منتديات موقع الميزان

منتديات موقع الميزان (http://www.mezan.net/vb/index.php)
-   ميزان مصباح الهدى وسفينة النجاة ( عاشوراء ) (http://www.mezan.net/vb/forumdisplay.php?f=116)
-   -   مراسم عاشوراء (http://www.mezan.net/vb/showthread.php?t=14224)

خادم الزهراء 19-Dec-2009 09:50 AM

المعصوم واحتمال الضرر الكبير والهلاك:

إننا إذا انتقلنا إلى عالم النصوص الواردة عن النبي وأهل بيته الطاهرين [صلوات الله وسلامه عليهم] أجمعين، فسوف يكون أمامنا موارد كثيرة تدخل في هذا السياق، وتشير إلى هذا الاتجاه، فهناك موارد أوجبها الشارع، أو مارسها أهل الشرع، بمرأى وبمسمع من المعصوم، رغم أنها قد كان فيها احتمال الهلاك ملموساً وظاهراً.. أو كان فيها الضرر البالغ محققاً تارة، ومظنوناً، أو محتملاً أخرى..

ونذكر من ذلك ما يلي:
الكليني: عن أحمد بن محمد بن سعيد، عن جعفر بن عبد الله العلوي، وأحمد بن محمد الكوفي، عن علي بن العباس، عن إسماعيل بن إسحاق، جميعاً عن أبي روح فرج بن قرة، عن مسعدة بن صدقة، قال حدثني ابن أبي ليلى، عن أبي عبد الرحمن السلمي، قال: قال أمير المؤمنين صلوات الله عليه:

أما بعد فإن الجهاد باب من أبواب الجنة, إلى أن قال:

«وقد بلغني أن الرجل منهم كان يدخل على المرأة المسلمة، والأخرى المعاهدة، فينتزع حجلها، وقُلبها، وقلائدها، ورعاثها، ما تمنع [تمتنع خ.ل.] منه إلا بالاسترجاع والاسترحام، ثم انصرفوا وافرين، ما نال رجلاً منهم كلم، ولا أريق له [لهم خ. ل] دم. فلو أن امرءأًً مسلماً مات من بعد هذا أسفاً ما كان به ملوماً، بل كان عندي به [به عندي خ. ل] جديراً» الكافي ج5 ص4 ونهج البلاغة، الخطبة رقم 27 والبيان والتبيين ج2 ص54 والكامل للمبرد ج1 ص20 والعقد الفريد ج4 ص66 ومصادر نهج البلاغةج1 ص395ـ397 عنهم والأخبار الطوالص211 وأنساب الأشراف ط الأعلمي ص442 ومعاني الأخبار ص309 والأغاني ج15 ص45 والغارات 476 ووسائل الشيعة وعن التهذيب للطوسي ج2 ص416 ط أمير بهادر والبحار ط حجرية ج8 ص699و700.

فهو [عليه السلام] لا يلوم من يموت من المسلمين أسفاً لأجل سلب امرأة كافرة حجلها، وقُلبها، ورعاثها، رغم أنه ليس هو مسؤولاً عن حمايتها، لأنها معاهدة لمدة على متاركة الحرب، حتى إذا انقضت تلك المدة، فربما تعود إلى حرب المسلمين، وإلى السعي في أذاهم وقتلهم..

بلإنه [عليه السلام] يرى أن من يموت أسفاً لهذا الأمر جديرٌ بذلك.. رغم أن ما جرى لهذه الكافرة المعاهدة هو مجرد سلب حليها منها، دون أن تتعرض لضرب، ولا لهتك، ولا لأسر، ولا لقتل..

فإذا كان الموت أسفاً على سلب امرأة كافرة غير موجب للّوم، بل هو مما يجدر بالإنسان المسلم أن يوصله أسفه إليه، فالموت حزناً على الحسين [عليه السلام]، وأسفاً لما جرى عليه، وعلى أصحابه لا يوجب اللوم، بل يكون في محله.. والموت في هذه الصورة، لا يكون قبيحاً عقلاً، ولا حراماً ذاتاً، بل هو قد أخذ مشروعيته من هذا العنوان العارض عليه، فما بالك باللطم المؤلم، أو جرح الإنسان الرأس، الذي لا يؤثر على حياة الإنسان بشيء؟!

