فهرس الكتاب

علة شهادتها وكيفية وفاتها وتجهيزها سلام الله عليها

1ـ عن أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام (في حديث): وكان سبب وفاتها أن قنفذاً مولى الرجل لكزها بنعل السيف بأمره، فأسقطت محسناً ومرضت من ذلك مرضاً شديداً، ولم تدع أحداً ممن آذاها يدخل عليها(1).

2ـ وقال المحدث القمي (ره): وكان سبب وفاتها أن قنفذ[اً] مولى عمر نكزها بنعل السيف(2).

3 ـ أخذت فاطمة باب الدار ولزمتها عن ورائها، فمنعتهم عن الدخول، ضرب عمر برجله على الباب فقلعت فوقعت على بطنها سلام الله عليها، فسقط جنينها المحسن(3).

4 ـ حين ما جروا أمير المؤمنين مع حلس كان مستقراً عليه، لزمت فاطمة مع ما كان عليها من وجع القلب بطرف الحلس تجره ويجر القوم على خلافها... أخذ عمر عن خالد بن وليد سيفاً فجعل يضرب بغمده على كتفها حتى صارت مجروحة(4).

5 ـ علة وفاة فاطمة أن عمر بن الخطاب هجم مع ثلاث مائة رجل على بيتها سلام الله عليها(5).

كيفية وفاتها سلام الله عليها

1ـ قالت لأم سلمة: اسكبي لي ماءً أغتسل به، فأتت به، فاغتسلت ولبست ثياباً طاهرة، وأمرتها أن تبسط فراشها بوسط الحجرة، فانضجعت على يمينها مستقبلة القبلة، ووضعت يدها اليمنى تحت خدها(6).

2ـ في رواية أخرى: قالت لأسماء: اسكبي لي ماءً، واغتسلت به، ثم قالت: ناوليني ثيابي الجدد، فلبستها، ثم قالت: آتيني ببقية حنوط والدي من موضع كذا وكذا، فضعيه تحت رأسي، ثم اخرجي عني وانظريني هنيئة، فإني أريد أن أناجي ربي عز وجل. قالت أسماء: فخرجت عنها فسمعتها تناجي ربها، فدخلت عليها وهي لا تشعر بي، فرأيتها رافعة يديها إلى السماء وهي تقول: اللهم إني أسألك بمحمد المصطفى وشوقه إلي، وببعلي علي المرتضى وحزنه عليّ، وبالحسن المجتبى وبكائه عليّ، وبالحسين الشهيد وكآبته عليّ، وببناتي الفاطميات وتحسرهن عليّ، إنك ترحم وتغفر للعصاة من أمة محمد، وتدخلهم الجنة، إنك أكرم المسؤولين، وأرحم الراحمين(7).

3ـ وقالت: انتظريني هنيهة ثم ادعني، فإن أجبتك وإلا فاعلمي أني قد قدمت على أبي (ربي).

قال الراوي: فانتظرتها أسماء هنيهة ثم نادتها، فلم تجبها، فنادت: يا بنت محمد المصطفى، يا بنت أكرم من حملته النساء، يا بنت خير من وطئ الحصى، يا بنت من كان من ربه قاب قوسين أو أدنى، فلم تجبها، فكشفت الثوب عن وجهها فإذا بها قد فارقت الدنيا. فوقعت عليها تقبلها وهي تقول: يا فاطمة إذا قدمت على أبيك رسول الله فأقرئيه عن أسماء بنت عميس السلام. ثم شقت أسماء جيبها وخرجت، فتلقاها الحسن والحسين عليهما السلام فقالا: أين أمنا؟ فسكتت، فدخلا البيت فإذا هي ممتدة، فحركها الحسين عليه السلام فإذا هي ميتة، فقال: يا أخاه آجرك الله في الوالدة. فوقع عليها الحسن عليه السلام يقبلها مرة ويقول: يا أماه كلميني قبل أن يفارق روحي بدني. قالت: وأقبل الحسين عليه السلام يقبل رجليها ويقول: يا أماه أنا ابنك الحسين، كلميني قبل أن ينصدع قلبي فأموت. قالت لهما أسماء: يا ابني رسول الله صلى الله عليه وآله انطلقا إلى أبيكما علي عليه السلام فأخبراه بموت أمكما. فخرجا يناديان يا محمداه، يا أحمداه، اليوم جدد لنا موتك إذ ماتت أمنا، ثم أخبرا علياً عليه السلام وهو في المسجد، فغشي عليه، حتى رش عليه الماء، ثم أفاق وكان عليه السلام يقول: بمن العزاء يا بنت محمد، كنت بك أتعزى، ففيم العزاء من بعدك؟ قال المسعودي: ولما قبضت عليها السلام جزع علي عليه السلام جزعاً شديداً، واشتد بكاؤه وظهر أنينه وحنينه، وقال في ذلك:

