منتديات موقع الميزان

منتديات موقع الميزان (http://www.mezan.net/vb/index.php)
-   ميزان مصباح الهدى وسفينة النجاة ( عاشوراء ) (http://www.mezan.net/vb/forumdisplay.php?f=116)
-   -   مراسم عاشوراء (http://www.mezan.net/vb/showthread.php?t=14224)

خادم الزهراء 21-Dec-2009 02:36 PM

ما دل على جرح الجسد:

ونذكر مما دل على جواز جرح الجسد، في نطاق إحياء أمرهم صلوات الله عليهم، ما يلي:
ألف: ورد في زيارة الناحية المقدسة: «ولأبكينك بدل الدموع دماً»البحار ج 98 ص 317 و318.

فإن الإمام [عليه السلام] وفقا لهذه الرواية قد تعهد بأن يبكي على الإمام الحسين [عليه السلام] ولو أدى ذلك إلى أن تنزف عيناه دماً..

وربما يقال: إن ذلك قد جاء على سبيل المبالغة، أو المجاز..

ونقول: إن ذلك يحتاج إلى ما يثبته، ولا يكفي فيه مجرد الدعوى، والاستحسان. وإن ما جرى لنبي الله يعقوب الذي بكى على ولده ـ الذي كان يعلم أنه حي ـ حتى ابيضت عيناه من الحزن، إن ذلك يجعلنا نتردد كثيراً في قبول دعوى المبالغة، والمجازية..

ب: وروى الصدوق عن جعفر بن محمد بن مسرور، عن الحسين بن محمد بن عامر، عن عمه عبد الله بن عامر، عن إبراهيم بن أبي محمود، عن الإمام الرضا [عليه السلام]: «إن يوم الحسين أقرح جفوننا، وأسبل دموعنا»الأمالي للصدوق ص113 المجلس27 ح2 والبحار ج44 ص284.

فإن القرح هو الجرح. فإذا كان الأئمة [عليهم السلام] قد بكوا على الإمام الحسين [عليه السلام] حتى تقرحت جفونهم، فذلك يدل على كون هذا المقدار من الضرر ليس حراماً ذاتاً، ولا هو قبيح عقلاً، فلماذا لا يجوز لغيرهم أن يتأسى بهم في ذلك؟! فلنلطم صدورنا، ولنفعل ما فيه بعض الألم أو الجرح..

إلا إذا قيل: إن ذلك قد جاء منه [عليه السلام] على سبيل المجاز والكناية عن شدة وكثرة البكاء.

وقد قلنا: إن ذلك لا يصار إليه إلا بدليل، خصوصاً، وأنه [عليه السلام] قد أورد ذلك على سبيل الإخبار عن أمر وقع خارجاً، فلا مجال لدعوى المبالغة في مثل هذه الحال.

ج:وتقدم أن التاريخ قد حدثنا أن الحكام كانوا يرتكبون أعظم الجرائم حتى القتل في حق زوار قبر الإمام الحسين [عليه السلام]، ويقدم الشيعة على هذا الأمر باختيارهم. ولم ينقل عن الأئمة [عليهم السلام] أي اعتراض على ذلك، أو تأفف منه، أو كراهة للإقدام عليه..

بل قد تقدم أن الأئمة [عليهم السلام] كانوا يأمرون شيعتهم بالزيارة, ويحثونهم عليها، رغم الأخطار التي تواجههم..

د: ويذكرون أن الإمام السجاد [عليه السلام] كان يبكي عند شرب الماء، حتى يجري مع الدمع الدم في الإناء، فقيلله في ذلك.

فقال: كيف لا أبكي؟ وقد منع أبي من الماء، الذي كان مطلقاً للسباع والوحوش تاريخ النياحة ج6 ص 146، عن جلاء العيون للسيد عبد الله شبر، وعن أعيان الشيعة.

هـ : ويذكرون أيضاً: أن السيدة زينب [عليها السلام] قد ضربت جبينها بمقدم المحمل، حتى سال الدم من تحت قناعهاالبحار ج45 ص115 والفردوس الأعلى ص19ـ22 المجالس الفاخرة ص298.

و: وحين وصل السبايا إلى الكوفة، وخطب الإمام السجاد [عليه السلام]، وفاطمة بنت الحسين، وأم كلثوم بنت علي [عليه السلام] بكى الناس.

أما النساء فقد «خمشن وجوههن ولطمن خدودهن إلخ..» اللهوف ص88 ط صيدا سنة 1929 والبحار ج45 ص112. حسبما ذكره السيد ابن طاووس [رحمه الله] تعالى.

إلا أن يقال: إنه لم يكن يمكن للإمام السجاد [عليه السلام]، أن ينهى عن ذلك..

غير أننا نقول: إن خطبته [عليه السلام] فيهم كانت أعظم خطراً عليه، من مجرد نهيه لهم عن فعل الحرام..
ز: وقد قالوا: إنه حين رجوع السبايا إلى المدينة «ما بقيت مخدرة إلا برزن من خدورهن، مخمشة وجوههن، لاطمات خدودهن»اللهوف ص114 ط صيدا ودعوة الحسينية ص117 والبحار ج 45 ص 147.

وقد كان ذلك بحضور الإمام السجاد [عليه السلام]، وبمرأى ومسمع منه، ولم ينههن [عليه السلام] عن ذلك.. ولا منعتهن عقولهن عنه..

ح:وتقدم أن مما يدل على جواز عمل ما يوجب تلف بعض الأعضاء خصوصاً مع وجود غرض شرعي، مثل إظهار جلالة وعظمة نبي من أنبياء الله [عليهم السلام]، بكاء نبي الله يعقوب [عليه وعلى نبينا وآله الصلاة والسلام]، على ولده حتى {.. ابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ} سورة يوسف/ 84.

