون على خير فرقة أو على حين فرقة. والرواية الأولى أصح لقوله عليه السلام: تقتلهم أولى الطائفتين إلى الحق، وكان الذي قتلهم علي بن أبي طالب ومن كان معه. فتقرر عند علماء المسلمين وثبت بدليل الدين أن عليا رضي الله عنه كان إماما، وإن كل من خرج عليه باغ وأن قتاله واجب حتى يفئ إلى الحق وينقاد إلى الصلح. ا هـ.

وقال الزيلعي في نصب الراية 4 ص 69: وأما إن الحق كان بيد علي في نوبته فالدليل عليه قول النبي صلى الله عليه وسلم لعمار: تقتلك الفئة الباغية. ولا خلاف أنه كان مع علي وقتله أصحاب معاوية، قال إمام الحرمين في كتاب الارشاد: وعلي رضي الله عنه كان إماما حقا في ولايته، ومقاتلوه بغاة، وحسن الظن بهم يقتضي أن يظن بهم قصد الخير وإن أخطأوه، وأجمعوا على أن عليا كان مصيبا في قتال أهل الجمل، وهم طلحة، والزبير، وعائشة، ومن معهم، وأهل صفين وهم معاوية وعسكره وقد أظهرت عائشة الندم. ا هـ (2).

وحقا قالت عائشة: ما رأيت مثل ما رغبت عنه هذه الأمة من هذه الآية: وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا (3) وأم المؤمنين هي أول من رغبت عن هذه الآية وضيعت حكمها، وخالفها وخرجت من عقر دارها، وتركت خدرها وتبرجت تبرج الجاهلية الأولى، وحاربت إمام زمانها، ولعلها ندمت وبكت حتى بلت خمارها، ولما...

____________

(1) راجع ما أسلفناه في الجزء الثالث.

(2) هكذا حكاه الزيلعي عن الارشاد وأنت تجده محرفا عند الطبع، راجع الارشاد ص 433.

(3) السنن الكبرى للبيهقي 7: 172، مستدرك الحاكم 2: 156.

الصفحة 139
ومن هنا وهناك كان مولانا أمير المؤمنين عليه السلام يوجب قتال أهل الشام ويقول: لم أجد بدا من قتالهم أو الكفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم. وفي لفظ: ما هو إلا الكفر بما نزل على محمد، أو قتال القوم (1).

وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يأمر وجوه أصحابه كأمير المؤمنين، وأبي أيوب الأنصاري وعمار بن ياسر، بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين، وقد مرت أحاديثه في الجزء الثالث ص 167 - 170 وكان من المتفق عليه عند السلف: إن القاسطين هم أصحاب معاوية.

فبأي حجة ولو كانت داحضة كان معاوية الذي يجب قتله وقتاله يستسيغ محاربة علي أمير المؤمنين؟ وبين يديه كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وآله وسلم إن كان ممن يقتص أثرهما وفي الذكر الحكيم قوله سبحانه: فإن تنازعتم في شيئ فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر (2) ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون (3) ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون (4) ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون. (5) فلم يكن القتال أول فاصل لنزاع الأمة قبل الرجوع إلى محكمات الكتاب، وما فيه فصل الخطاب من السنة المباركة، ولذلك كان مولانا أمير المؤمنين يتم عليهم الحجة بكتابه وخطابه منذ بدء الأمر برفع الخصومة إلى الكتاب الكريم وهو عدله، وكان يخاطب وفد معاوية ويقول: ألا إني أدعوكم إلى كتاب الله عز وجل وسنة نبيه (تاريخ الطبري 6: 4) ومن كتاب له عليه السلام إلى معاوية ومن قبله من قريش قوله: ألا وإني أدعوكم إلى كتاب الله وسنة نبيه، وحقن دماء هذه الأمة.

شرح نهج البلاغة 1: 19.

____________

(1) نهج البلاغة 1: 94، كتاب صفين ص 542، مستدرك الحاكم 3: 115، الشفا للقاضي عياض، شرح ابن أبي الحديد 1: 183، البحر الزخار 5: 415.

(2) سورة النساء: 59.

(3) سورة المائدة: 44.

(4) سورة المائدة: 47.

(5) سورة المائدة: 45.

الصفحة 140
فلم يعبئوا به إلا بعد ما اضطروا إلى التترس به، وقد أخبر بذلك الإمام قبل وقوع الواقعة فيما كتب إلى معاوية: وكأني بك غدا وأنت تضج من الحرب ضجيج الجمال من الأثقال، وستدعوني أنت وأصحابي إلى كتاب تعظمونه بألسنتكم، وتجحدونه بقلوبكم. شرح ابن أبي الحديد 3: 411، ج 4: 50.