لكـــــــل اجتمــاع مـن خليلين فرقة          وكــل الــذي دون الممات(8) قليل

وإن افـــتقادي واحداً بعد واحد(9)          دليـــل على أن لا يدوم خليل(10)

4ـ قال العلامة المقرم (ره): قالت أم سلمى زوجة أبي رافع: كنت أمرض فاطمة أيام شكاتها، فأصبحت يوماً كأمثل ما رأيتها في شكواها، فقالت لي: يا أماه اسكبي لي غسلاً، فاغتسلت كأحسن ما رأيتها تغتسل، ثم قالت لي: يا أماه أعطيني ثيابي الجدد، فلبستها وأمرتني أن أقدم فراشها وسط البيت، ففعلت، فنامت عليه مستقبلة القبلة(11) وقالت: يا أماه إني مقبوضة الآن، فلا يكشفني أحد.

تقول أسماء بنت عميس: لما دخلت فاطمة البيت انتظرتها هنيئة ثم ناديتها، فلم تجب، فناديت: يا بنت محمد المصطفى، يا بنت أكرم من حملته النساء، يا بنت خير من وطئ الحصى، يا بنت من كان من ربه قاب قوسين أو أدنى، فلم تجب، فدخلت البيت وكشفت الرداء عنها فإذا بها قد قضت نحبها شهيدة، صابرة مظلومة محتسبة ما بين المغرب والعشاء. فوقعت عليها أقبله وأقول: يا فاطمة إذا قدمت على أبيك صلى الله عليه وآله فأقرئيه مني السلام. فبينا هي كذلك وإذا بالحسن والحسين دخلا الدار وعرفا أنها ميتة، فوقع الحسن يقبلها ويقول: يا أماه كلميني قبل أن تفارق روحي بدني، والحسين يقبل رجلها ويقول: يا أماه أنا ابنك الحسين، كلميني قبل أن ينصدع قلبي فأموت. ثم خرجا إلى المسجد وأعلما أباهما بشهادة أمهما، فأقبل أمير المؤمنين إلى المنزل وهو يقول: بمن العزاء يا بنت محمد؟ كنت بك أتعزى، ففيم العزاء من بعدك؟

وقال عليه السلام: اللهم إني راض عن ابنة نبيك صلى الله عليه وآله اللهم إنها قد أوحشت فآنسها، وهجرت فصلها، وظلمت فاحكم لها يا أحكم الحاكمين.

وخرجت أم كلثوم متجللة برداء وهي تصيح: يا أبتاه يا رسول الله الآن حقاً فقدناك فقداً لا لقاء بعده. وكثر الصراخ في المدينة على ابنة رسول الله، واجتمع الناس ينتظرون خروج الجنازة، فخرج إليهم أبو ذر وقال: انصرفوا إن ابنة رسول الله أخر إخراجها هذه العشية.

وأخذ أمير المؤمنين في غسلها، وعلله الإمام الصادق عليه السلام بأنها صديقة فلا يغسلها إلا صديق، كما أن مريم لم يغسلها إلا عيسى عليه السلام. وقال عليه السلام: إن علياً أفاض عليها من الماء ثلاثاً وخمساً، وجعل في الخامسة شيئاً من الكافور، وكان يقول: اللهم إنها أمتك، وبنت رسولك، وخيرتك من خلقك، اللهم لقنها حجتها، وأعظم برهانها، وأعل درجتها، واجمع بينها وبين محمد صلى الله عليه وآله.

