![]() |
بين الغلو والاستخفاف والتفريط !
بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين بمناسبة قرب حلول شهر محرم الحرام أقدم لكم موضوعاً على حلقات بعنوان : بين الغلو والاستخفاف والتفريط الحلقة الأولى ... في بحثنا عن مفهوم الغلو لغةً ، نجد جميع المعاجم تمحور المفهوم حول تجاوز الحد ، فتجاوز الحد إثباتاً يسمى غلواً ، وتجاوزه نفياً يسمى تفريطاً . ولقد تحدث القرآن المجيد عن الغلو في آيتين كريمتين ، الأولى وهي قوله تعالى في سورة المائدة (77) : " بسم الله الرحمن الرحيم ، قل يا أهلَ الكتاب لا تَغْلُوا في دينكُم غيرَ الحق ، ولا تَتَّبِعوا أهواءَ قومٍ قد ضَلُّوا من قبلُ وأَضَلُّوا كثيراً وضَلُّوا عن سواءِ السبيل " . والثانية تحدثت عن الثليث ، وما تبعه من عقائد تتعلق بالسيد المسيح (ع) ، وهي قوله تعالى في سورة النساء (171) : " يا أهل الكتاب لا تَغْلُوا في دينكم ، ولا تقولوا على الله إلا الحقَّ ، إنما المسيحُ عيسى ابنُ مريمَ رسولُ الله وكَلِمَتُهُ ألقاها إلى مريمَ ، ورُوحٌ مِنهُ ، فآمنوا بالله ورُسُلِه ، ولا تقولوا ثلاثةٌ ، انتَهُوا خيراً لكم ، إنما اللهُ إلهٌ واحدٌ سبحانه أن يكون له ولد ، له ما في السموات وما في الأرض وكفى بالله وكيلاً " . والغلو في الآيتين هو القول على الله غيرَ الحق ، بأن ننسب له أشياءَ تمسُّ بوحدانيته وكنهه كالبنوة والتثليث ، لذلك طالبت الآية الثانية أهلَ الكتاب للخروج من الغلو أن يؤمنوا بالله ورسله ، وأن الله واحد وليس له ولد . في حين أشارت نفس الآية إلى أن عيسى (ع) هو كلمة الله وروح منه ، ولو كان في هذا الانتساب إشكال لما صرح به القرآن ، في وقت كان يدحض فيه أفكار الغلو ، فالقرآن لم يحتط في ذلك الوصف البعيد عن الفهم المادي للنسبة ، ولكن وضع حداً فاصلاً بين الحق والباطل ، وتجاوُزُه هو الغلو ، وهذا الحد هو الإيمان بالله الواحد ورسوله ، فمنبع الغلو هو المساس بالوحدانية ابتداء ، ثم تجييرُ المعتقدات من البشرية الرسولية إلى الربانية الآلهية . وأهل البيت (ع) حذرونا من الغلو فيهم ، كغلو أهل الكتاب ، في أحاديثَ عديدةٍ مُوْضِحين ذلك الحدَّ الفاصل . يقول الإمام علي (ع) : " إياكم والغلوَ فينا ، قولوا : إنا عبيد مربوبون ، وقولوا في فضلنا ما شئتم " . ( البحار – ج25ص270 ) . ويقول أمير المؤمنين (ع) : " لا تتجاوزوا بنا العبودية ، ثم قولوا ما شئتم ، وإياكم والغلوَ كغلو النصارى ، فإني بريء من الغالين " . ( البحار -25ص270 ) . |
اللهم صل على محمد وآل محمد سلمت يمناك عزيزي على الموضوع المميز والسطور المتألقة. للأسف إلى الآن يوجد مسلمون أو شيعة يخطؤون في تعريف (الغلو). مثلا بعضهم يقول: الغلو : هو أن ننسب أحد صفات الله تعالى أو أحد أفعاله سبحانه إلى أحد من خلقه. وهذا التعريف لو دققنا فيه جيدا لوجدناه بعيدا عن الصواب. لأن القرآن الكريم هو أول من نسب بعض الأفعال الإلهية إلى بعض العباد كما نسب القرآن الكريم إحياء الموتى إلى نبينا عيسى على نبينا وآله وعليه أفضل الصلاة والسلام. ولست الآن بصدد ذكر الشواهد القرآنية وإلا فالكثير يوجد في القرآن الكريم. لكن تعريفكم يا عزيزي وجدته دقيقا وصحيحا ؛ طبق الآيات القرآنية والأحاديث الشريفة. بانتظار مواضيعكم المميزة. أخوكم: شعاع المقامات |
بسمه تعالى
اللهم صل على محمد واله اقتباس:
اقتباس:
ساتابع معكم واتمنى من الاخوة جميعا فالطرح جدامفيد لاسيما في الحوار والنقاش |
بين الغلو والاستخفاف والتفريط (2)
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين بين الغلو والاستخفاف والتفريط الحلقة الثانية .. تمر علينا هذه الأيام دعواتٌ ترفع كلمةَ غلوٍ سيفاً يقارع كلَّ فضيلةٍ أو منقبةٍ لأهل البيت والأئمةِ الطاهرين (ع) ، أو سهماً يُسدد دائماً في وجه المتمسكين بخط الولاية ، وللأسف فإن بعض السهام يوجهها أناسٌ وُلِدوا ودرجوا في البيت الشيعي ، ولقد استخدموا في دعواتِهم الاستخفافيةِ آلياتٍ تستند في أساسها إلى منطق واحد : فأنت إذا قلت أو نسبت شيئاً للرسول وآلِه أو لأي بشر كان ، وكان هذا الانتسابُ غيرُ موافق لأذهانهم القاصرةِ والمتباينةِ يدعونه غلواً . وهذه الدعوات – على أحسن حالها – لا تعتمد تعريفاً ثابتاً ومحدداً للغلو ، يجعله بين قوسين ، وفي حال تجاوز القوسين يصبح الإنسانُ إما مغالياً أو مستخفاً ومُفَرِّطاً في اعتقاده . وأساس سوء الفهم لفكرة الغلو هو سوء فهم أو إحاطة بجوهر الغلو وهو الذات القدسية لله تعالى ، بمعنى أن مشكلة هذه التيارات هي مع مفهوم التوحيد وليس مع الروايات أو أصحابِها ورجالِها وكلماتِها وأدلتِها العقليةِ والنقليةِ ( طبعاً إذا اقتنعنا أن الاعتراضاتِ المطروحةَ اعتراضاتٌ علميةٌ لا تعنتيةٌ أو جاحدةٌ أو مغرضةٌ ) ... فمحور الإشكالية العقيدية من غلو أو إلحاد أو إشراك هو مفهوم التوحيد ، الأصل الأول من أصول الدين الخمسة ، والتي لا يقبل عمل أو عبادة دون أن يكون منضوياً تحت الإيمان العقلي بها ... ما الذي يجعلنا نختزل الحالةَ ونعلِقُها بالتوحيد حصراً ؟ إنَّ تكامل الدين بكلِّ تفاصيله ينطلق من جوهرٍ واحدٍ هو توحيدُ الله ، يقول الإمام علي (ع) : " أول الدين معرفته ، وكمالُ معرفته التصديقُ به ، وكمال التصديق به توحيدُه " ، وكلُّ انتقاصٍ أو قصور عن فهم التوحيد يُعرض هذا الكمالَ إلى الشبهة والضلالة ، وعقيدةُ التوحيد تقوم على أن الله واحدٌ لا يتجزأ ولا يتعدد ، وأنَّ له صفاتٍ وأسماء ، وأن علينا أن لا نغوصَ في معرفة ذاتِ الله فهذا محال ، ولكن أن نستشفَ آلائَه ، ونتدبر آياتِه ، وهذا المبحث مبحث طويل وعميق وقد كتب عنه أهله ما يجلي الصورة ويقربها إلى الأذهان . وتوحيدُ الله يُختصر في وصف الله لنفسِه الجليلةِ في قوله في سورة الشورى (11) : " ليس كمثله شيء " ، فكل شيء مهما علا شأنُه أو نُسبت إليه المعجزاتُ ، أو اختصته الآياتُ والأحاديثُ بصفاتٍ وقدراتٍ فائقةٍ ، لا يدركها العقلُ القاصر ، أو كلُّ ما يغيبُ كنهُه عن إدراكِ الحواس فهو غيرُ الله ، لأن الله ليس كمثله شيء ، وهذا هو الحدُّ الفاصل بين كل ما هو غلو أو عدمه ، وهذا هو التوحيدُ بأبسط أشكاله ، فالله في جانب وباقي الموجوداتِ والمخلوقاتِ والأشياء في جانب آخر ، حتى ولو كانت تُحيي وتُميت ، وتشفي المرضى ، وتنقل القصورَ بطرفة عين ، وترفعُ الجبال فوق الرؤوس ، وتقطعُ يدَ فلان وتصلُها ، وتقسمُ الشجرةَ وتُحركها ، أو كان صاحبُها حبيبَ الله أو كليمَه أو خليلَه أو روحَه أو يدَه أو وجهَه أو نورَه أو ولِّيَه ، أو أنه صار قاب قوسين أو أدنى ، أو أن حسابَ الناس بيده ، وإيابَهم إليه ، أو سُيِّرت له الرياحُ والجبال ، أو تعلقَ إيمانُ الناس بالإيمان به ، أو أنَّ علمَه لدنيٌ ، أو أنه تعلمَ علومَ الغيب . وإن عدم فهمنا لكنه الملائكة والوحي والجن والشياطين ولآلية عذاب القبر وعوالم البرزخ أو استيعابنا لعالم الآخرة من جنة ونار وثواب وعقاب وكل ما يدخل في عالم الغيب _ مع وجوب الإيمان التام به _ لا يجعلنا نخلط بين هذه العوالم غير المحسوسة ، وغير المدرَكة بأفهامنا المحدودة وبين عالم الذات المقدسة الجليلة ، بحيث نُتَّهَم بأننا نغالي إذا آمنا بها وبما نسب إليها مما يفوق قدراتنا التصورية . فكلُّ هذه المظاهرِ والصفاتِ والأشكالِ هي في ساحة الممكنات ، والتي هي ليست ساحةَ الله ، ساحةَ الواجب الوجود . يقول أحد الشعراء ( والشعر مترجم عن الفارسية ) : " الفرق بين أحمدَ وأحد هو هذه الميم ، ولكن كلَّ العالم قد غرق في هذه الميم ، وهذه الميمُ هي ميمُ الممكنات " . إننا وقبل مناقشة أية فكرة تختص بعالم الغيب أو عالم المعجزات أو عالم القدرات الفائقة لبعض البشر ، أو عالم الإمكانات والطاقات التكوينية لهم ، ولسائر الروايات المتحدثة عن مكانتهم وفضائلهم ، لابد وأن نكون قد أنهينا الخوض في مفهوم التوحيد ومتعلقاته ، ووضعنا تحته خطاً أحمر واضح الجلاء ، وبعده ننتقل إلى مناقشة أية فكرة أو رواية تندرج تحت تلك العناوين مناقشة العالم لا الجاهل ، المبنية على أسس علم الحديث المعروفة ، بعيداً عن الجحود والإنكار . إنَّ كلَّ الذين يرفضون تلك العناوين والروايات بحجج مختلفة يجمعها مفهوم الغلوِّ بنظرهم ، قد وضعوا وفق تصوراتِهم تعريفاً ضيقاً ومحدوداً للذاتِ المقدسة ، الأمرُ الذي يجعلُهم يقفون أمام تلك الرواياتِ مشدوهي الفكر ، متحيري العقل ، فكيف نطابق بين فكرةٍ كبيرة وتعريفٍ صغير ، هذا الثوبُ لا ينسجم مع هذا البدن ، وهنا يُحيلون الأمرَ إلى إشكاليةِ الغلو ، هروباً من تخاذلِ أذهانهم أمام ضخامة الروايةِ أو المعتقد ... لكن لو اتسع تعريفُهم إلى اللانهايات غيرِ الحسية ، ولو تجاوزَ المفاهيمَ اللغويةَ التعبيريةَ لوجدوا أن لا تضادَّ بين أن نؤمنَ بالله الذي ليس كمثله شيء ، ونُسَلِم بكلَّ ما هو غيرِ ذلك مما لا يدخل في حيز الإدراك ... ولتقريب الفكرة سأطرح عدةَ أمورٍ نتقبلُها في حياتنا ولو أتانا شخصٌ لم يسمعْ بالإسلام ولا بالنبوةِ ولا بالقرآن ( طبعاً أصحابنا عندما يتحدث القرآن يسكتون صاغرين والهمهمات تعتلج صدورهم دون أن يستطيعوا تعليقاً ) ولا بأيةِ روايةٍ وتُطرحُ عليه نفسُ الأمورِ التي سأطرحها عليكم ويُحلِّلُها بنفس منهجِ أصحابنا فسيُفاجأ تماماً مثلما يتفَاجَأ أصحابُ ذلك المنهج ، ومن تلك الأمور : ......... يتبع ... |
بين الغلو والاستخفاف والتفريط(3)
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين بين الغلو والاستخفاف والتفريط الحلقة الثالثة . ولتقريب الفكرة سأطرح عدةَ أمورٍ نتقبلُها في حياتنا ولو أتانا شخصٌ لم يسمعْ بالإسلام ولا بالنبوةِ ولا بالقرآن ( طبعاً أصحابنا عندما يتحدث القرآن يسكتون صاغرين والهمهمات تعتلج صدورهم دون أن يستطيعوا تعليقاً ) ولا بأيةِ روايةٍ وتُطرحُ عليه نفسُ الأمورِ التي سأطرحها عليكم ويُحلِّلُها بنفس منهجِ أصحابنا فسيُفاجأ تماماً مثلما يتفَاجَأ أصحابُ ذلك المنهج ، ومن تلك الأمور : أولاً – الشهادةُ الثانية في الإسلام : من المُجمَع عليه عند أهلِ الإسلام بجميع مذاهبه أن لا إسلامَ بلا قولِ الشهادة الثانية " أشهدُ أن محمداً رسولُ الله " ، بعد الشهادة الأولى " أشهد ألا إله إلا الله " . كيف نقبل ونحن نؤمن بالله العظيم بكل أسمائه الحسنى وبكل آلائِه المنظورةِ وغيرِ المنظورة ، كيف نقبلُ أن يُقرنَ إيمانُنا به ويُشترَطُ لصحتِه إيمانُنا بمخلوقٍ من مخلوقاته . بمعنى هل يتطابقُ في حيِّز الإيمانِ مفهوما الإيمانِ بالخالق والإيمانِ بالمخلوق ، أليس من الغلو أن نرفعَ مقامَ هذا المخلوقِ إلى الدرجةِ التي يُصبح الإيمانُ بالله متعلقاً تماماً بالإيمان به ... ولا يكفي الإيمان بأنه رسول الله ، ولكن علينا أن نحبه أكثر من حبِّنا لآي أحدٍ في الدنيا ، ورد في البخاري ، عن أنس قال ، قال النبي (ص) : " لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحبَّ إليه من والده وولده والناس أجمعين " ( حديث رقم 14 ) . ... يتبع .. |
