آية اللّه العظمى الشيخ محمد جواد البلاغي ـ قدس سره

ولادته و نسبه:

ولـد فـي رجـب عـام 1282 هـ في مدينة النجف الاشرف وسط عائلة متدينة معروفة بالعلم والتقوى، ينتهي نسب العائلة الى قبيلة ربيعة احدى قبائل الحجاز، كان والده الشيخ حسن البلاغي من الـعـلـماء المعروفين ولديه منظومة فقهية، وجده الشيخ طالب البلاغي من طلاب المرحوم الشيخ صاحب الـجـواهـر، وكان لديه من الكرامات الشيئ الكثير، اما عمه فهو الشيخ حسين البلاغي من الادباء و الشعراء البارزين، وله قصيدة مشهورة في رثاء الميرزا الشيرازي الكبير.

 

دراسته:

بـقـي فـي مدينة النجف الاشرف حتى بلغ عمره اربعا وعشرين سنة، ثم بعد ذلك ذهب الى مدينة الـكـاظـمية المقدسة لحضور حلقات الدرس المنعقدة هناك من قبل اساتذتها، وبعد ان انهى مرحلة المقدمات عاد الى النجف الاشرف لاكمال دراسته .
ـ فـي عـام 1326 هـ سـافـر الى مدينة سامراء المقدسة، للاستفادة من دروس العلامة آية اللّه محمد تقي الشيرازي، صاحب كتاب (حاشية المكاسب )، وبقي هناك بحدود عشر سنوات .
ـ في عام 1338 هـ عاد من سامراء المقدسة الى النجف الاشرف واتجه نحو التاليف والكتابة و التصنيف، والرد على الشبهات حتى آخر لحظة من عمره الشريف .

 

اساتذته:

درس الفقه والاصول والحديث وعلم الرجال وغيرها عند كثير من العلماء والمراجع البارزين انذاك نذكر منهم :
(1) الاخوند محمد كاظم الخراساني .
(2) آية اللّه السيد حسن الصدر.
(3) العلامة الشيخ محمد طه نجف .
(4) آية اللّه الشيخ محمد حسن المامقاني .
(5) العلامة الكبير المحدث النوري .
(6) العلامة المحقق آية اللّه رضا الهمدانى .
(7) العلامة الكبير السيد محمد الهندي، و غيرهم .

طلابه:

درّس الـعلامة البلاغى كثير من الطلبة الذين تالّـق نجمهم في سماء العلم والايمان، ناتي على ذكر جملة منهم :
(1) آية اللّه الشيخ محمد رضا آل فرج اللّه النجفي .
(2) العلامة الميرزا محمد علي الغروي الاردوبادي .
(3) العلامة السيد محمد صادق بحر العلوم .
(4) آية اللّه الشيخ علي محمد البروجردي .
(5) آية اللّه السيد صدرالدين الجزائري .
(6) المرجع الكبير آية اللّه العظمى السيد ابو القاسم الخوئي ـ قدس سره ـ.
(7) آية اللّه الشيخ محمد رضا الطبسي النجفي .
(8) آية اللّه الشيخ نجم الدين جعفر العسكري الطهراني، وغيرهم .

صفاته و اخلاقه:

كان آية اللّه الشيخ البلاغي اسوة حسنة، فقد تمثلت به اغلب الصفات الحميدة، وسناتي على تفصيل ابرز تلك الصفات .
 

1 ـ استثماره للفرص :

قال امير المؤمنين (ع ) (انتهزوا فرص الخير فانها تمرّ مرّ السحاب ).
لـقـد وظـف الـعلامة البلاغي هذا القول توظيفا عمليا دقيقا، فقد كان مستفيدا من اوقاته كافة، لا يـضـيـعـها في الامورالتي لا طائل فيها، لهذا نجده ومنذ المراحل الاولى لدراسته قد اتجه نحو التاليف والتصنيف، وظل مستمرا على ذلك حتى نهايه عمره .
 

2 ـ احياؤه لمناسبات اهل البيت عليهم السلام :

كان قلبه (رض ) ممتلئا ولاءً وحباً لاهل البيت عليهم السلام، وفي زمانه انتشرت بعض الشبهات، التي كانت تسعى الى التقليل من شان الذين يهتمون باقامة مراسم عزاء الامام الحسين (ع ).
و في سبيل الحد من انتشار تلك الشبهات بين الناس وإثبات بطلانها، اخذ يشترك بنفسه في مواكب عـزاء سـيـد الـشهداء الامام الحسين (ع )، ويقوم باداء تلك المراسم وبكل فخر واعتزاز، وعندما اقدمت الفرقه الوهابيه المنحرفة على تخريب قبور أئمة البقيع عليهم السلام، قام باصدار كتاب ردّ فـيه على افكار ومعتقدات هذه الفرقة الضالة، ونظم قصيدة شعرية بيّن فيها استنكاره لهذا العمل المشين .
 

