فيما عمله بعد موت عمه أبي طالب قبل الهجرة

1 - عمر بن إبراهيم الأوسي في كتابه قال : قيل : إن رسول الله لما مات أبو طالب عليه السلام لج المشركون في أذيته ، فصار يعرض نفسه على القبايل بالاسلام والايمان ، فلم يأت أحد من القبائل إلا صده ورده .

فقال بعضهم : أعلم أنه لا يقدر أن يصلحنا وهو قد أفسد قومه ، فعمد إلى ثقيف بالطائف فوجد سادتهم جلوسا ، وهم ثلاثة أخوة ، فعرض عليهم الاسلام وحذرهم من النار وغضب الجبار .

فقال أحدهم : أنا أسرق ثياب الكعبة إن كان الله بعثك نبيا .

وقال آخر : يا محمد عجز الله أن يرسل غيرك ؟ وقال آخر : لا تكلموه إن كان رسولا من الله كما يزعم ، هو أعظم قدرا أن يكلمنا ، وإن كان كاذبا على الله فهو أسرف بكلامه .

وجعلوا يستهزءون به ، فجعل يمشى كلما وضع قدما وضعوا له صخرة ، فما فرغ من أرضهم إلا وقدماه تشخب دما ، فعمد لحائط من كرومهم ، وجلس مكروبا ، فقال : اللهم إني أشكو إليك غربتي وكربتي وهواني على الناس ، يا أرحم الراحمين ، أنت رب المستضعفين ، أنت رب المكروبين ، اللهم إن لم يكن لك علي غضب فلا أبالي ، ولكن عافيتك أوسع لي ، أعوذ بك من سخطك ، وبمعافاتك من عقوبتك ، وبك منك ، لا أحصي الثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك ، لك الحمد حتى ترضى ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .

قيل : وكان في الكرم عتبة بن ربيعة ، وشيبة ، فكره أن يأتيهما ، لما يعلم من عداوتهما .

فقالا لغلام لهما يقال : عداس : خذ قطفين من العنب ، وقدحا من الماء ، واذهب بهما إلى ذلك الرجل ، وإنه سيسئلك أهدية أم صدقة ، فإن قلت : صدقة لم يقبلها ، بل قل له : هدية .

فمضى ووضعه بين يديه ، فقال : هدية أم صدقة ؟ فقال : هدية ، فمد يده وقال : بسم الله ، وكان عداس نصرانيا ، فلما سمعه عجب منه ، وصار ينظره ، فقال له : يا عداس من أين ؟ قال : من أهل نينوى ، قال : من مدينة الرجل الصالح أخي يونس بن متى ، قال : ومن أعلمك ؟ فأخبره بقصته ، وبما أوحي إليه ، فقال : ومن قبله ؟ فقال : نوح ، ولوط ، وحكاه بالقصة ، فخر ساجدا لله ، وجعل يقبل قدميه ، هذا وسيداه ينظران إليه .

فقال أحدهما للآخر : سحر غلامك ، فلما أتاهما قالا له : ما شأنك سجدت وقبلت يديه ؟ فقال : يا أسيادي ما على وجه الأرض أشرف ولا ألطف ولا أخير منه ، قالوا : ولم ذلك ؟ قال : حدثني بأنبياء ماضية ، ونبينا يونس بن متى ، فقالا : يا ويلك فتنك عن دينك ، فقال : والله إنه نبي مرسل ، قال له : ويحك عزمت قريش على قتله ، فقال : هو والله يقتلهم ويسودهم ويشرفهم ، إن تبعوه دخلوا الجنة ، وخاب من لا يتبعه ، فقاما يريدان ضربه فركض للنبي وأسلم .

2 - ابن شهرآشوب في كتاب " الفضائل " لما توفي أبو طالب رحمة الله عليه واشتد على النبي البلاء والأذى ، عمد إلى ثقيف بالطائف ، رجاء أن يؤوه سادتها : عبد يا ليل ، ومسعود ، وحبيب ، بنو عمرو بن عمير الثقفي ، فلم يقبلوه ، وتبعه سفهاؤهم بالأحجار ، وأدموا رجليه ، فخلص منهم ، واستظل في ظل حبلة منه ، وقال : اللهم إني أشكوا إليك من ضعف قوتي ، وقلة حيلتي وناصري ، وهواني على الناس ، يا أرحم الراحمين .

فأنفذ عتبة وشيبة ، ابنا ربيعة إليه بطبق عنب ، على يد غلام يدعى عداسا وكان نصرانيا ، فلما مد يده وقال : بسم الله ، فقال : إن أهل هذا البلد لا يقولونها ، فقال النبي : من أين أنت ؟ قال : من بلد نينوى ، فقال : من مدينة الرجل الصالح يونس بن متى ، قال : ومن أين تعرفه ؟ قال : أنا رسول الله والله أخبرني خبر يونس .

فخر عداس ساجدا لله ، وجعل يقبل قدميه وهما يسيلان الدماء .

فقال عتبة لأخيه : قد أفسد عليك غلامك : ولما انصرف عند سيده قال : إنه والله نبي صادق ، فقالوا : إنه رجل خداع ، لا يفتنك عن نصرانيتك .

العودة إلى الصفحة الرئيسية

www.mezan.net <‎/TITLE> ‎<META HTTP-EQUIV="Content-Type" CONTENT="text/html; charset=windows-1256">‎ ‎<META NAME="keywords" CONTENT=" السيد محمد حسين فضل الله في الميزان ">‎ ‎<META NAME="description" CONTENT=" مقولات السيد فضل الله في كتبه ">‎ ‎<META NAME="author" CONTENT=" مقولات السيد فضل الله بصوته ">‎ ‎<META NAME="copyright" CONTENT=" رأي المراجع العظام والعلماء ">‎ <‎/HEAD>