قد أوجب الله تعالى جهاد العدو أو أجازه ـ ونقصد به الجهاد الإبتدائي، لا الدفاعي ـ مع ما في هذا الجهاد من احتمال القتل، أو قطع بعض الأعضاء، أو الجرح.. فلو كان القتل حراماً ذاتاً، فإنه يجب التحرز عن كل ما يؤدي أو يحتمل أن يؤدي إليه.. ويكون كالظلم، الذي لا يمكن أن يكون حلالاً في أي وقت من الأوقات، فضلاً عن أن يكون واجباً..

قد أمر الله سبحانه بني إسرائيل أن يقتلوا أنفسهم، فقال: {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} سورة البقرة / 57

وقال تعالى: {وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ مَا فَعَلُوهُ}سورة النساء / 66 فلو كان القتل قبيحاً ذاتاً، لم يأمرهم الله سبحانه به.

وقد قال الله تعالى لنبيه: {فَلاَ تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ} سورة فاطر / 8 .

وقال: {فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفاً}سورة الكهف /6 .

وقال تعالى: {لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلاَ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ} سورة الشعراء /3 فهو [صلى الله عليه وآله] يعرض نفسه لأمور صعبة، تصل به إلى حد الهلاك، من أجل أناس يعلنون الحرب عليه، ويقتلون ذويه وأصحابه، ويفتكون حتى بمثل عمه حمزة، وعبيدة بن الحارث، وغيرهما ولو قدروا على قتله هو أيضاً، لاعتبروا ذلك من أعظم الأعياد عندهم..
مع أن بإمكانه [صلى الله عليه وآله] أن لا يهتم لهذا الأمر.

وهذا يشير إلى أن هذا المستوى من التعامل مع القضايا، أمر مسموح به، بل هو راجح، يستحق عليه رسول الله [صلى الله عليه وآله] هذه التسلية الإلهية، ولا يمكن أن يكون ما يفعله الرسول [صلى الله عليه وآله] من موارد القبح العقلي، ولا هو محرم ذاتاً في أي حال من الأحوال..

وبعد هذا، أفلا يحق لنا نحن أن نأسف إلى حد الموت لقتل الإمام الحسين [عليه السلام]، أو إلى حد إلحاق بعض الأذى والألم بأجسادنا؟.

قد تقدم أن الله تعالى قد أمر النبي إبراهيم [عليه السلام] بذبح ولده.. وقد أطاعه ولده في هذا الأمر.. فهل يصح: أن يقال: إن الله تعالى، قد أمره بما هو قبيح عقلاً، وحرام ذاتاً؟!

رواية الفرار من الطاعون:
وقد أظهرت الروايات أيضاً: أن الفرار من الطاعون ليس واجباً، بل هو رخصة. وذلك معناه: أنه لا حرمة ذاتية، ولا قبح عقلياً، في البقاء في محيط الطاعون، إذا كان هناك ما هو أهم منه..

فعن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن حماد بن عثمان، عن الحلبي، قال: سألت أبا عبد الله [عليه السلام] عن الوباء يكون في ناحية المصر، فيتحول الرجل إلى ناحية أخرى، أو يكون في مصر فيخرج منه إلى غيره؟!

فقال: لا بأس، إنما نهى رسول الله [صلى الله عليه وآله] عن ذلك لمكان ربيّة الربية والربيئة: العين على العدو، ولا يكون إلا على جبل، أو شرف كانت بحيال العدو، فوقع فيهم الوباء، فهربوا منه، فقال رسول الله [صلى الله عليه وآله]: الفارّ منه كالفارّ من الزحف، كراهية أن تخلو مراكزهم الكافي ج8 ص93 ط مطبعة النجف ـ النجف الأشرف / العراق ـ والوسائل ط مؤسسة آل البيت ج2 ص429 و430.

وقريب من ذلك:ما رواه الصدوق عن محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد، عن محمد بن الحسن الصفار، عن أحمد بن محمد، عن أبيه، عن فضالة، عن أبان الأحمر، عن أبي عبد الله [عليه السلام].

وثمة روايات أخرى بهذا المضمون أيضاً، فراجع معاني الأخبار ص254 والوسائل ط مؤسسة آل البيت ج2 ص430و431 وفي هامشه عن علل الشرائع ج2 ص520 ومسائل علي بن جعفر ص117.

ففي هذه الرواية:
أولاً: إنه [عليه السلام] لم يحتم على ذلك السائل التحول والابتعاد عن موضع الخطر، بل قال له: لا بأس..