اللهم صل على محمد وآل محمد اقتباس:
لأنها حقيقة في الصميم. أنت تشوقنا أكثر إلى هذا الإبداع والتدقيق وتجعلنا نحلّق معك بقلوبنا. زادكم الله في خدمة آل محمد صلوات الله عليهم أجمعين. أخوك: شعاع المقامات |
اقتباس:
|
بين الغلو والاستخفاف والتفريط(4)
بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين بين الغلو والاستخفاف والتفريط الحلقة الرابعة : ثانياً – الصلاةُ على محمد وآل محمد : قال تعالى في سورة الأحزاب (56) : " إن اللهَ وملائكتَه يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً " ، وهذه الصلاة تستلزمنا الوقوف عند ثلاثة أنواع لها : صلاة الله على نبيه ، وصلاة ملائكته ، وصلاة المؤمنين عليه . وعن الإمام الصادق (ع) في تفسيره للآية السابقة : " صلاة الله رحمة ، وصلاة ملائكته تزكية ، ومن الناس الدعاء " ( البحار – ج 94 ص 55 رواية 27 باب 29 ) ، ورد في البخاري بصيغة أخرى ) . ومن اللطيف أن نتنبه إلى إشارة عظيمة في القرآن الكريم وهي أن الله تعالى لم يأمر ولم يذكر الصلاة على أحد من الأنبياء (ع) في القرآن فقال : " سلام على نوح ، سلام على إبراهيم ، سلام على موسى وهارون ، وسلام على نوح ... " وبالمقابل لم يذكر السلام على آل أحد من الأنبياء سوى على آل محمد المعصومين المطهرين حين قال : " سلام على آل يس " . وقد ورد في فضل الصلاة على محمد وآل محمد أحاديث كثيرة منها : قال رسول الله (ص) : " من صلى علي مرة صلى الله عليه عشراً ، ومن صلى علي عشراً صلى الله عليه مائة مرة ، ومن صلى عليَّ مائة مرة صلى الله عليه ألف مرة ، ومن صلى علي ألف مرة لا يعذبه الله في النار أبداً " . ( البحار – ج 94 ص 63 رواية 52 باب 29 ) ، ( ورد الحديث في البخاري بصيغة أخرى ) وقال رسول الله (ص) : " أكثروا من الصلاة علي يوم الجمعة ، فإنه يوم يضاعف فيه الأعمال ... " ( البحار – ج 94 ص 65 رواية 52 باب 29 ) . وعن الرضا (ع) : " من لم يقدر على ما يكفر به ذنوبه ، فليكثر من الصلاة على محمد وآله ، فإنها تهدم الذنوب هدماً " ( البحار – ج 94 ص 47 رواية 2 باب 29 ) . وعن الصادق (ع) : " ما من عمل يوم الجمعة أفضل من الصلاة على محمد وآله " ( البحار – ج 94 ص 50 رواية 12 باب 29 ) . وعن جابر بن عبد الله عن النبي (ص) قال : " من ذكرني فلم يصل عليَّ فقد شقي ، ومن أدرك أبويه أو أحدهما فلم يبرَّ فقد شقي " ( البحار – ج 94 ص 63 رواية 52 باب 29 ) . وفي كل صلاة واجبة والتي هي عمودُ الدين والتي هي إن قبلت قبل ما سواها ، وإن رُدَّت ردَّ ما سواها ؛ يجبُ ذكرُ اسم محمدٍ وآله ، فعبادةُ الخالق لا تصحُّ إلا بذكرِ محمدٍ وآلِه العبادِ المخلوقين ، كيف يكون ذلك ؟ أليس في هذا التلازمِ غلواً أيها المتشككون ؟ ... ورد في البخاري في باب الصلاة على محمد في الصلاة ، بسند طويل ( حديث 3119 ) " ... فقال : ألا أُهدي لك هديةً سمعتها من النبي (ص) فقلت بلى فأهدها لي فقال سألنا رسول الله (ص) فقلنا يا رسول الله كيف الصلاةُ عليكم أهلَ البيت فإن الله قد علمنا كيف نسلم عليكم قال قولوا اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد ، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد" . وورد في سنن ابن ماجه ( حديث رقم 896 ) " عن عبد الله بن مسعود أنه قال : إذا صليتم على رسول الله (ص) فأحسنوا الصلاة عليه ، فإنكم لا تدرون لعل ذلك يعرض عليه ، قال : فقالوا له فعلمنا ، قال : قولوا ، اللهم اجعل صلاتك ورحمتك وبركاتك على سيد المرسلين وإمام المتقين وخاتم النبيين محمد عبدك ورسولك إمام الخير وقائد الخير ورسول الرحمة اللهم ابعثه مقاماً محموداً يغبطه به الأولون والآخرون ، اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد ... " . وورد في سنن أبي داود ( حديث رقم 1208 ) " عن أوس بن أوس قال : قال النبي (ص) : إن من أفضل أيامكم يوم الجمعة فأكثروا عليَّ من الصلاة فيه فإن صلاتكم معروضة عليَّ ، قال : فقالوا يا رسول الله وكيف تعرض صلاتنا عليك وقد أرمت ، قال : يقولون بليت ، قال : إن الله تبارك وتعالى حرَّم على الأرض أجساد الأنبياء صلى الله عليهم " . إن النبوةَ والإمامةَ هما الأصلانِ الثاني والثالث من أصول الدين ، و التي لا يُقبل عملٌ ولا إيمانٌ دونهما ، وسيدنا محمد حبيبُ الله وخاتُم رسله ، وآلُه الأكرمون هم الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً ، وعندما يضع الله رسالتَه بين أيديهم فهو يعرفُهم حقَّ المعرفة ، ويعرفُ أين يضع أمانتَه ، وأنها بين يدي عبادٍ سيوصلونها إلى الناس على أتمِ وأكملِ وأمثلِ طريقة ، لا يحيدون عنها ولا يُخادعون فيها ، ولا يُدخلونهم في مدخلات الضلالة ، وعندما يكون النبيُ وآلُه مقرونٌ الإيمانُ بهم بالإيمان بالله ، فتلك حكمةٌ وتقديرٌ من عزيز حكيم وفضيلةٌ ومقامٌ فوق تصور البشر وعقولهم ، وعندما يهب الله هؤلاء المخلوقين تلك المكانةَ ولا يحجبُ عنهم أيَّ شيء يريدونه من علمٍ أو قوةٍ أو غيبٍ أو تحكمٍ بالأكوان فهو عطاءٌ من متفضل إلى أفضل الفاضلين ... قال أمير المؤمنين (ع) : " أنا أمير كل مؤمن ومؤمنة ، ممن مضى ، وممن بقي ، وأيدت بروح العظمة ، وإنما أنا عبد من عبيد الله ، لا تسمونا أرباباً ، وقولوا في فضلنا ما شئتم ، فإنكم لن تبلغوا