21 ـ أبو الحسن الفتوني (ت 1138هـ)

   

صفحة :   

21 ـ أبو الحسن الفتوني (ت 1138هـ):

قال الشريف أبو الحسن الفتوني، وهو من أعاظم علماء عصره([1]):

«فالآن نشرع في بيان نبذ مما جرى عليها بعد رسول الله «صلى الله عليه وآله»، من التعدي والتفريط، بحيث أجهرت بالشكوى، وأظهرت الوجد والغضب على المعتدين عليها، حتى أنها أوصت بمنعهم عن حضور جنازتها، إذ لا يخفى حينئذ على كل منصف، متذكر لما ذكرناه في شأنها: أن صدور مثل هذا عنهم قدح صريح فيهم، حيث لم يبالوا ـ أولاً ـ بما ورد في حقها، ولم يخافوا ـ ثانياً ـ من غضب الله ورسوله».

ثم يستمر في الاستدلال.. ثم يذكر رواية عن بكاء النبي «صلى الله عليه وآله» حين حضرته الوفاة، فسئل عن ذلك، فقال: أبكي لذريتي، وما يصنع بهم شرار أمتي من بعدي، وكأني بفاطمة وقد ظلمت من بعدي، وهي تنادي: يا أبتاه، يا أبتاه، فلا يعينها أحد من أمتي.

ثم يقول:

«هذا الكلام من النبي «صلى الله عليه وآله» إشارة إلى ما سيأتي في المقالة الرابعة، من المقصد الثاني، مفصلاً صريحاً، من بيان هجوم عمر وجماعة معه، بأمر أبي بكر على بيت فاطمة، لإخراج علي والزبير منه للبيعة. وكذا إلى منعها عن فدك، والخمس، وبقية إرثها من أبيها «صلى الله عليه وآله».

ولا بأس إن ذكرنا مجملاً من ذلك ها هنا:

نقل جماعة سيأتي في الموضع المذكور ذكر أساميهم، والكتب التي نقلوا فيها، منهم الطبري، والجوهري، والقتيبي، والسيوطي، وابن عبد ربه، والواقدي، وغيرهم خلق كثير:

أن عمر بن الخطاب وجماعة معه، منهم خالد بن الوليد، أتوا بأمر أبي بكر إلى بيت فاطمة، وفيه علي والزبير، وغيرهما، فدقوا الباب، وناداهم عمر، فأبوا أن يخرجوا.

فلما سمعت فاطمة أصواتهم نادت بأعلى صوتها باكية: يا أبتاه، يا رسول الله، ماذا لقينا بعدك من ابن الخطاب، وابن أبي قحافة.

وفي رواية القتيبي، وجمع غيره:

أنهم لما أبوا أن يخرجوا دعا عمر بالحطب، وقال: والذي نفس عمر بيده، لتخرجن، أو لأحرقنها عليكم على ما فيها.

فقيل له: إن فيها فاطمة؟!

فقال: وإن..

وفي رواية ابن عبد ربه: أن فاطمة قالت له: يا ابن الخطاب، أجئتنا لتحرق دارنا؟ قال: نعم.

وفي رواية زيد بن أسلم: أنها قالت: تحرق علي، وعلى ولدي؟!

قال: إي والله، أو ليخرجن، وليبايعن.

ثم إن القوم الذين كانوا مع عمر لما سمعوا صوتها وبكاءها انصرف أكثرهم باكين، وبقي عمر وقوم معه، فأخرجوا عليا.

حتى في رواية أكثرهم: أن عمر دخل البيت، وأخرج الزبير، ثم علياً. واجتمع الناس ينظرون، وصرخت فاطمة وولولت، حتى خرجت إلى باب حجرتها، وقالت: ما أسرع ما أغرتم على أهل بيت نبيكم.

وقد ذكر الشهرستاني في كتاب الملل والنحل: أن النظام نقل:

أن عمر ضرب بطن فاطمة ذلك اليوم، حتى ألقت المحسن من بطنها، وكان يصيح: أحرقوها بمن فيها.

وفي روايات أهل البيت «عليهم السلام»: أن عمر دفع باب البيت ليدخل، وكانت فاطمة وراء الباب، فأصابت بطنها، فأسقطت من ذلك جنينها المسمى بالمحسن. وماتت بذلك الوجع.