وعمى يعقوب أعظم خطراً من إدماء الرأس أو الظهر على الإمام الحسين الشهيد [عليه الصلاة والسلام]، فضلاً عن اللطم العنيف، أو غير العنيف، في مراسم العزاء..

ط: وتقدم: أن نبي الله يعقوب [عليه وعلى نبينا وآله الصلاة والسلام] قد بلغ به الحزن على ولده يوسف الذي فارقه، ويتوقع الإجتماع به ـ إلى حد أن أشرف على الهلاك، حتى قال له أبناؤه: {تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضاً أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ} سورة يوسف/ 85.

ي: أضف إلى ما تقدم ما رواه الصدوق، عن أبيه، عن سعد، رفعه: «أن الدمع قد خدّ خدّي يحيى بن زكريا، وأكل منهما، حتى وضعت أمه عليهما لبداً»بحار الأنوار ج67 ص 388.

ك:روى الصدوق، عن محمد بن إبراهيم، عن عمر بن يوسف، عن القاسم بن إبراهيم، عن محمد بن أحمد الرقي، عن عبد الرزاق، عن معمر، عن الزهري، عن النبي [صلى الله عليه وآله]: أن شعيب النبي [عليه وعلى نبينا وآله الصلاة والسلام] قد بكى حتى عمي، فرد الله عليه بصره، ثم بكى حتى عمي، فرد الله بصره، ثم بكى حتى عمي، فرد الله عليه بصره علل الشرائع ج1 ص54 باب51 ط مكتبة الطباطبائي بقم. بحار الأنوار ج12 ص380.

ل: وروى الصدوق عن محمد بن الحسن، عن الصفار، عن العباس بن معروف، عن محمد بن سهل البحراني، يرفعه إلى أبي عبد الله [عليه السلام] قال: البكاؤون خمسة.. إلى أن قال: فأما آدم فبكى على الجنة حتى صار في خديه أمثال الأوديةبحار الأنوار ج79 ص87 وج11 ص204 وفي هامشه عن الخصال ج1 ص131.

م:وقد روي بسند صحيح عن الإمام الصادق [عليه السلام] أن النبي [صلى الله عليه وآله]، قد أقرَّ نساء الأنصار على ما فعلن بأنفسهن، ولم يعترض عليهن، وذلك حينما رجع من أحد، فبعد أن شرح الإمام الصادق [عليه السلام] بعض ما جرى في أحد، قال [عليه السلام]:

«ونساء الأنصار في أفنيتهم على أبواب دورهم، وخرج الرجال، يلوذون به، ويثوبون إليه. والنساء ـ نساء الأنصار ـ قد خدشن الوجوه، ونشرن الشعور، وجززن النواصي، وخرقن الجيوب، وحزمن البطون على النبي [صلى الله عليه وآله]..

فلما رأينه، قال لهن خيراً، وأمرهن أن يستترن، ويدخلن منازلهن الخ..» الكافي ج8 ص318 والبحار ج20 ص107 ـ 109، وتفسير الصافي ج1 ص 387، وتفسير نور الثقلين ج1 ص398.

فيلاحظ: أنه [صلى الله عليه وآله] قد أقرّهن على ما فعلن بأنفسهن من أجله، واكتفى بأمرهن بالتستر، ودخول المنازل، ولم ينههن عن جرح أنفسهن، ولا اعترض على خدش وجوههن.

وبالنسبة لقوله:«وحزمن البطون». قال المجلسي [رحمه الله]:

«في أكثر النسخ بالحاء والزاء المعجمة، أي كنّ شددن بطونهن لئلا تبدو عوراتهن، لشق الجيوب، من قولهم: حزمت الشيء، أي شددته.

وفي بعضها: [حرصن] بالحاء والصاد المهملتين. أي شققن وخرقن، يقال: حرص القصار الثوب، أي خرقه بالدق.

وفي بعضها:«بالحاء والضاد المعجمة، على وزن التفعيل، يقال:أحرضه المرض، إذ أفسد بدنه، وأشفى على الهلاك» .

خادم الزهراء 22-Dec-2009 10:32 AM

اللطم:

أما بالنسبة إلى اللطم، فقد ورد ذكره في العديد من النصوص أيضاً، نذكر منها:
لما مروا بالسبايا علىالحسين، وأصحابه صاحت النساء، ولطمن وجوههن، وصاحت زينب: يا محمداه الخ!! .

وقد كان هذا مع حضور الإمام السجاد [عليه السلام]، وعدم نهيه لهن عن ذلك، مع قدرته عليه، وطاعتهن له..

في زيارة الناحية المقدسة: «فلما رأين النساء جوادك مخزياً، والسرج عليه ملوياً، خرجن من الخدور، ناشرات الشعور، على الخدود لاطمات، وبالعويل مبادرات..».

وليس بالضرورة أن تكون السيدة زينب [عليها السلام] أو بنات الإمام الحسين [عليه السلام] في جملة من فعلن ذلك.. غير أن ما يهمنا هنا هو أن الإمام السجاد [عليه السلام] كان حاضراً وناظراً، ولم ينههن عن ذلك.

وقد لطم النسوة الخدود في ليلة العاشر بحضور الإمام الحسين [عليه السلام]، فقال الإمام الحسين: «يا أختاه يا أم كلثوم، يا فاطمة، إن أنا قُتلت فلا تشققن علي جيباً،ولا تخمشن وجهاً، ولا تنطقن هجراً»مقتل الحسين للمقرم ص261 عن الإرشاد، وتهذيب الأحكام للطوسي ج8 ص325 والذكرى للشهيد ص72 ط حجرية .

والذي رواه السيد ابن طاووس [رحمه الله]، يوضح سبب نهي الإمام الحسين [عليه السلام] لهن عن ذلك، فقد قال: «فلطمت زينب [عليها السلام] على وجهها، وصاحت. فقال لها الحسين [عليه السلام]: مهلاً لا تشمتي القوم بنا» كتاب الملهوف ط صيدا ص51 والبحار ج44 ص391.

