الصفحة 142
وجلّ بمآيل الأُمور(1)، وإحاطة بحوادث الدهور، ومعرفة بمواضع المقدور، ابتعثه الله تعالى عزّ وجلّ إتماماً لأمره، وعزيمة على امضاء(2) حكمه، فرأى الأُمم (صلى الله عليه وآله وسلم) فرقاً في أديانها، عكفاً(3) على نيرانها، عابدة لأوثانها، منكرة لله مع عرفانها، فأنار الله عزّ وجلّ بمحمد (صلى الله عليه وآله وسلم) ظلمها، وفرج عن القلوب بهمها(4) وجلى عن الأبصار غمها(5).

ثمّ قبض الله نبيّه (صلى الله عليه وآله وسلم) قبض رأفة واختيار، ورغبة بأبي (صلى الله عليه وآله وسلم)عن هذه الدار، موضوع عنه العبء والأوزار، محتف(6) بالملائكة الأبرار، ومجاورة الملك الجبار، ورضوان(7) الرب الغفار، صلّى الله على محمد نبي الرحمة، وأمينه على وحيه، وصفيه من الخلائق ورضيه (صلى الله عليه وآله وسلم) ورحمة الله وبركاته، ثمّ أنتم عباد الله (تريد أهل المجلس) نصب أمر الله(8) ونهيه، وحملة دينه ووحيه، وأمناء الله على

____________

1- بمصيرها.

2- إنفاذ.

3- من عكف عليه أقبل عليه مواظباً.

4- شبهها.

5- ظلمها.

6- العبء الثقل محتف محاط.

7- رضاء.

8- أي مستقبلين له.


الصفحة 143
أنفسكم، وبلغاؤه إلى الأُمم، زعمتم حقاً لكم ألله فيكم عهد(1) قدَّمه إليكم، ونحن بقية استخلفنا عليكم، ومعنا كتاب الله بينة بصائره(2)، وآي فينا(3) منكشفة سرائره، وبرهان منجلية ظواهره، مديم البرية إسماعه، قائد إلى الرضوان اتباعه، مؤد إلى النجاة استماعه، فيه بيان حجج الله المنورة، وعزائمه المفسرة، ومحارمه المحذرة، وتبيانه الجالية(4)، وجمله الكافية، وفضائله المندوبة(5)، ورخصه(6) الموهوبة، وشرائعه المكتوبة، ففرض الله الإيمان تطهيراً لكم من الشرك، والصلاة تنزيهاً عن الكبر، والصيام تثبيتاً للإخلاص، والزكاة تزييداً في الرزق، والحج تسلية للدين، والعدل تنسكاً للقلوب، وطاعتنا نظاماً، وإمامتنا أمناً من الفرقة، وحبّنا عزّاً للإسلام، والصبر منجاة، والقصاص حقناً للدماء(7)، والوفاء بالنذر تعرضاً للمغفرة، وتوفية المكاييل والموازين تعبيراً للنحسة(8)، والنهي عن شرب الخمر تنزيهاً عن الرجس، وقذف المحصنات اجتناباً للعنة، وترك السرق إيجاباً

____________

1- أي زعمتم أن لكم حقاً في الخلافة أو في منعنا الارث فأين عهد الله لكم بذلك.

2- حججه.

3- تشير إلى ما نزل في القرآن عناية بآل البيت بيت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم).

4- أي فصاحته المبينة.

5- المستحبة.

6- جمع رخصة، وهو ما أباحه الشارع تيسيراً للناس.

7- تشير إلى قوله تعالى: (ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب).

8- تعبيراً من عبر الدرهم أو المتاع نظر ما وزنها والنحسة مبلغ أصل الشيء.


الصفحة 144
للعفة(1)، وحرم الله عزّ وجل الشرك إخلاصاً له بالربوبية، فاتقوا الله حقّ تقاته، ولا تموتن إلاّ وأنتم مسلمون، وأطيعوه فيما أمركم به ونهاكم عنه، فإنّه: (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء)(2).

ثم قالت: أيها الناس أنا فاطمة وأبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، أقولها عوداً على بدء، لقد جاءكم رسول من أنفسكم.

ثم ساق الكلام على ما رواه زيد بن علي (عليه السلام) في رواية أبيه.

