اجتماعيات

 

أنت أولى بما ترى(1)

كانت فاطمة (عليها السّلام) ﻻ يذكرها أحد لرسول الله (صلى الله عليه وآله) إلاّ أعرض عنه، حتّى آيس النّاس منها، فلمّا أراد أن يزوّجها من عليّ (عليه السّلام) أسرّ إليها، فقالت:

يا رسول الله، أنت أولى بما ترى، غير أنّ نساء قريش تحدّثني عنه: أنّه رجل دحداح(2) البطن، طويل الذّراعين، ضخم الكراديس(3) أنزع(4) عظيم العينين والسكنة(5)، [لمنكبيه مشاشتان كمشاشتي البعير] ضاحك السنّ ﻻ مال له.

فقال لها رسول الله (صلى الله عليه وآله). يا فاطمة! أما علمت أن الله أشرف على الدنيا فاختارني على رجال العالمين.

ثمّ اطّلع فاختار عليّاً على رجال العالمين.

ثمّ اطّلع فاختارك على نساء العالمين؟!

يا فاطمة! إنّه لمّا أُسري بي إلى السماء وجدت مكتوباً على صخرة بيت المقدس: ﻻ إله إلاّ الله، محمّد رسول الله، أيّدته بوزيره، ونصرته بوزيره.

فقلت لجبرئيل: ومن وزيري؟ فقال: عليّ بن أبي طالب.

فلما انتهيت إلى سدرة المنتهى وجدت مكتوباً عليها: إني أنا الله لا إله إلا أنا وحدي، محمد صفوتي، أيدته ونصرته بوزيره، ونصرته بوزيره، فقلت لجبرئيل: ومن وزيري؟ قال: علي بن أبي طالب (عليه السلام) .

فلمّا جاوزت السدرة، انتهيت إلى عرش ربّ العالمين، وجدت مكتوباً على كلّ قائمة من قوائم العرش: أنا الله ﻻ إله إلاّ أنا، محمد حبيبي، أيّدته بوزيره، ونصرته بوزيره.

فلمّا دخلت الجنّة رأيت في الجنّة شجرة طوبى،

أصلها في دار عليّ، وما في الجنّة قصر ولا منزل إلاّ وفيها فتر(6) منها.

وأعلاها أسفاط حلل من سندس واستبرق، يكون للعبد المؤمن ألف ألف سفط، في كلّ سفط مائة ألف حلّة، مافيه حلّة تشبه الاخرى، على ألوان مختلفة، وهو ثياب أهل الجنّة، وسطها ظلّ ممدود، عرض الجنّة كعرض السماء والأرض، أعدّت للّذين آمنوا بالله ورسوله، يسير الراكب في ذلك الظلّ مسيرة مائة عام فلا يقطعه، وذلك قوله تعالى: (وظلّ ممدود)(7)، وأسفلها ثمار أهل الجنّة، وطعامهم متدلّل(8) في بيوتهم، يكون في القضيب منها، مائة لون من الفاكهة، ممّا رأيتم في دار الدنيا ومالم تروه، وما سمعتم به، وما لم تسمعوا مثلها.

وكلّما يجتني منها شيء نبتت مكانها أُخرى: (لا مَقْطُوعَةٍ وَلا مَمْنُوعَةٍ)(9)، ويجري نهر في أصل تلك الشجرة، تنفجر منها الأنهار الأربعة: (أَنْهارٌ مِنْ ماءٍ غَيْرِ آسِن(10) وَأَنْهارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى)(11).

يا فاطمة، إنّ الله أعطاني في عليّ سبع خصال:

هو أوّل من ينشقّ عنه القبر معي.

وأوّل من يقف معي على الصراط فيقول للنار: خذي ذا، وذري ذا.

وأوّل من يكسى إذا كسيت.

وأوّل من يقف معي على يمين العرش.

وأوّل من يقرع معي باب الجنّة.

وأوّل من يسكن معي علّيين.

وأولّ من يشرب معي من الرحيق المختوم(12) (خِتامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذلِكَ فَلْيَتَنافَسِ الْمُتَنافِسُونَ)(13).

يا فاطمة! هذا ما أعطاه الله عليّاً في الآخرة، وأعدّ له في الجنّة، إذا كان في الدنيا لامال له.

فأمّا ما قلت: إنّه بطين، فإنّه مملوء من علم، خصّه الله به وأكرمه من بين أُمّتي.

وأمّا ما قلت: إنّه أنزع عظيم العينين، فإنّ الله خلقه بصفة آدم (عليه السّلام).

وأمّا طول يديه، فإنّ الله عزّ وجل طوّلهما ليقتل بهما أعداءه وأعداء رسوله، وبه يظهر الله الدين، ولو كره المشركون، وبه يفتح الله الفتوح، ويقاتل المشركين على تنزيل القرآن، والمنافقين من أهل البغي والنكث والفسوق على تأويله.

ويخرج الله من صلبه سيّدي شباب أهل الجنّة، ويزيّن بهما عرشه.

يا فاطمة، ما بعث الله نبيّاً إلاّ جعل له ذرّية من صلبه،

وجعل ذرّيتي من صلب عليّ، ولولا عليّ ما كانت لي ذرّية.

فقالت فاطمة: يا رسول الله! ما أختار عليه أحداً من أهل الأرض.

فزوّجها رسول الله (صلى الله عليه وآله).

فقال ابن عبّاس عند ذلك: - والله – ما كان لفاطمة كفؤ غير عليّ (عليه السّلام).

 

 

إنه خير زوج(14)

لمّا زوّج رسول الله (صلى الله عليه وآله) ابنته فاطمة (عليها السّلام) من علي (عليه السّلام) ومضى من زواجهما ثلاثة أيّام، دخل (صلى الله عليه وآله) عليهما في اليوم الرابع وقال: كيف أنت يا بنيّة، وكيف رأيت زوجك؟ قالت له:

يا أبة، خير زوج، إلاّ أنّه دخل عليّ نساء من قريش، وقلن لي: زوّجك رسول الله (صلى الله عليه وآله) من فقير ﻻ مال له. (ولعل هذا وأمثاله كان منها (عليها السّلام) ليكون الرد عليه من رسول الله (صلى الله عليه وآله) ولتسمع ونسمع جميعاً فضائل علي (عليه السّلام)). فقال لها: يا بنية، ما أبوك بفقير ولا بعلك بفقير، ولقد عرضت علي خزائن الأرض، من الذهب والفضة فاخترت ما عند ربي عزّ وجلّ. يا بنية! لو تعلمين ما علم أبوك لسمجت الدنيا في عينك – والله – يا بنية! ما ألوتك نصحاً أن زوجتك أقدمهم سلماً، وأكثرهم علماً وأعظمهم حلماً.

يا بنيّة! إنّ الله عزّ وجل اطّلع إلى الأرض اطّلاعة، فاختار من أهلها رجلين:

فجعل أحدهما أباك، والآخر بعلك، يا بنيّة! نعم الزوج زوجك، ﻻ تعص له أمراً.

ثمّ صاح بي رسول الله (صلى الله عليه وآله): يا عليّ! فقلت: لبّيك يا رسول الله.

قال: أدخل بيتك، والطف بزوجتك، وارفق بها، فإنّ فاطمة بضعة منّي، يؤلمني ما يؤلمها، ويسرّني ما يسرّها، أستودعكما الله وأستخلفه عليكما.

قال عليّ: - فوالله – ما أغضبتها، ولا أكرهتها على أمر حتّى قبضها الله عزّ وجل، ولا أغضبتني، ولا عصت لي أمراً، ولقد كنت أنظر إليها، فتنكشف عنّي الهموم والأحزان.

قال عليّ (عليه السّلام): ثمّ قام رسول الله (صلى الله عليه وآله) لينصرف فقالت له فاطمة (عليها السّلام):

يا أبة! ﻻ طاقة لي بخدمة البيت، فأخدمني خادماً تخدمني، وتعينني على أمر البيت، فقال لها: يا فاطمة، أولا تريدين خيراً من الخادم؟

فقال عليّ (عليه السّلام): قولي بلى. قالت: يا أبة! خيراً من الخادم؟.

فقال: تسبّحين الله عزّ وجل في كلّ يوم ثلاثاً وثلاثين مرّة، وتحمدينه ثلاثاً وثلاثين مرّة، وتكبّرينه أربعاً وثلاثين مرّة، فذلك مائة باللسان وألف حسنة في الميزان.