إلا أن يقال: إن كلمة [لا بأس] قد وردت في مورد توهم الحظر، فهي تدل على عدم حرمة الفرار من الطاعون في الحالات العادية، وأما أنه واجب أو راجح أو مباح، فإنه [عليه السلام]، لم يكن بصدد بيان ذلك.

ثانياً: إنه [عليه السلام] قد أوضح أن النبي قد حتم على ربية أن لا تهرب من الطاعون، لكي لا تخلو تلك المراكز منهم. واعتبر ذلك كالفرار من الزحف. والمراد بالربيئة، الكمين المراقب، والراصد للعدو..

وذلك معناه: أن دفع الضرر النوعي، مقدم على دفع وتحاشي الضرر الشخصي. فلا بد من دفع الأول، ولو بقيمة تعريض النفس للثاني..

فلا يصح قولهم:إن فعل ما فيه ضرر، قبيح بحكم العقل؟!.. وحرام بذاته شرعاً..

أليس هذا يدل على أن القبح ليس ذاتياً، وإنما الأمر مرهون بالعناوين العارضة، فقد تكون من موجبات التحريم، وقد يزول ذلك الموجب، ويحل محله ما يجعله راجحاً، بل واجباً..

خادم الزهراء 19-Dec-2009 09:53 AM

إفعل حتى لو مرضت:

ومما يدل على عدم الحرمة الذاتية، وعدم القبح العقلي، لما يعتبره الناس ضرراً، ما دلَّ على لزوم القيام ببعض الأعمال، التي فيها أذى، لا يرضى الناس بتعريض أنفسهم إليه في الظروف العادية..

ونذكر من ذلك:
ألف:ما رواه الشيخ عن محمد بن علي، عن محمد بن الحسن، عن سعد بن عبد الله، وأحمد بن إدريس، عن أحمد بن محمد، عن الحسين بن سعيد، عن النضر بن سويد، عن هشام بن سالم، عن سليمان بن خالد، وحماد بن عيسى، عن شعيب، عن أبي بصير.

وفضالة عن حسين بن عثمان، عن ابن مسكان، عن عبد الله بن سلميان، جميعاً عن أبي عبدالله [عليه السلام]: أنه سئل عن رجل كان في أرض باردة، فتخوَّف إن هو اغتسل أن يصيبه عنت من الغسل، كيف يصنع؟.

قال: يغتسل، وإن أصابه ما أصابه تهذيب الأحكام ج1 ص198 والإستبصار ج1 ص162 وسائل الشيعة ط مؤسسة آل البيت ج3 ص374.

ب: وبهذا الإسناد، عن حماد، وعن حريز، عن محمد بن مسلم، قال: سألت أبا عبد الله [عليه السلام] عن رجل تصيبه الجنابة في أرض

باردة، ولا يجد الماء، وعسى أن يكون الماء جامداً؟ فقال: يغتسل على ما كان.

حدثه رجل:أنه فعل ذلك، فمرض شهراً من البرد، فقال: اغتسل على ما كان، فإنه لا بد من الغسل تهذيب الأحكام ج1 ص198 والإستبصار ج1 ص163،ووسائل الشيعة ط مؤسسة آل البيت ج3 ص374.

ولعل مورد هذه الرواية هو تعمد الجنابة، بعد دخول الوقت، ومع علمه بوجود البرد، أو بفقدان الماء.. فأراد [عليه السلام]: أنه غير معذور فيما أقدم عليه، من حيث أن فيه تضييعاً متعمداً للصلاة المفروضة، فجاء هذا الحكم في حقه، على سبيل العقوبة له..

فقد حتم عليه أن يغتسل، ويتحمل آثار ما أقدم عليه..

فلو كان هذا الإقدام على الضرر قبيحاً عقلاً، وحراماً ذاتاً، لم يكن معنى لتجويزه، فضلاً عن الأمر به على نحو الإلزام..

خادم الزهراء 19-Dec-2009 09:56 AM

ذبح إبراهيم [عليه السلام]لولده:

8 ـوقد ذكرنا في الفصل السابق أن الله سبحانه قد أمرنبيه ابراهيم [عليه السلام] بأن يذبح ولذه اسماعيل، وقد أطاع الله في ذلك، وشاركه في هذه الطاعة ولده اسماعيل.
حزن حتى الموت:

ومما له ارتباط بأحداث عاشوراء، نشير إلى مورد واحد فقط،

هو ما ذكره المؤرخون أيضاً: أن الرباب بنت امرئ القيس بن عدي، زوجة الإمام الحسين [عليه السلام] قد بقيت سنة بعد الحسين [عليه السلام]، «لم يظلها سقف بيت حتى بليت وماتت كمداً» الكامل لابن الأثير ج4 ص39 المطبوع مع تاريخ القرماني، وسكينة بنت الحسين[عليه السلام] ص68، تأليف الدكتورةعائشة بنت الشاطئ.. ومصادر ذلك كثيرة، تجدها في ترجمة الرباب في مختلف كتب التراجم التي تعرضت لحالها.

