![]() |
عشرة مواقف لفاطمة الزهراء عليها السلام يكفي الواحد منها لمن كان له قلب !
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم واللعن عدوهم .
عشرة مواقف لفاطمة الزهراء عليها السلام يكفي الواحد منها لمن كان له قلب ! 1 ـ يوم بكت وأبكت أباها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ! كان ذلك أكثر من مرة ، في مجالس شهدها الصحابة ونطق فيها النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالغيب ، فكانت نوراً نبوياً تلقاه رواة أهل البيت عليهم السلام ونقلوه بأمانة . روى الخزاز في كفاية الأثرص124عن عمار قال: (لما حضرت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الوفاة دعا بعلي عليه السلام فسارَّه طويلاً ، ثم قال:يا علي أنت وصيي ووارثي قد أعطاك الله علمي وفهمي ، فإذا متُّ ظهرت لك ضغائن في صدور قوم وغصب على حقد ! فبكت فاطمة وبكى الحسن والحسين فقال لفاطمة: ياسيدة النسوان مم بكاؤك؟ قالت: يا أبة أخشى الضيعة بعدك ! قال: أبشري يا فاطمة فإنك أول من يلحقني من أهل بيتي ، ولاتبكي ولاتحزني فإنك سيدة نساء أهل الجنة ، وأباك سيد الأنبياء ، وابن عمك خير الأوصياء ، وابناك سيدا شباب أهل الجنة ، ومن صلب الحسين يخرج الله الأئمة التسعة ، مطهرون معصومون ، ومنا مهدي هذه الأمة). وروى الصدوق في كمال الدين ص662، عن سلمان قال كنت جالساً بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في مرضته التي قبض فيها فدخلت فاطمة عليها السلام فلما رأت ما بأبيها من الضعف بكت حتى جرت دموعها على خديها ، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : مايبكيك يا فاطمة؟ قالت:يارسول الله أخشى على نفسي وولدي الضيعة بعدك ! فاغرورقت عينا رسول الله بالبكاء ثم قال: يا فاطمة أما علمت أنا أهل بيت اختار الله عز وجل لنا الآخرة على الدنيا ، وأنه حتم الفناء على جميع خلقه ، وأن الله تبارك وتعالى اطَّلع إلى الأرض إطلاعة فاختارني من خلقه فجعلني نبياً ، ثم اطلع إلى الأرض إطلاعة ثانية فاختار منها زوجك ، وأوحى إليَّ أن أزوجك إياه ، وأتخذه ولياً ووزيراً ، وأن أجعله خليفتي في أمتي . فأبوك خير أنبياء الله ورسله ، وبعلك خير الأوصياء ، وأنت أول من يلحق بي من أهلي . ثم اطَّلع إلى الأرض إطلاعة ثالثة فاختارك وولديك ، فأنت سيدة نساء أهل الجنة وابناك حسن وحسين سيدا شباب أهل الجنة ، وأبناء بعلك أوصيائي إلى يوم القيامة كلهم هادون مهديون ، وأول الأوصياء بعدي أخي علي ، ثم حسن ، ثم حسين ، ثم تسعة من ولد الحسين في درجتي ، وليس في الجنة درجة أقرب إلى الله من درجتي ودرجة أبي إبراهيم ! أما تعلمين يا بنية أن من كرامة الله إياك أن زوجك خير أمتي ، وخير أهل بيتي ، أقدمهم سلماً وأعظمهم حلماً ، وأكثرهم علماً . فاستبشرت فاطمة عليها السلام وفرحت بما قال لها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ...الحديث وهو طويل).انتهى. (ورواه القاضي النعمان في شرح الأخبار:1/122، عن أبي سعيد الخدري ، والطبري الشيعي في المسترشد ص613، بتفصيلات أخرى..الخ.). يارسول الله أخشى على نفسي وولدي الضيعة بعدك ! ممن؟ من هؤلاء الجالسين حول أبيها ، الذين حدثها بما هم فاعلون ! فاغرورقت عينا رسول الله بالبكاء ! ممن؟ من زعماء قريش الجالسين حوله ! الذين أخبره ربه أن عاصفتهم بالباب ، تنتظر أن يغمض عينيه لتعصف بالإسلام وبالترتيبات الربانية له ! وأن بيت فاطمة عليها السلام سيكون أول هدفهم فيهددونهم بإحراق البيت على من فيه ، إن لم يعترفوا بشرعية إمام بطون قبائل قريش !! لقد أعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم أهل بيته فاطمة وعلياً والحسنين عليهم السلام لمرحلة ما بعده..فلا تنقصهم المعلومات ولا التوجيهات ، ولا اليقين بما سيكون ، فقد حكاه الله لنبيه مفصلاً فحكاه لهم ، فآمنوا به على مستوى الحس لا الحدس ، وأخذ عليهم النبي العهد والميثاق أن يصبروا ويعملوا لإنقاذ ما يمكن ، وأعطوه العهد على ذلك عن إيمان ورضا ، ووطنوا أنفسهم على العطاء لله من حقهم وكرامتهم حتى يرضى ! لكن هذا اليقين لا يمنع فاطمة عليها السلام أن تستشرف صور الفتنة ، وعواصفها المزمجرة ، كلما اقتربت أيام وصولها ، فتبكي لأبيها العطوف الحنون ، لكي يشاركها بدمعة قبل أن يرحل ! ويقول لهؤلاء في أنفسهم قولاً بليغاً ، فيسمع موقفه من أصحابه من لم يسمعه ، لعل ذلك يخفف من موج العاصفة ! أخبرها النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن الله تعالى قضى على هذه الأمة كما قضى على الأمم السابقة ، أن يعطيها الحرية لاختيار الضلال إن شاءت ، ما دامت لم ترتفع الى مستوى من التقوى فتفرق عملياً بين القيادة المعينة من الله تعالى ، والمعينة من القبائل المتغلبة ! وأن امتحان العترة قريب ! وأن عاصفة قريش الطلقاء لا تبعد أكثر من ساعة عن وفاته حتى تزمجر ! فقد ذهبا الى السقيفة يتعاديان ليصفق عمر على يد أبي بكر ويعلنه خليفة ، بعد أن ناقشا لنصف ساعة أو أقل سعد بن عبادة المريض وبضعة نفر حوله ! ثم جاء دور ألوف الطلقاء الذين حشدوهم في المدينة لثبيت السلطة الجديدة ، وتنفيذ اضطهاد آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم ! أخبرها أنهم سيفتحون عليهم باب الإضطهاد حتى يضج منه التاريخ ! فيعيشون وشيعتهم مظلومين مقهورين، مابين مقتول ومسموم ومسجون ومشرد وخائف على دمه ، حتى يظهر مهديهم الموعود . بكى النبي لبكاء فاطمة ، وقال لها نعم سيكون ماتخشيْن ، لكن ربنا عز وجل أكرمنا وفضلنا ، وعلينا أن ندفع ضريبة العبودية الكاملة له ، وهي ضريبة لأيام قليلة تعقبها راحة طويلة . إن عمر الدنيا القصير يسهل الأمر ، يا بنية ! كانت فاطمة ترى الأمور تسير نحو الكارثة على الاسلام وعترة نبيه صلى الله عليه وآله وسلم بمجرد أن يغمض النبي صلى الله عليه وآله وسلم عينيه ويلاقي ربه ! فأيدها النبي صلى الله عليه وآله وسلم وبكى لها ، وهدَّأها ، طمأنها بأن ذلك ضريبة عبودية هذه الأسرة المصطفاة لربها عز وجل ، ففرحت الحزينة ! تقول في فرحها لنعم الله : سمعاً وطاعة يا أبتاه.. تدمع العين ويحزن القلب ، ولا نقول إلا ما يرضي الرب فرضا الله رضانا أهل البيت ، وليقترف الناس ما هم مقترفون ! أما رواة الحكومات ، فرووا من هذا المشهد النبوي البليغ نتفاً مبتورة وصححوا بعضها ! ورووا منه فقرات طويلة ولم يضعفها أحد غير الذهبي تحكماً وتعصباً فاتبعوه وغطوا عليه ! رواه الطبراني في الكبير:3/57 ، والصغير:1/67، وابن عساكر:42/130، والطبري في ذخائر العقبى ص135، وابن الأثير في أسد الغابة:4/42 ، والهيثمي في مجمع الزوائد: 8/253 ، وقال: (وهو بتمامه في فضل أهل البيت ، رواه الطبراني