صفحة : 245-247   

آية الإكمال نزلت مرتين:

ذكرنا في كتابنا الصحيح من سيرة النبي الأعظم «صلى الله عليه وآله» أموراً كثيرة حول آية الأمر بالبلاغ.. وآية إكمال الدين.. فلا غنى عن مراجعته.

وقلنا في ذلك الكتاب ما يلي: إن سورة المائدة قد نزلت يوم عرفة دفعة واحدة، فقرأها النبي «صلى الله عليه وآله» على الناس، وسمعوا آية الإكمال، وحاول أن يبلغ أمر الإمامة في عرفة ، فمنعته قريش وأعوانها.

ثم بدأت الأحداث تتوالى، وتنزل تلك الآيات المرتبطة بكل حدث على حدة. فنزلت بعد ذلك آية: ﴿بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ([1]). وجاءته بالعصمة من ربه، فبادر إلى إعلان إمامة علي «عليه السلام» يوم الغدير، ثم تلا عليهم، أو نزلت عليه آية الإكمال بعد نصبه «صلى الله عليه وآله» علياً «عليه السلام» في ذلك اليوم الأغر، وقبل أن يشرع الناس بالتفرق.

فيكون الحديثان في نزول هذه الآية يوم عرفة، ويوم الغدير صحيحين معاً، لكن نزولها يوم عرفة كان في ضمن السورة، التي نزلت دفعة واحدة، ونزولها يوم الغدير كان بصورة منفردة عن بقية آيات السورة، بل ومنفردة عن سائر فقرات الآية التي هي في ضمنها كجملة إعتراضية، حسبما بيناه..

وقد نقل الرواية بذلك الطبرسي في الإحتجاج ونقلها غيره أيضاً([2])، وفيها: أنه «صلى الله عليه وآله» قرأ عليهم آية إكمال الدين يوم عرفة، حيث أمره الله تعالى بتبليغ ولاية علي «عليه السلام»، ولم تنزل العصمة.

ويعلم بالمراجعة: أنه «صلى الله عليه وآله» حاول تنفيذ هذا الطلب، فمنع، فنزل قوله تعالى: ﴿بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ..﴾([3])، ففعل ذلك في يوم الغدير، ولم ينبس أحد منهم ببنت شفة إلا همساً.

ويؤيد هذ المعنى: ما ذكر في بعض الروايات، من أن يوم الغدير كان يوم الخميس كما سيأتي.

وهذا لا يتلاءم مع قولهم: إن يوم عرفة كان يوم الخميس، بل يتلاءم مع كون عرفة يوم الثلاثاء.

وقد روي عن عمر ([4])، ومعاوية ، وسمرة بن جندب ، ونسب إلى علي «عليه السلام» أيضاً أن آية الإكمال نزلت في يوم عرفة ([5]).

وهو ما يعني: أن آية الإكمال قد نزلت يوم عرفة في ضمن تمام السورة. ثم نزلت في موردها وحدها يوم الخميس، وهو يوم غدير خم.

ولو قلنا: إن الآية لم تنزل يوم الغدير، بل نزلت يوم عرفة فقط، لم يمكن أن نجد لمضمون الآية مورداً، ومنطبقاً حسبما أوضحناه.


 

([1]) الآية 67 من سورة المائدة.

([2]) راجع: الإحتجاج (ط دار النعمان ـ النجف الأشرف) ج1 ص66 فما بعدها، وبحار الأنوار ج37 ص201 واليقين لابن طاووس ص343 والتفسير الصافي ج2 ص53 وروضة الواعظين ص89 وغاية المرام ج1 ص327 وج2 ص142 وج3 ص337 وموسوعة أحاديث أهل البيت «عليهم السلام» للنجفي ج8 ص48 .

([3]) الآية 67 من سورة المائدة.

([4]) راجع: الدر المنثور ج2 ص258 عن الحميدي، و عن عبد بن حميد، وأحمد، والبخاري، ومسلم، والترمذي، والنسائي، وابن جرير، وابن المنذر، وابن حبان، والبيهقي في سننه، وراجع: صحيح البخاري ج5 ص186 وج8 ص137 و (ط دار المعرفة) ج1 ص16 وصحيح مسلم ج8 ص238 و 239 والسنن الكبرى للبيهقي ج3 ص181 وج5 ص118 وسنن النسائي ج8 ص114 ومسند أحمد ج1 ص28 وسنن الترمذي ج4 ص316 وعمدة القاري ج18 ص199 وج25 ص23 ومسنـد الحميـدي ج1 ص19 والسنن الكـبرى للنسائي ج2 ص420 = = والمعجم الأوسط للطبراني ج1 ص253 وج4 ص174 ومسند الشاميين ج2 ص60 وفضائل الأوقات للبيهقي ص351 وكنز العمال ج2 ص399 وجامع البيان ج6 ص109 و 111 ومعاني القرآن للنحاس ج2 ص261 وتفسير السمعاني ج2 ص10 وشرح أصول الكافي ج6 ص121 وج11 ص278 والمحلى لابن حزم ج 7 ص 272.

([5]) راجع: مجمع الزوائد ج7 ص13 والمعجم الكبير ج7 ص220 وج12 ص198 وج19 ص392 ومسند الشاميين ج3 ص396 والجامع لأحكام القرآن ج2 ص15 والدر المنثور ج2 ص258 وتاريخ مدينة دمشق ج46 ص318 وسير أعلام النبلاء ج5 ص323 وتاريخ الإسلام للذهبي ج8 ص508 وتفسير القرآن العظيم ج2 ص15 والكامل لابن عدي ج5 ص11 وكنز العمال ج2 ص400 وجامع البيان ج6 ص106.

 
   
 
 

موقع الميزان