كما أنه [عليه السلام] قد أظهر سبب وصيته هذه فيما ذكره في وصيته للنساء في وداعه الثاني، حيث قال لهن: «فلا تشكّوا، ولا تقولوا بألسنتكم ما ينقص من قدركم»مقتل الحسين للمقرم ص337 عن جلاء العيون للمجلسي.

فيلاحظ:أنه [عليه السلام] إنما قد خص نهيه لهن عن فعل ذلك بما بعد موته.. وهذا ما صرح به أيضاً حين قال لأخته زينب نفس هذه الكلمات، حيث جاء في آخرها: «إذا أنا هلكت».

يضاف إلى ذلك: أنه قد أوضح: أن سبب النهي هو أن لا ينقص ذلك، من قدرهن، وأن لا يشمت الأعداء بهن.

وحينما سمعت زينب [عليها السلام] أخاها الإمام الحسين [صلوات الله عليه] ينشد: «يا دهر أفٍ لك من خليل..إلخ»، لطمت وجهها، وهوت إلى جيبها فشقته، ثم خرت مغشياً عليها» الإرشاد للمفيد، ص232 ط مؤسسة الأعلمي سنة 1399هـ. ومقتل سيد الأوصياء للكاظمي ص 98.

وحين اقترب جيش ابن سعد من الإمام الحسين [عليه السلام] في اليوم التاسع، وهو جالس مُحتَبٍ بسيفه، قالت له زينب: أخي، أما تسمع الأصوات قد اقتربت؟!

«فرفع الحسين رأسه وقال: إني رأيت رسول الله [صلى الله عليه وآله] الساعة في المنام، فقال لي: إنك تروح إلينا.

فلطمت أخته وجهها، ونادت بالويل إلخ..» لإرشاد للمفيد، ط مؤسسة الأعلمي ص230.

روى الشيخ الطوسي عن أحمد بن محمد بن داود القمي في نوادره، عن محمد بن عيسى، عن أخيه جعفر، عن خالد بن سدير، قال: سألت أبا عبد الله [عليه السلام].. إلى أن قال الإمام [عليه السلام]:

«ولقد شققن الجيوب، ولطمن الخدود الفاطميات على الحسين بن علي. وعلى مثله تلطم الخدود، وتشق الجيوب» تهذيب الأحكام ج8 ص325 وكشف الرموز ج2 ص263 وجامع أحاديث الشيعة ج3 ص392 الوسائل ج15 ص583 ط المكتبة الإسلامية. والمهذب البارع ج3 ص568 والمسالك للشهيد الثاني ج10 ص29.

وفي هذا الخبر حث ظاهر على اللطم على أبي عبد الله [عليه السلام]..

وفي الجواهر: «إن ما يحكى من فعل الفاطميات ربما قيل إنهمتواتر» جواهر الكلام ج4 ص371.

وقال ابن إدريس:«إن أصحابنا مجمعون عليها في تصانيفهم وفتاواهم»الجواهر أيضاً ج33 ص184 وراجع أيضاً كشف الرموز ج2 ص263.

وقد روى الصدوق بأسانيده، وروى غيره: أن دعبل الخزاعي أنشد الإمام الرضا [عليه السلام] تائيته المشهورة، ومنها قوله:
أفاطم لو خلت الحسين مجدلاً وقـد مات عطشاناً بشط فرات
إذن للطمت الخد فاطم عنـده وأجريت دمع العين في الوجنات

فلم يعترض عليه الإمام [عليه السلام]، ولم يقل له: إن أمنا فاطمة [عليها السلام] لا تفعل ذلك لأنه حرام، بل هو [عليه السلام] قد بكى. وأعطى الشاعر جائزة، وأقره على ما قالراجع على سبيل المثال: عيون أخبار الرضا ج2 ص263و264 والبحار ج49 ص237و239ـ252 مقتل الحسين للخوارزمي ج2 ص131 والغدير للعلامة الأميني، وغير ذلك كثير..

8 ـ وذكر في اللهوف: أنه لما رجع السبايا إلى كربلاء في طريقهم الى المدينة، «وجدوا جابر بن عبد الله الأنصاري، وجماعة من بني هاشم، ورجالاً من آل الرسول قد وردوا لزيارة قبر الحسين، فتوافوا في وقت واحد، وتلاقوا بالبكاء، والحزن، واللطم، وأقاموا المآتم المقرحة للأكباد، واجتمع إليهم نساء ذلك السواد، وأقاموا على ذلك أياماً» اللهوف ص112و113 ط صيدا والبحار ج45 ص146، وجلاء العيون ج2 ص272و273.

فهل كان الإمام السجاد [عليه السلام] غائباً عن كل هذا؟

ألم يكن معهم في كربلاء حين رجوع السبايا؟

أليس قد لطموا، وأقاموا على ذلك أياماً والإمام السجاد [عليه السلام] معهم؟ فلماذا لم ينههم عن ذلك؟!

فلو أنه كان [عليه السلام] قد اعترض عليهم بمخالفة ذلك لأحكام الشريعة، لذكروا لنا ذلك، ولكانوا أطاعوه، ولم يقيموا أياماً، وهم يفعلون ذلك..

تقدم أنه حين وصل السبايا إلى الكوفة، واجتمع الناس، وخطبهم الإمام السجاد [عليه السلام] وفاطمةبنت الحسين [عليه السلام]، وأم كلثوم بنت علي [عليه السلام]، بكى الناس..

كما أن النساء «خمشن وجوههن، ولطمن خدودهن، ودعون بالويل والثبور».

10ـفي كامل الزيارات: «أن الحور قد لطمت على الحسين في أعلى عليين»، فراجعكامل الزيارات ص80 والبحار ج45 ص201.

