الصفحة 27
الفخذ والسم الذي يسقى، وقتل الحسين..

قال: فبكى أهل البيت جميعاً، فقلت: يا رسول الله! ما خلقنا ربّنا إلا للبلاء؟! قال أبشر ـ يا علي! ـ فإن الله عزّ وجل قد عهد إليّ انه لا يحبّك إلا مؤمن ولا يبغضك إلاّ منافق "(1).

قال ابن عباس: لما رجعنا من حجّة الوداع جلسنا مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في مسجده، قال: ".. أيّها الناس! الله الله في عترتي وأهل بيتي، فإنّ فاطمة بضعة منّي، وولديها عضداي، وأنا وبعلها كالضوء.. اللّهم ارحم من رحمهم، ولا تغفر لمن ظلمهم... " ثمّ دمعت عيناه، قال: " وكأنّي أنظر الحال "(2).

أوّل من يُحكَم فيه يوم القيامة

عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: " لما أسرى بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ; قيل له: ان الله مختبرك في ثلاث لينظر كيف صبرك..؟ قال: أسلم لأمرك يا ربّ ولا قوّة لي على الصبر إلا بك.. " إلى أن قال:

" وأما الثالثة ; فما يلقى أهل بيتك من بعدك من القتل، أما أخوك ; فيلقى من أُمّتك الشتم والتعنيف والتوبيخ والحرمان والجهد والظلم.. وآخر ذلك القتل.

فقال: يا ربّ! سلمت وقبلت، ومنك التوفيق والصبر.

وأما ابنتك ; فتظلم وتحرم ويؤخذ حقّها غصباً ـ الذي تجعله لها ـ وتُضرب وهي حامل، ويُدخل على حريمها ومنزلها بغير إذن.. ثم يمسّها هوان وذلّ.. ثم لا تجد مانعاً، وتطرح ما في بطنها من الضرب، وتموت من ذلك

____________

1. أمالي الصدوق: 134 ; المناقب: 2/209 ; بحار الأنوار: 27/209 و 28/51 و 44/149.

2. بحار الأنوار: 23/143 عن الفضائل لشاذان بن جبرئيل القمي ولم نجده في المطبوع منه، وهو موجود في مخطوطة مكتبة الآستانة الرضوية المقدّسة في ضمن الحديث الخامس عشر.


الصفحة 28
الضرب.

قال ( إِنّا لِلّهِ وَ إِنّا إِلَيْهِ راجِعُونَ )(1) قبلت يا ربّ! وسلمت، ومنّك التوفيق والصبر... " ثم قال:

" وأما ابنتك ; فإني أوقفها عند عرشي فيقال لها: إنّ الله قد حكّمك في خلقه، فمن ظلمك وظلم وُلدك فاحكمي فيه بما أحببت.. فإني أُجيز حكومتك فيهم، فتشهد العرصة ; فإذا أوقف من ظلمها أمرت به إلى النار.. " إلى أن قال:

" وأوّل من يحكّم فيه محسن بن علي (عليه السلام) في قاتله، ثم في قنفذ، فيؤتيان هو وصاحبه، فيُضربان بسياط من نار لو وقع سوط منها على البحار لغلت من مشرقها إلى مغربها، ولو وضعت على جبال الدنيا لذابت حتّى تصير رماداً.. فيُضربان بها.. "(2).

عن أبي جعفر محمّد بن علي الباقر (عليه السلام) قال: سمعت جابر بن عبد الله الأنصاري يقول: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): " إذا كان يوم القيامة تقبل ابنتي فاطمة على ناقة من نوق الجنة... فتسير حتى تحاذي عرش ربّها جلّ جلاله، فتزج(3)بنفسها عن ناقتها، وتقول: " إلهي وسيدي! احكم بيني وبين من ظلمني.. اللهم احكم بيني وبين من قتل ولدي.. " فإذا النداء من قبل الله جلّ جلاله: يا حبيبتي وابنة حبيبي! سليني تعطى، واشفعي تشفعي، فوعزّتي وجلالي لا جازني ظلم ظالم.. "(4).

____________

1. البقرة (2): 156.

2. كامل الزيارات: 334 ـ 332 ; تأويل الأيات: 838 ; الجواهر السنيّة: 289 ـ 291 ; بحار الأنوار: 28/64 ـ 61 ; العوالم: 11/398.

3. خ. ل: فتنزخ ; فتنزل.

4. بشارة المصطفى (صلى الله عليه وآله وسلم): 18، روضة الواعظين: 1/148، الفضائل: 10، المناقب: 3/326، الأمالي للصدوق: 17 (المجلس الخامس) عن الاخير في بحار الأنوار: 43/219.


الصفحة 29

شكوى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من ظالمي فاطمة (عليها السلام)

روى جابر بن عبد الله الأنصاري، قال: دخلت فاطمة (عليها السلام) على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ـ وهو في سكرات الموت ـ فانكبّت عليه تبكي، ففتح عينه وأفاق ثم قال:

" يا بنيّة! أنت المظلومة بعدي.. وأنت المستضعفة بعدي.. فمن آذاك قد آذاني، ومن غاظك فقد غاظني، ومن سرّك فقد سرّني، ومن برّك فقد برّني، ومن جفاك فقد جفاني، ومن وصلك فقد وصلني، ومن قطعك فقد قطعني، ومن أنصفك فقد أنصفني، ومن ظلمك فقد ظلمني ; لأنك مني وأنا منك، وأنت بضعة مني، وروحي التي بين جنبيّ ".

