القسم الثاني

ولنعم المعزي إليه

وقال (صلى الله عليه وآله) يوم الغدير في خطبته: «معاشر الناس إن فضائل علي بن أبي طالب(عليه السلام) عند الله عز وجل وقد أنزلها في القرآن أكثر من أن يحصيها في مقام واحد، فمن أنبأكم بها وعرفها فصدقوه»(1).

الفخر بالانتساب للرسول (صلى الله عليه وآله)

مسألة: يستحب ان يفتخر الإنسان بانتسابه إلى الرسول (صلى الله عليه وآله)(2)، كما قالت (عليها السلام): (تجدوه أبي) و(ولنعم..) والائمة (عليهم السلام) ـ كما سبق ـ كانوا يفتخرون بالانتساب إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) وفعلهم حجة ومحط أسوة(3).

وهذا من الفخر المستحب لا المذموم كما هو واضح، وفي الروايات أن جبرائيل كان يفتخر على الملائكة ويقول: «من مثلي وأنا سادس الخمسة الطيبة»(4).

ومن انتسابهم (عليهم السلام) إلى جدهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) ما ورد كثيراً عنهم من قولهم: «سمعت جدي رسول الله»(5).

وقال الإمام الحسين (عليه السلام) يوم عاشوراء: «و أنشدكم الله هل تعلمون أن جدي رسول الله»(6).

وقال الإمام الحسن (عليه السلام) لمعاوية: «أيها الذاكر علياً، أنا الحسن وأبي علي، وأنت معاوية وأبوك صخر، وأمي فاطمة وأمك هند، وجدي رسول الله وجدك حرب، وجدتي خديجة وجدتك قتيلة» الحديث(7).

وكان الإمام الحسين (عليه السلام) يوم عاشوراء، يرتجز ويقول:

أنـــا ابــن عــلي الخيـــر من آل هاشم          كــــــفاني بــــــهذا مفــــخر حين أفخر

وجــــدي رســــول الله أكرم من مشى          ونحـــــن ســراج الله فـي الخلق تزهر

وفـــــاطــــــمـة أمــي ســــلالة أحــــمد          وعــــمي يـــدعى ذا الجــناحين جعفر

وفــــيــنا كـــتــاب الله أنــــزل صـــادقاً          وفينا الهـــــدى والـوحي والخير يذكر

ونـــحـــن ولاة الحوض نســـقي محبنا          بكـــــاس رســـول الله مـــا ليس ينكر

وشـــيـــعتــنا في النــاس أكــرم شيعة          ومبــــغـــــضنا يوم القيامة يخسر(8)

ومن الواضـــح ان المستحـــب هـــو الافتخـــار بالانتساب إلـــى رســـول الله (صلى الله عليه وآله) إذا كان من باب (وأما بنعمة ربك فحدث)(9) أو لأجل إلفات أنظار وشد القلوب اكثر فأكثر إلى رسول الإسلام (صلى الله عليه وآله) أو ما أشبه ذلك.

ولا يخفى ان المنتسب إلى الرسول (صلى الله عليه وآله) ثواب طاعته اكثر، وعقاب عصيانه أكثر، بدليل العقل والنقل، ومنه مقتضى آية نساء النبي (صلى الله عليه وآله) حيث قال سبحانه: (يا نساء النبي لستن كأحد من النساء)(10) الآية، ورواية الإمام الصادق (عليه السلام) في قصة شارب الخمر وقوله (عليه السلام): (إن الحسن من كل أحد حسن وانه منك أحسن لمكانك منا وان القبيح من كل أحد قبيح وانه منك أقبح لمكانك منا)(11).

قولها (عليها السلام): (ولنعم المعزي إليه) أي المنسوب إليه، فان الإنسان يفتخر بنسبته إلى الكبار، وهذا من تتمة الكلام السابق، والفخر ـ في الإنسان الصحيح ـ في محله إذ وشائج القربى تؤثر في التسامي والارتفاع.

 

فبلغ الرسالة

تبليغ الرسالة

مسألة: يجب تبليغ الرسالة.والوجوب شامل حتى لمفرداتها المندوبة وشبهها.

والدليل على وجوب تبليغ الرسالة بأحكامها الخمسة والأحكام الوضعية أيضا ـ إذا قلنا بأنها غير الأحكام التكليفية لا أنها منتزعة منها ـ وان كان من تبليغ المستحب والمكروه والمباح: هو ان تبليغ الرسالة إيصال أحكام الله سبحانه وتعالى إلى العباد، من غير فرق بين أقسام الاحكام، وقد قال سبحانه: (يا أيها الرسول بلغ ما انزل إليك من ربك)(12).

وقال تعالى: (الذين يبلغون رسالات الله)(13).

وقال سبحانه: (فإنما عليك البلاغ)(14).

وقال تعالى: (فاعلموا انما على رسولنا البلاغ المبين)(15).

وقال سبحانه: (ليعلم أن قد أبلغوا رسالات ربهم)(16).

وقال تعالى: (أبلغكم رسالات ربي)(17).

وقال سبحانه: (وقال يا قوم لقد أبلغتكم رسالات ربي)(18).

وقال تعالى: (فقد أبلغتكم ما أرسلت به إليكم)(19).

وقال عز وجل: ( وأبلغكم ما أرسلت به)(20).

إلى غير ذلك من الآيات والروايات في هذا الباب، ولا منافاة بين ان يكون العمل ـ كالنوافل ـ مندوبا وإبلاغ ذلك للعباد واجباً كما هو واضح، كما لا منافاة بين ما ذكرناه وما ذكروه في المستحب من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

قال علي أمير المؤمنين (عليه السلام): «ان الله عز وجل بعث محمداً (صلى الله عليه وآله) للناس كافة ورحمة للعالمين فصدع بما أمر به وبلغ رسالات ربه»(21).

ونقرأ في زيارته (صلى الله عليه وآله): «أشهد أنك قد بلغت رسالات ربك»(22).

 

صادعاً بالنذارة

قولها (عليها السلام): (فبلغ) تعقيب لقوله تعالى: (لقد جاءكم)(23) ولعلها (صلوات الله عليها) إنما عادت إلى أوصاف الرسول (صلى الله عليه وآله) لتكميل الأوصاف، أو انها ذكرت ما ذكرت بين طائفتي الأوصاف، لئلا يستلزم التكثير في الصفات في نسق واحد ملالة السامع، كما هو مقتضى البلاغة في الفصل بما يحافظ على قوة الحديث وجاذبيته.

 

صادعاً بالنذارة

الإنذار أبداً

مسألة: يستحب الصدع بالإنذار، بل يجب أحيانا، وأصل الصدع يفيد معنى الكسر، قال تعالى: (والأرض ذات الصدع)(24)، وقال سبحانه: (لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعاً متصدعاً من خشية الله)(25) فان الذين يبلغون رسالات الله سبحانه بالنسبة لغير المستعدين لقبولها يصّدعون في التبليغ، قال تعالى: (فاصدع بما تؤمر واعرض عن الجاهلين)(26).