من فضلنا كنه ما جعله الله لنا ، ولا معشار العشر ، لأنّا آيات الله ودلائله ، وحجج الله وخلفاؤه وأمناؤه وأئمته ، ووجه الله وعين الله ولسان الله ، بنا يعذب الله عباده وبنا يثيب ، ومن بين خلقه طهرنا واختارنا واصطفانا ، ولو قال قائل : لم وكيف وفيم كفر وأشرك ، لأنه لا يسأل عما يفعل وهم يسألون " ( البحار ج26 ص6 ) . وقال أمير المؤمنين (ع) : " نحن إذا شئنا شاء الله ، وإذا كرهنا كره الله ، الويل كل الويل لمن أنكر فضلنا وخصوصيتنا وما أعطانا الله ربنا ، لأن من أنكر شيئاً مما أعطانا الله فقد أنكر قدرة الله عز وجل ، ومشيئته فينا " ( البحارج26ص6 + التوحيد ص204 ) . ورد في مسند أحمد ( حديث 3477 ) قال : " قال عبد الله بن سلمة : أوتي نبيكم مفاتيح كل شيء غير خمس ( إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام وما تدري نفس ماذا تكسب غداً وما تدري نفس بأي أرض تموت إن الله عليم خبير ) " . وبعد هذا إذا صرح الإمام علي (ع) بأن حبيبه رسول الله والذي أوتي مفاتيح كل شيء ، علمه ألف باب ، يفتح له من كل باب ألف باب ، يكون في الأمر مغالاة ... |
بين الغلو والاستخفاف والتفريط (5)
بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين بين الغلو والاستخفاف والتفريط الحلقة الخامسة : ثالثاً – الصلاة على المؤمنين : قد يدعي البعض ويجارينا في الكلام أن تلك المكانة قد اختص بها آل البيت ، من حيث الصلاة والسلام عليهم ، وهذه المكانة لا تكون إلا لنبي أو آل بيته ، لكن القرآن والأحاديث ورد فيها أن الله يصلي على عباد آخرين ، يقول الله تعالى في سورة الأحزاب ( 43 ) : " هو الذي يصلي عليكم وملائكته ليخرجكم من الظلمات إلى النور " . وورد في سنن الترمذي ، قال رسول الله (ص) : " إن الله وملائكته وأهل السموات والأرضين حتى النملة في جحرها وحتى الحوت ليصلون على مُعلم الناسَ الخير " . ( حديث رقم 2609 ) . فهل لنا أن نتصور هذه المكانة للمؤمنين بشكل عام ، ولمعلمي الخير ، وبالطبع إذا كانت هذه حال المؤمنين العاديين ، فأولى أن تكون منابع الخير على رأس من تصلي عليهم كل المخلوقات والجمادات في السماء والأرض ، بعد رب العزة وملائكته ... |
بسم الله الرحمن الرحيم الحمدالله رب العالمين والصلاة على محمد وآله الطاهرين واللعن الدائم على أعدائهم أجمعين ... طرح قّيّم ... ونقاط جوهرية .. ولن نقل لم وكيف وفيم ، لأنه لا يسأل عما يفعل وهم يسألون وإلا سنكون من المشركين .. متابعين الطرح إلى النهاية شكراا أخي الكريم |
بين الغلو والاستخفاف والتفريط (6)
بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين بين الغلو والاستخفاف والتفريط الحلقة السادسة . ثالثاً – حرمة المؤمن : ورد في الحديث الشريف أن النبي (ص) قال : " المؤمن أكرم على الله من ملائكته المقربين " . ( كنز العمال ج1ص164، البحار ج68ص16 ) ، وعن الإمام الصادق (ع) : " ليأذن بحرب مني من آذى عبدي المؤمن " ، وعن الإمام الصادق (ع) : " المؤمن أعظم حرمة من الكعبة" ( البحار ج68ص16 ) ، وقد ورد في سنن ابن ماجه ، حدَّثنا عبد الله بن عمر قال : رأيت رسول الله (ص) يطوف بالكعبة ويقول : " ما أطيبك وأطيب ريحك ، ما أعظمك واعظم حرمتك ، والذي نفس محمد بيده لحرمة المؤمن أعظم عند الله حرمة منك مالِه ودمِه وأن نظن به إلا خيراً " .( حديث رقم 3922 ) . فصلاتنا وحجنا متعلقان بالطواف والتوجه إلى تلك الحجارة ، والمؤمن أعظم حرمة منها . أليس في تعظيم الكعبة أعزها الله وربطِها بعبادتين عظيمتين غلوٌ وابتعادٌ عن منهج التواصل مع الله الغنيِّ عن كل أشكال العبادة ، أم أننا لا نستطيع أن نعبد الله إلا وفق ما رسمه هو لنا ، وبالشكل الذي آتانا به نبيُّ الرحمة ، وفوق كلِّ هذا كيف يستوي في فهمنا تعظيم المؤمن عليها ، هذا المؤمن الذي جاء في الحديث الشريف عن رسول الله (ص) أنه قال : " قال الله ما تحبب إلي عبدي بشيء أحب إليَّ مما افترضته عليه ، وإنه ليتحبب إليَّ بالنافلة حتى أحبه ، فإذا أحببته كنت سمعَه الذي يسمع به ، وبصرَه الذي يُبصر به ، ولسانَه الذي ينطق به ، ويدَه التي يبطش بها ، ورجلَه التي يمشي بها ، إذا دعاني أجبته ، وإذا سألني أعطيته " . ( البحار ج70ص22 ) . وقد ورد هذا الحديث في البخاري بصيغة أخرى ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله (ص) : " إن الله قال من عادى لي وليَّاً فقد آذنته بالحرب ، وما تقرب إليَّ عبدي بشيء أحبَّ إليَّ مما افترضته عليه ، وما يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبه ، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها ، وإن سألني لأعطينَّه ولئن استعاذني لأعيذنَّه ، وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن نفس المؤمن يكره الموت وأنا أكره مساءته " . ( حديث رقم 6021 ) . وورد في الحديث القدسي : " يا ابن آدم أنا أقول للشيء كن فيكون ، أطعني فيما أمرتك أجعلك تقول للشيء كن فيكون" ( بحار ج93 ص 372 ) . والحديث عن المؤمن لا يقف عند هذه الحدود فقد ورد في سنن الترمذي عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله (ص) : " اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله ثم قرأ ( إن في ذلك لأيات للمتوسمين ) ، قال أبو عيس : للمتفرسين " . ( حديث رقم 3052 ) . وعن علي (ع) ، عن رسول الله (ص) : " قال الله إن من إعظام جلالي إكرام عبدي الذي أنلته حظاً من حطام الدنيا ؛ عبداً من عبادي مؤمناً قصرت يده في الدنيا ، فإن تكبر عليه فقد استخف بعظيم جلالي " ( بحار – ج 23 ص 266 رواية 12 باب 15 ) . لعل هذه المكانةَ هي من أعلى مراتب الغلو ، وإذا كانت هذه حال المؤمن العادي ، فما حال أمير المؤمنين ، وأئمتنا المعصومين ... |
