صفحة :177-198   

الفصل الثالث

ومن أدلته الواهية أيضاً

بـدايـة:

إننا نذكر في هذا الفصل أيضاً طائفة أخرى من أدلته الواهية، الرامية إلى إشاعة حالة الريب والشك فيما جرى على الصديقة الطاهرة «صلوات الله وسلامه عليها» بعد وفاة أبيها «صلوات الله وسلامه عليه وآله»..

وقد كنا نحب لهذا البعض: أن لا يتخذ سبيل الإصرار على هذه المقولات وغيرها مما ذكرناه في هذا الكتاب، وكذلك ما عزفنا عن ذكره رغبة منا في التفرغ إلى معالجة أمور أخرى لا زالت تنتظر المعالجة؛ خصوصاً وأننا أصبحنا نشعر أن هذا البعض ممعن في هذا النهج الذي اختاره لنفسه، ونشعر كذلك بأن هذا الذي ذكرناه كاف وشاف وواف، بإبراز معالم الطريق التي يسلكها.. فإن لم يكن هذا مقنعاً وكافياً، فأي شيء بعد هذا يمكن أن يقنع وأن يكفي.. نسأل الله أن يجعلنا من الذين ينصفون الناس وأنفسهم، ولا يستكبرون عن الحق، إنه ولي قدير.

690 ـ لم يكن للبيوت في المدينة أبواب.

691 ـ كان للأبواب ستائر فقط.

692 ـ إذا لم يكن أبواب فكيف عصرت الزهراء بين الباب والحائط؟!

693 ـ إذا لم يكن أبواب فكيف اشتعلت النار في باب بيت الزهراء؟!

ينقل البعض عن أستاذ لمادة التاريخ في جامعة دمشق([1]): أنه يقول:

«لم يكن لبيوت المدينة المنورة في عهد رسول الله أو بعده، أبواب ذات مصاريع خشبية، بل كان هناك ستائر فقط توضع على الأبواب. وهذا له شواهد».

ثم قال: «أنا ناقشته: لكن هو لديه دليل!

فكيف عصرت الزهراء إذن بين الباب والحائط؟! وكيف اشتعلت النار في خشب الباب»؟!

ثم استدل هذا الناقل بأمرين مؤيداً بهما صحة هذا القول:

الأول: حديث رجوع النبي من سفر فوجد على باب بيت فاطمة ستراً، فأزعجه ذلك. فرجع «صلى الله عليه وآله»، فعرفت فاطمة «عليها السلام» السبب، فأعطت الكساء للحسنين، فأوصلاه إليه، ليتصدق به.

فقال «صلى الله عليه وآله»: فداها أبوها..

الثاني: حديث زنا المغيرة، حيث رفعت الريح الستر، فنظر إليه الشهود وهو يفعل الفاحشة.

وهذان الأمران يدلان على أن الأبواب كانت عبارة عن ستائر، ولم يكن ثمة مصاريع خشبية.

وقفة قصيرة:

ونقول:

إن استدلاله هذا لا يصح باي وجه. ونكتفي هنا بتسجيل الحقائق التالية:

1 ـ إنه يحيل دعوى عدم وجود أبواب خشبية لبيوت المدينة على غائب لا نعلم إن كان يرضى بهذه الإحالة أم لا.. وقد بلغنا أنه يرفض ذلك ويستنكره بشدة ومع ذلك نقول:

إنه إن كان هذا البعض قد ناقشه كما صرح به وأقنعه بفساد قوله هذا، فلماذا يستدل بدليل اثبت هو نفسه فساده؟!

وإن كان أستاذ التاريخ هو الذي اقنع هذا البعض، فلماذا ينسب هذا الرأي إلى غيره؟!

وإن كان قد بقي شاكاً، فلماذا يستدل بكلام مشكوك في صحته؟!

2 ـ إننا قد جمعنا عشرات أو مئات النصوص الدالة على وجود أبواب ومصاريع خشبية لبيوت المدينة، وقد ذكرناها في كتاب: مأساة الزهراء، أواخر المجلد الثاني، فراجع.. وقلنا: إنه قد كان لها مفاتيح، وأقفال، ورتاج، وقد يكون خشبها من عرعر أو ساج، أو جريد. وغير ذلك من خصوصيات.