فعلى الإنسان أن يصدع بالحق وان كان في مجتمع لا يتقبل كلمة الحق ومنهجه بل يتقبل بعضهم فقط، بل وحتى إذا لم يتقبل ولا واحد منهم، لان على العالم أن يبلغ الرسالة سواء قبلها الجاهل أو لم يقبل كما ورد في الحديث الشريف: (إذا ظهرت البدع فعلى العالم أن يبين علمه وإلا فعليه لعنة الله)(27).

وقال الإمام الرضا (عليه السلام): «إذا ظهرت البدع فعلى العالم أن يظهر علمه فان لم يفعل سلب منه نور الإيمان»(28).

وقال (صلى الله عليه وآله): «إذا رأيتم أهل الريب والبدع من بعدي فاظهروا البراءة منهم واكثروا من سبهم والقول فيهم والوقيعة وناهبوهم كيلا يطمعوا في الفساد في الإسلام ويحذرهم الناس ولا يتعلموا من بدعهم، يكتب الله لكم بذلك الحسنات وترفع لكم بها الدرجات في الآخرة»(29).

وقال سبحانه: (وما على الرسول إلا البلاغ)(30).

وذلك أن شرائط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تختلف عن شرائط وجوب التبليغ، فقد يكون الهدف من الإبلاغ إتمام الحجة فقط(31)..

قال تعالى: (فإنما عليك البلاغ وعلينا الحساب)(32).

وقال أمير المؤمنين علي (عليه السلام): «ما أخذ الله على الجهال أن يتعلموا حتى أخذ على العلماء أن يعلموا»(33).

وقال (صلى الله عليه وآله): «من كتم علماً نافعاً ألجمه الله يوم القيامة بلجام من نار»(34).

قولها عليها السلام: (صادعا) أي منذراً ومظهراً للإنذار، إشارة إلى قوله سبحانه (فاصدع بما تؤمر)(35)، وقلنا بان اصل الصدع الكسر، كأنه يكسر حاجز الخوف، أو حجاب السكوت، أو سلسة الخرافات والضلالات.

 

مائلا عن مدرجة المشركين(36)

الميل عن طريقة المشركين

مسألة: يجب الميل عن طريقة المشركين والكفار، ولذا وصف إبراهيم الخليل(عليه السلام) بالحنيف، لان الحنيف عبارة عن المائل، فقد كان الناس على طريقة واحدة وجاء إبراهيم (عليه السلام) ووضع المناهج والبرامج مائلا عن طريقتهم، قال تعالى: (ملة إبراهيم حنيفاً وما كان من المشركين)(37). وكذلك رسول الله(صلى الله عليه وآله)، وهكذا بالنسبة إلى الأنبياء السابقين (صلوات الله عليهم أجمعين).

وقد ورد في سلمان عن الإمام الصادق (عليه السلام): «ان سلمان كان عبداً صالحاً حنيفاً مسلماً وما كان من المشركين»(38).

وفي الحديث عن أبي بصير عن أبي جعفر (عليه السلام) في قوله تعالى: (فاقم وجهك للدين حنيفاً)(39) قال(عليه السلام): «هي الولاية».(40)

وقال سبحانه:( اتبع ما أوحي إليك من ربك لا إله إلا الله واعرض عن المشركين)(41).

وقال تعالى: (ولا تتبع سبيل المفسدين)(42).

التشبه بالكفار

مسألة: التشبه بالكفار مرجوح في الجملة، وقد يكون حراما، ولربما استفيد من هذه الجملة ذلك، باعتبار استفادة الإطلاق من إضافة المفرد(43) أو بلحاظ أن المقام بمنزلة النكرة في سياق النفي وهي تفيد العموم(44)، كما ورد في الحديث القدسي (…أعدائي)(45).

قولها عليها السلام: (مدرجة) أي ما درجوا عليه، أي الطريقة والمسلك، فلم يسلك (صلى الله عليه وآله) سلوكهم في مختلف أبعاد الحياة(46)، حيث انهم انحرفوا عن طريقة الأنبياء (عليهم السلام) وعن فطرتهم.

 

ضارباً ثبجهم، آخذا بأكظامهم

التركيز على أئمة الكفر

مسألة: بناء على التأسي به (صلى الله عليه وآله) فالأصل في المعارك الدائرة على جبهات الكفر والإيمان أن يركز الضربات على (أئمة الكفر) ورؤوس الضلال، وهو أمر عقلي قبل أن يكون نقلياً، إذ أن دعائم الكفر لو تقوضت تقوض ما يقوم بها دون العكس عادة، وعليه أيضا أن يضرب على الوتر الحساس ويأخذ بخناقهم و يصيبهم في مقاتلهم دون أن يشغل نفسه بالهامشيات وبما لا يبلغ منهم مقتلاً.

ومن الواضح إن ذلك هو الأصل والقدرة من الشرائط(47).

قال تعالى: (فقاتلوا أئمة الكفر)(48).

قولها عليها السلام: (ضاربا ثبجهم) هو وسط الشيء ومعظمه، حتى لايتمكنوا من القيام بعد أن ضرب ثبجهم.

وفي كلام أمير المؤمنين علي (عليه السلام) بالنسبة إلى خيمة معاوية في صفين: (عليكم بهذا السواد الأعظم والرواق المطنب فاضروا ثبجه فان الشيطان راكد في كسره، نافج حضنه مفترش ذراعيه)(49).

و(بأكظامهم) الكظم مخرج النفس، حتى لا يتمكنوا من التنفس بالباطل.

منهج التصدي للأعداء

مسألة: ينبغي بيان طريقة الرسول (صلى الله عليه وآله) في التصدي لأعداء الدين(50)، ومن الضروري القيام بدراسات تخصصية مستوعبة حول طريقة تصديه لأعداء الإسلام سياسيا وإعلاميا وعسكريا وفكريا واجتماعيا وغير ذلك، في المخططات بعيدة المدى والقصيرة الأمد أيضا(51).

قال تعالى: (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة)(52).

وهناك تأكيد كبير على التصدي للأعداء والجهاد كما رسمه القرآن وطبقه رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأمير المؤمنين (عليه السلام):

قال (صلى الله عليه وآله): «إنما رهبانية أمتي الجهاد في سبيل الله»(53).

وقال (صلى الله عليه وآله): «للجنة باب يقال له باب المجاهدين يمضون إليه فإذا هو مفتوح وهم متقلدون بسيوفهم والجمع في الموقف والملائكة ترحب بهم، فمن تـرك الجهـاد ألبســه الله ذلاً في نفســه وفقراً في معيشتـه ومحقاً في دينه، إن الله تبارك

وتعالى أعز أمتي بسنابك خيلها ومراكز رماحها»(54).