11ـوتقدم في زيارة الناحية المقدسة، قوله: «تلطم عليك فيها الحور العين» تقدمت مصادر ذلك حين ذكر الرواية تحت عنوان: احتمالات الهلاك لا تمنع..

12ـ روي استحباب الجزع على الإمام الحسين [عليه السلام].. والأحاديث في ذلك كثيرة..

وقد فسر الإمام الباقر [عليه السلام] الجزع بما يشتمل على لطم الوجه والصدر..

فقد روى الكليني عن عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، والحسن بن علي جميعاً، عن أبي جميلة، أن جابراً قال للإمام الباقر [عليه السلام]: ما الجزع؟!

فقال [عليه السلام]: أشد الجزع الصراخ بالويل، والعويل، ولطم الوجه والصدر الخ..راجع: وسائل الشيعة ط المكتبة الإسلامية ج2 ص915.

وعن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن عمرو بن عثمان، عن أبي جميلة، عن جابر مثله.

فإن قيل: إنه [عليه السلام] قد فسر الجزع، لكنه لم يصرح بجوازه..

فالجواب هو: أن الروايات الصحيحة التي صرحت باستحباب الجزع، على الإمام الحسين [عليه السلام] كافية في إثبات جوازه بجميع مراتبه، حيث لم يقيد فيها الجزع بشيء..

خادم الزهراء 22-Dec-2009 10:41 AM

استطراد تاريخي:

وثمة نصوص كثيرة لا تدخل في سياق الاستدلال، غير أننا نذكرهالمجرد إطلاع القارئ عليها، وهي التالية:

إنه قد حصل اللطم في بيت يزيد بالذات، فقد ذكروا: أنه لما أدخل السبايا على يزيد، «قالت فاطمة ابنة الحسين: يا يزيد، أبنات رسول الله سبايا؟!.

قال: بل حرائر كرام، ادخلي على بنات عمك تجديهن قد فعلن ما فعلت.

قالت: فدخلت إليهن، فما وجدت منهن إلاّ سفيانية متلدمة»إقناع اللائم ص153،عن العقد الفريد لابن عبد ربه، عن المدائني.

(واللدم هو اللطم)..

ويقولون: إن سليمان بن قتة العدوي التيمي مر بكربلاء، فنظر إلى مصارع الشهداء، فبكى حتى كاد أن يموت..وكان مروره هذا بعد استشهاد الإمام الحسين [عليه السلام] بثلاثة أيامأعيان الشيعة ج25 ص 368 ط أولى.

إن ابن عمر قد ضرب على رأسه لما بلغه خبر قتل الحسين [عليه السلام]الخصائص الحسينية:ص 187.

وقد ذكر في البحار قصة الأسد الذي كان يأتي كل ليلة إلى الجثث الطاهرة،فيمرغ وجهه فيها..فراقبه ذلك الرجل الذي رآه ـ وهو من بني أسد ـ حتى اعتكر الظلام.

وإذا الشموع معلقة، ملأت الأرض. وإذا ببكاء، ونحيب، ولطم مفجع، فقصد تلك الأصوات، فتبين له أن هؤلاء من الجنالبحار ج45 ص194 وجلاء العيون ج2 ص292و293.

ونذكر هنا: أنه في سنة 346 هجرية لطم الناشي [الشاعر] لطماً عظيماً على وجهه، حينما علم أن البعض قد رأى السيدة الزهراء [عليها السلام] في المنام. وأشارت إلى قصيدة كان الناشي قد نظمها في الإمام الحسين [عليه السلام]، ولطم أيضاً أحمد المزوّق، والناس كلهم. وكان أشد الناس في ذلك: الناشي، وأحمد المزوّقتاريخ النياحة ج2 ص22، عن بغية النبلاء ص161.

ويذكرون أيضاً أن السيد المرتضى [رحمه الله] قد زار الإمام الحسين [عليه السلام] بكربلاء في يوم عاشوراء سنة 396 هجرية، مع جمع من أصحابه وتلامذته، فوجد هناك جمعاً من الأعراب، يضربون على الخدود، ويلطمون على الصدور، وينوحون ويبكون، فدخل معهم السيد وتلامذته، وهو يلطم على صدره. ورأوه ينشد:
كربلا لا زلت كرباً وبلا..

إلى آخر القصيدة التي هي من نظم أخيه الشريف الرضي تاريخ النياحة ج2 ص26 عن كتاب المواكب الحسينية لعبد الرزاق الحائر الإصفهاني، عن كتاب عمدة الأخبار ص43.

وفي سنة 352 هجرية أمر معز الدولة البويهي بتعطيل الأسواق في عاشوراء..«وأن يخرج الرجال والنساء، لاطمي الصدور والوجوه».
ويذكر هذا اللطم أيضاً في سنة 402 هجرية، فراجعالبداية والنهاية ج11 ص254و245، وتاريخ ابن الوردي ج1 ص 402.

وكذا في سنة 423 هجريةراجع: تاريخ كاظمين [فارسي] لعباس فيض ص84.

ونكتفي بهذا المقدار، فإن المقصود هو مجرد الإشارة.

خادم الزهراء 22-Dec-2009 10:45 AM

الإضراب عن الطعام في عاشوراء:

وورد أيضاً ما يدل على جواز الإضراب عن الطعام في يوم عاشوراء، حتى تظهر آثار ذلك في الوجه..

فعن محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري، عن أبيه، عن علي بن محمد بن سالم، عن محمد بن خالد، عن عبدالله بن حماد البصري، عن عبد الله بن عبد الرحمن الأصم، عن مسمع بن عبد الملك كردين البصري، قال:

«قال لي أبو عبد الله [عليه السلام]: يا مسمع، أنت من أهل العراق.. إلى أن قال: فتجزع؟!