ومن المفترض: أن يكون هذا الأمر بمرأى وبمسمع من الإمام السجاد [عليه السلام]، لاسيما بعد أن طال عليها الأمر، ومضت الأشهر الكثيرة، حتى بليت، وهلكت.

فكيف لم ينهها [عليه السلام] عن هذا؟.

ولو أنه نهاها، فلا نظن أنها كانت تعصي له أمراً، ما دامت متفانية في حب أبيه سيد شباب أهل الجنة، وهي لم تكن لتحب الوالد، ثم تعصي أمر ولده وسيد الخلق من بعده، والذي لم تر منه إلا كل خير ورفق ومحبة.. فسكوته عنها إمضاء لفعلها، ودليل على أن ذلك الفعل ليس قبيحاً ذاتاً، ولا حراماً شرعاً..

وقد بقيت أمثلة أخرى صريحة في تجويز أو استحباب أو ايجاب أمور فيها احتمالات الهلاك، سنشير إليها في فصل: مراسم عاشورا، إن شاء الله..

خادم الزهراء 19-Dec-2009 10:23 AM

الجرح قد يجب وقد يستحب:

هذا.. وقد ورد ما يدل على استحباب أو وجوب جرح الإنسان نفسه في موارد عديدة.. مما يعني أن بعض موارد الجرح لا اقتضاء فيها للحرمة، فضلاً عن أن تكون من موارد الحرمة الذاتية، أو القبح العقلي.. ونذكر من هذه الموارد ما يلي:

الحجامة، فإنها مستحبة، والروايات فيها كثيرة.

ثقب أذن المولود، فإن ذلك من السنة، فقد روى الكليني بسند صحيح، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن محمد بن عيسى، عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله [عليه السلام]، قال:

ثقب أذن الغلام من السنة، وختان الغلام من السنة الكافي ج6 ص36

وروى علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن الحسين بن خالد قال: سألت أبا الحسن الرضا [عليه السلام] عن التهنية بالولد متى؟

فقال: إنه قال: لما ولد الحسن بن علي هبط جبرئيل بالتهنية.. إلى أن قال: ويعق عنه، ويثقب أذنه. وكذلك حين ولد الحسين الخ.. الكافي ج6 ص34.

والختان مستحب أيضاً، ورواياته كثيرة، ومنها صحيحة ابن سنان المتقدمة.

وروى الكليني أيضاً، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفلي، عن السكوني، عن أبي عبد الله عن علي [عليهما السلام]: إذا أسلم الرجل اختتن، ولو بلغ ثمانين الكافي ج6 ص37.

وهناك روايات صحيحة أخرى، وردت في الكافي وغيره من كتب الحديث، تدل على استحباب الختان. فليراجعها من أراد..

وقد يجب الختانلأجل الحج.

مع أن الختان جرح للجسد، وفيه ألم وأذى.

خفض النساء: وقد روي عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن هارون بن مسلم، عن مسعدة بن صدقة، عن أبي عبد الله [عليه السلام] قال: خفض النساء مكرمةالكافي ج6 ص34 و37.

فالحكم باستحباب ذلك كله، أو بوجوبه، يدل على أنه ليس فقط قبيحاً عقلاً، ولا هو حرام ذاتاً، وإنما يدل على أنه لا اقتضاء فيه للحرمة أصلاً، بل تكون حرمته أو وجوبه بسبب صيرورته مورداً للعنوان الحرام أو الواجب، أو غيره..

وفي غير السياق المتقدم نذكر:
إن الزهراء [عليها السلام] كانت تطحن بالرحى حتى مجلت يداها البحار ج43 ص84.

بل لقد قال الراوندي: «كانت فاطمة جالسة قدامها رحى، تطحن بها الشعير، وعلى عمود الرحى دم سائل، والحسين في ناحية الدار يبكي» الخرائج والجرائح ج 2 ص 530 و531.