هذا ولا يخفى أن الجهاد والحرب في الإسلام على أنظف صورة عرفها البشر كما فصلناه في بعض كتبنا(55).

وسئل النبي (صلى الله عليه وآله): «أي الجهاد أفضل؟ قال: كلمة حق عند إمام ظالم»(56).

وقال (صلى الله عليه وآله): «أفضل الجهاد كلمة عدل عند إمام جائر»(57).

وفي بعض الأحاديث: «عند سلطان جائر»(58).

وقال أمير المؤمنين علي (عليه السلام): «الجهاد عماد الدين ومنهاج السعداء»(59).

استعراض قوة الإسلام

مسألة: يستحب استعراض قوة الإسلام ومقومات تقدمه ونجاحه وقد يجب، وبالعكس فانه يحرم التخذيل والتثبيط في مختلف الأبواب الإسلامية وفروعها ولذا لايعطى ـ في باب الجهاد ـ للمخذل أي سهم، على ما قرر في الفقه.

وعن أبي عبد الله (عليه السلام): «ما من مؤمن يخـذل أخـاه وهـو يقـدر علــى نصرتــه إلا خذله الله في الدنيا والآخرة»(60).

وقال (عليه السلام): «ليحذر أحدكم أن يثبط أخاه عن الحج أن تصيبه فتنة في دنياه مع ما يدخره له في الآخرة»(61).

وفي الدعاء: «وأعذني اللهم بكرمك من الخيبة والقنوط والأناة والتثبيط»(62).

 

داعيا إلى سبيل ربه بالحكمة والموعظة الحسنة

الدعوة بالحكمة

مسألة: يجب أن تكون الدعوة إلى الدين بـ(الحكمة) و(الموعظة الحسنة) وان يكون الجدال بالتي هي احسن، في بعض الصور والمراتب، ويستحب في بعضها الآخر.

ثم ان (الحكمة) بمعناها الأعم ـ وهو وضع الأشياء مواضعها ـ مقسم للموعظة الحسنة والجدال بالتي هي احسن، وبمعناها الأخص قسيم لها.

فعلى التقدير الأول: يكون ذكرها بعدها للتأكيد من باب ذكر الخاص بعد العام لأهميته.

وعلى التقدير الثاني: يكون ذكرها تأسيسا، فيكون الأمر بحاجة إلى تحديد المراد بكل منهما.

فقد يقال بان المراد بالحكمة: استخدام البراهين القطعيــة، وبالموعظــة الحسنــة: الخطابة، وبالمجادلة بالتي هي احسن(63): الإلزام بالمقدمات المسلمة والمشهورة، والأولى للخواص وقد تكون للعوام أيضا، والثانية للعامة وقد تنفع الخواص أيضا، والثالثة للمعاندين.

وربما يمكن القول بان المراد بالحكمة ـ على التقدير الأخص ـ: مراعاة شرائط الزمان والمكان وما يرتبط بالتأثير على المستمع وفي الجانب المعنوي، وأما الموعظة والجدال فترتبط بالجانب اللفظي وما يتعلق به، ويكون المراد بالموعظة: ما يتضمن الإيلام القولي، لكن ذلك الإيلام الحسن الذي يحث النفس ويحرضها دون استفزاز، أو يقال المراد بالموعظة الحسنة: الغرس لكن على الوجه الحسن كما يمزج الدواء المر ببعض الاشربة و الروائح الطيبة كي يستسيغه المريض، أو يغلف بما يستر مرارة الدواء وحدَّته، ونظرا لان الحكمة تشمل كل ذلك ـ بالاعتبار الأول(64) ـ وحملا عليه ربما كان عدم إكمالها (عليها السلام) للآية بذكر القسم الثالث، حيث قال سبحانه:(ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن)(65).

وفي الحديث عن أمير المؤمنين (عليه السلام): «من عرف بالحكمة لحظته العيون بالوقار»(66).

وقال (عليه السلام): «عليك بالحكمة فإنها الحلية الفاخرة»(67).

وقال (عليه السلام): «من لهج بالحكمة فقد شرف نفسه»(68).

 

يكسر الأصنام وينكث الهام

وقال (عليه السلام): «بالحكمة يكشف غطاء العلم»(69).

وفي القرآن الكريم: (ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيراً كثيرا)(70).

وفي زيارة الرسول (صلى الله عليه وآله): «أشهد يا رسول الله… انك… دعوت إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة الجميلة»(71).

يكسر الأصنام(72) وينكث الهام(73).

القضاء على الأصنام

مسألة: يجب القضاء على الأصنام وكل ما يعبد من دون الله، مما اتخذها المشركون، حتى يقطع صلتهم بها، فان كان القضاء عليها يتحقق بالكسر ـ كما في الأصنام ـ وجب الكسر، وان كان على نحو الهدم وجب، وان كان صورة مرسومة على الحائط ـ مثلا ـ وجب محوها أو تغييرها.

وقد كسر النبي إبراهيم (عليه السلام) الأصنام في قصة معروفة(74).

وأمير المؤمنين (عليه السلام) ارتقــى كتــف النبي (صلى الله عليه وآله) وكســر الأصنــام التــي كانـت علـى الكعبة(75).

ويظهر من الروايات أن علياً (عليه السلام) كسر أصنام الكعبة مرتين مرة حين فتح مكة ومرة قبل الهجرة، ففي الحديث عنه (عليه السلام) قال:

«دعاني رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهو بمنزل خديجة ذات ليلة فلما صرت إليه قال: اتبعني يا علي.

فما زال (صلى الله عليه وآله) يمشي وأنا خلفه ونحن نخرق دروب مكة حتى أتينا الكعبة وقد أنام الله تعالى كل عين، فقال لي رسول الله(صلى الله عليه وآله) يا علي.

قلت: لبيك يا رسول الله.

قال: اصعد على كتفي.

ثم انحنى النبي (صلى الله عليه وآله) فصعدت على كتفه فقلبت الأصنام على رؤوسها ونزلت وخرجنا من الكعبة حتى أتينا منزل خديجة، فقال (صلى الله عليه وآله) لي: أول من كسر الأصنام جدك إبراهيم (عليه السلام) ثم أنت يا علي آخر من كسر الأصنام.

فلما أصبح أهل مكة وجدوا الأصنام منكوسة مكبوبة على رؤوسها، فقالوا: ما فعل هذا بآلهتنا إلا محمد وابن عمه»(76).

وفي الحديث عن الإمام الباقر (عليه السلام) قال: «ان اسم رسول الله (صلى الله عليه وآله) في صحف إبراهيم: الماحي… قيل: فما تأويل الماحي، فقال: الماحي صورة الأصنام وماحي الأوثان والازلام وكل معبود دون الرحمن»(77).