في الأوسط والكبير وفيه الهيثم بن حبيب ، وقد اتهم بهذا الحديث ! ورواه في:9/164، وقال: رواه الطبراني في الكبير والأوسط ، وفيه الهيثم بن حبيب ، قال أبو حاتم منكر الحديث وهو متهم بهذا الحديث )! ولايتسع المجال لتفصيل تهافتهم وتعصبهم في هذا الحديث ، فيكفي أن تعرف أن الهيثمي نفسه قال في الزوائد:3/190: وأما الهيثم بن حبيب فلم أر من تكلم فيه غير الذهبي(القرن الثامن) اتهمه بخبر رواه ، وقد وثقه ابن حبان). انتهى . وهو يقصد قول الذهبي في ميزان الإعتدال:4/320: (الهيثم بن حبيب عن سفيان بن عيينة بخبر باطل في المهدي ، هو المتهم به . رواه أبو نعيم ، عن الطبراني ، عن محمد بن رزيق بن جامع عنه). انتهى . وواضح أن اتهام الذهبي لهذا الراوي بالوضع ، لاحجة له إلا أن الحديث لم يعجب الذهبي المتعصب ، لأنه يكشف سقيفة قريش ، وينص على إمامة علي والحسنين وبقية العترة الى المهدي عليهم السلام ! ولا بد أن الذهبي رأى أن الهيثم من أصحاب الإمام الصادق عليه السلام الموثقين عندنا وعندهم ! فازداد غيظاً ! أما قول الهيثمي: (قال أبو حاتم منكر الحديث) فهو خطأ أو كذب ! لأن أبا حاتم وثق ابن حبيب بنص الذهبي في ميزان الإعتدال:4/320 قال فوثقه أبو حاتم). وفي تهذيب التهذيب:11/81: أن أبا عوانة وثقه وقال قال لي شعبة: إلزم الهيثم الصيرفي . وقال الأثرم: أثنى عليه أحمد وقال: ما أحسن أحاديثه وأسد استقامتها ، ليس كما يروي عنه أصحاب الرأي . وقال إسحاق بن منصور عن ابن معين: الهيثم بن حبيب الصراف ثقة . وقال أبو زرعة وأبو حاتم: ثقة في الحديث صدوق ، وذكره ابن حبان في الثقات ). انتهى . وكذا في تهذيب الكمال:30/369 ، وفي سؤالات الآجري لأبي داود:1/191: سألت أبا داود عن الهيثم بن حبيب ، قلت: يتقدم عبد الملك بن حبيب؟ قال: نعم . وقد روى شعبة عنهما . وفي شرح مسند أبي حنيفة للقاري ص 398: الهيثم بن حبيب الصرفي أحد التابعين الأجلاء). لكن لا تعجب من هرب إمامهم الذهبي الشركسي من هذا الحديث وهجومه عليه وارتكابه الكذب من أجله ، ولا من حذوهم حذوه وتغطيتهم عليه ! لأن نص الحديث ثقيلٌ على أعصابهم وأعصاب بطون قريش ، مع أنهم حذفوا منه ذكر بقية الأئمة الإثني عشر عليهم السلام ! وهذا نصه من مجمع الزوائد : (عن علي بن علي الهلالي عن أبيه قال دخلت على رسول الله(صلى الله عليه وآله)في شكاته التي قبض فيها فإذا فاطمة رضي الله عنها عند رأسه ، قال فبكت حتى ارتفع صوتها فرفع رسول الله(صلى الله عليه وآله)طرفه إليها فقال: حبيبتي فاطمة ما الذي يبكيك ؟فقالت أخشى الضيعة بعدك ! فقال: يا حبيبتي أما علمت أن الله عز وجل اطَّلع إلى الأرض اطلاعةً فاختار منها أباك فبعثه برسالته ، ثم اطَّلع إلى الأرض اطلاعةً فاختار منها بعلك وأوحى إلى أن أنكحك إياه ! يا فاطمة ونحن أهل بيت قد أعطانا الله سبع خصال لم تعط لأحد قبلنا ولا تعطى أحداً بعدنا: أنا خاتم النبيين وأكرم النبيين على الله، وأحب المخلوقين إلى الله عز وجل وأنا أبوك ، ووصيي خير الأوصياء وأحبهم إلى الله وهو بعلك ، وشهيدنا خير الشهداء وأحبهم إلى الله وهو عمك حمزة بن عبد المطلب وعم بعلك ، ومنا من له جناحان أخضران يطير مع الملائكة في الجنة حيث شاء وهو ابن عم أبيك وأخو بعلك ، ومنا سبطا هذه الأمة وهما ابناك الحسن والحسين وهما سيدا شباب أهل الجنة وأبوهما والذي