3 ـ أما بالنسبة للاستدلال بحديث: إن رسول الله «صلى الله عليه وآله» قدم من سفر، فوجد على باب بيت فاطمة ستراً، فلم يعجبه ذلك. فيرد عليه:

ألف: إن وجود الباب لا يمنع من وجود الستر، ولا سيما في البلاد الحارة، والمحافظة التي يطلب فيها الستر والهواء معاً، فيفتح الباب، ويجعل على الباب ستار يمنع من الرؤية..

ب: قد روي عن علي «عليه السلام»: أنه كره أن يبيت الرجل في بيت ليس له باب ولا ستر([2]).

وعن النبي «صلى الله عليه وآله»: هل منكم رجل إذا أتى أهله، فأغلق عليه بابه، وألقى عليه ستره الخ..([3]).

ج: وفي رواية أخرى عن النبي «صلى الله عليه وآله»: إنه سئل عن رجل طلق امرأته ثلاثاً، ثم تزوجها رجل، فأغلق الباب، وأرخى الستر، ثم طلقها الخ..([4]).

د: وفي أخرى عن الإمام الصادق «عليه السلام» في حديث جاء فيه: «وفاطمة فيما بين الستر والباب»([5]).

وثمة أحاديث أخرى تدل على ذلك أيضاً.

هـ: إننا قد تحدثنا عن موضوع الستارة والقلادة في فصل: الجرأة على مقام الزهراء، وأبيها..

وذكرنا هناك:

أولاً: إن هذه القضية إنما كانت للنبي «صلى الله عليه وآله»، مع بعض نسائه([6])..

ثانياً: إن الزهراء «عليه السلام» لم تكن لتقدم على عمل يكرهه الرسول، وهي المعصومة الطاهرة بنص القرآن الكريم.

ثالثاً: إن الزهراء لم يكن لها تعلق بالدنيا، وما كانت لتميل إلى زخارفها، التي ورد التحذير منها بكثرة.

4 ـ أما بالنسبة لقضية زنا المغيرة فنقول:

ألف: لقد صرحت بعض نصوصها بأن الشهود كانوا في البيت المقابل لبيت المغيرة، ففتحت الريح باب الكوة بينهما، فقام أحدهما ليصفقه، فإذا به يرى ذلك المشهد القذر.

ب: قد تقدم أن وجود الستار لا ينافي وجود الباب أيضاً.

694 ـ بعض الروايات تقول لم يدخلوا البيت، فكيف يصح قولهم إنهم ضربوها؟!

695 ـ بعض الروايات تقول: لم يدخلوا البيت فكيف اسقطوا جنينها؟!

696 ـ سلمنا دخولهم البيت فلماذا هاجموا خصوص الزهراء وتركوا علياً؟.

697 ـ المفروض مهاجمة غرفته التي كان يجلس فيها مع بني هاشم.

698 ـ بيت الزهراء ليس عشرة كيلو مترات، هو عشرة أمتار فقط.

699 ـ أحاديث إحراق البيت في الامالي والاختصاص وتلخيص الشافي متعارضة.

700 ـ أحاديث الإحراق تعارض أحاديث التهديد به.

701 ـ روايات تقول: دخلوا البيت وروايات تقول: لم يدخلوا..

يقول البعض:

«إن بعض الروايات تقول: إن المهاجمين لبيت الزهراء «عليها السلام» لم يدخلوا البيت، فكيف يصح قول من يقول: إنهم ضربوها «عليها السلام»، واسقطوا جنينها، وغير ذلك»؟!

ويقول البعض:

«سلمنا أنهم دخلوا البيت، فلماذا يهاجمون خصوص الزهراء، ويضربونها، ويتركون علياً؟! فإن المفروض هو: أن يهاجموه هو في غرفته التي يجلس فيها مع بني هاشم، فإن البيت ليس عشرة كيلو مترات، بل هو عشرة أمتار فقط».