ثم قال (صلى الله عليه وآله وسلم): " إلى الله أشكو ظالميك من أُمّتي ".

ثم دخل الحسن والحسين (عليهما السلام) فانكبّا على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وهما يبكيان ويقولان: " أنفسنا لنفسك الفداء يا رسول الله! "، فذهب علي (عليه السلام) لينحّيهما عنه، فرفع رأسه إليه، ثم قال: " دعهما ـ يا أخي! ـ يشمّاني وأشمّهما.. ويتزوّدان منّي وأتزوّد منهما، فإنهما مقتولان بعدي ظلماً وعدواناً.. فلعنة الله على من يقتلهما "، ثم قال: " يا علي! أنت المظلوم بعدي، وأنا خصم لمن أنت خصمه يوم القيامة "(1).

وفي رواية اخرى عن أبي جعفر الباقر عن آبائه: ـ بعد قوله (صلى الله عليه وآله وسلم) واتزود منهما ـ: ".. فسيلقيان من بعدي زلزالاً، وأمراً عضالاً، فلعن الله من يخيفهما(2).. اللّهم إني أستودعكهما وصالح المؤمنين "(3).

____________

1. كشف الغمة: 1/497، عنه بحار الأنوار: 28/76 ; العوالم: 11/397.

2. خ. ل: يحيفهما.

3. كشف الغمة: 1/410 ; بحار الأنوار: 22/501، عن أمالي الطوسي (مع اختلاف يسير).


الصفحة 30

صبر أهل البيت (عليهم السلام) لقضاء الله تعالى

روي عن عيسى بن داود النجّار، عن موسى بن جعفر، عن أبيه (عليهما السلام) قال: " جمع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السلام) وأغلق عليهم الباب وقال: يا أهلي ويا أهل الله! إنّ الله عزّ وجلّ يقرأ عليكم السلام، وهذا جبرئيل معكم في البيت، ويقول: إن الله عزّ وجلّ يقول: إنّي قد جعلتُ عدوّكم لكم فتنة فما تقولون؟ قالوا: نصبر يا رسول لله لأمر الله وما نزل من قضائه حتّى نقدم على الله عزّ وجلّ ونستكمل جزيل ثوابه فقد سمعناه يَعِدُ الصابرين الخير كلّه.. فبكى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حتّى سمع نحيبه من خارج البيت، فنزلت هذه الآية: ( وَجَعَلْنا بَعْضَكُمْ لِبَعْض فِتْنَةً أَ تَصْبِرُونَ وَ كانَ رَبُّكَ بَصِيراً )(1).. ".

تُظلم فاطمة (عليها السلام) ولا يعينها أحد!!

روى الشيخ المفيد، عن الشيخ الصدوق، عن أبيه، عن أحمد بن ادريس، عن محمّد بن عبد الجبّار، عن ابن أبي عمير، عن أبان بن عثمان، عن أبان بن تغلب، عن عكرمة، عن عبد الله بن العباس، قال:

لما حضرت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الوفاة بكى حتى بلّت دموعه لحيته، فقيل: يا رسول الله! ما يبكيك؟!

فقال: " أبكي لذرّيتي وما تصنع بهم شرار أُمتي من بعدي.. كأني بفاطمة بنتي وقد ظلمت بعدي وهي تنادي: يا أبتاه! يا أبتاه!.. فلا يعينها أحد من

____________

1. تفسير الماهيار، عنه تأويل الآيات: 368، عنه بحار الأنوار: 28/81 ; والآية في سورة الفرقان (25): 20.


الصفحة 31
أُمتي ".

فسمعت ذلك فاطمة (عليها السلام) فبكت، فقال لها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): " لا تبكيَنْ يا بنية! "، فقالت: " لست أبكي لما يصنع بي من بعدك، ولكني أبكي لفراقك يا رسول الله "، فقال لها: " أبشري يا بنت محمد بسرعة اللحاق بي، فإنك أول من يلحق بي من أهل بيتي "(1).

عن موسى بن جعفر، عن أبيه (عليه السلام) قال: " قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم):.. يا عليّ! ما أنت صانع لو قد تأمّر القوم عليك بعدي، وتقدّموا عليك، وبَعث إليك طاغيتُهم يدعوك إلى البيعة ثم لببت بثوبك تقاد كما يقاد الشارد من الإبل.. مذموماً، مخذولاً، محزوناً، مهموماً.. وبعد ذلك ينزل بهذه ـ أي بفاطمة (عليها السلام) ـ الذلّ؟! ".

قال: فلما سمعت فاطمة ما قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) صرخت وبكت، فبكى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لبكائها، وقال: " يا بنية! لا تبكيَنْ ولا تؤذَينْ جلساءك من الملائكة، هذا جبرئيل بكى لبكائك وميكائيل وصاحب سرّ الله اسرافيل، يا بنية! لا تبكيَنْ فقد بكت السماوات والأرض لبكائك "(2).

بكاء بيت الرسالة وجبرئيل (عليه السلام) لما سيحدث..

عن موسى بن جعفر، عن أبيه (عليهما السلام) قال: " لما كانت الليلة التي قبض النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في صبيحتها، دعا علياً وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السلام) وأغلق عليه وعليهم الباب.. " قال علي (عليه السلام): " فما لبثت أن نادتني فاطمة (عليها السلام) فدخلت على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)

____________

1. أمالي الطوسي: 1/191 ; بحار الأنوار: 28/41 ; العوالم: 11/392.

2. كتاب الوصية لعيسى بن المستفاد، عنه مصباح الانوار: 271، الطرف: 42 ـ 43 عنه بحار الأنوار: 22/492 ; وروى قطعة منه الصراط المستقيم: 2/94.