القضاء على أئمة الضلال

مسألة: يجب القضاء على (أئمة الضلال) كما فعل (صلى الله عليه وآله)، فان (ينكث الهام) أي يضرب الرؤوس أي (رؤوس أئمة الضلال وقادتهم) حتى ينفصل الاتباع عنهم، فيتمكنوا من تقرير مصير أنفسهم بأنفسهم، فيتركوا وشأنهم ـ أي من دون ارتباط بقادة الضلال ـ ليختاروا ما هو مقتضى عقولهم وفطرتهم.

إضافة إلى ان ضرب الرؤوس مما يوجب تفكك الترابط بين أجزاء جيش الضلال والظلام، فيكون ادعى لانهزام الإذناب وأسرع في القضاء على الجمع.

وفي ذكرها عليها السلام: (يكسر الأصنام وينكث الهام) نكتة لطيفة وهي ان القضاء على الأديان والمذاهب الباطلة يتم بركنين:

أحدهما: القضاء على (الرمز المقدس) و(المحور والقطب) الذي تدور عليه رحى معتقداتهم وأفكارهم.

والثاني: القضاء على حملة تلك الراية وعلى الدعاة إليها.

تخليد ذكرى القائد

مسألة: يستحب تخليد ذكر القائد الديني وإحياء أمره، من خلال بيان إنجازاته وما قام به من أعمال حسنة وخطوات حميدة، عبر كتابة الكتب وما أشبه ذلك، وقد يجب ذلك، كما بالنسبة إلى المعصومين (عليهم افضل الصلاة والسلام)، وذلك بلحاظ الحق(78) أولا، وبلحاظ ما لذلك من التأثير على (تأسي) الناس بالقادة واستضاءتهم بانوارهم وهدايتهم ثانياً.

قال الإمام الرضا (عليه السلام): «من جلس مجلساً يحيى فيه أمرنا لم يمت قلبه يوم تموت القلوب»(79).

وعن الهروي عن الإمام الرضا (عليه السلام) قال: «رحم الله عبداً أحيا أمرنا، فقلت له: فكيف يحيي أمركم؟ قال: يتعلم علومنا ويعلمها الناس فان الناس لو علموا محاسن كلامنا لاتبعونا»(80).

وعن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: «تجلسون وتتحدثون، قال الراوي: قلت نعم جعلت فداك، قال: تلك المجالس أحبها فاحيوا أمرنا يا فضيل، فرحم الله من أحيا أمرنا»(81).

 

حتى انهزم الجمع وولوا الدبر

حتى تفرى الليل عن صبحه، وأسفر الحق عن محضه

وقال (عليه السلام): «تزاوروا وتلاقوا وتذاكروا أمرنا وأحيوه»(82).

وعن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «اجتمعوا وتذاكروا تحف بكم الملائكة رحم الله من أحيا أمرنا»(83).

مواصلة المعركة

مسألة: تجب مواصلة المعركة مع الملحديــن والمشركيـــن حتى الهـــزيمة الكاملـــة، كــــما قال تعالى: (وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة)(84) وكما صنع (صلى الله عليه وآله) حيث واصل (حتى انهزم الجمع وولوا الدبر) و(حتى تفرى الليل عن صبحه وأسفر الحق عن محضه) ولـ (يكون الدين كله لله)(85).

فان انهزام الجمع الباطل يوجب تبدده وتفرقه وعدم قيام عمود له حتى يقابل الحق، وما اكثر من يترك مسيرة الجهاد في منتصف الطريق تعباً أو كسلاً أو خوفاً أو طمعاً، وفي الكثيــر مــن المجاهديــن الذيــن تركـوا مسيـرة الجهـاد ليتحولـوا إلـى مصفقين يسيرون في ركاب السلاطين الشاهد الكبير والإنذار الأكبر على ذلك أيضا. قولها (عليها السلام): (الجمع) أي جمع الكفار (وولوا الدبر) تأكيد لان المنهزم الشديد الانهزام يولي دبره إلى طرف هازمه بخلاف غيره حيث يمكن ان يهرب فيعطى هازمه طرفه لا ظهره. وفي حديث عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: «لما انهزم الناس يوم أحد عن رسول الله(صلى الله عليه وآله) لحقني من الجزع عليه ما لم أملك نفسي وكنت أمامه أضرب بسيفي بين يديه، فرجعت أطلبه فلم أره، فقلت ما كان رسول الله ليفر، وما رأيته في القتلى… فحملت على القوم فاخرجوا فإذا أنا برسول الله (صلى الله عليه وآله) قد وقع على الأرض مغشياً عليه فقمت على رأسه فنظر إلي وقال: ما صنع الناس يا علي؟ فقلت: كفروا يا رسول الله وولوا الدبر من العدو وأسلموك، فنظر النبي (صلى الله عليه وآله) إلى كتيبة قد أقبلت إليه، فقال لي: رد عني يا علي هذه الكتيبة، فحملت عليها بسيفي أضربها يميناً وشمالا حتى ولوا الأدبار، فقال لي النبي (صلى الله عليه وآله): أما تسمع يا علي مديحك في السماء ان ملكاً يقال له صِنوان(86) ينادي: لا سيف إلا ذو الفقار ولا فتى إلا علي»(87).

الحقيقة الكاملة

مسألة: يجب أن يتصدى الدعاة لـ(بيان الحقيقة) كاملة للناس، ولكشف القناع عن كل زيف وضلالة، فان كثيراً من المبلغين والمؤمنين يخشى أن يقول الحق كل الحق ويكتفي ببيان بعضه ويحاول إرضاء وجدانه بذلك البعض فحسب!

ولعل الكثير منهم يتعلل ـ لإرضاء وجدانه وإسكات خلاّنه ـ بأنه قد قام بجانب من الامر، وانه قد أنار بعض الظلم وجلّى بعض البهم وكفى!.

لكن ذلك شرعاً محرم، قال تعالى: (أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض)(88) فـ(إذا ظهرت البدع فعلى العالم ان يظهر علمه وإلا فعليه لعنة الله، أو سلب منه نور الإيمان)(89) وقد واصل الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ببيان كل صغيرة وكبيرة وتعرض لكل ما يقرب إلى الجنة ويباعد من النار، في العقائد والأعمال، في العقود والإيقاعات والأحكام و… (حتى تفرى الليل عن صبحه، وأسفر الحق عن محضه).

وفي المحاسن عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) في خطبته في حجة الوداع: «أيها الناس اتقوا الله، ما من شيء يقربكم من الجنة ويباعدكم من النار إلاّ وقد نهيتكم عنه وأمرتكم به»(90).