فلو كان الإدماء، أو إلحاق الأذى، والألم بالنفس حراماً ذاتاً، أو قبيحاً عقلاً، لم يجز للزهراء [عليها السلام] أن تفعل ما يوجب ذلك..

إن الشارع قد حكم بجواز الفصد، وإخراج الدم.. وهذا شاهد آخر على ما ذكرناه..

جواز نتف الشعر، الذي ورد التصريح بجوازه في الراويات (كما في الوسائل وغيرها).

والكلام فيه كالكلام فيما سبقه..

خادم الزهراء 19-Dec-2009 10:27 AM

جواز الجرح لرغبة دنيوية:

8 ـ وأخيراً نقول: إن الفقهاء يحكمون بجواز إجراء عمليات هدفها مجرد التجميل، تلبية لرغبة شخصية ولهدف دنيوي بحت، وهو أن يصير ذلك الشخص بعدها أكثر مقبولية وجمالاً، بنظر الآخرين..

وقد أفتى الفقهاء بما يشير إلى مسايرة الشارع له في ذلك، فقد حكموا بأنه يسمح بالتيمم بدلاً عن الوضوء، ويسمح له بالصلاة من جلوس، أو في حال الاستلقاء، وأن يومئ للسجود، ويعفى له عن دم الجروح في الصلاة أيضاً. وما إلى ذلك..

وكل ذلك يدل على أنهم يرون: أن عروض عنوان المصلحة له ـ ولو كانت شخصية، وغير ذات أهمية، يكفي في تسويغ الإقدام على هذا الجرح.

فما يقال: من عدم جواز أن يجرح الإنسان نفسه، وأنه محرم، وقبيح بذاته، لا يمكن قبوله. فإن المحرم بذاته شرعاً، القبيح عقلاً، لا يمكن أن يصير حلالاً أو حسناً، فضلاً عن أن يصبح مستحباً، أو واجباً في بعض الموارد.

كما أننا لا نجد في كثير من الموارد المشار إليها ـ كمورد الجراحة للتجميل ـ مصلحة تلزم بالترخيص بهذا الحرام، فضلاً عن أن تجعله واجباً.
مفارقة ظاهرة:

ومن الطريف هنا:أن بعض من لا يبيح جرح الرأس في عاشوراء قد أجاز الملاكمة وغيرها من الألعاب القتالية الخطرة، والتي لا شك في تأثيرها السلبي على سلامة الأشخاص، وعلى حياتهم.

والمسوغ لذلك عنده هو أن لهذه المباريات غرضاً عقلائياً!!

مع العلم بأن هذه المباريات، فضلاً عما يصاحبها من أخطار، وما ينشأ من جرح وأذى.. إنما ترتكز في كثير من الأحيان إلى المقامرات والرهانات.

خادم الزهراء 21-Dec-2009 02:20 PM

الفصل الثالث:

مراسم عاشوراء في النصوص والآثار


بداية:

إن الحديث في هذا الفصل، عن أمرين:

أحدهما: ما دل على جواز فعل ما يؤدي إلى الجرح، أو فقل، ما فيه إلى احتمال الهلاك.

الثاني: ما دل على جواز اللطم، فإلى ما يلي من مطالب.
الجرح، واحتمالات الهلاك:

قد كان ما تقدم يدور في فلك الآيات والروايات، وحكم العقل في ما يرتبط بالدائرة الأوسع، التي لا تختص بعاشوراء..

وهذه باقة ريانة من النصوص الدالة على جواز التعرض للأذى، في خصوص مراسم إحياء ذكرى الإمام الحسين [عليه السلام]، وهي طوائف.

الأولى: ما دل على جواز أن يعرض الإنسان نفسه للقتل، في سبيل إحياء ذكرى الإمام الحسين عليه السلام، ونذكر هنا ما يلي:
1ـ زيارة الناحية:

قال الشيخ المفيد في كتاب المزار:
زيارة أخرى في يوم عاشوراء، برواية أخرى: إذا أردت زيارته بها في هذا اليوم، فقف، فقل.. ثم ذكر الزيارة، وهي المعروفة بزيارة الناحية راجع البحار ج98 ص238و239و241و317و320 وراجع: المزار الكبير ص171 ومصباح الزائر ص116. وجاء فيها:

«ولأبكينك بدل الدموع دماً، حسرةً عليك وتأسفاً على ما دهاك، حتى أموت بلوعة المصاب، وغصة الاكتئاب».