3 ـ تواضعه :

يـنـقـل عـن الـعلامة البلاغي انه كان يذهب بنفسه لشراء ما يحتاجه من الاسواق، ثم يعود حاملا حاجاته الى بيته .
وكان يردد الحديث النبوي الشريف : ((صاحب الشيئ احق بحمله )).
و قد كان متواضعا في امور حياته الشخصية، بل حتى في مجال التاليف والكتابة .
فلنستمع الى اقواله عندما كان يتحدث عن تفسيره المعروف (آلاء الرحمن ): اردت عن طريق هذا الـكتاب ان اقوم بفتح الباب للاخرين، لكي يتوسعوا في هذا المجال، وكلي امل بان الكتـّاب الاخرين سيكتبون افضل منه .
فهذان الشاهدان خير دليل على تواضعه وتمسكه بوصايا اميرالمؤمنين (ع ) عندما قال: (اذا تفقه الرفيع تواضع، ومن تواضع عظمه اللّه سبحانه ورفعه ).
 

4 ـ طلبه للحق والحقيقة :

قال علي (ع ) (في لزوم الحق تكون السعادة ).
كان الشيخ البلاغي واضعا نصب عينيه هذا القول الشريف، لهذا نجده يتقبل كل الانتقادات المنصفة والـبناءة برحابة صدر، اما الانتقادات غير الصحيحة فكان يرد عليها بلطف وادب، ولا يتردد في كـتـابـة الـردود، اذا راى ان آراء الطرف المقابل باطلة وغير صحيحة، وهذا ما نجده في كتابه (الـعـتب الجميل )، حيث قام بالرد فيه على احد علماء اهل السنة، وكذلك ما كتبه في مقدمة تفسيره (آلاء الـرحـمـن) مـن ردود عـلـى ما كتبه العلامة الشيخ النوري، عندما اعتمد على بعض الادلة الضعيفة حول تحريف القرآن الكريم .
 

5 ـ احاطته بمقتضيات عصره :

في اواسط القرن الرابع عشر الهجري (بداية القرن العشرين الميلادي)، وعندما اشرفت الدولة العثمانية عـلـى الـسـقـوط، إتفق اعداء الاسلام على محاربة الدين الاسلامي بشتى الوسائل، ومنها الكتب و المنشورات المطبوعة بمختلف اللغات، العربية والفارسية والانجليزية وغيرها لهذا وجد الشيخ الـبـلاغـي ان الـلغة العربية التي كان يجيدها غير كافية لوحدها، للدفاع عن الاسلام ومعتقداته، فـصـمـم على تعلم اللغة الفارسية والانجليزية والعبرية، وقد اتقنها في وقت قياسي، ويقال انه تـمكن من ترجمة بعض كتبه الى تلك اللغات، وقال عنه السيد المرعشي (رحمه اللّه ): لقد شاهدته و لمرات عديدة يقرأ التوراة بالعبرية، وبمنتهى الطلاقة .
 

6 ـ اخلاصه :

ان الـمـؤلفات التي كتبها الشيخ البلاغي ـ رحمه اللّه ـ كانت في سبيل اللّه وفي الدفاع عن الحق، لـذلـك نـجد بعض مؤلفاته مثل (التوحيد والتثليث) و(الرحلة المدرسية) في طبعتهما الاولى لم يـطلب كتابة اسمه على الغلاف، و كان الشيخ يقول في هذا المجال: ان مقصدي من التاليف هو الدفاع عـن الـحـق والحقيقة، وصولا الى رضاء اللّه سبحانه وتعالى، فلا ضير ان لم يكتب اسمي على غلاف الكتاب او يكتب اسم شخص آخرغيري .
وهكذا كان مصداقا عمليا لقول الإمام علي (ع ) [ ثمرة العلم اخلاص العمل ].
 