قال تعالى: (يا أيها الرسول بلغ ما انزل إليك من ربك وان لم تفعل فما بلغت رسالته)(91) فان الإسلام كل لا يتجزأ والمؤمنون (يجاهدون في سبيل الله ولايخافون لومة لائم)(92) وليرجف المرجفون بعد ذلك وليرقد البعض وليحدث ما يحدث.

إذن يجب العمل حتى يظهر محض الحق بدون شوب بالباطل، فان الحق قد يظهر لكنه مشوب بالباطل، مما يسبب ضلال الناس، فيجب أن يعمل الإنسان جاهداً حتى يظهر محض الحق، كي يتبعه من شاء أن يتبعه، قال تعالى: (ليهلك من هلـك عن بينة ويحيى من حي عن بينة)(93).

وقال (صلى الله عليه وآله): «الشريعة أقوالي والطريقة أفعالي والحقيقة أحوالي»(94).

وقال أمير المؤمنين علي (عليه السلام): «هلك من باع اليقين بالشك والحق بالباطل»(95).

وقال (عليه السلام): «رأس الحكمة لزوم الحق وطاعة المحق»(96).

وقال (عليه السلام): «الكيس صديقه الحق وعدوه الباطل»(97).

وقال (عليه السلام): «ليكن مرجعك إلى الحق فمن فارق الحق هلك»(98).

وقال (عليه السلام): «من استحيى من قول الحق فهو أحمق»(99).

وقال (عليه السلام): «لا خير في السكوت عن الحق»(100).

قولها (عليها السلام): (تفرى) انشق، والمراد بالليل ظلام الكفر والشرك والانحراف، و(صبحه) أي صبح الحق بالقرينة، أو صبح الليل، لأن وراء كل ليل صبح.

قولها (عليها السلام): (أسفر الحق) كشف وأضاء، (محضه) الضمير عائد إلى الحق، أي محض الحق الذي لا يشوبه باطل، ولعل المراد بهذه الجملة: الشريعة، وبالأولى العقيدة.

 

ونطق زعيم الدين

إسناد زعماء الدين

مسألة: يجب العمل حتى يفسح المجال لزعيم الدين كي يبلغ الرسالة وينطق بما أمره الله عزوجل، فان زعماء الدين ـ والزعيم هو السيد ـ إذا أتيحت لهم فرصة النطق والبيان بدون محذور، تمكن طلاب الحقيقة ومن يريد الدين ان يلتفوا حولهم. فان الكفار غالباً يحولون دون نطق زعيم الدين، كما قال سبحانه: (فردوا أيديهم في أفواههم)(101)..

وتارة بمنع الناس عن الإنصات لهم كما كان أقطاب مشركي مكة يجعلون القطن في آذان من يريد دخول المسجد الحرام، حتى لا يستمع إلى كلام النبي (صلى الله عليه وآله) أو يجعلون أصابعهم في آذانهم(102). وتارة بإيجاد حاجز نفسي وأغطية وغشاوة فكرية تحول دون تفهم الحقيقة ورؤيتها كما هي.

والمراد بـ: (زعيم الدين) في كلامها (عليها السلام) هو الرسول (صلى الله عليه وآله)، بناء على كون الإضافة لامية، وهو كناية عن تفوق كلمة الحق وسقوط كلمة الباطل، ويحتمل ان تكون الإضافة بيانية(103) وقد يؤيده السياق، ولمكان حتى.

 

وخرست شقاشق الشياطين

إسكات أصوات الشياطين

مسألة: يجب العمل على ان تخرس شقاشق الشياطين.

قال تعالى: (ان الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا)(104).

وقال سبحانه: (ولا تتبعوا خطوات الشيطان انه لكم عدو مبين)(105).

وقال أمير المؤمنين (عليه السلام): «صافوا الشيطان بالمجاهدة»(106).

وقال (عليه السلام): «الشهوات مصائد الشيطان»(107).

قولها عليها السلام: (خرست) أي صارت خرساء، والخرس: عدم القدرة على التكلم. و(شقاشق) جمع شقشقة، وهي الزبد الذي يخرج من فم البعير عند هياجه، وهذا تشبيه بأن الباطل كان عن ثورة وجهل، وبدون واقعية، قال سبحانه: (فأما الزبد فيذهب جفاءً)(108)، أما وجه الشبه في قول أمير المؤمنين(عليه السلام): (تلك شقشقة هدرت ثم قرت)(109) فبهدرها لا بعدم الواقعية كما هو واضح.

والمراد من (الشياطين):

إما زعماء الشرك، تشبيهاً وتنزيلاً.

أو الشياطين حقيقةً، حيث كانت لهم الكلمة نتيجة تعاضد عوامل عديدة منها: الزعماء الفاسدون، وعدم وضوح الطريق والصراط المستقيم، وعدم وجود القائد والدليـل الرائــــد، إضافــة إلـى وجود القيود الكابتة والعادات والتقاليد الجاهلية السائدة.

وههنا سؤال ربما يكثر في الأذهان اختلاجه وهو:

ان الإذاعات والصحف الشرقية والغربية التي تتبع أسلوباً صريحاً أو ذكياً لزلزلة عقائد المؤمنين هل يجب (إسكاتها وإخراسها) عبر إغلاقها ـ فيما إذا كانت في دائرة سلطة المؤمنين ـ أو عبر التشويش عليها بالأجهزة الحديثة فيما إذا كانت خارج الدائرة، أم غير ذلك‎؟

وكإشارة نقول:

افضل طريقة للتصدي لها هي: صنع البديل الأكفأ الأنفع فيلتف الناس حوله طبيعياً، ويكون من إسكات الشياطين بالطريقة الإيجابية(110)، فإذا كانت الإذاعة والتلفزيون والصحف الإسلامية أغنى وأقوى وأكثر عطاءً وروعة من غيرها اجتذب الناس إليها دون شك، خاصة مع مطابقتها لمتطلبات الفطرة.

أما إغلاقها وسائر ما يستلزمه من تضييق على العاملين بها أو سجنهم أو ملاحقتهم، فهو ـ مع انه غير مقدور في كثير من الموارد(111) ـ قد يكون مما ضرره اكثر من نفعه، نظراً لاستخدام الأعداء هذه مادة جديدة لتشويه سمعة الإسلام والمسلمين.

ولذلك نرى الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) وأمير المؤمنين (عليه السلام) تركا للمشركين والكفار الحرية في التحدث والدفاع الفكري عن عقائدهم وقارعوهم بالحجة لابغيرها، وتفصيل الكلام في محله.

