![]() |
لااختلاف في الضروريات ولا في العقائد
الاختلاف بين المجتهدين حصرا يكون في غير الضروريات واليقينيات , مثل الصلاة والصوم والزكاة والخمس والحج والامر بالمعروف والنهي عن المنكر. واليقينيات والضروريات : هي الامور المعروفة والمشهورة بين المسلمين , ولا ينبغي أن ينكرها أو يناقش فيها أحدا أبدا . ولذلك فمن أنكر ( الصلاة ) أو ( الصوم ) مع تصديقه للنبي (ص) في كامل الامور الاخرى , يكون كافرا , لأنه منكر للضروري وهو الصلاة والصوم , وإنكاره هو تكذيب للنبي (ص) , لأنا آمنا بنبوة محمد (ص) وصدقناه في كل شيء وفي كل ماأخبر به . وكذلك لاتقليد في هذه الامور أبدا أعني في اليقينيات والضروريات , وإنما الاختلاف والتقليد يكون في غيرها , أي في الشرائط أو فيما يعتبر زائدا على هذه الامور , ومما يدخل الشك في اعتباره . كما أنه لاأختلاف ولا تقليد في العقائد الاساسية التي هي ( التوحيد , والعدل , والنبوة , والامامة , والمعاد - أي يوم القيامة - ) , وإنما اصول الدين وكثير من المعتقدات تؤخذ من العقل , والعقل هو الذي يقررّها ويجزم بها , والقران والسنة يأتيان مؤيدين لما توصل اليه العقل وأنه حق , بل حتى المعتقدات التي يكفي فيها الدليل النقلي , ويستدل عليها من القران والسنة , لايقلّد فيها أيضا , وإنما يرجع الى أهل العلم والمعرفة لأجل أنهم يبيّنون تلك الادلة من الايات والروايات ويرشدون الناس اليها مما يوجب الاطمئنان الكامل لديهم والمعرفة التامة فيما هو الحق . وذلك مثل : معرفة عدد الائمة عليهم السلام , ومثل أحوال البرزخ , وعوالم القبر , وعوالم الآخرة والجنة والنار , ومثل الرجعة , وغير ذلك كثير . فإن الاعتماد على أقوال وأدلة العلماء في مثل هذه الامور ليس من باب التقليد وإنما هو للاسترشاد بأقوالهم وأدلتهم على هذه الامور واعتمادها من قبل الاخرين . شرائط التكليف العامة |
شرائط التكليف العامة
ثم أن المكلف - وهو الانسان الذي يجب عليه أن يطيع ويمتثل جميع ما ورد في الشريعة من أحكام وواجبات , وأن ينتهي ويبتعد عن كل ماحرمه الله عليه في الشريعة أيضا - قيامه وأمتثاله بجميع الاحكام مشروط بأمور : (1 ) الحياة فلا يخاطب بالاحكام والتكاليف غير الحي ( 2 ) العقل فلا يخاطب بالاحكام ولا يكلف غير العاقل مثل المجنون , فإن المجنون غير مكلف بالاحكام وغيرها لجنونه. ( 3 ) الالتفات الى التكليف والحكم : بمعنى العلم بالحكم , فالغافل والساهي والنائم لايكلّف . ( 4 ) القدرة على الامتثال ولذلك لايكلّف العاجز , ولايكلف بما لايطاق , سواء كانت القدرة ( شرعية ) أو ( عقلية ) : أما الاولى , فهي القدرة المأخوذة في لسان الدليل شرطا للحكم , كما في الوضوء بالماء , حيث اعتبر فيه شرعا القدرة والتمكن من استعمال الماء , فإذا لم يتمكن ولم يكن قادرا على الماء لايكلف بالوضوء . وأما الثاني : فهي القدرة المعتبرة في التكليف عقلا ولم تؤخذ في الدليل , وهي : مثل بعض موارد التزاحم بين التكليفين [ وإنما قيدناه ببعض موارد التزاحم , لان التزاحم قد يكون بين تكليفين مشروطين بالقدرة العقلية , أو مشروطين بالقدرة الشرعية , أو احدهما مشروط بالقدرة عقلا والاخر مشروط بالقدرة شرعا , ففي القسم الاول يقع التزاحم بين التكليفين لفعلية كل منهما , وحيث إنه يعتبر عقلا القدرة على الامتثال , فلا قدرة هنا لعجزه عن الاتيان بالمتزاحمين , وأما في القسمين الاخيرين , فلا تزاحم أصلا , لأنه إذا كان أحدهما مشروطا بالقدرة شرعا لم يكن هناك مزاحمة أصلا بينهما , لفعلية ماهو مشروط بالقدرة عقلا , وانتفاء موضوع ماهو مشروط بالقدرة شرعا لفرض عدم القدرة عليه شرعا بعد اشتراط