وفي بعض رواياته: أنه ضربها بالسوط على ظهرها.

وفي رواية: أن قنفذ ضربها بأمره.

ثم يذكر «رحمه الله» خلاصة عما جاء في كتاب سليم بن قيس، ويذكر أيضا قول الإمام الحسن للمغيرة بن شعبة.

ثم يقول:

«وكفى ما ذكروه في ثبوت دخول بيتها، الذي هو من بيوت النبي «صلى الله عليه وآله» بغير إذنها، وفي تحقق الأذى، لا سيما مع التهديد بالاحراق، حتى أن في الإستيعاب، وكتاب الغرر وغيرهما، عن زيد بن أسلم، أنه قال: كنت ممن حمل الحطب مع عمر إلى دار فاطمة.

وسيأتي بعض الأخبار في المقالة الرابعة من المقصد الثاني»([2]).

وقال «رحمه الله» أيضاً:

«ثبوت أذية الرجلين لفاطمة غاية الأذى يوم مطالبة علي بالبيعة، حتى الهجوم على بيتها، ودخوله بغير إذن، بل ضربها، وجمع الحطب لإحراقه، وكذا أذيتها في أخذ فدك منها، ومنع إرثها، وقطع الخمس، ونحو ذلك، ووقوع المنازعة بينها وبين من آذاها، وتحقق غضبها، وسخطها على من عاندها، إلى أن ماتت على ذلك، فمما لا شك فيه عندنا معشر الإمامية، بحسب ما ثبت وتواتر من أخبار ذريتها الأئمة الأطهار، والصحابة الأخيار كما هو مسطور في كتبهم، بل باعتراف جماعة من غيرهم أيضا كما سيأتي بعض ذلك، سوى ما مر من أخبار مخالفيهم.

وأما المخالفون، فأمرهم عجيب غريب في هذا الباب، لأن عامة قدماء محدثيهم سطروا في كتبهم جميع ما نقلناه عنهم، وأكثروا طرحها؟ (كذا). بل أكثرها موجودة في كتبهم المعتبرة، بل صحاحهم المعتمدة عندهم، لا سيما الصحيحين، اللذين هما عندهم تاليا كتاب الله في الاعتماد، كما صرحوا به.

وقد عرفت، ما فيها من الدلالة صريحا، حتى على صريح طردها، ومنعها عن ميراثها، وفدكها، وخمسها، ودوام سخطها لذلك إلى موتها.

مع موافقة مضمونها لما هو معلوم بين من دفنها سرا، وإخفاء قبرها، بحيث أنهم إلى الآن مختلفون في موضعه..».

إلى أن قال «رحمه الله» وهو يتحدث عن بعضهم الذي لم يمكنه إنكار أصل القضية:

«أسقط من بعض ما نقله ما كان صريحا في دوام غضبها. بل موه في النقل بذكر ما يشعر بعدم الغضب، غفلة منه عن أن مثل هذا لا ينفع في مقابل تلك المعارضات القوية كثرة، وسندا، ودلالة الخ..»([3]).

وقال «رحمه الله»:

«..إن الذي يظهر من روايات القوم، التي نقلناها من كتبهم، موافقة لما روي عن ذريتها الأئمة وغيرهم هو أن أسباب الأذية لم تكن شيئاً واحداً. بل كانت متعددة، تواترت منهم عليها من حين وفاة أبيها «صلى الله عليه وآله» إلى أن توفيت هي: من الهجوم على بابها، بل على داخل بيتها بغير إذنها، وسائر ما ذكرناه، حتى لو فرضنا أنه لم يصدر منهم غير محض إظهار الاهانة يوم مطالبة علي للبيعة الخ..»([4]).


 

([1]) مرآة الأنوار (المطبوع كمقدمة لتفسير البرهان للسيد هاشم البحراني)، ولؤلؤة البحرين: ص 107.

([2]) ضياء العالمين (مخطوط): ج 2 ق 3 ص 60 ـ 64.

([3])ضياء العالمين (مخطوط): ج 2 ق 3 ص 96 و 97.

([4]) ضياء العالمين (مخطوط): ج 2 ق 3 ص 107 و 108.

 
   
 
 

موقع الميزان