وطاح وشيظ(112) النفاق

القضاء على النفاق

مسألة: النفاق ـ ببعض معانيه ـ من أشد المحرمات، والقضاء عليه واجب، وذلك مما يستفاد من أدلة عديدة، عقلية ونقلية، ومنها: وقوعه في كلامها (عليها السلام) ههنا نتيجة وغاية لذلك الواجب المسلّم(113) ولذلك نـــرى ان رســـول الله (صلى الله عليه وآله) أمـــر بإحـــراق ذلك المسجـــد الذي اتخـــذ ضراراً حيث كان مركزاً أو مجمعاً للمنافــقين والضـــرر والإضـــرار بالمسلمين(114).

وهناك روايات كثيرة في ذم النفاق وبيان أقسامه وأبوابه وما أشبه، ففي الدعاء المروي عن الإمام الكاظم (عليه السلام): «اللهم طهر لساني من الكذب وقلبي من النفاق»(115). وعن أبي جعفر (عليه السلام): «ان الخصومة تمحق الدين وتدرسه وتحبط العمل وتورث النفاق»(116).

وعن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «لا تقم إلى الصلاة متكاسلاً ولا متناعساً ولامتثاقلاً فإنها من خلل النفاق»(117).

وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «الكذب باب من أبواب النفاق»(118).

وقال (صلى الله عليه وآله): «حب المال والشرف ينبتان النفاق كما ينبت الماء البقل»(119).

وقال أمير المؤمنين (عليه السلام): «الإيمان بريء من النفاق»(120).

وقال (عليه السلام): «النفاق توأم الكفر»(121).

وقال (عليه السلام): «احذروا أهل النفاق فانهم الضالون المضلون»(122).

قولها عليها السلام: (طاح) أي سقط (وشيظ) السفلة الذين ينشطون عند ذهاب الحق وعموم الظلام. والمراد بالنفاق: إما معناه الاصطلاحي أي المنافقين الذين اظهروا الإسلام وأبطنوا الكفر، حيث أنهم سقطت كلمتهم وأخذ الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) بمسارب الحياة عليهم وهذا هو المنصرف. أو معناه اللغوي وهو التلون بألوان مختلفة ووجوه متعددة في شتى المسائل الاجتماعية والاقتصادية والسياسية وغيرها، لان الأمم الفاسدة تفتقد مكارم الأخلاق ويروج فيها النفاق وتتكون لها وجوه متعددة الى جانب المساوئ الأخرى.

 

وانحلت عقد الكفر والشقاق

حل مراكز قوى الأعداء

مسألتان: تحرم مشاقة الرسول (صلى الله عليه وآله) والمؤمنين، ويجب السعي لفصم العرى التي تربط المشركين بعضهم ببعض، أي القضاء على أي مركز تجمع لهم يخشى خطره على الإسلام والمسلمين، وذلك بالأسلوب الذي اتبعه رسول الله(صلى الله عليه وآله) والإمام أمير المؤمنين(عليه السلام) وسائر أئمة أهل البيت (عليهم السلام).

والشقاق غير الكفر، فان المراد بالشقاق ان يكون الحق في شق والباطل في شق آخر، وان كانا يشتركان في الجامع وهو (إظهار الإسلام)، قال سبحانه: (ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا)(123).

وفي الحديث: «اجتنبوا أهل الشقاق وذرية النفاق»(124).

وقال أمير المؤمنين (عليه السلام): «المؤمن منزه عن الزيغ والشقاق»(125).

قولها (عليها السلام): (وانحلت عقد الكفر) فلا مراكز لهم يلجئون إليها ويتقون بها ويستظهرون بها على الإسلام والمسلمين. (انحلت..) أي الجبهة المقابلة للإسلام كلا أو للإسلام الصحيح انحلت، فلم يبق لها ملجأ و مجمع، كما هو الشأن في كل حق يظهر، حيث ان الباطل ينزوي ولا يتمكن أن يثبت وجوده كقوة فاعلة متركزة، وان بقي أشلاء متناثرة وأعضاء متفرقة لا حول لها ولا قوة.

 

وفهتم بكلمة الإخلاص

وجوب النطق والتجاهر بكلمة الإخلاص

وههنا مسائل:

1: النطق بكلمة الإخلاص واجب في الجملة وبعض مصاديقه مستحب.

2: وكما يجب على المؤمن يجب ذلك على الكافر أيضا، لضرورة الاشتراك في التكليف.

3: وبعض مراتب الإعلان والتجاهر بهذه الكلمة واجب، ويجب في الجملة الجهاد لأجل ذلك.

والمراد من (فهتم) اما معناها الظاهري وهو النطق ومجرد التفوه بكلمة الإخلاص، وإما: الإظهار والإعلان والتجاهر أيضاً، و(كلمة الإخلاص) هي (لا اله إلا الله) وتسمى بالإخلاص لان المفروض فيها(126) ان يخلص الإنسان العقيدة له سبحانه من غير شريك، ثم ان العطف بالواو وان كان الأصل فيه اصل العطف لا الترتيب ـ على المشهور ـ إلا انه قد يستخدم في موارد الترتيب بقرينة مقامية، كما في المقام، فان إظهار الشهادتين عموماً وإظهار الإخلاص لله سبحانه وتعالى بالنسبة الى المؤمنين كان تحققه عادة بعد إسقاط كلمة الكفر والنفاق والشقاق، وقد جاءت السيدة الزهراء (عليها صلوات الله) بهذه الجملة عقيب الجملة السابقة، وهذا قد يدل على ما ذكرناه.

وفي الروايات: «القول الصالح شهادة ان لا إله إلا الله»(127).

وفي حديث سلسلة الذهب عن الإمام الرضا (عليه السلام) عن الله عز وجل قال: «كلمة لا إله إلا الله حصني فمن دخل حصني أمن من عذابي، فلما مرت الراحلة نادانا (عليه السلام): بشروطها وأنا من شروطها»(128).

وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «والذي بعثني بالحق بشيراً ونذيراً ما استقر الكرسي والعرش ولا دار الفلك ولا قامت السماوات والأرضون إلا بعد ان كتب الله عليها: لاإله إلا الله، محمد رسول الله، علي ولي الله»(129).

قولها (عليها السلام): (فهتم) من فاه أي تكلم، بكلمة الإخلاص، ثم ان من المعلوم ان التفوه بها مخلصاً يستتبع العمل ويقتضيه ويوجب سلوك الدرب الصحيح، ورفض المشركين التفوه بهذه الكلمة المباركة لم يكن لمجرد أنها كلمة عابرة، بل لأن التفوه بهذه الكلمة كان عنوانا للخروج من ولاية الشيطان والدخول في ولاية الرحمن، فهو رمز وشعار وعلامة أولا(130)، ثم الاعتراف بالإله الواحد يقتضي ان يسلك الطريق إلى آخر فرع من فروع الدين ثانياً.

 

في نفر من البيض الخماص(131)

التقوى والزهد من المقومات

مسألة: هذه الكلمات منها (صلوات الله عليها) توحي بأهمية الزهد والعمل والتقوى ومقوميتها للتقدم، كما تشير إلى بعض صفات القادة الأسوة أيضا.