وفي كتاب آخر له عليه السلام إليه وكأني بجماعتك تدعوني - جزعا من الضرب المتتابع والقضاء الواقع، ومصارع بعد مصارع - إلى كتاب الله، وهي كافرة جاحدة، أو مبايعة حائدة (نهج البلاغة 2: 12) فقد صدق الخبر الخبر واتخذوه جنة مكرا وخداعا يوم رفعت المصاحف وكانوا كما قال مولانا أمير المؤمنين يومئذ: عباد الله إني أحق من أجاب إلى كتاب الله، ولكن معاوية، وعمرو بن العاص، وابن أبي معيط، وحبيب بن مسلمة، وابن أبي سرح، ليسوا بأصحاب دين ولا قرآن، إني أعرف بهم منكم، صحبتهم أطفالا، وصحبتهم رجالا، فكانوا شر أطفال وشر رجال، إنها كلمة حق يراد بها الباطل، إنهم والله ما رفعوها إنهم يعرفونها ويعملون بها، ولكنها الخديعة والوهن والمكيدة (1).

ولم يأل الرسول الكريم صلى الله عليه وآله وسلم جهدا في تحذير المسلمين عن التورط في هذه الفتنة العمياء بخصوصها، ويعرفهم مكانة أمير المؤمنين، ويكرههم مسه بشئ من الأذى من قتال أو سب أو لعن أو بغض أو تقاعد عن نصرته، ويحثهم على ولائه و اتباعه واقتصاص أثره والكون معه بعد ما قرن الله ولايته بولايته وولاية الرسول وطاعته بطاعتهما فقال: إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون (2) وقوله تعالى: (3) يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم (4).

لكن معاوية لم يقنعه الكتاب والسنة فباء بتلكم الآثام كلها، وجانب هاتيك الأحكام الواجبة جمعاء، فكان من القاسطين وهو يرأسهم، وأما القاسطون فكانوا لجهنم حطبا (5)

____________

(1) راجع ما أسلفناه من كلمات الإمام عليه السلام ففيها المقنع لطالب الحق.

(2) راجع ما فصلناه في الجزء الثاني ص 52 ط 2، وص 58، و ج 3 ص 141 - 147.

(3) سورة النساء: 59.

(4) صحيح البخاري باب التفسير، كتاب الأحكام، صحيح مسلم 6: 13.

(5) سورة الجن: 15.

الصفحة 141
نعم: لم يقنع معاوية قوله صلى الله عليه وآله: علي مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي.

وقوله صلى الله عليه وآله: من كنت مولاه فعلي مولاه، أللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله.

وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: من أطاعني فقد أطاع الله، ومن عصاني فقد عصى الله، ومن أطاع عليا فقد أطاعني، ومن عصى عليا فقد عصاني.

وقوله صلى الله عليه وآله: إني تارك فيكم الثقلين: كتاب الله وعترتي أهل بيتي، إنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض، فانظروني. بم تخلفوني فيهما.

وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: من يريد أن يحيى حياتي، ويموت مماتي، ويسكن جنة الخلد التي وعدني ربي فليتول علي بن أبي طالب، فإنه لن يخرجكم من هدى، ولن يدخلكم في ضلالة.

وقوله صلى الله عليه وآله: إن رب العالمين عهد إلي عهدا في علي بن أبي طالب فقال: إنه راية الهدى، ومنار الإيمان، وإمام أوليائي، ونور جميع من أطاعني.

وقوله صلى الله وعليه وآله وسلم: عنوان صحيفة المؤمن حب علي بن أبي طالب.

وقوله صلى الله عليه وآله: لما نظر إلى علي وفاطمة والحسن والحسين: أنا حرب لمن حاربكم، وسلم لمن سالمكم.

وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: علي مني وأنا منه، وهو ولي كل مؤمن بعدي.

وقوله صلى الله عليه وآله وسلم له: أنت وليي في كل مؤمن بعدي.

وقوله صلى الله عليه وآله في حديث: علي أمير المؤمنين، إمام المتقين، وقائد الغر المحجلين إلى جنات رب العالمين، أفلح من صدقه، وخاب من كذبه، ولو أن عبدا عبد الله بين - الركن والمقام ألف عام وألف عام، حتى يكون كالشن البالي ولقي الله مبغضا لآل محمد أكبه الله على منخره في نار جهنم.