الصفحة 32
ـ وهو يجود بنفسه ـ فبكيت ولم أملك نفسي حين رأيته بتلك الحال يجود بنفسه، فقال لي: " ما يبكيك يا علي!؟ ليس هذا أوان البكاء.. فقد حان الفراق بيني وبينك، فأستودعك الله يا أخي! فقد اختارني ربّى ما عنده.. وانما بكائي وغمي وحزني عليك وعلى هذه أن تضيع بعدي، فقد أجمع القوم على ظلمكم، وقد استودعكم الله وقَبِلَكُم مني وديعة. يا علي؟ إني قد أوصيت فاطمة ابنتي بأشياء وأمرتها أن تلقيها إليك، فأنفذها فهي الصادقة الصدوقة.. " ثم ضمها إليه، وقبل رأسها وقال: " فداك أبو ك يا فاطمة..! " فعلا صوتها بالبكاء، ثم ضمها إليه وقال: " أما والله لينتقمنّ الله ربّي، وليغضبن لغضبك، فالويل ثم الويل ثم الويل للظالمين.. " ثم بكى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).

قال علي (عليه السلام): " فوالله لقد حسبت بضعة مني قد ذهبت لبكائه، حتى هملت عيناه مثل المطر حتى بلت دموعه لحيته وملاءة كانت عليه، وهو يلتزم فاطمة لا يفارقها ورأسه على صدري وأنا مسنده، والحسن والحسين يقبلان قدميه ويبكيان بأعلى أصواتهما.. " قال علي (عليه السلام): " فلو قلت أن جبرئيل في البيت لصدقت.. لأني كنت أسمع بكاء ونغمة لا أعرفها، وكنت أعلم أنها أصوات الملائكة لا أشك فيها، لأن جبرئيل لم يكن في مثل تلك الليلة يفارق النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، ولقد رأيت بكاءً منها أحسب ان السموات والأرضين قد بكت لها ".

ثم قال لها: يا بنية! الله خليفتي عليكم وهو خير خليفة، والذي بعثني بالحق لقد بكى لبكائك عرش الله وما حوله من الملائكة والسموات والأرضون وما فيهما "(1).

____________

1. كتاب الوصية عنه مصباح الانوار: 275 ـ 276 ; الطرف: 38 ـ 41، عنه بحار الأنوار: 22/490 ; وروى قطعة منه الصراط المستقيم: 2/93.


الصفحة 33
وقال (صلى الله عليه وآله وسلم): يا فاطمة! والذي بعثني بالحقّ لاقومَنّ بخصومة أعدائك، وليندمنّ قوم أخذوا حقّك، وقطعوا مودّتك، وكذبوا عليَّ، وليختلجنَّ دوني فأقول: أُمتي.. أُمتي، فيقال: إنّهم بدّلوا وصاروا إلى السعير "(1).

ويل لمن أحرق بابها..!!

وبالإسناد عنه (صلى الله عليه وآله وسلم)، انه قال لأمير المؤمنين (عليه السلام): " أنفذ لما أمرتك به فاطمة.. فقد أمرتها بأشياء أمر بها جبرئيل (عليه السلام).. واعلم ـ يا علي! ـ اني راض عمّن رضيت عنه ابنتي فاطمة، وكذلك ربّي وملائكته.

يا علي! ويل لمن ظلمها..! وويل لمن ابتزها حقها..! وويل لمن هتك حرمتها..! وويل لمن أحرق بابها..! وويل لمن آذى خليلها..! وويل لمن شاقها وبارزها..!

اللّهم اني منهم بريء وهم مني براء ".

ثم سماهم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وضمّ فاطمة إليه والحسن والحسين (عليهم السلام)وقال: " اللّهمّ إنّي لهم ولمن شايعهم سلم، وزعيم بأنهم يدخلون الجنّة، وعدوّ وحرب لمن عاداهم وظلمهم وتقدّمهم أو تأخّر عنهم وعن شيعتهم، زعيم بأنّهم يدخلون النار.

ثم ـ والله ـ يا فاطمة لا أرضى حتى ترضي.. ثم لا والله لا أرضى حتى ترضى.. ثم لا والله لا أرضى حتى ترضى.. "(2).

عن سلمان الفارسي قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): " يا سلمان! من أحبّ

____________

1. الطرف: 40 ـ 41، عنه بحار الأنوار: 22/491 ـ 492.

2. كتاب الوصية، عنه مصباح الانوار: 268 ـ 269 ; الطرف: 30 ; عنه بحار الأنوار: 22/485 ; وروى قطعة منه الصراط المستقيم: 2/92 ـ 93.


الصفحة 34
فاطمة ابنتي فهو في الجنّة معي، ومن أبغضها فهو في النار..

يا سلمان! حبّ فاطمة ينفع في مائة مواطن.. أيسر تلك المواطن الموت، والقبر، والميزان، والمحشر، والصراط، والمحاسبة، فمن رضيت عنه ابنتي فاطمة رضيت عنه، ومن رضيت عنه رضي الله عنه، ومن غضبت عليه فاطمة غضبت عليه، ومن غضبت عليه غضب الله عليه.

يا سلمان! ويل لمن يظلمها ويظلم بعلها أمير المؤمنين علياً (عليه السلام) ويظلم ذرّيتها وشيعتها..! "(1).

وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): ".. يا ابنتي! لقد أخبرني جبرئيل عن الله عزّ وجلّ أنك أول من تلحقني من أهل بيتي، فالويل كلّه لمن ظلمك.. والفوز العظيم لمن نصرك.. "(2).

صَعَق أمير المؤمنين (عليه السلام) لانتهاك حرمه..

في رواية مولانا الإمام الكاظم عن أبيه الإمام الصادق (عليهما السلام) ـ عند ذكر الوصية المختومة التي نزل بها جبرئيل مع أُمناء الله تعالى من الملائكة (عليهم السلام)والأمر بإخراج كل من عند النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) غير أمير المؤمنين (عليه السلام)، وفاطمة (عليها السلام) فيما بين الستر والباب ـ..

قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): " انّ جبرئيل وميكائيل فيما بيني وبينك الآن وهما حاضران، معهما الملائكة المقرّبون لاشهدهم عليك، فقال: نعم، ليشهدوا وأنا

____________

1. فرائد السمطين: 2/67 ; مأة منقبة لابن شاذان: 116 (ص126 ط اُخرى)، عنه بحار الأنوار: 27/116 ; ارشاد القلوب: 2/294.

2. تفسير فرات الكوفي: 446، عنه بحار الأنوار: 43/227.


الصفحة 35
ـ بأبي أنت وأمي ـ أشهدهم.. فأشهدهم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).. وكان فيما اشترط عليه النبي بأمر جبرئيل (عليه السلام) فيما أمر الله عزّ وجلّ أن قال له:

يا علي! تفي بما فيها... على الصبر منك، وعلى كظم الغيظ، وعلى ذهاب حقي(1) وغصب خمسك، وانتهاك حرمتك.. " فقال: " نعم، يا رسول الله! ".

فقال أمير المؤمنين: " والذي فلق الحبّة وبرأ النسمة، لقد سمعت جبرئيل (عليه السلام) يقول لنبي (صلى الله عليه وآله وسلم): يا محمّد! عرّفه انه ينتهك(2) الحرمة ـ وهي حرمة الله وحرمة رسول الله ـ، وعلى أن تخضب لحيته من رأسه بدم عبيط ".

قال أمير المؤمنين (عليه السلام): " فصعقت حين فهمت الكلمة من الأمين جبرئيل، حتى سقطت على وجهي(3) وقلت: نعم، قبلت ورضيت وإن انتهكت الحرمة، وعطلت السنن، ومزّق الكتاب، وهدمت الكعبة، وخضبت لحيتي من رأسي بدم عبيط.. صابراً محتسباً أبداً حتى أقدم عليك ".

ثم دعا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فاطمة والحسن والحسين وأعلمهم مثل ما أعلم أمير المؤمنين، فقالوا مثل قوله.. فختمت الوصية.

فقلت: أكان في الوصية توثبهم وخلافهم على أمير المؤمنين (عليه السلام)؟!

فقال: " نعم والله شيئاً.. شيئاً و حرفاً.. حرفاً ; أما سمعت قول الله عزّ وجل: ( إِنّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتى وَ نَكْتُبُ ما قَدَّمُوا وَ آثارَهُمْ وَ كُلَّ شَيْء أَحْصَيْناهُ فِي إِمام

____________

1. خ. ل: حقّك.

2. كذا والظاهر: تنتهك أي: تستحلّ، راجع مجمع البحرين ـ نهك ـ.

3. من عرف سيرة أمير المؤمنين (عليه السلام) وحالاته يعلم أنه لا يخاف من الموت والقتل، كيف وهو المقدام في كل كريهة وشدّة. أليس هو القائل: والله لابن أبي طالب آنس بالموت من الطفل بثدي أمّه؟ فتغير حاله (عليه السلام) إنّما يكون لاجل هتك حرمته وهي حرمة الله ورسوله (صلى الله عليه وآله وسلم).


الصفحة 36
مُبِين )(1).

والله لقد قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لأمير المؤمنين وفاطمة (عليهما السلام): أليس قد فهمتما ما تقدمت به إليكما وقبلتماه؟ فقالا: بلى وصبرنا على ما ساءنا وغاظنا "(2).

لعن الله قاتلي فاطمة (عليها السلام)

عن عبد الله بن عباس ـ في حديث ـ انه قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لعلي (عليه السلام): " يا أخي! إن قريشا ستظاهر عليكم وتجتمع كلمتهم على ظلمك وقهرك.. ".

ثم أقبل على ابنته فقال: " إنك أول من يلحقني من أهل بيتي، وأنت سيدة نساء أهل الجنّة، وسترين بعدي ظلماً وغيظاً حتى تُضربي ويُكسر ضلع من أضلاعك.. لعن الله قاتلك، ولعن الله الآمر والراضي والمعين والمظاهر عليك وظالم بعلك وابنيك.. "(3).

تلحق فاطمة (عليها السلام) بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) مظلومة مغصوبة

وفي رواية أبي ذر قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم):

".. يا فاطمة! لا تبكي فداك أبوك.. فأنت أول من تلحقين بي مظلومة مغصوبة، وسوف تظهر بعدي حسيكة النفاق، ويسمل جلباب الدين، وأنت أول من يرد عليّ الحوض.. "(4).

____________

1. يس (36): 12.

2. الكافي: 1/281، بحار الأنوار: 22/479. قريب منه كتاب الوصية، عنه مصباح الانوار: 267 ـ 268 ; الطرف: 22 ـ 24. والقسم الاخير منه ص 28 ـ 29، وروى قطعة منه الصراط المستقيم: 2/91 ـ 92 والمسعودي في اثبات الوصية: 124 ـ 125.

