منتديات موقع الميزان

منتديات موقع الميزان (http://www.mezan.net/vb/index.php)
-   ميزان مصباح الهدى وسفينة النجاة ( عاشوراء ) (http://www.mezan.net/vb/forumdisplay.php?f=116)
-   -   المجالس الفاخرة في مصائب العترة الطاهرة (http://www.mezan.net/vb/showthread.php?t=14439)

خادم الزهراء 28-Dec-2009 10:49 AM

المجالس الفاخرة في مصائب العترة الطاهرة
 
اللهم صل على الزهراء وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها
اللهم واشفي قلب الزهراء صلوات الله عليها بظهور وليك الحجة بن الحسن صلوات الله عليه وعلى آبائه الطيبين الطاهرين
واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين

فيما يتلى بتمامه صبيحة العاشر من المحرم
ويتلى مجالس متعددة في سائر أيام العشر
أو في باقي أيام السنة ، فهو ليوم العاشر مجلس واحد
ولغيره اثنا عشر مجلسا فلينتبه القارئ- في غير يوم عاشوراء - بوقوفه عليها
وليذكرني بأدعيته فإني مضطر إليها ، والله ولي التوفيق وهو حسبنا ونعم الوكيل .
السيد عبد الحسين شرف الدين رضوان الله عليه

[ المجلس الأول ]

كان مولد الحسين عليه السلام لخمس [ ليال ] خلون من شعبان سنة أربع للهجرة ، وروي غير ذلك .

ولما ولد هبط جبرئيل عليه السلام في ألف ملك يهنئون النبي صلى الله عليه وآله ، وقد سر به وسماه حسينا .

وعن أم الفضل قالت : رأيت في منامي قبل مولد الحسين عليه السلام كأن قطعة من لحم رسول الله صلى الله عليه وآله قطعت فوضعت في حجري ، فقصصت ذلك على رسول الله صلى الله عليه وآله ، فقال : ( رأيت خيرا ، إن صدقت رؤياك فإن فاطمة تلد غلاما ، وأدفعه إليك لترضعينه ) .

قالت : فجرى الأمر على ذلك . فجئت به يوما إليه فوضعته في حجره ، فبينما هو يقبله بال ، فقطرت من بوله قطرة على ثوب النبي صلى الله عليه وآله ، فقرصته ، فبكى ، فقال النبي كالمغضب : ( مهلا يا أم الفضل ، فهذا ثوبي يغسل ، وقد أوجعت ابني ) .

قالت : فتركته في حجره وقمت لآتيه بماء ، فجئت إليه فوجدته يبكي ، فقلت : مم بكاؤك يا رسول الله ؟ فقال : ( إن جبرئيل أتاني فأخبرني أن أمتي ستقتل ولدي [ هذا ] ، لا أنالهم الله شفاعتي يوم القيامة ) .

ولما أتت على الحسين من مولده سنة كاملة هبط على رسول الله صلى الله عليه وآله اثنا عشر ملكا محمرة وجوههم ، باكية عيونهم ، وهم يقولون : إنه سينزل بولدك الحسين ما نزل بهابيل من قابيل ، وسيعطى مثل أجر هابيل ، ويحمل على قاتله مثل وزر قابيل .

[ قال : ] ولم يبق في السماوات ملك مقرب إلا ونزل إلى النبي صلى الله عليه وآله يقرؤه السلام ، ويعزيه عن الحسين ، ويخبره في ثواب ما يعطى ، ويعرض عليه تربته والنبي يقول : ( اللهم اخذل من خذله ، واقتل من قتله ، ولا تمتعه بما طلبه ) .

[ قال : ] فلما أتى على مولده سنتان خرج النبي صلى الله عليه وآله في سفر له ، فوقف في بعض الطريق ، واسترجع ودمعت عيناه .

فسئل عن ذلك ، فقال : ( [ هذا ] جبرئيل يخبرني عن أرض بشط الفرات يقال لها كربلاء ، يقتل فيها ولدي الحسين [ بن فاطمة ) .

فقيل له : من يقتله يا رسول الله ؟ فقال : ( رجل اسمه يزيد ، ] وكأني أنظر إلى مصرعه ومدفنه ) .

ثم رجع صلى الله عليه وآله من سفره مهموما مغموما ، فصعد المنبر فخطب ، والحسن والحسين بين يديه ، ثم نزل فوضع يده اليمنى على رأس الحسن ويده اليسرى على رأس الحسين ، وقد رفع رأسه إلى السماء فقال : ( اللهم إن محمدا عبدك ونبيك ، وهذان أطائب عترتي وخيار ذريتي [ وأرومتي ] ومن أخلفهما في أمتي ، وقد أخبرني جبرئيل جبرئيل : عليه السلام أن ولدي [ هذا مخذول مقتول .

اللهم بارك له في قتله ، واجعله من سادات الشهداء ، اللهم ولا تبارك في قاتله وخاذله ) .

[ قال : ] فضج الناس في المسجد بالبكاء .

[ فقال النبي ( ص ) : : ( أتبكون ولا تنصرونه ؟ ! اللهم فكن له أنت وليا وناصرا ) ] .

[ ثم رجع صلى الله عليه وآله فخطب خطبة أخرى موجزة وهو متغير اللون وعيناه تهملان دموعا فقال : ( أيها الناس ، إني تارك فيكم الثقلين : كتاب الله عز وجل ، وعترتي أهل بيتي ، وإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض ، ألا وإني أنتظرهما ، وإني لا أسألكم في ذلك إلا ما أمرني ربي المودة في القربى .

ألا وإنه سترد علي [ يوم القيامة ] ثلاث رايات من هذه الأمة : الأولى : سوداء مظلمة قد فزعت لها الملائكة ، فتقف علي ، فأقول : من أنتم ؟ فينسون ذكري ، فيقولون : نحن أهل التوحيد من العرب .

فأقول [ لهم ] : أنا أحمد نبي العرب والعجم .

فيقولون : نحن من أمتك . فأقول لهم : كيف خلفتموني في عترتي وكتاب ربي ؟ فيقولون : أما الكتاب فضيعناه ، وأما عترتك فحرصنا على أن نبيدهم عن آخرهم .

فأولي عنهم وجهي ، فيصدرون عطاشا مسودة وجوههم .

ثم ترد علي راية أخرى أشد سوادا من الأولى ، فأقول لهم : كيف خلفتموني في الثقلين الأكبر والأصغر : كتاب ربي وعترتي ؟ فيقولون : أما الأكبر فخالفناه ، وأما الأصغر فخذلناهم ومزقناهم كل ممزق .

فأقول : إليكم عني ! فيصدرون ظماء عطاشا مسودة وجوههم .

ثم ترد علي راية أخرى تلمع وجوههم نورا ، فأقول [ لهم ] : من أنتم ؟ فيقولون : نحن أهل كلمة التوحيد والتقوى ، نحن أمة محمد المصطفى ، ونحن بقية أهل الحق ، حملنا كتاب ربنا فأحللنا حلاله وحرمنا حرامه ، وأحببنا ذرية نبينا فنصرناهم وقاتلنا معهم .

فأقول لهم : أبشروا فإني نبيكم محمد ، ولقد كنتم في دار الدنيا كما وصفتم ، ثم أسقيهم من حوضي فيصدرون مرويين مستبشرين ، ثم يدخلون الجنة خالدين فيها أبد الأبدين ) .

وروى الشيخ في الأمالي بأسانيده إلى الرضا ، عن آبائه عليهم السلام ، عن أسماء بنت عميس قالت : لما ولدت فاطمة الحسين عليهما السلام كنت أخدمها في نفاسها به ، فجاء النبي صلى الله عليه وآله فقال : هلمي ابني يا أسماء ، فدفعته إليه في خرقة بيضاء ، فأخذه وجعله في حجره ، وأذن في أذنه اليمنى ، وأقام في اليسرى .

قالت : وبكى رسول الله صلى الله عليه وآله ثم قال : إنه سيكون لك حديث ، اللهم العن قاتله ، لا تعلمي فاطمة بذلك .

قالت أسماء : فلما كان يوم السابع من مولده جاء النبي صلى الله عليه وآله فعق عنه كبشا أملح ، وأعطى القابلة الورك ورجلا ، وحلق رأس الحسين وتصدق بوزن الشعر ورقا ، وخلق رأسه بالخلوق .

قالت : ثم وضعته في حجره ، فقال : يا أبا عبد الله ، عزيز علي ، ثم بكى .

[ قالت أسماء : ] فقلت : بأبي أنت وأمي مما بكاؤك في هذا اليوم وفي اليوم الأول ؟ ! قال صلى الله عليه وآله : أبكي على ابني هذا تقتله فئة باغية كافرة من بني أمية لا أنالهم الله شفاعتي يوم القيامة .

ثم قال : اللهم إني أسألك فيهما ما سألك إبراهيم عليه السلام في ذريته : اللهم أحبهما وأحب من يحبهما ، والعن من يبغضهما ملء السماء والأرض .

أشدد يدا بحب آل أحمد = نها عقدة فوز لا تحل
وابعث لهم مراثيا ومدحا = صفوة ما راض الضمير ونخل
وما الخبيثان ابن هند وابنه = وإن طغى أمرهما بعد وجل
بمبدعين للذي جاءا به = وإنما تقفيا تلك السبل




نسألكم الدعاء

اللهم اجعلنا من شيعة الزهراء وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها ولا تفرق بيننا وبينهم في الدنيا والآخرة

خادم الزهراء 28-Dec-2009 02:52 PM

[ المجلس الثاني ]
 
اللهم صل على الزهراء وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها
اللهم واشفي قلب الزهراء صلوات الله عليها بظهور وليك الحجة بن الحسن صلوات الله عليه وعلى آبائه الطيبين الطاهرين
واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين

[ المجلس الثاني ]

كانت إمامة الحسين بعد أخيه الحسن عليهما السلام ثابتة ، وطاعته على جميع الخلق فريضة ، بنص أبيه وجده عليهما السلام عليه ، وعهد أخيه الحسن ووصيته إليه ، وكانا سيدي شباب أهل الجنة بشهادة جدهما رسول الله صلى الله عليه وآله وهما سبطاه بالاتفاق الذي لا مرية فيه ، وريحانتاه من الدنيا وحبيباه من جميع أهله ، وهما حجتا الله لنبيه صلى الله عليه وآله في المباهلة ، وحجتا الله بعد على الأمة في الدين والملة .

وإن من برهان كمالهما ، وحجة اختصاص الله لهما بفضله : بيعة رسول الله صلى الله عليه وآله لهما ، ولم يبايع صبيا غيرهما ، وكان من عناية الله الخاصة بهما الدالة على تفضيلهما نزول القرآن بإيجاب الجنة ثوابا على عملهما أيام طفولتيهما حيث كانوا : يوفون بالنذر ويخافون يوما كان شره مستطيرا ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا إنا نخاف من ربنا يوما عبوسا قمطريرا فوقاهم الله شر ذلك اليوم ولقاهم نظرة وسرورا وجزاهم بما صبروا جنة وحريرا ولم ينزل قرآن بذلك في طفلين سواهما .

وقد نص رسول الله صلى الله عليه وآله على إمامتهما بقوله : ابناي هذين إمامان قاما أو قعدا .

ودلت وصية الحسن إلى الحسين على إمامته ، كما دلت وصية أمير المؤمنين إلى الحسن على إمامته ، ووصية رسول الله صلى الله عليه وآله إلى أمير المؤمنين عليه السلام على إمامته من بعده . وتفصيل هذا في مظانه من كتب الأعلام من علمائنا رضي الله عنهم ورضوا عنه

فالحسين إمام بعد صنوه المجتبى ، وإن لم يدع إلى نفسه أيام معاوية للتقية التي كانوا عليها ، والحال التي آل أمرهم بعد النبي صلى الله عليه وآله إليها ، فهو في ذلك كأبيه أمير المؤمنين حيث يقول : وصفقت أرتئي بين أن أصول بيد جذاء ، أو أصبر على طخية عمياء - إلى أن قال : - فصبرت وفي العين قذى ، وفي الحلق شذى ، أرى تراثي نهبا .

وعلى هذا المنوال نسج الحسن - بأبي وأمي - أيام الهدنة ، إذ تغلب عليه ابن آكلة الأكباد ، وهم جميعا على سنن النبي في أول أمره حيث لم يتمكن صلى الله عليه وآله من دعوة أحد إلى الله حينئذ أصلا ، وحال أوصيائه من بعده كحاله حين كان في الشعب محصورا ، وفي الغار مستورا ، ولئن كانت هذه الحال منافية للنبوة فهي غير منافية للإمامة بطريق أولى كما يعلمه أولو الألباب .

ولما هلك معاوية وانقضت الهدنة التي كانت تمنع الحسين عليه السلام من الدعوة إلى نفسه ووجد في ظاهر الحال من الأنصار ما يتسنى له القيام بالدعوة إلى الله تعالى ، نهض بأعبائها ، وتوجه بولده وأهل بيته من حرم الله تعالى وجرم رسوله إلى العراق للاستنصار على الظالمين ، بمن دعاه إلى ذلك من أهل الكوفة ، وقدم أمامه ابن عمه مسلما للدعوة إلى الله عز وجل ، والبيعة له على الجهاد في إعلاء كلمته تعالى ، وإنقاذ الدين والمسلمين من أولئك المنافقين ، فبايعه أهل الكوفة على ذلك وعاهدوه ، وضمنوا له النصرة والنصيحة وواثقوه ، ثم لم تطل المدة حتى نكثوا البيعة ، وأسلموا مسلما فقتل بينهم غريبا مظلوما ، وحيدا شهيدا ، وخرجوا إلى حرب الحسين عليه السلام ففعلوا به ما لم يفعلوه بالخوارج ، وقابلوه بما لم يقابلوا به أهل الخنا والريب .

جعجعوا به ومنعوه المسير إلى بلاد الله ، وحالوا بينه وبين ماء الفرات ، حتى قضى شهيدا ظمآنا ، مظلوما مهموما ، مجاهدا مكابدا ، صابرا محتسبا ، قد نكثت بيعته ، واستحلت حرمته ، ولم يوف له بعهد ، ولا رعيت فيه ذمة وعقد ، وانتهبوا أمواله ، وسبوا عياله ، فلهفي لآل الرسول ، وللخفرات من عقائل البتول ، وقد ضاقت بهم المذاهب ، وارتجت عليهم المسالك ، مولهين مدلهين ، خائفين مترقبين .

كانت بحيث عليها قومها ضرب * سرادقا أرضه من عزهم حرم
يكاد من هيبة أن لا يطوف به * حتى الملائك لولا أنهم خدم
فغودرت بين أدي القوم حاسرة * تسبى وليس لها من فيه تعتصم
نعم لوت جيدها للعتب هاتفة * بقومها وحشاها ملؤه ضرم
عجت بهم مذ على أبرادها اختلفت * أيدي العدو ولكن من لها بهم
قومي الأولى عقدوا قدما مآزرهم * على الحمية ما ضيموا ولا اهتضموا
ما بالهم لا عفت منهم رسومهم * قروا وقد حملتنا الأنين الرسم

نسألكم الدعاء

اللهم اجعلنا من شيعة الزهراء وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها ولا تفرق بيننا وبينهم في الدنيا والآخرة

خادم الزهراء 31-Dec-2009 10:11 AM

اللهم صل على الزهراء وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها
اللهم واشفي قلب الزهراء صلوات الله عليها بظهور وليك الحجة بن الحسن صلوات الله عليه وعلى آبائه الطيبين الطاهرين
واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين

[ المجلس الثالث ]

لما اختار الله تعالى للأمام أبي محمد الحسن السبط عليه السلام دار كرامته ومأوى أصفيائه ، كتب الشيعة في العراق إلى الحسين عليه السلام يعرضون عليه البيعة ويبذلون له النصرة فأبى عليهم ، وذكر أن بينهم عليهم السلام وبين معاوية هدنة لا يجوز لهم نقضها ، فلما هلك معاوية وذلك للنصف من رجب سنة ستين قام من بعده ولي عهده يزيده المتهتك ، وسكيره المفضوح ، وهو صبي يشرب الشراب ، ويلعب بالكلاب ، ولا يعرف من الدين موطئ قدمه ، ولا يرقب إلا ولا ذمة .

فكتب إلى ابن عمه الوليد بن عتبة - وكان واليا على المدينة - يأمره بأخذ البيعة له من الناس عامة ، ومن الحسين خاصة ، ويقول له : ( إن أبى عليك الحسين فاضرب عنقه ، وابعث إلي برأسه ) .

فاستشار الوليد مروان في ذلك ، فقال له : إنه لا يبايع ، ولو كنت مكانك لضربت عنقه .

ثم بعث إلى الحسين عليه السلام ، فجاءه - بأبي وأمي - في ثلاثين رجلا من أهل بيته ومواليه ، فنعى [ الوليد ] إليه معاوية ، وكلفه بالبيعة .

فقال له عليه السلام : إن البيعة لا تكون سرا ، فإذا دعوت الناس غدا فادعنا معهم .

فقال مروان : لا تقبل أيها الأمير عذره ، فإن بايع الآن وإلا فاضرب عنقه .

فغضب الحسين عليه السلام ثم قال : ويل بك يا بن الزرقاء ، أنت تقتلني أم هو ؟ كذبت والله وأثمت .

ثم أقبل على الوليد فقال : ( إنا أهل بيت النبوة ومعدن الرسالة ومختلف الملائكة ، وبنا فتح الله وبنا ختم ، ويزيد رجل [ فاسق ] شارب الخمور ، قاتل النفس المحرمة ، معلن بالفسق ، ومثلي لا يبايع مثله ) ، ثم خرج عليه السلام ، فقال مروان للوليد : عصيتني .

فقال : ويحك أنك أشرت علي بذهاب ديني ودنياي ، والله ما أحب أن الدنيا بأسرها تكون لي وأنني قتلت حسينا أن قال : لا أبايع ، والله ما أظن أن أحدا يلقي الله بدم الحسين عليه السلام إلا وهو خفيف الميزان يوم القيامة ، لا ينظر الله إليه ولا يزكيه وله عذاب أليم .

فأقام الحسين عليه السلام في منزله تلك الليلة ، وهي ليلة السبت لثلاث بقين من رجب سنة ستين . فما أصبح - بأبي وأمي - خرج يستمع الأخبار فلقيه مروان فقال : يا أبا عبد الله إني لك ناصح ، فأطعني ترشد .

فقال الحسين عليه السلام : وما ذاك ؟ قل حتى أسمع .

فقال : إني آمرك ببيعة يزيد فإنه خير لك في دينك ودنياك ! فقال عليه السلام : إنا لله وإنا إليه راجعون على الإسلام السلام إذا قد بليت الأمة براع مثل يزيد .

وطال الحديث بينهما حتى ولى مروان وهو غضبان .

فلما كان آخر يوم السبت بعث الوليد برجاله إلى الحسين ليحضر فيبايع .

فقال له الحسين عليه السلام : أصبحوا ثم ترون ونرى .

فكفوا عنه ولم يلحوا عليه .

فخرج - بأبي وأمي - من تحت ليلته وهي ليلة الأحد ليومين بقيا من رجب متوجها نحو مكة ومعه بنوه وبنو أخيه وإخوته وجل أهل بيته ، سار من المدينة وهو يقرأ : فخرج منها خائفا يترقب قال رب نجني من القوم الظالمين .

ولزم الطريق الأعظم ، فسئل أن يتنكب الطريق كما فعل ابن الزبير كيلا يلحقه الطلب فأبى وقال : لا أفارقه حتى يقضي الله ما هو قاض ، وكان دخوله مكة ليلة الجمعة لثلاث مضين من شعبان دخلها وهو يقرأ : ولما توجه تلقاء مدين قال عسى ربي أن يهديني سواء السبيل .

فأقام فيها باقي شعبان وشهر رمضان وشوال وذي القعدة وثمان ليال من ذي الحجة ، ثم لم يأمن على نفسه ، ولم يتمكن من تمام حجه مخافة أن يقبض عليه بمكة فينفذ به إلى يزيد بن معاوية فأحل من إحرامه وجعلها عمرة مفردة وخرج من مكة وهي حرم الله الذي يأمن فيه الوحش والطير ، كما خرج من المدينة وهي حرم جده رسول الله خائفا يترقب . . . فوا لهفتاه ووا جزعاه عليك يا وديعة المصطفى ، وريحانته من الدنيا .

و وا حر قلباه لك يا خامس أصحاب الكساء ، وقرة عين سيدة النساء .

يا بن مكة ومنى ، وابن زمزم والصفا ، خفت على نفسك في الحرم ، وأنت أمن الخائفين ، وفررت منهم لما خفتهم بأطفالك وعيالك ، وأنت ملجأ الهاربين .

فيا لله من هذه الفادحة التي أثكلت جبرائيل ، و وا مصيبتاه من هذه النازلة إذ عظمت على الرب الجليل .

مثل ابن فاطمة يبيت مشردا ويزيد في لذاته متنعم ويضيق الدنيا على ابن محمد حتى تقاذفه الفضاء الأعظم خرج الحسين من المدينة خائفا كخروج موسى خائفا يتكتم وقد انجلى عن مكة وهو ابنها وبه تشرفت الحطيم وزمزم لم يدر أين يريح بدون ركابه فكأنما المأوى عليه محرم فمشت تؤم به العراق نجائب مثل النعم به تخب وترسم .

نسألكم الدعاء

اللهم اجعلنا من شيعة الزهراء وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها ولا تفرق بيننا وبينهم في الدنيا والآخرة

خادم الزهراء 08-Jan-2010 05:12 PM

اللهم صل على الزهراء وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها
اللهم واشفي قلب الزهراء صلوات الله عليها بظهور وليك الحجة بن الحسن صلوات الله عليه وعلى آبائه الطيبين الطاهرين
واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين

[ المجلس الرابع ]

ولما نزل الحسين عليه السلام مكة أقبل أهلها ومن كان فيها من المعتمرين وأهل الآفاق يختلفون إليه ، وجاءه ابن عباس وابن الزبير فأشارا عليه بالإمساك فقال : ( إن رسول الله صلى الله عليه وآله أمرني بأمر وأنا ماض فيه ) .

فخرج ابن عباس وهو يقول : ( وا حسيناه ) .

وجاءه ابن عمر فأشار عليه بالصلح .

فقال عليه السلام : ( يا أبا عبد الرحمن أما علمت أن من هوان الدنيا على الله أن رأس يحيى بن زكريا أهدي إلى بغي من بغايا بني إسرائيل ، أما تعلم أن بني إسرائيل كانوا يقتلون ما بين طلوعي الفجر والشمس سبعين نبيا ، ثم يجلسون في أسواقهم يبيعون ويشترون كأنهم لم يصنعوا شيئا فلم يعجل الله عليهم ثم أخذهم أخذ عزيز ذي انتقام ، اتق الله يا أبا عبد الرحمن ولا تدعن نصرتي ) .

وبلغ أهل الكوفة هلاك معاوية فأرجفوا بيزيد ، وعرفوا بامتناع الحسين من بيعته ، ومجيئه إلى مكة .

فاجتمعت الشيعة في منزل سليمان بن صرد الخزاعي ، فلما تكاملوا قام سليمان فقال : إن معاوية قد هلك ، وإن حسينا قد تقبض على القوم ببيعته ، وخرج إلى مكة ، وأنتم شيعته وشيعة أبيه ، فإن كنتم تعلمون أنكم ناصروه ومجاهدوا عدوه ، ونقتل أنفسنا دونه فاكتبوا إليه ، وإن خفتم الفشل والوهن فلا تغروا الرجل .

قالوا : لا ، بل نقاتل عدوه ونقتل أنفسنا دونه .

قال : فاكتبوا إذا إليه . فكتبوا إليه : بسم الله الرحمن الرحيم للحسين بن علي عليهما السلام .

من سليمان بن صرد والمسيب بن نجبة ورفاعة بن شداد وحبيب بن مظاهر وشيعته المؤمنين والمسلمين من أهل الكوفة .

سلام عليك ، فإنا نحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو .

أما بعد : فالحمد لله الذي قصم عدوك الجبار العنيد ، الذي انتزى على هذه الأمة فابتزها أمرها ، وغصبها فيئها ، وتأمر عليها بغير رضا منها ، ثم قتل خيارها ، واستبقي شرارها ، وجعل مال الله دولة بين جبابرتها وأغنيائها ، فبعدا له كما بعدت ثمود ، وإنه ليس علينا إمام ، فاقبل لعل الله أن يجمعنا بك على الحق : والنعمان بن بشير في قصر الإمارة ، ولسنا نجتمع معه في جمعة [ ولا جماعة ] ، ولا نخرج معه إلى عيد ، ولو بلغنا أنك قد أقبلت إلينا أخرجناه حتى نلحقه بالشام إن شاء الله تعالى ، والسلام عليك يا بن رسول الله وعلي أبيك من قبلك ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .

ثم سرحوا الكتاب مع عبد الله بن مسمع الهمداني ، وعبد الله بن وال ، وأمروهما بالنجاء .

فخرجا مسرعين حتى قدما على الإمام عليه السلام بمكة لعشر مضين من شهر رمضان . وبعد يومين من تسريحهم بالكتاب أنفذوا قيس بن مسهر الصيداوي وعبد الله وعبد الرحمن ابني شداد الأرحبي ، وعمارة بن عبد الله السلولي ، ومعهم نحو مائة وخمسين صحيفة من الرجل والاثنين والأربعة .

ثم لبثوا يومين آخرين وسرحوا إليه عليه السلام هاني بن هاني السبيعي وسعيد بن عبد الله الحنفي وكتبوا إليه : بسم الله الرحمن الرحيم للحسين بن علي عليهما السلام .

من شيعته من المؤمنين والمسلمين .

أما بعد : فحي هلا فإن الناس ينتظرونك ، لا رأي لهم غيرك ، فالعجل العجل ثم العجل العجل . ثم كتب شبث بن ربعي ، وحجار بن أبجر ، ويزيد بن الحارث ، وعروة بن قيس ، وعمرو بن الحجاج الزبيدي ، ومحمد بن عمرو التميمي: أما بعد : فقد اخضر الجناب ، وأينعت الثمار ، [ وأعشبت الأرض ، وأورقت الأشجار ، ] فإذا شئت فاقبل على جند لك مجندة والسلام . وتواترت عليه الكتب حتى اجتمع عنده في نوب متفرقة اثنا عشر ألف كتاب ، وهو مع ذلك يتأنى ولا يجبهم .

فورد عليه في يوم واحد ست مائة كتاب ، وتلاقت الرسل كلها عنده فسألهم عن الناس ، وقال لهاني بن هاني السبيعي وسعيد بن عبد الله الحنفي : خبراني من اجتمع على هذا الكتاب ؟ فذكرا له وجوه أهل الكوفة ، وأولي الرأي منهم .

فقام - بأبي وأمي - عند ذلك فصلى ركعتين بين الركن والمقام ، ثم كتب مع هاني وسعيد : بسم الله الرحمن الرحيم من الحسين بن علي .

إلي الملأ من المؤمنين والمسلمين : أما بعد : فإن هانيا وسعيدا قدما علي بكتبكم ، وكانا آخر من قدم علي من رسلكم ، وقد فهمت كل الذي اقتصصتم وذكرتم ، ومقالة جلكم : ( إنه ليس علينا إمام فأقبل لعل الله يجمعنا بك على الحق والهدى ) . وإني باعث إليكم أخي وابن عمي وثقتي من أهل بيتي مسلم بن عقيل .

فإن كتب إلي أنه قد اجتمع رأي ملئكم ، وذوي الحجي والفضل منكم على ما قدمت به رسلكم ، وقرأت في كتبكم ، فإني أقدم إليكم وشيكا إن شاء الله تعالى فلعمري ما الإمام إلا الحاكم بالكتاب ، القائم بالقسط ، الداين بدين الحق ، الحابس نفسه على ذات الله ، والسلام .

ودعا سلام الله عليه مسلم بن عقيل فسرحه مع قيس بن مسهر الصيداوي وعمارة بن عبد الله السلولي وعبد الله وعبد الرحمن الأرحبيين ، وأمره بالتقوى وكتمان أمره واللطف ، فإن رأى الناس مجتمعين مستوسقين عجل إليه بذلك .

فأقبل مسلم رضوان الله عليه حتى أتى المدينة فصلى في مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله وودع أهله ومن يحب .

وسار حتى وصل الكوفة فنزل في دار المختار بن [ أبي ] عبيدة الثقفي ، وأقبلت الشيعة تختلف إليه ، وكلما اجتمع إليه منهم جماعة قرأ عليهم كتاب الحسين عليه السلام وهم يبكون .

وبايعه الناس حتى بايعه منهم ثمانية عشر ألفا . فكتب مسلم إلى الحسين بذلك ، وطلب منه القدوم عليهم . وجعلت الشيعة تختلف إلى مسلم بن عقيل ، حتى علم النعمان بن بشير بذلك - وكان واليا على الكوفة من قبل معاوية فأقره يزيد عليها - وعلم بمكان مسلم فلم يتعرض له بسوء .

فقام إليه عبد الله بن مسلم بن ربيعة الحضرمي حليف بني أمية فقال له : إنه ما يصلح ما ترى أيها الأمير إلا الغشم - أي الظلم - وأن هذا الذي أنت عليه فيما بينك وبين عدوك لرأي المستضعفين .

وكتب إلى يزيد كتابا فيه : أن مسلم بن عقيل قدم الكوفة وبايعت الشيعة للحسين ، فإن يكن لك فيها حاجة فابعث إليها قويا ينفذ أمرك ويعمل مثل عملك في عدوك ، فإن النعمان رجل ضعيف أو هو يتضعف . ثم كتب كل من عمارة بن عقبة وعمر بن سعد بنحو من ذلك .

وبعد وصول كتبهم إلى يزيد كتب إلى عبيد الله بن زياد - وكان واليا على البصرة - بأنه قد ولاه الكوفة وضمها إليه ، وعرفه أمر مسلم بن عقيل وشدد عليه في تحصيله وقتله .

فأسرع اللعين إلى الكوفة ، واستخلف أخاه عثمان على البصرة ، وكان دخوله إلى الكوفة ليلا ، فظن أهلها أنه الحسين عليه السلام فتباشروا بقدومه ودنوا منه ، فلما عرفوا أنه ابن مرجانة تفرقوا عنه . فدخل قصر الإمارة وبات فيه إلى الغداة ، ثم خرج فأبرق وأرعد ، ووعد وتوعد .

فلما سمع مسلم بن عقيل بذلك خاف على نفسه ، فقصد هاني بن عروة فآواه وأكرم مثواه ، وكثر اختلاف أصحابه إليه يبايعونه على السمع والطاعة . لكنهم نقضوا بعد ذلك بيعته ، وأخفروا ذمته ، ولم يثبتوا معه على عهد ، ولا وفوا له بعقد ، وكان - بأبي هو وأمي - من أسود الوقائع ، وسقاة الحتوف ، وأباة الذل ، وأولي الحفائظ ، وله - حين أسلمه أصحابه ، واشتد البأس بينه وبين عدوه - مقام كريم ، وموقف عظيم ، إذ جاءه العدو من فوقه ومن تحته ، وأحاط به من جميع نواحيه ، وهو وحيد فريد ، لا ناصر له ولا معين ، فأبلى بلاء حسنا ، وصبر صبر الأحرار على ضرب سيوفهم ، ورضخ أحجارهم وما ناله من ضياتهم الشحيذة ، وأطنان قصبهم الملتهبة ، التي كانوا يرمونه من فوق البيت عليه ، حتى وقع في أيديهم أسيرا ، بعد أن فتك بهم ، وأذاقهم وبال أمرهم ، ثم قتلوه ظمآنا وهو يكبر الله ويستغفره ، ويصلي على رسوله صلى الله عليه وآله ، وصلبوا جثته بالكناسة ، وبعثوا برأسه إلى الشام .