وقوله صلى الله عليه وآله له: لا يحبك إلا مؤمن، ولا يبغضك إلا منافق.

وقوله صلى الله عليه وآله آخذا بيد الحسن والحسين: من أحبني وأحب هذين وأباهما و أمهما كان معي في درجتي يوم القيامة.

الصفحة 142
وقوله صلى الله عليه وآله: علي مني بمنزلة رأسي من بدني.

وقوله صلى الله عليه وآله، والذي نفسي بيده لا يبغضنا أهل البيت أحد إلا أدخله الله النار.

وقوله صلى الله عليه وآله له: يا علي طوبى لمن أحبك وصدق فيك، وويل لمن أبغضك و كذب فيك.

وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: من أحبني فليحب عليا، ومن أبغض عليا فقد أبغضني، ومن أبغضني فقد أبغض الله عز وجل، ومن أبغض الله أدخله النار.

وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: لا تسبوا عليا فإنه ممسوس بذاك الله.

وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: هذا أمير البررة، قاتل الفجرة، منصور من نصره، مخذول من خذله.

وقوله صلى الله عليه وآله: من آذى عليا فقد آذاني.

وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: من أحب عليا فقد أحبني، ومن أبغض عليا فقد أبغضني.

وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: أوحي إلي في علي ثلاث: إنه سيد المسلمين، وإمام المتقين، و قائد الغر المحجلين.

وقوله صلى الله عليه وآله: من سب عليا فقد سبني، ومن سبني فقد سب الله عز وجل، ومن سب الله كبه الله على منخريه في النار.

وقوله: صلى الله عليه وآله: لو أن عبدا عبد الله سبعة آلاف سنة ثم أتى الله عز وجل ببغض علي بن أبي طالب جاهدا لحقه، ناكثا لولايته، لأتعس الله خيره، وجدع أنفه.

وقوله صلى الله عليه وآله في علي عليه السلام: سجيته سجيتي، ودمه دمي، وهو عيبة علمي، لو أن عبدا من عباد الله عز وجل عبد الله ألف عام بين الركن والمقام ثم لقي الله عز وجل مبغضا لعلي بن أبي طالب وعترتي أكبه الله على منخره يوم القيامة في نار جهنم.

وقوله صلى الله عليه وآله لعلي: يا علي لو أن أمتي صاموا حتى يكونوا كالحنايا، وصلوا حتى يكونوا كالاوتار، ثم أبغضوك لأكبهم الله في النار وقوله صلى الله عليه وآله: لا يجوز أحد الصراط إلا من كتب علي الجواز.

وقوله صلى الله عليه وآله: لا يجوز أحد الصراط إلا ومعه براة بولايته وولاية أهل بيته، يشرف على الجنة، فيدخل محبيه الجنة، ومبغضيه النار.

وقوله صلى الله عليه وآله: معرفة آل محمد براءة من النار، وحب آل محمد جواز على الصراط،

الصفحة 143
والولاية لآل محمد أمان من العذاب.

وقوله صلى الله عليه وآله: يا أيها الناس، أوصيكم بحب ذي قرنيها أخي وابن عمي علي بن أبي طالب، فإنه لا يحبه إلا مؤمن، ولا يبغضه إلا منافق.

وقوله صلى الله عليه وآله: سيكون بعدي قوم يقاتلون عليا، على الله جهادهم، فمن لم يستطع جهادهم بيده فبلسانه، فمن لم يستطع بلسانه فبقلبه، ليس وراء ذلك شيئ.

وقوله صلى الله عليه وآله لعلي: أنت وشيعتك تأتي يوم القيامة أنت وهم راضين مرضيين، و يأتي أعداؤك غضابا مقمحين. قال: ومن عدوي؟ وقال: من تبرأ منك ولعنك.

وقوله صلى الله عليه وآله: مثل أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق.

وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: ألزموا مودتنا أهل البيت، فإنه من لقي الله عز وجل وهو يودنا دخل الجنة بشفاعتنا، والذي بيده لا ينفع عبدا عمله إلا بمعرفة حقنا.

وقوله صلى الله عليه وآله: لو أن رجلا صفن بين الركن والمقام فصلى وصام ثم لقي الله وهو مبغض لأهل بيت محمد دخل النار.

وقوله صلى الله عليه وآله: إن الله جعل أجري عليكم المودة في أهل بيتي وإني سائلكم غدا عنهم.

وقوله صلى الله عليه وآله: وقفوهم إنهم مسئولون عن ولاية علي وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: أنا وأهل بيتي شجرة في الجنة وأغصانها في الدنيا، فمن تمسك بنا اتخذ إلى ربه سبيلا.