ويقول في مورد آخر([7]):

«وفي هذا المجال هناك روايات مختلفة، فبعضهم يقول: دخلوا المنزل، والبعض الآخر يقول: لم يدخلوا».

ويقول:

«المسألة محل خلاف من جهة الروايات التاريخية»([8]).

ويقول أيضاً:

«إن هناك كثيراً من الارتباك في الروايات، حول وقوع الإحراق، أو التهديد به»([9]).

ثم هو يقول:

«إن أحاديث إحراق البيت المذكورة في تلخيص الشافي والاختصاص، والأمالي للمفيد متعارضة، بين ما يذكر فيه التهديد من دون الإحراق، وهي كثيرة، وبين ما يذكر فيه الإحراق».

وقفة قصيرة:

ونقول:

1 ـ إن ضرب الزهراء، وإسقاط جنينها لا يحتاج إلى دخول البيت، فقد تعصر الزهراء بين الباب والحائط، وقد تضرب دون أن يدخل المهاجمون بيتها.. وذلك لقربها من الباب، أو لوجودها في خارج الدار، وذلك حين أخذوا علياً مُلَبباً للبيعة، وفي حالات أخرى..

2 ـ هناك نصوص صرحت بدخول المهاجمين إلى البيت أيضاً.. وقد قال الخليفة الأول: وددت أني لم أكشف بيت فاطمة، وهو قول معروف ومشهور عنه. وقد ذكرناه مع مصادره في كتابنا مأساة الزهراء، فراجع إن شئت.

3 ـ ليت هذا البعض ذكر لنا الرواية المصرحة بعدم دخول المهاجمين للبيت، وعين لنا مصدرها، ورواتها وبين لنا قيمتها في ميزان الاعتبار.. ثم وازن بينها وبين سائر الروايات، الصحيحة، والمتواترة..

4 ـ إنه لا توجد رواية تصرح بعدم دخولهم البيت، بل الموجود هو سكوت بعض الروايات عن التصريح بالدخول.. وعدم التصريح بذلك، لا يعني التصريح بالعدم.

ومن الواضح: أن مصلحة الحكام تقضي بالتعتيم على تلك الجرائم الهائلة، وعدم الجهر بها..

5 ـ من أين عرف هذا البعض مساحة بيت علي «عليه السلام»، وإذا كانت مساحة البيت هي عشرة أمتار فقط، فكيف اتسع لبني هاشم، بالإضافة إلى أهل البيت؟!!

6 ـ إنهم إنما هاجموها لأنها صدتهم عن الوصول إلى علي «عليه السلام» في اللحظات الأولى، ولم يدم الهجوم عليها مدة طويلة. وقد فرغوا منها وتركوها عند الباب، ودخلوا البيت.

وبتعبير أوضح: إن القوم بمجرد أن أحسوا بوجود علي والزهراء «عليهما السلام» في داخل البيت.. بادروا إلى الهجوم، وحاولوا دخول البيت فتصدت لهم الزهراء، وخلال لحظات ـ ربما ثوان يسيرة ـ حصرت «عليها السلام» بين الباب والحائط وأسقط الجنين، وحصل ما حصل، فسمع «عليه السلام» الصوت فبادر إليهم، وقد وصلوا إلى داخل البيت، فواجههم، وأخذ أحدهم فجلد به الأرض، وانشغل «عليه السلام» بالزهراء.. فوجدوا الفرصة للفرار إلى الخارج، وصاروا يجمعون الحطب ويستعدون لجولات جديدة، فأحرقوا الباب، واستخرجوا علياً «عليه السلام» للبيعة عنوة، ولحقته الزهراء «عليها السلام»، فنالها منهم مرة أخرى ما نالها من ضرب واعتداء. ثم كانت بعد ثمانية أيام قصة فدك، وضربت الزهراء أيضاً فيها مرة أخرى وجرى ما جرى مما لا مجال للإفاضة في تفاصيله..