وجاء فيها أيضاً:«تلطم عليك فيها الحور العين، وتبكيك السماء وسكانها».

وهذه الزيارة، وإن لم تكن ثابتة من حيث السند، لكن ذلك لا يعني أن تكون مكذوبة ومخترعة.

وإنما نذكرها هنا، لا لتكون وحدها هي الحجة والدليل، بل لتسهم مع مثيلاتها من الروايات الكثيرة، ومنها ما هو صحيح ومعتبر، في تكوين تواتر مقنع، بأن التعرض للأذى، لإحياء أمرهم صلوات الله عليهم، ليس حراماً ذاتاً، ولا هو قبيح عقلاً ـ بل إن إحياء أمرهم [عليهم السلام]، كاف في إعطاء صفة المشروعية، أو الرجحان، للأعمال التي يكون فيها درجة من الأذى الجسدي..

وعلى كل حال، فإن هذه الرواية تدل على أنه [عليه السلام] قد أجاز لنفسه، أن تصل به لوعة المصاب، وغصة الاكتئاب على الإمام الحسين [عليه السلام] إلى حد الموت، بسبب ذلك..

خادم الزهراء 21-Dec-2009 02:22 PM

2ـ الزيارة رغم مخاطر الغرق:
ألف:روي عنهم [عليهم السلام]، الحث على زيارة الإمام الحسين [عليه السلام] حتى مع احتمال الموت غرقاً، فقد ذكر: أنه قيل للإمام الصادق [عليه السلام]: يا ابن رسول الله، إن بيننا وبين قبر جدك الحسين لبحراً, وربما انكفأت بنا السفينة في البحر.

فقال: لا بأس، فإنها إن انكفأت، انكفأت في الجنة نظرتنا الفقهية في الشعائر الحسينية ص11 .

ب: عن محمد بن جعفر القرشي الدزاز، عن خاله محمد بن الحسين بن أبي الخطاب، عن أحمد بن بشير السراج، عن ابي سعيد القاضي، عن أبي عبد الله [عليه السلام] في رواية، يقول فيها: «ومن أتاه بسفينة، فكفت بهم سفينتهم نادى مناد من السماء: طبتم وطابت لكم الجنة»كامل الزيارات ص134و135 والوسائل ج14 ص458 ط مؤسسة آل البيت وفضل زيارة الحسين ص57 و58 تأليف محمد بن علي بن الحسين العلوي الشجري.

ج: قال ابن قولويه: حدثني أبي [رحمه الله]، وعلي بن الحسين، عن سعد بن عبد الله، عن محمد بن أحمد بن حمدان العلاني، عن محمد بن الحسين المحاربي، عن أحمد بن ميثم، عن محمد بن عاصم، عن عبدالله بن النجار قال: «قال لي أبو عبدالله [عليه السلام]: تزورون الحسين [عليه السلام]، وتركبون السفن؟.
قلت: نعم.

قال: أما تعلم أنها إذا انكفت بكم نوديتم: ألا طبتم وطابت لكم الجنة؟»كامل الزيارات ص135 والوسائل ج14 ص458 ط مؤسسة آل البيت، وفضل زيارة الحسين [عليه السلام] ص57و58، تأليف محمد بن علي بن الحسين العلوي الشجري.

خادم الزهراء 21-Dec-2009 02:25 PM

3ـ محنة الإمام السجاد [عليه السلام]:


وفيما يرتبط بمدى حزن الإمام السجاد [عليه السلام] نقول:
ألف: لقد بكى الإمام السجاد [عليه السلام] حزناً على الإمام الحسين [عليه السلام] حتى خيف على عينيه..البحار ج46 ص 108 وفي هامشه عن المناقب لابن شهر آشوب ط نجف ج3 ص303.

وفي سياق آخر، قيل له: إنك لتبكي دهرك، فلو قتلت نفسك لما زدت على هذا البحار ج 46 ص 109 عن المناقب أيضاً.

ب: حدثني أبي [رحمه الله] عن جماعة مشايخي، عن سعد بن عبد الله، عن محمد بن الحسين ابن أبي الخطاب، عن أبي داود المسترق، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبد الله [عليه السلام]، قال:

بكى علي بن الحسين على أبيه حسين بن علي [صلوات الله عليهما] عشرين سنة، أو أربعين سنة، وما وضع بين يديه طعاماً إلا بكى على الحسين، حتى قال له مولى له: جعلت فداك يا بن رسول الله، إني أخاف عليك أن تكون من الهالكين.