ثم قالت في متصل كلامها: أفعلى عمد تركتم كتاب الله ونبذتموه وراء ظهوركم، إذ يقول الله تبارك وتعالى: (وورثَ سليمانُ داودَ)(3)، وقال الله عزّ وجل فيما قصَّ من خبر يحيى بن زكريا: (ربِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنكَ وَلِيّاً يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ)(4)، وقال عزّ ذكره: (وَأُوْلُواْ الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْض فِي كِتَابِ اللّهِ)(5)، وقال: (يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ)(6)، وقال: (إِن تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ

____________

1- لزوماً لها.

2- سورة فاطر: 28.

3- سورة النمل: 16.

4- سورة مريم: 6.

5- سورة الأنفال: 75.

6- سورة النساء: 11.


الصفحة 145
وَالأقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى الْمُتَّقِينَ)(1)، وزعمتم أن لا حق ولا إرث لي من أبي و لا رحم(2) بيننا، أفخصكم الله بآية أخرج نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم)منها، أم تقولون أهل ملتين لا يتوارثون، أو لست أنا وأبي من أهل ملة واحدة؟ لعلكم أعلم بخصوص القرآن وعمومه من النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)؟ (أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْماً لِّقَوْم يُوقِنُونَ)(3)، أأغلب على إرثي جوراً وظلماً (وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَب يَنقَلِبُونَ)(4).

وذكر أنها لما فرغت من كلام أبي بكر والمهاجرين عدلت إلى مجلس الأنصار فقالت: معشر البقية(5) وأعضاد الملة(6)، وحصون الإسلام، ما هذه الغميرة(7) في حقي؟ والسنة(8) عن ظلامتي؟ أما قال رسول الله: المرء يحفظ في ولده؟! سرعان(9) ما أجدبتم، فأكديتم،

____________

1- سورة البقرة: 180.

2- الرحم القرابة.

3- سورة المائدة: 50.

4- سورة الشعراء: 227.

5- المعشر الجماعة والبقية الفئة.

6- أنصارها.

7- من غمره في حقه دفعه عنه.

8- السنة أول النوم ويروى بعدها أما كان لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يحفظ في ولده سرعان ما أجدبتم ويروى لسرع ما أحدثتم الخ.

9- أي ما أسرعكم إلى كذا الخ، وأكديتم منعتم.


الصفحة 146
وعجلان ذا إهانة(1)، تقولون مات رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)فخطب جليل، استوسع وهيه(2)، واستنهر فتقه(3)، وبعد وقته، وأظلمت الأرض لغيبته، واكتأبت خيرة الله(4) لمصيبته، وخشعت الجبال، وأكدت الآمال(5)، وأضيع الحريم، وأذيلت الحرمة(6) عند مماته، (صلى الله عليه وآله وسلم)(7)وتلك نازل علينا بها كتاب الله في أفنيتكم(8) في ممساكم ومصبحكم، يهتف بها في أسماعكم، وقبله حلت بأنبياء الله عزّ وجل ورسله (وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللّهُ الشَّاكِرِينَ)(9).

إيهاً بني قيلة أأهضم تراث أبيه(10)؟ وأنتم بمرأى ومسمع،

____________

1- أي ما أعجلكم في إهانتكم إياي بما فعلتم معي.

2- الوهي الخرق الواسع.

3- استنهر استوسع.

4- اكتأبت اغتمت وخيرة الله أي الأفاضل عنده.

5- أي قل خيرها.

6- المهابة.

7- لعلها تشير إلى ما فعلوه عند وفاته من الانصراف إلى أمر الخلافة وتركهم آل البيت يغسلون النبي (صلى الله عليه وآله) ويكفنونه.

8- مجتمعاتكم أو دوركم.

9- سورة آل عمران: 144.

10- إيهاً كلمة إغراء وبني قيلة تريد الأوس والخزرج أنصار النبي، أأهضم ويروى أأهتضم من هضمه غصبه أو ظلمه والهاء في أبيه هاء السكت مر الكلام عليها.


الصفحة 147
تلبسكم الدعوة، وتمثلكم(1) الحيرة، وفيكم العدد والعدة، ولكم الدار وعندكم الجنن(2)، وأنتم الألى نخبة الله التي انتخب لدينه، وأنصار رسوله، وأهل الإسلام، والخيرة التي اختار لنا أهل البيت، فباديتم العرب(3)، وناهضتم(4) الأمم، وكافحتم البهم(5)، لا نبرح نأمركم وتأمرون(6)، حتى دارت لكم بنا رحا الإسلام، ودرّ حلب الأنام، وخضعت نعرة(7) الشرك، وباخت(8) نيران الحرب، وهدأت دعوة الهرج، واستوسق(9) نظام الدين، فأنى(10) حرتم بعد البيان، ونكصتم(11) بعد الإقدام، وأسررتم بعد الاعلان، لقوم نكثوا(12) إيمانهم، أتخشونهم فالله أحقّ أن تخشوه إن كنتم مؤمنين، ألا قد رأى أن

____________

1- تأكلكم.