7 ـ عن الارتباك والتعارض المدعى بين الروايات نقول:

إن أحاديث التهديد بالإحراق لم تنفِ وقوع الإحراق. بل إن كلا من النقلة ينقل من الحدث بالمقدار الذي ينسجم مع أهوائه، ومراداته. والخلاصة إنه لا مانع من أن تذكر هذه الرواية أمراً، وتذكر تلك أمراً آخر، ولا تكونان متعارضتين.

8 ـ ومن جهة أخرى من الذي قال: إن بني هاشم كانوا موجودين مع علي «عليه السلام» في البيت في هذا الهجوم الأول فلعلهم التحقوا بمن في البيت بعد حصول الهجوم الأول..

9 ـ هذا لو صح قولهم: إن بني هاشم كانوا في داخل البيت، الذي لم يكن ليسع كل هؤلاء بالإضافة إلى ساكنيه، وهو لا يزيد ـ حسب دعوى هذا البعض نفسه ـ عن عشرة أمتار..

10 ـ على أن ما وجدناه في التاريخ يقتصر على ذكر أن الزبير خرج شاهراً سيفه، فأخذ منه ولم يصف لنا أي نص تاريخي آخر دور أي من رجال بني هاشم الذين يدعي أنهم كانوا في داخل ذلك البيت..

702 ـ لعل سقوط محسن قد حصل في حالة طبيعية طارئة.

703 ـ لعل سقوط المحسن لم يكن نتيجة اعتداء.

وحين يسأل البعض عن سقوط المحسن يقول:

«إن سقوط الجنين محسن يمكن أن يكون قد حصل في حالة طبيعية طارئة، ولم يكن نتيجة اعتداء!!»

وقفة قصيرة:

ونقول:

لا يمكن قبول هذا الأمر منه، لأمور عديدة.. نذكر منها:

1 ـ قد دلت النصوص الكثيرة، ومنها ما هو صحيح سنداً، وكثير منها مروي عن أهل البيت«عليهم السلام».. وكثير غيره مروي في كتب الحديث والسيرة وغيرها عن الشيعة وعن غيرهم من فرق المسلمين. وهو في مجموعه أيضاً يفوق حد التواتر.. نعم.. إن ذلك كله قد دل على أن سقوط المحسن كان نتيجة اعتداء..

ولو كان يسعهم ـ أعني أتباع الذين اعتدوا على الزهراء ـ أن ينكروا ذلك، لم يتوانوا عنه..

2 ـ إن الشيخ الطوسي قد ذكر إجماع الشيعة على أن ضربها «عليها السلام»، وإسقاط جنينها قد كان نتيجة ـ اعتداء.

3 ـ إنه إذا كان النفي يحتاج إلى دليل. وكان الدليل لا بد أن يكون موجباً لليقين والقطع، كما يقول ذلك البعض، فنحن نطالبه بما ألزم به نفسه.. ولا نرضى منه بالتشكيك مع وجود الأدلة القاطعة على الإثبات، وراجع ذكرناها في كتابنا مأساة الزهراء.

704 ـ إذا كانت الزهراء مخدرة لا تقابل أحداً فكيف تفتح الباب؟!

ويقول البعض:

«إذا كانت الزهراء مخدرة، فكيف تبادر هي إلى فتح الباب، فان التي لا ترى الرجال، ولا تقابل أحداً، لا تفعل ذلك».

وقفة قصيرة:

ونقول:

قد اتضح مما سبق عدم صحة هذا القول. ولكننا مع ذلك نذكّر القارئ بما يلي:

1 ـ إن الباب لم يفتح من قبل الزهراء. وإنما هي قد أجابت الطارق. لانها كانت قريبة منه، فلما عرفوا بوجود أناس في داخل البيت بادروا هم إلى فتحه عنوة. فلاذت خلف الباب، فعصروها بينه وبين الحائط. وكان ما كان..

2 ـ إن المخدرة تفتح الباب، كما تفتحه غير المخدرة أيضاً. وأي محذور في أن تفتح المخدرة الباب مع مراعاة حالة الستر والحجاب؟! فإن إجابتها لاتستلزم رؤية الرجال لها.