يا فاطمة! إنّك إن قلتها في صبيحة كلّ يوم، كفاك الله ما أهمّكِ من أمر الدنيا والآخرة.

 

 

يوم الزواج(15)

عن محمد بن عمّار بن ياسر، قال: سمعت أبي يقول: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول لعليّ (عليه السّلام) يوم زوّجه فاطمة (عليها السّلام): يا عليّ، ارفع راسك إلى السماء فانظر ما ترى؟ فقال: أرى جواري مزّينات معهنّ هدايا! قال: فهي خدمك وخدم فاطمة في الجنّة، انطلق إلى منزلك ولا تحدّث شيئاً حتّى آتيك، فما كان إلاّ كلا شيء حتّى مضى رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى منزله، وأمرني أن أهدي لهما طيباً قال عمّار: فلمّا كان الغد جئت إلى منزل فاطمة (عليها السّلام) ومعي الطيب. فقالت:

يا أبا اليقظان، ما هذا الطيب؟ قلت: طيب أمرني به أبوك أن أهديه لك. فقالت: - والله – لقد أتاني من السماء طيب، مع جوار من الحور العين، وأنّ فيهنّ جارية حسناء، كأنّها القمر ليلة البدر، فقلت: من بعث بهذا الطيب؟

فقالت: بعثه رضوان خازن الجنان، وأمر هؤلاء الجواري أن ينحدرن معي، ومع كلّ واحدة منهنّ، ثمرة من ثمار الجنان، في اليد اليمنى، وفي اليد اليسرى طاقة من رياحين الجنّة، ونظرت إلى الجواري، وإلى حسنهنّ، فقلت: لمن أنتنّ؟ فقلن: لك ولأهل بيتك، ولشيعتك من المؤمنين. فقلت: أفيكنّ من أزواج ابن عمّي أحد؟ قلن: أنت زوجته في الدنيا والآخرة، ونحن خدمك وخدم ذرّيتك.

 

 

في ليلة العرس(16)

أن فاطمة (عليها السّلام) بكت ليلة عرسها (ولعل هذا كان منها (عليها السّلام) حتى يبيّن رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن الوحي، فضائل أهل البيت (عليهم السلام) وكرامتهم على الله تعالى) فسألها النبي (صلى الله عليه وآله) عن ذلك، فقالت له:

تعلم أنّي ﻻ أحبّ الدنيا، ولكن نظرت إلى فقري في هذه الليلة، فخشيت أن يقول لي عليّ: بأيّ شيء جئت؟

فقال النبيّ (صلى الله عليه وآله): لك الأمان، فإنّ عليّاً لم يزل راضياً مرضيّاً – إلى أن قال -:

فقالت النساء: من أين لك هذا يا فاطمة؟ فقالت: من أبي (عليه السّلام).

فقلن: من أين لأبيك؟ قالت: من جبرئيل، قلن: من أين لجبرئيل؟ قالت: من الجنّة.

فقلن: نشهد أن ﻻ إله إلاّ الله، وأنّ محمداً رسول الله.

فمن أسلم زوجها استمرّت معه، وإلاّ تزوّجت غيره.

 

 

رضيت بعليّ (عليه السّلام)(17)

قيل: جاءت فاطمة (عليها السّلام) إلى أبيها، رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وهي باكية، فقال (لها): ما يبكيك يا قرّة عيني، ﻻ أبكى الله لك عيناً؟ قالت:

يا أبة! إنّ نساء قريش يعيّرنني ويقلن: إنّ أباك زوّجك بفقير، ﻻ مال له.

فقال (صلى الله عليه وآله): يا فاطمة! اعلمي أنّ الله تعالى إطّلع على الأرض اطّلاعة، فاختار منها أباك، ثمّ اطّلع اطّلاعة ثانية، فاختار منها بعلك ابن عمّك، ثمّ أمرني أن أزوّجك منه.

أفلا ترضين أن تكوني زوجة من اختاره الله، وجعله لك بعلاً.

فقالت (عليها السّلام): رضيت به، وفوق الرضا يا رسول الله (صلى الله عليه وآله).

 

 

هذا مهر فاطمة (عليها السّلام)(18)

إن فاطمة (عليه السلام) قالت لرسول الله (صلى الله عليه وآله): زوجتني بالمهر الخسيس. (ولعلها (عليها السّلام) قالت ذلك، حتى يجيب الرسول (صلى الله عليه وآله) فيلعم الجميع بركة المهر القليل، وما يستعقب من خير الدنيا والآخرة).

فقال لها رسول الله (صلى الله عليه وآله): ما أنا زوّجتك، ولكنّ الله زوّجك من السماء، وجعل مهرك خمس الدنيا، مادامت السماوات والأرض.

 

 

أشتهي رمّاناً(19)

إنّ فاطمة، مرضت ذات يوم فجاء عليّ إلى منزلها فقال: يا فاطمة! ما يريد قلبك من حلاوات الدنيا؟ فقالت:

يا عليّ، أشتهي رمّاناً، فتفكّر ساعة لأنّه ما كان معه شيء، ثمّ قام وذهب إلى السوق، واستقرض درهماً، واشترى به رمّانة، فرجع إليها فرأى شخصاً مريضاً مطروحاً على قارعة الطريق، فوقف علي فقال له: ما يريد قلبك يا شيخ؟ فقال: يا علي، خمسة ايّام هنا وأنا مطروح، ومرّ النّاس عليّ ولم يلتفت أحد إليّ، يريد قلبي رمّاناً.

فتفكّر في نفسه ساعة فقال لنفسه: اشتريت رمّانة واحدة لأجل فاطمة، فإن أعطيتها لهذا السائل بقيت فاطمة محرومة، وإن لم أعطه خالفت قوله تعالى:

(وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ)(20).

والنبيّ (صلى الله عليه وآله) قال: (ﻻ تردّوا السائل ولو كان على فرس).

فكسر الرمّانة فأطعم الشيخ، فعوفي في الساعة، وعوفيت فاطمة سلام الله عليها.

وجاء علي وهو مستحي، فلمّا رأته فاطمة (عليها السّلام) قامت إليه وضمّته إلى صدرها، فقالت: أمّا إنّك مغموم، فوعزّة الله تعالى وجلاله، أنّك لمّا أطعمت ذلك الشيخ الرمّانة زال عن قلبي اشتهاء الرمّان، ففرح عليّ بكلامها.

فأتى رجل فقرع الباب، فقال علي (عليه السّلام): من أنت؟

فقال: أنا سلمان الفارسي، افتح الباب، فقام علي وفتح الباب و رأى سلمان الفارسي وبيده طبق مغطّى رأسه بمنديل، فوضعه بين يديه، فقال علي (عليه السّلام): ممّن هذا يا سلمان؟

فقال: من الله إلى الرسول، ومن الرسول إليك.

فكشف الغطاء فإذا فيه تسع رمّانات.

فقال: يا سلمان! لو كان هذا إليّ، لكان عشراً لقوله تعالى (من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها)(21) فضحك سلمان، فأخرج رمّانة من كمّه فوضعها في الطبق فقال:

يا عليّ، والله كانت عشراً، ولكن أردت بذلك أن أُجرّبك.

 

 

على أعتاب الولادة(22)

إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) لما دنت ولادة (عليها السّلام)، أمر أم سلمة، وزينب بنت جحش أن تأتينها، فتقرءا عندها (آية الكرسي) و (إن ربكم الله)(23) الآية، ويعوذانها بـ (المعوذتين).

 

 

سم هذه المولودة(24)

لما ولدت زينب (عليها السّلام) جاءت بها أمها الزهراء (عليها السّلام) إلى أبيها أمير المؤمنين (عليه السّلام) وقالت: سمّ هذه المولودة.

فقال: ما كنت لأسبق رسول الله (صلى الله عليه وآله) – وكان في سفر له – ولما جاء وسأله علي (عليه السّلام) عن اسمها.

فقال: ما كنت لأسبق ربي تعالى.

فهبط جبرئيل (عليه السّلام) يقرأ السلام من الله الجليل وقال له: سمّ هذه المولودة: زينب، فقد اختار الله لها هذا الاسم، ثم أخبرها بما يجري عليها من المصائب.

فبكى النبي (صلى الله عليه وآله) وقال: من بكى على مصائب هذه البنت، كان كمن بكى على أخويها: الحسن والحسين (عليهما السلام).