وحنطها من فاضل حنوط رسول الله الذي جاء به جبرائيل، فقال النبي صلى الله عليه وآله: يا علي ويا فاطمة هذا حنوط من الجنة دفعه إلي جبرائيل، وهو يقرئكما السلام ويقول لكما: اقسماه واعزلا منه لي ولكما، فقالت فاطمة: ثلثه لك، والباقي ينظر فيه علي عليه السلام. فبكى رسول الله وضمها إليه وقال: إنك موفقة رشيدة مهدية ملهمة، يا علي قل في الباقي، فقال: نصف منه لها، والنصف لمن ترى يا رسول الله، قال: هو لك.

وكفنها في سبعة أثواب، وقبل أن يعقد الرداء عليها نادى: يا أم كلثوم، يا زينب، يا فضة، يا حسن، يا حسين، هلموا وتزودوا من أمكم الزهراء، فهذا الفراق، واللقاء في الجنة. فأقبل الحسنان عليهما السلام يقولان: وا حسرتا لا تنطفئ من فقد جدنا محمد المصطفى وأمنا الزهراء، إذا لقيت جدنا فأقرئيه منا السلام وقولي له: إنا بقينا بعدك يتيمين في دار الدنيا. فقال أمير المؤمنين عليه السلام أشهد أنها حنت وأنت ومدت يديها وضمتهما إلى صدرها ملياً، وإذا بهاتف من السماء ينادي يا أبا الحسن ارفعهما عنها، فلقد أبكيا والله ملائكة السماء. فرفعهما عنها، وعقد الرداء عليها، وصلى عليها، ومعه الحسن والحسين وعقيل وعمار وسلمان والمقداد وأبو ذر، ودفنها في بيتها.

ولما وضعها في اللحد قال: بسم الله الرحمن الرحيم، بسم الله وبالله، وعلى ملة رسول الله محمد بن عبد الله، سلمتك أيتها الصديقة إلى من هو أولى بك مني، ورضيت لك بما رضي الله لك. ثم قرأ: (منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى)(12).

وفي حديث غيرنا: إن أمير المؤمنين لما أنزلها في القبر وسواه عليها، سألها الملكان من ربك؟ قالت: الله ربي، قالا: ومن نبيك؟ قالت: أبي محمد، قالا: ومن إمامك؟ قالت: هذا القائم على قبري علي.

ثم إنه عليه السلام سوى في البقيع سبعة قبور، أو أربعين قبراً، ولما عرف الشيوخ دفنها، وفي البقيع قبور جدد، أشكل عليهم الأمر فقالوا: هاتوا من نساء المسلمين من ينبش هذه القبور لنخرجها ونصلي عليها. فبلغ ذلك أمير المؤمنين عليه السلام، فخرج مغضباً عليه قباؤه الأصفر الذي يلبسه عند الكريهة، وبيده ذو الفقار، وهو يقسم بالله: لئن حول من القبور حجر ليضعن السيف فيهم، فتلقاه عمر ومعه أصحابه فقال له: ما لك والله يا أبا الحسن لننبشن قبرها ونصلي عليها.

فأخذ أمير المؤمنين بمجامع ثوبه وضرب به الأرض وقال له: يا ابن السوداء أما حقي فتركته مخافة أن يرتد الناس عن دينهم، وأما قبر فاطمة فو الذي نفسي بيده لئن حول منه حجر لأسقين الأرض من دمائكم. وجاء أبو بكر وأقسم عليه برسول الله أن يتركه، فخلى عنه، وتفرق الناس(13).

الصلاة عليها

1ـ روي: أن فاطمة عليها السلام توفيت ولها ثمان عشرة سنة وشهرين، وأقامت بعد النبي صلى الله عليه وآله خمسة وسبعين يوماً وروي: أربعين يوماً، وتولى غسلها وتكفينها أمير المؤمنين عليه السلام، وأخرجها ومعه الحسن والحسين في الليل، وصلوا عليها ولم يعلم بها أحد(14).