2- الوقايات.

3- جاهرتم بعداوتهم انتصاراً للنبي حين كذبوه وآذوه.

4- قاومتم.

5- ج بهمة وهو الشجاع اليقظ.

6- لعله وتأتمرون.

7- النعرة الكبر والخيلاء.

8- سكنت.

9- اجتمع.

10- كيف.

11- أحجمتم.

12- نقضوا.


الصفحة 148
أخلدتم إلى الخفض(1) وركنتم إلى الدعة، فعجتم(2) عن الدين، وبحجتم الذي وعيتم، ودسعتم(3) الذي سوغتم(4)، فإن تكفروا أنتم ومن في الأرض جميعاً فإن الله لغني حميد، ألا وقد قلت الذي قلته على معرفة مني بالخذلان الذي خامر(5) صدوركم، واستشعرته قلوبكم، ولكن قلته فيضة(6) النفس، ونفثة(7) الغيظ، وبثة(8) الصدر، ومعذرة(9) الحجة، فدونكموها(10) فاحتقوبها(11) مدبرة الظهر، ناكبة(12)الحق، باقية العار، موسومة بشنار الأبد، موصولة بنار الله الموقدة، التي تطلع على الأفئدة، فبعين الله ما تفعلون،(وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا

____________

1- اطمأننتم إلى لين المعيشة.

2- ملتم.

3- منعتم.

4- أعطيتم.

5- خالط.

6- من فاض الماء كثر حتى سال.

7- نفخة.

8- من البث وهو شكوى الحزن.

9- إنصاف.

10- الضمير يرجع للأشياء التي هي من حق فاطمة وزوجها علي ومنعوها عنهما كالإرث والخلافة.

11- ادخروها.

12- مدبرة من الإدبار ضد الإقبال وناكبة من نكبه نحاه وأبعده.


الصفحة 149
أَيَّ مُنقَلَب يَنقَلِبُونَ)(1) وأنا ابنة نذير لكم بين يدي عذاب شديد، فاعملوا إنا عاملون، وانتظروا إنا منتظرون.

قال أبو الفضل: وقد ذكر قوم أن أبا العيناء ادعى هذا الكلام وقد رواه قوم وصححوه وكتبناه على ما فيه. وحدثني عبدالله بن أحمد العبدي عن حسين بن علوان عن عطية العوفي أنه سمع أبا بكر يومئذ يقول لفاطمة (عليها السلام): يا ابنة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لقد كان (صلى الله عليه وآله وسلم)بالمؤمنين رؤوفاً رحيماً، وعلى الكافرين عذاباً أليماً، وإذا عزوناه(2)كان أباك دون النساء، وأخا ابن عمك(3) دون الرجال، آثره على كل حميم(4) وساعده على الأمر العظيم(5)، لا يحبكم إلا العظيم السعادة، ولا يبغضكم إلاّ الرديء الولادة، وأنتم عترة الله(6) الطيبون، وخيرة الله المنتخبون، على الآخرة أدلتنا وباب الجنة لسالكنا، وأما منعك ما سألت فلا ذلك لي.

وأما فدك وما جعل لك أبوك فإن منعتك فأنا ظالم، وأما

____________

1- سورة الشعراء: 227.

2- نسبناه إلى أحد.

3- أي علي أمير المؤمنين (عليه السلام).

4- أي فضله على كل قريب.

5- الجهاد في نصرة الدين.

6- أي أولياؤه.


الصفحة 150
الميراث فقد تعلمين أنه(صلى الله عليه وآله وسلم) قال: لا نورث ما أبقيناه صدقة(1).

قالت: إن الله يقول عن نبي من أنبيائه: (يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ)(2) وقال: (وورثَ سليمانُ داودَ)(3) فهذان نبيان وقد علمت أن النبوة لا تورث! وإنما يورث ما دونها فما لي أمنع إرث أبي أأنزل الله فى الكتاب إلا فاطمة بنت محمد فتدلني عليه فأقنع به؟! فقال: يا بنت رسول الله أنت عين الحجة، ومنطق الرسالة، لا يدلي بجوابك، ولا أدفعك عن صوابك"(4).