 

 

الزوجة والحياة الزوجية(25)

دخل رسول الله (صلى الله عليه وآله) على فاطمة الزهراء (عليها السّلام) فوجدها تطحن شعيرا وهي تبكي، فقال لها: ما الذي أبكاك يا فاطمة؟ ﻻ أبكى الله لك عيناً؟

فقالت (عليها السّلام): أبكاني مكابدة الطحين، وشغل البيت وأنا حامل، فلو سألت عليّا أن يشتري جارية تساعدني على الطحين، وشغل البيت

فجلس النبيّ (صلى الله عليه وآله) فقال: بسم الله الرحمن الرّحيم... يا فاطمة! لوشاء الله سبحانه وتعالى لطحنت الرحى وحدها.

وكذلك أراد الله تعالى أن يكتب لك الحسنات، ويمحو عنك السيّئات، ويرفع لك الدرجات في الجنّة في احتمال الأذى والمشقّات.

يا فاطمة! ما من امرأة طحنت بيديها، إلاّ كتب الله لها بكلّ حبّة حسنة، ومحا عنها بكلّ حبّة سيّئة.

يا فاطمة: ما من امرأة عرقت عند خبزها، إلا جعل الله بينها وبين جهنّم سبعة خنادق من الرحمة.

يا فاطمة! ما من امرأة غسلت قدرها، إلاّ غسلها الله من الذنوب والخطايا.

يا فاطمة! ما من امرأة قشرت بصلة فدمعت [عيناها إلاّ... ].

[يا فاطمة! ما من امرأة نسجت ثوباً] إلاّ كتب الله لها بكلّ خيط واحد مائة حسنة، ومحا عنها مائة سيّئة.

يا فاطمة! أفضل أعمال النساء المغازل.

يا فاطمة! ما من امرأة برمت مغزلها، إلاّ كان له دويّ تحت العرش، فتستغفر لها الملائكة في السماء.

يا فاطمة! ما من امرأة غزلت، لتشتري لأولادها أو عيالها، إلاّ كتب الله لها ثواب من أطعم ألف جائع، وأكسى ألف عريان.

يا فاطمة! ما من امرأة دهّنت رؤوس أولادها، وسرّحت شعورهم، وغسلت ثيابهم وقتلت قمّلهم إلاّ كتب الله لها بكلّ شعرة حسنة، ومحا عنها بكلّ شعرة سيّئة، وزيّنها في أعين النّاس أجمعين.

يا فاطمة! ما من امرأة منعت حاجة جارتها، إلاّ منعها الله الشرب من حوضي يوم القيامة.

يا فاطمة! خمسة من الماعون ﻻ يحلّ منعهنّ: الماء، والنّار، والخمير، والرحى والإبرة. ولكلّ واحد منهنّ آفة، فمن منع الماء بلي بعلّة الإستسقاء، ومن منع الخمير بلي بالغاشية، ومن منع الرحي بلي بصداع الرأس، ومن منع الإبرة بلي بالمغص.

يا فاطمة! أفضل من ذلك كلّه رضا الله، ورضا الزوج عن زوجته.

يا فاطمة! والّذي بعثني بالحقّ بشيراً ونذيراً لو متّ. وزوجك غير راض عنك، ما صلّيت عليك.

يا فاطمة! أما علمت أنّ رضا الزوج من رضا الله، وسخط الزوج من سخط الله؟

يا فاطمة! طوبى لامرأة رضي عنها زوجها، ولو ساعة من النهار.

يا فاطمة! ما من امرأة رضي عنها زوجها يوماً وليلة، إلاّ كان لها عند الله أفضل من عبادة سنة واحدة صيامها وقيامها.

يا فاطمة! ما من امرأة رضي عنها زوجها ساعة من النهار، إلاّ كتب الله لها بكلّ شعرة في جسمها حسنة، ومحا عنها بكلّ شعرة سيّئة.

يا فاطمة! إنّ أفضل عبادة المرأة في شدّة الظلمة أن [تلتزم] بيتها.

يا فاطمة! أيّ امرأة رضي عنها زوجها، لم تخرج من الدنيا حتّى ترى مقعدها في الجنّة، ولا تخرج روحها من جسدها، حتّى تشرب من حوضي.

يا فاطمة! مامن امرأة ماتت على طاعة زوجها إلاّ وجبت لها الجنّة.

يا فاطمة! امرأة بلا زوج كدارٍ بلا باب، امرأة بلا زوج كشجرة بلا ثمرة.

يا فاطمة! جلسة بين يدي الزوّج أفضل من عبادة سنة، وأفضل من طواف.

إذا حملت المرأة تستغفر لها الملائكة في السماء، والحيتان في البحر، وكتب الله لها في كلّ يوم ألف حسنة، ومحا عنها ألف سيّئة.

فإذا أخذها الطلق، كتب الله لها ثواب المجاهدين وثواب الشهداء والصالحين، وغسلت من ذنوبها كيوم ولدتها أمّها، وكتب الله لها ثواب سبعين حجّة.

فإن أرضعت ولدها كتب الله لها بكلّ قطرة من لبنها حسنة، وكفّر عنها سيّئة، واستغفر لها الحور العين في جنّات النعيم.

يا فاطمة! ما من امرأة عبست في وجه زوجها، إلاّ غضب الله عليها وزبانية العذاب.

يا فاطمة! ما من امرأة منعت [زوجها] في الفراش، إلاّ لعنها كلّ رطب ويابس.

يا فاطمة! ما من امرأة قالت لزوجها: أفّاً لك، إلاّ لعنها الله، من فوق العرش والملائكة والنّاس أجمعين.

يا فاطمة! ما من امرأة خفّفت عن زوجها من كآبته درهماً واحداً، إلاّ كتب الله لها بكلّ درهم واحد قصراً في الجنّة.

يا فاطمة! ما من امرأة صلّت فرضها ودعت لنفسها ولم تدع لزوجها، إلاّ ردّ الله عليها صلاتها، حتّى تدعو لزوجها.

يا فاطمة! ما من امرأة غضب عليها زوجها، ولم تسترض منه حتّى يرضى، إلاّ كانت في سخط الله وغضبه، حتّى يرضى عنها زوجها.

يا فاطمة! ما من امرأة لبست ثيابها وخرجت من بيتها بغير إذن زوجها، إلاّ لعنها كلّ رطب ويابس حتّى ترجع إلى بيتها.

يا فاطمة! ما من امرأة نظرت إلى وجه زوجها ولم تضحك له، إلاّ غضب الله عليها في كلّ شيء.

يا فاطمة! ما من امرأة كشفت وجهها لغير زوجها، إلاّ أكبّها الله على وجهها في النّار.

يا فاطمة! ما من امرأة أدخلت إلى بيتها ما يكره زوجها، إلاّ أدخل الله في قبرها سبعين حيّة وسبعين عقربة، يلدغونها إلى يوم القيامة. يا فاطمة! مامن امرأة صامت صيام التطوّع ولم تستشر زوجها، إلاّ ردّ الله صيامها.

يا فاطمة! ما من امرأة تصدّقت من مال زوجها، إلاّ كتب الله عليها ذنوب سبعين سارقاً فقالت له فاطمة (عليها السّلام).

يا أبتاه، متى تدرك النساء، فضل المجاهدين في سبيل الله تعالى؟ فقال لها: ألا أدلّك على شيء تدركين به المجاهدين وأنت في بيتك؟ فقالت: نعم يا أبتاه.

فقال: تصلّين في كلّ يوم ركعتين تقرئين في كلّ ركعة فاتحة الكتاب مرّة، و (قل هو الله أحد) ثلاث مرّات، فمن فعل ذلك، كتب الله له ولها ثواب المجاهدين في سبيل الله تعالى.

 

 

الزوجان الكفؤان(26)

إنّ الإمام عليّ بن أبي طالب (عليه السّلام) كان ذات يوم هو وزوجته فاطمة (عليها السّلام) يأكلان تمراً في الصحراء، إذ تداعبا بينهما بالكلام.

فقال عليّ (عليه السّلام): يا فاطمة، إنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله) يحبّني أكثر منك. فقالت: واعجباً منك، يحبّك أكثر منّي، وأنا ثمرة فؤاده، وعضو من أعضائه، وغصن من أغصانه، وليس له ولد غيري!

فقال لها عليّ (عليه السّلام): يا فاطمة، إن لم تصدّقيني، فامضي بنا إلى أبيك محمد (صلى الله عليه وآله).

