طرح سؤال بحث

التصنيفات

· عرض جميع التصنيفات

· أسئلة عقائدية
· أسئلة فقهية
· أسئلة حول فضل الله

· الصفحة الرئيسية

أسئلة فقهية: هل يؤجر من يخطئ

مولاي الفاضل آية الله المحقق الباحث السيد جعفر مرتضى العاملي حفظكم وأيدكم المولى عز وجل وأطال بعمركم وزادكم قوة وعزيمة بالدفاع عن المذهب الشريف.. مولاي هناك من يقول بأن القاعدة في استنباط الحكم تبنى على أساس أنه: من اجتهد وأخطأ فله حسنة، وإن أصاب له حسنتان.. ولقد تناقشت مع أحد الإخوة أنه لو صحت هذه القاعدة لاستند إليها السنة باعتقادهم أن يزيد اللعين اجتهد بقتل مولاي الحسين وأخطأ، فله ـ والعياذ بالله ـ حسنة.. فقالوا: الأمر ليس بهذا الشكل لأن العالم ممكن أن يسعى إلى استنباط حكم، ويسهر عليه الليالي والأيام، بعد توصله إلى الحكم، يكون غير صائب، فبهذا يكون له حسنة، وإن أصاب فله حسنتان. فقلنا: العالم إذا سهر الليالي بحثاً عن حكم فسواء توصل إلى نتيجة أم لم يصل فبذل جهده فيه أجر، لأن الله عز وجل يجازي بالجهد. ونذكر مثالاً على ذلك، أن المؤمن يمكن أن يستغرق سنة في هداية إنسان آخر ولا يتمكن، فهو مأجور على بذل جهده، لأن الأجر بالجهد وليس فقط بالنتائج، أما بالنسبة لاستنباط الأحكام الشرعية، فعندنا كإمامية قاعدة وهي: من أفتى بغير علم فليتبوأ مقعده من النار.. مولاي.. الإخوة لم يقتنعوا مني، على أساس أني من العوام، ولا يحق لي أن أجزم بهذه المسائل، فقررنا إحالة الموضوع لسماحتكم، لكي تحسموا الخلاف ببحوثكم الغنية كما عودتمونا.. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته..