3. كتاب سليم: 2/907.

4. كفاية الأثر: 36، عنه بحار الأنوار: 36/288 ; العوالم: 11/446.


الصفحة 37

مظلومية أهل البيت (عليهم السلام)

وقال (صلى الله عليه وآله وسلم) ـ قبل وفاته ـ مخاطباً أهل بيته (عليهم السلام): " أما إنكم المقهورون والمستضعفون بعدي "(1).

فاطمة (عليها السلام) تخشى من الضيعة..

عن عمار قال: لما حضر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الوفاة دعا بعلي (عليه السلام) فسارّه طويلاً، ثم قال: " يا علي! أنت وصيي ووارثي، قد أعطاك الله علمي وفهمي، فإذا متُّ ظهرت لك ضغائن في صدور قوم وغُصبتَ على حقك.. " فبكت فاطمة (عليها السلام) وبكى الحسن والحسين (عليهما السلام)، فقال لفاطمة: " يا سيدة النسوان! مم بكاؤك؟! ".

قالت: " يا أبة! أخشى الضيعة بعدك ".

قال: " أبشري يا فاطمة! فإنك أول من يلحقني من أهل بيتي، لا تبكي ولا تحزني فإنك سيدة نساء أهل الجنة، وأباك سيد الانبياء، وابن عمّك خير الأوصياء، وابناك سيدا شباب أهل الجنة، ومن صلب الحسين يخرج الله الائمة

____________

1. دعائم الاسلام: 1/225 ; معاني الاخبار: 79 ; عيون أخبار الرضا (عليه السلام): 2/61 ; كفاية الأثر: 118 ; الارشاد: 1/184 ; أمالي المفيد: 212 و351 ; إعلام الورى: 135 ; أمالي الطوسي: 1/122 ; الفصول المختارة: 253 ; الصراط المستقيم: 2/153 ; الكشكول للسيد حيدر الآملي: 72 ; بحار الأنوار: 28/40، 70، ومن أهل السنّة الطبقات لابن سعد: 8/278 ; مسند أحمد: 6/339 ; أنساب الأشراف: 2/224 (ط دار الفكر) ; شواهد التنزيل: 1/551، 555، 559 ; مجمع الزوائد: 9/34 ; الخصائص الكبرى: 2/135 ; كنز العمال: 11/177.


الصفحة 38
التسعة مطهرون معصومون، ومنها مهدي هذه الامة "(1).

وفي رواية جابر بن عبد الله ـ بعد قولها: أخشى الضيعة من بعدك ـ.

قال: " يا حبيبتي! لا تبكيَنْ... وقد سألت ربّي عزّ وجلّ أن تكون أوّل من يلحقني من أهل بيتي، ألا إنك بضعة منّي، فمن آذاك فقد آذاني.. " ثم قال جابر ـ بعد ذكر عيادة الشيخين لها ـ: فرفعت يديها إلى السماء وقالت: " اللّهمّ إنّي أُشهدك أنهما قد آذياني، وغصبا حقّي.. " ثم أعرضت عنهما فلم تكلّمها بعد ذلك(2).

إخبار جبرئيل (عليه السلام) عن كسر ضلع فاطمة (عليها السلام)..

قال العلامة المجلسي: أقول: وجدت بخط الشيخ محمّد بن علي الجبعي، نقلاً من خط الشهيد رفع الله درجته نقلا من مصباح الشيخ أبي منصور طاب ثراه قال: روي انه دخل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)يوماً إلى فاطمة (عليها السلام) فهيّأت له طعاماً من تمر وقرص وسمن، فاجتمعوا على الأكل هو وعليّ وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السلام)، فلمّا أكلوا.. سجد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأطال سجوده، ثم بكى، ثم ضحك، ثم جلس وكان أجرأهم في الكلام عليّ (عليه السلام) فقال:

" يا رسول الله! رأينا منك اليوم ما لم نره قبل ذلك؟! " فقال (صلى الله عليه وآله وسلم): " إني لما أكلت معكم فرحت وسررت بسلامتكم واجتماعكم فسجدت الله تعالى شكراً فهبط جبرئيل (عليه السلام) يقول: سجدت شكراً لفرحك بأهلك؟

____________

1. كفاية الأثر: 124 عنه بحار الأنوار: 22/536.

2. كفاية الأثر: 63 ـ 62 عنه بحار الأنوار: 36/307.


الصفحة 39
فقلت: نعم.

فقال: ألا أُخبرك بما يجري عليهم بعدك؟ فقلت: بلى يا أخي! يا جبرئيل!.

فقال: أما ابنتك ; فهي أول أهلك لحاقاً بك.. بعد أن تظلم، ويؤخذ حقّها، وتمنع إرثها، ويظلم بعلها، ويكسر ضلعها.

وأما ابن عمّك ; فيظلم، ويمنع حقّه، ويقتل.

وأما الحسن ; فإنه يظلم، ويمنع حقّه، ويقتل بالسم.

وأما الحسين ; فإنه يظلم، ويمنع حقه، وتقتل عترته، وتطؤه الخيول، وينهب رحله وتسبى نساؤه وذراريه، ويدفن مرمّلاً بدمه، ويدفنه الغرباء.. "(1).

وقريب منها ما رواه ابن أبي جمهور الاحسائي مختصراً(2).

____________

1. بحار الأنوار: 101/44.

2. عوالى الئالي: 1/199.


الصفحة 40

الانقلاب على الأعقاب


الصفحة 41

الصفحة 42

ارتدّوا على أدبارهم!