قال: فمضينا إلى حضرته (صلى الله عليه وآله)، فتقدّمت، وقالت:

يا رسول الله (صلى الله عليه وآله)! أيّنا أحبّ إليك أنا أم عليّ (عليه السّلام)؟

قال النبيّ (صلى الله عليه وآله): أنت أحبّ إليّ، وعليّ أعزّ عليّ منك.

فعندها قال سيّدنا ومولانا الإمام عليّ بن أبي طالب (عليه السّلام): ألم أقل لك:

أنا ولد فاطمة(27) ذات التقى.

قالت فاطمة (عليها السلام): وأنا ابنة خديجة الكبرى.

قال عليّ (عليه السلام): وأنا ابن الصفا.

قالت فاطمة (عليها السلام): وأنا ابنة سدرة المنتهى.

قال عليّ (عليه السلام): وأنا فخر الورى.

قالت فاطمة (عليها السلام): وأنا ابنة من دنى فتدلّى وكان من ربّه قاب قوسين أو أدنى.

قال عليّ (عليه السلام): وأنا ولد المحصنات.

قالت فاطمة (عليها السلام): وأنا بنت الصالحات والمؤمنات.

قال عليّ (عليه السلام): وأنا خادمي جبرائيل.

قالت فاطمة (عليها السلام): وأنا خاطبي في السماء راحيل، وخدمتني الملائكة جيلاً بعد جيل.

قال عليّ (عليه السلام): وأنا ولدت في المحلّ البعيد المرتقى.

قالت فاطمة (عليها السلام): وأنا زوّجت في الرفيع الأعلى، وكان ملاكي في السماء.

قال عليّ (عليه السلام): وأنا حامل اللواء.

قالت فاطمة (عليها السلام): وأنا ابنة من عرج به إلى السماء.

قال عليّ (عليه السلام): وأنا ابن صالح المؤمنين.

قالت فاطمة (عليها السلام): وأنا ابنة خاتم النبيّين.

قال عليّ (عليه السلام): وأنا الضارب على التنزيل.

قالت فاطمة (عليها السلام): وأنا صاحبة التأويل.

قال عليّ (عليه السلام): وأنا شجرة تخرج من طور سينين.

قالت فاطمة (عليها السلام): وأنا الشجرة الّتي تخرج أكلها، أعني الحسن والحسين (عليهما السّلام).

قال عليّ (عليه السلام): وأنا المثاني والقرآن الحكيم.

قالت فاطمة (عليها السلام): وأنا ابنة النبيّ (صلى الله عليه وآله) الكريم.

قال عليّ (عليه السلام): وأنا النبأ العظيم.

قالت فاطمة (عليها السلام): وأنا ابنة الصادق الأمين.

قال عليّ (عليه السلام): وأنا الحبل المتين.

قالت فاطمة (عليها السلام): وأنا ابنة خير الخلق أجمعين.

قال عليّ (عليه السلام): وأنا ليث الحروب.

قالت فاطمة (عليها السلام): وأنا من يغفر الله به الذنوب.

قال عليّ (عليه السلام): وأنا المتصدّق بالخاتم.

قالت فاطمة (عليها السلام): وأنا ابنة سيد العالم.

قال عليّ (عليه السلام): وأنا سيّد بني هاشم.

قالت فاطمة (عليها السلام): وأنا ابنة محمّد المصطفى.

قال عليّ (عليه السلام): وأنا الإمام المرتضى.

قالت فاطمة (عليها السلام): وأنا ابنة سيّد المرسلين.

قال عليّ (عليه السلام): وأنا سيّد الوصيّين.

قالت فاطمة (عليها السلام): وأنا ابنة النبيّ العربيّ.

قال عليّ (عليه السلام): وأنا الشجاع الكمي(28).

قالت فاطمة (عليها السلام): وأنا ابنة أحمد النبيّ (صلى الله عليه وآله).

قال عليّ (عليه السلام): وأنا المبطل(29) الأروع.

قالت فاطمة (عليها السلام): وأنا الشفيع المشفّع.

قال عليّ (عليه السلام): وأنا قسيم الجنّة والنّار.

قالت فاطمة (عليها السلام): وأنا ابنة محمّد المختار.

قال عليّ (عليه السلام): وأنا قاتل الجانّ.

قالت فاطمة (عليها السلام): وأنا ابنة رسول الملك الديّان.

قال عليّ (عليه السلام): وأنا خيرة الرحمان.

قالت فاطمة (عليها السلام): وأنا خيرة النسوان.

قال عليّ (عليه السلام): وأنا مكلّم أصحاب الرقيم.

قالت فاطمة (عليها السلام): وأنا ابنة من أرسل رحمة للمؤمنين وبهم رؤوف رحيم.

قال عليّ (عليه السلام): وأنا الّذي جعل الله نفسي نفس محمّد (صلى الله عليه وآله) حيث يقول في كتابه العزيز: (وأنفسنا وأنفسكم)(30).

قالت فاطمة (عليها السلام): وأنا الذي قال فيّ: (أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ)(31).

قال عليّ (عليه السلام): وأنا علّمت شيعتي القرآن.

قالت فاطمة (عليها السلام): وأنا يعتق الله من أحبّني من النيران.

قال عليّ (عليه السلام): و] أنا شيعتي من علمي يسطرون.

قالت فاطمة (عليها السلام): وأنا من بحر علمي يغترفون.

قال عليّ (عليه السلام): وأنا الّذي اشتقّ الله تعالى اسمي من اسمه فهو العالي وأنا عليّ.

قالت فاطمة (عليها السلام): وأنا كذلك فهو الفاطر وأنا فاطمة.

قال عليّ (عليه السلام): وأنا حياة العارفين.

قالت فاطمة (عليها السلام): وأنا مسلك نجاة الراغبين.

قال عليّ (عليه السلام): وأنا الحواميم.

قالت فاطمة (عليها السلام): وأنا ابنة الطواسين.

قال عليّ (عليه السلام): وأنا كنز الغنى.

قالت فاطمة (عليها السلام): وأنا الكلمة الحسنى.

قال عليّ (عليه السلام): وأنا بي تاب الله على آدم في خطيئته.

قالت فاطمة (عليها السلام): وأنا بي قبل الله توبته.

قال عليّ (عليه السلام): وأنا كسفينة نوح من ركبها نجا.

قالت فاطمة (عليها السلام): وأنا أُشاركك في الدعوى.

قال عليّ (عليه السلام): وأنا طوفانه.

قالت فاطمة (عليها السلام): وأنا سورته.

قال عليّ (عليه السلام): وأنا النسيم المرسل لحفظه.

قالت فاطمة (عليها السلام): وأنا منّي أنهار الماء واللبن والخمر والعسل في الجنان.

قال عليّ (عليه السلام): وأنا الطور.

قالت فاطمة (عليها السلام): وأنا الكتاب المسطور.

قال عليّ (عليه السلام): وأنا الرقّ المنشور.

قالت فاطمة (عليها السلام): وأنا البيت المعمور.

قال عليّ (عليه السلام): وأنا السقف المرفوع.

قالت فاطمة (عليها السلام): وأنا البحر المسجور.

قال عليّ (عليه السلام): وأنا علم النبيّين.

قالت فاطمة (عليها السلام): وأنا ابنة سيّد المرسلين من الأوّلين والآخرين.

قال عليّ (عليه السلام): وأنا البئر والقصر المشيد.

قالت فاطمة (عليها السلام): وأنا منّي شبّر وشبير.

قال عليّ (عليه السلام): وأنا بعد الرسول خير البريّة.

قالت [فاطمة]: أنا البرّة الزكيّة.

فعندها قال النبيّ (صلى الله عليه وآله): ﻻ تكلّمي عليّاً فإنّه ذو البرهان.

قالت فاطمة (عليها السلام): وأنا ابنة من أُنزل عليه القرآن.

قال عليّ (عليه السلام): وأنا البطين الأصلع.

قالت فاطمة (عليها السلام): وأنا الكوكب الّذي يلمع.

قال النبيّ (صلى الله عليه وآله): فهو الشفاعة يوم القيامة.

قالت فاطمة (عليها السلام): وأنا خاتون(32) يوم القيامة.

فعند ذلك قالت فاطمة (عليها السّلام) لرسول الله (صلى الله عليه وآله): لا تحام لابن عمّك ودعني وإيّاه.