عدم المانع من امتثاله ] , كما لو غرق شخصان في الماء وهو قادر على أنقاذ أحدهما , فلا يكلّف بإنقاذهما معا , وإنما يكلّف بإنقاذ واحد منهما , وإذا كان أحدهما أهم من الآخر كما لو كان أحدهما عالما فيتعين إنقاذه دون غيره . ( 5 ) أن لايكون حرج أو ضرر : فوجود الحرج والضرر مانع من التكليف , ولكن بنحو لا يستبيح معه المحرمات , ولذلك نقول : الحرج والضرر لايبيح الزنا , ولاشرب الخمر , ولا أكل مال الغير , بل يجب مراعاة التكليف والرجوع الى المرجع في مثل حالات الضرر والحرج . ( 6 ) البلوغ وهو مايجب اعتباره في التكاليف قطعا , كما تدل عليه الروايات المعتبرة . والبلوغ عند المرأة : يكون بدخولها في العاشرة من العمر , أي تكمل تسع سنوات قمرية وتدخل في العاشرة . والبلوغ عند الذكر : يتحقق بالاحتلام , أو انبات الشعر الخشن على العانة , أو بلوغ خمسة عشر سنة قمرية . وما ذكر من أن البلوغ عند الفتاة لا يكون إلا بأن تحيض , كلام بعيد عن التحقيق العلمي والرصانة العلمية , وهو قول شاذ مرفوض لا يقول به إلا الذين لايأبهون للحكم الشرعي . اشتراك الاحكام بين العالم والجاهل , وحكم الجاهل |
اشتراك الاحكام بين العالم والجاهل , وحكم الجاهل
ثم إن التكاليف الشرعية بأجمعها يشترك في تحمل مسؤوليتها وضرورة امتثالها والاتيان بها : ( العالم والجاهل ) , فهما على حد سواء أمام التكليف الشرعي الالهي , وضرورة الالتزام به . نعم يختلفان في أن العالم إذا صدرت منه مخالفة أو تقصير في التكليف فهو غير معذور ويعاقب على مخالفته . وأما إذا كان جاهلا , فإن كان عن ( تقصير ) منه فهو مثل العالم غير معذور عقلا في المخالفة , لأن إمكانية التعلّم لما كانت موجودة لديه وكان قادرا على التعلم فعلا , فاتكليف ثابت وفعلي في حقه وهو لسوء اختياره قصّر . وأما إذا كان ( قاصرا ) بأن كانت إمكانية التعلّم والمعرفة لديه ليست بالمستوى الذي يثبت التكليف في حقه ويجعله فعليا , فهذا يقبح معاقبته لدى المخالفة , لعجزه عن التعلم أو الفحص وغير ذلك . إذن : لابد من توفّر الشروط المذكورة في حق المكلّف حتى يمكن إلزامه بالتكليف . شرائط التكليف الفعلي وأما التكليف الذي يوجّه الى هذا المكلف الجامع للشرائط العامة , والذي يلزم بامتثاله وإطاعته فيشترط فيه امور 1- أن يكون فعليا , بأن يخرج عن دائرة الانشاء أو التقرير , ويخاطب فعلا بحيث يستطيع امتثاله والاتيان به , أي لايكون هناك مانع من ايصال التكليف اليه , كما كان الحال في أول البعثة , حيث إن أحكاما كثيرة لم تكن فعلية لهذا السبب , بل كانت تبلّغ على التدريج . 2- أن يكون منجزا , وذلك بأن لاتكون لدى المكلّف موانع من امتثاله . 3- أن لايكون معلّقا على أمر غير مقدور للمكلّف , بمعنى أن لايكون موضوعه غير مقدور للمكلّف عقلا أو شرعا , كالتكليف بالحج فإنه معلّق على الاستطاعة , وكالتكليف بالزكاة فإنه معلّق على حصول النصاب . 4- أن لايزاحمه تكليف آخر , إذ مع المزاحمة يكون المكلّف مخاطبا : إما بالتخيير بينهما أو بالامتثال الاهم منهما , حسب ماتقتضيه القواعد في كل مورد من موارد المزاحمة . هذا ما أحببت أن أشير اليه في خاتمة حديثي , راجيا من الله القبول والأجر , وأن يكف عنا شر الأعداء وشر الظالمين والمضلين والمضللين , وشر كل ذي شر , وشر من يريد السوء بشريعة ودين سيد المرسلين محمد (ص) , ومنهج الائمة الطاهرين عليهم السلام وعقائد المؤمنين , والحمد لله رب العالمين . |
لقد تمت الطبعة الاولى لكتاب معتقدات الشيعة سنة 2007 ميلادية
توجد طبعة ثانية وفيها اضافات لمواضيع اخرى ونسأل الله التوفيق ناصرحيدر |
الساعة الآن »08:04 PM. |