قلت: إي والله، واستعبر لذلك، حتى يرى أهلي أثر ذلك علي، فامتنع من الطعام حتى يتبين ذلك في وجهي.

قال: رحم الله دمعتك، أما إنك من الذين يعدّون من أهل الجزع لنا، والذين يفرحون لفرحنا، ويحزنون لحزننا الخ..»كامل الزيارات ص101، وغير ذلك.

وذلك معناه: أنه يجوز فعل ما فيه أذى للنفس ومشقة عليها في عاشوراء، بل يستحب ذلك..
تواتر الأخبار:

وبعدما تقدم نقول:إن ما ذكرناه فيما تقدم من آيات وروايات، رغم أننا اكتفينا منه بما تيسر لنا، يوضح بجلاء نظرة الإسلام في هذا الاتجاه.. وقد ظهر أن النصوص كثيرة جداً، ودعوى تواترها لابد أن ينظر إليها بجدية، وبخوع تام..

خادم الزهراء 23-Dec-2009 10:45 AM

الفصل الرابع:

توضيحات حول المراسم

تعظيم الشعائر.. وإحياء أمرهم [عليهم السلام]:

وبعد..فإن يوم عاشوراء، هو من أعظم أيام الله أثراً في إحياء الدين وحفظه، وحفظ جهود الأنبياء، وهو من أجلى مصاديق شعائر الله، التي أمرنا الله سبحانه بتعظيمها: {وَمَنْ يُعَظِّمُ شَعَائِرَ الله فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى القُلُوبِ}..

وإن المواكب الحسينية، ومراسم العزاء في هذا اليوم من أظهر مفردات هذا التعظيم، كما أنها من سبل إحياء أمرهم [عليهم السلام]، وقد أمروا [عليهم السلام] بهذا الإحياء.

وضرب السلاسل، واللطم، وجرح الرؤوس، لم يأت تشهياً، وبدون هدف، بل هو قد جاء على سبيل التعظيم، وبهدف إحياء أمرهم [عليهم السلام]؛ فيكون محبوباً لله سبحانه..

جواز الجرح، واللطم مطلق:

ولأجل ذلك نقول: إن حلية اللطم، وضرب السلاسل، وجرح الرؤوس لا تحتاج إلى التهاب الأفئدة بحرقة المصاب إلى درجة ينتج عنها هذه الأفعال.. كما يزعم بعض الناس..
بل إن نفس الظهور على هذه الحالة، وإظهار هذه الكيفية أو تلك،

تعظيم للشعائر، وإحياء للأمر، وهومحبوب لله تعالى، وهو عبادة وعد الله عليها الثواب.. حتى لو لم يصاحبه حرقة ولا بكاء، ولا حتى حزن.

ويدل على ذلك أيضاً، وجود أحاديث كثيرة تأمر بالتباكي على الإمام الحسين [عليه السلام]، مما يعني: أن الثواب يترتب على البكاء الحقيقي تارة.. وعلى التظاهر بالبكاء تارة أخرى.

وكذلك الحال في المراسم، فإن الثواب يكون على نفس فعل هذه الكيفيات التي هي مصداق للتعظيم، أو لعنوان إحياء أمرهم [عليهم السلام].

النوايا في المواكب الحسينية:

وبعدما تقدم نقول:
قد يقول البعض: إنه لا بد للفقيه من أن يحرم اللطم، وضرب الرؤوس، لأن كثيرين ممن يمارسون ذلك، إنما يفعلون ذلك للاستعراض. وبعضهم لا يلتزم بأحكام الشريعة..

والجواب هو: أن وظيفة الفقيه هي أن يعطي حكم الله في الواقعة، وليس له، ولا هو مطالب بأن يفتش عن نوايا الناس، وعن قصودهم..

فهو يقول للناس: عظموا شعائر الله، وأحيوا أمر أهل البيت [عليهم السلام]، والناس هم الذين يختارون كيفيات ذلك ومفرداته، كل بحسب حاله.

ويقول: إن في المواكب الحسينية تعظيماً لشعائر الله، وفيها أيضاً إحياء لأمرهم [عليهم السلام]، وعلىالناس أن يقوموا بها لهذا الغرض، تحقيقاً للأهداف الإلهية، وانصياعاً لأوامره سبحانه..

وليس له أن يقول: فلان يقصد هذا الأمر أو لا يقصده، وفلان الآخر حزين أو غير حزين.. وفلان الثالث يرائي في ما يفعل أو لا يرائي.. فإن الله لم يطلع أحداً على غيبه، ولا بد من حمل فعل المسلم على الصحة.

ولنفترض وجود مرائين أو منحرفين، فإن ذلك لا يجوِّز لنا الدعوة إلى إلغاء تلك الشعائر من الأساس، وإلا لساقنا ذلك إلى إلغاء الواجبات حتى الصلاة. فإن هناك من يحاول المراءات فيها، وخداع الناس عن طريق التظاهر بالعبادة والتقى من خلالها.

وهل يجوز لنا أن نمنع الناس من الحج، لعلمنا بأن بعضهم يرائي فيه؟!

وهل تمنع الصلاة جماعة لأجل ذلك أيضاً؟! إذا علمنا بوجود أمثال هؤلاء..

وإذا كان هناك أفراد يراؤون الناس بهذه الشعائر، فإنما هم أفراد قلائل، وتبقى الكثرة الكاثرة من المشاركين فيها ـ لا شك بأنهم من أهل الخير، والإيمان، وطهارة النية..

فإذا كان لا بد من التحريم، والمنع، فإنما يمنع من يُعْلَم أنه يفعل ذلك رياء وسمعة.. دون من لا يُعلم منه ذلك..