قالت السيدة فاطمة الزهراء (عليها السلام): " أَلَئِنْ مات رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أَمتُّم دينه؟!!... تلك نازلة أعلن بها كتاب الله قبل موته، وأنبأكم بها قبل وفاته، فقال: ( وَما مُحَمَّدٌ إِلاّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللّهُ الشّاكِرِينَ )(1)(2).

وقال مولانا أمير المؤمنين (عليه السلام): " حتّى إذا قبض الله رسوله، رجع قوم على الأعقاب، وغالتهم السبل، واتكلوا على الولائج، ووصلوا غير الرحم، وهجروا السبب الذي أُمروا بمودّته، ونقلوا البناء على رصِّ أساسه، فبنوه في غير موضعه.. معادن كل خطيئة، وأبواب كلّ ضارب في غمرة، قد ماروا في الحيرة، وذهلوا في السكرة، على سنّة من آل فرعون.. من منقطع إلى الدنيا راكن، أو مفارق للدين مباين "(3).

ودلّتنا النصوص المتواترة ـ بين الفريقين ـ إلى هذا الانقلاب الذي أُشير إليه في القرآن وصرّحت به الأحاديث وقام عليه الوجدان.. وإليك بعض ما ورد في المقام:

____________

1. شرح نهج البلاغة 16/212.

2. آل عمران (3): 144.

3. نهج البلاغة: 65، الخطبة 150 ; شرح نهج البلاغة: 9/132 ; بحار الأنوار: 29/616.


الصفحة 43
خطب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال: " يا أيّها النّاس! إنّكم محشورون إلى الله عُراةً حفاتاً عزّلاً(1)، ثم تلا: ( كَما بَدَأْنا أَوَّلَ خَلْق نُعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنا إِنّا كُنّا فاعِلِينَ )(2).

ثمّ قال: " ألا وإنّ أوّل الخلائق يكسى يوم القيامة إبراهيم، وإنّه يجاء برجال من أُمتي فيؤخذ بهم ذات الشمال، فأقول: يا ربّ أصحابي..! فيقال: إنّك لا تدري ما أحدثوا بعدك، فأقول كما قال العبد الصالح: ( وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً ما دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلى كُلِّ شَيْء شَهِيدٌ )(3) فيقال: إنّ هؤلاء لم يزالوا مرتدّين على أعقابهم منذ فارقتهم "(4).

وقال (صلى الله عليه وآله وسلم): " أنا فرطكم على الحوض، وليرفعنّ إليّ رجال منكم حتّى إذا أهويت إليهم لأناولهم اختلجوا دوني، فأقول: أي ربّ أصحابي..! فيقال: إنّك لا تدري ما أحدثوا بعدك "(5).

وقال (صلى الله عليه وآله وسلم): " ليردن على الحوض رجال ممّن صاحبني، حتّى إذا رأيتهم ورفعوا إليّ اختلجوا دوني، فلأقولن: أي ربّ! أصحابي أصحابي! فليقالن لي: إنّك لا تدري ما أحدثوا بعدك ".

وفي بعض الروايات: " فأقول سحقاً لمن بدّل بعدي "(6).

وقال (صلى الله عليه وآله وسلم): " أنا فرطكم على الحوض، مَنْ مَرّ عليّ شرب، ومَنْ شرب لم

____________

1. أي جرداً لا شعر لهم، وفي بعضها: غرلاً، وهو جمع الأغرل أي الأغلف.

2. الأنبياء (21): 104.

3. المائدة (5): 117.

4. راجع! سنن النسائي: 4/117 ; مسند أحمد: 1/235، 253 ; البخاري: 4/110، 142 ـ 143 و 5/191 ـ 192، 240 و 7/195 ; مسلم: 8/157 ; سنن الترمذي: 4/38 و 5/4 ; كنز العمال: 14/358 ; البداية والنهاية: 2/116 ; الدرّ المنثور: 2/349.

5. البخاري: 8/87.

6. مسلم: 7/70 ـ 71.


الصفحة 44
يظمأ أبداً، وليردنّ عليّ اقوام أعرفهم ويعرفونني ثمّ يحال بيني وبينهم، فأقول: فإنّهم منّي، فيقال: إنّك لا تدري ما أحدثوا بعدك، فأقول: سحقاً سحقاً لمن بدّل بعدي "(1).

وقال (صلى الله عليه وآله وسلم): " يرد عليّ يوم القيامة رهط من أصحابي ".

أو قال: " من أُمّتي " فَيُحلَّؤُن(2) عن الحوض، فأقول: يا ربّ أصحابي! فيقول: لا علم لك بما أحدثوا بعدك، إنّهم ارتدّوا على أعقابهم القهقرى "(3).

قال (صلى الله عليه وآله وسلم): " بينا أنا قائم [على الحوض] إذا زمرة.. حتّى إذا عرفتهم، خرج رجل من بيني وبينهم، فقال لهم: هلم، قلت: إلى أين؟! قال: إلى النار والله، فقلت: وما شأنهم؟! قال: إنّهم قد ارتدّوا على أدبارهم القهقرى..

ثم إذا زمرة اُخرى حتّى إذا عرفتهم خرج رجل من بيني بينهم، فقال لهم: هلمّ، فقلت: إلى أين؟! قال: إلى النار والله، قلت: ما شأنهم قال: إنّهم قد ارتدّوا على أدبارهم.. فلا أراه يخلص منهم إلاّ مثل همل النعم "(4).