____________

1- ويروى نحن معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة.

2- سورة مريم: 6.

3- سورة النمل: 16.

4- بلاغات النساء، ابن طيفور ذكرناها مع هوامشها: 26 ـ 32.


الصفحة 151

الرواية الثالثة: خطبتها (عليها السلام) في نساء المهاجرين والأنصار

"قال أبو الفضل: ما وجدت هذا الحديث على التمام إلا عند أبي حفان، وحدثني هارون بن مسلم بن سعدان عن الحسن بن علوان عن عطية العوفي قال: لما مرضت فاطمة (عليها السلام) المرضة التي توفيت بها دخل النساء عليها فقلن: كيف أصبحت من علتك يا بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)؟

قالت: أصبحت والله عائفة(1) لدنيا كم، قالية(2) لرجالكم، لفظتهم بعد أن عجمتهم،(3) وشـنئتهم بعد أن سبرتهم،(4)فقبحاً لفلول الحد،(5) وخور القنا،(6) وخطل الرأي،(7) وبئسما قدمت لهم أنفسـهم أن سـخط الله عليهم وفى العذاب هم خالـدون، لا جرم(8) لقد قلدتهم ربقتها(9)، وشنت(10) عليهم عارها، فجدعاً

____________

1- كارهة.

2- مبغضة.

3- نبذتهم بعد أن جربتهم.

4- أبغضتهم بعد أن اختبرتهم.

5- تثلمه.

6- ضعفه أو كسره.

7- فساده.

8- أصله لا بد أو لا محالة ثم كثر استعماله حتى تحول إلى معنى القسم.

9- أي مسؤوليتها والضمير راجع للخلافة.

10- صبت.


الصفحة 152
وعقراً(1) وبعداً للقوم الظالمين.

ويحهم أنى زحزحوها عن رواسي الرسالة، وقواعد النبوة، ومهبط الروح الامين، الطبن(2) بأمور الدنيا والدين، ألا ذلك هو الخسران المبين، وما الذي نقموا(3) من أبي الحسن، نقموا والله منه نكير(4) سيفه، وشدة وطأته، ونكال(5) وقعته، وتنمره فى ذات الله،(6)ويا لله لو تكافئوا(7) على زمام نبذه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، لسار بهم سيراً سجحاً(8)، لا يكلم خشاشه(9)، ولا يتعتع(10) راكبه، ولأوردهم منهلا

____________

1- الجدع قطع الأنف، والعقر ضرب قوائم البعير بالسيف ونحوه، والجملة دعاء على من أرادت.

2- تريد كيف زحزحوها عن بيت النبي أو بالأحرى عن علي الطبن بأمور الدنيا والدين أي الخبير بها.

3- كرهوا.

4- شديد.

5- من التنكيل.

6- أي غضبه لله.

7- استووا.

8- سهلا ويروى لو تكافؤوا على زمام نبذه إليه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لاعتقله ولسار بهم سيراً سجحاً.

9- لا يجرح جانبه والخشاش عود يجعل فى أنف البعير يشد به الزمام.

10- أي من غير أن يصيبه أذى ومنه الحديث الشريف: "يؤخذ للضعيف حقه غير متعتع".


الصفحة 153
روياً فضفاضاً(1)، تطفح ضفتاه، ولأصدرهم بطاناً(2)، قد تحرى بهم الري غير متجل منهم بطائل بعمله الباهر، وردعه سورة الساغب(3)، ولفتحت عليهم بركات من السماء، وسيأخذهم الله بما كانوا يكسبون، ألا هلمن(4) فأسمعن وما عشتن أراكن الدهر عجباً، إلى أي لجأ لجأوا واسندوا؟ وبأي عروة تمسكوا؟(5) ولبئس المولى(6) ولبئس العشير، استبدلوا والله الذنابى بالقوادم(7)، والعجز بالكاهل، فرغماً لمعاطس قوم(8) "يحسبون أنهم يحسنون صنعاً ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون"، ويحهم (أَفَمَن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لاَّ يَهِدِّيَ إِلاَّ أَنْ يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ)(9).

أما لعمر إلهكنّ(10) لقد لقحت فنظرة ريثما تنتج، ثم احتلبوا(11)

____________

1- يفيض منه الماء.

2- شبعانين.

3- حدة الجائع.

4- تعالن مركبة من هاء التنبيه ومن لم أي ضم نفسك إليها، والنون فيها هنا نون النسوة.

5- عروة الكوز أو الدلو مقبضه مستعارة هنا.