قال عليّ (عليه السلام): يا فاطمة، أنا من محمّد عصبته ونخبته.

قالت فاطمة (عليها السلام): وأنا لحمه ودمه.

قال عليّ (عليه السلام): أنا الصحف.

قالت فاطمة (عليها السلام): وأنا الشرف.

قال عليّ (عليه السلام): وأنا وليّ الزلفى.

قالت فاطمة (عليها السلام): وأنا الخمصاء الحسناء.

قال عليّ (عليه السلام): وأنا نور الورى.

قالت فاطمة (عليها السلام): وأنا [فاطمة] الزهراء.

فعندها قال النبيّ (صلى الله عليه وآله) لفاطمة: يا فاطمة! قومي وقبّلي رأس ابن عمّك، فهذا جبرئيل وميكائيل، وإسرافيل، وعزرائيل، مع أربعة آلاف من الملائكة يحامون مع عليّ (عليه السّلام)، وهذا أخي راحيل ودردائيل مع أربعة آلاف من الملائكة ينظرون بأعينهم.

قال: فقامت فاطمة الزهراء (عليها السّلام) فقبّلت رأس الإمام، عليّ بن أبي طالب (عليه السّلام) بين يدي النبيّ (صلى الله عليه وآله) وقالت: يا أبا الحسن، بحقّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) معذرة إلى الله عزّ وجل، وإليك، وإلى ابن عمّك قال: فوهبها الإمام (عليه السّلام) وقبّلت يد أبيها عليه وعليها السلام.

 

 

الحياة المتقشّفة(33)

عن الأصبغ بن نباتة قال: سمعت الأشعث بن قيس الكندي، وجوير الجبلي قالا لعليّ (عليه السّلام): يا أمير المؤمنين، حدّثنا في خلواتك أنت وفاطمة (عليها السّلام). قال: نعم. بينا أنا وفاطمة في كساء إذ أقبل رسول الله (صلى الله عليه وآله) نصف الليل وكان يأتيها بالتمر واللبن ليعينها على الغلامين، فدخل فوضع رجلاً بحبالي ورجلاً بحبالها، ثمّ إنّ فاطمة بكت فقال لها رسول الله (صلى الله عليه وآله): ما يبكيك يا بنيّة محمّد؟! فقالت:

حالنا كما ترى في كساء نصفه تحتنا ونصفه فوقنا.

فقال لها رسول الله (صلى الله عليه وآله): يا فاطمة، أما تعلمين إنّ الله تعالى اطّلع إطّلاعة من سمائه إلى أرضه، فاختار منها أباك، فاتّخذه صفيّاً وابتعثه برسالته وائتمنه على وحيه.

يا فاطمة، أما تعلمين إنّ الله اطّلع اطّلاعة من سمائه إلى أرضه فاختار منها بعلك، وأمرني أن ازوّجكه وأن أتّخذه وصيّاً.

يا فاطمة، أما تعلمين إنّ العرش شاك ربّه أن يزيّنه بزينة لم يزيّن بها بشراً من خلقه، فزيّنه بالحسن والحسين بركنين من أركان الجنّة.

 

 

خير من الخادم(34)

أنّه لما أضرّ بفاطمة (عليها السّلام) خدمة البيت ضرراً شديداً قلت لها: لو أتيت أباك فسألتيه خادماً، يكفيك حرّ ما أنت فيه من هذا العمل؟... فقال (صلى الله عليه وآله): أفلا أُعلمكما ما هو خير لكما من الخادم؟ إذا أخذتما منامكما، فسبّحا ثلاثاً وثلاثين، واحمدا ثلاثا وثلاثين، وكبرّا أربعاً وثلاثين... فقالت فاطمة (عليها السّلام):

رضيت عن الله ورسوله، رضيت عن الله ورسوله، رضيت عن الله ورسوله.

 

 

تقسيم الخدمة(35)

كانت فاطمة (عليها السّلام) جالسة قدّامها رحى تطحن بها الشعير، وعلى عمود الرحى دم سائل، والحسين في ناحية الدار يتضوّر من الجوع. فقلت: يا بنت رسول الله، دبرت كفّاك، وهذه فضّة، فقالت:

أوصاني رسول الله (صلى الله عليه وآله) أن تكون الخدمة لها يوماً، فكان أمس يوم خدمتها.

قال سلمان: قلت: إنّي مولى عتاقة، إمّا أنا أطحن الشعير، أو اسكّت الحسين لك؟

فقالت: أنا بتسكيته أرفق، وأنت تطحن الشعير.

فطحنت شيئاً من الشعير، فإذا أنا بالإقامة، فمضيت وصلّيت مع رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فلمّا فرغت قلت لعليّ ما رأيت، فبكى وخرج، ثمّ عاد فتبسّم.

فسأله عن ذلك رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: دخلت على فاطمة وهي مستلقية لقفاها، والحسين نائم على صدرها،وقدامها رحى تدور من غير يد.

فتبسم رسول الله (صلى الله عليه وآله) وقال: يا عليّ، أما علمت أنّ لله ملائكة سيّارة في الأرض يخدمون محمّداً وآل محمّد، إلى أن تقوم الساعة.

 

 

خاتم ياقوت(36)

وسألت (عليها السّلام) رسول الله (صلى الله عليه وآله) خاتماً، فقال: ألا أُعلّمك ما هو خير من الخاتم؟! إذا صلّيت صلاة الليل، فاطلبي من الله عزّ وجل خاتماً فإنّك تنالين حاجتك. قال: فدعت ربّها تعالى، فإذا بهاتف يهتف: يا فاطمة! الّذي طلبت منيّ تحت المصلّى، فرفعت المصلّى فإذا الخاتم يا قوت ﻻ قيمة له (إي: من كثرته ﻻ يمكن تحديده)، فجعلته في إصبعها وفرحت، فلما نامت من ليلتها رأت في منامها كأنها في الجنّة، فرأت ثلاثة قصور لم تر في الجنّة مثلها، قالت:

لمن هذه القصور؟! قالوا: لفاطمة بنت محمّد، قالت: فكأنّها دخلت قصراً من ذلك، ودارت فيه، فرأت سريراً قد مال على ثلاث قوائم.

فقالت (عليها السّلام): ما لهذا السرير قد مال على ثلاث قوائم؟ قالوا: لأنّ صاحبته طلبت من الله تعالى خاتماً، فنزع أحد القوائم وصيغ لها خاتم وبقي السرير على ثلاث قوائم.

فلمّا أصبحت دخلت على رسول الله (صلى الله عليه وآله) وقصّت القصّة.

فقال النبيّ (صلى الله عليه وآله): معاشر آل عبد المطّلب، ليس لكم الدنيا، إنّما لكم الآخرة، وميعادكم الجنّة، ما تصنعون بالدنيا فإنّها زائلة غرّارة.

فأمرها النبيّ (صلى الله عليه وآله) أن تردّ الخاتم تحت المصلّى، فردّت، ثمّ نامت على المصلّى فرأت [في المنام] أنّها دخلت الجنّة، فدخلت ذلك القصر، ورأت السرير على أربع قوائم، فسألت عن حاله فقالوا: ردّت الخاتم، ورجع السرير إلى هيئته.

 

 

ملابس العيد(37)

عري الحسن والحسين (عليهما السلام) وقد أدركهما العيد، فقالا لأمّهما فاطمة (عليها السّلام): يا أمّاه! قد تزّين صبيان المدينة، إلاّ نحن، فمالك ﻻ تزّينيننا بشيء من الثياب، فها نحن عرايا كما ترين. فقالت لهما:

يا قرّة عينيّ، إنّ ثيابكما عند الخيّاط، فإذا خاطهما وأتاني بهما، زيّنتكما بها يوم العيد – تريد بذلك تطييب قلوبهما -.

فلمّا كان ليلة العيد أعادا القول على أمّهما، وقالا: يا أمّاه، الليلة ليلة العيد.

فبكت فاطمة رحمة لهما وقالت:

يا قرّتا عيني! طيبا نفساً، إذا أتاني الخيّاط، زيّنتكما إن شاء الله تعالى.

قال: فلمّا مضى وهن من الليل(38)، وكان ليلة العيد إذ قرع الباب قارع.