وقال (صلى الله عليه وآله وسلم): " ترد عليَّ أُمّتي الحوض وأنا أذود الناس كما يذود الرجل إبل الرجل عن إبله... وليصدن عنّي طائفة منكم فلا يصلون، فأقول: يا ربّ! هؤلاء من أصحابي، فيجيئني ملك فيقول: وهل تدري ما أحدثوا بعدك؟! "(5).

وقال (صلى الله عليه وآله وسلم): " إنّي على الحوض أنتظر من يرد عليّ منكم، ليقتطعن دوني رجالاً فلأقولنَّ: أي ربّ منّي ومن أُمّتي، يقول إنّك لا تدري ما أحدثوا بعدك، ما زالوا يرجعون على أعقابهم "(6).

وقال (صلى الله عليه وآله وسلم): " إنّي على الحوض أنظر من يرد عليّ منكم وسيؤخذ ناس

____________

1. البخاري: 7/207 ـ 208 و 8/87 ; مسلم: 7/66.

2. أي: يُمنعون من وروده.

3. البخاري: 7/208.

4. البخاري: 7/208.

5. مسلم: 1/149 ـ 150.

6. مسلم: 7/66.


الصفحة 45
دوني، فأقول: يا ربّ! منّي ومن أُمّتي.. ".

وفي رواية: فأقول: أصحابي!.. فيقال: هل شعرت ما عملوا بعدك، والله ما برحوا يرجعون على أعقابهم "(1).

وقال (صلى الله عليه وآله وسلم) في حجّة الوداع: " لا ألفينّكم ترجعون بعدي كفّاراً يضرب بعضكم رقاب بعض "(2).

قال أُبيّ بن كعب: كنّا مع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وإنّما وجهنا واحد، فلما قُبض نظرنا هكذا وهكذا(3).

وقال أنس: ما نفضنا عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) الأيدي ـ إنّا لفي دفنه ـ حتّى أنكرنا قلوبنا(4).

وعن أبي وائل، عن حذيفة قال: قلت: يا أبا عبد الله! النفاق اليوم أكثر أم على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)؟ قال: فضرب بيده على جبهته وقال: أوه! وهو اليوم ظاهر، إنّهم كانوا يستخفونه على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)(5).

____________

1. البخاري: 7/209 ; مسلم: 7/66 ; وراجع أيضاً: مسند أحمد: 1/257 و 3/18، 39، 384 و 6/121 ; مسلم: 7/68 ; البخاري: 7/206 ـ 210 و 8/86 ; سنن ابن ماجه: 2/1440 ; المستدرك: 2/447 و 4/74 ـ 75 ; مجمع الزوائد: 3/85 و 10/364 ـ 365 ; كنز العمّال: 1/387 و 4/543 و 11/132 و 176 ـ 177 و 14/417 ـ 419 و 434.

2. سنن النسائي: 7/126 ـ 128 ; مسند أحمد: 1/230، 402 و 2/85، 87، 104 و 4/351، 358، 366 و 5/39، 44 ـ 45 و 49، 68، 73 ; سنن الدارمي: 2/69 ; البخاري: 1/38 و 2/191 ـ 192 و 5/126 و 6/236 و 7/112 و 8/16، 36، 91 ; مسلم: 1/58 و 5/108 ; سنن ابن ماجه: 13002 ; سنن أبي داود: 2/409 ; سنن الترمذي: 3/329 ; سنن البيهقي: 5/140 و 6/92، 97 و 8/20 ; المستدرك: 1/191.

3. ابن ماجه ونعيم بن حماد في الفتن، عنهما جامع الأحديث: 17/524.

4. مسند أبي يعلى الموصلي: 6/51.

5. البحر الزخّار المعروف بمسند البزاز: 7/303 ـ 304 (ط المدينة) وراجع البخاري: 8/100 ; كنز العمال: 1/367. أقول: راجع أيضاً ما ذكرناه من الروايات في الجواب على إنكار نسبة الهجوم إلى الصحابة في أول الفصل السادس.


الصفحة 46
ثم إنّ الله عزّ وجلّ قال: ( وَآتَيْنا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّناتِ وَ أَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ وَلَوْ شاءَ اللّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ وَلكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ وَلَوْ شاءَ اللّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلكِنَّ اللّهَ يَفْعَلُ ما يُرِيدُ )(1).

وفي هذا ما يستدلّ به على أنّ الأصحاب قد اختلفوا من بعد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)فمنهم من آمن ومنهم من كفر، لاتّفاق الفريقين على أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: " والّذي نفسي بيده لتركبنّ سنن من كان قبلكم حذو النعل بالنعل، والقذّة بالقذّة ".

وقال (صلى الله عليه وآله وسلم): " كلّ ما كان في الأمم السالفة فإنّه يكون في هذه الأمّة مثله، حذو النعل بالنعل، والقذّة بالقذّة "(2).

والعجب مما رواه ابن عساكر عن ابن عباس قال: كنت عند النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)ـ وعنده أبو بكر وعمر وعثمان ومعاوية ـ إذ أقبل علي (عليه السلام) فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)لمعاوية: " أتحبّ علياً؟ " قال: نعم. قال: " انها ستكون بينكم هنيهة ". قال معاوية: فما بعد ذلك يا رسول الله..؟! قال: " عفوالله ورضوانه..! " قال: رضينا بقضاء الله ورضوانه... فعند ذلك نزلت هذه الآية: ( وَلَوْ شاءَ اللّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلكِنَّ اللّهَ يَفْعَلُ ما يُرِيدُ )(3).

____________

1. البقرة (2): 253.