وقوله صلى الله عليه وآله: وقد خيم خيمة وفيها علي وفاطمة والحسن والحسين: معشر المسلمين أنا سلم من سالم أهل الخيمة، حرب لمن حاربهم، ولي لمن والاهم، لا يحبهم إلا سعيد الجد، طيب المولد، ولا يبغضهم إلا شقي الجد ردئ المولد.

40 - وقوله صلى الله عليه وآله: إذا جمع الله الأولين والآخرين يوم القيامة ونصب الصراط على جسر جهنم ما جازها أحد حتى كانت معه براءة بولاية علي بن أبي طالب.

هذا مولانا أمير المؤمنين وهذا غيض من فيض مما جاء في ولائه وعدائه، فأي صحابي عادل عاصر نبي الرحمة ووعى منه هاتيك الكلمات الدرية وشاهد مولانا عليه السلام

الصفحة 144
وعرف انطباقها عليه بتمام معنى الكلمة، ثم ينحاز عنه ويتخذ سبيلا غير سبيله فيبغي به الغوائل، ويتربص به الدوائر، ويقع فيه بملء فمه وحشو فؤاده، ويرميه بقذائف الحقد والشنئان؟! لعلك لا تجد مسلما هو هكذا غير من ألهته العصبية عن الهدى، و تدهورت به إلى هوة الشهوات السحيقة، ولعلك لا تجد ذلك الرجل البائس إلا ابن أبي سفيان المجابه للكتاب والسنة بعد الانكار بقلبه بالهزء والسخرية بلسانه، فعل مردة الوقت وطواغيت الأمة، فتراه عند ما روى له سعد بن أبي وقاص أحد العشرة المبشرة أحاديث مما سمعه عن رسول الله صلى الله عليه وآله في علي عليه السلام ونهض ليقوم ضرط له معاوية استهزاء كما مر حديثه في هذا الجزء ص 258.

وحينما ذكر له أبو ذر الغفاري ذلك الصادق المصدق قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:

إست معاوية في النار. جابهه بالضحك وأمر بحبسه.

ولما بقر عبد الرحمن بن سهل الأنصاري روايا خمر لمعاوية وبلغه شأنه قال:

دعوه فإنه شيخ قد ذهب عقله (1). يستهزأ إنكاره على تلك الكبيرة الموبقة، وليت شعري بم هذا الهزأ والسخرية؟ أبالصحابي العادل؟ أم بمن استند إليه في حكمه بتحريم الخمر؟ أم بالشريعة التي جاءت به؟ إن ابن آكلة الأكباد بمقربة من كل ذلك، أو إنه لا يدين الله بذلك الحكم البات؟

ولما سمع من عمرو بن العاص ما حدثه عن رسول الله صلى الله عليه وآله من قوله لعمار تقتلك الفئة الباغية. قال لعمرو: إنك شيخ أخرق، ولا تزال تحدث بالحديث، وأنت ترحض في بولك، أنحن قتلناه؟ إنما قتله علي وأصحابه، جاؤا به حتى ألقوه بين رماحنا. وقال: أفسدت علي أهل الشام، أكل ما سمعت من رسول الله تقوله؟ (2)

أهذا هزء؟ أم أن معاوية بلغ من السفاهة مبلغا يحسب معه أن أمير المؤمنين هو قاتل عمار، إذن فما قوله في سيد الشهداء حمزة وجعفر الطيار؟ (3) أكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قاتلهما يوم ألقاهما بين رماح المشركين وسيوفهم؟ لا تستبعد مكابرة الطاغية

____________

(1) راجع ما مر في هذا الجزء ص 181.

(2) أسلفنا تفصيله في الجزء الأول ص 329 ط 2.

(3) بهذا أجاب الإمام أمير المؤمنين عليه السلام عن كلام الرجل كما في تاريخ الخميس 2:

277.

الصفحة 145
بقوله: إن رسول الله قتلهما. أو إن الرجل وجد حمرا مستنفرة فألجمها وألجم مراشدها بتلكم التمويهات؟ وكل هذه معقولة غير مستعصية على استقراء أعمال معاوية وأفعاله.

ثم ماذا يعني بقوله: أفسدت علي... أيريد كبحا أمام جري السنة الشريفة؟

أو يروم إسدال غطاء على مجاليها؟ أو الإعراض عن مدلولها لأنه لا يلائم خطته؟ ولا يستبعد شيئ من ذلك ممن طبع الله على قلبه وهو ألد الخصام.