6- الصاحب والجار.

7- الذنابى الذنب، والقوادم ريش في مقدم الجناح، والمراد أنهم استبدلوا الذي هو أدنى بالذي هو خير، العجز مؤخر الشيء، والكاهل مقدم الظهر.

8- أي ذلا لأنوفهم مجاز عن ذل أنفسهم.

9- سورة يونس: 35.

10- أي أما وحق بقائه.

11- لقحت حبلت، النظرة التأخير في الأمر، وريث أي مقدار، وتنتج تلد.


الصفحة 154
طلاع القعب(1) دماً عبيطاً(2) وذعافاً ممقراً(3)، هنالك يخسر المبطلون، ويعرف التالون غب(4) ما أسس الأولون، ثم أطيبوا(5) عن أنفسكم نفساً، وطامنوا للفتنة جأشاً(6) وابشروا بسيف صارم، وبقرح شامل(7) واستبداد من الظالمين يدع فيئكم زهيداً، وجمعكم حصيداً، فيا حسرة لكم، وإني بكم وقد عميت (عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنتُمْ لَهَا كَارِهُونَ)(8). ثم أمسكت (عليها السلام)(9).

____________

1- أي ملؤه.

2- طرياً.

3- يقال سم زعاف أي معجل إلى الموت، والممقر المر ويروى وزعافاً.

4- أي عاقبة ويروى "عين ما أسس الأولون".

5- طيبوا.

6- نفساً.

7- القرح الدمل، كناية عن فساد ألامور ويروى "بهرج شامل".

8- سورة هود: 28.

9- بلاغات النساء، ابن أبي طيفور: 32 ـ 33 مع هوامشها، إعلام النساء، كحالة: 4 / 128 ـ 129.


الصفحة 155

2 ـ برواية أبي بكر أحمد بن عبد العزيز الجوهري
البغدادي (ت 323 هـ) في كتابه السقيفة وفدك.

الرواية الأولى: خطبتها (عليها السلام) في المهاجرين والأنصار

رواها عنه ابن أبي الحديد (ت 656 هـ) في شرح النهج: وقد ذكر قسماً منها، ورواها عنه أيضاً أبو الحسن الأربلي (ت 693 هـ) في كتابه كشف الغمة: 1 / 480. وقد نقلها من نسخة قديمة مقروّة على مؤلفها المذكور.

قال أبو الحسن الأربلي قبل ذكره الخطبة ما نصّه: وحيث انتهى بنا القول إلى هنا فلنذكر خطبة فاطمة (عليها السلام) فإنها من محاسن الخطب وبدايعها، عليها مسحة من نور النبوة، وفيها عبقة من أرج الرسالة، وقد أوردها المؤالف والمخالف، ونقلتها من كتاب السقيفة عن عمر بن شبة(1)، تأليف أبي بكر أحمد بن عبد العزيز الجوهري من نسخة

____________

1- جاء في تهذيب التهذيب: 7 / 460 ترجمة رقم: 767 قال ابن أبي حاتم: كتبت عنه مع أبي وهو صدوق صاحب عربية وأدب، قال الدار قطني: ثقة. وذكره ابن حبان في الثقات وقال: مستقيم الحديث وكان صاحب أدب وشعر وأخبار ومعرفة بأيام الناس، وقال الخطيب: كان ثقة عالماً بالسير وأيام الناس وله تصانيف كثيرة.

وقال المرزباني في معجم الشعراء: عمر بن شبة أديب فقيه واسع الرواية صدوق ثقة، وقال مسلمة: ثقة أنبأ عنه المهرواني، وقال محمد بن سهل راويته: كان أكثر الناس حديثاً وخبراً وكان صدوقاً نزل بغداد عند خراب البصرة، ونزل في آخر عمره سر من رأى وتوفي سنة 202 وكان قد جاوز التسعين.


الصفحة 156
قديمة مقرؤة على مؤلفها المذكور، قرئت عليه في ربيع الآخر سنة اثنتين وعشرين وثلثمائة، روى عن رجاله من عدة طرق أن فاطمة (عليها السلام) لما بلغها إجماع أبي بكر على منعها فدكاً لاثت خمارها، وأقبلت في لميمة من حفدتها ونساء قومها، تجر أدراعها تطأ في ذيولها، ما تخرم من مشية رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، حتى دخلت على أبي بكر وقد حشد المهاجرين والأنصار، فضرب بينهم بريطة بيضاء ـ وقيل قبطية ـ فأنّت أنةً أجهش لها القوم بالبكاء، ثم أمهلت طويلا حتى سكنوا من فورتهم.