2 ـ فلما توفيت قام أمير المؤمنين عليه السلام بجميع ما وصته، فغسلها في قميصها، وأعانته على غسلها أسماء بنت عميس(15)، وأمر الحسن والحسين عليهما السلام يدخلان الماء، ولم يحضرها غيره وغير الحسنين وزينب وأم كلثوم وفضة جاريتها وأسماء بنت عميس، وكفنها في سبعة أثواب ثم صلى عليها، وكبر خمساً، ودفنها في جوف الليل، وعفى قبرها، ولم يحضر دفنها والصلاة عليها إلا علي والحسنان ونفر من بني هاشم وخواص علي عليه السلام(16).

3ـ عن علي عليه السلام قال: خلقت الأرض لسبعة، بهم يرزقون، وبهم يمطرون، وبهم ينصرون: أبو ذر وسلمان والمقداد وعمـــار وحذيفة وعبد اللــــه بن مسعود، ـ قال علي عليه السلام ـ وأنا إمامهم وهم الذين شهدوا الــــصلاة على فاطمة عليها السلام(17).

4 ـ ولما ماتت فاطمة عليها السلام قام عليها أمير المؤمنين عليه السلام وقال: (اللهم إني راض عن ابنة نبيك، اللهم إنها قد أوحشت فآنسها، اللهم إنها قد هجرت فصلها، اللهم إنها قد ظلمت فاحكم لها وأنت خير الحاكمين)(18).

5 ـ فلما جن الليل غسلها علي، ووضعها على السرير، وقال للحسن: ادع لي أبا ذر فدعاه، فحملاه إلى المصلى، فصلى عليها، ثم صلى ركعتين، ورفع يديه إلى السماء فنادى: هذه بنت نبيك، فاطمة، أخرجتها من الظلمات إلى النور، فأضاءت الأرض ميلاً في ميل. فلما أرادوا أن يدفنوها نودوا من بقعة من البقيع: إلي إلي فقد رفع تربتها مني، فنظروا فإذا هي بقبر محفور، فحملوا السرير إليها فدفنوها، فجلس علي على شفير القبر فقال: (يا أرض استودعتك وديعتي، هذه بنت رسول الله)، فنودي منها: (يا علي أنا أرفق بها منك، فارجع ولا تهتم) فرجع وانسد القبر، واستوى بالأرض، فلم يعلم أين كان إلى يوم القيامة(19).

6ـ تاريخ الطبري: إن فاطمة دفنت ليلاً، ولم يحضرها إلا العباس وعلي والمقداد والزبير. وفي رواياتنا أنه صلى عليها أمير المؤمنين والحسن والحسين وعقيل وسلمان وأبو ذر والمقداد وعمار وبريدة. وفي رواية: والعباس وابنه الفضل. وفي رواية: وحذيفة وابن مسعود(20).

7 ـ فلما وارها وألحدها في لحدها أنشأ بهذه الأبيات، يقول:

أرى علــــــل الدنيا علـي كثيـرة          وصــــاحـبها حتى الممات عليل

لكل اجتماع مــــن خليلين فرقـة          وإن بـقــــائـي عنـــــــدكم لقليل

وإن افتقادي فــــاطماً بعد أحمد          دليل على أن لا يدوم خليل(21)

أول نعش أحدث في الإسلام نعشها عليها السلام

1ـ في حديث: ثم قالت: أوصيك يا ابن عم أن تتخذ لي نعشاً، فقد رأيت الملائكة صوروا صورته. فقال لها: صفيه لي، فوصفته، فاتخذه لها. فأول نعش عمل على وجه الأرض ذاك، وما رأى أحد قبله ولا عمل أحد(22).

2ـ عن سليمان بن خالد، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سألته عن أول من جعل له النعش، قال: فاطمة عليها السلام بنت رسول الله صلى الله عليه وآله.