الجواب:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. وبعد..
إن مقولة من اجتهد فأخطأ فله أجر، ومن أصاب فله أجران، هي رواية رواها لنا أتباع مدرسة الخلفاء، وأخذناها عنهم، وصرنا نرددها من دون تثبت، ثم إنهم بنفس هذه القاعدة (!!) برروا لنا قتال عائشة ومعاوية لعلي عليه السلام، وثبت لهما الأجر الواحد بقتاله، وبقتل عشرات الألوف من المؤمنين والمسلمين.
بل قد ادعوا: أن عبد الرحمن بن ملجم قد اجتهد فأخطأ في قتل علي، فهو مأجور أجراً واحداً على جريمته ( المحلى: ج 10 ص 484. والجوهر النقي: (مطبوع بهامش سنن البيهقي)، ج 8 ص 58 عن الطبري في التهذيب.) وأبو الغادية قاتل عمار بن ياسر أيضاً قد اجتهد فأخطأ، فهو مأجور أجراً واحداً على قتل عمار (الفصل: ج 4 ص 161 )
متى بدأت: إجتهد فأخطأ؟!:
وبعد: فإن أول من طرح مقولة الاجتهاد، والخطأ في الاجتهاد، لتبرير جرائم ارتكبها الآخرون هو ـ فيما نعلم ـ الخليفة الأول، حينما طالبه الخليفة الثاني بإصرار بمعاقبة خالد بن الوليد لقتله الصحابي المعروف مالك بن نويرة، حينما امتنع عن الاعتراف بشرعية الحكم الجديد، وأصر على الالتزام بالوفاء للخليفة الذي أقصي عن موقعه، ثم نزا على امرأة ذلك القتيل في الليلة التي قتله فيها بالذات، فإن أبا بكر أطلق في هذه المناسبة بالذات كلمته المعروفة: «تأول فأخطأ» أو «اجتهد فأخطأ» ( ([202]) وفيات الأعيان: ج 6 ص 15 والمختصر في أخبار البشر: ج 1 ص 158 وروضة المناظر، لمحمد بن الشحنة (مطبوع بهامش الكامل في التاريخ): ج 7 ص 167 والكامل في التاريخ: ج 3 ص 49 وشرح نهج البلاغة للمعتزلي: ج 1 ص 179، وتاريخ الطبري ط ليدن: ج 4 ص 1410 )
ثم جاء من روى حديثاً يجعل لمن أصاب في اجتهاده أجرين، وللمخطئ أجراً واحداً، كما رواه عمرو بن العاص، وأبو هريرة، وعمر بن الخطاب (راجع: مسند أحمد ج 4 ص 198 و 204 وص 205 وراجع: ج 2 ص 187 وراجع: صحيح البخاري ج 4 ص 171، وصحيح مسلم: ط دار إحياء التراث العربي، ج3 ص 1342 وسنن أبي داود: ج 3 ص 299 والجامع الصحيح للترمذي: ج 3 ص 615 والمحلى: ج 1 ص 69 و70).
وكانت هذه المقولة بمثابة «الأكسير» الذي يحول التراب إلى ذهب، بل هي أعظم من الأكسير، فقد بررت أفظع الجرائم وأبشعها، حتى جريمة قتل الأبرياء في الجمل، وصفين، وقتل علي بن أبي طالب، وعمار بن ياسر كما قدمنا، ثم بررت جريمة لعن علي (عليه السلام) على ألوف المنابر ألف شهر، ثم جريمة قتل الحسين (عليه السلام) وذبح أطفاله، وسبي عقائل بيت الوحي وسوقهن من بلد إلى بلد.. إلى غير ذلك مما لا مجال لتتبعه واستقصائه..
ومن أجل تتميم الفائدة وتعميمها، فقد منح جيل من الناس بأكمله وسام الاجتهاد (راجع: التراتيب الإدارية: ج 2 ص 364 و 366. ) يبرر له كل أخطائه، مع أن فيهم مرتكب الزنى، وشرب الخمر، والقتل، والسرقة، وغير ذلك فضلاً عن الخروج على إمام زمانه، ثم فيهم العالم والجاهل إلى درجة أنه لا يحسن أن يتوضأ، أو أن يطلق امرأته.
بل لقد قالوا: إن ما فعلوه كان بالاجتهاد والعمل به واجب، ولا تفسيق بواجب ( راجع: فواتح الرحموت في شرح مسلم الثبوت: ج 2 ص 158 و 156 وسلم الوصول: (مطبوع مع نهاية السول) ج 3 ص 176 و 177 والسنة قبل التدوين: هامش ص396 و404 و405. وحول ثبوت الأجر للمشتركين في الفتنة، راجع: اختصار علوم الحديث (الباعث الحثيث): ص182. وإرشاد الفحول: ص69.)
بل قال البعض: يجوز للصحابة العمل بالرأي في موضع النص، وهذا من الأمور الخاصة بهم دون غيرهم ( أصول السرخسي: ج 2 ص 134 و 135. ثم ناقش هذه المقولة وردها.)
إلى أمور ومقولات كثيرة تحدثنا عنها في كتابنا «الصحيح من سيرة النبي صلى الله عليه وآله» في الجزء الأول منه، فراجع..
المثوبة.. على الصواب والخطأ:
وأخيراً.. نقول:
إن هذه المقولة، قد فرضت للمصيب أجرين، وللمخطئ أجراً واحداً، مع أن النصوص قد دلت على أن أفضل الأعمال أحمزها، وقد يصرف المجتهد الكثير الكثير من الجهد والوقت في تتبع النصوص، وتمحيص المسائل، ثم تكون النتيجة خاطئة..
وقد لا يبذل عشر ذلك الجهد في مسألة يصيب فيها، فهل يضيِّع الله له كل جهده الأول لمجرد صدفة، هي أنه قد أخطأ الحكم الواقعي دون أن يعلم!! ثم تكسبه صدفة أخرى مثوبة وأجراً مضاعفاً لمجرد صدفة حصلت له، وهي إصابته للواقع وهو غافل أيضاً عن ذلك، وليس له في إصابته هذه، وفي خطئه ذاك أي اختيار، ولا مسؤولية؟!
ولماذا أضاع الله له كل ذلك الجهد الزائد الذي بذله؟! مع أن الله يقول: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ} (سورة الزلزلة، آية7 و8 ).
ويقول تعالى أيضاً: {أَنِّي لاَ أضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أنْثَى} (سورة آل عمران، آية 195) ؟!
غفر الله لنا ولكم، وحفظكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته..

  • آخر تحديث: 2006-01-15 00:07
  • الكاتب: mezan

    إعداد نسخة للطبع إبلاغ صديق