قولها (عليها السلام): (نفر) أي جماعة، (البيض) أي صحيفتهم بيضاء ونقية عن الآثام والموبقات، والمراد بهم: أما أجلى المصاديق وهم أهل البيت (عليهم الصلاة والسلام)، حيث ان المسلمين التحقوا بهم، ويدل عليه ما جاء في بعض النسخ: (في نفر من البيض الخماص الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا)، أو مطلق الذين اخلصوا لله فصارت صحيفتهم بيضاء وان كانت قبل ذلك ـ لبعضهم ـ سوداء.

(الخماص): خميص البطن أي خاليه، وفي الحديث عنه (صلى الله عليه وآله): (لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير، تغدو اخماصاً وتروح بطانا)(132) فان الطير إذا لم يطر لم يحصل على رزقه، نعم لابد من توفر الحرية التي أمر بها الإسلام للإنسان حتى ينشط في العمل ويخطو خطوات واسعة في مجال التقدم والتفوق كالطير الحر، وإلا كان نصف البشر أو أكثره فقيراً، وان عمل وكد وجد واجتهد، كما نراه في عالم اليوم حيث السيطرة لغير الإسلام(133).

والمراد بالخماص إما المعنى الحقيقي كما سبق، أو المجازي أي الذين لا علاقة لهم بالدنيا، ولا يأكلون أموال الناس بالباطل، ومن المعلوم ان مثل هؤلاء الأشخاص المهذبين الذين لا يعيرون الدنيا اهتماماً هم الذين يتمكنون من صرف كل أوقاتهم في سبيل الله، وبالفعل كانوا كذلك حتى تمكنوا من تقدم الإسلام إلى الأمام.

قال تعالى في الحديث القدسي: «إني وضعت العلم والحكمة في الجوع»(134).

قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «نور الحكمة والمعرفة الجوع، والتباعد من الله الشبع»(135).

وقال النبي (صلى الله عليه وآله): «يا علي إن الله قد زينك بزينة لم يزين العباد بزينة أحب إلى الله منها، هي زينة الأبرار عند الله تعالى: الزهد في الدنيا»(136).

وقال (عليه السلام): «غاية الزهد الورع»(137).

وقال (صلى الله عليه وآله): «إذا رأيتم الرجل قد أعطي الزهد في الدنيا فاقتربوا منه، فانه يلقي الحكمة»(138).

وقال (صلى الله عليه وآله): «يا أبا ذر إن أهل الورع والزهد في الدنيا هم أولياء الله تعالى حقاً»(139).

 

1 - الاحتجاج: ص 28 احتجاج النبي (صلى الله عليه وآله) يوم الغدير.

2 - ولا يخفى الفرق بين هذه المسألة وما سبق من استحباب بيان النسب الشريف للذرية الطاهرة.

3 - وكما يقول الشاعر:

أولئك آبائـي فجئني بمثلهــم إذا جمعتنا ـ يا جرير ـ المجامع

4 - راجع المناقب: ج3 ص359.

5 - راجع التوحيد: ص90 و307، والامالي للصدوق: ص201 المجلس36 ح13، والامالي أيضا: ص345 المجلس 55، وعيون أخبار الرضا (عليه السلام): ج1 ص76 ح5، وص100 ح6، وج2 ص43 ح154، وكمال الدين 253 ح3، والاختصاص: ص238، وسائر كتب الحديث.

6 - الامالي للشيخ الصدوق: ص158 المجلس 30.

7 - الإرشاد: ج2 ص15.

8 - كشف الغمة: ج2 ص19.

9 - سورة الضحى: 11.

10 - سورة الأحزاب: 32.

11 - راجع المناقب: ج4 ص236 والعدد القوية: ص153 نبذة من أحوال الإمام الصادق (عليه السلام).

12 - سورة المائدة: 67.

13 - سورة الأحزاب: 39.

14 - سورة آل عمران: 20.

15 - سورة المائدة: 92.

16 - سورة الجن: 28.

17 - سورة الأعراف: 62.

18 - سورة الأعراف: 93.

19 - سورة هود: 57.

20 - سورة الأحقاف: 23.

21 - الجمل: ص267.

22 - مصباح المتهجد: ص709، والبلد الأمين: ص276، وجمال الأسبوع: ص29.

23 - سورة التوبة: 128.

24 - سورة الطارق: 12.

25 - سورة الحشر: 21.

26 - سورة الحجر: 94، والصدع بما يؤمر به هو إظهاره والجهر به، تقول صدعت بالحق أي جهرت به، ومن البين ان الإظهار والجهر بالحق يعود في جوهره الى الكسر والتحطيم لكل ما يخالف أوامر الله.

27 - راجع غوالي اللئالي: ج4 ص170 ح39، وفيه عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): «إذا ظهرت البدع في أمتي فليظهر العالم علمه فمن لم يفعل فعليه لعنة الله».

28 - علل الشرائع: ص236 ب171 ح1.

29 - تنبيه الخواطر ونزهة النواظر: ج2 ص162.

30 - سورة النور: 54.

31 - فعلى ذلك لا يشترط في الإبلاغ (احتمال التأثير) مثلاً وان اشترط في الامر بالمعروف والنهي عن المنكر.

32 - سورة الرعد: 40.

33 - غوالي اللئالي: ج4 ص71 ح40.

34 - غوالي اللئالي: ج4 ص72 ح41.

35 - سورة الحجر: 94.

36 - وفي بعض النسخ: (ناكباً عن سنن مدرجة المشركين) وفي بعضها: (مائلاً على مدرجة المشركين) ويكون المعنى على هذه النسخة الأخيرة: ضد مدرجة المشركين، أو يكون على بمعنى عن، كما لايخفى.

37 - سورة البقرة: 135.

38 - كشف الغمة: ج1 ص388.

39 - سورة الروم: 30.

40 - تفسير القمي: ج2 ص154 سورة الروم.

41 - سورة الأنعام: 106.

42 - سورة الأعراف: 142.

43 - إذ إن (مدرجة) مضاف لـ (المشركين) فتفيد: كل ما درج عليه المشركون.

44 - إذ إن (مائلا عن مدرجة المشركين) بمنزلة لم يمل الى مدرجة المشركين، وليلاحظ ان (مال الى) تناقض معنى (مال عن) فـ (مائلا عن) تساوي في المعنى (لم يمل إلى).

45 - هنا كلمة غير مقروءة في النسخة الأصلية.

46 - إشارة إلى أن (ما درجوا عليه) يشمل العادات والتقاليد والبدع والخرافات جميعا.

47 - أي ان من لا يستطيع التصدي لائمة الكفر مثلا فعليه التصدي لأعوانهم، ومن لا يستطيع الأخذ بأكظامهم عليه إقلاقهم فيما عدا ذلك بنحو الترتب.