رعي الله جسما بالكنائس مصلبا * ورأسا له فوق السنان مركبا
لقد سامه الأعداء خفضا فما ارتضى * سوى الرفع فوق السمهرية منصبا
وقفت بمستن النزال فلم تجد سوى * الموت في الهيجا من الضيم مهربا
إلى أن وردت الموت والموت سنة * لكم عرفت تحت الأسنة والضبا
ولا عيب في الحر الكريم إذا * قضى بحد الضبا حرا كريما مهذبا

نسألكم الدعاء

اللهم اجعلنا من شيعة الزهراء وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها ولا تفرق بيننا وبينهم في الدنيا والآخرة

خادم الزهراء 08-Jan-2010 05:39 PM

اللهم صل على الزهراء وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها
اللهم واشفي قلب الزهراء صلوات الله عليها بظهور وليك الحجة بن الحسن صلوات الله عليه وعلى آبائه الطيبين الطاهرين
واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين

[ المجلس الخامس ]

لما جاء عبيد الله بن زياد إلى الكوفة ، وضع المراصد ، وبث الجواسيس فيها على مسلم ، حتى علم أنه في دار هاني ، فدعا محمد بن الأشعث وأسماء بن خارجة وعمرو بن الحجاج ، فقال : ما يمنع هانيا من إتياننا ؟ فقالوا : ما ندري ، وقد قيل : إنه يشتكي .

فقال : بلغني ذلك ، ثم علمت أنه قد برئ وأنه يجلس على باب داره ، ولو أعلم أنه شاك لعدته ، فألقوه ومروه أن لا يدع ما يجب عليه من حقنا ، فإني لا أحب أن يفسد عندي مثله ، [ لأنه ] من أشراف العرب .

فأتوه ووقفوا عشية على باب داره ، فقالوا له : ما يمنعك من لقاء الأمير ، فإنه ذكرك وقال : لو أعلم أنه شاك لعدته ؟ فقال : الشكوى تمنعني .

فقالوا : [ إنه ] قد بلغه جلوسك كل عشية على باب دارك ، وقد استبطأك ، والإبطاء والجفاء لا يتحمله السلطان من مثلك ، لأنك سيد قومك ، ونحن نقسم عليك إلا ركبت معنا .

وما زالوا به حتى غلبوه على رأيه ، فدعا بثيابه فلبسها ، ثم دعا ببغلته فركبها ، فلما دنا من القصر أحس ببعض الذي كان ، فقال لحسان بن أسماء بن خارجة : يا بن أخي إني والله لخائف من هذا الرجل فما ترى ؟ فقال : والله يا عم ما أتخوف عليك شيئا ، فلا تجعل على نفسك سبيلا ، ولم يكن حسان يعلم الذي أضمر ابن مرجانة لهاني .

فجاءه رحمه الله تعالى والقوم معه حتى دخلوا جميعا على ابن زياد ، فلما رأى هانيا قال : أتتك بخائن رجلاه .

ثم تمثل فقال : أريد حياته ويريد قتلي عذيرك من خليلك من مراد فقال له هاني : وما ذاك يا أمير ؟ فقال : إيها يا هاني ما هذه الأمور التي تربص في دارك لأمير المؤمنين وعامة المسلمين ؟ جئت بابن عقيل فأدخلته دارك ، وجمعت له السلاح والرجال في الدور حولك ، وظننت أن ذلك يخفى علي .

فقال : ما فعلت . قال : بلى قد فعلت .

فلما كثر ذلك بينهما وأبى هاني إلا الإنكار ، دعا ابن زياد بمعقل مولاه حتى وقف بين يديه - وكان عينا له على أخبارهم من حيث لا يدرون ، وقد عرف كثيرا من أسرارهم ، إذ كان يظهر لهم الإخلاص لأهل البيت والتفاني في حبهم - فلما رآه هاني علم أنه كان عينا عليهم ، وأنه قد أتاه بأخبارهم ، فأسقط في يده ثم راجعته نفسه فقال : أصلح الله الأمير والله ما بعثت إلى مسلم بن عقيل ، ولا دعوته ، ولكن جاءني مستجيرا فأجرته ، واستحييت من رده ، ودخلني من ذلك ذمام فضيفته وآويته ، والآن فخل سبيلي حتى أرجع إليه وآمره بالخروج من داري إلى حيث شاء من الأرض لأخرج بذلك من ذمامه وجواره ، ثم أرجع إليك حتى أضع يدي في يدك .

فقال له ابن زياد : والله لا تفارقني حتى تأتيني به .

فقال : والله لا آتيك به أبدا ، آتيك بضيفي تقتله ! فقال : والله لتأتيني به .

فقال : والله لا آتيك به ، فلما كثر الكلام بينهما قام مسلم بن عمرو الباهلي فقال : أصلح الله الأمير خلني وإياه حتى أكلمه . فقام فخلى به ناحية وهما بحيث يراهما ابن زياد ويسمع كلامهما فبينما هما يتناجيان إذ رفعا أصواتهما .

فقال الباهلي : يا هاني أنشدك بالله لا تقتل نفسك ، ولا تدخل البلاء على عشيرتك فوالله إني لأنفس بك عن القتل ، إن هذا الرجل ابن عم القوم وليسوا قاتليه ولا ضائريه فادفعه إليهم فإنه ليس عليك بذلك مخزاة ولا منقصة وإنما تدفعه إلى السلطان .

فقال هاني : والله إن علي في ذلك الخزي والعار أن أدفع جاري وضيفي ورسول ابن رسول الله وأنا صحيح الساعدين كثير الأعوان ، والله لو لم أكن إلا واحدا ليس لي ناصر لم أدفعه حتى أموت دونه ، فأخذ يناشده وهو يقول : والله لا أدفعه أبدا .

فسمع ابن زياد ذلك فقال : ادنوه مني فادني منه ، فقال : والله لتأتيني به أو لأضربن عنقك .

فقال هاني : إذا تكثر البارقة حول دارك .

فقال ابن زياد : وا لهفاه عليك أبا البارقة تخوفني ؟ وهاني يظن أن عشيرته يمنعونه ، ثم قال : ادنوه مني فادني منه ، فاستعرض وجهه بالقضيب فلم يزل يضرب أنفه وجبهته وخده حتى كسر أنفه وسال الدماء على ثيابه ونثر لحم خده وجبينه على لحيته الشريفة فانكسر القضيب .

وضرب هاني يده على قائم سيف شرطي فجاذبه ذلك الرجل ، فصاح اللعين ابن مرجانة : خذوه ، فجروه حتى ألقوه في بيت من بيوت الدار ، وأغلقوا عليه بابه وجعلوا عليه حرسا .

فقام حسان بن أسماء بن خارجة إلى ابن زياد فقال : أرسل غدر - نحن - سائر اليوم أيها الأمير ، أرسلتنا إلى الرجل ، وأمرتنا أن نجيئك به ، حتى إذا جئناك به هشمت وجهه ، وأسلت دماءه وزعمت أنك تقتله ؟ .

فغضب ابن مرجانة وقال : وإنك لها هنا ، ثم أمر به فضرب وقيد وحبس .

فقال : إنا لله وإنا إليه راجعون إلى نفسي أنعاك يا هاني .

وبلغ عمرو بن الحجاج أن هانيا قد قتل ، وكان هاني صهره على بنته رويحة ، فأقبل عمرو في مذحج كافة حتى أحاط بالقصر ، ونادى : أنا عمرو بن الحجاج وهذه فرسان مذحج ووجوهها لم تخلع طاعة ، ولم تفارق جماعة ، وقد بلغنا أن صاحبنا قد قتل .

فأتاهم القاضي شريح - وكان مع ابن زياد في القصر حين دخل عليه هاني وفعل معه ما فعل - فأخبرهم بسلامته فرضوا بقوله وانصرفوا .

تبا لهم وترحا ، لقد خطمهم ابن مرجانة بالذل ، وقادهم ببرة الهوان وعفر وجوههم إذ هشم وجه سيدهم ، وأرغم آنافهم إذ كسر أنفه ، وألقاهم في مراغة الذل إذ ألقاه في الحبس ، ومرغهم في حمأة الهوان إذ جروه قتيلا برجله في الأسواق .

أما هاني فقد فاز بالشهادة ، وختمت أيامه بالسعادة .

وواسى الرجال الصالحين بنفسه وفارق مثبورا وخالف مجرما وقد ثارت به الحمية لله عز وجل ، وعصفت في رأسه لرسول الله صلى الله عليه وآله ، وأخذته حفائظ الولاية لآله الطيبين الطاهرين ، فبذل نفسه ، ووقاهم بمهجته .

فوا لهفاه ما أعز جانبه .

وأسفا عليه ما أمنع حوزته . وحزنا لوجهه الميمون المشرق وقد شوهه اللعين ضربا بعصاه .

ونفسي الفداء لذلك الأنف الحمي وقد كسر في سبيل الله .

ولله تناثر اللحم من جبينه الوضاح ، وخده الزاهر ، وجبهته المباركة على كريمته الشريفة .

وفي عين الله خضبت تلك الشيبة العزيزة بدماء ذلك الأغر ، دون أن يهتضم جاره أو يستباح ذماره .

كريم أبى شم الدنية أنفه فأشممه شوك الوشيج المسدد وقال : قفي يا نفس وقفة وارد حياض الردى لا وقفة المترد

نسألكم الدعاء

اللهم اجعلنا من شيعة الزهراء وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها ولا تفرق بيننا وبينهم في الدنيا والآخرة

خادم الزهراء 11-Jan-2010 02:04 PM

اللهم صل على الزهراء وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها
اللهم واشفي قلب الزهراء صلوات الله عليها بظهور وليك المهدي صلوات الله عليه وعلى آبائه الطيبين الطاهرين
واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين

[ المجلس السادس ]

لما بلغ مسلم بن عقيل ما فعل ابن زياد بهاني بن عروة ، خرج بمن بايعه لإنقاذ هاني ، وحرب ابن زياد فتحصن اللعين عنه بقصر الإمارة ، واقتتل أصحابه وأصحاب مسلم ، وجعل أصحابه الذين معه في القصر يشرفون منه ويحذرون أصحاب مسلم ويتوعدونهم بأجناد الشام .

فلم يزالوا كذلك حتى جاء الليل ، فجعل أصحاب مسلم يتفرقون عنه ، ويقول بعضهم لبعض : ماذا نصنع بتعجيل الفتنة ، وينبغي أن نقعد في منازلنا وندع هؤلاء القوم حتى يصلح الله ذات بينهم .

وما زالوا يتفرقون حتى أمسى ابن عقيل وصلى المغرب وما معه إلا ثلاثون نفسا في المسجد . فلما رأى ذلك خرج متوجها نحو أبواب كندة ، فما بلغها إلا ومعه منهم عشرة .

ثم خرج من الباب فإذا ليس معه إنسان يدله ، فالتفت فإذا لا يحس بأحد ، فمضى على وجهه متلددا في أزقة الكوفة لا يدري كيف يصنع ولا أين يذهب .

ومشى حتى انتهى إلى باب امرأة يقال لها : ( طوعة ) أم ولد - كانت للأشعث ابن قيس فأعتقها ، فتزوجت أسيد الحضرمي فولدت له بلالا ، وكان بلال قد خرج مع الناس وأمه قائمة تنتظره - فسلم عليها مسلم فردت عليه ، ثم طلب منها ماء فسقته ، وأدخلت الإناء ، ثم خرجت فوجدته جالسا ، فقالت له : ألم تشرب الماء ؟ قال : بلى .

قالت : فاذهب إلى أهلك فسكت . ثم أعادت عليه القول .

فسكت . فقالت له في الثالثة : سبحان الله يا عبد الله ، قم عافاك الله إلى أهلك فإنه لا يصلح لك الجلوس على بابي ولا أحله لك .

فقام وقال : يا أمة الله ما لي في هذا المصر منزل ولا عشيرة ، فهل لك من أجر ومعروف ولعلي مكافيك بعد اليوم .
قالت : يا عبد الله وما ذاك ؟ قال : أنا مسلم بن عقيل كذبني هؤلاء القوم وغروني وأخرجوني .

قالت : أنت مسلم ؟ قال : نعم ؟ قالت : أدخل ، فدخل بيتا في دارها غير البيت الذي تكون فيه ، وفرشت له ، وعرضت عليه العشاء فلم يتعش .

وجاء ابنها وعرف بمكان مسلم فوشى به إلى ابن زياد .

فأحضر محمد بن الأشعث ، وضم إليه قومه ، وبعث معه عبيد الله بن عباس السلمي في سبعين رجلا من قيس ، حتى أتوا الدار التي فيها مسلم ، فلما سمع وقع حوافر الخيل ، وأصوات الرجال علم أنه قد أتي فخرج إليهم بسيفه ، واقتحموا عليه الدار فشد عليهم فضربهم بسيفه حتى أخرجهم من الدار ، ثم عادوا إليه فشد عليهم كذلك ، فاختلف هو وبكر بن حمران الأحمري فضرب بكر لعنة الله فم مسلم فقطع شفته العليا وأسرع السيف في السفلى ، وفصلت ثنيتاه ، وضربه مسلم على رأسه ضربة منكرة ، وثنى بأخرى على حبل عاتقه كادت تطلع من جوفه ، وجعل يحارب أصحاب ابن زياد حتى قتل منهم جماعة ، فلما رأوا ذلك أشرفوا عليه من فوق البيت فأخذوا يرمونه بالحجارة ، ويلهبون النار في أطناب القصب ، ثم يلقونه عليه من فوق السطح ، فخرج عليهم مصلتا بسيفه فناداه محمد بن الأشعث : لك الأمان لا تقتل نفسك ، وهو يقاتلهم ويقول :

أقسمت لا أقتل إلا حرا * وإن رأيت الموت شيئا نكرا
أكره أن أخدع أو أغرا أو * أخلط البارد سخنا مرا
كل امرئ يوما يلاقي شرا * أضربكم ولا أخاف ضرا

فناداه ابن الأشعث : إنك لا تكذب ولاة .

وكان قد أثخن بالحجارة ، وعجز عن القتال ، فأسند ظهره إلى الحائط .

فأعاد ابن الأشعث عليه القول : لك الأمان .

فقال : أنا آمن ؟ قال : نعم .

ثم قال للقوم : ألي الأمان ؟ قالوا : نعم .

فقال : أما لو لم تؤمنوني ما وضعت يدي في أيديكم ، وأوتي ببغلة فحمل عليها ، فاجتمعوا حوله ، وانتزعوا سيفه ، فكأنه عند ذلك يأس من نفسه فدمعت عيناه ، ثم قال : هذا أول الغدر أين أمانكم ؟ إنا لله وإنا إليه راجعون ، وبكى .

فقال له عبيد الله السلمي : إن من يطلب مثل الذي تطلب إذا نزل به مثل الذي نزل بك لم يبك .

قال : إني والله ما لنفسي بكيت ، ولا لها من القتل أرثي ، وإن كنت لا أحب لها طرفة عين تلفا ، ولكن أبكي لأهلي المقبلين إلي ، أبكي للحسين وآل الحسين عليه السلام .

ثم أقبل على ابن الأشعث فقال : إنك ستعجز عن أماني ، فهل عندك خير ؟ تستطيع أن تبعث من عندك رجلا على لساني يبلغ الحسين - فإني لا أراه إلا قد خرج اليوم ، أو هو خارج غدا بأهل بيته - فيقول له : إن ابن عقيل بعثني إليك ، وهو أسير في أيدي القوم لا يرى أنه يمسي حتى يقتل ، وهو يقول : إرجع فداك أبي وأمي بأهل بيتك ، ولا يغرك أهل الكوفة فإنهم أصحاب أبيك الذين كان يتمنى فراقهم بالموت أو القتل ، إن أهل الكوفة كذبوك ، وليس لمكذوب رأي .

وأقبل ابن الأشعث بمسلم إلى باب القصر ، فدخل على ابن زياد فأخبره الخبر ، وقد اشتد العطش بمسلم وعلى باب القصر جماعة ينتظرون الأذن ، وإذا قلة باردة على الباب .

فقال : أسقوني من هذا الماء .

فقال مسلم بن عمرو الباهلي : أتراها ما أبردها ، والله لا تذوق منها قطرة أبدا حتى تذوق الحميم في نار جهنم .

فقال له ابن عقيل : لأمك الثكل ما أجفاك وأفضك وأقسى قلبك ، أنت يا بن باهلة أولى بالحميم والخلود في نار جهنم .

ثم تساند إلى حائط وجاء عمرو بن حريث بقلة عليها منديل وقدح فصب فيه ماء وقال له : اشرب .

فأخذ كلما شرب امتلأ القدح دما من فيه ، ففعل ذلك مرتين ، فلما ذهب في الثالثة ليشرب سقطت ثنيتاه في القدح .

فقال : الحمد لله لو كان لي من الرزق المقسوم شربته .

ثم أدخل على ابن مرجانة فلم يسلم عليه . فقال له الحرس : سلم على الأمير .

فقال له : اسكت ويحك والله ما هو لي بأمير .

فقال له ابن زياد : إيها يا بن عقيل ! أتيت الناس وهم جميع ، فشتت بينهم ، وفرقت كلمتهم ، وحملت بعضهم على بعض .

قال : كلا لست لذلك أتيت ، ولكن أهل المصر زعموا أن أباك قتل خيارهم ، وسفك دماءهم ، وعمل فيهم أعمال كسرى وقيصر ، فأتيناهم لنأمر بالعدل ، وندعوا إلى حكم الكتاب .

فقال ابن زياد : وما أنت وذاك ، ثم قال عليه اللعنة : يا فاسق إن نفسك تمنيك ما حال الله دونه ولم يرك له أهلا .

فقال مسلم : من أهله إذا لم نكن نحن أهله ؟ فقال ابن زياد : أهله أمير المؤمنين يزيد .

فقال مسلم : الحمد لله على كل حال رضينا بالله حكما بيننا وبينكم .

فقال له ابن زياد : قتلني الله إن لم أقتلك قتلة لم يقتلها أحد في الإسلام .

فقال مسلم : أما أنك أحق من أحدث في الإسلام ما لم يكن ، وإنك لا تدع سوء القتلة ، وقبح المثلة ، وخبث السريرة ، ولؤم الغلبة لأحد أولى بها منك .

فأقبل ابن زياد يشتمه ويشتم الحسين وعليا وعقيلا عليهم السلام .

فأخذ مسلم لا يكلمه ، ونظر إلى جلساء ابن زياد وفيهم عمر بن سعد فقال : يا عمر إن بيني وبينك قرابة ، ولي إليك حاجة ، وقد يجب عليك نجح حاجتي ، وهي سر بيننا ، فامتنع اللعين أن يسمع منه ، فأمره ابن مرجانة بذلك ، فقاما إلى ناحية في المجلس وابن مرجانة يراهما ، فقال : إن علي سبعمائة درهم لبعض أهل الكوفة فبع سيفي ودرعي واقضها عني ، وإذا قتلت فاستوهب جثتي فوارها ، وابعث إلى الحسين عليه السلام من يرده ، فإني كتبت إليه أن الناس معه ، ولا أراه إلا مقبلا .

فقال ابن سعد : أتدري أيها الأمير ما قال ؟ إنه ذكر كذا وكذا وكذا .

فقال ابن زياد : إنه لا يخونك الأمين ، ولكن قد يؤتمن الخائن .

وأمر لعنة الله أن يصعدوا به فوق القصر ويضربوا عنقه ، ثم يتبعوه جسده ودعا بكر بن حمران فقال له : إصعد وكن أنت الذي تضرب عنقه ، فصعد به وهو يكبر الله ويستغفره ، ويصلي على رسوله ويقول : اللهم احكم بيننا وبين قوم غرونا وكذبونا وخذلونا ، فأشرف على موضع الحذاتين فضرب عنقه وأتبع جسده رأسه .

ثم أمر ابن زياد بهاني في الحال فقال : أخرجوه إلى السوق فاضربوا عنقه ، فأخرج وهو مكتوف فجعل يقول : وامذحجاه ولا مذحج لي اليوم ، يا مذحجاه يا مذحجاه ، وأين مذحج ؟ فلما رأى أن أحدا لا ينصره جذب يده فنزعها من الكتاف وهو يقول : أما من عصا أو سكين أو حجر يحاجز بها رجل عن نفسه ؟ فوثبوا إليه فشدوه وثاقا ثم قيل له : مد عنقك .

فقال : ما أنا بها سخي ، وما أنا بمعينكم على نفسي .

فضربه مولى لابن مرجانة - تركي - بالسيف فلم يصنع شيئا ، فقال هاني : إلى الله المعاد ، اللهم إلى رحمتك ورضوانك ثم ضربه أخرى فقتله شهيدا محتسبا .

وفي مسلم وهاني يقول عبد الله بن زبير الأسدي :

فإن كنت لا تدرين ما الموت فانظري * إلى هانئ في السوق وابن عقيل
إلى بطل قد هشم السيف وجهه * وآخر يهوى من طمار قتيل
أصابهما أمر اللعين فأصبحا * أحاديث من يسري بكل سبيل
ترى جسدا قد غير الموت لونه * ونضح دم قد سال كل مسيل
فتى كان أحيى من فتاة حيية * وأقطع من ذي شفرتين صقيل

نسألكم الدعاء

اللهم اجعلنا من شيعة الزهراء وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها ولا تفرق بيننا وبينهم في الدنيا والآخرة

خادم الزهراء 11-Jan-2010 02:41 PM

اللهم صل على الزهراء وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها
اللهم واشفي قلب الزهراء صلوات الله عليها بظهور وليك المهدي صلوات الله عليه وعلى آبائه الطيبين الطاهرين
واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين

[ المجلس السابع ]

لما عزم الحسين عليه السلام على الخروج إلى العراق قام خطيبا ، فكان مما قال : وما أولهني إلى أسلافي اشتياق يعقوب إلى يوسف ، وخير لي مصرع أنا لاقيه ، كأني بأوصالي تقطعها عسلان الفلوات بين النواويس وكربلاء ، فيملأن مني أكراشا جوفا ، وأجربة سغبا ، لا محيص عن يوم خط بالقلم ، رضا الله رضانا أهل البيت ، نصبر على بلائه ، ويوفينا أجر الصابرين ، لن تشذ عن رسول الله صلى الله عليه وآله لحمته ، بل هي مجموعة له في حضيرة القدس ، تقر بهم عينه ، وينجز بهم وعده ، ألا ومن كان باذلا فينا مهجته ، وموطئا على لقاء الله نفسه ، فليرحل معنا ، فإني راحل مصبحا إن شاء الله تعالى .


وجاءه تلك الليلة أخوه محمد بن الحنفية فقال له : يا أخي إن أهل الكوفة من قد عرفت غدرهم بأبيك وأخيك ، وقد خفت أن يكون حالك كحال من مضى ، فإن رأيت أن تقيم فإنك أعز من في الحرم وأمنعه .

فقال عليه السلام : يا أخي قد خفت أن يغتالني يزيد في الحرم فأكون الذي يستباح به حرمة هذا البيت .

فقال له ابن الحنفية : فإن خفت ذلك فسر إلى اليمن ، أو بعض نواحي البر ، فإنك أمنع الناس به ، ولا يقدر عليك .

فقال عليه السلام : أنظر فيما قلت .

فلما كان في السحر ارتحل عليه السلام ، فبلغ ذلك ابن الحنفية فأتاه فأخذ زمام ناقته التي ركبها . فقال له : يا أخي ألم تعدني النظر فيما سألتك ؟ قال : بلى .

قال : فما حداك على الخروج عاجلا ؟ قال : أتاني رسول الله صلى الله عليه وآله بعد ما فارقتك ، فقال : يا حسين أخرج ، فإن الله قد شاء أن يراك قتيلا .

فقال له ابن الحنفية : إنا لله وإنا إليه راجعون ، فما معنى حملك هؤلاء النساء معك على مثل هذه الحالة . فقال له : قد قال لي : إن الله شاء أن يراهن سبايا .

ولقيه أبو محمد الراقدي وزرارة بن خلج قبل أن يخرج عليه السلام إلى العراق فأخبراه ضعف الناس بالكوفة ، وأن قلوبهم معه وسيوفهم عليه ، فأومأ بيده نحو السماء ففتحت أبوابها ، ونزلت الملائكة عدد لا يحصيهم إلا الله عز وجل فقال : لولا تقارب الأشياء ، وهبوط الأجل لقاتلتهم بهؤلاء ، ولكن أعلم يقينا أن هناك مصرعي ، ومصرع أصحابي لا ينجو منهم إلا ولدي .

وخرج - بأبي وأمي - يوم الثلاثاء لثمان مضين من ذي الحجة سنة ستين .

قال معمر بن المثنى - في كتاب مقتل الحسين - : فلما كان يوم التروية قدم عمر بن سعد بن أبي وقاص إلى مكة في جند كثيف ، قد أمره يزيد أن يناجز الحسين القتال إن هو ناجزه ، أو يقتله إن قدر عليه .

فخرج الحسين عليه السلام يوم التروية ، حين يخرج إلى عرفة إذ لم يتمكن من تمام حجه ، مخافة أن تستباح حرمات بيت الله الحرام ، ومشاعره العظام ، فأحل - بأبي وأمي - من إحرامه ، وجعلها عمرة مفردة .

وقد انجلى عن مكة وهو ابنها وبه تشرفت الحطيم وزمزم ولم يدر أين يريح بدن ركابه فكأنما المأوى عليه محرم وعن الصادق عليه السلام - فيما رواه المفيد بإسناده إليه - قال : لما سار الحسين صلوات الله عليه من مكة لقيه أفواج من الملائكة المسومين والمردفين في أيديهم الحراب على نجب من نجب الجنة ، فسلموا عليه وقالوا : يا حجة الله على خلقه بعد جده وأبيه وأخيه ، إن الله عز وجل أمد جدك رسول الله صلى الله عليه وآله بنا في مواطن كثيرة ، وأن الله أمدك بنا .

فقال لهم : الموعد حفرتي وبقعتي التي استشهد فيها وهي كربلاء ، فإذا وردتها فأتوني .

فقالوا : يا حجة الله إن الله أمرنا أن نسمع لك ونطيع ، فهل تخشى من عدو يلقاك فنكون معك . فقال : لا سبيل لهم علي ، ولا يلقوني بكريهة أو أصل إلى بقعتي .

وأتته أفواج من مؤمني الجن فقالوا له : يا مولانا نحن شيعتك وأنصارك فمرنا بما تشاء ، فلو أمرتنا بقتل كل عدو لك وأنت بمكانك لكفيناك ذلك .

فجزاهم خيرا .

وقال لهم : أما قرأتم كتاب الله المنزل على جدي رسول الله صلى الله عليه وآله في قوله : قل لو كنتم في بيوتكم لبرز الذين كتب عليهم القتل إلى مضاجعهم .

فإذا أقمت في مكاني فبماذا يمتحن هذا الخلق المتعوس ، وبماذا يختبرون ، ومن ذا يكون ساكن حفرتي ، وقد اختارها الله تعالى لي يوم دحى الأرض ، وجعلها معقلا لشيعتنا ومحبينا ، تقبل فيها أعمالهم وصلواتهم ، ويجاب دعاؤهم ، وتسكن إليها شيعتنا ، فنكون لهم أمانا في الدنيا والآخرة ، ولكن تحضرون يوم عاشوراء الذي في آخره أقتل ، ولا يبقى بعدي مطلوب من أهلي ونسبي وإخوتي وأهل بيتي ، ويسار برأسي إلى يزيد بن معاوية .

ساروا برأسك يا بن بنت محمد * متزملا بدمائه تزميلا
وكأنما بك يا بن بنت محمد * قتلوا جهارا عامدين رسولا
قتلوك عطشانا ولما يرقبوا * في قتلك التأويل والتنزيلا
ويكبرون بأن قتلت وإنما * قتلوا بك التكبير والتهليلا
رأس ابن بنت محمد ووصيه * للناظرين على قناة يرفع
والمسلمون بمنظر وبمسمع * لا منكر منهم ولا متفجع
كحلت بمنظرك العيون عماية * وأصم رزؤك كل أذن تسمع

نسألكم الدعاء

اللهم اجعلنا من شيعة الزهراء وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها ولا تفرق بيننا وبينهم في الدنيا والآخرة

خادم الزهراء 12-Jan-2010 04:22 PM

اللهم صل على الزهراء وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها
اللهم واشفي قلب الزهراء صلوات الله عليها بظهور وليك المهدي صلوات الله عليه وعلى آبائه الطيبين الطاهرين
واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين

[ المجلس الثامن ]

كان توجه الحسين عليه السلام من مكة إلى العراق يوم خروج مسلم للقتال بالكوفة ، وهو يوم التروية ، واستشهد مسلم في الثامن من خروجه وهو يوم عرفة ، وكان قد اجتمع إلى الحسين نفر من أصحابه من أهل الحجاز والبصرة انضافوا إلى أهل بيته ومواليه .

ولما أراد التوجه إلى العراق طاف وسعى وحل من إحرام جعلها عمرة مفردة وخرج مبادرا بأهله وولده ، ومن انضم إليه من شيعته .

وروي عن الفرزدق الشاعر أنه قال : حججت بأمي سنة ستين فبينا أنا أسوق بعيرها حين دخلت الحرم ، إذ لقيت الحسين عليه السلام خارجا من مكة في أسيافه وأتراسه ، فقلت : لمن هذا القطار ؟ فقيل : للحسين بن علي عليهما السلام .

فأتيته فسلمت عليه وقلت : أعطاك الله سؤلك وأملك فيما تحب بأبي أنت وأمي يا بن رسول الله ما أعجلك عن الحج ؟ فقال : لو لم أعجل لأخذت ، من أنت ؟ فقلت : امرؤ من العرب ، فوالله ما فتشني عن أكثر من ذلك .

ثم قال : أخبرني عن الناس خلفك ؟ فقلت : الخبير سألت ، قلوب الناس معك ، وأسيافهم عليك ، والقضاء ينزل من السماء .

فقال : صدقت لله الأمر وكل يوم هو في شأن ، إن نزل القضاء بما نحب فنحمد الله على نعمائه ، وهو المستعان على أداء الشكر ، وإن حال القضاء دون الرجاء فلم يبعد من كان الحق نيته والتقوى سريرته .

فقلت : أجل بلغك الله ما تحب ، وكفاك ما تحذر ، وسألته عن أشياء من نذور ومناسك فأخبرني بها ، وحرك راحلته وقال : السلام عليك ، ثم افترقنا .

وكان سلام الله عليه لما خرج اعترضه يحيى بن سعيد وجماعة أرسلهم عمرو بن سعيد بن العاص - والي يزيد يومئذ على مكة - فأبى عليهم الحسين عليه السلام وامتنع منهم هو وأصحابه امتناعا قويا ، وتدافع الفريقان واضطربوا بالسياط .

وسار - بأبي وأمي - حتى أتى التنعيم فلقي عيرا قد أقبلت من اليمن فاستأجر من أهلها جمالا لرحله وأصحابه .

وألحقه عبد الله بن جعفر بابنيه عون ومحمد وكتب معهما إليه كتابا يقول فيه : أما بعد : فإني أسألك بالله لما انصرفت حين تنظر في كتابي فإني مشفق عليك من الوجه الذي توجهت له أن يكون فيه هلاكك واستئصال أهل بيتك ، وإن هلكت اليوم طفئ نور الأرض ، فإنك علم المهتدين ، ورجاء المؤمنين ، فلا تعجل في المسير فإني في أثر كتابي والسلام .

وذهب عبد الله إلى عمرو بن سعيد فسأله أن يكتب للحسين أمانا ليرجع عن وجهه ، فكتب إليه عمرو في ذلك ، وأنفذ كتابه مع أخيه يحيى وعبد الله بن جعفر ، ودفعا إليه الكتاب ، وجهدا به في الرجوع .

فقال : إني رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله في المنام ، وأمرني بما أنا ماض فيه .

ولما يأس عبد الله بن جعفر أمر ابنيه عونا ومحمدا بلزومه والمسير معه ، والجهاد دونه ، ورجع مع يحيى بن سعيد إلى مكة .

وتوجه الحسين عليه السلام نحو العراق مغذا لا يلوي على شئ ، حتى نزل ذات عرق فلقي بشر بن غالب واردا من العراق ، فسأله عن أهلها .

فقال : خلفت القلوب معك ، والسيوف مع بني أمية .

فقال : صدق أخو بني أسد إن الله يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد .

ولما بلغ عبيد الله بن زياد إقبال الحسين عليه السلام من مكة ، بعث صاحب شرطته الحصين بن نمير حتى نزل القادسية ، ونظم الخيل ما بين القادسية إلى خفان ، وما بين القادسية إلى القطقطانية .

ولما بلغ الحسين عليه السلام الحاجز من بطن الرمة بعث قيس بن مسهر الصيداوي - وقيل بل بعث أخاه من الرضاعة عبد الله بن يقطر - إلى الكوفة ، ولم يكن عليه السلام علم بخبر ابن عقيل وكتب معه إليهم : بسم الله الرحمن الرحيم من الحسين بن علي .