3 ـ إن المخدرة قد تضطر للدفاع عن نفسها، وعن زوجها، وأولادها، وعن دينها ورسالتها، وهذا هو حال الزهراء «عليها السلام».

4 ـ ان زينب العقيلة كانت مخدرة أيضاً، وقد أخرجها الإمام الحسين معه إلى كربلاء، مع علمه بأنها سوف تسبى، وتواجه المصائب والبلايا، وسوف تضطر للخطابة أمام الرجال في شوارع الكوفة، أو في قصر الإمارة أمام ابن زياد، وأمام يزيد في دمشق.

5 ـ إن هذا البعض نفسه يقول: إن الزهراء قد خطبت في المسجد في المهاجرين والأنصار. ولم يمنعها خدرها من الدفاع عن الدين وعن الحق، حين كان لا بد لها من ذلك. وكانت هي القادرة على الجهر بالمظلومية، وعلى تعريف الناس بالحق. فهل خطبتها بهم في المسجد تجوز، ولا يجوز لها أن تجيبهم من خلف الباب؟!

705 ـ ترك علي لفاطمة لتفتح الباب ينافي غيرته وحميته.

706 ـ هل يقبل احدكم بان تهاجم امه أو زوجته وهو قاعد في البيت يقول: لا حول ولا قوة إلا بالله؟!

707 ـ هل يقول الناس عن من يترك زوجته تجيب: إنه بطل؟!

708 ـ من يفعل ذلك جبان.

709 ـ كيف تنسبون لعلي ما لا ترضونه لأنفسكم؟!

710 ـ علي شجاع دوّخ الابطال فكيف لا يدافع عن زوجته؟!

ويرى البعض:

«أن جلوس علي «عليه السلام» في داخل البيت، وتركه زوجته تبادر لفتح الباب يتنافى مع الغيرة والحميّة، وهل يمكن ان يصدر مثل ذلك من علي «عليه السلام»..»؟!

ويقول أيضاً:

«هل يقبل أحدكم ان تهاجم زوجته، أو أمه، أو أخته، وهو قاعد في البيت يقول: لا حول ولا قوة إلا بالله؟!

وماذا يقول الناس عنه لو فعل ذلك؟!

هل يقول الناس عنه بطل؟! أم هو جبان؟!

فكيف تنسبون لعلي «عليه السلام» مجندل الابطال، ما لا ترضونه لأنفسكم»؟!

ثم يؤكد قوله هذا فيقول:

«لقد عقد في «دبيّ» مجلس عزاء حول الزهراء، وذكر القارئ هذه القضية، وكان أحد أهل السنة حاضراً، فقال لرجل شيعي كان هناك: أنتم تقولون: إن علياً بطل شجاع وقد «دوّخ» الأبطال؛ فكيف لم يدافع عن زوجته، وهي وديعة رسول الله عنده»؟!

وقفة قصيرة:

1 ـ إن الحسين «عليه السلام» هو إمام الغيارى، كما أن علياً «عليه السلام» كذلك، فلماذا حمل الحسين «عليه السلام» نساءه معه، وهو يعلم أنهن سيتعرضن للسبى، ويقول: «إن الله شاء أن يراهن سبايا»؟! فكن ينقلن من بلد إلى بلد، قد هتكت ستورهن، وأبديت وجوههن..

2 ـ لم يكن هناك أغير من رسول الله، ويذكر الحديث والتاريخ: أنه كان يأمر نساءه بإجابة الطارق حين يقتضي الامر ذلك.

3 ـ إن علياً «صلوات الله وسلامه عليه» لم يصدر منه خلاف، وإنما المهاجمون هم الذين خالفوا أوامر الله سبحانه.. ومجرد إجابة الطارق على الباب بكلمة: من الطارق ليس فيه ما ينافي الغيرة، فان الاقرب إلى الباب يجيب الطارق بحسب العادة خصوصاً عندما يكون صاحب البيت مشغولاً، ومن الذي قال: إن علياً «عليه السلام» لم يكن في وضع يمنعه من المبادرة لإجابة الطارقين؟!