بين الغلو والاستخفاف والتفريط(7)
بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين بين الغلو والاستخفاف والتفريط الحلقة السابعة . رابعاً – بر الوالدين : قال تعالى في سورة الإسراء (23) : " وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحساناً " وقال تعالى في سورة لقمان (4) : " أن اشكر لي ولوالديك " ، لقد قرن الله حقَّ الوالدين بحقِ نفسه ، وجاء في كنز العمال " الجنة تحت أقدام الأمهات" ( خ45439 ) ، وأحاديثُ الرسول من طرق أهل البيت (ع) وغير طرقهم عن بر الوالدين وعقوقهما كثيرة ، قال رسول الله (ص) : " رضا الله من رضا الوالدين ، وسخط الله من سخط الوالدين " ( البحار ج74ص80 ) ، وقد نقل الترمذي هذا الحديث بصيغة أخرى ، عن عبد الله بن عمر عن النبي (ص) قال : " رضى الرب في رضى الوالد ، وسخط الرب في سخط الوالد " (حديث رقم 1821) وقال رسول الله (ص) : " ما من ولدٍ بارٍ ينظر إلى والديه نظرَ رحمةٍ إلا كان له بكل نظرةٍ حجةٌ مبرورة " ( البحار ج74ص80 ) ولقد سأل رجلٌ رسولَ الله ما حقُّ الوالدين على وَلَدِهِما ، قال : " هما جنتُك ونارُك " ( الترغيب والتهذيب ج3ص316 ) ، وقد نقل هذا الحديث بحرفه ابن ماجه في سننه ( حديث رقم 3652 ) ، فكيف يتعلق رضا اللِه وسخطُه بهذين المخلوقين العاديين ، وتتعلق الجنة والنار بهما ، بحيث لا يدخل الجنةَ عاقٌّ لوالديه ولا يّشَمُّ ريَحها ، قال رسول الله (ص) : " إياكم وعقوق الوالدين فإن ريح الجنة توجد من مسيرة ألف عام ولا يجدها عاق ولا قاطع رحم ولا شيخ زان " ( البحار – ج 74 ص 61 رواية 27 باب 2 ) ، وعن الصادق (ع) : " أدنى العقوق أف ، ولو علم الله شيئاً أيسر منه وأهون منه لنهى عنه " ( بحار – ج 74 ص 61 رواية 27 باب 2 ) ، وعنه (ع) : " الذنوب التي تظلم الهواء عقوق الوالدين " ( بحار – ج 74 ص 74 رواية 62 باب 2 ) ، ألا يدخل هذا التعظيم في مراتب الغلو... |
بين الغلو والاستخفاف والتفريط(8)
بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين بين الغلو والاستخفاف والتفريط الحلقة الثامنة : خامساً – صلة الرحم : وقد ورد في مسلم ، عن عائشة قالت : قال رسول الله (ص) : " الرحم معلقة بالعرش ، تقول : من وصلني وصله الله ، ومن قطعني قطعه الله " . ( حديث رقم 4635 ) ولعلنا لو نقلنا هذا الحديث بتغيير بسيط فيه وقلنا أن رحم آل محمد معلقة بالعرش لقامت قائمة المفرطين ولاتهمونا بالغلو ، والابتعاد عن المنطق فكيف تتعلق الرحم بالعرش ... ، لكن الإمام الصادق يجيبنا بأن رحم آل محمد من تلك الرحم المعلقة بالعرش ، حيث يقول : " إن الرحم معلقة بالعرش ينادي يوم القيامة اللهم صِلْ من وصلني ، واقطع من قطعني ، فقلت : أهي رحم رسول الله (ص) ، فقال : بل رحم رسول الله (ص) منها ، وقال : إن الرحم تأتي يوم القيامة مثل كبة المدار وهو المغزل ، فمن أتاها واصلاً لها انتشرت له نوراً حتى يدخله الجنة ، ومن أتاها قاطعاً لها انقبضت عنه حتى يقذف به في النار " ( البحار – ج 7 ص 121 رواية 61 باب 5 ) ... والأحاديث عن صلة الرحم وأثرها وتعظيمها كثيرة نذكر منها : جاء رجل إلى رسول الله (ص) فقال له : أخبرني ما أفضل الإسلام ؟ فقال : " الإيمان بالله ، قال : ثم ماذا ؟ قال : صلة الرحم ، قال : ثم ماذا ؟ فقال : الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر " ( بحار – ج 74 ص 96 رواية 30 باب 3 ) . قال رسول الله (ص) : " صلة الرحم تهون الحساب وتقي ميتة السوء " ( بحار – ج 47 ص 163 رواية 3 باب 6 ) . قال الإمام الصادق (ع) : " إن صلة الرحم تهون الحساب يوم القيامة ، ثم قرأ ( يصلون ما أمر الله به أن يوصل ويخشون ربهم ويخافون سوء الحساب ) " ( بحار – ج 7 ص 273 رواية 43 باب 11 ) . وعن الإمام (ع) : " فإني أنا الله الرحمن الرحيم ، إني خلقتها فضلاً من رحمتي ، ليتعاطف بها العباد ، ولها عندي سلطان في معاد الآخرة ، وأنا قاطع من قطعها وواصل من وصلها ، وكذلك أفعل بمن ضيع أمري .... " ( بحار – ج 13 ص 334 رواية 13 باب 11 ) . قال أمير المؤمنين (ع) سمعت رسول الله (ص) يقول : " قال الله عز وجل أنا الرحمن وهي الرحم ، شققت لها اسماً من اسمي ، من وصلها وصله الرحمن ، ومن قطعها قطعه الرحمن ؛ فقيل يا أمير المؤمنين : حثَّ بهذا كل قوم على أن يُكرموا أقرباءهم ويصلوا أرحامهم ، فقال لهم : أيحثهم على أن يصلوا أرحام الكافرين ، وأن يعظموا من حقَّره الله ، وأوجب احتقاره من الكافرين ؛ قالوا : لا ، ولكنه يحثهم على صلة أرحامهم المؤمنين ، قال : فقال أوجب حقوق أرحامهم لاتصالهم بآبائهم وأمهاتهم ، قلت : بلى يا أخا رسول الله (ص) ؛ قال : فهم إذا يقضون فيهم حقوق الآباء والأمهات ، قلت : بلى يا أخا رسول الله (ص) ، قال : فآباؤهم وأمهاتهم غذوهم في الدنيا ، ووقوهم مكارهها ، وهي نعمة زائلة ، ومكروه ينقضي ، ورسول ربهم ساقهم إلى نعمة دائمة لا تنقضي ، ووقاهم مكروهاً مؤبداً لا يبيد ، فأي النعمتين أعظم ، قلت : نعمة رسول الله (ص) أجلُّ وأعظم وأكبر ؛ قال : فكيف يجوز أن يحثَّ على