2. رواهما كثير من أهل السنة راجع مسند أحمد: 2/527 و 4/125 ; صحيح البخاري: 4/144 (ط دار الفكر) ; المستدرك: 1/37، 129 (ط دار المعرفة) ; النهاية لابن الأثير: 1/357 ; كنز العمال: 1/211 و 11/253 ; شرح نهج البلاغة: 9/286. وتجد الروايتين في كثير من مصادرنا، بل حكم بصحّتهما في إعلام الورى: 476 ; كشف الغمة: 2/545 ; مختصر بصائر الدرجات: 205 ; تأويل الآيات: 402 ; الصوارم المهرقة: 195.

3. الدر المنثور: 1/322.


الصفحة 47
ولا نشك في أنهم حرّفوا الرواية عن وجهها ـ إن كانت ـ إذ صرّح في الآية الشريفة بكفر بعضهم، مع أن الرواية تستند الذنب في القتال إلى القضاء الالهي! وهي تتم على مبناهم الجبري وعقيدتهم في الصحابه وتنزيههم للمنافقين والكافرين..

التنصيص على إمامة أمير المؤمنين (عليه السلام)(1)

كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يصرّح بخلافة أمير المؤمنين (عليه السلام) وإمامته ـ بنصِّ من الله تعالى ـ طيلة حياته ومن اليوم الذي دعا أقاربه إلى الإسلام(2)، وفي السنة العاشرة من الهجرة أمر الله رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يحجّ بالنّاس، فحجّ معه جمع كثير من المسلمين في تلك السنة.

فلمّا دخل مكّة وأقام بها يوماً واحداً، هبط جبرئيل (عليه السلام) بأوّل سورة

____________

1. يعرف كلّ عاقل أنّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يستحيل أن يترك أُمته سدى، ويهمل أمرهم بعده ولم يدبّر لهم تدبيراً صحيحاً يمنعهم عن الاختلاف في الدين و الدنيا، فإنّه لو لم يكن نبيّاً وكان سلطاناً عاقلاً لم يرض بذلك في رعيّته، فكيف وهو رئيس العقلاء؟!، أفترضى أن تقول: إنّه أهمل أمر الأُمّة حتّى ينجرّ الأمر إلى ما وقع في السقيفة وغيرها من الاختلافات، وتشعّبت فرق كثيرة يكفّر بعضهم بعضاً، ويحارب بعضهم بعضاً، وتهراق دماء آلاف من المسلمين في طلب الخلافة.. إلى وقائع كثيرة تراها حتّى اليوم؟! أكان أبو بكر أعرف بأمر الأمّة حيث عرف لزوم تعيين الخليفة ولكن النبي لم يعرف؟! نعم لا سبيل إلى هذا التوهّم أبداً. وأمّا نصّه على خلافة أمير المؤمنين (عليه السلام)، وأنّه الوصي، ووليّ كلّ مؤمن ومؤمنة بعده.. وغير ذلك، فوردت فيها روايات متواترة بين الشيعة وأهل السنة، ودلالتها واضحة بيّنة لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.

راجع الغدير، إحقاق الحقّ وملحقاته، عبقات الأنوار.. وغيرها.

2. كما ورد في ذيل الآية الشريفة (وأنذر عشريتك الأقربين) (الشعراء (26): 214) ورواه غير واحد من أهل السنّة وحكموا بصحّتها، راجع الغدير: 2/278 ـ 284.


الصفحة 48
العنكبوت، فقال: " يا محمّد! اقرأ: ( بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ الم * أَ حَسِبَ النّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكاذِبِينَ * أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ أَنْ يَسْبِقُونا ساءَ ما يَحْكُمُونَ )(1).

فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): " يا جبرئيل! وما هذه الفتنة؟! " فقال: يا محمّد! إنّ الله يقرئك السلام، ويقول: إنّي ما أرسلت نبيّاً إلاّ أمرته عند انقضاء أجله أن يستخلف على أُمّته من بعده من يقوم مقامه، ويحيي لهم سنّته وأحكامه، وهو يأمرك أن تنصب لأُمّتك من بعدك علي بن أبي طالب (عليه السلام) وتَعْهَد إليه، فهو الخيلفة القائم برعيّتك وأُمّتك إن أطاعوا وإن عصوه.. وسيفعلون ذلك، وهي الفتنة التي تلوت الآي فيها، وإنّ الله عزّ وجلّ يأمرك أن تعلّمه جميع ما علّمك وتستحفظه جميع ما حفظك واستودعك، فإنّه الأمين المؤتمن، يا محمّد! إنّي اخترتك من عبادي نبياً واخترته لك وصيّاً ".

وكان من عزم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يقيم عليّا (عليه السلام) وينصبه للناس بالمدينة، فنزل جبرئيل فقرأ عليه ( يأَيُّها الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النّاسِ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِيْنَ )(2).

فنزل بغدير خم وصلى بالناس وأمرهم أن يجتمعوا إليه، فخطب الناس فحمد الله وأثنى عليه، ووعظ فأبلغ في الموعظة، ونعى إلى الأُمّة نفسه، وقال: " قد دُعيت ويوشك أن أُجيب وقد حان منّي خفوق من بين أظهركم، وإنّي مخلف فيكم ما إن تمسّكتم به لن تضلّوا من بعدي ; كتاب الله وعترتي أهل بيتي، فإنّهما

____________

1. العنكبوت (29) 1 ـ 4.

2. إرشاد القلوب: 328 ـ 331 ; عنه بحار الأنوار: 28/95 ـ 98. والآية في سورة المائدة (5): 67.