3ـ عن أبي عبد الله عليه السلام قال: أول نعش أحدث في الإسلام نعش فاطمة، إنها اشتكت شكاتها التي قبضت فيها وقال (قالت ـ ظ) لأسماء: إني نحلت فأذهب لحمي، ألا تجعلين لي شيئاً يسترني؟ فقالت أسماء: إني إذ كنت بأرض الحبشة رأيتهم يصنعون شيئاً، أفلا أصنع لك مثله؟ فإن أعجبك صنعت لك، قالت: نعم، فدعت بسرير، فأكبته لوجهه، ثم دعت بجرائد فشددته على قوائمه، ثم جللته ثوباً فقالت: هكذا رأيتهم يصنعون، فقالت: اصنعي لي مثله، استريني سترك الله من النار.

4ـ قال الصادق عليه السلام: أول من جعل له النعش فاطمة بنت محمد صلى الله عليه وآله.

5ـ عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سألته عن أول من جعل له النعش، فقال: فاطمة عليها السلام.

6ـ عن ابن عباس قال: مرضت فاطمة عليها السلام مرضاً شديداً، فقالت لأسماء بنت عميس: ألا ترين إلى ما بلغت؟ فلا تحمليني على سرير ظاهر، فقالت: لا لعمري، ولكن أصنع نعشاً كما رأيت يصنع بالحبشة. قالت: فأرينيه، فأرسلت إلى جرائد رطبة فقطعت من الأسواق، ثم جعلت على السرير نعشاً، وهو أول ما كان النعش، فتبسمت، وما رأيتها مبتسمة إلا يومئذ، ثم حملناها فدفناها ليلاً.

7ـ عن أسماء بنت عميس: إن فاطمة عليها السلام قلت لها: إني قد استقبحت ما يصنع بالنساء، إنه يطرح على المرأة الثوب فيصفها لمن رأى، فقالت: يا بنت رسول الله أنا أصنع لك شيئاً رأيته بأرض الحبشة، قالت: فدعوت بجريدة رطبة فحبستها(23)، ثم طرحت عليها ثوباً، فقالت فاطمة: ما أحسن هذا وأجمله! لا تعرف به المرأة من الرجل، فإذا مت فاغسليني أنت ـ إلى أن قال ـ فلما ماتت عليها السلام غسلها علي وأسماء(24).

تذييل:

قال محشي البحار: قد كثر في هذا الباب ذكر أسماء بنت عميس وأن فاطمة عليها السلام أوصت إليها بكذا وكذا. لكنه ينافي ما هو الثابت في التاريخ من أنها كانت زوجة جعفر بن أبي طالب، ثم بعد شهادته تزوجها أبي بكر بن أبي قحافة، وبعد وفاته ـ في سنة ثلاث وعشرة من الهجرة بعد رحلة النبي صلى الله عليه وآله بأزيد من سنتين ـ تزوجها علي بن أبي طالب، فكانت عنده مع ابنها محمد بن أبي بكر. فإما أن يكون وفاة فاطمة عليها السلام بعد هذه السنة ولم يقل به أحد، أو كان (أسماء بنت عميس) مصحفاً عن (سلمى) امرأة أبي رافع كما مر عن (أمالي الطوسي) ص172، ويجيء في غيره من المصادر، أو سلمى امرأة حمزة بن عبد المطلب وهي أخت أسماء بنت عميس كما احتمله الإربلي في (كشف الغمة) وقد مر ص136، وإما أن يكون مصحفاً عن (أسماء بنت يزيد بن السكن) كما مر في ص132 عن الكنجي الشافعي، وهو الأشبه(25).

أقول: ويؤيده ما في (الإصابة) بترجمة فاطمة الزهراء عليها السلام: نقل أبو عمر في قصة وفاتها أن فاطمة أوصت علياً أن يغسلها هو وأسماء بنت عميس. واستبعده ابن فتحون فـــإن أسماء كانــــت حينئذ زوج أبــــي بكر (إلى أن قال) وهو محل الاستبعاد(26).

دفنها عليها السلام

1 ـ روي أنه لما صار بها إلى القبر المبارك خرجت يد فتناولتها وانصرف(27).