إن المطلوب هو: أن ندعو الناس إلى القيام بواجباتهم، وبإحياء أمر أهل البيت [عليهم السلام]، وبتعظيم الشعائر، بهذه المراسم، وسواها، ثم نربي الناس، ونهيئ نفوسهم لإخلاص النوايا لله تعالى، بالدعوة إليه بالحكمة، والموعظة الحسنة.

خادم الزهراء 23-Dec-2009 10:59 AM

المعترضون.. ودوافعهم:
وإذا أردنا أن ندرس واقع الذين يثيرون الانتقادات على هذه المراسم، فسوف نخرج بحقيقة: أن من ينتقدونها، ويشنِّعون عليها، تختلف دوافعهم، وأغراضهم من ذلك..

فهناك من لمس وجود خلل في فهم هذه المراسم لدى فريق من الناس الغرباء عن الدين، وخاف أن يؤثر ذلك صدوداً منهم عن الحق، وعناداً في قبول حقائقه..
فأراد أن يحتفظ بفرصة تمكن من فتح قلوبهم على الهدى وعقولهم، على الحق..

فهذا النوع من أهل الغيرة على الدين، لا بد أن يشكر على هذا الوعي، وعلى تلك الغيرة.. مع لفت نظره إلى أننا نوافقه على ذلك من حيث المبدأ، غير أننا نقول: إن ما يفكر به، وإن كان صحيحاً في بعض الموارد، ولكنه لا يمكن تعميمه لكل زمان ومكان..

وهناك من يرفض كل مظاهر الحزن في عاشوراء، انطلاقاً من هوىً مذهبي، أو تعصباً لرأي، أو لجهة يرى أن عليه أن يمنع من إفشاء ما يرتبط بها من حقائق تدينها، أو تقلل من احترام الناس لها..

وهناك فريق ثالث يهاجم مظاهر الحزن في عاشوراء، سعياً منه إلى تشكيك الناس بدينهم، وإضعاف حالة الاندفاع نحو الإلتزام بأحكامه. وإسقاط محله في نفوسهم، وإبعادهم عن حالة التعبد والانقياد، والتقديس لمقدساتهم..

وقد يكون الرفض من البعض بسبب أنه يرى: أن مظاهر الحزن على الحسين [عليه السلام]، تنتج فكراً يضر بمصالحه، وتربي مشاعر، وتثير وجداناً، وتعمق وعياً، لا يؤمن به، ويلزم نفسه برفضه، وبمحاربته، ووأده في مهده.

ولا يقتصر نشاط هذا النوع من الناس، على محاربة عاشوراء والإمام الحسين [عليه السلام]، بل هم أيضاً يحاولون السخرية بمن يصلي، وبمنيلتزم بالزكاة، ويهزأون أيضاً بأحكام الحج ومناسكه، وبالطواف حول البيت، ورجم الجمار، وذبح الأضاحي. و.. و.. الخ..

بل هناك من حاول المنع من تعليم بعض سور القرآن التي تتحدث عن اليهود، وهناك من حرفوا بعض آيات القرآن النازلة في بني إسرائيل واليهود.

وهناك أناس تحدث القرآن لنا عن سخريتهم بالأنبياء، وذكر لنا كيف أن الأنبياء قد واجهوا السخرية بمثلها، في قوله تعالى فيما حكاه عن نبيه نوح [عليه وعلى نبينا وآله الصلاة والسلام]: {إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ}سورة هود /38.

إنهم يرون أن حربهم هذه، قادرة على التأثير في إسقاط إرادتنا،وإضعاف صلابتنا خصوصاً حين يتهموننا بالجهل، والخرافية، والسقوط، والتخلف، والقسوة، و..و..

وأخيراً، فإن هناك من يهاجم، ويدين، وينتقد، ولكن بحسن نية، وسلامة طوية، دون أن يعرف حقيقة الأمر، ودون أن يقف على موارده ومصادره، فهو واقع تحت تأثير أعلام هؤلاء وأولئك، يظن صحة ما قالوه، فيبادر ـ مخلصاً ـ إلى المطالبة بتصحيح ما يراه خطأ خطيراً، أو الخروج مما يراه مأزقاً كبيراً..

خادم الزهراء 23-Dec-2009 11:05 AM

ماذا لو استجبنا لمطالبتهم:

ولو أردنا أن نخضع لهذا الجو الضاغط، الذي يثيره الحاقدون.. فإن علينا أن نتوقع: أن نطالَب ربما بالخروج عن ديننا إلى دينهم، والعياذبالله، فإن جميع أعداء الدين والمذهب لا يرضون بما نحن عليه وقد قال تعالى: {وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ}سورة البقرة/ 120.

ولو أردنا أن نخضع لهذه الأجواء، فإن علينا أن نلغي رجم الزاني المحصن، وقطع يد السارق، والحكم بعدم جواز تزويج المطلقة ثلاث مرات إلا بعد أن تنكح زوجاً آخر، وغير ذلك من التشريعات التي يعلن العلمانيون رفضها، ويجاهرون بنقدها، ويهتمون بتسفيهها، ويتابعهم على ذلك كثير من الناس البسطاء، الذين لا حظ لهم من العلم، ويأخذون الأمور، بسلامة نية، وحسن طوية..

إن ما يجري في عاشوراء، حتى جرح الرؤوس، وضرب السلاسل، واللطم، وغير ذلك لم تثبت حرمته الشرعية، ولا هو مما يحكم العقل بقبحه، وتلك هي الشواهد والدلائل تشير إلى مشروعيته..

فلماذا يقال: إن فيه توهيناً للمذهب، في كل جيل، وكل قبيل؟!.

ولماذا تطلق التعميمات بهذه الصورة؟!..

ولماذا لا يقال: إنه حيث يلزم التوهين، فلا بد من الامتناع عنه، وحيث يلزم الإعزاز، فلا حرج فيه، ولا جناح؟!..