ثم قالت (عليها السلام): أبتدىء بحمد من هو أولى بالحمد والطَّول والمجد، الحمد لله على ما أنعم، وله الشكرُ بما ألهم، والثناءُ بما قدّم، من عموم نعم ابتدأها، وسبوغ آلاء أسداها، وإحسان منن أولاها(1)جم(2) عن الإحصاء عددها، ونأى(3) عن المجازاة مزيدها، وتفاوت عن الإدراك أبدها(4)، واستتب الشكر بفضائلها(5)، واستحذى الخلق

____________

1- السبوغ: الكمال، والآلاء: النعماء. أسدي إليه: أحسن، أولاها: أي تابعها، باعطاء نعمة بعد أخرى بلافصل.

2- جم: كثر.

3- نأى: بعد، وفي بعض النسخ: ونأى عن الجزاء أمدها.

4- وفي نسخة: أمدها.

5- استتب الأمر: اطرد واستقام واستمر.


الصفحة 157
بانزالها(1)، واستحمد إلى الخلائق بإجزالها، وأمر بالندب إلى أمثالها، وأشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له، كلمة جعل الإخلاص تأويلها، وضمن القلوب موصولها(2)، وأبان في الفكر معقولها، الممتنع من الأبصار رؤيته، ومن الألسن صفته، ومن الأوهام الإحاطة به، أبدع الأشياء لا من شيء كان قبله، وأنشأها بلا احتذاء مثله(3)وسمّاها بغير فائدة زادته إلاّ إظهاراً لقدرته، وتعبّداً لبريته، وإعزازاً لأهل دعوته، ثمّ جعل الثواب لأهل طاعته(4)، ووضع العذاب على أهل معصيته، ذيادة لعباده عن نقمته، وحياشة لهم إلى جنته، وأشهد أنّ أبي محمداً عبده ورسوله، اختاره قبل أن يجتبله، واصطفاه قبل أن يبتعثه، وسمّاه قبل أن يستجيبه إذ الخلائق بالغيب مكنونة، وبستر الأهايل مضمونة(5) وبنهايا العدم مقرونة، علماً منه بمآيل الأُمور(6)وإحاطة بحوادث الدهور، ومعرفة منه بمواقع المقدور، وابتعثه إتماماً لعلمه، وعزيمة على إمضاء حكمه، وإنفاذاً لمقادير حقّه، فرأى (صلى الله عليه وآله وسلم)الأُمم فرقاً في أديانها، وعابدة لأوثانها، عكفاً على نيرانها، منكرة لله

____________

1- استحذى: خضع وذلّ. واستحمد: أي يطلب منه الحمد.

2- جعل الأعمال كلها خالصة لله.

3- في البحار: بلا احتذاء أمثلة امتثلها، واحتذى مثاله: أي اقتدى به.

4- في نسخة: وإعزازاً لدعوته ثمّ جعل الثواب على طاعته.

5- في نسخة: مصونة.

6- أي عواقبها، وفي نسخة: مآل الأُمور، بصيغة المفرد.


الصفحة 158
مع عرفانها، فأنار الله بأبي (صلى الله عليه وآله وسلم)ظلمها، وفرج عن القلوب بهمها، وجلى عن الأبصار عممها، ثمّ قبضه الله إليه قبض رأفة واختيار، رغبة بمحمد (صلى الله عليه وآله وسلم)عن تعب هذه الدار، موضوعاً عنه أعباء الأوزار، محفوفاً بالملائكة الأبرار، ورضوان الربّ الغفار، وجوار الملك الجبار، فصلّى الله عليه، أمينه على الوحي وخيرته مِن الخلق، ورضيه عليه السلام ورحمة الله وبركاته.

ثمّ قالت (عليها السلام): وأنتم عباد الله نصب أمره ونهيه، وحملة كتاب الله ووحيه، أُمناء الله على أنفسكم، وبلغاؤه إلى الأُمم حولكم، لله فيكم عهد قدّمه إليكم، وبقية استخلفها عليكم، كتاب الله بينة بصائره، وآي منكشفة سرائره، وبرهان فينا متجلية ظواهره، مديماً للبرية استماعه، قائداً إلى الرضوان اتباعه، ومؤدياً إلى النجاة أشياعه(1)، فيه تبيان حجج الله المنيرة، ومواعظه المكرورة، ومحارمه المحذورة، وأحكامه الكافية، وبيناته الجالية، وجمله الكافية، وشرائعه المكتوبة، ورخصه الموهوبة، ففرض الله الإيمان تطهيراً لكم من الشرك، والصلاة تنزيهاً لكم من الكبر، والزكاة تزييداً لكم في الرزق، والصيام تبييناً(2) إمامتنا، والحج تسنيةً للدين(3) والعدل تنسكاً

____________

1- في نسخة: ومؤد إلى النجاة استماعه.