2ـ في حديث: فلما قضت نحبها صلى الله عليها وهم في ذلك في جوف الليل، أخذ علي عليه السلام في جهازها من ساعته كما أوصته، فلما فرغ من جهازها أخرج علي الجنازة وأشعل النار في جريد النخل، ومشى مع الجنازة بالنار حتى صلى عليها ودفنها ليلاً(28).

3ـ وذكر الحاكم: أن فاطمة لما ماتت أنشأ علي عليه السلام:

نـــــفسي على زفراتها محبوسـة          يــا ليـــــتها خـرجت مع الزفرات

لا خــــــير بعدك في الحياة وإنما          أبكي مخافة أن تطول حياتي(29)

4 ـ فلما نفض يده من تراب القبر هاج به الحزن، فأرسل دموعه على خديه وحول وجهه إلى قبر رسول الله صلى الله عليه وآله فقال: السلام عليك يا رسول الله ـ الخ(30).

ومن وصيتها له: إذا أنزلها في القبر وسوى التراب عليها يجلس عند رأسها قبالة وجهها، ويكثر من تلاوة القرآن والدعاء، فإنها ساعة يحتاج الميت فيها إلى أنس الأحياء(31).

محل دفنها عليها السلام

1 ـ أحمد بن محمد بن أبي نصر قال: سألت أبا الحسن عليه السلام عن قبر فاطمة، فقال: دفنت في بيتها، فلما زادت بنو أمية في المسجد صارت في المسجد(32).

2 ـ قال أبو جعفر الطوسي (ره): الأصوب أنها مدفونة في دارها أو في الروضة، يؤيد قوله قول النبي صلى الله عليه وآله: (بين قبري ومنبري روضة من رياض الجنة). وفي البخاري: (بين بيتي ومنبري). وفي (الموطأ) و(الحلية) والترمذي و(مسند) أحمد بن حنبل: (ما بين بيتي ومنبري). وقال صلى الله عليه وآله: (منبري على ترعة من ترع الجنة)(33).

3 ـ عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن الرضا عليه السلام قال: سألته عن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله أي مكان دفنت؟ فقال: سأل رجل جعفراً عليه السلام عن هذه المسألة وعيسى بن موسى حاضر، فقال له عيسى: دفنت في البقيع، فقال الرجل: ما تقول؟ فقال: قد قال لك فقلت له: أصلحك الله ما أنا وعيسى بن موسى؟ أخبرني عن آبائك، فقال الإمام عليه السلام: دفنت في بيتها(34).

4 ـ قال العلامة المجلسي (ره): إن الأصح أنها مدفونة في بيتها(35).

موضع بيتها عليها السلام

يستفاد من الأخبار وأقوال المؤرخين أن بيت فاطمة الزهراء سلام الله عليها كان ملاصقاً وملازماً بالحجرة المخصوصة النبوي صلى الله عليه وآله التي جعلها صلى الله عليه وآله مخصوصة للتهجد والاعتكاف والعبادة. قال العلامة السموهدي الشافعي في الفصل الذي ينقل ويذكر فيه ما جاء في أساطين المسجد النبوي صلى الله عليه وآله: ومنها أسطوان التهجد، أسند يحيى، عن عيسى بن عبد الله، عن أبيه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله يخرج حصيراً كل ليلة إذا انكفت الناس، فيطرح وراء بيت علي عليه السلام، ثم يصلي صلاة الليل...

قال عيسى: وحدثني سعيد بن عبد الله بن فضيل قال: مر بي محمد ابن الحنفية وأنا أصلي إليها، فقال لي: أراك تلزم هذه الأسطوانة، هل جاءك فيها أثر؟ قلت: لا، قال: فالزمها فإنها كانت مصلى رسول الله صلى الله عليه وآله من الليل.

عن زيد بن ثابت: إن رسول الله صلى الله عليه وآله اتخذ حجرة ـ قال حسبت أنه قال من حصيرـ في رمضان، فصلى فيها ليالي.