نعم..ربما يكون في ذلك بعض الحرج النفسي لدى فريق من الناس، ممن يفاجأون بمشاهد صعبة وغريبة عما عرفوه، وألفوه.. فلا بدمن مراعاة حال هؤلاء والرفق بهم، وتيسير الإيمان لهم..

.. ولا يكفي مجرد الشعور بالخوف والرهبة لدى من يشاهد جرح الرؤوس، لإصدار الحكم بالتحريم.. إذ لو كان ذلك كافياً للزم أن نمنع من ذبح البقر والغنم أيضاً، لأن كثيراً من الناس يتألمون من مشاهدتها وهي تذبح.. كما أن علينا أن لا نقتل القاتل. وأن لا نجلد الزاني، أو أن نرجمه، وأن لا نرضى بقوله تعالى: {وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} سورة النور/ 2 فإن هناك الكثير من الناس يخافون، ويرهبون حالات كهذه، كما أن كثيرين منهم لا يرضون بالالتزام، ولا بإلزامهم بمثل هذه الأمور..

وفيما عدا ذلك، فإننا قد قلنا آنفاً: إنه لو كان فعل ذلك في بعض المواضع موجباً لصدود الناس عن التفكير بالإسلام، فلا بد من مراعاة حالهم، عملاً بالآية الشريفة: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}سورة النحل/ 125.

لكن ذلك لا يعني أن تشن حملة على كل من يريد ممارسة هذه الشعائر، بحيث تشمل هذه الحملة حتى المواضع التي ليس في ممارستها فيها أي محذور.

خادم الزهراء 23-Dec-2009 11:07 AM

خلاصة وتوضيح:

وختاماً نقول:إن مسألة العزاء والمواساة والجزع على الإمامالحسين [عليه السلام] وما يمثله من الحضور الدائم، لهذه الشخصية في الوجدان الإنساني، له أثر عظيم في دفع هذا الإنسان باتجاه العمل، والسير نحو الهدف الأسمى، الذي ضحى لأجله [عليه السلام] بكل ما لديه، وبأغلى ما يملك.

وله أثر عظيم أيضاً في ربط الإنسان عاطفياً، ووجدانياً، وإنسانياً بأهل البيت [عليهم السلام]، وتفاعله مع قضاياهم، وتسليمه لهم بكل وجوده، وبكل مشاعره وأحاسيسه، فيحزن لحزنهم، ويفرح لفرحهم..

وهل أعظم من واقعة كربلاء مناسبة يعبر فيها الإنسان عن هذا الارتباط، وتلك العلاقة بهم [عليهم السلام]؟

وقد يكون التعبير عن هذا الحزن والجزع بأشكال وطرق مختلفة، يظهر من خلالها ذلك الشعور الإنساني، الفطري، المرتكز إلى قداسة الأهداف، والى مقام من ضحى من أجلها، ومعرفة منازل كرامته، وقداسة شخصيته، وحساسية موقعه من هذا الدين.

وقد جاءت الأوامر الشرعية لتعطي الإنسان فسحة ومجالاً واسعاً، من خلال تسجيل الأمر بإقامة العزاء على عناوين عامة، مثل: «أحيوا أمرنا رحم الله من أحيا أمرنا».

حيث تركت لكل إنسان، الحرية في اختيار الأسلوب والطريقة التي تناسبه، بشرط أن يكون ذلك وفق أحكام الشرع، وحيث لا يصاحب ذلك أية مخالفة أو إساءة، فإنه لا يطاع الله من حيث يعصى..

فالإنسان هو الذي يختار، كل حسب حاله، وظرفه، وخصوصيته.

فأحياها الشاعر بشعره.

وأحياها الأديب بنثره.

وأحياها ثالث بإقامة مجالس العزاء.

ورابع آثر أن يسقي الناس الماء، ليذكرهم بعطش الحسين [عليه السلام].

وخامس علق قطعة سوداء على الطريق العام.

وسادس نظم مسيرة تحمل فيها الشموع في ليالي عاشوراء.

وهكذا.. تستمر قائمة وسائل التعبير تتنامى وتتكاثر باطراد..

وكان منها تنظيم المواكب مِن قِبَل مَن آثر أن يعظم شعائر الله، ويحيي أمرهم صلوات الله وسلامه عليهم، بطريقة جرح رأسه بآلة حادة, أو آثر ضرب ظهره بالسلاسل، أو اللطم في المواكب والمجالس.

وقد حاول كثير من المخالفين لأصل إحياء ذكرى عاشوراء، تهجينها، والتنفير منها، وأثيرت مؤخراً أسئلة حول هذه الموضوعات الأخيرة، وبذلت محاولات جادة أيضاً لتهجينها، والتنفير منها، والتشكيك بمشروعيتها، رغم وجود فتاوى لأكثر مراجع الأمة في هذه العصور المتأخرة بالمشروعية..

وإذا كان ثمة من تحفظ، فإنما هو في الموارد التي يلزم فيها عكس ما قصد منها.. كالموارد التي تؤدي إلى صد الناس عن الحق.. وتضييع فرصة الهداية عليهم..

واللافت هنا، ما تظهره لنا شاشات التلفزة في هذه الأيام، من ممارسة المسيحيين لأساليب حادة جداً للتعبير في هذا المجال، إلى حد دق المسامير في أيديهم، وهم على الصليب، لمواساة النبي المسيح عليه السلام، فيما يعتقدون أنه جرى عليه، هذا عدا عن حملهم الصليب مسافات طويلة على الظهر، تعبيراً عن الآلام!!

ولم نجد أحداً ثارت ثائرته، فرماهم بالتخلف، وبالخرافية، ولم يعترض ولم يخجل أحد من أتباع تلك الديانة من عرض تلك المشاهد على شاشات التلفاز..