إلى إخوانه من المؤمنين والمسلمين : سلام عليكم فإني أحمد إليكم الله الذي لا إله إلا هو .

أما بعد : فإن كتاب مسلم بن عقيل جاءني يخبر فيه بحسن رأيكم ، واجتماع ملأكم على نصرنا ، والطلب بحقنا ، فسألت الله أن يحسن لكم الصنع ، وأن يثيبكم على ذلك أعظم الأجر ، وقد شخصت إليكم من مكة يوم الثلاثاء لثمان مضين من ذي الحجة يوم التروية فإذا قدم عليكم رسولي فانكمشوا في أمركم وجدوا فإني قادم عليكم في أيامي هذه والسلام .

وكان مسلم كتب إليه قبل أن يقتل بسبع وعشرين ليلة ، وكتب إليه أهل الكوفة : أن لك هنا مائة ألف سيف فلا تتأخر .

وأقبل قيس بن مسهر إلى الكوفة بكتاب الحسين عليه السلام حتى انتهى إلى القادسية ، أخذه الحصين بن نمير فبعث به إلى ابن زياد فأمره اللعين أن يسب الحسين وأباه وأخاه على المنبر ، فصعد قيس فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : أيها الناس إن هذا الحسين بن علي خير خلق الله ، وابن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وأنا رسوله إليكم فأجيبوه ، ثم لعن عبيد الله بن زياد وأباه ، واستغفر لعلي بن أبي طالب وصلى عليه .

فأمر ابن زياد أن يرمى به من فوق القصر ، فرموا به فتقطع .

وروي : أنه وقع إلى الأرض مكتوفا فتكسرت عظامه وبقي به رمق ، فجاءه عبد الملك بن عمير اللخمي فذبحه .

وأقبل الحسين عليه السلام من الحاجز يسير نحو الكوفة فانتهى إلى ماء من مياه العرب فإذا عليه عبد الله بن مطيع العدوي ، فلما رأى الحسين عليه السلام قام إليه فقال : بأبي أنت وأمي يا بن رسول الله ما أقدمك ؟ واحتمله فأنزله .

فقال له الحسين عليه السلام : كان من موت معاوية ما قد بلغك ، فكتب إلي أهل العراق يدعونني إلى أنفسهم .

فقال ابن مطيع : أذكرك الله يا بن رسول الله وحرمة الإسلام أن تنهتك ، أنشدك الله في حرمة قريش ، أنشدك الله في حرمة العرب ، فوالله لئن طلبت ما في أيدي بني أمية ليقتلنك ، ولئن قتلوك لا يهابوا بعدك أحدا ، والله إنها لحرمة الإسلام تنهتك ، وحرمة قريش ، وحرمة العرب ، فلا تفعل ، ولا تأت الكوفة ، ولا تعرض نفسك لبني أمية .


فأبى الحسين عليه السلام إلا أن يمضي إنجازا لمقاصده السامية .

وكان ابن زياد أمر فأخذ ما بين واقصة إلى طريق الشام إلى طريق البصرة فلا يدعون أحدا يلج ، ولا أحدا يخرج .

وأقبل الحسين عليه السلام فلقي الأعراب فسألهم فقالوا : ما ندري ، غير أنا لا نستطيع أن نلج ولا نخرج ، فسار - بأبي وأمي - تلقاء وجهه .

وحدث جماعة من فزارة وبجيلة ، قالوا : كنا مع زهير بن القين البجلي حين أقبلنا من مكة فكنا نساير الحسين عليه السلام ، فلم يكن شئ أبغض إلينا من أن ننازله في منزل فإذا نزل منزلا لم نجد بدا من أن ننازله فيه ، كنا ننزل في جانب غير الجانب الذي ينزل فيه الحسين عليه السلام .

فبينا نحن جلوس نتغذى من طعام لنا إذ أقبل رسول الحسين عليه السلام حتى سلم ، ثم قال : يا زهير إن أبا عبد الله الحسين عليه السلام بعثني إليك لتأتيه .

فطرح كل إنسان منا ما في يده حتى كأن على رؤوسنا الطير ، فقالت له امرأته - وهي ديلم بنت عمر - : سبحان الله أيبعث إليك ابن رسول الله ثم لا تأتيه ؟ ! فلو أتيته فسمعت من كلامه .

فمضى إليه زهير فما لبث أن جاء مستبشرا قد أشرق وجهه ، فأمر بفسطاطه وثقله ورحله ومتاعه فحول إلى الحسين عليه السلام .

ثم قال لامرأته : أنت طالق ، إلحقي بأهلك ، فإني لا أحب أن يصيبك بسببي إلا خيرا ، وقد عزمت على صحبة الحسين عليه السلام لأفديه بروحي ، وأقيه بنفسي ، ثم أعطاها ما لها وسلمها إلى بعض بني عمها ليوصلها إلى أهلها .

فقامت إليه وبكت وودعته وقالت : خسار الله لك ، أسألك أن تذكرني في القيامة عند جد الحسين عليه السلام . ثم قال لأصحابه : من أحب منكم أن يتبعني ، وإلا فهو آخر العهد بي .

إني سأحدثكم حديثا : إنا غزونا البحر ففتح الله علينا ، وأصبنا غنائم ، فقال لنا سلمان الفارسي: أفرحتم بما فتح الله عليكم وأصبتم من الغنائم ؟ قلنا : نعم .

فقال : إذا أدركتم سيد شباب آل محمد فكونوا أشد فرحا بقتالكم معه مما أصبتم اليوم ، فأما أنا فأستودعكم الله ، ثم لحق بالحسين عليه السلام ففاز بنصرته .

وروى عبد الله بن سليمان ، والمنذر بن مشعل الأسديان ، قالا : لما قضينا حجنا لم تكن لنا همة إلا اللحاق بالحسين عليه السلام في الطريق لننظر ما يكون من أمره ، فأقبلنا ترفل بنا ناقتانا مسرعين حتى لحقناه بزرود ، فلما دنونا منه إذا نحن برجل من أهل الكوفة قد عدل عن الطريق حين رأى الحسين عليه السلام فوقف سلام الله عليه كأنه يريده ، ثم تركه ومضى .

ومضينا نحوه حتى انتهينا إليه ، فقلنا : السلام عليك .

فقال : وعليكم السلام .

قلنا : من الرجل ؟ قال : أسدي .

قلنا له : ونحن أسديان .

فمن أنت ؟ قال : أنا بكر بن فلان وانتسبنا له ، ثم قلنا له : أخبرنا عن الناس وراءك ؟ قال : نعم لم أخرج من الكوفة حتى قتل مسلم بن عقيل وهاني بن عروة ورأيتهما يجران بأرجلهما في السوق .

فأقبلنا حتى لحقنا الحسين عليه السلام فسايرناه حتى نزل الثعلبية ممسيا فجئناه حين نزل فسلمنا عليه فرد علينا السلام .

فقلنا له : رحمك الله إن عندنا خبرا إن شئت حدثناك به علانية ، وإن شئت سرا .

فنظر إلينا وإلى أصحابه ، ثم قال : ما دون هؤلاء سر .

فقلنا له : أرأيت الراكب الذي استقبلته مساء أمس ؟ قال : نعم .

وقد أردت مسألته .

فقلنا : قد والله استبرأنا لك خبره ، وكفيناك مسألته ، وهو امرؤ منا ذو رأي وصدق وعقل ، وأنه حدثنا أنه لم يخرج من الكوفة حتى قتل مسلم وهاني ، ورآهما يجران في السوق بأرجلهما : فقال : إنا لله وإنا إليه راجعون رحمة الله عليهما يردد ذلك مرارا .

ثم انتظر حتى إذا كان السحر ، قال لفتيانه وغلمانه : أكثروا من الماء ، فاستقوا وأكثروا ، ثم ارتحلوا .

فسار حتى انتهى إلى زبالة ، فأتاه خبر عبد الله بن يقطر ، فأخرج إلى الناس كتابا قرأ عليهم وفيه : بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد : فإنه قد أتانا خبر فظيع قتل مسلم بن عقيل وهاني بن عروة وعبد الله بن يقطر ، وقد خذلنا شيعتنا ، فمن أحب منكم الانصراف فلينصرف في غير حرج ليس معه ذمام .

فتفرق الناس عنه ، وأخذوا يمينا وشمالا حتى بقي في أصحابه الذين جاءوا معه من المدينة ونفر يسير ممن انضموا إليه ، وإنما فعل ذلك لأنه عليه السلام علم أن الأعراب الذين اتبعوه إنما اتبعوه لأنهم ظنوا أنه يأتي بلدا استقامت له طاعة أهله ، فكره أن يسيروا معه إلا وهم يعلمون على ما يقدمون .

ثم صار حتى مر ببطن العقبة فنزل عليها ، فلقيه شيخ من بني عكرمة يقال له عمر بن لوذان ، فسأله : أين تريد ؟ فقال عليه السلام : الكوفة .

فقال الشيخ : أنشدك لما انصرفت ، فوالله ما تقدم إلا على الأسنة وحد السيوف ، وإن هؤلاء الذين بعثوا إليك لو كانوا كفوك مؤنة القتال ، ووطؤوا لك الأشياء فقدمت عليهم كان ذلك رأيا ، فأما على هذه الحال التي تذكر فإني لا أرى لك أن تفعل .

فقال له : يا عبد الله لا يخفى علي الرأي ، لكن الله تعالى لا يغلب على أمره .

ثم قال عليه السلام : والله لا يدعونني حتى يستخرجوا هذه العلقة من جوفي ، فإذا فعلوا ذلك سلط الله عليهم من يذلهم حتى يكونوا أذل فرق الأمم .

إن يقتلوك فلا عن فقد معرفة * الشمس معروفة بالعين والأثر
قد كنت في مشرق الدنيا ومغربها * كالحمد لم تغن عنها سائر السور




نسألكم الدعاء

اللهم اجعلنا من شيعة الزهراء وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها ولا تفرق بيننا وبينهم في الدنيا والآخرة

خادم الزهراء 14-Jan-2010 01:22 PM

اللهم صل على الزهراء وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها
اللهم واشفي قلب الزهراء صلوات الله عليها بظهور وليك المهدي صلوات الله عليه وعلى آبائه الطيبين الطاهرين
واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين

[ المجلس التاسع ]

سار الحسين عليه السلام حتى صار على مرحلتين من الكوفة ، فإذا بالحر بن يزيد في ألف فارس ، فقال له الحسين عليه السلام : ألنا أم علينا ؟ فقال : بل عليك يا أبا عبد الله .

فقال عليه السلام : لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .

ثم تردد الكلام بينهما حتى قال الحسين عليه السلام : فإن كنتم على خلاف ما أتتني به كتبكم وقدمت به علي رسلكم ، فإني راجع إلى الموضع الذي أتيت منه ، فمنعه الحر وأصحابه ، وقال : بل خذ يا بن رسول الله طريقا لا يدخلك الكوفة ، ولا يصلك إلى المدينة لأعتذر إلى ابن زياد بأنك خالفتني في الطريق .

فتياسر الحسين عليه السلام حتى إذا وصل إلى عذيب الهجانات ، فورد كتاب عبيد الله بن زياد لعنه الله إلى الحر يلومه في أمر الحسين ، ويأمره بالتضييق عليه ، فعرض له الحر وأصحابه ومنعوه من السير .

فقال له الحسين عليه السلام : ألم تأمرنا بالعدول عن الطريق ؟ فقال له الحر : بلى ، ولكن كتاب الأمير قد وصل يأمرني فيه بالتضييق عليك ، وقد جعل علي عينا يطالبني بذلك .

فقام الحسين عليه السلام خطيبا في أصحابه ، فحمد الله وأثنى عليه وذكر جده فصلى عليه ، ثم قال : إنه قد نزل بنا من الأمر ما قد ترون ، وإن الدنيا قد تغيرت وتنكرت وأدبر معروفها واستمرت هذاء ، ولم يبق منها إلا صبابة كصبابة الأناء ، وخسيس عيش كالمرعى الوبيل ، ألا ترون إلى الحق لا يعمل به ، وإلى الباطل لا يتناهى عنه ، فليرغب المؤمن في لقاء ربه محقا ، فإني لا أرى الموت إلا سعادة ، والحياة مع الظالمين إلا برما .

فقام زهير بن القين فقال : سمعنا يا بن رسول الله مقالتك ، ولو كانت الدنيا لنا باقية ، وكنا فيها مخلدين ، لآثرنا النهوض معك على الإقامة .

وقام هلال بن نافع البجلي فقال : والله ما كرهنا لقاء ربنا ، وإنا على نياتنا وبصائرنا نوالي من والاك ونعادي من عاداك .

وقام برير بن خضير فقال : والله يا بن رسول الله لقد من الله بك علينا أن نقاتل بين يديك ، وتقطع فيك أعضاؤنا ثم يكون جدك شفيعنا يوم القيامة .

ثم إن الحسين عليه السلام ركب وسار - وكلما أراد المسير يمنعونه تارة ، ويسايرونه أخرى - وقد عظم رعب النساء ووجل الأطفال حينئذ بما لا مزيد عليه - حتى بلغوا كربلاء في اليوم الثاني من المحرم فسأل الحسين عليه السلام عن اسم الأرض .

فقيل : كربلاء . فقال : اللهم إني أعوذ بك من الكرب والبلاء ، ثم قال : هذا موضع كرب وبلاء ، انزلوا ، هاهنا محط ركابنا ، وسفك دمائنا ، وهنا محل قبورنا بهذا حدثني جدي رسول الله صلى الله عليه وآله ، فنزلوا جميعا ، ونزل الحر وأصحابه ناحية .

وجلس الحسين عليه السلام يصلح سيفه ويقول :

يا دهر أف لك من خليل * كم لك بالأشراق والأصيل
من طالب وصاحب قتيل * والدهر لا يقنع بالبديل
وكل حي سالك سبيل ما * أقرب الوعد من الرحيل
إنما الأمر إلى الجليل

فسمعت أخته زينب فقالت : يا أخي هذا كلام من أيقن بالقتل .

فقال : نعم يا أختاه . فقالت زينب : واثكلاه ينعى الحسين إلي نفسه ، وبكى النسوة ولطمن الخدود ، وشققن الجيوب ، وجعلت أم كلثوم تنادي : وا محمداه وا علياه وا أماه وا أخاه وا حسناه وا ضيعتنا بعدك يا أبا عبد الله .

فعزاها الحسين عليه السلام وقال لها : يا أختاه تعزي بعزاء الله فإن سكان السماوات يفنون ، وأهل الأرض كلهم يموتون ، وجميع البرية يهلكون .

وروي من طريق آخر أنها عليها السلام لما سمعت مضمون الأبيات ، وكانت في موضع منفردة مع النساء والبنات خرجت حاسرة تجر ثوبها حتى وقفت عليه فقالت : واثكلاه ، ليت الموت أعدمني الحياة ، اليوم ماتت أمي فاطمة وأبي علي وأخي الحسن ، يا خليفة الماضين وثمال الباقين .

فنظر إليها الحسين عليه السلام وقال : يا أختاه ، لا يذهبن بحلمك الشيطان . فقالت : بأبي أنت وأمي أتستقتل نفسي لك الفداء .

فرددت عليه غصته ، وتغرغرت عيناه بالدموع ، ثم قال : ولو ترك القطا ليلا لنامة .

فقالت : يا ويلتاه ، أفتغتصب نفسك اغتصابا ، فذلك أقرح لقلبي ، وأشد على نفسي ، ثم أهوت إلى جيبها فشقته ، وخرت مغشيا عليها .

فقام عليه السلام فصب عليها الماء حتى أفاقت .

نادت فقطعت القلوب بشجوها * لكنما انتظم البيان فريدا
إنسان عيني يا حسين أخي يا * أملي وعقد جماني المنضودا
إن تنع أعطت كل قلب حسرة * أو تدع صدعت الجبال الميدا
عبراتها تحيي الثرى لو لم تكن * زفراتها تدع الرياض همودا

نسألكم الدعاء

اللهم اجعلنا من شيعة الزهراء وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها ولا تفرق بيننا وبينهم في الدنيا والآخرة

خادم الزهراء 14-Jan-2010 01:33 PM

اللهم صل على الزهراء وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها
اللهم واشفي قلب الزهراء صلوات الله عليها بظهور وليك المهدي صلوات الله عليه وعلى آبائه الطيبين الطاهرين
واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين

[ المجلس العاشر ]

لما نزل الحسين عليه السلام بأرض كربلاء ، كان نافع بن هلال البجلي من أخص أصحابه به وأكثرهم ملازمة له ، ولا سيما في مظان الاغتيال ، لأنه كان حازما بصيرا بالسياسة .

فخرج الحسين عليه السلام ذات ليلة خارج الخيام حتى أبعد ، فتقلد نافع سيفه وأسرع في أثره ، فرآه يختبر الثنايا والعقبات والأكمات المشرفة على المنزل فالتفت الحسين عليه السلام فرآه فقال : من الرجل ؟ نافع ؟ قال : نعم ، جعلت فداك يا بن رسول الله .

فقال : يا نافع ما أخرجك في هذا الليل ؟ فقال : سيدي أزعجني خروجك ليلا إلى جهة هذا الباغي .

فقال : يا نافع خرجت أتفقد هذه التلعات مخافة أن تكون مكمنا لهجوم الخيل على مخيمنا يوم يحملون وتحملون .

قال : ثم رجع وهو قابض على يساري وهو يقول : هي هي والله وعد لا خلف فيه .

ثم قال : يا نافع ، ألا تسلك بين هذين الجبلين وانج بنفسك فوقع نافع بن هلال على قدميه يقبلهما ويبكي وهو يقول : إذن ثكلت نافعا أمه ، سيدي إن سيفي بألف وفرسي بمثله ، فوالله الذي من علي بك في هذا المكان لن أفارقك أبا عبد الله حتى يكلأ عن فري وجري .

قال نافع : ثم فارقني ودخل خيمة أخته زينب عليهما السلام ووقفت انتظره ، فاستقبلته زينب ووضعت له متكأ وجلس يحدثها سرا فما لبثت أن اختنقت بعبرتها ونادت : وا أخاه وا حسيناه ، أشاهد مصرعك وابتلي برعايتي هذه المذاعير من النساء ، والقوم يا بن أمي كما تعلم ما هم عليه من الحقد القديم ذلك خطب جسيم يعز علي مصرع هذه الفتية وأقمار بني هاشم .

ثم قالت : يا بن أمي هل استعلمت من أصحابك نياتهم فإني أخاف أن يسلموك عند الوثبة واصطكاك الأسنة ، فبكى الحسين عليه السلام وقال : أما والله لقد بلوتهم فما رأيت فيهم إلا الأشوس الأقعس يستأنسون بالمنية دوني استئناس الطفل بلبن أمه .

قال نافع : فبكيت رقة لها ، ثم أتيت حبيب بن مظاهر فرأيته جالسا في خيمته وبيده سيف مصلت وهو يقول كأنه يخاطبه :
أيها الصارم استعد جوابا * لسؤال إذا العجاج أثيرا
والمواضي برق وقد تخذ البا * سل المطهمات سريرا

قال نافع : فسلمت عليه فرد السلام ، ثم قال : يا أخي ما الذي أخرجك في هذا الليل ؟ فحكيت له القصة من أولها إلى ما كان من قوله عليه السلام : ( يستأنسون بالمنية دوني استئناس الطفل بلبن أمه ) .

فقام حبيب قائما على قدميه وقال : أي والله ، لولا انتظار أمره لعاجلتهم وعالجتهم الليلة بسيفي هذا ما ثبت قائمه بيدي .

ثم قال نافع : يا أخي فارقت الحسين عليه السلام مع أخته زينب في حال وجل ورعب ، وأظن أن النساء قد شاركنها في الزفرة والحسرة فهل لك أن تجمع أصحابك وتمضي إليهم بكلام يسكن قلوبهن ويذهب رعبهن ، فلقد شاهدت ما لا قرار لي على بقائه .

فقال : أنا طوع إرادتك ، فبرز حبيب ناحية ونافع إلى جنبه وانتدب أصحابه فنادى : أين أنصار الله ؟ أين أنصار رسول الله صلى الله عليه وآله ، أين أنصار أمير المؤمنين ؟ أين أنصار فاطمة ؟ أين أنصار الحسين ؟ أين أنصار الإسلام ؟ فتطالعوا من منازلهم كالليوث الضارية يقدمهم أبو الفضل العباس عليه السلام فلما اجتمعوا قال لبني هاشم : ( ارجعوا إلى منازلكم لا سهرت عيونكم ، ثم خطب أصحابه فقال : يا أصحاب الحمية ، وليوث الكريهة ، هذا نافع بن هلال يخبرني الساعة بكذا وكذا فأخبروني عن نياتكم ، فجردوا صوارمهم ، ورموا عمائمهم وقالوا : أما والله يا بن مظاهر لئن زحف القوم إلينا لنحصدن رؤوسهم ولنلحقهم بأشياخهم ، ولنحفظن رسول الله صلى الله عليه وآله في عترته وذريته .


فقال لهم حبيب : معي معي ، فقام يخبط الأرض بهم وهم يعدون خلفه حتى وقف بين أطناب الخيم ونادى : السلام عليكم يا ساداتنا .

السلام عليكم يا معشر حرم رسول الله صلى الله عليه وآله .

هذه صوارم فتيانكم آلوا أن لا يغمدوها إلا في رقاب من يبتغي السوء فيكم .

وهذه أسنة غلمانكم آلوا أن لا يركزوها إلا في صدور من يفرق بين ناديكم .

فخرج إليهم الحسين عليه السلام وقال : أصحابي جزاكم الله عن أهل بيت نبيكم خيرا .

رجال تواصوا حيث طابت أصولهم وأنفسهم بالصبر حتى قضوا صبرا حماة حموا خدرا أبى الله هتكه فعظمه شأنا وشرفه فأصبح نهبا للمغاوير بعدهم ومنه بنات المصطفى أبرزت حسرا

نسألكم الدعاء

اللهم اجعلنا من شيعة الزهراء وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها ولا تفرق بيننا وبينهم في الدنيا والآخرة

خادم الزهراء 16-Jan-2010 11:22 AM

اللهم صل على الزهراء وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها
اللهم واشفي قلب الزهراء صلوات الله عليها بظهور وليك المهدي صلوات الله عليه وعلى آبائه الطيبين الطاهرين
واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين

[ المجلس الحادي العشر ]

عن مولانا الصادق عليه السلام أنه قال : سمعت أبي يقول : لما التقى الحسين عليه السلام وعمر بن سعد وقامت الحرب أنزل الله النصر حتى رفرف على رأس الحسين ثم خير بين النصر على أعدائه وبين لقاء الله فاختار لقاء الله .

ثم صاح الحسين عليه السلام : أما من مغيث يغيثنا لوجه الله ؟ أما من ذاب يذب عن حرم رسول الله ؟ قال : فإذا الحر بن يزيد الرياحي قد أقبل إلى ابن سعد فقال : أمقاتل أنت هذا الرجل ؟ فقال : أي والله ، قتال أيسره أن تطير الرؤوس وتطيح الأيدي .

قال : فمضى الحر ووقف موقفا من أصحابه وأخذه مثل الأفكل .

فقال له المهاجر بن أوس : والله إن أمرك لمريب ، ولو قيل لي : من أشجع أهل الكوفة لما عدوتك ، فما هذا الذي أرى منك ؟ فقال : والله إني أخير نفسي بين الجنة والنار ، فوالله لا أختار على الجنة شيئا ولو قطعت وحرقت .

ثم ضرب فرسه قاصدا إلى الحسين عليه السلام ويده على رأسه وهو يقول : اللهم إليك أنبت فتب علي ، فقد أرعبت قلوب أولياؤك أولاد بنت نبيك .

وقال للحسين عليه السلام : جعلت فداك أنا صاحبك الذي حبسك عن الرجوع وجعجع بك ، وما ظننت أن القوم يبلغون بك ما أرى ، وأنا تائب إلى الله تعالى فهل ترى لي من توبة .

فقال له الحسين عليه السلام : نعم ، يتوب الله عليك فأنزل .

فقال : أنا لك فارسا خير مني لك راجلا وإلى النزول يصير آخر أمري .

ثم قال : كنت أول من خرج عليك فأذن لي أن أكون أول قتيل بين يديك لعلي أكون ممن يصافح جدك محمدا صلى الله عليه وآله غدا في القيامة .

فأذن له فجعل يقاتل أحسن قتال حتى قتل جماعة من الشجعان والأبطال ثم استشهد فحمل إلى الحسين عليه السلام فجعل يمسح التراب عن وجهه ويقول : أنت الحر كما سمتك أمك حرا في الدنيا والآخرة .

[ قال ] : وخرج برير بن خضير : وكان زاهدا عابدا فخرج إليه يزيد بن المغفل فاتفقا على المباهلة إلى الله تعالى : في أن يقتل المحق منهما المبطل ، وتلاقيا ، فقتله برير ، ولم يزل يقاتل حتى قتل رحمه الله تعالى .

[ قال ] : وخرج وهب بن حباب الكلبي ، فأحسن في الجلاد ، وبالغ في الجهاد ، وكانت معه امرأته ووالدته فرجع إليهما وقال : يا أماه أرضيت أم لا ؟ فقالت الأم : ما رضيت حتى تقتل بين يدي الحسين عليه السلام .

وقالت امرأته : بالله عليك لا تفجعني بنفسك .

فقالت له أمه : يا بني أعزب عن قول زوجتك وارجع فقاتل بين يدي ابن بنت نبيك تنل شفاعة جده يوم القيامة .

فرجع ولم يزل يقاتل حتى قطعت يداه ، فأخذت امرأته عمودا وأقبلت نحوه وهي تقول : فداك أبي وأمي قاتل دون الطيبين حرم رسول الله صلى الله عليه وآله ، فأقبل كي يردها إلى النساء ، فأخذت بجانب ثوبه وقالت : لن أعود دون أن أموت معك .

فقال الحسين عليه السلام : ( جزيتم من أهل بيت خيرا ، ارجعي إلى النساء رحمك الله ) فانصرفت إليهن . ولم يزل الكلبي يقاتل حتى قتل رضوان الله عليه .

[ قال ] : ثم خرج مسلم بن عوسجة رحمه الله فبالغ في قتال الأعداء ، وصبر على أهوال البلاء حتى سقط إلى الأرض وبه رمق ، فمشى إليه الحسين عليه السلام ومعه حبيب بن مظاهر .

فقال له الحسين عليه السلام : ( رحمك الله يا مسلم ، فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا ) . ودنا منه حبيب رضي الله عنه وقال : عز علي مصرعك يا أخي يا مسلم أبشر بالجنة . فقال له مسلم قولا ضعيفا : بشرك الله بخير .

ثم قال له حبيب : لولا أعلم أنني في الأثر لأحببت أن توصي إلي بكل ما أهمك .

فقال له مسلم : فإني أوصيك بهذا - وأشار بيده إلى الحسين عليه السلام - قاتل دونه حتى تموت .

فقال له حبيب : لأنعمنك عينا .

ثم مات رضوان الله عليه .

إلى أن [ قال : ] وحضرت صلاة الظهر فأمر الحسين عليه السلام زهير بن القين وسعيد بن عبد الله الحنفي أن يتقدما أمامه بنصف من تخلف معه ثم صلى بهم صلاة الخوف فوصل إلى الحسين عليه السلام سهم فتقدم سعيد بن عبد الله الحنفي يقيه بنفسه ما زال ولا تخطى حتى سقط إلى الأرض وهو يقول : اللهم العنهم لعن عاد وثمود .

اللهم أبلغ نبيك عني السلام وأبلغه ما لقيت من ألم الجراح فإني أردت ثوابك في نصر ذرية نبيك ، ثم قضى نحبه فوجد به ثلاثة عشر سهما سوى ما به من ضرب السيوف وطعن الرماح . . .

[ قال : ] وتقدم سويد بن عمرو بن أبي المطاع : وكان شريفا كثير الصلاة فقاتل قتال الأسد الباسل ، وبالغ في الصبر على الخطب النازل حتى سقط بين القتلى وقد أثخن بالجراح ، فلم يزل كذلك وليس به حراك حتى سمعهم يقولون : قتل الحسين عليه السلام ، فتحامل وأخرج من خفه سكينا وجعل يقاتلهم به حتى قتل . . .

وجعل أصحاب الحسين يسارعون إلى القتل بين يديه فكانوا كما قيل :
قوم إذا نودوا لدفع ملمة * والخيل بين مدعس ومكردس لبسوا
القلوب على الدروع كأنهم * يتهافتون على ذهاب الأنفس

نسألكم الدعاء

اللهم اجعلنا من شيعة الزهراء وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها ولا تفرق بيننا وبينهم في الدنيا والآخرة

خادم الزهراء 16-Jan-2010 11:51 AM

اللهم صل على الزهراء وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها
اللهم واشفي قلب الزهراء صلوات الله عليها بظهور وليك المهدي صلوات الله عليه وعلى آبائه الطيبين الطاهرين
واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين

[ المجلس الثاني عشر ]

لما زحف القوم نحو الحسين عليه السلام وطلب العباس منهم تأجيل القتال إلى غد ، أمر الحسين عليه السلام أصحابه أن يقربوا بيوتهم ، ويدخلوا الأطناب بعضها ببعض ، ويكونوا أمام البيوت فيستقبلوا القوم من وجه واحد ، والبيوت من ورائهم وعن أيمانهم وشمائلهم .

وقام الحسين عليه السلام وأصحابه الليل كله يصلون ويستغفرون ويدعون ويتضرعون ، وباتوا ولهم دوي كدوي النحل ، ما بين قائم وقاعد ، وراكع وساجد ، فعبر عليهم في تلك الليلة من عسكر ابن زياد اثنان وثلاثون رجلا .

ولما ضيقوا على الحسين عليه السلام ونال منه ومن أصحابه العطش قام واتكأ على قائم سيفه ، ونادى بأعلى صوته فقال : أنشدكم الله هل تعرفوني ؟ قالوا : نعم أنت ابن رسول الله وسبطه .

قال : أنشدكم الله هل تعلمون أن جدي رسول الله ؟ قالوا : اللهم نعم .

قال : أنشدكم الله هل تعلمون أن أمي فاطمة بنت محمد صلى الله عليه وآله ؟ قالوا : اللهم نعم .

قال : أنشدكم الله هل تعلمون أن أبي علي بن أبي طالب ؟ قالوا : اللهم نعم .

قال : أنشدكم الله هل تعلمون أن جدتي خديجة بنت خويلد أول نساء هذه الأمة إسلاما ؟ قالوا : اللهم نعم .

قال : أنشدكم الله هل تعلمون أن جعفر الطيار في الجنة عمي ؟ قالوا : اللهم نعم .

قال : أنشدكم الله هل تعلمون أن هذا سيف رسول الله أنا متقلده ؟ قالوا : اللهم نعم .

قال : أنشدكم [ الله ] هل تعلمون أن هذه عمامة رسول الله صلى الله عليه وآله أنا لابسها ؟ قالوا : اللهم نعم .

قال : أنشدكم الله هل تعلمون أن عليا عليه السلام كان أول القوم إسلاما ، وأعلمهم علما ، وأعظمهم حلما ، وأنه ولي كل مؤمن ومؤمنة ؟ قالوا : اللهم نعم .

قال : فبم تستحلون دمي وأبي الذائد عن الحوض يذود عنه رجالا كما يذاد البعير الصادر عن الماء ، ولواء الحمد بيد أبي يوم القيامة .

قالوا : قد علمنا ذلك كله ونحن غير تاركيك حتى تذوق الموت عطشا .

فلما خطب هذه الخطبة وسمع بناته وأخته زينب كلامه بكين وندبن ولطمن الخدود وارتفعت أصواتهن ، فوجه إليهن أخاه العباس عليه السلام وعليا ابنه وقال لهما : سكتاهن فلعمري ليكثر بكاؤهن .

فلما لم يبق معه سوى أهل بيته خرج علي بن الحسين عليه السلام وكا من أصبح الناس وجها ، وأحسنهم خلقا ، فأستأذن أباه في القتال فأذن له ، ثم نظر إليه نظرة آيس منه ، وأرخى عينيه بالدموع وبكى ، ثم قال : اللهم اشهد فقد برز إليهم غلام أشبه الناس خلقا وخلقا ومنطقا برسولك ، وكنا إذا اشتقنا إلى نبيك نظرنا إليه فصاح وقال : يا بن سعد قطع الله رحمك كما قطعت رحمي ، فتقدم نحو القوم وقاتل قتالا شديدا وقتل جمعا كثيرا ، ثم رجع إلى أبيه وقال : يا أبه العطش قد قتلني ، وثقل الحديد قد أجهدني ، فهل إلى شربة ماء من سبيل أتقوى بها على الأعداء .