قضاء حقِّ من صغَّر الله حقَّه ، ولا يحث على قضاء حقِّ من كبَّر الله حقَّه ، قلت : لا يجوز ذلك ؛ قال : فإذا حق رسول الله (ص) أعظم من حقِّ الوالدين ، وحقُّ رحمه أيضاً أعظم من حقِّ رحمهما ، فرحم رسول الله (ص) أولى بالصلة ، وأعظم في القطيعة ، فالويل كل الويل لمن قطعها ، والويل كل الويل لمن لم يعظم حرمتها ؛ أو ما علمت أنَّ حرمة رحم رسول الله (ص) حرمة رسول الله (ص) ، وأن حرمة رسول الله (ص) حرمة الله ، وأن الله أعظم حقاً من كلِّ منعم سواه ، فإن كل منعم سواه إنما أنعم حيث قيَّضه له ذلك ربه ووفقه ، .... ثم قال أمير المؤمنين (ع) : إن الرحم التي اشتقها الله عز وجل بقوله أنا الرحمن هي رحم محمد (ص) ، وإن من إعظام الله إعظامُ محمد ، وإن من إعظام محمد إعظامُ رحم محمد ، وإن كل مؤمن ومؤمنة من شيعتنا هو من رحم محمد ، وإن إعظامهم من إعظام محمد ، فالويل لمن استخف بحرمة محمد ، وطوبى لمن عظَّمَ حرمته ، وأكرم رحمه ووصلها " ( بحار – ج 23 ص 266 رواية 12 باب 15 ) . |
بين الغلو والاستخفاف والتفريط(9)
[justify]
بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين [/justify] [/justify] [justify] بين الغلو والاستخفاف والتفريط الحلقة التاسعة . سادساً - النظر إلى بعض الأشياء عبادة : وردت أحاديث كثيرة في أن النظر إلى عدة أشياء عبادة منها : قال (ص) : " النظر في ثلاثة أشياء عبادة : النظر في وجه الوالدين ، وفي المصحف وفي البحر " ( بحار – ج 10 ص 368 ) . وقال (ص) : " النظر في وجه العالم عبادة " ( بحار – ج 1 ص 195 ) . وعن الإمام موسى بن جعفر (ع) عن آبائه (ع) قال ، قال رسول الله (ص) : " النظر في وجه العالم حباً له عبادة " ( بحار – ج 1 ص 205 ) . وعن الإمام الصادق (ع) عن لآبائه (ع) عن علي (ع) قال ، قال رسول الله (ص) : " النظر إلى العالم عبادة ، والنظر إلى الإمام المقسط عبادة ، والنظر إلى الوالدين برأفة ورحمة عبادة ، والنظر إلى الأخ تَوَدُّه في الله عز وجل عبادة " ( بحار – ج 38 ص 166 ) . وعن الإمام الرضا (ع) عن آبائه (ع) قال ، قال رسول الله (ص) : " مجالسة العلماء عبادة ، والنظر إلى علي (ع) عبادة ، والنظر إلى البيت عبادة ، والنظر إلى المصحف عبادة ، والنظر إلى الوالدين عبادة " ( بحار – ج 1 ص 204 ) . عن أبي عبد الله (ع) قال : " النظر إلى آل محمد عبادة " ( بحار – ج 26 ص 227 ) . وعن الإمام الرضا (ع) قال : " النظر إلى ذريتنا عبادة ، فقيل له يا ابن رسول الله : النظر إلى الأئمة منكم عبادة ، أم النظر إلى جميع ذرية النبي (ص) ؟ فقال : بل النظر إلى جميع ذرية النبي (ص) عبادة " ( بحار – ج 96 ص 218 ) . وهذا النظر مجرد النظر ، دون التفوه بعبارات تعبدية أو القيام بحركات معينة كما في الصلاة ، ودون التفكير في هدف النظر أو أبعاده أو نتائجه ( وإن كانت الأحاديث السابقة تستوجب منا الوقوف عند كل نوع منها وتحليله وفهم المغازي منه ) ، فليشرح لنا أصحاب المنهج الاستخفافي كيف يكون النظر إلى المخلوقات أو الجمادات عبادة لخالق تلك المخلوقات ، ولعل البعض سيتقبل كل أنواع النظر ، لكن بالتأكيد سيمتعض أشد الامتعاض إذا كان الحديث عن النظر إلى وجه علي وإلى آل البيت وذريتهم ؛ لأن كل تلك الأشياء المذكورة سابقاً لعلها في رأيهم أرفع وأجل مكانة عند الله من وجه علي ( حاشى وكلا ) ... [/justify] |
بين الغلو والاستخفاف والتفريط(10)
بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين بين الغلو والاستخفاف والتفريط الحلقة العاشرة : سابعاً – عبادات غريبة : قد يتصور البعض أن مفهوم العبادة هو التواصل مع الله تعالى مباشرة دون واسطة ، وهذا التصور ساذج ، لأن وسائل العبادة التي افترضها الله سواء ما كان واجباً أو مستحباً ؛ كثير منها يكون متعلقاً بأشخاص أو أمكنة أو أزمنة ، وبالتالي فإن مفهوم العبادة يتسع ليشمل مناحي لسنا بالمستوى الذي نستطيع أن نحلل قيمته أو عظمته ومكانته لدى الباري عز وجل سوى أنه هو الذي أمرنا بذلك لمعرفته وعلمه بقدر هذه الأشياء وسموِّها ، ومفهوم العبادة تتحكم فيه عوامل عدة نوجزها : الطريقة والكيفية ( صلوا كما رأيتموني أصلي ) ، الزمن ( يوميٌّ كالصلوات الخمس ، موسميٌّ كالحج والصيام ، متعلق بالحركة الكونية كصلاة الآيات والخوف ، متعلق بالقضاء والقدر كصلاة الميت ) ، العدد ( ركعتان للصبح ، ثلاثة للمغرب ، ركوع واحد وسجدتان في الصلاة ، الطواف والسعي سبع أشواط ، عدد حجارة الرجم .. ) ، المكان ( لا يمكن التوجه في الصلاة إلا نحو القبلة ، ولا يمكن الحج إلا في مكة ، والوقوف إلا في عرفة ، وغيرها من شعائر الحج المرتبط ارتباطاً كاملاً بالمكان ) وأخيراً النية ( فكل العبادات إن لم تكن خالصة لوجه الله تعالى وبعنوان القربى فلا تقبل ) .. إن أي تغيير أو عبث في تلك العوامل السابقة يخرج العبادة من مفهوم التواصل والقبول والتقرب ، لتصبح مجرد لقلقة أو حركات مبهمة عشوائية وفي بعض الأحيان مضحكة وبالنتيجة لن يترجى صاحبها قبولها من الله تعالى . وعليه فإن ورود أحاديث عن بعض العبادات ( والتي قد يظنها البعض غريبة ) إن لم تعالج من خلال المفهوم السابق لوجدها أصحابها ضرباً من الغلو أو التخريف . قال رسول الله (ص) : " المتقون سادة ، والفقهاء قادة ، والجلوس إليهم عبادة " ( بحار – ج 1 ص 201 رواية 9 باب 4 ) . وقال رسول الله (ص) : "نوم الصائم عبادة ، ونفسه تسبيح " ( وسائل الشيعة – ج 10 باب 2 ص 136 رواية 13043 ) . وقال رسول الله (ص) : " يا علي ، أنين المؤمن تسبيح ، وصيامه تهليل ، ونومه على الفراش عبادة " ( وسائل الشيعة – ج 2 باب 1 ص 400 رواية 2461 ) . وقال رسول الله (ص) : " يا علي ، نوم العالم أفضل من عبادة العابد " ( بحار – ج 2 ص 25 ) . و قال الإمام علي (ع) : " قبلة الولد رحمة ، وقبلة المرأة شهوة ، وقبلة الوالدين عبادة ، وقبلة الرجل أخاه دين " ( بحار – ج 104 ص 93 رواية 24 باب 2 ) . ويقول النبي (ص) : "ذكر علي عبادة " ( وسائل الشيعة – ج 16 باب 23 ص 348 رواية 21730 ) . وعن الصادق (ع) : " نفس المهموم لظلمنا تسبيح ، وهمه لنا عبادة ، وكتمان سرنا جهاد في سبيل الله " ( بحار – ج 2 ص 64 رواية 1 باب 13 ) . إننا لو حللنا كل ما سبق من الأحاديث بمنطقِ الاستخفاف بالرواياتِ وبالعقلِ القاصر لوجدناها تقاربُ الغلوَ إن لم تتجاوَزْه ، ولكن منطقَ العبادةِ ومنطقَ الإيمانِ القائمَ على التسليم هو الذي يدفعنا إلى التمسك بكل هذه الأحاديث وغيرها ، بكل ما نملك من الرضا والقناعة التامةِ بما أوجبه الله علينا وما رسمه لنا من سبل النجاة دون أن نناقشه وهو الحكيم العزيز عن سبب رسمه لهذا الطريقِ بهذه الطريقة ، بعيداً عن منطق القياساتِ الباطلةِ والتشكيكِ والارتيابِ والذي لا يُوصل صاحبَه إلا إلى الهلاك ، والتي عبرت عنه أقوال الإمام علي (ع) في أنه : " ما ارتاب مخلص ولا شك موقن – والشك يطفىء نور القلوب – ومن كثر شكه فسد دينه – وثمرة الشك الحيرة – وشر القلوب الشاك في إيمانه "( غرر الحكم – المعين ص484 ) ، وعن الصادق (ع) : " الروح والراحة في الرضا واليقين ، والهم والحزن في الشك والسخط " ( البحار ج71 ص159 ) ... ... يتبع ... |
بين الغلو والاستخفاف والتفريط(11)
بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين بين الغلو والاستخفاف والتفريط الحلقة الحادية عشرة : ما الذي يصبو إليه أصحاب منهج الاستخفاف ؟ الإنسان السوي بفطرته يطمح للفضيلة ويرغب عن الرذيلة ، وعلى قمة الفضيلة يتربع أهل البيت (ع) كنبراسٍ وأسوةٍ ومنهجٍ وسفينةِ نجاة ، وفي قبالتهم ينحدر إلى أسفلِ درك الرذيلة أعداؤهم ، والمؤمن يوالي أصحابَ الفضيلة للوصول إلى النعيم ، وبنفس القوة يتبرأ من كل عناوينِ الرذيلة وأقطابِها ، لأن النفسَ السويةَ من غير الممكن أن تعشق الفضيلةَ والرذيلةَ في آن معاً ، لكن أصحاب المنهج الاستخفافي يحاولون جهدَهم أن يُنقصوا من مراتب آل البيت عبر نفي مناقبهم الواحدةَ تلو الأخرى وبطرق شتى ، وبالمقابل فهم يقومون بتبرئة مناوئيهم وأعدائِهم من جرائمهم التي ارتكبوها بحقهم ، وعندما يترنح عن قمة الفضيلة أربابُها انحداراً ويتزحزح عن قعر الرذيلة شياطينُها ارتفاعاً ، يبدأ الافتراقُ والتباينُ بالانحسار شيئاً فشيئاً ، فيصبح أهل الفضيلة أناساً عاديين يُصيبون ويخطئون ، ليس لديهم ما يُؤهلهم لأن يتبوؤوا أعلى الرتب ولا أن تكون لهم الأفضليةُ والأسبقيةُ لدى الباري عز وجل ، وتنتفي عنهم صفةُ الحجية والولاية ، ويصبح أهل الرذيلة أناساً طبيعيين لا تُستهجن أفعالُهم بل تبرر ، ولا تُذم بدعُهم بل تُسن وتتبع ، لنصل في نهاية المطاف إلى قَبول الطرفين متقاربين على خط السواء ، لا متضادين أو متنافرين ، وفي ذلك الوقت تضيع القيم ويصبح الحق غامضاً غائماً بعد أن كان أبلجاً جلياً ، وتميعُ الأمور ، ويدخلُ الحابل بالنابل ، فيُمدح القاتل وينتقد المقتول ، ويُشكر الغاصب ويُلام من غُصِبَ حَقُّه ، ويُبرأ الظالم ويُتهم المظلوم ... ... يتبع ... |
بين الغلو والاستخفاف والتفريط (12)
بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين بين الغلو والاستخفاف والتفريط الحلقة الثانية عشرة : الدمعة الحسينية بين الغلو والتفريط : من القضايا المقلقةِ التي تشكل هاجساً يُروع أذهان المستخفين ، القضيةُ الحسينية بكل أبعادها الإيمانية والوجدانية ، وإن دمعة واحدة تنزل من عين الموالي – والتي تطفىء نار جهنم كما ورد عن الإمام الصادق (ع) – تؤرقهم ، وتقض مضاجعهم ، فهم يتعاملون معها ومع كل الشعائر الحسينية إما بالاستهزاء أو الجفاء أوبالالتفاف عليها بحجة ترسيخ الجانب الفكري لنهضة الحسين دون الجانب الوجداني ، مما حدا ببعضهم إلى إطلاق العبارات غيرِ المهذبة عن بعض الشعائر ، والتعاملِ مع القضية باستهانة سعياً نحو إيجاد التبريرات والتبرءات ، ونفي الجرائم والاتهامات ... وإننا عندما نجدد ذكرى الحسين (ع) ونُصِرُّ عليها كلَّ سنة ، بل كلَّ يومٍ وساعةٍ ولحظة ، أنكون مغالين في حبنا له إن ذرفنا دموعَنا ولطمنا صدورَنا ، أليس الحسين ممن يجب الصلاة عليهم في كل صلاة ، أليست أُمُّه سيدةَ الأمهات وسيدةَ النساء ، أليس في جفائنا للحسين عقوقٌ لأم الحسين ، وأيهما أشرفُ وأعزُّ وأكرمُ على الله أمهاتُنا أم أمُّ الحسين ، وأيهما أعظم حرمةً على الله من الكعبة المؤمنُ أم الحسين ، وإذا كانت في كل نظرةِ رحمة إلى الوالدين حجةٌ مبرورة ، فماذا عن استذكار مصيبة الحسين وزيارة الحسين ، فهل نستغرب أو نغالي إذا كانت زيارةُ الحسين تعدل سبعين حجة . وأيهما أعظم من يلد الأجساد ، أم يلد الأرواح ؟ من يهدي إلى الحياة الفانية أم من يهدي إلى خلود الآخرة ؟ وإذا كنا قد نُهينا عن أن ننهرَ الوالدين أو نقول لهما كلمة أف ، فما بال من ينهر في سلوكياته وأفكاره وتصرفاته والدا هذه الأمة محمد وعلي ( كما وصفتهم الروايات ) ، عندما ينتقص من قدرهما ومن قدر حبيبهما الحسين ومن مصيبتهما به ، ويحاول العبث بهذه المجالس وما يُروى فيها ، أليس في التنكر للدمعة تنكر لصاحب الدمعة ، جاء في سنن أبي داود " بينا نحن عند رسول الله (ص) إذ جاءه رجل من بني سلمة ، فقال : يا رسول الله هل بقي من برِّ أبويَّ شيء بعد موتهما ، قال : نعم الصلاة عليهما ، والاستغفار لهما ، وإنفاذ عهدهما من بعدهما وصلة الرحم التي لا توصل إلا بهما وإكرام صديقهما " ( حديث رقم 4476 ) ، بالله عليكم أين الصلاة على رحم رسول الله ؟ أليست هي في زيارة قبورهم والصلاة لديهم ، أين إنفاذ عهودهم ؟ أليست هي في ولايتهم والتبري من أعدائهم ، أين صلة الرحم التي لا توصل إلا بهم ؟ اليست هي في هذه المجالس التي نقيمها لهم ولحبيبهم الحسين (ع) ، فليراجع كل من يجافي أو يماحك أو لا تسره هذه المجالس وهذه الدموع نفسه المريضة ، وليتجه إلى أطباء القلوب إن كان طالباً للشفاء . ولنربي أنفسنا وأولادنا على حب الحسين والبكاء عليه دونما تحرج أو خجل ، فالطفل أو اليافع عندما يرى والدَه أو جدَّه أو أستاذَه يبكي على الحسين ، ونادراً ما يراهم باكين ، عندما يرى هذه الرجولة تذوب أمام رجولة الحسين ، ويرى هذا العنفوان والقوة يخشعان أمام مصيبة أبي عبد الله ، سيدرك بأحاسيسه وفطرته الصافية أن رزيةَ آل البيت ورزيَتنا في سيد الشهداء أعظمُ من أن تقف في وجهها الموانع والعوائق .. 000 يتبع .. |
بين الغلو والاستخفاف والتفريط (13)
بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين بين الغلو والاستخفاف والتفريط الحلقة الثالثة عشرة : واليوم ونحن نواجه الهجماتِ الفتاكةَ سواء على مستوى الاستغراق في الهوس الإنتقادي غيرِ المبرر ، أو على مستوى التشكيك العقائدي لبعض المدعين للولاء ، أو على مستوى التلوث الروحي نتيجة الانغماس أو الضياع في لججِ اللهو المخربةِ لجمالياتِ النفس بمضامينها الدينية والدنيوية ، اليوم وفي تلك الأجواء نحن بأمس الحاجة للعودة الروحية الصافية النقية ، للتلاحم مع ينابيع الكمال والجمال ، لإرواء المساحاتِ المقفرةِ بعذوبات الرقة والحنان ، للتناغم مع إيقاعات السماء بعد أن أدمنا التوجه بإرادتنا أو قسراً عنا إلى الإيقاعات الشيطانيةِ الممجوجةِ الكريهة ... اليوم ونحن في تلك الأجواء أين سنجد الصفاءَ والنقاء والكمال والجمال والعذوبة والرقة والحنان إلا في الحسين وذكرى الحسين ، وأقول دونما خوف من منتقد أو لائم أو متهم بالغلو ، تعساً لكل فكر مهما بدا ثميناً أو عميقاً إن كان سيبعدنا عن التواصل مع أحزان الحسين والإبحارِ في عاشوراء الدمعة ، والتفاعلِ مع روحية المصيبة بكل مظاهرها وأسرارها ، تعساً لكل كلمة أو فكرة أو رأي في طياته نموذجٌ يظنه البعض حضارياً واقعياً متطوراً ، وهو في الحقيقة استبدال أو بديل للعوالم الوجدانية المتدفقة من واقعة الطف ... الدمعة أولاً وأخيراً ، ومع الدمعة تأتي الأفكار والأشعار والتوجيهات والمواعظ وغيرُها من الأشكال الفكرية والتفكُّرية ، وبغير الدمعة فإن كل حديث عن نهضة الحسين يصبح نوعاً من الترف الثقافي ، ندع ممارستَه للمعجبين بشخصية الحسين وشجاعتِه وتضحيتِه ورجولتِه ، لكن خارج دائرة الولاء ، أما في مركز الدائرة فالعشق والدمعة والولاء في اتحاد كامل لا افتراقَ فيه أو تباعدَ أو استبعاد . ... يتبع... |
بين الغلو والاستخفاف والتفريط(الأخيرة)
بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين بين الغلو والاستخفاف والتفريط الحلقة الرابعة عشرة والأخيرة: لا تستغربوا أيها الأخوة ، فمجمل الأحاديث النبوية في حق الحسين (ع) كانت تتحدث بشكل أساس عن حب الحسين ، وكيف بكى النبي على الحسين ، وكيف قبل الحسين من نحره ، وكيف آذاه بكاؤه ، لأن قضية الولاية والإمامة والخلافة منتهية ، فالحسن والحسين إمامان قاما أو قعدا ، والحسين لم يكن طالب سلطان أو كرسي ، لكن قضية العبرة لن تنتهي ، وهاهي تُجَدَدُ كلَّ سنة وتُجَدِدُ معها النفوس ، وهاهي تُسْتًحْضَرُ كلَّ محرم لتستحضر معها ذلك الوقع الأخاذ ، المهيمن النفاذ . إن اتفاق الملايين على إحياء ذكرى الحسين في كل أصقاع الأرض ، من ثلوجها على صحاريها ، من شرقها إلى غربها ، من شمالها إلى جنوبها ، بكل الألوان واللغات ، وهو اتفاقٌ إراديٌ لا جبري ، في يوم واحد في ساعة واحدة ، لا يتمكن منه أيُّ شخصٍ أو إدارةٍ أو جهةٍ مهما قويت قدراتُها وأموالُها ، فكلُّ الإراداتِ ولو اجتمعت ستعجز عن حشد هذه الجموع المحبة ، وهي بالنتيجة ستعجز عن تفريقها أو مغالبتها أو منعها ... وما اجتمعت إلا بنداء يا حسين ، وما انتظمت إلا بنداء يا أبا عبد الله ، يا قتيلَ العبرة ، يا صاحبَ الدمعة الساكبة ، يا ثارَ الله ، يا غريبُ يا مظلومُ يا عطشان ، يا من غسله دمه ، والتراب كافوره ، ونسج الريح كفنه ، والرماح نعشه ، وفي قلوب من والاه قبره ، ويا عباس ، يا ساقي العطاشى ، يا قمر بني هاشم ، يا بابَ الحوائج ، ويا زينب ، يا أمَّ المصائب ، أينها العقيلة ، أيتها الصابرة المجاهدة ، يا عليُّ الأكبر ، يا عبدَ الله الرضيع ، يا قاسمُ ، يا رقيةُ ، يا سكينةُ ، يا أبناءَ أبي طالب ، يا أصحابَ الحسين وأنصارَه ، روحي لكم الفداء ، يا ليتنا كنا معكم فنفوز فوزاً عظيماً ... والسلام عليكم دمشق ذكرى عاشوراء خادم الحسين :صفوان لبيب بيضون |
الساعة الآن »05:00 AM. |