قال: إنما أشكو بثي وحزني إلى الله، وأعلم من الله ما لا تعلمون: إني لم أذكر مصرع بني فاطمة إلا خنقتني العبرة لذلك كامل الزيارات ص107 والبحار ج79 ص87 وفي هامشه عن الخصال ج1 ص131.

ج: عن أحمد بن محمد بن عياش، عن جعفر بن محمد بن قولويه، عن عبيد الله بن الفضل بن محمد، عن سعيد بن محمد، عن محمد بن سلام بن يسار «سيار خ ل» الكوفي، عن أحمد بن محمد الواسطي، عن عيسى بن أبي شيبة, عن نوح بن دراج، عن قدامة بن زايدة، عن أبيه، عن الإمام السجاد [عليه السلام]، في حديث قال ـ واصفاً حاله حين حملت النساء على الأقتاب، ورأى الشهداء صرعى ـ:«..فيعظم ذلك في صدري، واشتد ـ لِما أرى منهم ـ قلقي، فكادت نفسي تخرج، وتبينت ذلك مني عمتي زينب الكبرى بنت علي [عليه السلام]، فقالت: ما لي أراك تجود بنفسك، يا بقية جدي، وأبي، وإخوتي، الخ..» كامل الزيارات ص261 [الزيادات]، والبحار ج28 ص57.

خادم الزهراء 21-Dec-2009 02:27 PM

4ـ البكاء حتى العمى:

كما أن النبي يعقوب [عليه السلام] قد بكى على ولده يوسف حتى ابيضت عيناه من الحزن، وخافوا عليه من الهلاك، أو أشرف عليه: {قَالُوا تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضاً أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ}سورة يوسف/ 85.

فلو كان هذا وذاك حراماً ذاتاً، أو قبيحاً عقلاً، فلا يمكن أن يصدر من الإمام السجاد [عليه السلام]، أو من يعقوب النبي [عليه السلام]، إذ لا يتصور في حقهما، أن يخالفا الشرع، أو أن يكونا غير قادرين على إدراك قبح هذا الأمر، فإن الأنبياء، والأوصياء، هم أتم الناس عقلاً..

واحتمال: أن يكون البكاء حتى العمى، جائز في شرع السابقين دون شرعنا.. لا يلتفت إليه، ما لم يثبت النسخ بدليل قاطع.. خصوصاً مع ذكر الله تعالى لذلك في كتابه الكريم الذي يريد به تعليمنا وهدايتنا..

خادم الزهراء 21-Dec-2009 02:30 PM

زيارة الحسين[عليه السلام] رغم المخاطر:

ومما يدل دلالة واضحة على أن اللطم والجرح تابع للوجوه والاعتبارات فإذا كان بعنوان إحياء ذكرهم جاز فعله، إن الأئمة [عليهم السلام] لم يقيموا وزناً للأخطار التي يواجهها زائر قبر الإمام الحسين [عليه السلام]. فشجعوا على الزيارة رغم وجود الخوف المستمر، وحيث كانت القوات المسلحة ترصد الطرق، وتأخذ كل من يحاول الوصول إلى كربلاء، ليواجه الأذى والتنكيل.

مع أن الزيارة مستحبة، وهؤلاء يدَّعون: أن دفع الضرر المحتمل واجب، فكيف إذا كان هذا الضرر هو الضرب، أو الحبس، أو هلاك النفس؟!.

وكيف إذا كان ذلك الاحتمال قد كبر ونما حتى أوجد حالة قوية من الترقب والخوف؟.

بل إن بعضهم ذكر: أن بعض الشيعة كان يرضى بقطع يده، في سبيل أن يحصل على إجازة بزيارة كربلاء، وما إلى ذلك، لأنه أدرك: أن الحفاظ على الشعائر أولى من حفظ النفس، وقد يقال: إن الكلام إنما هوفي أن يجرح الإنسان نفسه، لا في عدوان الظالمين عليه..

ويجاب: بأن قدرتهم على التحرز عن الضرر والهلاك تجعل من إقدامهم عليه أمراً غير مقبول، إذ لا فرق في الحرمة، بين أن يفعل الإنسان نفسه الجرح، أو القتل، ويقدم طائعاً مختاراً لمن يجرحه أو يقتله..