فبكى الحسين عليه السلام وقال : وا غوثاه ، يا بني من أين آتي لك بالماء ؟ قاتل قليلا فما أسرع ما تلقى جدك محمدا صلى الله عليه وآله فيسقيك بكأسه الأوفى شربة لا تظمأ بعدها أبدا .

فرجع إلى موقف النزال وقاتل أعظم قتال ، فرماه منقذ بن مرة العبدي بسهم فصرعه فنادى : يا أبتاه عليك مني السلام ، هذا جدي يقرؤك السلام ويقول لك : عجل القدوم إلينا ، ثم شهق شهقة فمات .

فجاء الحسين عليه السلام حتى وقف عليه ووضع خده على خده وقال : قتل الله قوما قتلوك يا بني ، ما أجرأهم على الله وعلى انتهاك حرمة الرسول ، على الدنيا بعدك العفا .

قال : وخرجت زينب بنت علي عليه السلام تنادي : يا حبيباه يا بن أخاه ، وجاءت فانكبت عليه ، فجاء الحسين عليه السلام فأخذها وردها إلى النساء .

ثم جعل أهل بيته يخرج منهم الرجل بعد الرجل حتى قتل القوم منهم جماعة .

فصاح الحسين عليه السلام في تلك الحال : صبرا يا بني عمومتي ، صبرا يا أهل بيتي ، فوالله لا رأيتم هوانا بعد هذا اليوم أبدا .

قال : وخرج غلام كأن وجهه شقة قمر ، فجعل يقاتل فضربه ابن فضيل الأزدي على رأسه ، ففلقه ، فوقع الغلام لوجهه وصاح : يا عماه ! فجلس الحسين عليه السلام كما يجلس الصقر ، ثم شد شدة ليث أغضب ، فضرب ابن فضيل بالسيف ، فاتقاها بالساعد ، فأطنه من لدن المرفق ، فصاح صيحة سمعه أهل العسكر ، وحمل أهل الكوفة ليستنقذوه ، فوطأته الخيل حتى هلك .

[ قال : ] ثم قام الحسين على رأس الغلام وهو يفحص برجليه والحسين يقول : ( بعدا لقوم قتلوك ، ومن خصمهم يوم القيامة فيك جدك وأبوك ) .

ثم قال : ( عز والله على عمك أن تدعوه فلا يجيبك ، أو يجيبك فلا ينفعك صوت ، والله كثر واتره وقل ناصره ) .

ثم حمل عليه السلام الغلام على صدره حتى ألقاه بين القتلى من أهل بيته .

[ قال : ] ولما رأى الحسين عليه السلام مصارع فتيانه وأحبته ، عزم على لقاء القوم بمهجته ونادى : هل من ذاب يذب عن حرم رسول الله صلى الله عليه وآله ؟ هل من موحد يخاف الله فينا ؟ هل من مغيث يرجو الله بإغاثتنا ؟ هل من معين يرجو الله في إعانتنا ؟ فارتفعت أصوات النساء بالعويل ، فتقدم إلى باب الخيمة وقال لزينب عليها السلام : ( ناوليني ولدي الصغير حتى أودعه ، فأخذه وأومأ إليه ليقبله فرماه حرملة بن كاهل بسهم فوقع في نحره فذبحه .

فقال لزينب : خذيه ، ثم تلقى الدم بكفيه ، فلما امتلأت رمى بالدم نحو السماء ثم قال : هون علي ما نزل بي ، أنه بعين الله تعالى .

قال الباقر عليه السلام : فلم يسقط من ذلك الدم قطرة إلى الأرض .

قال الراوي : واشتد العطش بالحسين عليه السلام فركب المسناة يريد الفرات والعباس أخوه بين يديه فاعترضته خيل ابن سعد ، فرمى رجل من بني دارم الحسين عليه السلام بسهم فأثبته في حنكه الشريف ، فانتزع السهم وبسط يديه تحت حنكه حتى امتلأت راحتاه من الدم ثم رمى به وقال : اللهم إني أشكو إليك ما يفعل بابن بنت نبيك ، ثم إنهم اقتطعوا العباس عنه وأحاطوا به من كل جانب حتى قتلوه قدس الله روحه ، فبكى الحسين لقتله بكاء شديدا ، وفي ذلك يقول الشاعر:


أحق الناس أن يبكى عليه * فتى أبكى الحسين بكربلاء


أخوه وابن والده علي أبو * الفضل المضرج بالدماء


ومن واساه لا يثنيه شئ * وجاد له على عطش بماء


ولما دخل بشير بن حذلم المدينة المنورة لينعى الحسين عليه السلام التقى بأم البنين ( وهي أم العباس ) فقال لها : عظم الله لك الأجر بولدك عبد الله .

قالت له : أسألك عن سيدي ومولاي الحسين .

قال لها : عظم الله الأجر بولدك جعفر .

قالت له : أسألك عن سيدي ومولاي الحسين .

قال لها : عظم الله لك الأجر بولدك عثمان .

قالت له : أسألك عن سيدي ومولاي الحسين . قال لها : عظم الله لك الأجر بولدك العباس . قالت له : أسألك عن سيدي ومولاي الحسين .


فقال : يا أهل يثرب لا مقام لكم بها * قتل الحسين فأدمعي مدرار


الجسم منه بكربلاء مضرج * والرأس منه على القناة يدار


فصاحت ولطمت خدها ، وشقت جيبها ونادت : وا حسيناه وا سيداه ، ثم أنشدت :


لا تدعوني ويك أم البنين * تذكريني بليوث العرين


كانت بنون لي أدعى بهم * واليوم أصبحت ولا من بنين


أربعة مثل نسور الربى قد * واصلوا الموت بقطع الوتين


تنازع الخرصان أشلاءهم * فكلهم أمسى صريعا طعين


يا ليت شعري أكما أخبروا * بأن عباسا قطيع اليمين


ثم إن الحسين عليه السلام دعا الناس إلى البراز فلم يزل يقتل كل من برز إليه حتى قتل مقتلة عظيمة وهو في ذلك يقول :

لقتل أولى من ركوب العار * والعار أولى من ركوب النار

قال بعض الرواة : فوالله ما رأيت مكثورا قط قد قتل ولده وأهل بيته وأصحابه أربط جأشا منه ، وإن كانت الرجال لتشد عليه فيشد عليها بسيفه فتنكشف عنه انكشاف المعزى إذا شد فيها الذئب ، ولقد كان يحمل فيهم وقد تكملوا ثلاثين ألفا فينهزمون بين يديه كأنهم الجراد المنتشر ، ثم يرجع إلى مركزه وهو يقول : لا حول ولا قوة إلا بالله .

قال الراوي : ولم يزل يقاتلهم حتى حالوا بينه وبين رحله فصاح : ويلكم يا شيعة آل أبي سفيان ، إن لم يكن لكم دين وكنتم لا تخافون المعاد فكونوا أحرارا في دنياكم هذه ، وارجعوا إلى أحسابكم إن كنتم عربا كما تزعمون .

قال : فناداه شمر : ما تقول يا بن فاطمة ؟ فقال : أقول : إني أقاتلكم وتقاتلوني والنساء ليس عليهن جناح فامنعوا عتاتكم وجهالكم وطغانكم من التعرض لحرمي ما دمت حيا .

فقال شمر : لك ذلك يا بن فاطمة . فقصدوه بالحرب فجعل يحمل عليهم ويحملون عليه وهو في ذلك يطلب شربة من ماء فلا يجد ، حتى أصابه اثنتان وسبعون جراحة فوقف يستريح ساعة وقد ضعف عن القتال ، فبينا هو واقف إذ أتاه حجر فوقع على جبهته ، فأخذ الثوب ليسمح الدم عن جبهته ، فأتاه سهم مسموم له ثلاث شعب فوقع على قلبه فقال : بسم الله وبالله وعلى ملة رسول الله .

ثم رفع رأسه وقال : إلهي أنت تعلم أنهم يقتلون رجلا ليس على وجه الأرض ابن نبي غيره ، ثم أخذ السهم فأخرجه من وراء ظهره فانبعث الدم كأنه ميزاب فضعف عن القتال ووقف .

فكلما أتاه رجل انصرف عنه كراهة أن يلقى الله بدمه ، حتى جاءه رجل من كندة يقال له مالك بن النسر فشتم الحسين عليه السلام وضربه على رأسه الشريف بالسيف ، فقطع البرنس ووصل السيف إلى رأسه فامتلأ البرنس دما .

قال الراوي : فاستدعى الحسين بخرقة فشد بها رأسه ، واستدعى بقلنسوة فلبسها واعتم عليها ، فلبثوا هنيئة ثم عادوا إليه وأحاطوا به .

فخرج عبد الله بن الحسن بن علي وهو غلام لم يراهق من عند النساء يشتد حتى وقف إلى جنب الحسين عليه السلام فلحقته زينب بنت علي لتحبسه فأبى وامتنع امتناعا شديدا فقال : لا والله لا أفارق عمي .

فأهوى بحر بن كعب ، وقيل : حرملة بن كاهل إلى الحسين عليه السلام بالسيف ، فقال له الغلام : ويلك يا بن الخبيثة ، أتقتل عمي ؟ فضربه بالسيف فاتقاها الغلام بيده فأطنها إلى الجلد فإذا هي معلقة .

فنادى الغلام : يا عماه ! فأخذه الحسين عليه السلام وضمه إليه وقال : يا بن أخي إصبر على ما نزل بك واحتسب في ذلك الخير فإن الله يلحقك بآبائك الصالحين .

قال الراوي : فرماه حرملة بن كاهل بسهم فذبحه وهو في حجر عمه الحسين عليه السلام .

قال الراوي : ولما أثخن الحسين عليه السلام بالجراح وبقي كالقنفذ ، طعنه صالح بن وهب المري على خاصرته فسقط الحسين عليه السلام عن فرسه إلى الأرض على خده الأيمن وهو يقول : بسم الله وبالله وعلى ملة رسول الله .

وخرجت زينب من باب الفسطاط وهي تنادي : وا أخاه وا سيداه وا أهل بيتاه ، ليت السماء أطبقت على الأرض ، وليت الجبال تدكدكت على السهل .

وكان ما كان مما لست أذكره .


يا رسول الله لو عاينتهم * وهم ما بين قتل وسبا


من رميض يمنع الظل ومن * عاطش يسقى أنابيب القنا


جزروا جزر الأضاحي نسله * ثم ساقوا أهله سوق الإما


قتلوه بعد علم منهم * أنه خامس أصحاب الكسا


ليس هذا لرسول الله يا * أمة الطغيان والكفر جزا


نسألكم الدعاء

اللهم اجعلنا من شيعة الزهراء وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها ولا تفرق بيننا وبينهم في الدنيا والآخرة

خادم الزهراء 17-Jan-2010 04:18 PM

اللهم صل على الزهراء وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها
اللهم واشفي قلب الزهراء صلوات الله عليها بظهور وليك المهدي صلوات الله عليه وعل آبائه الطيبين الطاهرين
واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين

[ المجلس الثالث العشر ]

إن رسول الله صلى الله عليه وآله ، قد اتسعت أعلام نبوته ، وتواترت دلائل رسالته ، ونطقت له السماوات قبل بعثته .

نوهت باسمه السماوات والأ رض كما نوهت بصبح ذكاها هو محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن الياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان .

وهو أحمد الذي بشر به عيسى عليه السلام ، وهو المصطفى والمختار والمحمود ، والماحي الذي يمحو الله به الذنوب ، والعاقب والحاشر والمهيمن ، وكنيته : أبو القاسم ، وفي ذلك يقول الشاعر : لله ممن قد برا صفوة وصفوة الخلق بنو هاشم وصفوة الصفوة من هاشم محمد النور أبو القاسم كان مولده المبارك عام الفيل وطير الأبابيل لسبع عشرة خلون من ربيع الأول ، وقيل : يوم الثاني عشر منه ، وقيل : لثمان خلون منه قبل الهجرة المباركة بثلاث وخمسين سنة .

ولد صلى الله عليه وآله بمكة المعظمة بدار ابن يوسف التي بنتها بعد ذلك الخيزران أم الهادي والرشيد مسجدا ، وكان أبوه عبد الله غائبا بأرض الشام ، فانصرف مريضا فقضى نحبه بالمدينة الطيبة والنبي صلى الله عليه وآله حمل .

أما أمه صلى الله عليه وآله : فإنها آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن مرة بن كعب . . .

وفي السنة الأولى من مولده رفع إلى حليمة بنت عبد الله ابن الحارث ترضعه فكانت تقول وهي تلاعبه :


الحمد لله الذي أعطاني * هذا الغلام الطيب الأردان


قد ساد في المهد على الغلمان * أعيذه بالبيت ذي الأركان


فبقي في بني سعد إلى السنة الرابعة من مولده ، وفي تلك السنة أرجعته مرضعته حليمة إلى أمه آمنة في مستهل السادسة من عمره الشريف ، وبين ذلك وبين عام الفيل خمس سنين وشهران وعشرة أيام .

وفي السنة السابعة من مولده خرجت به أمه إلى أخواله تزورهم فتوفيت بالأبواء ، وقدمت به أم أيمن إلى مكة بعد خمسة أيام من موت أمه .

وفي السنة الثامنة من مولده توفي جده شيبة الحمد - أعني عبد المطلب - وضمه عمه أبو طالب إليه ، وكان في حجره يؤثره على ولده ونفسه .

وخرج مع عمه إلى الشام وله ثلاث عشرة سنة ، ثم خرج في تجارة لخديجة بنت خويلد ومعه غلامها ميسرة وكان صلى الله عليه وآله ابن خمس وعشرين سنة ، فنظر تشطور الراهب وهو في صومعته إليه وقد ظللته الغمامة فقال : هذا نبي وهو آخر الأنبياء وخاتم الرسل .

وكان منه ما قد تواترت به الأخبار ، واشتهر اشتهار الشمس في رائعة النهار .

ولما هدمت الكعبة بالسيل بنتها قريش فرفعت سمكها ، وتأتي لها ما أرادت في بنيانها من الخشب الذي ابتاعوه من السفينة التي رمى بها البحر إلى ساحلهم ، وكان قد بعث بها ملك الروم من القلزم من بلاد مصر إلى الحبشة لتبنى هنالك له كنيسة ، وانتهت قريش إلى موضع الحجر الأسود وتنازعوا أيهم يضعه ، فاتفقوا على تحكيم الصادق الأمين محمد صلى الله عليه وآله وكان يعرف عندهم جميعا بالأمين ، وكانوا على اختلاف مشاربهم ونزعاتهم وضغائنهم ، وإعجاب كل قبيلة من قبائلهم بنفسها مجمعين على حبه وأمانته وعدالته في كل شؤونه ، فحكموه فيما تنازعوا فيه ، وانقادوا إلى قضائه .

فبسط رداءه وأخذ الحجر فوضعه في وسطه ، ثم قال لأربعة من زعماء قريش ، وأهل الرياسة فيها - وهم عتبة بن ربيعة بن عبد شمس بن عبد مناف ، والأسود بن عبد المطلب بن أسد بن عبد العزى بن قصي ، وأبو حذيفة بن المغيرة بن عمرو بن مخزوم ، وقيس بن عدي السهم ليأخذ كل واحد منكم بجنب من جنبات هذا الرداء ، فشالوه حتى ارتفع ودنا من موضعه فأخذه صلى الله عليه وآله ووضعه في مكانه وقريش كلها حضور .

فقال قائل لمن حضر من قريش متعجبا من فعلهم وانقيادهم إلى أصغرهم سنا : ( واعجبا لقوم أهل شرف ورياسة كهولا وشيوخا عمدوا إلى أصغرهم سنا فجعلوه عليهم رئيسا وحاكما ؟ ! أما واللات والعزى ليقسمن بينهم حظوظا وجدودا ، وليكونن له بعد هذا اليوم شأن ونبأ عظيم ) .

وكان أبو طالب حاضرا ، فلما سمع هذا الكلام أنشأ يقول : إن لنا أوله وآخره في الحكم العدل لن ينكره قاتل الله أهل العناد فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة الله على الكافرين ، كذبوه وإنهم ليعلمونه الصادق الأمين ، وأنكروا نبوته ، وهم منها على يقين وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ، ثم لم يألوا جهدا ، ولم يدخروا وسعا في إطفاء نور الله من مشكاته ويأبى الله إلا أن يتم نوره . . . ولو كره المشركون .

ظلموه وشتموه وأجلوه عن حرم الله عز وجل مسقط رأسه ، ومحل أنسه ، ثم لم يكتفوا بما كان منهم في مكة المعظمة من فضائع وفجائع ، وأمور تستك منها المسامع ، حتى غزوه وهو في دار هجرته ، ومحل غربته ، فكانت حروب تشيب الأطفال ، وتميد بها الجبال ، لكنها والحمد لله طحنتهم بكلكلها ، وقرت الكلاب أشلاءهم ، ورد الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيرا وكفى الله المؤمنين القتال وكان الله قويا عزيزا .

بأبي أنت وأمي يا رسول الله ، بأبي أنت وأمي يا نبي الرحمة ، كم أسديت لهذه الأمة من نعمة ، وكم لك عليها من يد بيضاء تستوجب الشكر والثناء .

وحين فتحت مكة بعد أن أجلوك عنها ، وكان من أبي سفيان ما كان من التحريض على قتلك ومحاربتك ، فأمرت مناديك ينادي : من دخل دار أبي سفيان فهو آمن .

ثم لم يتم على ولدك وسبطك وريحانتك ما تم .

ملكنا فكان العفو منا سجية فلما ملكتم سال بالدم أبطح وحللتم قتل الأسارى وطالما نمر على الأسرى فنعفو ونصفح وحسبكم هذا التفاوت بيننا وكل إناء بالذي فيه ينضح قال عبد الله بن العباس رحمه الله : إنه لما اشتد برسول الله صلى الله عليه وآله مرضه الذي مات فيه وقد ضم الحسين إلى صدره يسيل من عرقه عليه وهو يجود بنفسه ويقول : ما لي وليزيد لا بارك الله فيه ، اللهم العن يزيد ، ثم غشي عليه طويلا وأفاق وجعل يقبل الحسين عليه السلام وعيناه تذرفان ويقول : أما أن لي ولقاتلك مقاما بين يدي الله عز وجل .

وقال ابن عباس أيضا : كنت عند رسول الله صلى الله عليه وآله جالسا ، إذ أقبل الحسن عليه السلام ، فلما رآه يبكي وقال له : إلي إلي ، فأجلسه على فخذه اليمنى .

ثم أقبل الحسين عليه السلام ، فلما رآه بكى وقال له : إلى إلي ، فأجلسه على فخذه اليسرى . ثم أقبلت فاطمة عليها السلام ، فلما رآها بكى فقال لها : إلي إلي ، فأجلسها بين يديه .

ثم أقبل علي عليه السلام فرآه وقال له : إلي إلي ، وأجلسه إلى جانبه الأيمن .

فقال له أصحابه : يا رسول الله ، ما ترى واحدا من هؤلاء إلا وبكيت أوما فيهم من تسر برؤيته ؟

فقال : والذي بعثني بالنبوة على جميع البرية ما على وجه الأرض نسمة أحب إلي منهم ، وإنما بكيت لما يحل بهم بعدي وما يصنع بهذا ولدي الحسين كأني به ، وقد استجار بحرمي وقبري فلا يجار ثم يرتحل إلى أرض مقتله ومصرعه أرض كرب وبلاء تنصره عصابة من المسلمين ، أولئك سادة شهداء أمتي يوم القيامة ، فكأني أنظر إليه وقد رمي بسهم فخر عن فرسه صريعا ثم يذبح كما يذبح الكبش مظلوما .

ثم انتحب صلى الله عليه وآله وسلم وبكى من حوله وارتفعت أصواتهم بالضجيج ثم قام وهو يقول : اللهم إني أشكو إليك ما يلقى أهل بيتي بعدي .

والمسلمون بمنظر وبمسمع لا منكر منهم ولا متفجع كحلت بمنظرك العيون عماية وأصم رزؤك كل أذن تسمع أيقظت أجفانا وكنت لها كرى وأنمت عينا لم تكن بك تهجع .

نسألكم الدعاء

اللهم اجعلنا من شيعة الزهراء وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها ولا تفرق بيننا وبينهم في الدنيا والآخرة

خادم الزهراء 17-Jan-2010 08:26 PM

اللهم صل على الزهراء وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها
اللهم واشفي قلب الزهراء صلوات الله عليها بظهور وليك المهدي صلوات الله عليه وعل آبائه الطيبين الطاهرين
واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين

[ المجلس الرابع العشر ]

ولد رسول الله صلى الله عليه وآله - أعلى الأنبياء قدرا ، وأرفع الرسل في الملأ الأعلى ذكرا الذي بشرت الرسل بظهوره ، وخلقت الأنوار بعد نوره - يوم السابع عشر من ربيع الأول ، وقيل : يوم الثاني عشر منه ، بمكة المشرفة في شعب أبي طالب يوم الجمعة بعد الزوال أو عند الفجر عام الفيل وطير الأبابيل .

وهو أبو القاسم محمد المصطفى بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك ابن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن الياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان . . . . وأمه آمنة بنت وهب .

وأزواجه خمسة عشر ، وفي المبسوط : ثمانية عشر ، سبع من قريش ، وواحدة من حلفائهم ، وتسع من سائر القبائل ، وواحدة من بني إسرائيل بن هارون بن عمران .

واتخذ من الإماء ثلاثة عجميتين وعربية .

وله من الأولاد من خديجة : القاسم وبعد المبعث ولد من خديجة : الطيب ، والطاهر ، وسيدة نساء العالمين ، وله ولد أيضا من مارية القبطية اسمه إبراهيم .

ونزل عليه الوحي صلى الله عليه وآله ، وتحمل أعباء الرسالة يوم السابع والعشرين من رجب وهو ابن أربعين سنة . . . . .

واصطفاه ربه بالمدينة مسموما يوم الاثنين لليلتين بقيتا من صفر سنة إحدى عشر من الهجرة المباركة وله ثلاث وستون سنة ، ودفن في حجرته المنورة .

ومات أبوه وهو ابن شهرين ، وقيل : سنتان وأربع أشهر ، وقيل : مات وهو حمل ، وماتت أمه في الأبواء .

وكان صلى الله عليه وآله كما وصفه ولده باقر علوم الأولين والآخرين عليه السلام : أبيض اللون مشربا بحمرة ، أدعج العينين ، مقرون الحاجبين ، عظيم المنكين ، إذا التفت التفت جميعا ، سائل الأطراف ، كأن عنقه إبريق فضة ، وإذا تكفا كأنه إلى منحدر ، لم ير الراؤون مثل نبي الله قبله ولا بعده .

وأما معاجزه الباهرة ، وآياته الظاهرة ، فقد قصرت عن حصرها الحساب ، وكلت عن سطرها الكتاب ، كانشقاق القمر ، وتظليل الغمام ، وحنين الجذع ، وتسبيح الحصى ، وتكليم الموتى ، ومخاطبة البهائم ، وأثمار يابس الشجر ، وغرس الأشجار وأثمارها على الفور ، وقصة الغزالة مع خشفيها ، وخروج الماء من بين أصابعه ، وانتقال النخلة بأمره ، وأخبار الذراع له بالسم ، والنصر بالرعب ، ونوم عينيه دون قلبه ، وعدم طول قامة أحد على قامته ، وإكثار اللبن من شاة أم معبد ، ورؤيته من خلفه كما يرى من أمامه ، وإطعامه من القليل الجم الغفير ، وطي البعيد له ، وشفاء الأرمد إن تفل في عينيه ، وقصة الأسد ، ونزول المطر بدعائه ، ودعائه على سراقة فساخت به الأرض ، وأخباره بالمغيبات ، كإنبائه عن العترة الطاهرة واحدا بعد واحد ، وما يجري عليهم من الأعداء في أرض كربلاء .

ففي البحار وغيره : لما ولدت فاطمة الحسين عليهما السلام جاء النبي صلى الله عليه وآله فقال : هلمي إلي بابني يا أسماء .

قالت : فدفعته إليه في خرقة بيضاء ، ففعل به كما فعل بالحسن يوم ولادته وبكى رسول الله صلى الله عليه وآله ثم قال : إنه سيكون لك حديث ، اللهم العن قاتله ، لا تعلمي فاطمة بذلك .

قالت أسماء : فلما كان يوم سابعه جاء النبي صلى الله عليه وآله فقال : هلمي بابني فأتيته به ، ففعل به كما فعل بالحسن عليه السلام وعق عنه كبشا أملحا ، وحلق رأسه ، وتصدق بوزن الشعر ورقا ، ثم وضعه في حجره ، وخلق رأسه بالخلوق ، ثم قال : يا أبا عبد الله عز علي ثم بكى .

أقول : كأن رسول الله صلى الله عليه وآله : ذكر حين خلق رأس الحسين عليه السلام بالخلوق أن هذا الرأس يهدى إلى يزيد لحاه الله على رمح طويل من العراق إلى الشام مع سبعة عشر رأسا من العترة الطاهرة ، تشرق أنوارها على أطراف الرماح كأنها الأقمار الزاهرة ، وجسومهم منبوذة بالعراء ، لا مغسلين ولا مكفنين ، ولا مدفونين ، تصهرهم الشمس ، وبالعزيز عليك يا رسول الله أن يبقى سبطك وريحانتك عاري اللباس . قطيع الرأس منخمد الأنفاس في جندل كالجمر مضطرم ثوى ثلاث ليال بالعراء بلا غسل ولا كفن لله من حكم وكريمتك يا رسول الله تناديك بصوت حزين ، وقلب كئيب : يا رسول الله ، يا جداه ، صلى عليك مليك السماء ، هذا حسينك بالعراء ، تسفى عليه الصبا ، قتيل أولاد البغايا ، يا حزناه ، يا كرباه ، اليوم مات جدي رسول الله صلى الله عليه وآله ، يا أصحاب محمداه ، هذه ذرية المصطفى ، يساقون سوق السبايا ، يا محمداه بناتك سبايا ، وذريتك مقتلة ، وهذا حسينك مقطوع الرأس من القفا .

نادت فقطعت القلوب بشجوها لكنما انتظم البيان فريدا إنسان عيني يا حسين أخي يا أملي وعقد جماني المنضودا

نسألكم الدعاء

اللهم اجعلنا من شيعة الزهراء وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها ولا تفرق بيننا وبينهم في الدنيا والآخرة

خادم الزهراء 21-Jan-2010 03:49 PM

اللهم صل على الزهراء وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها
اللهم واشفي قلب الزهراء صلوات الله عليها بظهور وليك المهدي صلوات الله عليه وعلى آبائه الطيبين الطاهرين
واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين

[ المجلس الخامس العشر ]

روي عن الحسن سلام الله عليه ، قال : سألت خالي هند بن هالة وكان وصافا عن حلية النبي صلى الله عليه وآله فقال : كان رسول الله صلى الله عليه وآله فخما مفخما ، يتلألأ وجهه تلألأ القمر ليلة البدر ، أطول من المربوع ، وأقصر من المشذب ، عظيم الهامة ، رجل الشعر ، أزهر اللون ، واسع الجبين ، أزج الحواجب ، بينهما عرق يدره الغضب ، أقنى العرنين ، له نور يعلوه ، يحسبه من يتأمله أشم ، كث اللحية ، سهل الخدين ، أدعج العينين ، ظليع الفم أشنب ، مفلج الأسنان ، دقيق المسربة ، كأن عنقه جيد دمية في صفاء الفضة ، معتدل الخلق ، بادنا متماسكا ، سواء البطن والصدر ، عريض الصدر ، بعيد ما بين المنكبين ، ضخم الكراديس أنور ، موصول ما بين الصدر والسرة بشعر يجري كالخط ، عاري الثديين والبطن مما سوى ذلك ، أشعر الذراعين والمنكبين ، طويل الزندين ، رحب الراحة ، شئن الكفين والقدمين سائل الأطراف ، مسبح القدمين ، يخطو تكفئا ، ويمشى هوينا ، سريع المشي إذا مشى كأنما ينحط عن صبب ، وإذا التفت التفت جميعا ، خافض الطرف ، نظره إلى الأرض ، يبدر من لقيه بالسلام ، وكان متواصل الأحزان ، دائم الفكرة ، لا يتكلم في غير حاجة ، طويل السكوت ، يتكلم بجوامع الكلم ، ليس بالجافي ولا المهين ، يعظم النعمة وأن دقت ، ولا يذم منها شيئا ، ولا يذم ذواقا ولا يمدحه ، ولا تغضبه الدنيا ، ولا يغضب لنفسه ولا ينتصر لها ، إذا أشار أشار بكفه كلها ، وإذا تعجب قلبها ، وإذا حدث أشار بها فضرب براحته اليمنى باطن إبهامه اليسرى ، وإذا غضب أعرض ، وإذا فرح غض من طرفه ، جل ضحكه التبسم ، ويفتر عن مثل حب الغمام .

صلى الله عليك يا رسول الله ، وعلى فرخك وشبل سبطك علي بن الحسين الأكبر الشهيد بن الشهيد ، والمظلوم بن المظلوم ، أشبه الناس بك خلقا وخلقا ومنطقا ، ولقد يعز عليك حين برز إلى ثلاثين ألفا وهو ابن تسع عشرة سنة فرفع الحسين سبابته إلى السماء وقال : اللهم أشهد على هؤلاء القوم ، فقد برز إليهم غلام أشبه الناس خلقا وخلقا ومنطقا برسولك ، وكنا إذا اشتقنا إلى نبيك نظرنا إلى وجهه .

اللهم أمنعهم بركات الأرض ، وفرقهم تفريقا ، ومزقهم تمزيقا ، واجعلهم طرائق قددا ، ولا ترض الولاة عنهم أبدا ، فإنهم دعونا لينصرونا ، ثم عدوا علينا يقاتلوننا .

ثم صاح عليه السلام : يا بن سعد ، ما لك ؟ قطع الله رحمك ، ولا بارك لك في أمرك ، وسلط عليك من يذبحك على فراشك ، كما قطعت رحمي ، ولم تحفظ قرابتي من رسول الله صلى الله عليه وآله .

ثم رفع صوته وتلي : إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم .

ثم حمل علي بن الحسين على القوم وهو يقول :
أنا علي بن الحسين بن علي * من عصبة جد أبيهم النبي
والله لا يحكم فينا ابن الدعي * أطعنكم بالرمح حتى ينثني
أضربكم بالسيف أحمي عن أبي * ضرب غلام هاشمي علوي


ولم يزل يقاتل حتى ضج الناس من كثرة من قتل منهم ، ثم رجع إلى أبيه وقد أصابته جراحات كثيرة ، فقال : يا أباه العطش قتلني ، وثقل الحديد أجهدني ، فهل إلى شربة ماء من سبيل أتقوى بها على الأعداء ؟ وبكى الحسين عليه السلام وقال : يا بني ، يعز على محمد وعلي وعلى أبيك أن تدعوهم فلا يجيبونك ، وتستغيث بهم فلا يغيثونك ، يا بني هات لسانك فأخذه فمصه ، ودفع إليه خاتمه وقال : أمسكه في فيك وارجع إلى قتال عدوك ، فإني أرجو أنك لا ترجع حتى يسقيك جدك بكأسه الأوفى شربة لا تظمأ بعدها أبدا .

فرجع علي بن الحسين عليه السلام إلى موضع النزال ، وقاتل أعظم القتال وهو يقول : الحرب قد بانت لها الحقائق وظهرت من بعدها مصادق والله رب العرش لا تفارق جموعكم أو تغمد البوارق فلم يزل يقاتل حتى قتل تمام المائتين ، ثم ضربه منقذ بن مرة العبدي على مفرق رأسه ضربة صرعته ، وضربه الناس بأسيافهم ، ثم اعتنق فرسه فاحتمله الفرس إلى عسكر الأعداء ، فقطعوه بسيوفهم إربا إربا ، فلما بلغت روحه التراقي قال رافعا صوته : يا أبتاه هذا جدي قد سقاني بكأسه الأوفى شربة لا أظمأ بعدها أبدا ، وهو يقول لك : العجل العجل فإن لك كأسا مذخورة حتى تشربها الساعة .