ولما حدثه عبادة بن الصامت حديث حرمة الربا (1) وقد نطق بها القرآن الكريم فقال: اسكت عن هذا الحديث ولا تذكره. فقال عبادة: بلى وإن رغم أنف معاوية. ولما سمع من عبادة حديثه عن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: إن هذا لا يقول شيئا.

فلم يك يرى قول رسول الله صلى الله عليه وآله شيئا يعبأ به ويصاخ إليه، ويعدل عليه.

ولما قدم المدينة لقيه أبو قتادة الأنصاري (2) فقال له معاوية: يا أبا قتادة! تلقاني الناس كلهم غيركم يا معشر الأنصار! ما منعكم؟ قال: لم يكن معنا دواب. فقال معاوية:

فأين النواضح؟ قال أبو قتادة: عقرناها في طلبك وطلب أبيك يوم بدر. قال: نعم يا أبا قتادة! قال أبو قتادة: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لنا: إنا سنرى بعده أثرة. قال معاوية:

فما أمركم به عند ذلك؟ قال: أمرنا بالصبر. قال: فاصبروا حتى تلقوه. قال عبد الرحمن بن حسان حين بلغه قول معاوية:

ألا أبلغ معاوية بن صخر * أمير المؤمنين عني كلامي
فأنا صابرون ومنظروكم * إلى يوم التغابن والخصام (3)

وحق القول: إن المخذول لا يخضع لهتاف النبوة، ولا إنهم سوف يلقون صاحبها، ويرفعون إليه ظلامتهم، فيحكم لهم على من استأثر عليهم، وحسبه ذلك إلحادا وبغيا.

____________

(1) مر حديثه في هذا الجزء ص 185.

(2) في رواية ابن عساكر: عبادة بن صامت الأنصاري.

(3) الاستيعاب 1: 255، تاريخ ابن عساكر 7: 213، تاريخ الخلفاء للسيوطي ص 134.

الصفحة 146
وفي رواية أن أبا أيوب أتى معاوية فشكا إليه أن عليه دينا فلم ير منه ما يحب فرأى أمرا كرهه فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إنكم سترون بعدي أثرة.

قال: فأي شئ قال لكم؟ قال: أمرنا بالصبر. قال: فاصبروا. قال: فوالله لا أسألك شيئا أبدا (1).

وفي لفظ: دخل أبو أيوب على معاوية فقال: صدق رسول الله إنكم سترون بعدي أثرة فعليكم بالصبر. فبلغت معاوية فقال: صدق رسول الله أنا أول من صدقه.

فقال أبو أيوب: أجرأة على الله وعلى رسوله؟ لا أكلمه أبدا ولا يأويني وإياه سقف بيت. تاريخ ابن عساكر 5: 42.

وفي لفظ الحاكم: إن أبا أيوب أتى معاوية فذكر حاجة له فجفاه ولم يرفع به ورأسا فقال أبو أيوب: أما إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أخبرنا أنه سيصيبنا بعده أثرة قال: فبم أمركم؟ قال: أمرنا أن نصبر حتى نرد عليه الحوض. قال: فاصبروا إذا.

فغضب أبو أيوب وحلف أن لا يكلمه أبدا. الخصايص الكبرى 2: 15.

وحضر أبو بكرة مجلس معاوية فقال له: حدثنا يا أبا بكرة: فقال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: الخلافة ثلاثون ثم يكون الملك. قال عبد الرحمن بن أبي بكرة: وكنت مع أبي فأمر معاوية فوجئ في أقفائنا حتى أخرجنا. (2)

ولعلك تعرف خبيئة ضمير معاوية بما حدثه ابن بكار في (الموفقيات) عن مطرف بن المغيرة بن شعبة الثقفي قال: سمعت المدائني يقول: قال مطرف بن المغيرة: وفدت مع أبي المغيرة إلى معاوية فكان أبي يأتيه يتحدث عنده ثم ينصرف إلي فيذكر معاوية.

ويذكر عقله ويعجب مما يرى منه إذ جاء ذات ليلة فأمسك عن العشاء فرأيته مغتما فانتطرته ساعة وظننت إنه لشيئ حدث فينا أو في عملنا فقلت له: مالي أراك مغتما منذ الليلة؟ قال: يا بني إني جئت من عند أخبث الناس. قلت له: وما ذاك؟ قال: قلت له وقد خلوت به: إنك قد بلغت منا يا أمير المؤمنين! فلو أظهرت عدلا، وبسطت خيرا، فإنك قد كبرت ولو نظرت إلى إخوتك من بني هاشم فوصلت أرحامهم فوالله ما عندهم

____________

(1) تاريخ ابن عساكر 5: 41.