وعلى كل حال، فإننا نذكر في هذا السياق، النصوص التالية:
ألف:حدثني محمد بن عبد الله بن جعفر، عن أبيه، عن علي بن محمد بن سالم، عن محمد بن خالد، عن عبد الله بن عبد الرحمن الأصم، عن حماد ذي الناب، عن رومي، عن زرارة قال: قلت لأبي جعفر [عليه السلام]: ما تقول في من زار أباك على خوف؟

قال: يؤمنه الله يوم الفزع الأكبر، الخ.. كامل الزيارات ص125 وراجع: ارشاد العباد إلى لبس السواد ص59 ميرزا جعفر الطباطبائي ومكيال المكارم ج2 ص388 ميرزا تقي الأصفهاني.

ب:بإسناده عن الأصم أيضاً، عن ابن بكير، عن أبي عبد الله [عليه السلام] قال: قلت له: إني أنزل الأرّجان. وقلبي ينازعني إلى قبر أبيك، فإذا خرجت فقلبي وجل مشفق حتى أرجع خوفاً من السلطان، والسعاة، وأصحاب المسالحجمع مسلحة وهي المواضع التي فيها أناس مسلحون، من قبل السلطان.

فقال: يا ابن بكير، أما تحب أن يراك الله فينا خائفاً؟ أما تعلم أنه من خاف لخوفنا أظله الله في ظل عرشه الخ..كامل الزيارات ص126.

ج:حدثني حكيم بن داود بن حكيم السراج، عن سلمة بن الخطاب، عن موسى بن عمر، عن حسان البصري، عن معاوية بن وهب، عن أبي عبد الله [عليه السلام] قال:
«يا معاوية، لا تدع زيارة قبر الحسين [عليه السلام] لخوف. فإن من تركه رأى من الحسرة ما يتمنى أن قبره كان عنده. أما تحب أن يرى الله شخصك وسوادك فيمن يدعو له رسول الله [صلى الله عليه وآله]، وعلي، وفاطمة، والأئمة [عليهم السلام] الخ..»كامل الزيارات ص126.

د:حدثني محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري، عن أبيه، عن علي بن محمد بن سالم، عن محمد بن خالد، عن عبد الله بن حماد البصري، عن عبد الله بن عبد الرحمن الأصم، قال حدثنا مدلج، عن محمد بن مسلم، في حديث طويل، قال: قال لي أبو جعفر محمد بن علي [عليه السلام]: هل تأتي قبر الحسين [عليه السلام]؟!

قلت: نعم، على خوف ووجل.

فقال: ما كان من هذا أشد فالثواب فيه على قدر الخوف. ومن خاف في إتيانه آمن الله روعته يوم القيامة، يوم يقوم الناس لرب العالمين.وانصرف بالمغفرة، وسلمت عليه الملائكة، وزاره النبي [صلى الله عليه وآله]ودعا له، وانقلب بنعمة من الله وفضل لم يمسسه سوء، واتبع رضوان الله. ثم ذكر الحديثكامل الزيارات ص127.

هـ : عن أحمد بن محمد بن عياش، عن ابن قولويه، عن عبيد الله بن الفضل، عن سعيد بن محمد، عن محمد بن سلام، عن أحمد بن محمد الواسطي، عن عيسى بن ابي شيبة، عن نوح بن دراج عن قدامة بن زائدة، عن أبيه، قال: قال علي بن الحسين [عليه السلام]: بلغني يا زائدة أنك تزور قبر أبي عبد الله أحياناً؟!

فقلت: إن ذلك لكما بلغك..

فقال لي: فلماذا تفعل ذلك، ولك مكان عند سلطانك، الذي لا يحتمل أحداً على محبتنا وتفضيلنا، وذكر فضائلنا، والواجب على هذه الأمة من حقنا؟

فقلت: والله، ما أريد بذلك إلا الله ورسوله، ولا أحفل بسخط من سخط، ولا يكبر في صدري مكروه ينالني بسببه.

فقال: والله، إن ذلك لكذلك. يقولها ثلاثاً، وأقولها ثلاثاً.

فقال: أبشر، ثم أبشر، ثم أبشر. إلخ..كامل الزيارات ص 260 و261 والبحار ج 45 ص 179.


الساعة الآن »03:18 PM.

المواضيع والمشاركات التي تطرح في منتديات موقع الميزان لا تعبر عن رأي المنتدى وإنما تعبر عن رأي كاتبيها فقط
إدارة موقع الميزان
Powered by vBulletin Copyright © 2017 vBulletin Solutions, Inc