فصاح الحسين عليه السلام : قتل الله قوما قتلوك يا بني ، ما أجرأهم على الرحمن وعلى رسوله صلى الله عليه وآله ، على الدنيا بعدك العفا .

كنت السواد لناظري فعليك يبكي الناظر من شاء بعدك فليمت فعليك كنت أحاذر قال حميد بن مسلم : فكأني أنظر إلى امرأة خرجت مسرعة تنادي بالويل والثبور وتقول : يا حبيباه ، ويا ثمرة فؤاداه ، يا نور عيناه .

فسألت عنها فقيل لي : هي زينب بنت علي عليها وعلى أبيها السلام ، وجاءت وانكبت عليه ، فجاء الحسين عليه السلام وأخذها بيدها فردها إلى الفسطاط وأقبل بفتيانه وقال : احملوا أخاكم ، فحملوه من مصرعه ، فجاءوا به حتى وضعوه عند الفسطاط الذي كانوا يقاتلون أمامه .

يا كوكبا ما كان أقصر عمره وكذاك عمر كواكب الأسحار جاورت أعدائي وجاور ربه شتان بين جواره وجواري .

نسألكم الدعاء

اللهم اجعلنا من شيعة الزهراء وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها ولا تفرق بيننا وبينهم في الدنيا والآخرة

خادم الزهراء 22-Jan-2010 05:16 PM

اللهم صل على الزهراء وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها
اللهم واشفي قلب الزهراء صلوات الله عليها بظهور وليك المهدي صلوات الله عليه وعلى آبائه الطيبين الطاهرين
واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين

[ المجلس السادس عشر ]

لما قدم النبي صلى الله عليه وآله إلى المدينة تعلق الناس بزمام الناقة فقال : دعوها فإنها مأمورة فعلى باب من بركت فأنا عنده .

فأطلقوا زمامها وهي تهف في السير ، فبركت على باب أبي أيوب خالد بن زيد الأنصاري رضي الله تعالى عنه ، ولم يكن في المدينة أفقر منه ، فانقطعت قلوب الناس حسرة على مفارقة النبي صلى الله عليه وآله ، ونادى أبو أيوب : يا أماه افتحي الباب ، فقد قدم سيد البشر ، وأكرم ربيعة ومضر ، ففتحت الباب وقالت : وا حسرتاه ، ليت لي عينا أبصر بها وجه سيدي رسول الله صلى الله عليه وآله وكانت عمياء ، فكان أول معجزة للنبي في المدينة أنه صلى الله عليه وآله وضع كفه الشريفة على وجه أم أيوب فانفتحت عيناها .

وروي بسند معتبر أن أبا أيوب أتى بشاة إلى رسول الله صلى الله عليه وآله في عرس فاطمة عليها السلام فنهاه جبرئيل عن ذبحها ، فشق ذلك على أبي أيوب ، ثم أمر بذبجها ، فذبحها ابن جبير الأنصاري بعد يومين ، فلما طبخت أمر رسول الله صلى الله عليه وآله أن لا تأكلوا إلا بسم الله ، ثم قال صلى الله عليه وآله أن أبا أيوب رجل فقير ، إلهي أنت خلقتها وأنت أمتها ، وأنك قادر على إعادتها فاحيها يا حي لا إله إلا أنت ، فأحياها الله تعالى ، وجعل فيها بركة لأبي أيوب ، وشفاء المرضى في لبنها ، وسماها أهل المدينة : المبعوثة .

وفيها قال عبد الرحمن بن عوف : ألم يبصروا شاة ابن زيد وحالها وفي أمرها للطالبين مزيد وقد ذبحت ثم استحر أهابها وفصلها فيما هناك يزيد فأرجعها ذو العرش والله قادر فعادت بحال ما يشاء يعود وفي خبر عن سلمان رضي الله عنه : أنه صلى الله عليه وآله لما نزل دار أبي أيوب لم يكن له سوى جدي وصاع من شعير ، فذبح له الجدي وشواه ، وطحن الشعير وعجنه وخبزه وقدمه بين يدي النبي صلى الله عليه وآله ، فأمر صلى الله عليه وآله بأن ينادي : من أراد الزاد فليأت إلى دار أبي أيوب ، فجعل أبو أيوب ينادي والناس يهرعون إلى داره حتى امتلأت الدار ، فأكل الناس بأجمعهم والطعام باق ، فضج الناس بالشهادتين .

وعن علي بن إبراهيم : ما زال أبو كرز الخزاعي يقفو أثر النبي صلى الله عليه وآله يوم خروجه إلى الغار حتى وقف على بابه وقال : هذه قدم محمد ، وهذه قدم ابن أبي قحافة ما جاوزا هذا المكان .

وجاء فارس من الملائكة في صورة الإنس فوقف على باب الغار وهو يقول : اطلبوه في هذه الشعاب فليس هاهنا .

وتبعه القوم وكانوا دهاة العرب ، وأمر الله شجرة فنبتت في وجه الغار ، وأمر العنكبوت فنسجت ، وأمر حمامتين بفم الغار . ولما قربوا منه تقدم بعضهم لينظر ، ثم رجع فقال : رأيت حمامتين بفم الغار فعلمت أنه ليس فيه أحد .

وفي نهج البلاغة من كلام أمير المؤمنين عليه السلام في الخطبة القاصعة أن النبي صلى الله عليه وآله قال : أيتها الشجرة إن كنت تؤمنين بالله واليوم الآخر فانقلعي بعروقك حتى تقفي بين يدي ، فوالذي بعثه بالحق لانقلعت بعروقها ، وجاءت ولها دوي شديد ، وقصف كقصف أجنحة الطير حتى وقفت بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله مرفرفة ، وألقت بغصنها الأعلى على رسول الله صلى الله عليه وآله وببعض أغصانها على منكبه ، وكنت على يمينه ، فلما نظر القوم إلى ذلك قالوا علوا واستكبارا : فمرها فليأتك نصفها .

فأمرها بذلك ، فأقبل إليه نصفها كأعجب إقبال وأشده دويا ، وكادت تلتف برسول الله صلى الله عليه وآله ، فقالوا كفرا وعلوا : فمر هذا النصف فليرجع إلى نصفه ، فأمره فرجع .

لحا الله أهل العناد ، كم رأوا من رسول الله صلى الله عليه وآله أمثال ذلك ، فلم يقلعوا عن عنادهم ، وكم له عليهم من نعمة جعلوا جزاءها قتل ذريته ، وسبي عترته ، ولقد وقف الحسين عليه السلام متكئا على سيفه ، ووعظهم فلم يتعظوا ، وذكرهم فضل جده وأبيه عليها السلام فلم يذكروا ، فكان من جملة كلامه يومئذ : أنشدكم الله ، هل تعلمون أن جدي رسول الله صلى الله عليه وآله ؟ قالوا : اللهم نعم .

قال : أنشدكم [ الله ] هل تعلمون أن أبي علي بن أبي طالب عليه السلام ؟ قالوا : اللهم نعم .

قال : أنشدكم الله هل تعلمون أن أمي فاطمة الزهراء بنت محمد المصطفى ؟ قالوا : اللهم نعم . إلى أن قال : أنشدكم الله هل تعلمون أن هذا سيف رسول الله صلى الله عليه وآله أنا متقلده ؟ قالوا : اللهم نعم .

قال : أنشدكم الله هل تعلمون أن هذه عمامة رسول الله صلى الله عليه وآله أنا لابسها ؟ قالوا : اللهم نعم . قال : فبم تستحلون دمي وأبي الذائد عن الحوض ، ولواء الحمد بين يدي يوم القيامة ؟ قالوا : قد علمنا ونحن غير تاركيك حتى تذوق الموت عطشا .

فلما سمع بناته وأخواته ذلك بكين وندبن ولطمن وارتفعت أصواتهن ، فوجه إليهن أخاه العباس وابنه عليا وقال : سكتاهن فلعمري ليكثر بكاؤهن . ولما رأى الحسين عليه السلام حرص القوم على القتال قال لأخيه العباس : إن استطعت يا أخي أن تصرفهم عنا هذه الليلة فلعلنا نصلي لربنا فإنه يعلم أني أحب الصلاة له ، وتلاوة كتابه . فسألهم العباس ذلك فتوقف ابن سعد . فقال له ابن الحجاج : والله لو أنهم من الديلم وسألونا مثل ذلك لأجبناهم فكيف وهم آل محمد صلى الله عليه وآله ، فأجابوهم إلى ذلك .

وجلس الحسين عليه السلام فخفق برأسه ثم استيقظ ، فقال : يا أختاه إني رأيت الساعة جدي وأبي وأخي وهم يقولون : يا حسين إنك رائح إلينا عن قريب ، فلطمت زينب وجهها وبكت وصاحت : واثكلاه يا جداه يا رسول الله ، وا أخاه وا حسيناه ، أشاهد مصرعك وأبتلي برعاية هذه المذاعير وأغمي عليها .

فقال لها الحسين عليه السلام : مهلا لا تشمت القوم .

وبات الحسين عليه السلام تلك الليلة وأصحابه ولهم دوي كدوي النحل ما بين قائم وقاعد وراكع وساجد .

سمة العبيد من الخشوع عليهم لله إن ضمتهم الأسحار وإذا ترجلت الضحى شهدت لهم بيض القواضب أنهم أحرار .

نسألكم الدعاء

اللهم اجعلنا من شيعة الزهراء وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها ولا تفرق بيننا وبينهم في الدنيا والآخرة

خادم الزهراء 22-Jan-2010 05:35 PM

اللهم صل على الزهراء وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها
اللهم واشفي قلب الزهراء صلوات الله عليها بظهور وليك المهدي صلوات الله عليه وعلى آبائه الطيبين الطاهرين
واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين

[ المجلس السابع العشر ]

عن أنس بن مالك قال : كان إذا فقد رسول الله صلى الله عليه وآله الرجل سأل عنه ، فإن كان غائبا دعا له ، وإن كان شاهدا زاره ، وإن كان مريضا عاده .

وعن جابر بن عبد الله الأنصاري ، قال : بينا أنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله في بعض غزواته إذ أعيا ناضحي تحت الليل ، وكان رسول الله صلى الله عليه وآله في أخريات الناس يلاحظ الضعيف فانتهى إلي وأنا أقول : يا لهف أماه ما زال الناضح بسوء .

فقال : من هذا ؟ فقلت : أنا جابر بأبي وأمي يا رسول الله .

قال : ما شأنك ؟ قلت : أعيا ناضحي . فقال : أمعك عصا ؟ قلت : نعم .

فضربه صلى الله عليه وآله ثم بعثه ، ثم أناخه ، ووطئ على ذراعه ، وقال : اركب ، فركبت وسايرته فجعل جملي يسبق جمله ، فاستغفر لي تلك الليلة خمسا وعشرين مرة .

فقال لي : ما ترك عبد الله من الولد - يعني أباه - ؟ قلت : سبع نسوة .

قال : أبوك عليه دين ؟ قلت : نعم .

قال : فإذا قدمت المدينة وحضر جذاذ النخل فآذني ، هل تزوجت ؟ قلت : نعم .

قال : بمن ؟ قلت : بفلانة ابنة فلان بأيم كانت بالمدينة .

فقال : يا جابر ، هلا فتاة تلاعبها وتلاعبك ؟ قلت : يا رسول الله كن عندي نسوة خرق - يعني أخواته - فكرهت آتيهن بامرأة خرقاء ، فقلت : هذه أجمع لأمري .

قال صلى الله عليه وآله : أصبت ورشدت .

بكم اشتريت جملك ؟ قلت : بكذا وكذا - بخمس أواق من ذهب - .

قال : بعنيه ولك ظهره إلى المدينة .

فلما قدم المدينة أتيته بالجمل ، فقال : يا بلال اعطه خمس أواق ثمنه وزده ثلاثا ورد عليه جمله .

قال جابر : فلما حضر جذاذ النخل أعلمت رسول الله صلى الله عليه وآله فجاء فدعا لنا فجذذنا ، فاستوفى كل غريم ما كان يطلب تمرا ، وبقي لنا مثل ما كنا نجذ وأكثر .

فقال صلى الله عليه وآله : ارفعوا ولا تكيلوا ، فرفعناه وأكلنا منه زمانا .

وفي الصواعق المحرقة لابن حجر : أن جابرا بن عبد الله الأنصاري قال للأمام الباقر عليه السلام وهو صغير : إن رسول الله صلى الله عليه وآله يسلم عليك .

فقيل له : وكيف ذلك ؟ قال : كنت جالسا عنده والحسين في حجره وهو يقبله فقال : يا جابر يولد للحسين مولود اسمه علي ، وإذا كان يوم القيامة ينادي مناد : ليقم زين العابدين ، فيقوم علي بن الحسين عليهما السلام ، ثم يولد لعلي ولد اسمه محمد عليه السلام فإذا أدركته يا جابر فاقرأه مني السلام .

وكان جابر هذا من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وأمير المؤمنين والحسن والحسين ، وأدرك الإمام محمد الباقر عليهم السلام ولم يشهد وقعة الطف لكونه إذ ذاك مكفوفا ، لكنه أول من زار الحسين عليه السلام . قال السيد : ولما رجع نساء الحسين عليه السلام وعياله من الشام وبلغوا العراق قالوا للدليل : مر بنا على طريق كربلاء ، فوجدوا جابرا بن عبد الله الأنصاري رحمه الله وجماعة من بني هاشم ورجالا من آل الرسول صلى الله عليه وآله ، فتلاقوا بالبكاء والحزن واللطم ، وأقاموا المآتم المقرحة للأكباد ، واجتمع إليهم نساء ذلك السواد .

قال ابن جناب الكلبي : حدثنا الجصاصون ، قالوا : كنا نسمع الجن ينوحون عليه فيقولون : مسح النبي جبينه فله بريق في الخدود أبواه من عليا قر ي‍ ش وجده خير الجدود ثم انفصلوا من كربلاء ، فلما قربوا من المدينة ، قال الإمام زين العابدين : يا بشر رحم الله أباك ، لقد كان شاعرا فهل تقدر على شئ منه ؟ فقال : بلى يا بن رسول الله .

فقال : أدخل المدينة وانع أبا عبد الله عليه السلام .

قال بشر : فركبت فرسي ، فلما بلغت المسجد رفعت صوتي بالبكاء وأنشأت أقول :


يا أهل يثرب لا مقام لكم بها * قتل الحسين فأدمعي مدرار


الجسم منه بكربلاء مضرج * والرأس منه على القناة يدار


ثم قلت : هذا علي بن الحسين مع عماته وأخواته قد حلوا بساحتكم ، ونزلوا بفنائكم ، وأنا رسوله إليكم [ أعرفكم مكانه ] .

قال : فما بقيت بالمدينة مخدرة ولا محجبة إلا برزن من خدورهن ، مخمشات وجوههن ، ضاربات خدودهن ، يدعون بالويل والثبور ، فلم أر باكيا أكثر من ذلك اليوم ، ولا يوما أمر على المسلمين منه ، وسمعت جارية تنوح على الحسين وتقول :

نعى سيدي ناع نعاه فأوجعا * وأمرضني ناع نعاه فأوجعا
فعيني جودا بالدموع واسكبا * وجودا بدم بعد دمعكما معا
على من وهي عرش الجليل فزعزعا * فأصبح هذا المجد والدين أجدعا
على ابن نبي الله وابن صفيه وإن * كان عنا شاحط الدار أشسعا

قال بشر : فضربت فرسي ورجعت ، فوجدت الناس قد أخذوا الطرق والمواضع فقربت من باب الفسطاط ، وكان زين العابدين عليه السلام داخلا فخرج ومعه خرقة يمسح فيها دموعه ، وخلفه خادم ومعه كرسي فوضعها له فجلس عليها وهو لا يتمالك من البكاء ، وارتفعت أصوات الناس ، وضجت النساء بالحنين والصراخ ، فضجت تلك البقعة ضجة شديدة .

ثم خطب الناس خطبة لم يسمع أبلغ منها ، ثم رحل إلى المدينة ، فنظر إلى تلك المنازل تنوح بلسان حالها ، وتبكي لفقد حماتها ورجالها ، وتهيج أحزانه على مصارع قتلاه ، وتنادي لأجلهم : واثكلاه ، واذلاه .

مدارس آيات خلت من تلاوة ومنزل وحي مقفر العرصات ما ذنب أهل البيت حتى منهم أخلوا ربوعه تركوهم شتى مصا رعهم وأجمعها فظيعة .

نسألكم الدعاء

اللهم اجعلنا من شيعة الزهراء وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها ولا تفرق بيننا وبينهم في الدنيا والآخرة

خادم الزهراء 22-Jan-2010 05:47 PM

اللهم صل على الزهراء وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها
اللهم واشفي قلب الزهراء صلوات الله عليها بظهور وليك المهدي صلوات الله عليه وعلى آبائه الطيبين الطاهرين
واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين

[ المجلس الثامن عشر ]

كانت وقعة بدر التي أظهر الله بها الدين ، وكسر فيها سورة المشركين ، صبيحة الجمعة لسبعة عشر ليلة خلت من شهر رمضان في السنة الثانية من الهجرة ، وكان خروج النبي صلى الله عليه وآله من المدينة المنورة ثالث الشهر في ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا ، منهم سبعة وسبعون من المهاجرين ، والباقون من الأنصار ، ولم يكن معهم إلا فرسان ، أحدهما للمقداد ، وكانت الإبل سبعة عشر يتعاقبون عليها .

وأقبلت قريش بخيلائها وخيلها ، وكانوا تسعمائة وخمسين رجلا ، وقيل : كانوا ألفا ومعهم مائة فرس وسبعمائة بعير .

وعبأ رسول الله صلى الله عليه وآله أصحابه ، وكانت رايته بيد أمير المؤمنين عليه السلام ، وتقارب الفيلقان ، فبرز من المشركين عتبة بن ربيعة ، وأخوه شيبة ، وابنه الوليد ، وكانوا عظماء قريش ، فأمر رسول الله صلى الله عليه وآله عليا بالبروز إليهم ، وأرسل معه عمه الحمزة ، وعبيدة بن الحرث .

فشد أمير المؤمنين عليه السلام على الوليد فقتله ، وشد الحمزة على عتبة فقتله ، وبارز عبيدة شيبة فاختلف بينهما ضربتان قطعت ضربة شيبة فخذ عبيدة رحمه الله تعالى ، فكر أمير المؤمنين وحمزة على شيبة فقتلاه ، فكان قتل هؤلاء الثلاثة أول وهن لحق المشركين وذل دخل عليهم .

ثم بارز أمير المؤمنين عليه السلام العاص بن سعيد بن العاص - بعد أن أحجم عنه سواه - فقتله ، وبرز إليه حنظلة بن أبي سفيان فقتله ، وبرز إليه طعيمة ابن عدي - وكان من رؤوس الضلال - فقتله ، وقتل بعده نوفل بن خويلد ، وكان من شياطين قريش ، وكانت قريش تقدمه وتعظمه ، وهو الذي قرن أبا بكر وطلحة وعذبهما يوما إلى الليل ، وبرز زمعة بن الأسود والحارث بن زمعة وكانا من أشد المشركين وطأة على المسلمين فقتلهما ، وقتل بعدهما عمير بن عثمان ابن كعب بن تيم ، وهو عم طلحة بن عبيد الله ، وبرز بعد عمير أخيه ، وهما عثمان ومالك ابنا عبيد الله وكانا أخوي طلحة فقتلهما أمير المؤمنين عليه السلام .

وصمد إلى صناديد قريش يقتل كل من برز إليه ، حتى أتى على نصف المقتولين من المشركين ، وكانوا سبعين رجلا ، تولى جميع من حضر بدرا من المسلمين مع ثلاث آلاف من الملائكة المسومين قتل النصف منهم ، وتولى أمير المؤمنين قتل النصف الآخر وحده بمعونة الله عز وجل وكان الفتح على يده .

وختم الأمر بكف من تراب تناوله النبي صلى الله عليه وآله فرمى به وجوه المشركين قائلا : شاهت الوجوه .

فلم يبق أحد منهم إلا ولى منهزما ، ونصر الله عبده ، وأنجز وعده ، فغنم المسلمون أموال المشركين ، وأسروا سبعين من رجالهم ، فكان العباس ممن أسر يومئذ وجئ به مكتوفا ، فبات رسول الله صلى الله عليه وآله تلك الليلة ساهرا ، فقال له أصحابه : يا رسول الله ، ما لك لا تنام ؟ فقال : سمعت تضور العباس في وثاقه فمنعني من النوم . فقاموا إليه فأطلقوه ، فنام رسول الله صلى الله عليه وآله .

بأبي أنت وأمي يا نبي الرحمة ، أخذك الأرق ، واعتراك القلق ، بوثاق عمك وقد كان مع المحاربين لك ، على أنه لم يكن عليلا ولا ظمآنا ، ولا أضره الوثاق ، ولا كان مفجوعا بأبيه ، ولا مرزوءا بجمع أهليه ، ولا كان رأس أبيه في أعلى السنان ، ولا طافوا به وبنسائه سبايا في البلدان ، فكيف بك يا رسول الله لو رأيت مريضك العليل والجامعة في عنقه ، والغل في يديه ، والقيد في ساقيه ، وليتك تراهم وقد اجتمعوا عليه يريدون قتله ، فقلبوه عن نطع مسجى عليه ، وتركوه على الرمضاء ، وحرارة الشمس ، وحر المصيبة ، وألم السقم ، يرى خياما منهوبة ، ونساء مسلوبة ، ورؤوسا على الرماح مرفوعة ، وجثثا تحت سنابك الخيل مرضوضة ، يعز عليك يا نبي الله إذ ساقوا ثقلك وحرائرك حتى أدخلوهم على يزيد بن معاوية لعنهما الله وهم مقرونون بالحبال ، فلما وقفوا بين يديه قال له سبطك علي بن الحسين عليهما السلام : أنشدك الله يا يزيد ، ما ظنك برسول الله صلى الله عليه وآله لو رآنا على هذه الصفة ؟ فأمر اللعين بالحبال فقطعت ، ثم وضع رأس ريحانتك بين يديه ، وأجلس النساء خلفه لئلا ينظرن إليه ، فرأته أم المصائب عليها السلام فأهوت إلى جيبها فشقته ، ثم نادت بصوت حزين يقرح القلوب : يا حسيناه ، يا حبيب رسول الله ، يا بن مكة ومنى ، يا بن فاطمة الزهراء سيدة نساء العالمين ، يا بنت المصطفى ، فأبكت والله كل من كان حاضرا .

يا ليت عين المصطفى نظرت إلى أم المصائب حولها أيتامها ما بين نائحة وصارخة غدت ترثي كما يرثي الفراخ حمامها لهفي لهاتيك الحرائر أصبحت يقتاد قسرا للئيم زمامها

نسألكم الدعاء

اللهم اجعلنا من شيعة الزهراء وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها ولا تفرق بيننا وبينهم في الدنيا والآخرة

امامي حسين 23-Jan-2010 10:19 AM

[font=simplified arabic]ثم قال : اللهم إني أسألك فيهما ما سألك إبراهيم عليه السلام في ذريته : اللهم أحبهما وأحب من يحبهما ، والعن من يبغضهما ملء السماء والأرض

نسألكم الدعاء

اللهم اجعلنا من شيعة الزهراء وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها ولا تفرق بيننا وبينهم في الدنيا والآخرة
[/quote]

اللهم بحق فاطمة وانت فاطر السماوات وبحق علي وانت الاعلى وبحق الحسن وانت المحسن وبحق الحسين وانت قديم الاحسان والتسعة العصومين من ولدهم ان تغفرو لنا وللمؤمنين والمؤمنات وتقضى حوائجهم :rolleyes:

امامي حسين 23-Jan-2010 10:31 AM

بمناسبة استشهاد سبط النبي صلى عليه واله وسلم الامام الحسن ابن علي امير المؤمنين في هذي الايام نتقدم باحر التعازي لصاحب العصر والزمان الحجه عجل الله فرجه الشريف

خادم الزهراء 23-Jan-2010 02:41 PM

اللهم صل على الزهراء وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها
اللهم واشفي قلب الزهراء صلوات الله عليها بظهور وليك المهدي صلوات الله عليه وعلى آبائه الطيبين الطاهرين
واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين

[ المجلس التاسع عشر ]

خرج رسول الله صلى الله عليه وآله إلى أحد يوم الجمعة في شوال سنة ثلاث من الهجرة في ألف مقاتل ، فرجع منهم قبل الوصول إلى أحد ثلاثمائة من المنافقين ، وبقي سبعمائة ، فيهم مائة دارع ، ولم يكن معهم إلا فرسان ، وكان المشركون ثلاثة آلاف فيهم سبعمائة دارع ، ومعهم مائة فرس ، وثلاثة آلاف جمل وخمسة عشر امرأة ، وقائدهم أبو سفيان ، خرج لحرب الله ومعه ولده معاوية وزوجته هند ، وخرج عمرو بن العاص بزوجته ريطة بنت منبه ، والتقوا يوم السبت ، وعلى ميمنة المشركين خالد بن الوليد ، وعلى ميسرتهم عكرمة بن أبي جهل .

ونزل رسول الله صلى الله عليه وآله الشعب من أحد وتر كه خلفه ، وجعل الرماة وهم خمسون وراءه ، ليحموا ظهور المسلمين ، وأمرهم أن لا يفارقوا مراكزهم على كل حال .

وأعطى رايته عليا عليه السلام ، وسأل عن لواء المشركين فقيل : مع بني عبد الدار ، فأعطى لواءه مصعب بن عمير لأنه منهم .

فلما استشهد أخذ علي بن أبي طالب عليه السلام في يده الراية واللواء جميعا ، وحمى الوطيس ، فشد أمير المؤمنين على صاحب اللواء وهو طلحة بن أبي طلحة وكان أشجع القوم ، ويعرف بكبش الكتيبة ، فضربه على رأسه ضربة بدرت بها عيناه ، فصاح صيحة منكرة وأسقط اللواء ، فكبر رسول الله صلى الله عليه وآله تكبيرا عاليا ، وكبر المسلمون بأجمعهم ، وتضعضع عسكر الشرك بمقتله ، ولم يزل يقتل كل من حمل اللواء من بني عبد الدار حتى تفانوا عليه ، فحمله عبد لهم يقال له : صواب ، وكان من أشد الناس ، فقطع أمير المؤمنين عليه السلام يديه ، ثم ضربه على أم رأسه فسقط صريعا ، وانهزم المشركون ، وأكب المسلمون على الغنائم فطمعت الرماة في الغنيمة ، وفارقوا الشعب الذي أمرهم النبي صلى الله عليه وآله بملازمته .

فأتى خالد بن الوليد في خيل المشركين من ورائهم وهم غافلون ، فكان البلاء ، وقتل حمزة في سبعين رجلا ، وفر الباقون ، وثبت علي وأبو دجانة وسهل بن حنيف .

وقاتل رسول الله صلى الله عليه وآله قتالا شديدا ، وكسرت يومئذ رباعيته ، وشقت شفته ، وكلم في وجهه الشريف ، ودخل من حلق المغفر في جبهته الشريفة ، وعلاه ابن قمأة لعنه الله بالسيف ، فسقط - بأبي وأمي - إلى الأرض ، وصاح المشركون : قتل محمد ، فأوغل المسلمون للهرب ، وكسر علي غمد سيفه ، وشد على جموع المشركين شدة ما سمع السامعون بمثلها ، فكشفهم عن النبي صلى الله عليه وآله فوجده على الأرض ، والدماء تسيل على وجهه الشريف ، وأبصر النبي صلى الله عليه وآله جماعة من المشركين فقال : اكفنيهم يا علي ، فحمل عليهم ، وقتل عميدهم ، وتفرقوا ، ثم جاءت كتيبة أخرى ، فقال صلى الله عليه وآله : إحمل عليهم يا علي ، فشد على عميدهم ، فقتله وفرقهم .

فقال جبرائيل عليه السلام : هذه المواساة ، فقال النبي صلى الله عليه وآله : إنه مني وأنا منه ، فقال جبرائيل عليه السلام : وأنا منكما ، ونادى في تلك الحال : لا سيف إلا ذو الفقار ولا فتى إلا علي وجعل علي عليه السلام ينقل الماء إلى رسول الله صلى الله عليه وآله في درقته من المهراس ليغسل الدم عن وجهه ، ومنع الله نبيه صلى الله عليه وآله يومئذ بأخيه ، وبجماعة من المنهزمين ثابوا إليه ، فذهبوا به إلى الجبل فحاصروا وارتفع القتال .

بأبي أنت وأمي : يا غريب أين كان أخوك المواسي ، ليمنعك من الأعداء حين سقطت شلوا مبضعا ، كما منع المشركين عن رسول الله صلى الله عليه وآله أخوه المواسي له ؟ أم أين كان قمر بني هاشم وأنت مطروح على الرمضاء تخور بدمك ، وتلوك لسانك من العطش لينقل الماء إليك من الفرات ، كما نقله إلى رسول الله صلى الله عليه وآله أخوه المواسي له من المهراس ، لكنه سقط رسول الله صلى الله عليه وآله وكان أخوه سالم المهجة ، سالم الهامة ، سالم الساعدين ، وكان أخوك إذ سقطت يا قرة عين الزهراء مرضوخ الهامة ، محسوم الزندين ، مشحوطا بالدماء ، مبدد الأعضاء .

وأين عنك يا سيدي صحبك الذين ما فروا ، ولا تخطوا حتى تفانوا دونك ليمنعوك كما منع رسول الله أصحابه ؟ ومن أين لهم أن يمنعوك وهم صرعى في هجير الشمس ، قد وزعت أشلاءهم ظباة السيوف ، وطحنتهم سنابك الخيل ، وابتلت بدمائهم أرض الطفوف ، ولقد يعز عليهم والله وقوفك بين الأعداء وحيدا فريدا وأنت تنادي : هل من مغيث يغيثنا ؟ هل من موحد يخاف الله فينا ؟ هل من معين يرجو الله في إعانتنا ؟ فأجابك يا داعي الله مالك بن النسر لعنه الله بالسيف على رأسك الشريف ، وطارح بن وهب بالرمح في خاصرتك ، ولباك بن شريك بالسيف على كتفك اليسرى ، وأجابك آخر بضربة على عاتقك المقدس فكبيت بها لوجهك .

وجاء سنان طاعن بسنانه * يرى أنه كان الهزير المشجعا
وأقبل شمر يعلن العجب إذ سطا * على الليث مذ أمسى له الحتف مضجعا
وراح بأعلى الرمح يزهو كريمه * كبدر دجى قد تم عشرا وأربعا

نسألكم الدعاء

اللهم اجعلنا من شيعة الزهراء وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها ولا تفرق بيننا وبينهم في الدنيا والآخرة

خادم الزهراء 27-Jan-2010 03:51 PM

اللهم صل على الزهراء وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها
اللهم واشفي قلب الزهراء صلوات الله عليها بظهور وليك المهدي صلوات الله عليه وعلى آبائه الطيبين الطاهرين
واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين

[ المجلس العشرون ]

نقل ابن أبي الحديد - في أواخر الجزء الرابع عشر من شرح النهج - عن جماعة من المحدثين والمؤرخين : إن رسول الله صلى الله عليه وآله لما فر أصحابه عنه يوم أحد كثرت عليه كتائب المشركين ، وقصدته كتيبة من بني عبد مناف بن كنانة ، وفيها بنو سفيان بن عويف ، وهم : خالد ، وأبو الشعثاء ، وغراب وأبو الحمراء ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : يا علي اكفني هذه الكتيبة .

فحمل عليها وإنها لتقارب خمسين فارسا وهو راجل ، فما زال يضربها حتى تفرقت عنه ، ثم تجتمع عليه هكذا مرارا حتى قتل بني سفيان بن عويف الأربعة وتمام العشرة ، فقال جبرائيل عليه السلام : يا محمد إن هذه لهي المواساة ، وقد تعجبت ملائكة السماء من هذا الفتى .

فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : وما يمنعه ؟ وهو مني وأنا منه .

فقال جبرائيل عليه السلام : وأنا منكما .

قال : وسمع في ذلك اليوم صوت من قبل السماء لا يرى شخص الصارخ به ينادي مرارا : لا سيف إلا ذو الفقار ولا فتى إلا علي فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : هذا جبرائيل . . . وكان بأبي هو وأمي قد جرح فجعل علي عليه السلام ينقل الماء في درقته من المهراس ويغسل جرح النبي فلم ينقطع دمه ، فأتت فاطمة عليها السلام فجعلت تعانقه وتبكي ، وأحرقت حصيرا وجعلت من رماده على الجرح فانقطع الدم .

