الحصار في شعب أبي طالب (عليه السلام)

بعد أن فشلت جميع وسائل الإرهاب ، والحرب النفسية والدعائية ضد النبي ( صلى الله عليه وآله ) ومن آمن معه ، امتنع زعماء قريش ، وقرَّروا أن يقاطعوا أبا طالب ، وبني هاشم ، ومحمداً ، وأصحابه ، مقاطعة اقتصادية واجتماعية ، وكتبوا عهداً بذلك وعلّقوه في جوف الكعبة .

وكان ذلك في اليوم الأول من شهر محرم الحرام ، في السنة السابعة للبعثة النبوية .

ومما جاء في تلك الصحيفة الظالمة : ألا يبايعوا أحداً من بني هاشم ، ولا يناكحوهم ، ولا يعاملوهم ، حتى يدفعوا إليهم محمداً فيقتلوه .

وتعاهدوا على ذلك ، وختموا الصحيفة بثمانين ختماً ، ثم حصرت قريش رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وأهل بيته من بني هاشم ، وبني عبد المطلب في شعب أبي طالب ، ويقال له ( شعب بني هاشم ) .

استمرَّ الحصار وطال حتى أنفق أبو طالب والنبي ( صلى الله عليه وآله ) مالهما ، كما أنفقت خديجة أموالها الطائلة في هذه المحاصرة الظالمة .

وأشتدَّ خلالها الخطب على المسلمين ، وراحوا يعانون من الجوع والأذى ، ويأكلون نباتات الأرض ، ولم يكن يصلهم من الطعام شيء ، إلا ما كان يتسرب سراً من بعض المتعاطفين معهم ، واستمرت الأوضاع على هذه الشاكلة ثلاث سنوات تقريباً .

وحين اشتدَّ العسر والأذى ، وصبر المسلمون ، جاء الفرج ، وتدخل النصر الإلهي ، فأرسل الله حشرة الأرضة على صحيفة المقاطعة فأكلتها ، ما عدا ما كان فيها من اسم الله سبحانه .

فعندها هبط جبرائيل ( عليه السلام ) وأخبر محمداً ( صلى الله عليه وآله ) بذلك .

أخبر النبي أبا طالب بهذا النبأ العظيم ، وأطلعه على ما حدث للصحيفة الظالمة ، فتوجها مع باقي بني هاشم نحو البيت الحرام ، ليُحدثوا طواغيت قريش بما أخبر به رب العزة ، وليؤكدوا لهم دليلاً أخراً على صدق نبوَّة محمد ( صلى الله عليه وآله ) .

فجلس أبو طالب بفناء الكعبة ، وأقبلت عليه قريش فقالوا له : آنَ لك يا أبا طالب أن تذكر العهد ، وأن تشتاق إلى قومك ، وتدع اللُّجاج في ابن أخيك .

فقال لهم : يا قوم أحضروا صحيفتكم ، فلعلَّنا أن نجد فرجاً وسبباً لصلة الأرحام وترك القطيعة ، فأحضروها .

فخاطبهم أبو طالب : هذه صحيفتكم .

قالوا : نعم .

قال : فهل أحدثتم فيها حدثاً .

قالوا : اللَّهُمَّ لا .

فقال لهم : إنَّ مُحمَّداً أعلمني عن رَبِّه ، أنه بعث الأرضة ، فأكلت كل ما فيها إلا ذكر الله ، أفرأيتم إن كان صادقاً ماذا تصنعون ؟

قالوا : نكف ونمسك .

فقال : فإن كان كاذباً دفعته إليكم .

قالوا : قد أنصفْتَ وأجملْتَ .

وبدأت اللحظات الحاسمة .

فإذا بالأرضة قد أكلت كل ما في الصحيفة ، إلا مواضع اسم الله عزَّ وجلَّ ، فَبُهِت الطغاة ، وأخذَتْهم العزة بالإثم ، وقالوا : ما هذا إلا سحر .

لم يستطع كفار مكة مصادرة هذا الحدث العظيم بهذا الرد التافه ، بل راح الناس يتفاعلون معه ، فأسلم كثيرون ، وصدَّقوا هذه المعجزة .

وعلى أثر ذلك فُكَّ الحصار ، وخَرج النبي محمد ( صلى الله عليه وآله ) ومن معه من الشعب أعِزَّةً مُنتصِرين .

العودة