2- في نسخة: تثبيتاً ـ أي تشييد الإخلاص وإبقائه.

3- أي سبباً لرفعة الدين وعلوه، وفي بعض الروايات ـ تشييداً ـ وفي أُخرى ـ تسلية ـ.


الصفحة 159
للقلوب، وطاعتنا نظاماً للملة، وإمامتنا لماً للفرقة، والجهاد عزّ الإسلام، والصبر مؤنة للاستيجاب(1)، والأمر بالمعروف مصلحة للعامة، والبرّ بالوالدين وقاية من السخطة، وصلة الأرحام منسأة للعمر، ومنماة للعدد، والقصاص حقناً للدماء، والوفاء بالنذور تعريضاً للمغفرة، وتوفية المكائيل والموازين تغييراً للبخسة، واجتناب قذف المحصنات حجاباً من اللعنة، والاجتناب عن شرب الخمور تنزيهاً من الرجس، ومجانبة السرقة إيجاباً للعفة، والتنزّه عن أكل أموال الأيتام والاستيثار بفيئهم إجارة من الظلم، والعدل في الأحكام إيناساً للرعية، والتبرّي من الشرك إخلاصاً للربوبية، فاتقوا(2) الله حقّ تقاته، وأطيعوه فيما أمركم به فـ (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء)(3).

ثمّ قالت (عليها السلام): أنا فاطمة بنت محمد(4) أقول عوداً على بدء، وما أقول ذلك سرفاً ولا شططاً(5) فاسمعوا إليَّ بأسماع واعية وقلوب راعية، ثمّ قالت (عليها السلام): (لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا

____________

1- في نسخة: على الاستيجاب أي استيجاب الأجر كما في سائر الروايات إذ به يتم فعل الطاعات وترك السيئات.

2- من هنا إلى آخر الخطبة ذكرها ابن أبي الحديد في شرح النهج: 16 / 211 ـ 213 عن الجوهري من كتاب السقيفة وفدك.

3- سورة فاطر: 28.

4- في نسخة: أنا فاطمة وأبي محمد.

5- السرف: الجهل. والشطط: البعد عن الحق ومجاوزة الحسد في كلّ شيء.


الصفحة 160
عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ)(1) فإن تعزوه تجدوه أبي دون نسائكم، وأخا ابن عمي دون رجالكم، فبلغ الرسالة صادعاً بالرسالة(2) ناكباً عن سنن مدرجة المشركين، ضارباً لثبجهم، آخذاً بأكظامهم، داعياً إلى سبيل ربّه بالحكمة والموعظة الحسنة، يجذّ الأصنام، وينكث الهام، حتى انهزم الجمع وولّوا الدبر، وحتى تفرى الليل عن صبحه، وأسفر الحقّ عن محضه، ونطق زعيم الدين وخرست شقاشق الشياطين، وفهتم بكلمة الاخلاص، مع النفر البيض الخماص، الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً، وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها، مذقة الشارب ونهرة الطامع، وقبسة العجلان، وموطأة الأقدام، تشربون الطرق، وتقتاتون القد، أذلة خاشعين، تخافون أن يتخطّفكم الناس من حولكم، فأنقذكم الله بنبيّه (صلى الله عليه وآله وسلم)، بعد اللتيا والتي، وبعد أن مني ببهم الرجال وذؤبان العرب(3)، كلما حشوا ناراً للحرب أطفأها الله، ونجم قرن الضلالة وفغر فاغر من المشركين قذف أخاه في لهواتها، فلا ينكفىء حتى يطأ صماخها بأخمصه، ويخمد لهبها بسيفه، مكدوداً ذؤوباً في ذات الله، وأنتم في رفهينة ورفغينة، وادعون آمنون، تتوكّفون الأخبار، وتنكصون عن النزال.

____________

1- سورة التوبة: 128.

2- في رواية النذارة.

3- ذؤبان العرب: صعاليكها الذين يتلصّصون.


