مناظرة فضال بن الحسن (1)مع أبي حنيفة في مسألة الدفن

عند النبي صلى الله عليه وآله وميراث الزهراء عليها السلام

روي أنّه مرّ فضال بن الحسن بن فضال الكوفي بأبي حنيفة وهو في جمع كثير ، يملي عليهم شيئاً من فقهه وحديثه .
 

فقال ـ لصاحب كان معه ـ : والله لا أبرح حتى أُخجل أبا حنيفة .
 

فقال صاحبه الذي كان معه : إنّ أبا حنيفة ممّن قد علمت حاله ، وظهرت حجّته .
 

قال : مه ! هل رأيت حجّة ضالّ علت على حجّة مؤمن ؟ ! ثمّ دنا منه فسلم عليه ، فردّها ، وردّ القومُ السلام بأجمعهم .
 

فقال : يا أبا حنيفة ! إنّ أخاً لي يقول : إنَّ خير الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وآله علي بن أبي طالب عليه السلام ، وأنا أقول : أبو بكر خير الناس وبعده عمر ، فما تقول أنت رحمك الله ؟
 

فأطرق مليّاً ثمّ رفع رأسه فقال : كفى بمكانهما من رسول الله صلى الله عليه وآله كرماً وفخراً ، أما علمت أنّهما ضجيعاه في قبره ، فأي حجّة تريد أوضح من هذا ؟
 

فقال له فضال : إنّي قلت ذلك لاَخي ، فقال : والله لئن كان الموضع لرسول الله صلى الله عليه وآله دونهما فقد ظلما بدفنهما في موضع ليس لهما فيه حقّ ، وإن كان الموضع لهما فوهباه لرسول الله صلى الله عليه وآله لقد أساءا وما أحسنا ، إذ رجعا في هبتهما ونسيا عهدهما .
 

فأطرق أبو حنيفة ساعة ثمّ قال له : لم يكن له ولا لهما خاصة ، ولكنّهما نظرا في حقّ عائشة وحفصة فاستحقا الدفن في ذلك الموضع بحقوق ابنتيهما .
 

فقال له فضال : قد قلت له ذلك فقال : أنت تعلم أنّ النبي صلى الله عليه وآله مات عن تسع نساء ، ونظرنا فإذا لكلّ واحدة منهنَّ تسع الثمن ، ثمّ نظرنا في تسع الثمن ، فإذا هو شبر في شبر ، فكيف يستحق الرجلان أكثر من ذلك ، وبعد فما بال عائشة وحفصة ترثان رسول الله وفاطمة بنته تُمنع الميراث ؟ !
 

فقال أبو حنيفة : يا قوم ! نحُّوه عني فانّه رافضي (2) خبيث (3) .

____________
(1) هو : فضال بن الحسن بن فضال الكوفي ، حكي عن المولى الوحيد انّه قال : يظهر من معارضته مع أبي حنيفة المذكورة في البحار كونه من فضلاء الشيعة ، واحتمل الحائري كونه أخاً لعلي بن الحسن بن فضال . راجع تنقيح المقال للمامقاني : ج 2 ص 5 ترجمة رقم : 9442 ، (من أبواب الفاء) .
(2) كان على أبي حنيفة أن يقرع الحجة بالحجة والدليل بالدليل لا أن يستخدم اسلوب العنف والتهويل في مقاطعة خصمه إذ أنّ ذلك قبيح صـدوره ممـن لـه أدنى دراية ومعرفة فكيف بمن في مقام عالم بالفقه والحديث ـ كأبي حنيفة ، فكان عليه في منطق البحث وميزان المناظرة أن يتلطّف في جواب مناظِره ورده بما يناسب حجته لا أن يشتمه ويطرده إذ انّ ذلك ممّا ينافي المجلس العلمي وعدم مراعاةٍ لاَداب المناظرة ، والحق ضالة المؤمن يأخذها أنى وجدها .
(3) الاحتجاج للطبرسي : ج 2 ص 382 ، الفصول المختارة : ج 1 ص 44 ـ 45 ، كنز الفوائد للكراجكي : ج 1 ص 294 ـ 295 ، الخرائج والجرائح للراوندي : ج 1 ص 243 ـ 244 ، بحار الاَنوار : ج 10 ص 231 ح 2 وج 47 ص 400 ح 2 .

العودة