وقال المطري في بيان موضع هذه الأسطوانة: هي خلف بيت فاطمة رضي الله عنها، والواقف إليها يكون باب جبريل عليه السلام(36).

وعن جابر بن عبد الله الأنصاري في حديث طويل: وكان بيتها سلام الله عليها ملاصق بيت رسول الله صلى الله عليه وآله الذي ينفرد به لنفسه من أزواجه(37).

أقول: إن هذا الحديث يدل على أن بيته الذي اختصه صلى الله عليه وآله لنفسه لاصق ببيت فاطمة سلام الله عليها، وهو البيت الذي يعبد الله فيه ويتضرع إليه تعالى، وفي هذه الملازمة والملاصقة أسرار ومصالح وحكم لمن تدبر فيها. وإن هذا البيت الشريف كان قائماً إلى زمن الوليد بن عبد الملك حتى قدم من الشام إلى المدينة فأمر بهدمه.

وقال السمهودي في الفصل السادس عشر من (وفاء الوفاء): قال ابن زبالة: حدثني عبد العزيز بن محمد، عن بعض أهل العلم قال: قدم الوليد بن عبد الملك حاجاً، فبينا هو يخطب الناس على منبر رسول الله صلى الله عليه وآله إذ حانت منه التفاتة، فإذا بحسن بن حسن بن علي بن أبي طالب عليه السلام في بيت فاطمة، في يده مرآة ينظر فيها، فلما نزل أرسل إلى عمر بن عبد العزيز (وهو عامله بالمدينة) فقال: لا أرى هذا قد بقي بعد.

عن موسى بن جعفر بن أبي كثير قال: بينما الوليد يخطب على المنبر إذ انكشفت الكلة(38) عن بيت فاطمة عليها السلام وإذا حسن بن حسن يسرح لحيته وهو يخطب على المنبر، فلما نزل أمر بهدم بيت فاطمة رضي الله عنها. إن حسن بن حسن وفاطمة بنت الحسين أبوا أن يخرجوا منه، فأرسل إليهم الوليد بن عبد الملك: إن لم تخرجوا هدمته عليكم. فأبوا أن يخرجوا، فأمر بهدمه عليهم وهما فيه وولدهما، فنزع أساس البيت وهم فيه، فلما نزع أساس البيت قالوا لهم: إن لم تخرجوا قوضناه عليكم، فخرجوا منه...

قال (الوليد بن عبد الملك): ويحك (لرجل من أمنائه) فما أصنع؟ هو بيته (حسن بن حسن) وبيت أمه فما الحيلة في ذلك؟ قال: تزيد في المسجد، وتدخل هذا البيت فيه(39).

روي ما حاصله: إن بيت فاطمة الزهراء لما أخرجوا منه فاطمة بنت حسين وزوجها حسن بن حسن وهدموا البيت، بعث حسن بن حسن ابنه جعفراً ـ وكان أسن ولده ـ فقال له: اذهب ولا تبرحن حتى يبنوا، فتنظر الحجر الذي من صفته كذا وكذا هل يدخلونه في بنيانهم؟ فلم يزل يرصدهم حتى رفعوا الأساس وأخرجوا الحجر، فجاء جعفر إلى أبيه فأخبره، فخر ساجداً وقال: ذلك حجر كان النبي صلى الله عليه وآله يصلي إليه إذا دخل إلى فاطمة، أو كانت فاطمة تصلي إليه.

وقال علي بن موسى الرضا عليهما السلام: ولدت فاطمة الحسن والحسين على ذلك الحجر. قال يحيى: ورأيت الحسين بن عبد الله بن عبد الله بن الحسين ـ ولم أر فينا رجلاً أفضل منه ـ إذا اشتكى شيئاً من جسده كشف الحصى عن الحجر، فيمسح به ذلك الموضع. ولم يزل ذلك الحجر نراه حتى عمر الصانع المسجد فقدناه(40).