ذكرت من بكاء سيدة النساء حين عانقت أباها صلى الله عليه وآله وهو مجروح ، ما حال سكينة لما استوقفت أباها وقد أثخن بالجراح ، وبقي من كثرة رشق النبال كالقنفذ ، فقالت : يا أبتاه ، قف لي هنيئة لأتزود منك ، فهذا وداع لا تلاقي بعده ، وانكبت على يديه ورجليه تقبلهما وتبكي ، فبكى الحسين عليه السلام رحمة لها ، ثم مسح دموعها بكمه ، وأخذها فتركها في حجره ، ومسح دموعها بكفه وأنشأ مخاطبا لها : سيطول بعدي يا سكينة فاعلمي منك البكاء إذا الحمام دهاني لا تحرقي قلبي بدمعك حسرة ما دام مني الروح في جثماني فإذا قتلت فأنت أولى بالذي تأتينه يا خيرة النسوان واعتنقت أباها يوم الحادي عشر من المحرم كما اعتنقت جدتها الزهراء أباها يوم أحد ، لكن شتان بين من اعتنقت أباها وهو حي جالس ، وبين من اعتنقته وهو مطروح على الرمضاء بحرارة الشمس ، عاري اللباس ، قطيع الرأس ، منخمد الأنفاس ، في جندل كالجمر مضطرم .

ثوى ثلاث ليال بالعراء بلا غسل ولا كفن لله من حكم ورجع رسول الله صلى الله عليه وآله من أحد يوم الوقعة فمر بامرأة من الأنصار أصيب أبوها وزوجها ، فلما نعيا إليها قالت : ما فعل برسول الله صلى الله عليه وآله ؟ قالوا : هو بحمد الله كما تحبين .

قالت : أرونيه ، فلما نظرت إليه قالت : كل مصيبة بعدك جلل .

ولقته حمنة بنت جحش فنعى إليها أخاها عبد الله فاسترجعت ، ثم نعى إليها أخاها حمزة فاستغفرت له ، ثم نعى لها زوجها مصعب بن عمير فولولت وصاحت .

ولكن لا كالرباب زوجة أبي عبد الله فإنها بقيت بعده لا تستظل تحت سقف بيت حتى ماتت كمدا ، وكانت تجلس في هجير الشمس من أول النهار إلى آخره ، وتقابلها ابنتها سكينة بالنوح واللطم ، وكانت زينب مع حزنها ترق لها وهي تندب الحسين أشجى ندبة ، فتقول لها : أخية يا رباب قومي إلى الظل .

فتقول لها : يا سيدتي لا تلوميني فإني تركت سيدي ومولاي عاريا بالعراء مطروحا على الرمضاء بحرارة الشمس ، وكانت تقول في ندبتها : وا حبيب المصطفى ، وا ذبيحا من قفا ، وا قتيلا بالظما .

ثم لا تزال تنادي : وا سيداه وا حسيناه ، حتى تتفطر لها القلوب ، ويتصدع لها الصخر الأصم .

نادت فقطعت القلوب بشجوها * لكنما انتظم البيان فريدا
إن تنع أعطت كل قلب حسرة أو * تدع صدعت الجبال الميدا
تدعو بلهفة ثاكل لعب الأسى * بفؤاده حتى انطوى مفؤودا

نسألكم الدعاء

اللهم اجعلنا من شيعة الزهراء وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها ولا تفرق بيننا وبينهم في الدنيا والآخرة

خادم الزهراء 27-Jan-2010 04:00 PM

اللهم صل على الزهراء وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها
اللهم واشفي قلب الزهراء صلوات الله عليها بظهور وليك المهدي صلوات الله عليه وعلى آبائه الطيبين الطاهرين
واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين

[ المجلس الحادي العشرون ]

ذكر المؤرخون : أن وحشي بن حرب كان عبدا حبشيا لابنة الحارث بن عامر بن نوفل بن عبد مناف ، وقيل : كان لجبير بن مطعم بن عدي بن نوفل فقالت له ابنة الحارث : إن أبي قتل يوم بدر ، فإن أنت قتلت أحد الثلاثة محمدا أو عليا أو حمزة فأنت حر ، فإني لا أدري في القوم كفوا لأبي غيرهم .

فقال : أما محمد فإن أصحابه لن يسلموه ، وأما حمزة فوالله لو وجدته نائما ما أيقظته ، وأما علي فألتمسه .

قال وحشي : فكنت يوم أحد ألتمسه فبينا أنا في طلبه ، إذ طلع علي فطلع رجل حذر مرس ، كثير الالتفات فقلت : ما هذا بصاحبي ، فبينا أنا كذلك إذ رأيت حمزة يفري الناس فريا ، فكمنت إلى صخرة وهو مكبس له كيت ، فاعترض له سباع بن أم اينار ، فقال له حمزة : وأنت يا بن مقطعة البذور ممن يكثر علينا فاحتمله حتى إذا برقت قدماه رمى به فبرك عليه فشحط شحط الشاة ، ثم أقبل علي مكبا حين رآني ، فلما بلغ المسيل وطأ على جرف فزلت قدمه فهززت حربتي حتى رضيت منها ثم ضربت بها في خاصرته حتى خرجت من مثانته ، وكرت عليه طائفة من أصحابه فأسمعهم ينادونه : أبا عمارة فلا يجيب ، فقلت : والله مات الرجل ، وذكرت هندا وعداوتها لبني هاشم فأتيتها فقلت : ماذا لي إذا قتلت قاتل أبيك . قالت : سلبي .

فأخبرتها الخبر فنزعت ثيابها وحليها فأعطتنيه وقالت : إذا جئت مكة فلك عشرة دنانير ، ثم قالت : أرني مصرعه فدللتها عليه ، فبقرت بطنه ، وأخرجت كبده فمضغتها ثم لفظتها ، وقطعت مذاكيره ، وجدعت أنفه ، وقصت أذنيه ، ثم جعلت ذلك خلخالين ودملجين حتى قدمت بذلك مكة وقدمت بكبده معها . قال محمد بن إسحاق : ومن الشعر الذي ارتجزت به هند يوم أحد :

شفيت من حمزة نفسي بأحد * حين بقرت بطنه عن الكبد
أذهب عني ذاك ما كنت أجد * من لوعة الحزن الشديد المعتمد
والحرب تعلوكم بشأيوب برد * تقدم أقداما عليكم كالأسد

وجاءت صفية فجلست عند رسول الله صلى الله عليه وآله فجعلت إذا بكت يبكي رسول الله ، وإذا نشجت ينشج ، وجعلت فاطمة تبكي على عمها ، فلما بكت بكى رسول الله صلى الله عليه وآله .

جعلت فداك يا رسول الله ، يا نبي الرحمة ، كيف بك لو رأيت عقائلك يوم عاشوراء وقد ذبح نصب أعينهن ثمانية عشر من حماتهن ، وسبعون من أنصارهن ، وليتك ترى كريمتكم زينب إذ وقفت على أخيها الحسين عليه السلام حافية حاسرة ، ووجدته وهو ريحانتك مزملا بالدماء ، موزع الأعضاء ، عاري اللباس ، مقطوع الرأس ، مذبوحا من القفا ، مفطور القلب من الظمأ ، فنادتك بصوت وقلب كئيب : يا جداه يا رسول الله ، صلى عليك مليك السما ، هذا حسينك بالعرا ، مزملا بالدما ، مسلوب العمامة والردا ، ثم قالت : بأبي من لا غائب فيرتجى ، ولا جريح فيداوى ، بأبي من نفسي له الفدا ، بأبي المهموم حتى قضى ، بأبي العطشان حتى مضى ، بأبي من شيبه يقطر بالدما ، بأبي من جده رسول إله السما ، فأبكت والله كل عدو وصديق .

وشتان ما بين صفية إذ قتل أخوها حمزة ، وزينب إذ قتل أهلوها ، أما صفية فبقي لها رسول الله وأمير المؤمنين ، وأبطال بني عبد المطلب ، وليوث بني هاشم ، وبقي عزها ، وسرداق مجدها ، والمهاجرون والأنصار يتفانون دون خباها . . ويا لهف نفسي لزينب ، وبقية العقائل من آل الرسول صلى الله عليه وآله ، إذ أصبحن بعد حماتهن غنيمة للقوم الظالمين ، يضربونهن تارة ويسلبونهن أخرى ولقد كانت المرأة منهن تنازع ثوبها عن ظهرها حتى تغلب عليه ، ولم يبق لهن من يرتجينه لدفع الأعداء ، إلا عمر بن سعد لعنه الله ، ولذا صحن في وجهه لما رأينه وبكين شاكيات إليه ، فقال لأصحابه : لا يدخل أحد منكم بيوت هذه النسوة ، ولا تتعرضوا لهذا الغلام المريض ، فسألته النسوة أن يسترجع ما أخذ منهن من الملاحف ليستترن به ، فقال : من أخذ منهن شيئا فليرده ، فوالله ما رد أحد شيئا .

عجبا لمال الله أصبح مقسما * في رائح للظالمين وغاد عجبا
لآل الله صاروا مغنما * لبني الطليق هدية وزياد عجبا
لذي الأفلاك لم لا عطلت * والشهب لم تبرز بثوب حداد

نسألكم الدعاء

اللهم اجعلنا من شيعة الزهراء وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها ولا تفرق بيننا وبينهم في الدنيا والآخرة

خادم الزهراء 29-Jan-2010 11:32 AM

اللهم صل على الزهراء وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها
اللهم واشفي قلب الزهراء صلوات الله عليها بظهور وليك المهدي صلوات الله عليه وعلى آبائه الطيبين الطاهرين
واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين

[ المجلس الثاني والعشرون ]

سار رسول الله صلى الله عليه وآله إلى خيبر في المحرم الحرام سنة سبع للهجرة في ألف وأربعمائة مقاتل ، ومعهم مائتا فرس ، وكانت الوقعة في صفر ، والفتح فيها لأمير المؤمنين عليه السلام بلا ارتياب ، وظهر من فضله في هذه الغزوة ما أجمع على نقله المسلمون ، واختص فيها من المناقب بما لم يشاركه فيه أحد من العالمين ، وذلك أنه قد اتفقت كلمة أهل الأخبار : على أن رسول الله صلى الله عليه وآله أعطى الراية فيها أبا بكر أولا فرجع ، ثم أعطاها عمر ثانيا فرجع ولم يكن فتح .

فقال رسول الله صلى الله عليه وآله - كما في غزوة خيبر من صحيح البخاري - : لأعطين هذه الراية غدا رجلا يفتح الله على يديه يحب الله ورسوله ، ويحبه الله ورسوله .

قال : فبات الناس يدركون ليلتهم أيهم يعطاها ، فلما أصبح الناس غدوا على رسول الله صلى الله عليه وآله كلهم يرجو أن يعطاها .


فقال : أين علي بن أبي طالب ؟ فقالوا : هو يا رسول الله يشتكي عينيه .

قال : فأرسلوا إليه ، فأتي به فبصق رسول الله صلى الله عليه وآله في عينيه ودعا له فبرئ حتى كأن لم يكن به وجع فأعطاه الراية . . . إلى آخر الحديث .

وفي تاريخ ابن الأثير : أن عليا نهض بالراية وعليه حلة حمراء فأتى خيبر فأشرف عليه رجل من اليهود فقال : من أنت ؟ قال : أنا علي بن أبي طالب .

فقال اليهودي : غلبتم يا معشر اليهود .

قال : وخرج مرحب صاحب الحصن وعليه مغفر يماني قد ثقبها مثل البيضة وهو يقول : قد علمت خيبر أني مرحب شاكي السلاح بطل مجرب فقال علي عليه السلام : أنا الذي سمتني أمي حيدره كليث غابات كريه المنظرة أكيلهم بالسيف كيل السندرة فاختلفا بضربتين ، فبدره علي عليه السلام فقد الجحفة والمغفر ورأسه حتى وقع في الأرض ، وأخذ المدينة .

ونقل ابن الأثير ، عن أبي رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وآله قال : خرجت مع علي عليه السلام حين بعثه رسول الله صلى الله عليه وآله إلى خيبر فلما دنا من الحصن خرج إليه أهله فقاتلهم ، فضربه يهودي فوقع ترسه من يده ، فتناول علي بابا كان عند الحصن فتترس به عن نفسه ، فلم يزل في يده وهو يقاتل حتى فتح الله على يديه ، ثم ألقاه من يده فلقد رأيتني في نفر سبعة أنا ثامنهم نجتهد على أن نقلب ذلك الباب فما نقلبه .

قال ابن الأثير : فلما فتحت خيبر جاء بلال بصفية وأخرى معها على قتلى اليهود ، فلما رأتهم التي مع صفية صرخت وصكت وجهها ، وحثت التراب على رأسها ، فقال النبي صلى الله عليه وآله لبلال : أنزعت منك الرحمة جئت بهما على قتلاهما ؟ ! بأبي أنت وأمي يا نبي الرحمة ، لم ترض من بلال حين مر بيهوديتين على قتلاهما الكفرة والفجرة المحاربين لله ولرسوله ، فكيف بك لو ترى العقائل من خفراتك ، والكريمات من بناتك ، وهن على أقتاب الجمال بغير وطاء ولا غطاء ، مكشفات الوجوه بين الأعداء ، يسوقوهن كما تساق الزنوج والديلم ، فمروا بهن على مصارع قتلاهن ، وفيهم حجة الله ، ونجوم الأرض من آلك الطاهرين ، فوجدتهم على الرمضاء ، وقد أسري برؤوسهم إلى الكوفة ، فنادت حينئذ عزيزتك بضعة الزهراء عقيلتكم زينب : وا محمداه ، بناتك سبايا ، وذريتك مقتلة ، تسفى عليهم ريح الصبا ، وهذا حسينك بالعرا ، محزوز الرأس من القفا ، مسلوب العمامة والردا .

وفي بعض المجموعات : أرادت أن ترمي بنفسها عليه ، فناداها الإمام زين العابدين عليه السلام بصوت أضعفته العلة : عمتاه ، ارحمي ضعف بدني ، ارحمي الجامعة في عنقي ، ودعي أخاك وأنت على ظهر الناقة .

فجعلت تقول : ودعتك السميع العليم يا بن أمي ، والله لو خيرت المقام عندك والرحيل لاخترت المقام عندك ، ولو أن السباع أكلت لحمي .

واعتنقت سكينة جسد أبيها فاجتمعت عليها عدة من الأعراب حتى جروها عنه ، فوا حر قلباه ، كيف عانقته ونحره منحور ، وصدره مكسور ، ورأسه على القنا مشهور ، ويا لهف نفسي كيف رأته عاري الثياب ، معفرا بالتراب ، أم كيف فارقته مطروحا بالعراء ، لوحوش الأرض وطير السماء ، لا مغسلا ولا مكفنا ولا مدفونا .

بلى يا رسول الله ، كان دمه غسله ، والتراب كافوره ، والقنا الخطي نعشه ، وفي قلب من والاه قبره .

لهفي له وحريمه من * حول مصرعه نوادب
يندبنه بمدامع من حر * أجفان سواكب
أحسين بعدك لا هنا * عيش ولا لذت مشارب
والجسم منك مجدل * في الترب منعفر الترائب
ها نحن بعدك يا * غريب الدار أمسينا غرائب

نسألكم الدعاء

اللهم اجعلنا من شيعة الزهراء وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها ولا تفرق بيننا وبينهم في الدنيا والآخرة

خادم الزهراء 29-Jan-2010 11:48 AM

اللهم صل على الزهراء وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها
اللهم واشفي قلب الزهراء صلوات الله عليها بظهور وليك المهدي صلوات الله عليه وعلى آبائه الطيبين الطاهرين
واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين

[ المجلس الثالث العشرون ]

لما جهز رسول الله صلى الله عليه وآله جيش مؤتة جعل الأمير يومئذ ابن عمه جعفر بن أبي طالب ، وقال صلى الله عليه وآله : إن أصيب جعفر فزيد بن حارثة ، فإن أصيب زيد ، فعبد الله بن رواحة .

وقيل : أنه قدم زيدا ، فقال جعفر : ما كنت أرهب أن تستعمل علي زيدا .

فقال صلى الله عليه وآله : امض فإنك لا تدري أي ذلك خير . قال ابن الأثير : ثم ساروا فالتقتهم جموع الروم والعرب بقرية من البلقاء يقال لها ( مشارف ) ، وانحاز المسلمون إلى قرية يقال لها ( مؤتة ) فاقتتلوا قتالا شديدا ، فقاتل زيد براية رسول الله صلى الله عليه وآله حتى شاط في رماح القوم ، ثم أخذها جعفر فقاتل وهو يقول : يا حبذا الجنة واقترابها طيبة وبارد شرابها والروم روم قد دنى عذابها كافرة بعيدة أنسابها علي إذ لاقيتها ضرابها فلما اشتد القتال اقتحم عن فرس له شقراء فعقرها ، ثم قاتل القوم حتى قتل - وكان أول من عقر فرسه في الإسلام - فوجد به بضع وثمانون جرحا ، ما بين ضربة ورمية وطعنة .

بأبي أنت وأمي يا أبا عبد الله . بأبي أنت وأمي يا بن رسول الله .

لئن وجدوا في جسد عمك بضعا وثمانين جرحا ، فلقد أصبت يوم الطف بألف وتسعمائة ، ما بين ضربة بسيف ، وطعنة برمح ، ورضخه بحجر .

رماك الدارمي يا ريحانة المصطفى بسهم فأثبته في حنكك الشريف .

وضربك ابن النسر الكندي على رأسك بالسيف يا حشاشة الزهراء حتى امتلأ برنسك دما ، فاستدعيت بخرقة شددت بها رأسك تحت العمامة .

ووقفت يا سيدي لتستريح ساعة ، وقد ضعفت عن القتال ، فأتاك حجر في جبهتك المباركة ، فأخذت الثوب لتمسح الدم عن وجهك فأتاك سهم مسدد مسموم له ثلاث شعب فوقع على قلبك الطاهر ، فأخرجته من ظهرك ، فانبعث الدم كأنه ميزاب .

سهم رمى أحشاك يا بن المصطفى * سهم به كبد الهداية قد رمي
يا أرض ميدي ، يا سماء تفطري * يا شمس غيبي ، يا جبال تقسمي

قال ابن الأثير : فلما قتل جعفر أخذ الراية عبد الله بن رواحة ، فتردد بعض التردد ، ثم قال يخاطب نفسه :

أقسمت يا نفس لتنزلنه * طائعة أو لا لتكرهنه
إن أجلب الناس وشدوا الرنة * ما لي أراك تكرهين الجنة
قد طال ما قد كنت مطمئنة * هل كنت إلا نطفة في شنة

وقال أيضا : يا نفس إن لم تقتلي تموتي هذا حمام الموت قد صليتي وما تمنيت فقد أعطيت إن تفعلي فعلهما هديت وتقدم فقاتل حتى قتل .

ثم أن الخبر جاء من السماء في ساعته إلى النبي صلى الله عليه وآله فصعد المنبر وأمر فنودي الصلاة جامعة ، فاجتمع الناس فقال : ثار خبر - ثلاثا - عن جيشكم هذا الغازي ، إنهم لقوا العدو ، ثم نعى لهم زيدا وجعفرا وعبد الله ، وقال صلى الله عليه وآله - بعدها بليلة - مر بي جعفر البارحة في نفر من الملائكة ، له جناحان مخضب القوادم بالدم .

وفي ترجمة جعفر من كتاب الاستيعاب : بعث رسول الله صلى الله عليه وآله بعثه إلى مؤتة في جمادي الأولى سنة ثمان من الهجرة ، فقاتل فيها جعفر حتى قطعت يداه جميعا ، ثم قتل ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : إن الله أبدله بيديه جناحين يطير بهما في الجنة حيث يشاء .

وقد لحقه في هذه الفضيلة شبل أخيه قمر بني هاشم فإنه قطعت يداه في سبيل الله تعالى وضرب على هامته بعمود من حديد .

ولئن أصيب ذو الجناحين ببضع وثمانين جراحة ، فلقد روي في حديث بني أسد : أنه لما دفنوا العباس عليه السلام كانوا كلما رفعوا منه جانبا سقط الآخر لكثرة ضرب السيوف ، وطعن الرماح ، وامتاز العباس بعظيم المواساة ، فإنه لما اقتحم المشرعة قال : لا أشرب وأبو عبد الله عطشان .

وهل سمعت بأحد من الأولين والآخرين فدى قربة من الماء رجاء أن يشربها أخوه وعياله وأطفاله بنفسه ؟ ووقاها حرصا على إيصالها إليهم بمهجته ؟ وليتك يا ساقي عطاشى كربلاء أرويت كبدك الحرى بجرعة منها قبل مقتلك ؟ وليتهم إذ قتلوك أبقوا ماءها لغسلك ، وبالعزيز على سكينة عزيزة أخيك أن تراك ذبيحا دون يسير من الماء توصله إليها ، ويعز على عقيلتكم زينب أن تراك مقطعا نصب عينيها ، وليتك ترى أخاك الوحيد واقفا عليك وهو ينادي : الآن انكسر ظهري ، الآن تبدد عسكري وقلت حيلتي ، ثم بكى بكاء شديدا .

أحق الناس أن يبكى عليه * فتى أبكى الحسين بكربلاء
أخوه وابن والده علي * أبو الفضل المضرج بالدماء
ومن واساه لا يثنيه شئ * وجاد له عطش بماء

ونقل ابن الأثير عن أسماء زوجة جعفر ذي الجناحين رضي الله عنها قالت : أتاني النبي صلى الله عليه وآله وقد غسلت أولاد جعفر ودهنتهم ، فأخذهم وشمهم ودمعت عيناه ، فقلت : يا رسول الله أبلغك عن جعفر شئ ؟ قال : نعم ، أصيب هذا اليوم ، ثم أمر أهله أن يصنعوا لآل جعفر طعاما فهو أول طعام عمل في الإسلام .

بأبي أنت وأمي يا نبي الرحمة ، دمعت عيناك إذ رأيت يتامى ابن عمك جعفر ، مع أنهم كانوا في هيئة حسنة ، وزي بهيج ، وأمرت لهم بطعام ، مع أنهم لم يكونوا جياعا ، رأفة منك ورحمة .

فكيف بك لو رأيت يتاماكم يوم عاشوراء جياعا عطاشى ، حفاة عراة ، مدهوشين والهين ، مربقين بالحبال ، يخافون أن يتخطفهم الناس من حولهم ، هذا يضربهم ، وهذا يسلبهم ، وذاك يضرم النار في خيامهم ، وآخر ينتزع الملاحف عن ظهورهم ، وظهور أمهاتهم وعماتهم . وليتك يا نبي الرحمة تراهم ليلة الحادي عشر من المحرم وقد أحاطت بهم الأعداء ، وهم يرون ثمانية عشر من حماتهم ، واثنين وسبعين من شيعتهم جثثا على الرمضاء ، ورؤوسهم على أطراف الرماح .

يا رسول الله لو عاينتهم * وهم ما بين قتل وسبا
من رميض يمنع الظل ومن * عاطش يسقى أنابيب القنا
ومسوق عاثر يسعى به * خلف محمول على غير وطا
لرأت عيناك منهم منظرا * للحشا شجوا وللعين قذى

نسألكم الدعاء

اللهم اجعلنا من شيعة الزهراء وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها ولا تفرق بيننا وبينهم في الدنيا والآخرة

خادم الزهراء 29-Jan-2010 12:01 PM

اللهم صل على الزهراء وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها
اللهم واشفي قلب الزهراء صلوات الله عليها بظهور وليك المهدي صلوات الله عليه وعلى آبائه الطيبين الطاهرين
واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين

[ المجلس الرابع العشرون ]

ذكر الزبير بن بكار ، عن محمد بن الحسن المخزومي ، عن عبد الرحمن بن عبد الله ، عن أبيه ، عن أبي وجرة قال : لما حضرت الخنساء بنت عمرو بن الشريد السلمية حرب القادسية ، ومعها بنوها أربعة رجال ، فقالت لهم من الليل : يا بني إنكم أسلمتم طائعين ، وهاجرتم مختارين ، ووالله الذي لا إله إلا هو أنكم لبنو رجل واحد ، كما أنكم بنو امرأة واحدة ، ما خنت أباكم ، ولا فضحت خالكم ، ولا هجنت حسبكم ، ولا غيرت نسبكم ، وقد تعلمون ما أعد الله للمسلمين من الثواب الجزيل ، في حرب الكافرين ، واعلموا أن الدار الباقية ، خير من الدار الفانية ، يقول الله تعالى : يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون ، فإذا أصبحتم غدا سالمين إن شاء الله تعالى ، فاغدوا إلى قتال عدوكم مستبصرين ، وبالله على أعدائه مستنصرين ، فإذا رأيتم الحرب قد شمرت عن ساقها ، وأضرمت لظى عن سياقها ، وجللت على أرواقها ، فتيمموا وطيسها ، وجالدوا رئيسها عند احتدام خميسها ، تظفروا بالغنم والكرامة ، في دار الخلد والمقامة . فخرج بنوها قابلين لنصحها ، عازمين على قولها ، فلما أضاء لهم الصبح ، باكروا مراكزهم وأنشأ أولهم يقول :
يا إخوتي إن العجوز الناصحة * قد نصحتنا إذ دعتنا البارحة
مقالة ذات بيان واضحة * فباكروا الحرب الضروس الكالحة
وإنما تلقون عند الصائحة * من آل ساسان الكلاب النائحة
قد أيقفوا منكم بوقع الجائحة * وأنتم بين حياة صالحة
أو ميتة تورث غنما رايحة

وتقدم فقاتل حتى قتل رحمه الله تعالى ، ثم برز الثاني وهو يقول :
إن العجوز ذات حزم وجلد * والنظر الأوفق والرأي السدد
قد أمرتنا بالسداد والرشد * نصيحة منها وبرا بالولد
فباكروا الحرب حماة في * العدد إما لفوز بارد على الكبد
أو ميتة تورثكم عز الأبد في * جنة الفردوس والعيش الرغد

فقاتل حتى قتل رحمه الله تعالى ، ثم حمل الثالث وهو يقول :
والله لا نعصي العجوز * حرفا قد أمرتنا حزنا وعطفا
نصحا وبرا صادقا ولطفا * فبادروا الحرب الضروس زحفا
حتى تلاقوا آل كسرى لفا * أو يكشفوكم عن حماكم كشفا
إنا نرى التقصير منكم ضعفا * والقتل فيكم نجدة وزلفى

فقاتل حتى قتل رحمه الله تعالى ، ثم برز الرابع وهو يقول :
لست للخنساء ولا للأخرم * ولا لعمرو ذي الثناء الأقدم
إن لم أرد في الجيش جيش الأعجم * ماض على الحول خضم خضرم
إما لفوز عاجل أو مغنم أو * لوفاد في السبيل الأكرم

ثم قاتل حتى قتل رحمه الله تعالى ، فبلغها الخبر فقالت : الحمد لله الذي شرفني بقتلهم ، وأرجو من ربي أن يجمعني بهم في مستقر رحمته .

ذكرت من حال هذه المرأة ، الصالحة ، حال أم وهب بن حباب الكلبي يوم عاشوراء حين برز إلى ثلاثين ألفا فأحسن في الجلاد ، وبالغ في الجهاد ، وكانت معه امرأته ووالدته فرجع إليهما وقال : يا أماه أرضيت أم لا ؟ فقالت : يا بني ما رضيت حتى تقتل بين يدي الحسين عليه السلام .

وقالت امرأته : بالله عليك لا تفجعني بنفسك .

فقالت له أمه : يا بني أعزب عن قولها ، وارجع فقاتل بين يدي ابن بنت نبيك تنل شفاعة جده يوم القيامة .

فرجع ولم يزل يقاتل حتى قطعت يداه في سبيل الله تعالى ، فأخذت امرأته عمودا وأقبلت نحوه وهي تقول : قاتل فداك أبي وأمي يا وهب دون الطيبين من حرم رسول الله صلى الله عليه وآله .

فقال لها : كيف كنت تنهيني عن القتال ، والآن تأمرينني به ؟

قالت : لا تلمني يا وهب ، فإني سمعت من سيدي ومولاي الحسين كلمة كسرت قلبي ، سمعته يقول : أما من ناصر فينصرنا ؟

أما من موحد يخاف الله فينا ؟

أما من ذاب يذب عن حرم رسول الله ؟

فأقبل كي يردها إلى النساء ، فأخذت بجانب ثوبه ، وقالت : لن أعود حتى أموت معك .

فقال الحسين عليه السلام : جزيتم عن أهل بيتي خيرا ، ارجعي إلى النساء رحمك الله ، فانصرفت إليهن ، ولم يزل يقاتل حتى قتل رحمه الله تعالى .

رجال تواصوا حيث طابت أصولهم وأنفسهم بالصبر حتى قضوا صبرا حماة حموا خدرا أبى الله هتكه فعظمه شأنا وشرفه قدرا .

نسألكم الدعاء

اللهم اجعلنا من شيعة الزهراء وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها ولا تفرق بيننا وبينهم في الدنيا والآخرة

خادم الزهراء 30-Jan-2010 11:18 AM

اللهم صل على الزهراء وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها
اللهم واشفي قلب الزهراء صلوات الله عليها بظهور وليك المهدي صلوات الله عليه وعلى آبائه الطيبين الطاهرين
واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين

في سيرة أمير المؤمنين عليه السلام ومواعظه وإرشاداته
[ المجلس الخامس العشرون ]

ومن كلام لأمير المؤمنين وسيد الوصيين صلوات الله وسلامه عليه : ألا وإن لكل مأموم إماما يقتدي به ، ويستضئ بنور علمه ، ألا وإن إمامكم قد اكتفى من دنياه بطمريه ، ومن طعمه بقرصيه ، ألا وإنكم لا تقدرون على ذلك ، ولكن أعينوني بورع واجتهاد ، [ وعفة وسداد ف‍ ] والله ما كنزت من دنياكم تبرا ، ولا ادخرت من غنائمها وفرا ، ولا أعددت لبالي ثوبي طمرا ، ولا حزت من أرضها شبرا ، ولا أخذت منه إلا كقوت أتان دبرة ، ولهي في عيني أوهى [ وأهون ] من عفصة مقرة ، بلى ! كانت في أيدينا فدك من كل ما أظلته السماء ، فشحت عليها نفوس قوم ، [ وسخت عنها نفوس قوم آخرين ] ، ونعم الحكم الله ، وما أصنع بفدك وغير فدك ، والنفس مظانها في غد جدث ، تنقطع في ظلمته آثارها ، وتغيب أخبارها ، [ وحفرة لو زيد في فسحتها ، وأوسعت يدا حافرها ، لأضغطها الحجر والمدر ، وسد فرجها التراب المتراكم ، وإنما هي نفسي أروضها بالتقوى لتأتي آمنة يوم الخوف الأكبر ، وتثبت على جوانب المزلق ، ] ولو شئت لاهتديت الطريق ، إلى مصفى هذا العسل ، ولباب هذا القمح ، ونسائج هذا القز ، و [ لكن ] هيهات أن يغلبني هواي ، ويقودني جشعي إلى تخير الأطعمة - ولعل بالحجاز أو اليمامة من لا طمع له في القرص ، ولا عهد له بالشبع - أو أبيت مبطانا وحولي بطون غرثى ، وأكباد حرى ، أو أكون كما قال القائل : وحسبك عارا أن تبيت ببطنة وحولك أكباد تحن إلى القد أأطمع أن يقال أمير المؤمنين ، ولا أشاركهم في مكاره الدهر ، وأكون أسوة لهم في خشونة العيش ! فما خلقت ليشغلني أكل الطيبات ، كالبهيمة المربوطة ، همها علفها ، أو المرسلة شغلها تقممها ، تكترش من أعلافها ، وتلهو عما يراد بها ! وكأني بقائلكم يقول : ( إذا كان هذا قوت ابن أبي طالب فقد قعد به الضعف عن قتال الأقران ، ومنازلة الشجعان ) ، ألا وإن الشجرة البرية أصلب عودا ، والرواتع الخضرة أرق جلودا ، والنابتات العذية أقوى وقودا ، [ وأبطأ خمودا ، ] وأنا من رسول الله صلى الله عليه وآله كالصنو من الصنو ، والذراع من العضد ، والله لو تظاهرت العرب على قتالي لما وليت عنها .