فقالت فاطمة: من هذا؟ فناداها: يا بنت رسول الله! افتحي الباب، أنا الخيّاط قد جئت بثياب الحسن والحسين، فقامت فاطمة، ففتحت الباب، فإذا هو رجل لم تر أهيب منه شيمة، وأطيب منه رائحة، فناولها منديلاً مشدوداً، ثمّ انصرف لشأنه.

فدخلت فاطمة، وفتحت المنديل، فإذا فيه قميصان، ودرّاعتان وسروالان، ورداءان، وعمّامتان، وخفّان، فسرّت فاطمة بذلك سروراً عظيماً.

فلمّا استيقظ الحسنان ألبستهما، وزيّنتهما بأحسن زينة، فدخل النبيّ (صلى الله عليه وآله) عليهما يوم العيد وهما مزيّنان، فقبّلهما، وهنّأهما بالعيد، وحملهما على كتفيه ومشى بهما إلى أُمّهما.

ثمّ قال: يا فاطمة! رأيت الخيّاط الّذي أعطاك الثياب؟ هل تعرفينه؟

قالت: ﻻ - والله – لست أعرفه،، ولست أعلم أنّ لي ثياباً عند الخيّاط، والله ورسوله أعلم بذلك.

فقال: يا فاطمة! ليس هو خيّاط، وإنّما هو رضوان خازن الجنان، والثياب من الجنّة أخبرني بذلك جبرائيل، عن ربّ العالمين.

 

 

واغوثاه من الجوع(39)

مرض الحسن والحسين (عليهما السلام) مرضاً شديداً، فعادهما سيّد ولد آدم محمّد (صلى الله عليه وآله) – إلى أن قال -: فقال عليّ بن أبي طالب (عليه السّلام): إن عافى الله ولديّ ممّا بهما، صمت ثلاثة أيّام متواليات. وقالت الزهراء (عليها السّلام) مثل ما قال زوجها، وكانت لهما جارية بربريّة تدعى فضّة، قالت: إن عافى الله سيّديّ ممّا بهما، صمت لله ثلاثة أيّام – وساق الحديث إلى أن قال -: وإنّ أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عليه السّلام) أخذ بيد الغلامين وهما كالفرخين، ﻻ ريش لهما، يرتعشان من الجوع، فانطلق بهما إلى منزل النبيّ (صلى الله عليه وآله) فلمّا نظر إليهما النبيّ (صلى الله عليه وآله)، اغرورقت عيناه بالدموع، وأخذ بيد الغلامين فانطلق بهما إلى فاطمة الزهراء (عليها السّلام)، فلمّا نظر إليها رسول الله (صلى الله عليه وآله) وقد تغيّر لونها، وإذا بطنها لاصق بظهرها، انكبّ عليها يقبّل بين عينيها، ونادته باكية:

واغواثاه بالله، ثمّ بك يا رسول الله! من الجوع.

قال: فرفع رأسه إلى السماء وهو يقول:

اللهمّ أشبع آل محمّد، فهبط جبرئيل (عليه السّلام) فقال: يا محمد، اقرأ، [قال: ما أقرأ؟ ] قال: اقرأ (إِنَّ الأَبْرارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كانَ مِزاجُها كافُوراً)(40) إلى آخر ثلاث آيات.

ثمّ إنّ أمير المؤمنين (عليه السّلام) مضى من فوره ذلك، حتّى أتى أبا جبلّة الأنصاري (رض)، فقال له: يا أبا جبلّة، هل عندك من قرض دينار؟ قال: نعم، يا أبا الحسن! أشهد الله وملائكته أنّ شطر مالي لك حلال من الله ومن رسوله.

قال: لا حاجة لي في شيء من ذلك، إن يك قرضاً قبلته، قال: فدفع إليه ديناراً.

ومرّ أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عليه السّلام) يتخرّق أزقّة المدينة ليبتاع بالدينار طعاماً.

فإذا هو بمقداد بن الأسود الكندي، قاعد على الطريق، فدنى منه وسلّم عليه، فقال:

يا مقداد، مالي أراك في هذا الموضع كئيباً حزيناً؟

فقال: أقول كما قال العبد الصالح، موسى بن عمران عليه الصلاة والسلام: (رَبِّ إِنِّي لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ)(41) قال: ومنذ كم يا مقداد؟ قال: منذ أربع.

فرجع أمير المؤمنين (عليه السّلام) مليّاً، ثمّ قال: الله أكبر، الله أكبر، آل محمد منذ ثلاث، وأنت يا مقداد منذ أربع؟! أنت أحقّ بالدينار منّي.

قال: فدفع إليه الدينار، ومضى حتّى دخل على رسول الله (صلى الله عليه وآله) فرآه قد سجد.

فلمّا انفتل رسول الله، ضرب بيده إلى كتفه، ثمّ قال:

يا عليّ! انهض بنا إلى منزلك، لعلّنا نصيب طعاماً، فقد بلغنا أخذك الدينار من أبي جبلّة.

قال: فمضيا وأمير المؤمنين مستحي من رسول الله، ورسول الله (صلى الله عليه وآله) رابط على بطنه حجراً من الجوع، حتّى قرعا على فاطمة الباب.

فلمّا نظرت فاطمة إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) – وقد أثّر الجوع في وجهه – ولّت هاربة.

قالت: واسوأتاه من الله، ومن رسوله، كأنّ أبا الحسن ما علم أن لم يكن عندنا شيء، منذ ثلاث، ثمّ دخلت مخدعاً لها فصلّت ركعتين ثمّ نادت:

يا إله محمد، هذا محمد نبيّك، وفاطمة بنت نبيّك، وعليّ ختن(42) نبيّك وابن عمّه، وهذان الحسن والحسين سبطا نبيّك.

اللهمّ فإنّ بني اسرائيل سألوك أن تنزل عليهم مائدة من السماء، فأنزلتها عليهم وكفروا، اللهمّ فإنّ آل محمد ﻻ يكفرون بها.

ثمّ التفتت مسلّمة، فإذا هي بصحفة مملوءة من ثريد وعراق، فاحتملتها ووضعتها بين يدي رسول الله (صلى الله عليه وآله) فأهوى بيده إلى الصحفة، فسبّحت الصحفة والثريد والعراق.

فتلى النبيّ (صلى الله عليه وآله): (وَإِنْ مِنْ شَيْ‏ءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ)(43). ثمّ قال: يا عليّ! كل من جوانب القصعة ولا تهدموا ذروتها فإنّ فيها البركة.

فأكل النبيّ وعليّ وفاطمة والحسن والحسين (عليهما السلام)، ويأكل النبيّ (صلى الله عليه وآله) وينظر إلى عليّ متبسّماً، وعليّ (عليه السّلام) يأكل وينظر إلى فاطمة (عليها السّلام) متعجّباً.

فقال له النبيّ (صلى الله عليه وآله): كل يا عليّ، ولا تسأل فاطمة الزهراء عن شيء.

الحمد لله الّذي جعل مثلك ومثلها، مثل مريم بنت عمران وزكريّا.

(كُلَّما دَخَلَ عَلَيْها زَكَرِيَّا الْمِحْرابَ وَجَدَ عِنْدَها رِزْقاً قالَ يا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هذا قالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ)(44).

يا عليّ! هذا بالدينار الّذي أقرضته.

لقد أعطاك الليلة خمساً وعشرين جزءاً من المعروف فأمّا جزء واحد، فجعل لك في دنياك أن أطعمك من جنّته، وأمّا أربعة وعشرون جزءاً فذخرها لك لآخرتك.

 

 

حلّة من الجنّة(45)

إنّ جبرئيل أتى بحلّة قيمتها الدنيا، فلمّا لبستها [أي: سيّدتنا فاطمة (عليها السّلام) ] تحيّرت نسوة قريش منها، وقلن: من أين لك هذا؟! قالت:

هذا من عند الله.

 

 

كسيرة خبز(46)

قال عليّ (عليه السّلام): كنّا مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) في حفر الخندق إذ جاءت فاطمة (عليها السّلام) ومعها كسيرة، من خبز فدفعتها إلى النبيّ (صلى الله عليه وآله) فقال لها النبيّ (صلى الله عليه وآله): ما هذه الكسيرة؟ قالت:

قرص شعير خبزته للحسن والحسين، جئتك منه بهذه الكسيرة.

فقال النبيّ (صلى الله عليه وآله): يا فاطمة! أما إنّه أوّل طعام دخل فم أبيك منذ ثلاثة أيّام.