7 ـ زهده :

كـانـت حـيـاتـه الشريفة مملؤة بالبساطة، متشبها في ذلك بإمام المتقين علي (ع )، في الزهد والابـتـعـاد عـن مـظاهرالاسراف والترف، ونقلوا عن وضعه المعاشي: انه كان يعيش في غرفة صـغيرة، مفروشة بحصير وبساط للجلوس لا اكثر، وليس فيها اي وسيلة من وسائل التبريد آو التدفئه، وفي الحالات التي كان يتعرض فيها للمرض لا يستطيع الذهاب الى الطبيب .
نقل السيد المرعشي ـ رحمه اللّه ـ عنه هذه الحادثة، فقال: ذهبت في يوم من الايام لزيارته فوجدته مـريـضـا، لا يـستطيع الذهاب الى الطبيب، لعدم وجود المال الكافي لمعالجته، فقمت انا والسيدين الخوئي والميلاني بتدبير المبلغ، ثم اوصلناه الى الطبيب .
 

8 ـ مقاطعته للبضائع الاجنبية :

كـان الـشيخ مصرا على محاربته للكفار الاجانب، ويعتبر نفوذهم الاقتصادي على بلداننا توطئة للهيمنة السياسية والثقافية والفكرية والاقتصادية والعسكرية الخ، لهذا كان لا يستعمل الحاجات والسلع المصنوعة في بلاد الغرب، بل يستعمل الحاجات المنتجة في بلاد المسلمين .
ومـن مـيـزاتـه الاخـرى مراعاته للاداب، وعلمه بوظائفه الشرعية، ودفاعه عن الدين، و مـنـاصـرتـه لـلـحـق، وكان صبورا في ممارسته العمل الدؤوب، مبتكراً لاساليب طرحه للفكر الاسلامي .

دورة السياسي :

عندما تم احتلال العراق في الحرب العالمية الاولى من قبل الانجليز، هبّ علماء الشيعة للجهاد ضد هـذا الاحتلال بقيادة آية اللّه الميرزا الشيرازي الكبير ـ رض ـ، وكان شيخنا البلاغي من جملة الـعـلماء الذين كانوا في الصفوف الاولى للمجاهدين ضد ذلك الاحتلال، ولم يهدأ له بال حتى شكـّلت الدولة العراقيـة المؤقتة المستقـلة، في سنـة ( 1337) هـ (1920 م ).

مولفاته:

لـلـشـيخ البلاغي ـ رحمه اللّه ـ تاليفات كثيرة ومتنوعة في مجالات العلوم الاسلامية المختلفة نذكر بعضا منها:
اولا: في التفسير:
(1) الاء الـرحمن : و هو تفسير عميق وموجز وبعبارات واضحة، يشتمل الجزء الاول منه على مـقـدمـة ومـبـاحث عديدة حول القرآن الكريم، بالاضافة الى تفسير سورة الحمد والبقرة وآل عمران، اما الجزء الثاني فيشتمل على تفسير سورة النساء الى الاية 58، مع بحث في الاية السادسة من سورة المائدة، ( لبى نداء ربه قبل اتمامه هذا التفسير).
(2) رسالة في الرد على شبهات اثيرت حول القرآن الكريم .
ثانيا: في علم الكلام والعقائد:
(1) الهدى الى دين المصطفى: يحتوي هذا الكتاب على ردود كتبها الشيخ البلاغي ردا على كتاب (الهداية ) لاحد المؤلفين المسيحيين، الذي ادعى فيه، بعض الادعاآت الباطلة ضد الاسلام و احكام القرآن (مترجم الى اللغة الفارسية ).
(2) الـرحـلـة المدرسية: اثبت فيه ان الاسلام هو الدين الخالد الملائم لكل زمان ومكان، وقد جـمـع فـيـه الـمسائل الاجتماعية والعبادية والاخلاقية والسياسية، ثم تناول ـ خلال البحث ـ الاصول العقائدية الثلاثة المشتركة بين الاديان (التوحيد، النبوة، المعاد) مع بعض البحوث الفلسفية والكلامية (مترجم الى اللغة الفارسية باسم المدرسة السيارة ).
(3) التوحيد والتثليث: كتبه جوابا على رسالة لاحد المسيحيين من سورية (مطبوع في بيروت و قم ).
(4) اعـاجـيب الاكاذيب: رسالة (مترجمة الى اللغة الفارسية ومطبوعة في النجف الاشرف عام 1364 هـ ).
(5) انوارالهدى: في اثبات وجود اللّه، والرد على الماديين . مطبوع في النجف الاشرف، وقد ترجم الى اللغة الاوردية في الهند.
ثالثا: في الفقه :
(1) حـاشـيـة وتـعليق على مباحث الشيخ الانصاري ـ رحمه اللّه ـ (الى بيع الوقف، مطبوع في النجف الاشرف سنة 1343 هـ ).
(2) تعليقة على القسم الاول من العروة الوثقى .
(3) تعليقة على كتاب الشفعة من كتاب جواهر الكلام .
(4) رسـالـة فـي الـرد على فتاوى الوهابيين في تجويزهم تخريب قبور أئمة اهل البيت عليهم السلام في البقيع .
رابعا: في النقد والانتقاد:
(1) رسالة في الرد على كتاب تعليم العلماء لغلام احمد القادياني .
(2) رسالة في الرد على كتاب ينابيع الكلام .
(3) رسالة في الرد على كتاب القس جرجيس السائل، وهاشم العربي .
(4) دارون و اصحابه: كتاب حول الرد على افكار دارون و انصاره .
خامسا: في الادب: يعد آية اللّه الشيخ البلاغي من الشعراء الكبار، وقد ورد ذكره في الموسوعات التي تناولت علماء الشيعة مثل (اعيان الشيعة) و(ماضي النجف وحاضرها) و(الرحيق المختوم) و (نقباء البشر للعلامة الطهراني ).
وقد كتب قصائد رائعه نذكر منها:
(1) قصيدة في الرد على القصيدة العينية لابن سيناء في النفس ، وضح فيها معتقدات المذهب الشيعي بخصوص النفس، نذكر منها هذا البيت :
نعمتْ بان جاءت بخلق المبدع ـــــ ثمّ السعادة ان يقول لها ارجعي .
(2) قـصيدة في اثبات وجود الامام صاحب العصر والزمان عجل اللّه اللّه تعالى فرجه الشريف، بـ (109) ابيات في الرد على احد اهل السنة في انكاره للامام المهدي (ع ).
(3) قصيدة في ميلاد الامام الحسين (ع )، بثلاثة وعشرين بيتا.
(4) قصيدة في رثاء آية اللّه محمد سعيد الحبوبي، احد شهداء ثورة العشرين المباركة في العراق .