بأبي أنت وأمي كم تظاهرت العرب على قتالك ، فظهرت عليها ورد الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيرا وكفى الله المؤمنين القتال بعلي أمير المؤمنين وسيد المجاهدين .

وهل الجهاد لأحد من الناس إلا له ؟

وهل قامت دعائم الدين ، أو رست قواعد الشرع ، أو علت كلمة التوحيد إلا بجهاده ؟

وهل شهد التنزيل لغيره بأنه شرى نفسه ابتغاء مرضاة الله ؟

وهل باهى الله عز وجل ملائكة السماء ليلة المبيت على فراش النبي صلى الله عليه وآله بغيره ؟

وهل تولى خدمة النبي وجميع بني هاشم أيام حصرهم في الشعب غيره ؟

وهل قاسى الخطر ولاقى الأهوال في إيصال القوت إليهم يومئذ سواه ؟

وهل نصر الله نبيه في جميع المواطن إلا به ؟

وهل قتل عمرا ومرحبا ، وجندل عتبة وشيبة والوليد وغيره ؟

وهل أفنى بني عبد الدار وقتل بني سفيان بن عوف الأربعة يوم أحد سواه ؟

وهل أذل عتاة الشرك وجبابرة الكفرة إلا صارم سطوته ؟

وهل فتح حصون خيبر ودحا بابها ، وقلع الصخرة عن فم القليب ، وسلب العزة من جبابرة اليمن ومهد أمرها إلا ماضي عزمه ؟

وهل قاتل الناكثين والمارقين والقاسطين غيره ؟

وهل باهل باسم غيره جبرائيل : لا سيف إلا ذو الفقار ولا فتى إلا علي ولقد ورث منه هذه الشجاعة شبله أبو الأئمة ، وشفيع الأمة أبو عبد الله الحسين عليه السلام حتى قال بعض الرواة : والله ما رأيت مكثورا قط قتل ولده ، وأهل بيته وأنصاره أربط جأشا من الحسين عليه السلام ، وإن كانت الرجال لتشد عليه فيشد عليها فتنكشف عنه انكشاف المعزى إذا شد فيها الذئب ، ولقد كان يحمل فيهم وقد تكملوا ثلاثين ألفا فينهزمون بين يديه كأنهم الجراد المنتشر ، ثم يرجع إلى مركزه وهو يقول : لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ، حتى قتل منهم ألفا وتسعمائة عدا المجروحين ، فناداهم ابن سعد لعنه الله : الويل لكم يا أهل الكوفة أتدرون لمن تقاتلون ؟

هذا ابن الأنزع البطين ، هذا ابن قتال العرب ، فاحملوا عليه من كل جانب ، وكانت الرماة أربعة آلاف فرموه بالسهام ، حتى حالوا بينه وبين رحله ، فصاح بهم : ويلكم يا شيعة آل أبي سفيان ، إن لم يكن لكم دين ، وكنتم لا تخافون المعاد ، فكونوا أحرارا في دنياكم ، وارجعوا إلى أحسابكم إن كنتم عربا كما تزعمون .

فناداه شمر لعنه الله : ما تقول يا بن فاطمة ؟ قال عليه السلام : أنا أقاتلكم وتقاتلوني والنساء ليس عليهن جناح ، فامنعوا عتاتكم وجهالكم عن التعرض لحرمي ما دمت حيا .

فقال الشمر لعنه الله : لك ذلك يا بن فاطمة ، ثم صاح : إليكم عن حرم الرجل واقصدوه بنفسه فلعمري إنه كفؤ كريم .

فقصد القوم بالقتال وهو مع ذلك يطلب شربة من الماء ، وكلما حمل بفرسه على الفرات حملوا عليه حتى أجلوه عنه فنادى : هل من مغيث فيغيثنا ؟

هل من ناصر فينصرنا ؟ ووقف على جثث أهل بيته وأصحابه فناداهم بأسمائهم ، فاضطربت أجسامهم اضطراب السمكة في الماء :

فناداهم : قوموا عجالا فما * العرى بدار ولا هذا المقام مقام
فماجت على وجه الصعيد * جسومهم ولو أذن الله القيام لقاموا

نسألكم الدعاء

اللهم اجعلنا من شيعة الزهراء وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها ولا تفرق بيننا وبينهم في الدنيا والآخرة

خادم الزهراء 30-Jan-2010 11:23 AM

اللهم صل على الزهراء وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها
اللهم واشفي قلب الزهراء صلوات الله عليها بظهور وليك المهدي صلوات الله عليه وعلى آبائه الطيبين الطاهرين
واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين

[ المجلس السادس العشرون ]

ومن كلام أمير المؤمنين عليه السلام : والله لأن أبيت على حسك السعدان مسهدا ، أو أجر في الأغلال مصفدا ، أحب إلي من أن ألقى الله ورسوله يوم القيامة ظالما لبعض العباد ، وغاصبا لشئ من الحطام ، وكيف أظلم أحدا لنفس يسرع إلى البلى قفولها ، ويطول في الثرى حلولها . والله لقد رأيت عقيلا وقد أملق حتى استماحني من بركم هذا صاعا .

ورأيت صبيانه شعث الشعور ، غبر الألوان من فقرهم كأنما سودت وجوههم بالعظلم ، وعاودني مؤكدا ، وكرر علي القول مرددا ، فأصغيت إليه سمعي ، فظن أني أبيعه ديني ، وأتبع قياده مفارقا طريقتي ، فأحميت له حديدة ثم أدنيتها من جسمه ليعتبر بها ، فضج ضجيج ذي دنف من ألمها ، وكاد أن يحترق من ميسمها ، فقلت له : ثكلتك الثواكل يا عقيل ! أتئن من حديدة أحماها انسانها للعبه ، وتجرني إلى نار سجرها جبارها لغضبه ؟ أتئن من الأذى ولا أئن من لظى ؟ ! وأعجب من ذلك طارق طرقنا بملفوفة في وعائها ، ومعجونة شنئتها كأنما عجنت بريق حية أو قيئها ، فقلت : أصلة ، أم زكاة ، أم صدقة ؟ فكل ذلك محرم علينا أهل البيت ! بأبي أنت وأمي يا أمير المؤمنين كيف بك لو رأيت أطفالك وأيتام ولدك أبي عبد الله وهم في أشر الذلة ووثاق السبي ، يساقون عطاشى جياعا مربطين بالحبال ، وأهل الكوفة يتصدقون عليهم وهم في المحامل مقرنين بالأصفاد ، فجعلت صبيتكم لشدة جوعهم يتناولون بعض الخبز والتمر والجوز ، فصاحت خفرتك وعقيلتك أم كلثوم : ويلكم يا أهل الكوفة ، إن الصدقة علينا حرام ، وجعلت تأخذ ذلك من أيدي الأطفال وترمي به إلى الأرض ، والناس يبكون على ما أصابهم ، فأطلعت رأسها من المحمل وقالت لهم : مه يا أهل الكوفة ، تقتلنا رجالكم وتبكينا نساؤكم ؟ فالحكم بيننا وبينكم الله يوم فصل القضاء .

فبينا هي تخاطبهم إذا بضجة قد ارتفعت ، وإذا هم بالرؤوس قد جاؤوا بها على الرماح ، يقدمهم رأس الحسين عليه السلام ، وهو رأس زهري قمري ، أشبه الناس برسول الله صلى الله عليه وآله ، ولحيته كسواد السبج ، قد نصل منها الخضاب ، ووجهه دائرة قمر طالع ، والريح تلعب بكريمته الشريفة يمينا وشمالا ، فالتفتت زينب فرأت رأس أخيها فنطحت جبينها بمقدم المحمل حتى سال الدم من تحت قناعها ، وأومأت إليه بحرقة .

يا هلالا لما استتم كمالا * غاله خسفه فأبدى غروبا
ما توهمت يا شقيق فؤادي * كان هذا مقدرا مكتوبا

نسألكم الدعاء

اللهم اجعلنا من شيعة الزهراء وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها ولا تفرق بيننا وبينهم في الدنيا والآخرة

خادم الزهراء 01-Feb-2010 11:30 AM

اللهم صل على الزهراء وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها
اللهم واشفي قلب الزهراء صلوات الله عليها بظهور وليك المهدي صلوات الله عليه وعلى آبائه الطيبين الطاهرين
واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين

[ المجلس السابع العشرون ]

روى المنذر بن الجارودي فيما حدث به أبو حنيفة الفضل بن الحباب الجمحي ، عن ابن عائشة ، عن معن بن عيسى ، عن المنذر بن الجارود قال : لما قدم علي رضي الله عنه البصرة دخل مما يلي الطف فأتى الزاوية فخرجت أنظر إليه ، فورد موكب نحو ألف فارس يقدمهم فارس على فرس أشهب ، عليه قلنسوة وثياب بيض ، متقلدا سيفا ، معه راية وإذا تيجان القوم الأغلب عليها البياض والصفرة ، مدججين في الحديد والسلاح ، فقلت : من هذا ؟ فقيل : أبو أيوب الأنصاري صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله وهؤلاء الأنصار وغيرهم ، ثم تلاهم فارس آخر عليه عمامة صفراء وثياب بيض متقلدا سيفا ، متنكب قوسا معه راية على فرس أشقر في نحو ألف فارس ، فقلت : من هذا ؟ فقيل : هذا خزيمة بن ثابت الأنصاري ذو الشهادتين .

ثم مر بنا فارس آخر على فرس كميت معتم بعمامة صفراء من تحتها قلنسوة بيضاء ، وعليه قباء أبيض مصقول متقلد سيفا ، متنكب قوسا في نحو ألف فارس من الناس ومعه راية فقلت : من هذا ؟ فقيل لي : أبو قتادة بن ربعي .

ثم مر بنا فارس آخر على فرس أشهب عليه ثياب بيض وعمامة سوداء قد سدلها بين يديه ومن خلفه ، شديد الأدمة ، عليه سكينة ووقار ، رافع صوته بقراءة القرآن متقلد سيفا ، متنكب قوسا معه راية بيضاء في ألف فارس من الناس مختلفي التيجان ، وحوله مشيخة وكهول وشباب ، كأن قد أوقفوا للحساب أثر السجود قد أثر في جباههم ، فقلت : من هذا ؟ فقيل : عمار بن ياسر في عدة من الصحابة من المهاجرين والأنصار وأبنائهم .

ثم مر فارس على فرس أشقر عليه ثياب بيض وقلنسوة بيضاء وعمامة صفراء ، متنكب قوسا متقلد سيفا ، تخط رجلاه في الأرض في ألف فارس من الناس الغالب على تيجانهم الصفرة والبياض معه رايات صفراء قلت : من هذا ؟ قيل : هذا قيس بن سعد بن عبادة في الأنصار وأبناؤهم وغيرهم من قحطان .

ثم مر بنا فارس على فرس أشهل ما رأينا أحسن منه عليه ثياب بيض وعمامة سوداء قد سدلها بين يديه بلواء ، قلت : من هذا ؟ قيل : هو عبد الله بن العباس في عدة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله .

ثم تلا موكب آخر فيه فارس أشبه الناس بالأولين ، قلت : من هذا ؟ قيل : قثم بن العباس ، أو سعيد بن العاص .

ثم أقبلت المواكب والرايات يقدم بعضها بعضا واشتبكت الرماح .

ثم ورد موكب فيه خلق من الناس عليهم السلاح والحديد مختلفو الرايات ، في أوله راية كبيرة يقدمهم رجل كأنما كسر وجبر .

- قال ابن عائشة : وهذه صفة رجل شديد الساعدين نظره إلى الأرض أكثر من نظره إلى فوق كذلك تخبر العرب في وصفها إذا أخبرت عن الرجل : أنه كسر وجبر - كأنما على رؤوسهم الطير ، وعن ميسرتهم شاب حسن الوجه قلت : من هؤلاء ؟ قيل : هذا علي بن أبي طالب عليه السلام ، وهذان الحسن والحسين عن يمينه وشماله ، وهذا محمد بن الحنفية بين يديه معه الراية العظمى ، وهذا الذي خلفه عبد الله بن جعفر بن أبي طالب ، وهؤلاء ولد عقيل وغيرهم من فتيان بني هاشم ، وهؤلاء المشايخ أهل بدر من المهاجرين والأنصار ، فساروا حتى نزلوا الموضع المعروف بالزاوية ، فصلى أربع ركعات ، وعفر خديه على التربة وقد خالط ذلك دموعه ثم رفع يديه يدعو : اللهم رب السماوات وما أظلت ، والأرضين وما أقلت ، ورب العرش العظيم .

هذه البصرة أسألك خيرها ، وأعوذ بك من شرها .

اللهم أنزلنا فيها خير منزل وأنت خير المنزلين .

اللهم هؤلاء القوم قد خلعوا طاعتي وبغوا علي ، ونكثوا بيعتي .

اللهم أحقن دماء المسلمين .

وبعث إليهم من يناشدهم الله في الدماء ، وقال : على م تقاتلونني ؟ فأبوا إلا الحرب .

فبعث رجلا من أصحابه يقال له : مسلم ، معه مصحف يدعو إلى الله فرموه بسهم فقتلوه فحمل إلى علي ، وقالت أمه :
يا رب إن مسلما أتاهم * يتلو كتاب الله لا يخشاهم
فخضبوا من دمه لحاهم * وأمه قائمة تراهم

وأمر علي عليه السلام أن يصافوهم ولا يبدؤوهم بقتال ، ولا يرموهم بسهم ، ولا يضربوهم ، ولا يطعنوهم برمح ، حتى جاء عبد الله بن بديل بن ورقاء من الميمنة بأخ له مقتول ، وجاء قوم من الميسرة برجل قد رمي بسهم فقتل .

فقال علي عليه السلام : اللهم اشهد .

وتواتر عليه الرمي فقام عمار بن ياسر فقال : ماذا تنظر يا أمير المؤمنين ؟ فقام علي عليه السلام فقال : أيها الناس ، إذا هزمتموهم فلا تجهزوا على جريح ، ولا تقتلوا أسيرا ، ولا تتبعوا موليا ، ولا تهتكوا سترا ، ولا تمثلوا بقتيل ، ولا تقربوا من أموالهم إلا ما تجدونه في عسكرهم من سلاح أو كراع .

ولقد يعز عليك يا أمير المؤمنين بما فعل القوم الظالمون يوم عاشوراء من تسابقهم على نهب بيوت آل الرسول ، وقرة عين الزهراء البتول ، يسلبونهن وينتزعون الملاحف عن ظهورهن ثم يضرمون النار في خيامهن ، فخرجن حواسر معولات ، حافيات باكيات ، ينادين : وا محمداه وا علياه ، بناتك سبايا وذريتك مقتلة ، تسفى عليهم ريح الصبا ، هذا حسينك محزوز الرأس من القفا ، مسلوب العمامة والردا ، بأبي العطشان حتى مضى ، بأبي من جده المصطفى ، بأبي من أبوه علي المرتضى .

أعزيك فيهم أنهم وردوا الردى * بأفئدة ما بل غلتها قطر وثاوين
في حر الهجيرة بالعرى * عليهم سوافي الريح بالترب تنجر

نسألكم الدعاء

اللهم اجعلنا من شيعة الزهراء وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها ولا تفرق بيننا وبينهم في الدنيا والآخرة

خادم الزهراء 01-Feb-2010 11:37 AM

اللهم صل على الزهراء وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها
اللهم واشفي قلب الزهراء صلوات الله عليها بظهور وليك المهدي صلوات الله عليه وعلى آبائه الطيبين الطاهرين
واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين

[ المجلس الثامن والعشرون ]

ومن خطبة له عليه السلام : وكم أكلت الأرض من عزيز جسد ، وأنيق لون ، كان في الدنيا غذي ترف ، وربيب سرف ، يتعلل في السرور في ساعة حزنه ، ويفزع إلى السلوة إن مصيبة نزلت به ، ضنا بغضارة عيشه ، وشحا بلهوه ولعبه ، فبينا هو يضحك إلى الدنيا ، وتضحك الدنيا إليه ، في ظل عيش غفول ، إذ وطأ الدهر به حسكه ، ونقضت الأيام قواه ، ونظرت إليه في الحتوف من كثب ، فخالطه بث لا يعرفه ، ونجي هم ما كان يجده ، وتولدت فيه فقرات علل ، آنس ما كان بصحته ، ففزع إلى ما كان عوده الأطباء ، من تسكين الحر بالقار ، وتحريك البارد بالحار ، فلم يطفئ ببارد إلا ثورة حرارة ، ولا حرك بحار إلا هيج برودة ، حتى فنر معللة ، وذهل ممرضه ، وتعايا أهله بصفة دائه ، وخرسوا عن جواب السائلين عنه ، وتنازعوا دونه شجي خبر يكتمونه ، فقائل : هو لما به ، وممن لهم إياب عافيته ، ومصبر لهم على فقده ، يذكرهم أسى الماضين من قبله ، فبينا هو كذلك على جناح من فراق الدنيا ، وترك الأحبة ، إذ عرض له عارض من غصصه ، فتحيرت نوافذ فطنته ، ويبست رطوبة لسانه .

إلى أن قال عليه السلام : وإن للموت لغمرات ، هي أفضع من أن تستغرق بصفة أو تعتدل على عقول أهل الدنيا .

وتالله لا يهون سكرات الموت إلا ولاء آل رسول الله صلى الله عليه وآله ، فإن مواليهم ليبشره ملك الموت ثم منكر ونكير بالجنة ، وإن الملائكة لتزف أرواح مواليهم إكراما لهم حتى تدخلها عليهم كما تزف العروس إلى زوجها ، وأيم الله إن من تمام موالاتهم الحزن لحزنهم ، والبكاء على ما أصابهم ، فحدثوا أنفسكم بمصارع هاتيك العترة ، وتأسفوا على ما فاتكم من الفوز بتلك النصرة ، واذكروا واعية الحسين ، وحاله وهو بين ثلاثين ألفا وحيدا فريدا ، قد حال العطش بينه وبين السماء كالدخان ، وقد نزف دمه ، والحجارة والسهام تأتيه من كل جانب ، وأهل بيته وأصحابه كالأضاحي حوله ، ونساؤه نوائح ونوادب من خلفه ، وهو تارة يصبرهم ويعزيهم ، وتارة يعظ القوم وينذرهم ، ومرة ينعى أصحابه ويرثيهم ، وأخرى يقف على جثثهم ويمسح الدماء عن وجوههم . . .

ولما وقف على ولده علي الأكبر وهو ابن تسع عشرة سنة ، وكان أشبه الناس برسول الله صلى الله عليه وآله خلقا وخلقا ومنطقا ، فوجده مقطعا إربا إربا ، نادى بأعلى صوته : قتل الله قوما قتلوك يا بني ، ما أجرأهم على الله ، وعلى انتهاك حرمة الرسول ، على الدنيا بعدك العفا . . .

ولما وقف على ابن أخيه القاسم وهو ابن ثلاث عشرة سنة ووجده يفحص برجليه الأرض ، قال : عز على عمك أن تدعوه فلا يجيبك ، أو يجيبك فلا يغني عنك .

ثم وضع خده على خد الغلام واحتمله ورجلاه يخطان الأرض ، ففتح الغلام عينيه ، وتبسم في وجه عمه ثم فاضت نفسه الزكية ، فوضعه بين القتلى من أهل بيته . . .

ولما وقف على أخيه العباس ، وهو كبش كتيبته ، وحامل لوائه ، وموضع سره ، ووجده مرضوخ الهامة بعمود من حديد ، مقطوع الساعدين ، وضع يده على خاصرته ونادى : الآن انكسر ظهري ، الآن قلت حيلتي وشمت بي عدوي .

وهوى عليه ما هنالك قائلا * الآن بان عن اليمين حسامها
الآن آل إلى التفرق جمعنا * الآن حل من البنود نظامها
الآن نامت أعين بك لم تنم * وتسهدت أخرى فعز منامها
أشقيق روحي هل تراك علمت * إذ غودرت وانثالت عليك لئامها
من مبلغ أشياخ مكة أنه * قد قل ناصرها وغاب همامها

نسألكم الدعاء

اللهم اجعلنا من شيعة الزهراء وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها ولا تفرق بيننا وبينهم في الدنيا والآخرة

خادم الزهراء 02-Feb-2010 12:00 PM

اللهم صل على الزهراء وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها
اللهم واشفي قلب الزهراء صلوات الله عليها بظهور وليك المهدي صلوات الله عليه وعلى آبائه الطيبين الطاهرين
واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين

[ المجلس التاسع والعشرون ]

ومن خطبة له عليه السلام : أما بعد : فإني أحذركم الدنيا ، فإنها حلوة خضرة ، حفت بالشهوات ، وتحببت بالعاجلة ، وراقت بالقليل ، وتحلت بالآمال ، وتزينت بالغرور ، لا تدوم حبرتها ، ولا تؤمن فجعتها ، غرارة ضرارة ، حائلة زائلة ، نافذة بائدة ، أكالة غوالة ، لا تعدو إذا تناهت إلى أمنية أهل الرغبة والرضا بها ، أن تكون كما قال الله تعالى : كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض فأصبح هشيما تذروه الرياح وكان الله على كل شئ مقتدرا لم يكن امرؤ منها في حبرة ، إلا أعقبته بعدها عبرة ، ولم يلق من سرائها بطنا ، إلا منحته من ضرائها ظهرا ، ولم تطله فيها ديمة رخاء ، إلا هتنت عليه مزنة بلاء ، وحري إذا أصبحت له منتصرة ، أن تمسي له متنكرة ، وإن جانب منها اعذوذب واحلولى أمر منها جانب فأوبى ، لا ينال امرئ من غضارتها رغبا ، إلا أرهقته من نوائبه تعبا ، ولا يمسي منها في جناح أمن ، إلا أصبح منها على قوادم خوف ، غرارة غرور ما فيها ، فانية فإن من عليها ، لا خير في شئ من أزوادها إلا التقوى ، من استقل منها استكثر مما يؤمنه ، ومن استكثر منها استكثر مما يوبقه ، وزال عما قليل عنه ، كم واثق منها فجعته ، وذوي طمأنينة لها قد صرعته ، وذي أبهة قد جعلته حقيرا ، وذي نخوة قد ردته ذليلا ، سلطانها دول ، وعيشها رنق ، وعذبها أجاج ، وحلوها صبر ، وغذاؤها سمام ، وأسبابها رمام ، حيها بعرض موت ، وصحيحها بعرض سقم ، ملكها مسلوب ، وعزيزها مغلوب .

هذه أنبياء الله وأصفياؤه تغلبت عليهم الجبابرة ، وتحكمت فيهم أعداء الله حتى كان بنو إسرائيل ربما يقتلون بين طلوعي الفجر والشمس سبعين نبيا ، ثم يجلسون في أنديتهم كأنهم لم يفعلوا شيئا .

ولما بعث الله إسماعيل بن حزقيل إلى قومه سلخوا جلده ووجهه وفروة رأسه ، فأتاه ملك من ربه عز وجل يقرؤه السلام ويقول له : قد أمرني الله بطاعتك ، فمرني بما شئت ، فقال عليه السلام : لي بالحسين أسوة .

بأبي أنت وأمي يا أبا عبد الله .

بأبي أنت وأمي يا من تأست به أنبياء الله ، لئن سلخت جلدة وجه إسماعيل وفروة رأسه في سبيل الله ، فلقد أصابك في إعلاء كلمة الله من ضرب السيوف ووخز الأسنة ، ورمي الأحجار ، ورشق النبال ، ووطئ الخيل ، وعسلان الفلوات بين النواويس وكربلاء ما هو أعظم من ذلك .

تأست بك أنبياء الله لكن لم يبلغوا شأوك ، ولا أصيبوا بما أصبت ، وهل مني أحد من العالمين بما منيت به ؟ فررت بدمك من حرم جدك صلى الله عليه وآله إلى حرم الله عز وجل حيث يأمن الوحش والطير ، فلم تأمن فيه على نفسك ، ففررت منهم لما خفتهم بعيالك وأطفالك وأهل بيتك ، فلاقيت من أعداء الله ما رفع الله به قدرك ، وعظم به أمرك ، ولقد يعز على جدك رسول الله صلى الله عليه وآله أن يراك بين ثلاثين ألفا لا ناصر لك ولا معين ، وأبناؤك وإخوتك وأهل بيتك والخيرة من شيعتك مجزرين كالأضاحي نصب عينيك ، ورضيعك يذبح وهو على يديك ، وحرمك نوائح ونوادب من خلفك ينادين : واغربتاه ، وا ضيعتاه .

وبالعزيز على فاطمة الزهراء أن تراك يا عزيزها بين جموعهم وقد ضعفت عن القتال ، ونزف دمك من كثرة الجراح ، وحال العطش بينك وبين السماء كالدخان ، وأنت تنادي : أما من ناصر فينصرنا ؟ أما من مغيث فيغيثنا ؟ وليت رسول الله رآهم وقد افترقوا عليك أربعة فرق : فرقة بالسيوف ، وفرقة بالرماح ، وفرقة بالسهام ، وفرقة بالحجارة ، حتى ذبحوك عطشانا من القفا ، وأنت تستغيث فلا تغاث .

ثم هجموا على ودائع النبوة فسلبوهن ونهبوا خيامهن ، وأشعلوا فيها النار ، فخرجن حافيات حاسرات ، معولات مسلبات ينادين : وا محمداه وا علياه ، وما اكتفوا بذلك حتى أجالوا الخيل على جسدك الطاهر ، ورفعوا رأسك على رمح طويل ، وساقوا نساءك وهن عقائل الوحي سبايا ، كأنهن من كوافر الديلم ، حتى أدخلوهن تارة على ابن مرجانة ، وأخرى على ابن آكلة الأكباد .

وأعظم ما يشجي الغيور دخولها * على مجلس ما بارح اللهو والخمرا
يعارضها فيه الدعي مسبة * ويصرف عنها وجهه معرضا كبرا

نسألكم الدعاء

اللهم اجعلنا من شيعة الزهراء وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها ولا تفرق بيننا وبينهم في الدنيا والآخرة

خادم الزهراء 02-Feb-2010 12:05 PM

اللهم صل على الزهراء وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها
اللهم واشفي قلب الزهراء صلوات الله عليها بظهور وليك المهدي صلوات الله عليه وعلى آبائه الطيبين الطاهرين
واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين

[ المجلس الثلاثون ]

ومن كلام له عليه السلام : الدنيا دار مني لها الفناء ، ولأهلها منها الجلاء ، وهي حلوة خضراء ، قد عجلت للطالب ، والتبست فارتحلوا منها بأحسن ما بحضرتكم من الزاد ، ولا تسألوا فيها فوق الكفاف ، ولا تطلبوا فيها أكثر من البلاغ .

هذا الكلام كان من علي عليه السلام وفق فعله ، فإنه ما شبع من طعام قط ، وكان أخشن الناس مأكلا وملبسا . قال عبيد الله بن أبي رافع : دخلت عليه يوم عيد فقدم إليه جراب مختوم ، فوجدنا فيه خبز شعير يابسا مرضوضا فأكل منه ، فقلت : يا أمير المؤمنين كيف تختمه ؟ قال : خفت هذين الولدين أن يليناه بسمن أو زيت .

وكان ثوبه مرقوعا بجلدة تارة ، وبليف أخرى ، ونعلاه من ليف ، وكان يلبس الكرابيس ، فإذا وجد كمه طويلا قطعه ، وكان يأتدم بخل أو ملح ، فإن ترقى فببعض نبات الأرض ، فإن ارتفع فبقليل من ألبان الإبل ، ولا يأكل اللحم إلا قليلا ، وقد طلق الدنيا ثلاثا ، وكانت الأموال تجبى إليه من جميع بلاد الإسلام إلا من الشام ، فيفرقها ثم يقول : هذا جناي وخياره فيه إذ كل جان يده إلى فيه ورآه عدي بن حاتم وبين يديه ماء قراح ، وكسيرات من خبز الشعير فقال : لا أرى لك يا أمير المؤمنين أن تظل نهارك صائما مجاهدا ، وبالليل ساهرا مكابدا ثم يكون هذا فطورك ؟ فقال عليه السلام : علل النفس بالقليل وإلا طلبت منك فوق ما يكفيها ولم يزل هذا دأبه ، وهذه سجيته ، حتى ضربه أشقى الآخرين على رأسه في مسجد الكوفة صبيحة ليلة الأربعاء لتسعة عشر مضين من شهر رمضان المبارك وهو ساجد لله في محرابه ، فبلغ السيف موضع السجود من رأسه ، فقال : بسم الله وبالله وفي سبيل الله وعلى ملة رسول الله ، فزت ورب الكعبة لا يفوتنكم ابن ملجم ، واصطفقت أبواب الجامع ، وهبت ريح سوداء مظلمة ، ونادى جبرائيل بين السماء والأرض : تهدمت والله أركان الهدى ، وانطمست والله أعلام التقى ، وانفصمت والله العروة الوثقى ، قتل ابن عم المصطفى ، قتل الإمام المجتبى ، قتل علي المرتضى ، وجعل الدم يجري على وجهه ، فيخضب به لحيته الشريفة .

واقتدى به ولده أبو عبد الله عليه السلام حيث رماه سنان لعنه الله بسهم فوقع في نحره فسقط عن جواده ، وقرن كفيه جميعا فكلما امتلأتا خضب بهما رأسه ولحيته وهو يقول : هكذا ألقى الله وأنا مخضب بدمي ، مغصوب حقي .

وخرجت زينب عليها السلام حينئذ من فسطاطها تنادي : وا أخاه وا سيداه وا أهل بيتاه ، ليت السماء أطبقت على الأرض ، وليت الجبال تدكدكت على السهل .

وقال هلال بن نافع : وقفت على الحسين عليه السلام وإنه ليجود بنفسه ، فوالله ما رأيت قتيلا مضمخا بدمائه أحسن منه وجها ، ولا أنور منه ، ولقد شغلني نور وجهه ، وجمال هيئته عن الفكرة في قتله .

ومجرح ما غيرت منه القنا * حسنا ولا غيرن منه جديدا
قد كان بدرا فاغتدى شمس * الضحى مذ ألبسته يد الدماء لبودا

نسألكم الدعاء

اللهم اجعلنا من شيعة الزهراء وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها ولا تفرق بيننا وبينهم في الدنيا والآخرة

خادم الزهراء 02-Feb-2010 12:13 PM

اللهم صل على الزهراء وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها
اللهم واشفي قلب الزهراء صلوات الله عليها بظهور وليك المهدي صلوات الله عليه وعلى آبائه الطيبين الطاهرين
واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين

[ المجلس الحادي والثلاثون ]

ومن كلام له عليه السلام بعد تلاوته ألهيكم التكاثر * حتى زرتم المقابر : يا له مراما ما أبعده !

وزورا ما أغفله ! وخطرا ما أفظعه ! لقد استخلوا منهم أي مدكر ، وتناوشوهم من مكان بعيد .

أفبمصارع آبائهم يفخرون ! أم بعديد الهلكى يتكاثرون ! يرتجعون منهم أجسادا خوت ، وحركات سكنت ، ولأن يكونوا عبرا ، أحق من أن يكونوا مفتخرا ، ولأن يهبطوا بهم جناب ذلة ، أحجى من أن يقوموا بهم مكان عزة ، لقد نظروا إليهم بأبصار العشوة ، وضربوا منهم في غمرة جهالة ، ولو استنطقوا عنهم عرصات تلك الديار الخاوية والربوع الخالية ، لقالت : ذهبوا في الأرض ضلالا ، وذهبتم في أعقابهم جهالا ، تطؤون في هامهم ، وتستنبتون في أجسامهم ، وترتعون فيما لفظوا ، وتسكنون فيما خربوا ، وإنما الأيام بينكم وبينهم بواك ونوائح عليكم .

أولاؤكم سلف غايتكم وفراط مناهلكم ، الذين كانت لهم مقاوم العز ، وحلبات الفخر ، ملوكا وسوقا ، سلكوا في بطون البرزخ سبيلا ، سلطت الأرض عليهم ، فأكلت من لحومهم ، وشربت من دمائهم ، فأصبحوا في فجوات قبورهم ، جمادا لا ينمون ، وضمارا لا يوجدون . . . . . لئن بليت آثارهم ، وانقطعت أخبارهم ، لقد رجعت فيهم أبصار العبر ، وسمعت عنهم آذان العقول ، وتكلموا من غير جهات النطق ، فقالوا : كلحت الوجوه والنواضر ، وخوت الأجسام النواعم ، ولبسنا أهدام البلى ، وتكأدنا ضيق المضجع ، وتوارثنا الوحشة ، وتكهمت الربوع الصموت ، فانمحت محاسن أجسادنا ، وتنكرت معارف صورنا ، وطالت في مساكن الوحشة إقامتنا ، ولم نجد من كرب فرجا ، ولا من ضيق مخرجا .