(2) أخرجه ابن سعد كما في النصايح الكافية 159 ط 1.

الصفحة 147
اليوم شيئ تخافه. فقال لي: هيهات هيهات ملك أخو تيم فعدل وفعل ما فعل، فوالله ما غدا أن هلك فهلك ذكره إلا أن يقول قائل: أبو بكر، ثم ملك أخو عدي فاجتهد و شمر عشر سنين، فوالله ما غدا أن هلك فهلك ذكره إلا أن يقول قائل: عمر، ثم ملك أخونا عثمان فملك رجل لم يكن أحد في مثل نسبه فعمل ما عمل وعمل به فوالله ما غدا أن هلك فهلك ذكره وذكر ما فعل به، وإن أخا هاشم يصرخ به في كل يوم خمس مرات: أشهد أن محمدا رسول الله. فأي عمل يبقى مع هذا لا أم لك، والله إلا دفنا دفنا؟. (1)

فهل تجد إذن عند معاوية إذعانا بما جاء من الكتاب في علي عليه السلام؟ أو تراه مخبتا إلى شيئ من الكثير الطيب الوارد عن رسول الله صلى الله عليه وآله في الثناء على الإمام الطاهر؟ حينما عاداه وأبغضه ونقصه وسبه وهتك حرماته وآذاه وقذفه بالطامات وحاربه وقاتله و تخلف عن بيعته وخرج عليه.

أو ترى أن يسوغ لمسلم صدق نبيه ولو في بعض تلكم الآثار والمآثر أن يبوح بما كتبه ابن هند إلى الإمام عليه السلام من الكلم القارصة بمثل قوله في كتاب له إليه عليه السلام:

ثم تركك دار الهجرة التي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عنها: إن المدينة لتنفي خبثها، كما ينفي الكير خبث الحديد. فلعمري لقد صح وعده، وصدق قوله، ولقد نفت خبثها وطردت عنها من ليس بأهل أن يستوطنها فأقمت بين المصرين، وبعدت عن بركة الحرمين، ورضيت بالكوفة بدلا من المدينة، وبمجاورة الخورنق والحيرة عوضا عن مجاورة خاتم النبوة.

ومن قبل ذلك ما عيبت خليفتي رسول الله صلى الله عليه وسلم أيام حياتهما فقعدت عنهما، و ألبت عليهما، وامتنعت من بيعتهما، ورمت أمرا لم يرك الله تعالى له أهلا، ورقيت سلما وعرا، وحاولت مقاما دحضا (2) وادعيت ما لم تجد عليه ناصرا، ولعمري لو وليتها حينئذ لما ازدادت إلا فسادا واضطرابا، ولا أعقبت ولايتكها إلا انتشارا وارتدادا، لأنك الشامخ بأنفه، الذاهب بنفسه، المستطيل على الناس بلسانه ويده.

____________

(1) مروج الذهب 2: 341.

(2) مكان دحض بالفتح ويحرك: زلق.

الصفحة 148
وها أنا سائر إليك في جمع من المهاجرين والأنصار، تحفهم سيوف شامية، و رماح قحطانية، حتى يحاكموك إلى الله، فانظر لنفسك وللمسلمين وادفع إلي قتلة عثمان فإنهم خاصتك وخلصاؤك المحدقون بك، فإن أبيت إلا سلوك سبيل اللجاج والاصرار على الغي والضلال، فاعلم أن هذه الآية إنما نزلت فيك وفي أهل العراق معك: وضرب الله مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون.

وقوله في كتاب له: وإن كنت موائلا فازدد غيا إلى غيك، فطالما خف عقلك، ومنيت نفسك ما ليس لك، والتويت على من هو خير منك، ثم كانت العاقبة لغيرك، و احتملت الوزر بما أحاط بك من خطيئتك.

وقوله في كتاب له أيضا: فدعني من أساطيرك، واكفف عني من أحاديثك، و أقصر عن تقولك على رسول الله صلى الله عليه وسلم وافترائك من الكذب ما لم يقل، وغرور من معك والخداع لهم، فقد استغويتهم ويوشك أمرك أن ينكشف لهم فيعتزلوك، ويعلموا أن ما جئت به باطل مضمحل.

وقوله من كتاب آخر له: فما أعظم الرين على قلبك، والغطاء على بصرك، الشره من شيمتك، والحسد من خليقتك.