4 ـ ومن الذي قال: إن علياً قد سمع الطرقة، ثم طلب من الزهراء أن تجيب، ثم انتظر ليسمع منها النتيجة؟! فقد كان يجلس في الداخل مع بني هاشم حسبما يقوله هذا البعض نفسه. والزهراء كانت الأقرب إلى الباب حيث كانت تجلس عند قبر أبيها الذي دفن قبل لحظات.

5 ـ من الذي قال: إن الزهراء قد فتحت الباب؟! فقد سألوها أن تفتح الباب لهم، فأجابتهم، فهجموا على الباب بمجرد سماعهم لصوتها، ومعرفتهم بوجودها.. محاولين فتحه عنوة، فلاذت وراء الباب، فأحسوا بها، فعصروها بالباب.. ولا تستغرق هذه العملية اكثر من ثوان معدودة. فلما سمع علي «عليه السلام» الجلبة بادر إليهم. فهربوا، وأدرك الزهراء وهي في تلك الحال، فحاول إسعافها..

فلم يطلب «عليه السلام» من الزهراء أن تفتح الباب، ولا طلب منها مواجهة الرجال ومحادثتهم، بل جرت الأمور بسرعة، ولا دليل على أنه قد سمع أو علم بما جرى، قبل ارتفاع الأصوات.

6 ـ وبعد التوضيح المتقدم يتضح: أنه لا معنى لقول البعض: هل يقبل أحدكم بأن تهاجم زوجته، أو أمه، أو أخته، وهو قاعد في البيت يقول: لا حول ولا قوة إلا بالله..

ولا معنى لقوله:

«هل يقول عنه الناس: إنه بطل أو جبان»؟!

كما لا معنى للمحاورة التي نقلها عن سني وشيعي.

7 ـ إن القضية هنا ليست قضية بطولة، وشجاعة شخصية.. إنها قضية الدين، والعمل بما هو مصلحة له.. وإن كان ذلك على حساب الراحة والرضى الشخصي.. فالمهم هو رضى الله لأنه «عليه السلام» لا يقدم غضباً، ولا يحجم جبناً، بل يعمل بالتكليف الشرعي.. وليس الإقدام دليلاً على حق أو باطل، ولا الإحجام دليلاً على جبنٍ، فقد يكون العكس هو الصحيح في بعض الأحيان.

711 ـ لماذا لا يفتح الباب أحد من بني هاشم، أو فضة، أو علي.

712 ـ كان جميع بني هاشم مع علي «عليه السلام» في البيت.

ويقول البعض أيضاً:

«كل الروايات تقول: لم يكن علي «عليه السلام» وحده في البيت حينما هاجموه ليخرجوه، ليبايع أبا بكر بعد وفاة رسول الله «صلى الله عليه وآله»، بل كان معه «جميع بني هاشم» وكان معهم فضّة، والزبير، والعباس، فلماذا لم يفتح أحدهم الباب دونها»؟!

ويزعم هذا البعض:

«أنه قد كان على علي «عليه السلام» ان يفتح الباب، أو تفتحه فضّة أو غيرها. أما الزهراء «عليها السلام» فلا مبرر لمبادرتها هي لفتح الباب دونهم».

وقفة قصيرة:

إن ما ذكره هذا البعض لا يمكن قبوله، ذلك لما يلي:

1 ـ إن دعواه: أن جميع بني هاشم كانوا عند علي «عليه السلام» في بيته، أثناء هجومهم على ذلك البيت موضع شك. وقد تقدمت الإشارة إلى ذلك، ونعود فنذكر القارىء هنا بما يلي:

ألف: إنهم يقولون: إن عمر «كان يصيح أحرقوا دارها بمن فيها» وما كان في الدار غير علي، وفاطمة، والحسن، والحسين عليهم سلام الله([10]).

ب: إن الهجوم على بيت الزهراء كان اكثر من مرة، كما دلت عليه النصوص([11]).

ج: إن قوله: إن جميع بني هاشم كانوا مع علي في البيت، لا ندري مصدره ومعتمده، فان قعودهم عن البيعة تضامناً مع علي لا يعني أنهم كانوا معه في بيته.