 

 

تقسيم الوظائف(47)

تقاضى عليّ وفاطمة (عليهما السلام) إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) في الخدمة. فقضى على فاطمة بخدمة مادون الباب، وقضى على عليّ بما خلفه. قال: فقالت فاطمة (عليها السّلام):

فلا يعلم ما داخلني من السرور، إلاّ الله، بإكفائي رسول الله (صلى الله عليه وآله) تحمّل رقاب الرجال.

 

 

المرأة بعد الموت(48)

عن أسماء بنت عميس، إن فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله) قالت لأسماء:

إني قد استقبحت ما يصنع بالنساء، إنه يطرح على المرأة الثوب، فيصفها لمن رأى.

فقالت أسماء: يا بنت رسول الله أنا أريك شيئا رأيته بأرض الحبشة.

قال: فدعت بجريدة رطبة فحسنتها ثم طرحت عليها ثوباً.

فقالت فاطمة (عليها السّلام): ما أحسن هذا وأجمله، ﻻ تعرف به المرأة من الرجل.

 

 

كيف ﻻ أبكي؟(49)

لمّا أن مرض النبيّ (صلى الله عليه وآله) المرضة الّتي قبضه الله فيها، دخلت فجلست بين يديه، ودخلت عليه فاطمة الزهراء (عليها السّلام) فلمّا رأت ما به خنقتها العبرة، حتّى فاضت دموعها على خدّيها، فلمّا أن رآها رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: ما يبكيك يا بنيّة؟ قالت:

وكيف ﻻ أبكي وأنا أرى ما بك من الضعف، فمن لنا بعدك يا رسول الله؟! قال لها:

لكم الله، فتوكّلي عليه واصبري، كما صبر آباؤك من الأنبياء، وأُمّهاتك من أزواجهم.

يا فاطمة، أو ما علمت إنّ الله تعالى اختار أباك فجعله نبيّا، وبعثه رسولاً، ثمّ عليّاً فزوّجتك إيّاه وجعله وصيّاً، فهو أعظم النّاس حقّاً على المسلمين بعد أبيك، وأقدمهم سلماً، وأعزّهم خطراً، وأجملهم خلقاً، وأشدّهم في الله وفيّ غضباً، واشجعهم قلباً، وأثبتهم واربطهم جأشاً، وأسخاهم كفّاً. ففرحت بذلك الزهراء (عليها السّلام) فرحاً شديداً.

فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): هل سررت يا بنيّة؟!

قالت: نعم، يا رسول الله! لقد سررتني وأحزنتني. قال: كذلك أمور الدنيا يشوب سرورها بحزنها.

قال: أفلا أزيدك في زوجك، من مزيد الخير كلّه؟ قالت: بلى يا رسول الله!

قال: إنّ عليّاً أوّل من آمن بالله، وهو ابن عمّ رسول الله، وأخ الرسول، ووصيّ رسول الله، وزوج بنت رسول الله، وابناه سبطا رسول الله، وعمّه سيّد الشهداء عمّ رسول الله، وأخوه جعفر الطيّار في الجنّة ابن عمّ رسول الله، والمهديّ الّذي يصلّي عيسى خلفه منك ومنه.

فهذه يا بنيّة! خصال لم يعطها أحد قبله، ولا أحد بعده، يا بنيّة هل سررتك؟!

قالت: نعم يا رسول الله! قال: أولا أزيدك، مزيد الخير كلّه؟ قالت: بلى.

قال: إن الله تعالى خلق الخلق قسمين، فجعلني وزوجك في أخيرهما قسماً، وذلك قوله عزّ وجل: (فأصحاب الميمنة ما أصحاب الميمنة)(50)، ثمّ جعل الإثنين ثلاثاً فجعلني وزوجك في أخيرها ثلثاً وذلك قوله: (وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ * فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ)(51).

 

 

كيف طابت أنفسكم؟(52)

لمّا فرغنا من دفن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أقبلت عليّ فاطمة، فقالت:

يا أنس، كيف طابت أنفسكم أن تحثّوا على وجه رسول الله التراب؟

ثمّ بكت ونادت: يا أبتاه، أجاب ربّاً دعاه. يا أبتاه، من ربّه ما أدناه. يا أبتاه، من ربّه ناداه. يا أبتاه، إلى جبرئيل ننعاه. يا أبتاه، جنّة الفردوس مأواه.

 

 

على شفير القبر(53)

لمّا دفن النبيّ (صلى الله عليه وآله) جاءت فاطمة (عليها السّلام) فوقفت على قبره وأنشأت تقول:

أمسى بخدّي للدموع رسوم***أسفاً عليك وفي الفؤاد كلوم

والصبر يحسن في المواطن كلّها***إلاّ عليك فإنّه معدوم

لاعتب في حزني عليك لو أنه*** كان البكاء لمقلتي يدوم

 

 

قل للمغيّب(54)

قل للمغيّب تحت أطباق الثرى***إن كنت تسمع صرختي وندائيا

صبّت عليّ مصائب لو أنّها***صبّت على الأيّام صرن لياليا

قد كنت ذات حمى بظلّ محمد***ﻻ أخش من ضيم وكان حماليا

فاليوم أخشع للذّليل واتّقي***ضيمي وأدفع ظالمي بردائيا

فإذا بكت قمريّة في ليلها***شجناً على غصن بكيت صباحيا

فلأجعلنّ الحزن بعدك مؤنسي***ولأجعلنّ الدمع فيك وشاحيا

ماذا على من شمّ تربة أحمد***أن ﻻ يشمّ مدى الزمان غواليا

 

 

فاطمة (عليه السّلام) ترثي أباها (صلى الله عليه وآله)(55)

أنشدت الزهراء (عليها السّلام) بعد وفاة أبيها (صلى الله عليه وآله):

وقد رزينا به محضاً خليقته***صافي الضرائب والأعراق والنسب

وكنت بدراً ونوراً يستضاء به***عليك تنزل من ذي العزّة الكتب

وكان جبريل روح القدس زائرنا***فغاب عنّا وكلّ الخير محتجب

فليت قبلك كان الموت صادفنا***لمّا مضيت وحالت دونك الحجب

إنّا رزينا بما لم يرز ذو شجن***من البريّة ﻻ عجم ولا عرب

ضاقت عليّ بلاد بعد ما رحبت***وسيم سبطاك خسفاً فيه لي نصب

فأنت والله خير الخلق كلّهم***وأصدق النّاس حيث الصدق والكذب

فسوف نبكيك ما عشنا وما بقيت***منّا العيون بتهمال لها سكب

 

 

في عزاء الرسول (صلى الله عليه وآله)(56)

عن علي (عليه السّلام) ان فاطمة لمّا توفي رسول الله (صلى الله عليه وآله) كانت تقول:

وا أبتاه من ربّه ما أدناه، وا أبتاه جنان الخلد مثواه، وا أبتاه يكرمه ربّه إذا أتاه، يا أبتاه الربّ والرسل تسلّم عليه حين تلقاه.

 

 

إنّ الممات سبيلنا(57)

إذا مات يوماً ميّت قلّ ذكره***وذكر أبي مذ مات والله أزيد

تذكّرت لمّا فرّق الموت بيننا***فعزّيت نفسي بالنّبيّ محمد

فقلت لها: إنّ الممات سبيلنا***ومن لم يمت في يومه مات في غد

 

 

كنت السواد لمقلتي(58)

كنت السواد لمقلتي***يبكي عليك الناظر

من شاء بعدك فليمت***فعليك كنت أُحاذر

 

 

نعت نفسك الدنيا(59)

نعت نفسك الدنيا إلينا وأسرعت***ونادت ألا جدّ الرحيل وودّعت

 

 

قد انطفى مصباحي(60)

قد كنت لي جبلاً ألوذ بظلّه***فاليوم تسلمني لأجرد ضاح

قد كنت جار حميّتي ما عشت لي***واليوم بعدك من يريش جناحي

وأغضّ من طرف وأعلم أنّه*** قد مات خير فوارسي وسلاحي

حضرت منيّته فأسلمني العزا***وتمكّنت ريب المنون جواحي

نشر الغراب عليّ ريش جناحه***فظللت بين سيوفه ورماح

إنّي لأعجب من يروح ويغتدي***والموت بين بكورة ورواح

فاليوم أخضع للذليل وأتّقي***ذلّي وأدفع ظالمي بالراح

وإذا بكت قمريّة شجناً بها***ليلاً على غصن بكيت صباحي

فالله صبّرني على ما حلّ بي***مات النبيّ قد انطفى مصباحي

 

 

اغبرّ آفاق السماء(61)

اغبرّ آفاق السماء وكوّرت***شمس النهار وأظلم العصران

فالأرض من بعد النبيّ كئيبة***أسفاً عليه كثيرة الرجفان

فليبكه شرق البلاد وغربها***ولتبكه مضر وكلّ يمان

وليبكه الطود المعظم جوّه***والبيت ذو الأستار والأركان

يا خاتم الرسل المبارك ضوءه***صلّى عليك منزّل القرآن

 

 

إذا اشتدّ شوقي(62)

إذا اشتدّ شوقي زرت قبرك باكياً***أنوح وأشكو ما أراك مجاوبي

يا ساكن الغبراء غالبني البكا***وذكرك أنساني جميع المصائب

فإن كنت عن عيني في التراب مغيّباً***فما كنت عن قلبي الحزين بغائب

 

1 ـ تفسير عليّ بن إبراهيم 652: أبي، عن بعض أصحابه – رفعه – قال: ...

