فهرس الكتاب

هجرتها عليها السلام

1ـ قال المحقق البارع هاشم معروف الحسني: لقد توالت على الزهراء المشاهد التي كان وقعها أليماً على نفسها وقلبها منذ طفولتها، فمن المحن التي قاسا أبوها في سبيل الدعوة وما رافق ذلك من التعذيب والتنكيل بالمستضعفين من أتباعه إلى الحصار في الشعب الذي استمر نحواً من ثلاث سنين إلى وفاة عمها الكفيل أبي طالب وأمها خديجة في عام واحد إلى هجرة أبيها إلى المدينة خائفاً يترقب، بعد أن اتفقت قريش على قتله وتعاهدت قبائلها على ذلك ولم يبق له في مكة مكان يستريح إليه، وتمت الهجرة بسلام بالرغم من تحفظات قريش ومطاردتها له وبذلها الجوائز السخية لكل من يرشدها إلى مكانه أو يقبض عليه، وكان قبل هجرته أمر علياً بالمبيت على فراشه وأوصاه بما أهمه وأن يلحق به مع من بقي من النسوة، وهن فاطمة الزهراء، وفاطمة بنت أسد، وفاطمة بنت الحمزة، وفاطمة بنت الزبير بن عبد المطلب، ولم يرد ذكر لأم كلثوم مع النساء اللواتي خرجن مع علي عليه السلام من مكة إلى المدينة، ولعل ذلك مما دعا إلى التشكيك بوجودها بين بنات النبي صلى الله عليه وآله.

ومهما كان الحال فبعد أن نفذ علي عليه السلام وصايا الرسول وسلم الودائع لأهلها كما نصت على ذلك المؤلفات في سيرة النبي هيأ لهن الرواحل وأخرجهن من مكة في طريقه إلى يثرب، وأشار على من بقي في مكة من المؤمنين أن يتسللوا ليلاً إلى ذي طوى حيث يسير الركب منها باتجاه المدينة، وخرج هو في وضح النهار بالفواطم ومعه أم أيمن وأبو واقد الليثي، فجعل أبو واقد يجد السير مخافة أن تلحقهم قريش وتحول بينهم وبين إتمام المسيرة، فقال له علي عليه السلام: ارفق بالنسوة يا أبا واقد، وارتجز يقول:

ليــــس إلا الله فـــــارفع ظـــنكا          يكـــــفيك رب الخـــلق ما أهمكا

فلما قارب ضجنان أدركه طلب قريش وكانوا ثمانية من فرسانهم معهم مولى لحرب بن أمية يدعى جناح، فقال علي عليه السلام لأيمن وأبي واقد: أنيخا الإبل واعقلاها، وتقدم هو فأنزل النسوة ناحية واستقبل القوم بسيفه، ثم قالوا له: أظننت أنك ناج النسوة، وناشدوه أن يرجع، بهن طائعاً قبل أن يرجع بهن مكرهاً، ولكن علياً استقبل القوم بسيفه، وشد عليهم حتى فرقهم عن الركب يميناً وشمالاً، ومضى في أثرهم الواحد تلو الآخر، وضرب جناحاً مولى بني أمية على عاتقه فقده نصفين ودخل السيف إلى كتف فرسه ولاذ الباقون بالفرار، وعاد علي عليه السلام يتابع المسيرة بمن معه من النسوة حتى دخل المدينة وقد أجهده السير على قدميه، فرق النبي صلى الله عليه وآله لحاله.

وجاء في بعض المؤلفات في السيرة: إن الحويرث بن نقيد بن عبد قصي كان أحد الفرسان الذين أرسلتهم قريش لمطاردة علي عليه السلام ومن معه من النسوة، وكان ممن يؤذي النبي صلى الله عليه وآله في مكة، فأقبل الحويرث على البعير الذي يحمل فاطمة ومعها إحدى الفواطم، فرماها إلى الأرض فأضر بها،(1) وكانت نحيلة الجسم قد أنهكت جسمها الأحداث التي سبقت هجرة أبيها وبخاصة بعد وفاة أمها. ومرت سنوات على هذا الحادث وجاء العام الثامن للهجرة الذي فتح النبي فيه مكة، وجريمة الحويرث لا تزال عالقة في الأذهان ترددها الألسن، وإذا بالنبي صلى الله عليه وآله يسميه مع النفر الذين أهدر دماءهم وإن وجدوهم تحت أستار الكعبة، فقتله علي بن أبي طالب عليه السلام(2).

2 ـ في حديث الهجرة: ثم سار (علي عليه السلام) ظاهراً قاهراً حتى نزل ضجنان، فتلوم(3) بها قدر يومه وليلته، ولحق به نفر من المستضعفين من المؤمنين، وفيهم أم أيمن مولاة رسول الله صلى الله عليه وآله، فصلى ليلته تلك هو والفواطم... يصلون لله ليلتهم ويذكرونه قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم، فلن يزالوا كذلك حتى طلع الفجر، فصلى علي عليه السلام بهم صلاة الفجر، ثم سار لوجهه، فجعل وهم يصنعون ذلك منزلاً بعد منزل يعبدون الله عز وجل ويرغبون إليه كذلك حتى قدم المدينة، وقد نزل الوحي بما كان من شأنهم قبل قدومهم: (الذين يذكرون الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السماوات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلاً ـ إلى قوله ـ فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى) الذكر: علي عليه السلام، والأنثى: فاطمة عليها السلام، (بعضكم من بعض)(4) يقول: علي من فاطمة(5).

 

1 - قال الشيخ مهدي المازندراني (ره): ثم نظر علي عليه السلام إلى وجه فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله فرآها قد اصفر وجهها، فحمل على القوم وقلب الميمنة على الميسرة وقتل منهم جماعة، ورجعت الخيل يدق بعضهم بعضاً... ثم رجع أمير المؤمنين عليه السلام وقال: يا فاطمة يا بضعة رسول الله أيصفر وجهك وأنا ابن عمك علي بن أبي طالب؟ فقالت: ما خاب من كنت وراء ظهره. (شجرة طوبى، ص66).

2 - سيرة الأئمة الاثني عشر: ج1، ص79 ـ 81. 

3 - أي مكث.

4 - سورة آل عمران: الآية 191 ـ195. 

5 - البحار: ج19، ص66.