نعم قد صرحت بعض الروايات بوجود الزبير([12]) وبعضها أشار إلى وجود جمع أو عدة من بني هاشم([13]). فمن أين جاء هذا البعض بهذا التعميم؟!

د: إن هذا البعض يقول: إن مساحة البيت هي عشرة أمتار فقط، فهل يتسع بيت صغير كهذا لجميع بني هاشم، بالإضافة إلى سكان البيت؟! خصوصاً بعد دفن رسول الله «صلى الله عليه وآله» في ذلك البيت، ولا بد من مراعاة حرمة قبره الشريف.

2 ـ إنه لا معنى لقول البعض لماذا لا يفتح الباب علي «عليه السلام»، أو فضة أو الزبير، أو غيرهم، فإن فاطمة لم تفتح الباب بل أجابت الطارق.. على أن اغلاق الباب لا يعني اقفاله بالرتاج أو المفتاح.

3 ـ إنه قد يكون كل هؤلاء في موضع بعيد عن الباب أو قد يكون له مانع يشغله عن فتح الباب.. والسيدة الزهراء «عليها السلام» هي الأقرب منهم جميعاً.. فتتولى هي الإجابة دونهم بصورة طبيعية. وقد كان رسول الله «صلى الله عليه وآله» حسبما أشرنا إليه يأمر بعض نسائه بإجابة الطارق، ربما حين لا تتهيأ له المبادرة للإجابة لأمر يشغله.

4 ـ قد ذكرنا حين الحديث عن أن فاطمة وديعة رسول الله عند علي «عليه السلام»، وفي كتاب مأساة الزهراء أيضاً([14]): أن إجابة علي «عليه السلام» أو فضة أو أي شخص آخر سوى الزهراء للمهاجمين لا يمكن افتراضها، لأن ذلك يضيع الحق، ويثير الالتباسات والشبهات. فنحن نطلب من القارىء الكريم مراجعة ذلك في تلك الموارد إن أحب.

713 ـ إذا جاؤا ليعتقلوك هل تقول لزوجتك: افتحي الباب؟!

714 ـ جاؤا لاعتقال علي فلماذا تفتح الزهراء الباب؟!

715 ـ الموجودون في البيت مسلحون، فهل يخافون من مواجهة المهاجمين؟!

يقول البعض:

«إذا جاؤا ليعتقلوك فهل تقول لزوجتك: افتحي الباب أم تبادر أنت إلى فتحه؟! والجماعة جاؤا ليعتقلوا علياً فلماذا تفتح الزهراء الباب؟! خصوصاً وأن الذين في داخل البيت كانوا مسلحين، فهم لا يخافون من المواجهة مع المهاجمين. وقد خرج الزبير مصلتاً سيفه، فكسروا سيفه».

وقفة قصيرة:

إن ما ذكره هذا البعض غير مقبول، وذلك لما يلي:

1 ـ إن هذا الإشكال الذي أخذه هذا البعض من الفضل بن روزبهان.. هو مجرد مغالطة؛ فقد ذكرنا أكثر من مرة: أن الزهراء لم تفتح الباب. بل أجابت الذين جاؤا على سؤالهم.. ربما لأنها كانت أقرب إلى الباب من غيرها ممن كان في داخل البيت من الذين قد تكون هناك انشغالات منعتهم من المبادرة إلى فتحه أيضاً.

كما أن إغلاق الباب لا يعني أن يكون مقفلاً.

2 ـ إن علياً ومن معه ربما لا يكونون قد عرفوا بوجود أناس على الباب إلا بعد فوات الأوان، وبعد حصول ما حصل، وهو لم يستغرق إلا لحظات يسيرة.

3 ـ إن فتح غير الزهراء للباب ـ لو سلم ـ فإنه لا يمكن أن يكون عن رأي علي، وبتخطيطه، لأنه سيكون غلطة كبيرة، لا يمكن أن تصدر منه، حيث إن ذلك من شأنه أن يؤدي إلى تضييع الحق، وإعطاء الآخرين الفرصة للتزوير وللتشويه، أما حين أجابت الزهراء، فقد ضاعت الفرصة على المهاجمين في ذلك.