فلماذا نستسلم نحن لحملات التشنيع المغرضة على عاشوراء، والتي تأتينا من جهات حاقدة ومغرضة من غربيين وغيرهم، ممن يعادون عاشوراء، ويعملون على إخماد جذوتها، وإطفاء نورها، ويأبى الله إلا أن يتم نوره، ويتم حجته، وينصر دينه وأولياءه..

وبعد أن ظهر أنه لا مشكلة في أن يجرح الإنسان رأسه، لغرض عقلائي شخصي، دنيوي، وأنه ليس حراماً ذاتاً، ولا هو قبيح عقلاً.. دون ما لم يكن له أي غرض أصلاً, كأن يكون لأجل العبث واللعب مثلاً..

بعد أن ظهر هذا وسواه، مما تقدم في ثنايا هذا البحث، نقول:
أي غرض أعظم، وأسمى وأشرف، من إحياء أمرهم [عليهم السلام]، إذا كانت هذه المراسم موجبة لعز الدين، وتثبت اليقين.. وفي المواضع الخالية من خطر التوهين، والصد عن سبيل الهداية، وليس فيها أي أثر لإثارة الذعر في النفوس، وإخافتهم، وجعلهم يهربون من هذا الدين، مع أن اللازم هو مراعاة حالهم، والرفق بهم، على قاعدة: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ}..

خادم الزهراء 23-Dec-2009 11:11 AM

إعادة.. وإفادة:

ونعود فنلخص بعض ما تقدم على النحو التالي:
إنه تارة يكون تعظيم الشعائر بالوسائل والكيفيات التي قررها الشارع مباشرة، وأخرى يكون الأمر الشرعي متعلقاً بعنوان عام، وقد تركأمر الوسائل والتطبيقات لذلك العنوان، للناس أنفسهم ليبتكروها، كل حسب ظروفه، وطبيعة إمكانياته..

مثال ذلك:
لو أن الشارع أمرك بتعظيم والديك واحترامهما، فعنوان الاحترام هو المأمور به، وأنت الذي تختار، أو تخترع وسيلة ذلك، فتكرمهما بالهدية تارة، وبتقبيلاليدين أخرى، وبإجلاسهما في صدر المجلس ثالثة، وهكذا..

وكذلك حين أمرك بالتحية، فقد تكون تحيتك بالسلام، أو برفع اليد، أو بكلمة مرحباً، أو صباح الخير، أو يوم سعيد، أو برفع القبعة، أو بالتحية العسكرية، أو بضم اليدين مع انحناءة يسيرة، وما إلى ذلك.

وكذلك الحال إذا أمرك بإحياء أمر الحسين [عليه السلام]..

فتارةً يحدد لك هو الوسيلة، كالزيارة، والاغتسال لها، وعقد مجالس العزاء، ونحو ذلك. فلا بد أن تفعل نفس ما أمرك به. ولو أن العالم كله غضب واستاء لذلك، فإن غضبهم واستيائهم لا يعنيك، ولا يمنعك منه احتقارهم، واستهزاؤهم، وشتمهم وأذاهم، وحتى قتالهم لك، لأن الله قد حدد الطريقة، فوجب القيام بها كما أمر سبحانه..

ولهذا فنحن لا نصغي لأي انتقاد منهم لصلاتنا، أو لحجنا، أو لملايين الأضاحي التي نذبحها قرباناً في كل سنة في موسم الحج، أو لرمي الجمرات، أو للطواف، أو غير ذلك..

وتارة يعطي لنا نحن الدور والخيار في اختيار الأسلوب والوسيلة، كما هو الحال في الأوامر الشرعية بتعظيم شعائر الله وإحياء أمرهم [عليهم السلام]..


وفي هذه الحال نقول: إننا قد نوفِّق فيما نختاره من أساليب، وتطبيقات لتلك العناوين، وقد لا يحالفنا التوفيق في ذلك.. بأن كانت بعض المفردات التي نختارها تسيء إلى الهدف، ولا تعطي النتيجة المرجوة أصلاً، أو أنها تعطي النتيجة في هذا المكان، ولا تعطيها في ذلك المكان، أو في هذا الزمان دون ذلك الزمان.

فالأمر إذن بالنسبة إلى اختيار الأسلوب والوسيلة يكون متوقفاً على النتيجة، وما يترتب عليها، لا على نفس العمل من حيث هو..

وعلى هذا نقول: إن موضوع جرح الرؤوس، وضرب الظهور بالسلاسل، قد يختلف الحكم فيه بحسب الأحوال، والأزمان، والأمكنة، فيكون مورداً للأحكام الشرعية الخمسة: «الإباحة، والوجوب، والاستحباب، والكراهة، والحرمة».

فقد يكون هذا العمل مستحباً هنا، ومكروهاً هناك، وقد يكون واجباً هنا، ومحرماً هناك.

والحمد لله، وصلاته وسلامه على عباده الذين اصطفى محمد وآله الطاهرين..

خادم الزهراء 23-Dec-2009 11:14 AM

كلمة أخيرة:

وقبل أن نودع القارئ الكريم، شاكرين له ثقته، ومقدِّرين له صبره، وتحمُّلهمعاناة قراءة هذا البحث.. فإننا نسأل اللهأن يوفقنا وإياه للسير على هدى أئمتنا [عليهم السلام]، وأن يجعل عواقب أمورنا خيراً، وأن لا يخرجنا من الدنيا حتى يرضى عنا، إنه خير مأمول، وأكرم مسؤول..

والحمد لله، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين..

آية الله السيد جعفر مرتضى العاملي


الساعة الآن »03:14 PM.

المواضيع والمشاركات التي تطرح في منتديات موقع الميزان لا تعبر عن رأي المنتدى وإنما تعبر عن رأي كاتبيها فقط
إدارة موقع الميزان
Powered by vBulletin Copyright © 2017 vBulletin Solutions, Inc