بعد دفنها عليها السلام

قال عليه السلام عند رحلتها عليها السلام:

حبــــيب ليــــــس يعـدلـه حبيب           وما لســــواه في قلبـي نصيب

حبيب غـاب عن عيني وجسمي          وعــــن قـــلبي حبيبـي لا يغيـب

وقال مخاطباً لها بعد وفاتها عليها السلام:

ما لي وقفت على القبور مسلـما          قـــــبر الحبيب فلم يـرد جوابي

أحبيـــــب مـــا لك لا تـرد جواباً          أنسيـــــت بــعـدي خلة الأحباب

وقال عليه السلام مجيباً لنفسه من قبلها عليه السلام:

قال الحبيب: وكيف لي بجوابكم          وأنا رهيـــــن جــــنادل وتـراب

أكـــل التراب محاسنـي فنسيتكم          وحجبت عن أهلي وعن أترابي

فعليــــــكم منـي السلام تقطعـت          عـــنـي وعنــــكم خلـة الأحباب

بيان: الجنادل: الأحجار. والترب: الموافق في السن. وفي شرح الديوان: روي أن الأبيات الأخيرة سمعت من هاتف(41).

 

1 - دلائل الإمامة، للطبري، ص45. 

2 - بيت الأحزان: ص160. والنكز: الدفع والضرب، والطعن بطرف سنان الرمح.

3 - ملتقى البحرين: ص81، (الجنة العاصمة) ص251. 

4 - ملتقى البحرين: ص81، (الجنة العاصمة) ص251. 

5 - المصدر، ص81. 

6 - وفاة فاطمة الزهراء، للعلامة البلادي البحراني، ص77 ـ78. 

7 - وفاة فاطمة الزهراء، للعلامة البلادي البحراني، ص77 ـ78. 

8 - دون الفراق ـ خ ل. 

9 - فاطمة بعد أحمد ـ خ ل.

10 - بيت الأحزان: ص150 ـ152. 

11 - ثم توسدت يدها اليمنى واستقبلت القبلة (البحار، 43/188) وجعلت يدها تحت نحرها وقالت: إني مقبوضة (تذكرة الخواص 318). ووضعت يدها اليمنى تحت خدها (وفاة الزهراء للبلادي 79).

12 - طه، 55. 

13 - وفاة الصديقة الزهراء عليها السلام: ص106 ـ110. 

14 - عوالم المعارف: ج11، ص292. 

15 - في تذكرة الخواص: ص319: إن علياً غسلها، وأسماء تصب عليها.

16 - المجالس السنية: ج2، ص122. 

17 - الخصال: ص360 و588. 

18 - الخصال: ص360 و588. 

19 - البحار: ج43، ص215. 

20 - المصدر، ص183 و180. 

21 - المصدر، ص183 و180. 

22 - البحار: ج43، ص192. 

23 - في البحار: فحسنتها. 

24 - وسائل الشيعة: ج2، ص876 ـ877، الباب 52 من أبواب الدفن.

25 - هامش البحار: ج43، ص181 ـ182. 

26 - الإصابة: ج4، ص378. 

27 - البحار: ج43، ص184 و204 و213. 

28 - البحار: ج43، ص184 و204 و213. 

29 - البحار: ج43، ص184 و204 و213. 

30 - راجع الكلام، ص551 ـ552. 

31 - وفاة الصديقة الزهراء عليها السلام، للعلامة المقرم، ص105، عن (كشف اللثام) للفاضل الهندي عند قول العلامة (ره): يكره المقام عند القبور، رواه عن الصادق عليه السلام.

32 - المناقب، لابن شهر آشوب، ج3،ن ص365. والترعة: الباب، الروضة.

33 - المناقب، لابن شهر آشوب، ج3،ن ص365. والترعة: الباب، الروضة.

34 - قرب الإسناد: ص161، الطبع الحجري. 

35 - البحار: ج43، ص188، وج100، ص193. 

36 - وفاء الوفاء: ج2، ص450 ـ452. 

37 - البحار: ج43، ص56. 

38 - الكلة: غشاء رقيق من الثوب يتوقى به من البعوض.

39 - وفاء الوفاء: ج2، ص513 ـ514. 

40 - المصدر، ص572. 

41 - البحار: ج43، ص217.