الصفحة 161
فلمّا اختار الله لنبيّه (صلى الله عليه وآله وسلم) دار أنبيائه وأتمّ عليه ما وعده، ظهرت حسيكة(1) النفاق، وسمل جلباب الإسلام فنطق كاظم، ونبغ خامل، وهدر فنيق الكفر، يخطر في عرصاتكم، فأطلع الشيطان رأسه من مغرزه هاتفاً بكم فوجدكم لدعائه مستجيبين، وللغرّة فيه ملاحظين، واستنهضكم فوجدكم خفافاً، وأحمشكم فوجدكم غضاباً، هذا والعهد قريب، والكلم رحيب، والجرح لما يندمل فوسمتم غير إبلكم، وأوردتموها شرباً ليس لكم، والرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) لما يقبر بدار، أزعمتم خوف الفتنة (أَلاَ فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُواْ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ)(2).

فهيهات منكم وكيف بكم وأنى تؤفكون، وكتاب الله جلّ وعز بين أظهركم، قائمة فرائضه، واضحة دلائله، نيّرة شرائعه، زواجره واضحة، وأوامره لايحة، أرغبة عنه تريدون، أن بغيره تحكمون بئس للظالمين بدلا، (وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ)(3).

هذا ثمّ لم تبرحوا ريثاً ـ وقال بعضهم: هذا ولم يرثوا أختها الإريث ـ أن تسكن نفرتها ويسلس قيادها، ثمّ أخذتم تورون

____________

1- حسيكة وحساكة: العداوة والظغن.

2- سورة التوبة: 49.

3- سورة آل عمران: 85.


الصفحة 162
وقدتها، تتهيجون جمرتها، تشربون حسواً في ارتغاء وتمشون(1)لأهله وولده في الخمر والضراء، ونصبر منكم على مثل حز المدى، ووخز السنان في الحشاء(2)، ثمّ أنتم أولاء تزعمون أن لا إرث لي، أفعلى عمد تركتم كتاب الله ونبذتموه وراء ظهوركم، يقول الله جلّ ثناؤه: (وَوَرثَ سُلَيْمانُ داودَ)(3) اقتص من خبر يحيى وزكريا إذ قال: (فَهَبْ لِي مِن لَّدُنكَ وَلِيّاً يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ * وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيّاً)(4) وقال تبارك وتعالى: (يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ)(5) فزعمتم أن لا حظّ لي ولا إرث لي من أبيه أفحكم الله بآية أخرج أبي منها، أم تقولون أهل ملتين لا يتوارثان؟ أم أنتم أعلم بخصوص القرآن وعمومه من أبي (صلى الله عليه وآله وسلم)؟ (أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْماً لِّقَوْم يُوقِنُونَ)(6).

إيهاً معاشر المسلمة أو ابتز إرثيه، أألله أن ترث أباك ولا أرث

____________

1- مثل يضرب لمن يفعل في الباطن شيئاً ويظهر غيره.

2- الوخز: الطعن غير النافذ.

3- سورة النمل: 16.

4- سورة مريم: 5 ـ 6.

5- سورة النساء: 11.

6- سورة المائدة: 50.


الصفحة 163
أبيه، لقد جئتم شيئاً فرياً(1)، فدونكها مرحولة مخطومة مزمومة(2)، تلقاك يوم حشرك، فنعم الحكم الله، والزعيم محمد، والموعد القيامة، وعند الساعة يخسر المبطلون ما توعدون، (لِّكُلِّ نَبَإ مُّسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ)(3)، (مَن يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُّقِيمٌ)(4) ثمّ التفتت إلى قبر أبيها (صلى الله عليه وآله وسلم) متمثلةً بقول هند ابنة أثاثة:


قد كان بعدك أنباء وهنبثةلو كنت شاهدها لم تكثر الخطب(5)
إنا فقدناك فقد الأرض وابلهاواختل قومك لما غبت وانقلبوا
أبدت رجالٌ لنا فحوى صدورهملما قضيت وحالت دونك الترب

وزاد في بعض الروايات هنا:


ضاقت عليَّ بلادي بعدما رحبتوسيم سبطاك خسفاً فيه لي نصب

____________

1- في نسخة: يا بن أبي قحافة أترث أباك ولا أرث أبي لقد جئت شيئاً فرياً.

2- الرحل للناقة كالسرج، والخطام كل ما يوضع في أنف البعير ليقاد به.

3- سورة الأنعام: 67.

4- سورة الزمر: 40.

5- الهنبثة: الأُمور الشديدة والاختلاط في القول، والخطب الخطوب أي الأُمور العظيمة.