اقوال العلماء فيه:

ـ يـقول العلامة الاميني ـ رحمه اللّه ـ: (كان آية اللّه البلاغي عالما، فاضلا، اديبا، شاعرا، حسن الـمـعـاشـرة، سخي النفس، افنى عمره في طلب العلم والتاليف والتصنيف، والاجابة على مختلف الاشـكالات التي ترد من الاعداء والمخالفين، وقد رافقته مدة طويلة في النجف الاشرف، ولم ار منه الا الاخلاق السامية والتقوى والصفات الحميدة ).
ـ و قال فيه العلامة محمد علي الخياباني : (كان العلامة البلاغي فقيها اصوليا، حكيما، متكلما، جامعا لـلـعـلوم ، محدثا بارعا، ركنا من اركان الشيعة الامامية، وحصنا منيعا للحوزة العلمية، قام بترويج العلوم القرآنية وحافظ على النواميس الشرعية وكل مؤلف من مؤلفاته موضع افتخار الجميع ).
ـ و قال فيه آية اللّه اغا بزرك الطهراني: (يعتبر العلامة الشيخ البلاغي من مشاهير علماء الشيعة، فـقـد كان مجاهدا كبيرا ومؤلفا مطلعا، اوقف حياته الشريفة في خدمة الحق والحقيقة، وقد وقف امام التيارات الغربية المسيحية التي ارادت ابادة الفكر والثقافة الاسلامية، والخلاصة انه نموذج لعلماء الاسلام الكبار قل نظيره في عصرنا الحاضر ).

وفاته:

انـتقل الى رحمة اللّه تعالى عن عمر ناهز السبعين عاما، وذلك بتاريخ 22 / شعبان / 1352 هـ قـضـاه بالتاليف والتصنيف، و الردّ على شبهات الملحدين والدفاع عن الدين، وعلى اثر انتشار نبأ وفاته اعلن الحداد في مدينة النجف الاشرف، وعطلت الدروس في الحوزة العلمية لمدة ثلاثة ايام، وشـيع تشييعا مهيبا، وتمّ دفنه في الصحن الشريف، بجوار المرقد الطاهر لإمام المتقين أمير المؤمنين علي بن ابي طالب (ع )، وقد رثاه الشاعر المرحوم الاردوبادي بقصيدة رائعة نقتطف منها هذه الابيات :
ما ان يقم دين الهدى ماثلا ..... الا و هذا عرقه النابض .
فَلْيَهْنَ شرع المصطفى إنّ منـ ..... ـه في فناه اسدٌ رابض .
فان وَ نَوا عنه فمُتلئِما ـــــ يصول هذا البطل الناهض .
مراجع وعلماء منتديات موقع الميزان العودة إلى الصفحة الرئيسية سجل الزوار