وقوله في كتاب له إليه عليه السلام: فدع الحسد، فإنك طالما لم تنتفع به، ولا تفسد سابقة جهادك بشرة نخوتك، فإن الأعمال بخواتيمها، ولا تمحص سابقتك بقتال من لا حق لك في حقه، فإنك إن تفعل لا تضر بذلك إلا نفسك، ولا تمحق إلا عملك، ولا تبطل إلا حجتك، ولعمري إن ما مضى لك من السابقات لشبيه أن يكون ممحوقا لما اجترأت عليه من سفك الدماء، وخلاف أهل الحق، فاقرأ السورة التي يذكر فيها الفلق، وتعوذ من نفسك، فإنك الحاسد إذا حسد.

وقوله من كتاب له إليه عليه السلام: فلما استوثق الاسلام وضرب بجرانه، عدوت عليه، فبغيته الغوائل، ونصبت له المكايد، وضربت له بطن الأمر وظهره، ودسست عليه وأغريت به، وقعدت - حين استنصرك - عن نصره، وسألك أن تدركه قبل أن يمزق فما أدركته، وما يوم المسلمين منك بواحد، لقد حسدت أبا بكر والتويت عليه، و

الصفحة 149
رمت إفساد أمره، وقعدت في بيتك، واستغويت عصابة من الناس حتى تأخروا عن بيعته، ثم كرهت خلافة عمر وحسدته، واستطالت مدته وسررت بقتله، وأظهرت الشماتة بمصابه، حتى إنك حاولت قتل ولده لأنه قتل قاتل أبيه، ثم لم تكن أشد منك حسدا لابن عمك عثمان. إلخ.

وقوله في كتاب له إليه عليه السلام: أما بعد: فإنا كنا نحن وإياكم يدا جامعة، وألفة أليفة، حتى طمعت يا بن أبي طالب! فتغيرت وأصبحت تعد نفسك قويا على من عاداك بطغام أهل الحجاز، وأوباش أهل العراق، وحمقى الفسطاط، وغوغاء السواد، وأيم الله لينجلين عنك حمقاها، ولينقشعن عنك غوغاؤها انقشاع السحاب عن السماء.

قتلت عثمان بن عفان، ورقيت سلما أطلعك الله عليه مطلع سوء، عليك لا لك وقتلت الزبير وطلحة، وشردت أمك عائشة، ونزلت بين المصرين فمنيت وتمنيت، وخيل لك أن الدنيا فد سخرت لك بخيلها ورجلها، وإنما تعرف أمنيتك، لو قد زرتك في المهاجرين من الشام بقية الاسلام، فيحيطون بك من ورائك، ثم يقضي الله علمه فيك، والسلام على أولياء الله (1).

فأي أحد من غوغاء الناس ومن جهلة الأمة يحسب في صاحب هذه الكلمات المخزية نزعة دينية؟ أو حياءا وانقباضا في النفس ولو قيد شعرة؟ أو بخوعا إلى كتاب الله وهو يطهر أهل البيت وعلي سيد العترة، ويراه نفس النبي صلى الله عليه وآله وقرن ولايته بولاية الله وولاية رسوله وطاعته بطاعتهما؟!

نعم: هكذا فليكن رضيع ثدي هند، وربيب حجر حمامة، والناشئ تحت راية البغاء، ووليد بيت أمية، وثمرة تلك الشجرة الملعونة في القرآن، هكذا يسرف معاوية في القول، ويجازف مفرطا فيه، وما يلفظ من قول إلا ولديه رقيب عتيد، وهو سرف الفؤاد لا يعبأ بما تلقته الأمة بالقبول من قول نبيها في علي عليه السلام: أنت الصديق الأكبر، أنت الفاروق الذي تفرق بين الحق والباطل، وأنت يعسوب الدين.

وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: علي مع القرآن والقرآن معه لا يفترقان حتى يردا علي الحوض.

____________

(1) توجد هذه الكتب على تفصيلها في شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 3: 41، 412، 448، و ج 4: 50، 51، 201، وهي مبثوثة في جمهرة الرسائل 1 ص 398 - 483.

الصفحة 150
وقوله صلى الله عليه وآله: علي مع الحق والحق مع علي ولن يفترقا حتى يردا علي الحوض يوم القيامة.

إلى مئات أو ألوف مما جاء في علي عليه السلام بلسان سيد العالمين نبي الأمة صلى الله عليه وآله.