وتالله لا يفرج الكرب ، ولا يؤنس الوحشة إلا شفاعة رسول الله صلى الله عليه وآله وأوصيائه عليهم السلام ، وبالله لترون أمير المؤمنين عليه السلام واقفا على شفير قبوركم يعلمكم جواب منكر ونكير ، وليبدلن الله وحشتكم بواسطته أنسا ، وخوفكم برؤيته أمنا ، وليدخلن عليكم السرور في أجداثكم ، ولتقومن يوم القيامة سيدة نساء العالمين عليها السلام مقاما تغبطون عليه وتدخلون به الجنة .

فحقيق علينا أن نشاركها في مصيبتها التي أرزأت جبرائيل ، ونواسيها في رزيتها التي عظمت على الرب الجليل .

فيا ليت لفاطمة وأبيها عينا تنظر إلى بناتها وبنيها ، وهم ما بين مسلوب وجريح ، ومأسور وذبيح ، وبنات الوحي والنبوة يطاف بهن من بلد إلى بلد حتى وردوا بهن الشام ، فلما قربوا من دمشق دنت أم كلثوم من شمر لعنه الله فقالت له : لي إليك حاجة . قال : ما حاجتك ؟ قالت : إذا دخلت بنا البلد فاحملنا في درب قليل نظاره .

وتقدم إليهم أن يخرجوا هذه الرؤوس من بين المحامل وينحونا عنها ، ونحن في هذه الحال ، فأمر اللعين في جواب سؤالها : أن تجمل الرؤوس على الرماح في أوساط المحامل بغيا منه وكفرا ، ثم سلك بهم الطرق العامة على تلك الصفة حتى أتى بهم باب دمشق ، فأوقفوهم على درج باب المسجد ، حيث يقام السبي ، وطافوا برأس الحسين عليه السلام سكك دمشق وشوارعها .

جاءوا برأسك يا بن بنت * محمد متزملا بدمائه تزميلا
قتلوك عطشانا ولما يرقبوا * في قتلك التأويل والتنزيلا
ويكبرون بأن قتلت وإنما * قتلوا بك التكبير والتهليلا

نسألكم الدعاء

اللهم اجعلنا من شيعة الزهراء وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها ولا تفرق بيننا وبينهم في الدنيا والآخرة

خادم الزهراء 02-Feb-2010 12:38 PM

اللهم صل على الزهراء وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها
اللهم واشفي قلب الزهراء صلوات الله عليها بظهور وليك المهدي صلوات الله عليه وعلى آبائه الطيبين الطاهرين
واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين

[ المجلس الثاني والثلاثون ]

ومن خطبة له عليه السلام : ألستم في مساكن من كان قبلكم أطول أعمارا ، وأبقى آثارا ، وأبعد آمالا ، وأعد عديدا ، وأكثف جنودا ، تعبدوا للدنيا أي تعبد ، وآثروها أي إيثار ، ثم ظعنوا عنها بغير زاد مبلغ ، ولا ظهر قاطع ، فهل بلغكم أن الدنيا قد سخت لهم نفسا بفدية ، أو أعانتهم بمعونة ، أو أحسنت لهم صحبة ، بل أرهقتهم بالفوادح ، وأزهقتهم بالقوارع ، وضعضعتهم بالنوائب ، وعفرتهم للمناخر ، ووطأتهم بالمناسم ، وأعانت عليهم ريب المنون ، أفهذه تؤثرون ؟ أم عليها تحرصون ؟ فبئست الدار لمن لم يتهمها ، ولم يكن فيها على وجل منها ، فاعلموا وأنتم تعلمون بأنكم تاركوها ، وظاعنون عنها ، واتعظوا فيها بالذين قالوا من أشد منا قوة ، حملوا إلى قبورهم فلا يدعون ركبانا ، وانزلوا فيها فلا يدعون ضيفانا ، وجعل لهم من الصفيح أجنان ، ومن التراب أكفان ، ومن الرفاة جيران ، فهم جيرة لا يجيبون داعيا ، ولا يمنعون ضيما ، إن جيدوا لم يفرحوا ، وإن قحطوا لم يقنطوا ، قد استبدلوا يظهر الأرض بطنا ، وبالسعة ضيقا ، وبالأهل غربة ، وبالنور ظلمة ، فجاؤوها كما فارقوها حفاة عراة ، قد ظعنوا عنها بأعمالهم إلى الحياة الدائمة ، والدار الباقية ، حيث لا ينفع الإنسان إلا ما قدمه من أعماله الصالحة ، وما يرجوه من شفاعة الشافعين .

وأن أفضل عمل صالح .

وأقوى سبب لنيل الشفاعة ، لزوم سنته ، واتباع عترته صلى الله عليه وآله ، فإنهم أحد الثقلين الذين لا يضل من تمسك بهما ، ولا يهتدي إلى الله من صدف عنهما .

وقد قال صلى الله عليه وآله من خطبة خطبها يوم غدير خم: ألا أيها الناس إنما أنا بشر يوشك أن يأتيني رسول ربي فأجيب ، وأنا تارك فيكم الثقلين ، أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور ، فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به . . . وثانيهما أهل بيتي ، أذكركم الله في أهل بيتي ، أذكركم الله في أهل بيتي ، أذكركم الله في أهل بيتي .

- وزاد الطغرائي - : فلا تقدموهما فتهلكوا ، ولا تقصروا عنهما فتهلكوا ، ولا تعلموهم فإنهم أعلم منكم .

وكان آخر ما تكلم به - فيما رواه الطبراني عن ابن عمر - : أخلفوني في أهل بيتي . وفي رواية : فلا تقتلوهم ولا تقهروهم ، ولا تقصروا عنهم .

بأبي أنت وأمي يا رسول الله أين موضع القبول منهم بعهدك إلى أخيك ، ووصاياك ببضعتك الزهراء وبنيك ؟ وقد هدم القوم ما بنيت ، وأضلوا جانبا ممن هديت ، وفعلوا بعترتك ما لا يفعلون بالخوارج ، وقابلوهم بما لا يقابلون به أهل الخنا والريب .
أما البتول فقد قضت وبقلبها * من فعلهم قبسات وجد مكمن
والمرتضى أردوه في محرابه * بيمين أشقى العالمين وألعن
وبشربة السم النقيع عداوة من * كف جعدة قد قضى الحسن السني
وإليك عني لا تقل حدث بما * لاقى الحسين فرزؤه قد شفني
حيث المصائب جمة لا أدر * ما منها أقص عليك لو كلفتني

نعم ، أقص عليك مصيبته بأطفاله ، فعن أبي الفرج الأصفهاني : أنه كان في مخيم الحسين عليه السلام ستة أطفال وقفوا في باب الخيمة وقد أضر بهم العطش ، فأتلعوا برقابهم إلى الفرات ، يتموج كأنه بطون الحيات ، فجاءتهم السهام فذبحتهم عن آخرهم ، وكان الحسين قد تناول ولده الرضيع ليودعه أومأ إليه ليقبله رماه حرملة بن كاهل بسهم فذبحه ، فتلقى الحسين عليه السلام دم الطفل بكلتا يديه ، فلما امتلأتا من الدم رمى به نحو السماء ثم قال : هون علي ما نزل بك أنه بعين الله .

وقيل : أن الطفل كان مغمى عليه من شدة العطش ، فلما أحس بحرارة السهم رفع يديه من القماط واحتضن أباه . . ولما سقط الحسين عليه السلام عن ظهر جواده خرج عبد الله بن الحسن عليه السلام وهو غلام لم يراهق ، واشتد حتى وقف إلى جنب عمه ، فلحقته عمته زينب لتحبسه فأبى وامتنع شديدا وقال : والله لا أفارق عمي .

فأهوى بحر بن كعب ، وقيل : حرملة بن كاهل إلى الحسين بالسيف فاتقاها الغلام بيده فأطنها إلى الجلد فإذا هي معلقة ، فنادى الغلام : يا أماه ، فأخذه الحسين عليه السلام فضمه إلى صدره وقال : يا بن أخي اصبر على ما نزل بك واحتسب في ذلك الخير ، فإن الله يلحقك بآبائك الصالحين ، فرماه حرملة لعنه الله بسهم فذبحه وهو في حجر عمه .

هبوا أنكم قاتلتموا فقتلتم * فما بال أطفال تقاسي نبالها

نسألكم الدعاء

اللهم اجعلنا من شيعة الزهراء وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها ولا تفرق بيننا وبينهم في الدنيا والآخرة

خادم الزهراء 02-Feb-2010 12:43 PM

اللهم صل على الزهراء وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها
اللهم واشفي قلب الزهراء صلوات الله عليها بظهور وليك المهدي صلوات الله عليه وعلى آبائه الطيبين الطاهرين
واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين

[ المجلس الثالث والثلاثون ]

ومن خطبة له عليه السلام : أما بعد : فإن الدنيا قد أدبرت وآذنت بوداع ، وإن الآخرة قد أقبلت وأشرفت باطلاع ، ألا وإن اليوم المضمار ، وغدا السباق ، والسبقة الجنة ، والغاية النار ، أفلا تائب من خطيئته قبل منيته .

ألا عامل لنفسه قبل يوم بؤسه ، ألا وإنكم في أيام أمل ، من ورائه أجل فمن عمل في أيام أمله قبل حضور أجله ، فقد نفعه عمله ، ولم يضره أجله .

ألا فاعملوا في الرغبة كما تعملون في الرهبة .

ألا وإني لا أرى كالجنة نام طالبها ، ولا كالنار نام هاربها .

ألا وإنكم قد أمرتم بالظعن ، ودللتم على الزاد ، وإني أخوف ما أخاف عليكم اتباع الهوى ، وطول الأمل ، فتزودوا في الدنيا ما تجهزوا به أنفسكم غدا ، وتزودوا فإن خير الزاد التقوى .

وسمعه أبو الدرداء يقول في مناجاته في جوف الليل ، وهو مستتر ببعيلات بني النجار : إلهي أفكر في عفوك فتهون علي خطيئتي ، ثم أذكر العظيم من أخذك فتعظم على بليتي .

آه آه ، إن أنا قرأت في الصحف سيئة أنا ناسيها ، وأنت محصيها ، فتقول : خذوه ، فيا له من مأخوذ لا تنجيه عشيرته ، ولا تنفعه قبيلته .

آه آه ، من نار تنضج الأكباد والكلى .

آه آه ، من نار نزاعة للشوى .

آه آه ، من غمرة من لهبات لظى .

قال أبو الدرداء : ثم انغمس في البكاء فلم أسمع له حسا ولا حركة ، فأتيته فإذا هو كالخشبة اليابسة ، فحركته فلم يتحرك ، وزويته فلم ينزو ، فقلت : إنا لله وإنا إليه راجعون ، مات والله علي بن أبي طالب ، فأتيت أهله أنعاه إليهم .

فقالت فاطمة سلام الله عليها : هي والله الغشية التي تأخذه من خشية الله تعالى ، ثم أتوه بماء فنضحوه على وجهه فأفاق ، فرآني أبكي فقال : مم بكاؤك يا أبا الدرداء ؟ فقلت : مما تنزله بنفسك .

قال : كيف بك لو رأيتني وقد دعي بي إلى الحساب ، وأيقن أهل الجرائم بالعذاب ، واحتوشتني ملائكة غلاظ شداد ، ووقفت بين يدي من لا تخفى عليه خافية .

وكان صلوات الله وسلامه عليه : أعبد الناس ، وأكثرهم صلاة وصوما ، منه تعلم الناس صلاة الليل . وملازمة الأوراد ، وقيام النافلة . وكانت جبهته كثفنة البعير لطول سجوده ، وما ظنك بمن يبلغ من محافظته على ورده ، أن يبسط له قطع بين الصفين ليلة الهرير ، فيصلي عليه السلام ورده ، والسهام تقع بين يديه ، وتمر على صماخيه يمينا وشمالا فلا يرتاع ، ولا يقوم حتى يفرغ من ورده وصلاته .

وقد نسج على منواله في ذلك شبله باب الرحمة ، وأبو الأئمة يوم عاشوراء وقد اجتمع عليه ثلاثون ألفا ، وافترقوا عليه أربع فرق : فرقة بالسيوف وفرقة بالرماح ، وفرقة بالسهام ، وفرقة بالحجارة ، فبينا هو في هذه الحالة ، إذ حضرت صلاة الظهر ، فأمر صلوات الله عليه زهير بن القين ، وسعيد بن عبد الله الحنفي أن يتقدما أمامه مع نصف من تخلف معه ، ثم صلى بهم صلاة الخوف ، وتقدم سعيد بن عبد الله فوقف يقيه السهام بنفسه ، ما زال وما تخطى حتى سقط إلى الأرض وهو يقول : اللهم العنهم لعن عاد وثمود .

اللهم أبلغ نبيك عني السلام ، وأبلغه ما لقيت من ألم الجراح ، فإني أردت ثوابك في نصرة ابن بنت نبيك ، ثم قضى نحبه رضوان الله عليه .

وفي رواية : أنه لما سقط قال : يا سيدي يا بن رسول الله هل وفيت ؟ فاستعبر الحسين باكيا وقال : نعم رحمك الله ، وأنت أمامي في الجنة .

رجال تواصوا حيث طابت أصولهم * وأنفسهم بالصبر حتى قضوا صبرا
حماة حموا خدرا أبى الله هتكه * فعظمه شأنا وشرفه قدرا
فأصبح نهبا للمغاوير بعدهم ومنه * بنات المصطفى أبرزت حسرى

نسألكم الدعاء

اللهم اجعلنا من شيعة الزهراء وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها ولا تفرق بيننا وبينهم في الدنيا والآخرة

خادم الزهراء 02-Feb-2010 12:50 PM

اللهم صل على الزهراء وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها
اللهم واشفي قلب الزهراء صلوات الله عليها بظهور وليك المهدي صلوات الله عليه وعلى آبائه الطيبين الطاهرين
واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين

[ المجلس الرابع والثلاثون ]

ومن خطبة له عليه السلام : فلو أن أحدا يجد إلى البقاء سلما ، أو لدفع الموت سبيلا ، لكان ذلك سليمان بن داود عليه وعلى نبينا وآله السلام ، الذي سخر له ملك الجن والإنس مع النبوة ، وعظيم الزلفة ، فلما استوفى طعمته ، واستكمل مدته ، رمته قسي الفناء بنبال الموت ، وأصبحت الديار منه خالية ، والمساكن معطلة ، وورثها قوم آخرون .

وإن لكم في القرون السالفة لعبرة .

أين العمالقة وأبناء العمالقة ؟ أين الفراعنة وأبناء الفراعنة ؟

أين أصحاب مدائن الرس الذين قتلوا النبيين ، وأطفأوا سنن المرسلين ، وأحيوا سنن الجبارين ؟

أين الذين ساروا بالجيوش ، وهزموا الألوف ، وعسكروا العساكر ، ومدنوا المدائن ؟

أين بنو أمية الذين فعلوا الأفاعيل ، ونهضوا بالأباطيل ، وشيدوا قواعد الظلم والعدوان ، وعلوا على أساس أهل الكفر والطغيان ، فعاثوا في البلاد ، وأكثروا فيها الفساد ، فساموا عباد الله سوء العذاب ، يذبحون أبناءهم ، ويستحيون نساءهم ، حتى هتكوا المدينة المنورة ، وفضحوا نساءها ، وقتلوا رجالها ، ونصبوا على مكة العرادات والمجانيق ، وفرضوا على عسكرهم عشرة آلاف صخرة يرمونها كل يوم ، حتى هدموا الكعبة المشرفة تارة ، وأحرقوها أخرى ، ولما بناها المسلمون بعد ذلك كان بنو أمية يشربون الخمور على سطحها ، وقد مزقوا ثقل رسول الله صلى الله عليه وآله كل ممزق ، أما الكتاب فرموه بالنبل حتى مزقوه ، وقال قائلهم يخاطبه :

تهددني بجبار عنيد * فها أنا ذاك جبار عنيد
إذا ما جئت ربك يوم حشر * فقل : يا رب مزقني الوليد

وأما العترة الطاهرة فقد شتتوهم في كل ناد ، وطافوا برؤوسهم ونسائهم على رؤوس الأشهاد ، حتى أوقفوهم بين يدي عبيد الله بن زياد لعنه الله ، فجلست حوراء النساء زينب عليها السلام متنكرة ، وحف بها إماؤها ، فسأل عنها فقيل : هذه زينب بنت علي عليه السلام .

فأقبل عليها وقال : الحمد لله الذي فضحكم وأكذب أحدوثتكم .

فقالت زينب : إنما يفتضح الفاسق ، ويكذب الفاجر وهو غيرنا .

فقال : كيف رأيت صنع الله بأخيك وأهل بيتك ؟

فقالت : ما رأيت إلا جميلا ، هؤلاء قوم كتب عليهم القتل فبرزوا إلى مضاجعهم ، وسيجمع الله بينك وبينهم ، فتحاج وتخاصم ، فانظر لمن الفلج يومئذ هبلتك أمك يا بن مرجانة .

فغضب اللعين وهم أن يضربها .

فقال له عمرو بن حريث : إنها امرأة والمرأة لا تؤاخذ بشئ من منطقها .

فقال لها ابن زياد : لقد شفى الله قلبي من طاغيتك الحسين والعصاة المردة من أهل بيتك .

فرقت عند ذكرها لأخيها وأهل بيتها ، وقالت : لقد قتلت كهلي ، وقطعت فرعي ، واجتثثت أصلي ، فإن كان هذا شفاؤك فقد اشتفيت .

فقال لعنه الله : هذه سجاعة ، ولعمري لقد كان أبوها شاعرا سجاعا .

فقالت : يا بن زياد ما للمرأة وللسجع .

وأعظم ما يشجي الغيور دخولها إلى مجلس ما بارح اللهو والخمرا يقارضها فيه الدعي مسبة ويصرف عنها وجهه معرضا كبرا

نسألكم الدعاء

اللهم اجعلنا من شيعة الزهراء وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها ولا تفرق بيننا وبينهم في الدنيا والآخرة

جارية العترة 02-Feb-2010 04:04 PM

اقتباس:

وأعظم ما يشجي الغيور دخولها إلى مجلس ما بارح اللهو والخمرا يقارضها فيه الدعي مسبة ويصرف عنها وجهه معرضا كبرا

جدها من .. بنت من اخت من عمة من لعن الظالمين لمن سن ظلمهم
سلام على مولاتي عقيلة الطالبين بنت علي والزهراء صلوات الله عليهم ان تقف ذالك الموقف بين الامويين
اللهم اصلهم حر النار
اعتذر للمداخلة لكن لااحتمل تخيل مولاتي بهذا الموقف بدون مواساة ولوبالكتابة..موقف ادمى قلوب المحبين اللهم اجعلنا ن الطالبين بالثار مع الامام المنتظر عجل الله فرجه الشريف

نهج المنبر 28-Nov-2010 11:49 AM

السلام عليكم نشكركم على هذه الإضاءآت الطيبة نفع الله بكم البلاد والعباد

ياعلي مدد 06-Dec-2010 03:06 AM

بسمه تعالى

اللهم صل على محمد وال محمد وعجل فرجهم والعن عدوهم



جاءوا برأسك يا بن بنت * محمد متزملا بدمائه تزميلا
قتلوك عطشانا ولما يرقبوا * في قتلك التأويل والتنزيلا
ويكبرون بأن قتلت وإنما * قتلوا بك التكبير والتهليلا

عظم الله اجورنا واجوركم

خادم سيدي موسى بن جعفر 19-Dec-2011 03:38 PM

طوايا نظامي في الزمـان لهـا ------------- نشـريعطرها من طيـب ذكراكـم نشـر
قصائد مـا خابـت لهـن مقاصـد ------------- بواطنهـا حمـد ظواهرهـا شـكـر
مطالعهـا تحكـي النجـوم طوالعـا ---------- فأخلاقهـا زهـر وأنوارهـا زهـر
عرائس تجلـي حيـن تجلـي قلوبنـا ------------- أكاليلـهـا در وتيجانـهـا تـبـر
حسان لها حسـان بالفضـل شاهـد ------------- على وجهها تبـر يـزان بهـا التبـر
أنظمها نظم اللئالي وأسهـر الليالـي ------------- ليحيـى لـي بهـا وبكـم ذكــر
فيا ساكني أرض الطفـوف عليكـم ------------- سلام محب مـا لـه عنكـم صبـر
نشرت دواويـن الثنـا بعـد طيهـا ------------- وفي كل طرس من مديحي لكم سطـر
فطابق شعري فيكـم دمـع ناظـري ------------- فمبيـض ذا نظـم ومحمـر ذا نثـر
فـلا تتهمونـي بالسـلـو فإنـمـا ------------- مواعيد سلوانـي وحقكـم الحشـر
فذلي بكم عز وفقـري بكـم غنـى ------------- وعسري بكم يسر وكسري بكم جبر
ترق بروق السحب لي مـن دياركـم ------------- فينهل مـن دمعـي لبارقهـا القطـر
فعيناي كالخنسـاء تجـري دموعهـا ------------- وقلبي شديـد فـي محبتكـم صخـر
وقفت على الدار التـي كنتـم بهـا ------------- فمغناكم مـن بعـد معناكـم فقـر
وقد درست منها الـدروس وطالمـا ------------- بهـا درس العلـم الآلهـي والذكـر
وسالت عليها من دموعـي سحائـب ------------- إلى أن تروى البان بالدمـع والسـدر
فراق فراق الروح لي بعـد بعدكـم ------------- ودار برسم الدار في خاطري الفكـر
وقد أقلعت عنها السحاب ولـم يجـد ------------- ولا در مـن بعـد الحسيـن لهـا در
إمام الهدى سبط النبوة والـد الأئمـة ------------- رب النهـي مولـى لــه الأمــر
إمام أبـوه المرتضـى علـم الهـدى ------------- وصي رسول الله والصنـو والصهـر
إمام بكته الإنـس والجـن والسمـا ------------- ووحش الفلا والطير والبـر والبحـر
له القبة البيضاء بالطـف لـم تـزل ------------- تطـوف بهـا طوعـا ملائكـة غـر
وفيـه رسـول الله قـال وقـولـه ------------- صحيح صريح ليس في ذلكـم نكـر
: حبي بثـلاث مـا أحـاط بمثلهـا ------------- ولي فمن زيد هنـاك ومـن عمـرو؟
لـه تربـة فيهـا الشفـاء وقـبـة ------------- يجاب بها الداعـي إذا مسـه الضـر
وذريـة ذريــة مـنـه تسـعـة ------------- أئمـة حـق لا ثمـان ولا عـشـر
أيقتـل ظمآنـا حسيـن بكـربـلا ------------- وفي كل عضـو مـن أناملـه بحـر؟
ووالده الساقي على الحوض في غـد ------------- وفاطمـة مـاء الفـرات لهـا مهـر
فوالهف نفسي للحسيـن ومـا جنـى ------------- عليه غداة الطف في حربـه الشمـر
رماه بجيش كالظلام قسيـه الأهلـة ------------- والخـرصـان أنجـمـه الـزهــر
لراياتهـم نصـب وأسيافهـم جـزم ------------- وللنقع رفـع والرمـاح لهـا جـر
تجمـع فيهـا مـن طغـاة أمـيـة ------------- عصابة غـدر لا يقـوم لهـا عـذر
وأرسلهـا الطاغـي يزيـد ليملـك ------------- ال‍عراق وما أغنتـه شـام ولا مصـر
وشـد لهـم أزرا سليـل زيـادهـا ------------- فحل به مـن شـد أزرهـم الـوزر
وأمـر فيهـم نجـل سعـد لنحسـه ------------- فما طال في الري اللعيـن لـه عمـر
فلما التقى الجمعان فـي أرض كربـلا ------------- تباعد فعل الخيـر واقتـرب الشـر
فحاطوا به فـي عشـر شهـر محـرم ------------- وبيض المواضي في الأكف لهـا شمـر
فقام الفتـى لمـا تشاجـرت القنـا ------------- وصال وقـد أودى بمهجتـه الحـر
وجـال بطـرف فـي المجـال كأنـه ------------- دجى الليل فـي لألآء غرتـه الفجـر
لـه أربـع للريـح فيهـن أربــع ------------- لقد زانـه كـرو مـا شأنـه الفـر
ففـرق جمـع القـوم حتـى كأنهم ------------- طيور بغاث شـت شملهـم الصقـر
فأذكرهم ليل الهرير فاجمـع الكـلاب ------------- على الليـث الهزبـر وقـد هـروا
هنـاك فدتـه الصالحـون بأنفـسي ------------- ضاعف في يوم الحساب لهـا الأجـر
وحادوا عن الكفار طوعـا لنصـره ------------- وجاد له بالنفس مـن سعـده الحـر
ومـدوا إلـيـه ذبــلا سمهـريـة ------------- لطول حياة السبط في مدهـا جـزر
فغادره فـي مـارق الحـرب مـارق ------------- بسهم لنحر السبط مـن وقعـه نحـر
فمال عن الطرف الجواد أخو النـدى ------------- الجواد قتيـلا حولـه يصهـل المهـر
سنان سنان خارق منـه فـي الحشـا ------------- وصارم شمر فـي الوريـد لـه شمـر
تجـر عليـه العاصفـات ذيولـهـا ------------- ومن نسج أيدي الصافنات له طمـر
فرجت له السبع الطبـاق وزلزلـت ------------- رواسي جبال الأرض والتطم البحـر
فيا لك مقتولا بكتـه السمـا دمـا ------------- فمغبـر وجـه الأرض بالـدم محمـر
ملابسه في الحرب حمـر مـن الدمـا ------------- وهن غداة الحشر من سندس خضـر
ولهفي لزين العابديـن وقـد سـرى ------------- أسيـرا عليـلا لا يفـك لـه أسـر
وآل رسـول الله تسبـى نسائـهـم ------------- ومن حولهن الستر يهتـك والخـدر
سبايـا بأكـوار المطايـا حواسـرا ------------- يلاحظهن العبد فـي النـاس والحـر
ورملة فـي ظـل القصـور مصونـة ------------- يناط علـى أقراطهـا الـدر والتبـر
فويـل يزيـد مـن عـذاب جهنـم ------------- إذا أقبلت في الحشر فاطمـة الطهـر
ملابسها ثـوب مـن السـم أسـود ------------- وآخر قان مـن دم السبـط محمـر
تنادي وأبصـار الأنـام شواخـص ------------- وفي كل قلـب مـن مهابتهـا ذعـر
وتشكـو إلـى الله العلـي وصوتهـا ------------- علـي ومولانـا علـي لهـا ظهـر
فلا ينطق الطاغي يزيـد بمـا جنـى ------------- وأنى له عذر ومـن شأنـه الغـدر؟
فيؤخذ منه بالقصاص فيحرم النعيـم ------------- ويخلـى فـي الجحيـم لـه قـصـر
ويشدو له الشادي فيطـر بـه الغنـا ------------- ويسكب في الكاس النضار لـه خمـر
فذاك الغنا في البعث تصحيفـه العنـا ------------- وتصحيف ذاك الخمر في قلبه الجمـر
أيقـرع جهـلا ثغـر سبـط محمـد ------------- وصاحب ذاك الثغر يحمى به الثغـر؟
فليـس لأخـذ الثـار إلا خليـفـة ------------- يكون لكسر الدين من عدلـه جبـر
تحف به الأملاك مـن كـل جانـب ------------- ويقدمـه الاقبـال والعـز والنصـر
عوامله فـي الـدار عيـن شـوارع ------------- وحاجبه عيسـى وناظـره الخضـر
تـظلله حـقـا عمـامـة جــده ------------- إذا ما ملـوك الصيـد ظللها الجبـر
محيط علـى علـم النبـوة صـدره ------------- فطوبى لعلم ضمـه ذلـك الصـدر
هو ابن الإمام العسكري محمد التقـي ------------- النقـي الطاهـر العـلـم الحـبـر
سليل علي الهادي ونجل محمد الجـواد ------------- ومـن فـي أرض طـوس لـه قبـر
علي الرضا وهو ابن موسى الذي قضى ------------- ففاح على بغداد مـن نشـره عطـر
وصادق وعـد إنـه نجـل صـادق ------------- إمام به فـي العلـم يفتخـر الفخـر
وبهجـة مولانـا الإمــام محـمـد ------------- إمـام لعلـم الأنبيـاء لـه بـقـر
سلالة زين العابديـن الـذي بكـى ------------- فمن دمعه يبس الأعاشيـب مخضـر
سليل حسين الفاطمي وحيدر الوصي ------------- فمـن طهـر نمـى ذلـك الطهـر
له الحسن المسموم عم فحبذا الإمـام ------------- الذي عـم الـورى جـوده الغمـر
سمـي رســول الله وارث علـمـه ------------- إمـام علـى آبائـه نـزل الذكـر
هم النـور نـور الله جـل جلالـه ------------- هم التين والزيتون والشفـع والوتـر
مهابـط وحـي الله خـزان علمـه ------------- مياميـن فـي أبياتهـم نـزل الذكـر
وأسمائهـم مكتوبـة فـوق عرشـه ------------- ومكنونة من قبـل أن يخلـق الـذر
ولولاهـم لـم يخـلـق الله آدمــا ------------- ولا كان زيد في الأنـام ولا عمـرو
ولا سطحت أرض ولا رفعـت سمـا ------------- ولا طلعت شمس ولا أشـرق البـدر
ونوح به في الفلـك لمـا دعـا نجـا ------------- وغيض به طوفانـه وقضـى الأمـر
ولولاهم نـار الخليـل لمـا غـدت ------------- سلاما وبردا وانطفـى ذلـك الجمـر
ولولاهـم يعقـوب مـا زال حزنـه ------------- ولا كان عن أيوب ينكشـف الضـر
ولان لـداود الحـديـد بسـرهـم ------------- فقدر فـي سـرد يحيـر بـه الفكـر
ولما سليمـان البسـاط بـه سـرى ------------- أسيلت له عين يفيـض لـه القطـر
وسخـرت الريـح الرخـاء بأمـره ------------- فغدوتهـا شهـر وروحتهـا شهـر
وهم سر موسى والعصا عندما عصـى ------------- أوامره فرعـون والتقـف السحـر
ولولاهم ما كان عيسـى بـن مريـم ------------- لعازر من طـي اللحـود لـه نشـر
سرى سرهم في الكائنـات وفضلهـم ------------- وكل نبـي فيـه مـن سرهـم سـر
علا بهم قدري وفخـري بهـم غـلا ------------- ولولاهم ما كان في الناس لـي ذكـر
مصابكـم يـا آل طـه! مصيـبـة ------------- ورزء على الاسـلام أحدثـه الكفـر
سأندبكم يـا عدتـي عنـد شدتـي ------------- وأبكيكم حزنـا إذا أقبـل العشـر
عرائس فكر الصالـح بـن عرنـدس ------------- قبولكـم يـا آل طـه لهـا مـهـر
وكيف يحيـط الواصفـون بمدحكـم ------------- وفي مدح آيات الكتاب لكم ذكـر؟
ومولدكـم بطحـاء مكـة والصفـا ------------- وزمـزم والبيـت المحـرم والحجـر
جعلتكـم يـوم المعـاد وسيلـتـي ------------- فطوبى لمن أمسى وأنتـم لـه ذخـر
سيبلي الجديـدان الجديـد وحبكـم ------------- جديد بقلبـي ليـس يخلقـه الدهـر
عليكـم سـلام الله مـا لاح بـارق ------------- وحلت عقود المزن وانتشـر القطـر


للشاعر الشيخ صالح ابن العرندس (رحمه الله) وعرفت هذه القصيدة عندما تقرأ في أي مجلس يحضر الحجة (عجل الله تعالى فرجه) ، وهي القصيدة التي بها وفق الشيخ الخطيب عبد الزهراء الكعبي بحضور الحجة (عليه السلام) في مجلسه.


الساعة الآن »01:42 PM.

المواضيع والمشاركات التي تطرح في منتديات موقع الميزان لا تعبر عن رأي المنتدى وإنما تعبر عن رأي كاتبيها فقط
إدارة موقع الميزان
Powered by vBulletin Copyright © 2017 vBulletin Solutions, Inc