4 ـ ما الدليل على أن الموجودين في داخل البيت مع أمير المؤمنين «عليه السلام» كانوا مسلحين؟! فإنه ليس ثمة ما يدل على ذلك سوى ما ذكروه عن الزبير من أنه خرج مصلتاً سيفه، وقد أخذ منه ذلك السيف([15])، ولم يفد شيئاً، فأين هي النصوص التي تثبت وجود سلاح آخر في حوزة بني هاشم، حين كان بعضهم في بيت أمير المؤمنين «عليه السلام»؟!

5 ـ لنفترض: أنك جاء من يعتقلك، وكان طلبك من زوجتك فتح الباب يفوت الفرصة على المهاجمين، أو أن ذلك يؤدي إلى فضحهم، وإلحاق الضرر بخطتهم، فلماذا لا تفعل ذلك، وتطلب من زوجتك أن تفتح الباب في هذه الحالة؟!

وقد ذكرنا: أن فتح علي «عليه السلام» للباب غير صالح في جميع الأحوال..

هذا لو صح افتراض أن تكون «عليها السلام» قد فتحت الباب فعلاً، وأن علياً كان قد علم مسبقاً بمجيئهم، وفرضنا أيضاً أن يكون هو الذي طلب منها ذلك، رغم أننا قد قلنا: إن ذلك كله ليس له ما يثبته..

 


([1]) وقد سمعنا مؤخراً : أن أستاذ مادة التاريخ هذا ينكر صحة ما ينسب إليه بشدة.

([2]) قرب الإسناد (ط مؤسسة آل البيت) ص146 والكافي ج6 ص533 وبحار الأنوار ج73 ص157 والوسائل ج5 ص325.

([3]) سنن أبي داود (ط دار احياء التراث العربي) ج1 ص234 و 235.

([4]) مسند أحمد ج2 ص62 وراجع: سنن النسائي ج6 ص149.

([5]) الكافي ج1 ص281 و 282 وبحار الأنوار ج22 ص479 و 480.

([6]) تاريخ الأمم والملوك (ط دار سويدان) ج4 حوادث سنة 17 هـ. وبحار الأنوار ج30 ص64 وراجع: فتوح البلدان ج3 ص352 وسنن البيهقي ج8 ص235 والكامل في التاريخ ج3 ص540 و 541 ووفيات الأعيان ج2 من455 والبداية والنهاية ج7 ص81 وعمدة القاري ج6 ص340 وشرح نهج البلاغة لابن ابي الحديد ج2 ص234 و 237 والأغاني (ط دار إحياء التراث العربي) ج16 ص331 و 332 وكنز العمال..

([7]) الزهراء المعصومة نموذج المرأة العالمية ص55  و 56.

([8]) أجوبة البعض على آية الله التبريزي، الجواب رقم 17.

([9]) من رسالة أرسلها البعض إلى قم بتاريخ 3/6/1414 هـ. وهي مطبوعة ومتداولة.

([10]) الملل والنحل ج1 ص84 وبحار الأنوار ج28 ص271 وراجع: بيت الأحزان ص124 وبهج الصباغة ج5 ص15.

([11]) راجع: الإمامة والسياسة ج1ص12 وبمراجعة الروايات والنصوص في الجزء الثاني من كتاب مأساة الزهراء يتضح ذلك أيضاً.

([12]) الأمالي للمفيد ص49 و 50.

([13]) الجمل للمفيد (الطبعة الجديدة) ص117 و 118.

([14]) مأساة الزهراء ج1 ص276 فما بعدها.

([15]) راجع: الاختصاص ص186 و 187 وبحار الأنوار ج28 ص229 وتاريخ الأمم والملوك ج3 ص202.

لكن اليعقوبي حكى قصة السيف وأخد عمر له وكسره. حكاها عن علي «عليه السلام».

 
   
 
 

موقع الميزان