48 - سورة التوبة: 12.

49 - تفسير فرات الكوفي: ص431 سورة الحجرات.

50 - راجع موسوعة الفقه، كتاب النظافة.

51 - استراتيجيا وتكتيكيا.

52 - سورة الأحزاب: 21.

53 - الامالي للشيخ الصدوق: ص69 المجلس 16 ح1.

54 - الامالي للشيخ الصدوق: ص577 المجلس 85 ح8.

55 - راجع كتاب (الفقه: النظافة) مبحث نظافة الحرب، للإمام المؤلف دام ظله.

56 - تنبيه الخواطر ونزهة النواظر: ج2 ص200.

57 - روضة الواعظين: ص6.

58 - إرشاد القلوب: ص98 ب24.

59 - غرر الحكم: ص333 ح7658.

60 - المحاسن: ص99.

61 - غوالي اللئالي: ج4 ص28 ح89.

62 - مصباح الكفعمي: ص400.

63 - في الآية المباركة سورة النحل:125.

64 - أي الحكمة بالمعنى الأعم.

65 - سورة النحل: 125.

66 - كنز الفوائد: ج1 ص319.

67 - غرر الحكم: ص58 ح604.

68 - غرر الحكم: ص58 ح606.

69 - غرر الحكم: ص59 ح625.

70 - سورة البقرة: 269.

71 - الإقبال: ص605.

72 - وفي بعض النسخ: (يجذ الأصنام).

73 - وفي بعض النسخ: (ينكس الهام).

74 - انظر تفسير القمي: ج2 ص71 سورة الأنبياء، وقصص الأنبياء للجزائري: ص102.

75 - راجع إعلام الورى: ص184، وشواهد التنزيل: ج1 ص453 ح480.

76 - الفضائل: ص97.

77 - الأمالي للشيخ الصدوق: ص71 المجلس17 ح2.

78 - قد يكون المراد بالحق: الحق العظيم الذي للمعصومين (عليهم السلام) علينا، وفي درجات أدنى: لسائر القادة الصالحين علينا، دينيا ودنيويا، وفي ذكر فضائلهم والإشادة بأعمالهم أداء لبعض حقهم.

79 - الأمالي للشيخ الصدوق: ص73 المجلس 17 ح4.

80 - معاني الأخبار: ص180.

81 - مصادقة الأخوان: ص23.

82 - مصادقة الأخوان: 34.

83 - مصادقة الأخوان: 38.

84 - سورة البقرة: 193، وسورة الأنفال: 39.

85 - سورة البقرة: 193، وسورة الأنفال: 39.

86 - وفي سائر الروايات انه كان جبرئيل (عليه السلام) والظاهر انهما نادى بذلك، أو أن صفوان من اسماء جبرائيل أيضاً.

87 - الإرشاد: ج1 ص86 ـ 87.

88 - سورة البقرة: 85.

89 - راجع غيبة الطوسي: ص64.

90 - المحاسن: ص278 ح399.

91 - سورة المائدة: 67.

92 - سورة المائدة: 54.

93 - سورة الأنفال: 42.

94 - غوالي اللئالي: ج4 ص124 ح212.

95 - غرر الحكم: ص62 ح723.

96 - غرر الحكم: ص59 ح632.

97 - غرر الحكم: ص68 ح945.

98 - غرر الحكم: ص69 ح953.

99 - غرر الحكم: ص70 ح988.

100 - غرر الحكم: ص70 ح991.

101 - سورة إبراهيم: 9.

102 - انظر تفسير فرات الكوفي: ص242 ح327 سورة بني إسرائيل.

103 - أي نطق زعيم هو الدين.

104 - سورة فاطر: 6.

105 - سورة الأنعام: 142.

106 - غرر الحكم: ص240 ح4848.

107 - غرر الحكم: ص304 ح6937.

108 - سورة الرعد: 17.

109 - نهج البلاغة، الخطبة الشقشقية.

110 - هذا لا يتنافى مع منع ما يمكن منعه من البرامج الفاسدة، كالأفلام المفسدة وما أشبه.

111 - ومع عدم جواز بعض ألوان التضييقات، كما هو مذكور في (الفقه: الدولة الإسلامية) و(الفقه: الحقوق) و(الفقه: الحريات) وغيرها من تأليفات الإمام المؤلف دام ظله.

112 - وفي بعض النسخ: (وسيط النفاق) ويكون المراد رئيس المنافقين وأشرفهم وأرفعهم محلاً.

113 - أي قولها (عليها السلام): (ضارباً ثبجهم، آخذاً بأكظامهم، داعياً.. يكسر الأصنام وينكث الهام) وذلك كله طريق ووسيلة إلى (حتى انهزم الجمع.. حتى تفرى الليل من صبحه.. ونطق.. وخرست.. وطاح وشيظ النفاق..).

114 - راجع تفسير الإمام الحسن العسكري (عليه السلام): ص483 و ص488.

115 - مصباح الكفعمي: ص96 الفصل 17.

116 - دعائم الإسلام: ج2 ص539 كتاب آداب القضاء ح1914.

117 - تفسير العياشي: ج1 ص242 سورة النساء.

118 - مجموعة ورام: ج1 ص113.

119 - مجموعة ورام: ج1 ص155.

120 - غرر الحكم: ص458 ح10476.

121 - غرر الحكم: ص458 ح10484.

122 - غرر الحكم: ص458 ح10494.

123 - سورة النساء: 115.

124 - المناقب: ج4 ص203.

125 - غرر الحكم: ص461 ح10564.

126 - المفروض أما من الفرض بمعنى الوجوب، أي الواجب فيها الإخلاص، أو المراد قد فرض فيها ان يكون المتكلم بها مخلصاً.

127 - راجع الأمالي للشيخ الصدوق: ص100 المجلس 21 ح9.

128 - الأمالي للشيخ الصدوق: ص235 المجلس 41 ح8.

129 - مائة منقبة: ص49 ح24.

130 - وذلك كمن يرفع علم دولة، أو المسيحي الذي يحمل الصليب على صدره أو ما أشبه.

131 - وفي بعض النسخ: (في نفر من البيض الخماص الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً).

132 - تنبيه الخواطر ونزهة النواظر: ج1 ص222. بيان فضيلة التوكل.

133 - راجع كتاب (المتخلفون مليارا مسلم) للإمام المؤلف.

134 - مشكاة الأنوار: ص328 ب9.

135 - روضة الواعظين: ص457.

136 - كشف الغمة: ج1 ص170.

137 - كشف الغمة: ج2 ص346.

138 - روضة الواعظين: ص437 مجلس في الزهد والتقوى.

139 - مكارم الأخلاق: ص468 الفصل 5.