2 ـ الدحداح: القصير السمين، واندحّ بطنه اندحاحاً: اتّسع.

3 ـ كلّ عظمين التقيا في مفصل فهو كردوس، نحو المنكبين والركبتين والوركين.

4 ـ الأنزع: هو الّذي انحسر الشعر عن جانبي جبهته.

5 ـ والسكنة كقرحة مقر الراس من العنق. ثم ﻻ يخفى إن هذه هي صفات هندام الرجال الشجعان، علماً بأن المعصومين (عليهم السلام) قد حباهم الله كل الفضائل حتى فضيلة: الجمال الجسماني. ولعلها (عليها السلام) ذكرت ذلك، حتى تسمع هي (عليها السلام) ويسمع التاريخ والأجيال من رسول الله (صلى الله عليه وآله) جمال جسم علي (عليه السّلام).

6 ـ بالفاء المكسورة: ما بين طرف الإبهام وطرف المشيرة.

7 ـ الواقعة: 30.

8 ـ التدلل: التدلّي.

9 ـ الواقعة: 33.

10 ـ الآسن: الآجن المتغير

11 ـ محمد (صلى الله عليه وآله): 15.

12 ـ الرحيق: من أسماء الخمر – أي خمر الجنّة. والمختوم: المصون الّذي لم يبتذل لأجل ختامه.

13 ـ المطفّفين: 26.

14 ـ بحار الأنوار 43/124 ضمن ح 32 عن كشف الغمّة:...

15 ـ دلائل الإمامة 26: حدّثني أبو إسحاق إبراهيم بن أحمد الطبري القاضي، قال: أخبرنا القاضي أبو الحسين عليّ بن عمر بن الحسن بن عليّ بن مالك السيّاري، قال: أخبرنا محمد بن زكرياّ الغلابي، قال: حدّثني جعفر بن محمد بن عمارة الكندي، قال: حدّثني أبي، عن جابر الجعفي، عن أبي جعفر محمد بن عليّ بن الحسين (عليه السّلام)، عن أبيه، عن جدّه،...

16 ـ عوالم سيّدة النساء 1/451 عن نزهة المجالس: رأيت في (العقائق)...

17 ـ فضائل ابن شاذان 94:...

18 ـ عوالم سيّدة النساء 1/459، عن الكافي عليّ بن محمد، عن عبد الله بن إسحاق، عن الحسن بن عليّ بن سليمان، عمّن حدّثه، عن أبي عبد الله (عليه السّلام) قال:...

19 ـ عوالم سيّدة النساء 1/502 عن درّة الناصحين:...

20 ـ الضحى: 10.

21 ـ الأنعام: 160.

22 ـ عوالم سيدة النساء ج / 2 ص/ 915 عن نفحات الرحمان: عن فاطمة (عليها السّلام):...

23 ـ الأعراف: 54.

24 ـ عوالم سيدة النساء ج/ 2 ص/ 947:...

25 ـ عوالم سيدة النساء ج/1 ص/522 عن كتاب: اعلموا أني فاطمة:...

26 ـ عوالم سيّدة النساء 1/261 عن الفضائل لابن شاذان روي أنّه جاء – في الخبر

27 ـ هي فاطمة بنت أسد، والدة أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عليه السّلام) الّتي ولدته (عليه السّلام) في بيت الله الحرام داخل الكعبة المشرّفة.

28 ـ الشجاع الكميّ: الّذي قتل الشجعان.

29 ـ أي مبطل الباطل.

30 ـ آل عمران: 61.

31 ـ آل عمران: 61.

32 ـ خاتون: المرأة الشريفة.

33 ـ أمالي الطوسي 2/20: (بإسناده)،...

34 ـ علل الشرائع 2/54: عن أحمد بن الحسن القطان، عن الحسن بن علي السكريّ، عن الحكم بن أسلم عن ابن عليّه، عن الحريري، عن أبي الورد بن ثمامة، عن علي صلوات الله عليه...

35 ـ الخرائج والجرائح ص 530 ح 6: روي أنّ سلمان قال:...

36 ـ بحار الأنوار 43/47 عن المناقب لابن شهر آشوب:...

37 ـ عوالم سيّدة النساء 1/ 200 عن أمالي النيسابوري: قال: قال الرضا (عليه السّلام):...

38 ـ الوهن، والموهن: نحو من نصف الليل.

39 ـ بحار الأنوار 35/249 عن تفسير فرات الكوفي: أبو القاسم العلوي، عن فرات بن إبراهيم – منعنعاً – عن جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن جدّه (عليهم السلام) قال:...

40 ـ الإنسان: 5.

41 ـ القصص: 24.

42 ـ الختن: زوج الإبنة.

43 ـ الإسراء: 44.

44 ـ آل عمران: 37.

45 ـ عوالم سيّدة النساء 1/231 عن كتاب فاطمة الزهراء (عليها السّلام):...

46 ـ عوالم سيّدة النساء 1/245 عن صحيفة الرضا (عليه السّلام): (بإسناده)،...

47 ـ بحار الأنوار 43/81 ح 1 عن قرب الإسناد: السندي بن محمد، عن أبي البختري، عن أبي عبد الله، عن أبيه (عليه السّلام) قال:...

48 ـ كشف الغمة ج/2 ص/67:...

49 ـ بحار الأنوار 22/496 ح 43 عن تفسير الفرات: محمد بن القاسم بن عبيد – معنعناً – عن عبد الله بن عباس قال: سمعت سلمان الفارسي رضي الله عنه وهو يقول:...

50 ـ الواقعة: 8.

51 ـ الواقعة : 10 و 11 و 12.

52 ـ عوالم سيّدة النساء 2/810 عن العقد الفريد: (بإسناده) عن حمّاد بن سلمة، عن ثابت، عن أنس بن مالك، قال:...

53 ـ عوالم سيّدة النساء 2/803 عن برد الأكباد، عن كتاب الشريعة قال:...

54 ـ عوالم سيّد النساء 2/805 عن برد الأكباد... قالت الزهراء (عليها السّلام) في رثاء أبيها (صلى الله عليه وآله):...

55 ـ مناقب ابن شهر آشوب 3/ 361:....

56 ـ بحار الأنوار 43/213 ضمن ح 44: عن علي بن أحمد العاصمي بإسناده عن موسى بن جعفر، عن آبائه (عليهما السلام):...

57 ـ عوالم سيّدة النساء 2/804 عن برد الأكباد... قالت الزهراء في رثاء أبيها (صلى الله عليه وآله):...

58 ـ عوالم سيّدة النساء 2/805 عن برد الأكباد... ولها (عليه السّلام) ترثي أباها (صلى الله عليه وآله):...

59 ـ عوالم سيّدة النساء 2/805 عن برد الأكباد... ولها (عليه السّلام) في رثاء أبيها (صلى الله عليه وآله) أيضاً:...

60 ـ عوالم سيّدة النساء 2/806 عن برد الأكباد... ولها (عليها السّلام) وقد ضمّنت أبياتاً وتمثّلت بها:...

61 ـ عيون الأثر 2/340 لمّا دفن (صلى الله عليه وآله) قالت فاطمة ابنته (عليها السّلام) وهي ترثيه:...

62 ـ وسيلة النجاة ص 231: عن فاطمة (عليها السّلام) أنّها قالت ترثي أباها رسول الله (صلى الله عليه وآله):...