ألف: زوجتا النبي نوح والنبي لوط

   

:   

ألف: زوجتا النبي نوح والنبي لوط :

إن الذي يساعد على وضوح ما نريد بيانه في معنى الآيات، هو ملاحظة الأمور التالية:

1 ـ أشار في الآية إلى وقوف امرأة في مقابل رجل، ولعل البعض يرى للرجال على النساء تميزاً في جهات معينة، تعطي للرجل الأفضلية والأولوية في أمور كثيرة.

2 ـ إن هذين الرجلين هما في موقع الزوجية، وللزوج موقعه القوي في داخل بيت الزوجية على الأقل.

3 ـ ومع صرف النظر عما تقدم، فإن الزوج عادة هو أعرف الناس حتى من الأم والأب، بأحوال زوجته، وبطبائعها، وبنقاط ضعفها وقوتها، لأنه على احتكاك عملي مستمر معها، وهي تعيش معه ـ عادة ـ الوضوح بأقصى حالاته وأرفع درجاته.

4 ـ وهذا الرجل يملك من صفات الكمال الإنساني كل أسباب القوة خصوصا في وعيه، وتدبيره، وعقله وحكمته، ومن حيث مستواه الفكري، وسلامة هذا الفكر، ومن حيث قدراته الاقناعية، فضلا عما سوى ذلك، بل هو القمة في ذلك كله، حتى استحق أن يكون نبيا، بل رسولا، بل إن أحدهما وهو نوح، من أولي العزم الذين يملكون أعلى درجات الثبات والحصانة والقوة.

وهل هناك أعرف من النبي الرسول بأساليب الاقناع ووسائله وأدواته؟ أم هناك أكثر منه استجماعا للمفردات الفكرية وغيرها مما يحتاج إليه في ذلك؟!.

5 ـ كما أن هذه المرأة تعيش في محيط هدى، وفي أجواء الطهر، والصفاء، والإستقامة، والفضيلة، والإيمان، والخير، والصلاح، حيث يتجسد ذلك كله واقعا تتلمسه بصورة مباشرة، وليس مجرد نظريات.

أما الإنحراف والسوء والشرك فلن يكون في هذا المحيط إلا غريباً، مرفوضا، ومنبوذا، لا يجد حرية الحركة، ولن ينعم بالقبول والرضا أبداً.

6 ـ إن هذين الرجلين النبيين، وأحدهما من أولي العزم، يتحملان مسؤولية هداية الأمة، والذب عنها، وإبعادها عن مزالق الانحراف وآفاته.

بل إن هذه الهداية هي مسؤوليتهما الأولى والأساس، وهي كل شيء في حياتهما الرسالية الهادية. وليست أمرا عارضا، كالمال الذي يمكن تعويضه، أو الجاه الذي يمكن العيش بدونه، ولا هي من قبيل السلطة، والنفوذ، وإدارة البيت ولا هي مصلحة مادية، ولا أي شأن من شؤون الحياة، مما يمكن التغاضي عنه. بل المساس بها مساس بالمصير، وبالوجود، وبالمستقبل، وبالآخرة والدنيا. إنه ينظر إلى هذه المهمة ويتعامل معها من موقع التقديس، ومن موقع التعبد والتدين.

وتتحداه زوجته التي لا تدانيه في شيء مما ذكرناه، وتتمرد عليه في صميم مسؤوليته، وفي أعز وأغلى وأقدس شيء لديه.

7 ـ وهذا التحدي هو للمحيط وللبيئة، لأنه ينبع من داخل بيئة الصلاح، والإيمان والخير، والهدى.

8 ـ ويزيد في الألم والمرارة، أنها تتحداه في شيء يندفع إليه بفطرته، ويرتبط به بقلبه ووجدانه، وبأحاسيسه، وبعمق مشاعره، وبهيمنات روحه، وبكل وجوده.

والأكثر مرارة في هذا الأمر، أنها تريد أن تكون النقيض الذي لا يقتصر على مجرد الانحراف، بل هي تعمل على تقويض وهدم ما يبنيه، مستفيدة من المحيط المنحرف الذي قد يعينها على تحقيق ما تعمل من أجله، ويعطيها نفحة قوة، وفضل عزيمة.

ومن جهة أخرى: فإن هذا الأمر لا يختص بمورد واحد يمكن اعتباره حالة عفوية أو استثناء أو حالة شاذة، فقد تكررت القضية ذاتها وشملت نوحاً ولوطاً «عليهما السلام» اللذين ضرب الله المثل بما جرى لهما.

 
   
 
 

موقع الميزان