بلغ الطاغية من عداء سيد العترة حدا لا يستطيع أن يسمع اسمه عليه السلام وكان ينهى عن التسمية به، يروى أن علي بن أبي طالب عليه السلام افتقد عبد الله بن العباس فقال: ما بال أبي العباس لم يحضر؟ فقالوا: ولد له مولود فلما صلى علي قال: امضوا بنا إليه فأتاه فهناه فقال: شكرت الواهب وبورك لك في الموهوب، ما سميته؟ قال: أو يجوز لي أن اسميه حتى تسميه. فأمر به فأخرج إليه فأخذه وحنكه ودعا له ثم رده إليه وقال: خذه إليك أبا الأملاك قد سميته عليا وكنيته أبا الحسن. فلما قام معاوية قال لابن عباس:

ليس لكم اسمه وكنيته قد كنيته أبا محمد. فجرت عليه. (1) فكان بنو أمية إذا سمعوا بمولود اسمه علي قتلوه (2) فكان الناس يبدلون أسماء أولادهم، قاله زين الدين العراقي.

- 17 -
هنات وهنابث
في ميزان ابن هند

1 - لما قتل نعيم بن صهيب بن العلية فأتى ابن عمه وسميه نعيم بن الحارث بن العلية معاوية، وكان معه، فقال: إن هذا القتيل ابن عمي فهبه لي أدفنه. فقال: لا ندفنهم فليسوا أهلا لذلك، فوالله ما قدرنا على دفن عثمان معهم إلا سرا قال: والله لتأذنن في دفنه أو لألحقن بهم ولأدعنك. فقال له معاوية: ويحك ترى أشياخ العرب لا تواريهم وأنت تسألني دفن ابن عمك. ثم قال له: ادفنه إن شئت أو دع. فأتاه فدفنه (3).

2 - لما قتل عبد الله بن بديل أقبل إليه معاوية وعبد الله بن عامر حتى وقفا عليه، فأما عبد الله فألقى عمامته على وجهه وترحم عليه وكان صديقه، فقال معاوية:

____________

(1) كامل المبرد 2: 157.

(2) تهذيب التهذيب 7: 319.

(3) كتاب صفين لابن مزاحم ص 293 ط مصر، تاريخ الطبري 6: 14، شرح ابن أبي الحديد 1: 489.

الصفحة 151
اكشف عن وجهه فقال: لا والله لا يمثل به وفي روح. فقال معاوية: اكشف عن وجهه فإنا لا نمثل به فقد وهبته لك (1). وذكر النسابة أبو جعفر البغدادي في [المحبر] ص 479 مما كتبه معاوية إلى زياد بن سلمة: من كان على دين علي ورأيه فاقتله وامثل به يأتي الحديث بتمامه.

3 - قد كان معاوية (يوم صفين) نذر في سبي نساء ربيعة وقتل المقاتلة فقال في ذلك خالد بن المعمر:

تمنى ابن حرب نذرة في نسائنا * ودون الذي ينوي سيوف قواضب
ونمنح ملكا أنت حاولت خلعه * بني هاشم قول امرئ غير كاذب (2)

4 - ذكر الباوردي أن عمير بن قرة الليثي الصحابي ممن شهد صفين من الصحابة، وكان شديدا على معاوية وأهل الشام حتى حلف معاوية لئن ظفر به ليذيبن الرصاص في أذنيه (3).

هذه هنات موبقة ومحظورات مسلمة من بوائق ابن هند الكثيرة قد ارتكبها أو صمم أن يقترفها في صفين، فهل من الدين الحنيف منعه عن دفن من قتل تحت راية الحق مع أمير المؤمنين عليه السلام مع وجوب الاسراع في دفن كل مؤمن؟ فهل كان أولئك الصلحاء من الصحابة الأولين والتابعين لهم بإحسان عند معاوية خارجين عن الدين؟

أو أنه كان يتبع فيهم هواه المردي، ويشفي بذلك غيظه منهم على نصرتهم الحق؟ وكم عند معاوية من مخازي أمثال هذه تقع عن الدين المبين بمعزل؟!.

أفهل تسوغ مثلة المسلم المخالف هواه هوى ابن آكلة الأكباد؟ والمثلة محرمة حتى بالحيوان حتى بالكلب العقور (4) فكيف بصلحاء المؤمنين؟ وقد لعن رسول الله صلى الله عليه وآله من مثل بالحيوان (5).

____________

(1) كتاب صفين ص 277 ط مصر، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 1: 486.

(2) كتاب صفين ص 231 ط مصر.

(3) الإصابة لابن حجر 3: 35.

(4) أخرجه الطبراني من طريق على أمير المؤمنين وذكره الزيلعي في نصب الراية 3:

120، والسرخسي في شرح السير الكبير 1: 78.

(5) أخرجه البخاري في صحيحه باب ما يكره من المثلة من طريق ابن عمر.