بعثني بالحق خير منهما . يا فاطمة والذي بعثني بالحق إن منهما مهدي هذه الأمة ، إذا صارت الدنيا هرجاً ومرجاً ، وتظاهرت الفتن ، وتقطعت السبل ، وأغار بعضهم على بعض ، فلا كبير يرحم صغيرا ولا صغير يوقر كبيراً ، فيبعث الله عز وجل عند ذلك منهما من يفتح حصون الضلالة وقلوباً غلفاً ! يقوم بالدين آخر الزمان كما قمت به في أول الزمان ، ويملأ الدنيا عدلاً كما ملئت جوراً . يا فاطمة لاتحزني ولاتبكي ، فإن الله عز وجل أرحم بك وأرأف عليك مني وذلك لمكانك من قلبي ، وزوجك الله زوجاً وهو أشرف أهل بيتك حسباً وأكرمهم منصباً ، وأرحمهم بالرعية وأعدلهم بالسوية وأبصرهم بالقضية ، وقد سألت ربي عز وجل أن تكوني أول من يلحقني من أهل بيتي ! قال علي رضي الله عنه: فلما قبض النبي(صلى الله علسه وآله)لم تبق فاطمة رضي الله عنها بعده إلا خمسة وسبعين يوماً ، حتى ألحقها الله عز وجل به(صلى الله عليه وآله). انتهى . إنها واحدة من الححج النبوية التي أفلتت من سيطرة رواة قريش ! فلا ينفعهم أن الذهبي في القرن الثامن غضب منها ، وسعى في خرابها ! |
بسم الله الرحمن الرحيم الحمدالله رب العالمين والصلاة على محمد وآله الطاهرين واللعن الدائم على اعدائهم اجمعين ... اللهم صل على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها بعدد مااحاط به علمك وأحصاه كتابك .. سلمت أناملكم عزيزتنا منتظرة على النقل المبارك فمهما قلنا وبكينا وكتبنا فلن نفي مولاتنا الزهراء عليها السلام ذرة من معشار حقها علينا .. شكراااا مأجووورة حبيبتنا |
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم واللعن عدوهم .
مشكورة مواليه5 على مرورك من بعد حجة الوداع ، لم يكن أحدٌ يعاني كما عانت فاطمة وعليٌّ والحسنان عليهم السلام .كان وداع النبي بالنسبة لهم وداعاً لعالم أعلى فيه كل شئ ، واستعداداً للدخول في عالم ملئ بالآلام والأحزان ، ومقارعة العواصف والأفاعي ! كانوا يدركون أن كل تأكيدات النبي صلى الله عليه وآله وسلم واحتياطاته لم تؤثر في قريش التي ركبت رأسها وأصرت على مؤامرتها ، وهيأت الأجواء في قبائلها وقبائل العرب وحتى في بعض أوساط الأنصار ، لمقولتها أن بني هاشم تكفيهم النبوة ، وليس من العدل أن يجمعوا بين النبوة والخلافة ، ويحرموا منها بطون قريش !! لقد شاهدت فاطمة عليها السلام في حجة الوداع صوراً من الصراع بين الهدى النبوي والضلال القرشي ، ورأت أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم خطب خمس خطب ، وأوضح للأمة مراراً موقع عترته وأهل بيته من بعده ، بأساليبه المبتكرة وبلاغته النبوية ، وأنه كلما وصل الى تعيين الولاة بعده ، وأن الله غرسهم في هذا البيت من بني هاشم ، لغطت قريش وشوش أتباعها المبثوثون في مجلسه ، وصاحوا وقاموا وقعدوا وكبروا ! ثم قالوا: إن النبي قال: الأئمة من قريش ، كل قريش ، كل قريش !! لقد أقام النبي صلى الله عليه وآله وسلم الحجة لربه بينةً صريحةً في مكة وعرفات ومنى ، ثم لم يُبْقِ يوم الغدير لأحد عذراً ، على حد تعبير فاطمة عليها السلام لكن قريشاً كانت صماء ، وكأن حجة النبي صلى الله عليه وآله وسلم لاتعنيها بشئ ! فهذا سهيل بن عمر يمسك بزعامتها في مكة ويتصرف كأنه رئيس دولة مقابل النبي صلى الله عليه وآله وسلم ويقول نحن ، ومحمد ! ويرسل جابر بن النضر العبدري ليعترض على النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، لأنه بزعمه لم يكتف بما فرضه على الناس من صلاة وصوم وزكاة وحج ، حتى أخذ بضبع ابن عمه قائلاً: من كنت مولاه فعلي مولاه ! وهؤلاء طلقاء النبي من قريش صاروا ألوفاً في المدينة ، وهم ملتفون حول أبي بكر وعمر ، وعائشة وحفصة تواصلان تظاهرهما على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وتفشيان لهم سره ! وكلما علَّمَ جبرئيل النبي خطةً لترتيب الوضع لوصيه وعترته من بعده ، عملت قريش في إبطالها وتخريبها !! ومن أواخر ما خربوه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم عرض عليهم ما لم يعرضه نبي على أمته قط وطلب منهم أن يلتزموا له بعهد يكتبه ليؤمِّن الأمة من الضلال الى يوم القيامة ، ويجعلها سيدة العالم الى يوم القيامة ! فبادروا الى رفضه ، ودفعوا عمر لمواجهة النبي بكل صلافة: لاحاجة لنا بكتابك ، ومنعوه من كتابته !! ثم أراد النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن تفرغ المدينة من دعاة الفتنة وأرسلهم جميعاً في جيش أسامة الى فلسطين ، وفيهم سبع مئة رجل من قريش ! وأمره بالتحرك ، ولعن من تخلف عن جيش أسامة ! فافتعلوا المشاكل والأعذار حتى سوفوا الوقت وأفشلوا برنامج أسامة ، وتسللوا من معسكره من الجرف لواذاً عائدين الى المدينة ! كانت فاطمة عليها السلام تشاهد ذلك ، وتسمع كلام أبيها صلى الله عليه وآله وسلم عن عاصفة قريش التي تنتظر عترته ، وترى دموعه الغزار من أجلهم ، ومن أجلها خاصة ! لكنها كانت اليوم تبكي لأعظم من كل ذلك ، لفراق أبيها ! بعين الله ماسألقاه بعدك يا أبتي ! يُغصب زوجي حقه ، ويَهجمون علينا ويُضرمون النار في دارنا ، وأُهانُ أنا وأضربُ ويُسقطُ جنيني ، ويُقاد زوجي بحمائل سيفه ! رضاً برضا الله ورضاك يا رسول الله ، فكل هذه المصائب دون مصيبة فراقك ياخير الرسل وخير الآباء . |
في ميزآن أعمالكم
|
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم واللعن عدوهم .
3 ـ يوم واجهت المهاجمين لدارها ! فخاطبتهم من وراء باب الدار كما تقدم في رواية ابن قتيبة: (لاعهد لي بقوم حضروا أسوأ محضر منكم ! تركتم رسول الله جنازة بين أيدينا ، وقطعتم أمركم بينكم لم تستأمرونا ولم تردوا لنا حقاً ) ! ولما كرروا تهديدهم بإحراق الدار صاحت: (يارسول الله ماذا لقينا من ابن أبي قحافة وابن الخطاب بعدك ! ياعمر جئت لتحرق علينا دارنا !) . ثم تفاقم الأمر وأشعلوا النار بالباب ، ودفعوه والزهراء عليها السلام خلفه !! قال السيد جعفر مرتضى في كتاب مأساة الزهراء عليها السلام :2/96: ( نقل جماعة سيأتي في الموضع المذكور ذكر أساميهم ، والكتب التي نقلوا فيها ، منهم الطبري ، والجوهري ، والقتيبي ، والسيوطي ، وابن عبد ربه ، والواقدي ، وغيرهم خلق كثير: أن عمر بن الخطاب وجماعة معه ، منهم خالد بن الوليد ، أتوا بأمر أبي بكر إلى بيت فاطمة ، وفيه علي والزبير ، وغيرهما ، فدقوا الباب ، وناداهم عمر ، فأبوا أن يخرجوا . فلما سمعت فاطمة أصواتهم نادت بأعلى صوتها باكية: يا أبتاه ، يا رسول الله ، ماذا لقينا بعدك من ابن الخطاب ، وابن أبي قحافة . وفي رواية القتيبي وجمع غيره: أنهم لما أبوا أن يخرجوا دعا عمر بالحطب ، وقال: والذي نفس عمر بيده لتخرجن ، أو لأحرقنها عليكم على ما فيها . فقيل له: إن فيها فاطمة؟! فقال: وإن !! وفي رواية ابن عبد ربه: أن فاطمة قالت له: يا ابن الخطاب أجئتنا لتحرق دارنا ؟ قال: نعم . وفي رواية زيد بن أسلم: أنها قالت: تحرق عليَّ وعلى ولدي؟ قال: إي والله ، أو ليخرجن وليبايعن . ثم إن القوم الذين كانوا مع عمر لما سمعوا صوتها وبكاءها انصرف أكثرهم باكين ، وبقي عمر وقوم معه فأخرجوا علياً . حتى في رواية أكثرهم: أن عمر دخل البيت وأخرج الزبير ثم علياً . واجتمع الناس ينظرون ، وصرخت فاطمة وولولت ، حتى خرجت إلى باب حجرتها ، وقالت: ما أسرع ما أغرتم على أهل بيت نبيكم . وقد ذكر الشهرستاني في كتاب الملل والنحل: أن النظام نقل أن عمر ضرب بطن فاطمة ذلك اليوم حتى ألقت المحسن من بطنها وكان يصيح: أحرقوها بمن فيها . وفي روايات أهل البيت عليهم السلام : أن عمر دفع باب البيت ليدخل وكانت فاطمة وراء الباب ، فأصابت بطنها ، فأسقطت من ذلك جنينها المسمى بالمحسن ، وماتت بذلك الوجع . وفي بعض رواياته: أنه ضربها بالسوط على ظهرها . وفي رواية: أن قنفذ ضربها بأمره ..الخ). انتهى . وفي كتاب مظلومية الزهراء للسيد الميلاني ص62: (في العقد الفريد لابن عبد ربه المتوفى سنة328: وأما علي والعباس والزبير ، فقعدوا في بيت فاطمة حتى بعث إليهم أبو بكر (ولم يكن عمر هو الذي بادر) بعث أبو بكر عمر بن الخطاب ليخرجوا من بيت فاطمة وقال له: إن أبوا فقاتلهم ، فأقبل بقبس من نار على أن يضرم عليهم الدار فلقيته فاطمة فقالت: يا ابن الخطاب أجئت لتحرق دارنا ؟! قال: نعم أو تدخلوا ما دخلت فيه الأمة )! .(الإستيعاب:3/975وهو في العقد الفريد:5/12 ). ونقل الميلاني عبارة البلاذري في الأنساب:1/586: (فجاء عمر ومعه فتيلة ، فتلقته فاطمة على الباب فقالت فاطمة: يا بن الخطاب أتراك محرقاً علي بابي؟! الخ.). وفي تاريخ أبي الفداء:1/197: (وكذلك تخلف عن بيعة أبي بكر أبو سفيان من بني أمية ، ثم إن أبا بكر بعث عمر بن الخطاب إلى علي ومن معه ليخرجهم من بيت فاطمة رضي الله عنها وقال: إن أبوا عليك فقاتلهم !! فأقبل عمر بشيء من نار على أن يضرم الدار ! فلقيته فاطمة رضي الله عنها وقالت: إلى أين يا ابن الخطاب أجئت لتحرق دارنا؟! قال: نعم أو تدخلوا فيما دخل فيه الأمة ! فخرج عليٌّ حتى أتى أبا بكر فبايعه ، كذا نقله القاضي جمال الدين بن واصل وأسنده إلى ابن عبد ربه المغربي . وروى الزهري عن عائشة قالت: لم يبايع علي أبا بكر حتى ماتت فاطمة ، وذلك بعد ستة أشهر لموت أبيها). انتهى . |
4 ـ يوم أخذوا علياً عليه السلام فخرجت خلفه لتمنعهم من قتله !
في الكافي:8/237: (عن أبي هاشم قال: لما أُخرج بعلي عليه السلام خرجت فاطمة عليها السلام واضعة قميص رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على رأسها ، آخذة بيدي إبنيها فقالت: مالي ومالك يا أبا بكر ، تريد أن تؤتم ابني وترملني من زوجي ، والله لولا أن تكون سيئة لنشرت شعري ولصرخت إلى ربي ! فقال رجل من القوم: ما نريد إلى هذا ، ثم أخذت بيده فانطلقت به ) ! انتهى . وفي الإختصاص ص186: (فخرجت فاطمة عليها السلام فقالت:يا أبا بكر وعمر تريدان أن ترمِّلاني من زوجي ! والله لئن لم تكفَّا عنه لأنشرن شعري ولأشقَّن جيبي ، ولآتين قبر أبي ولأصيحن إلى ربي ! فخرجت وأخذت بيد الحسن والحسين متوجهة إلى القبر ! فقال علي لسلمان: يا سلمان أدرك ابنة محمد..الخ.). وفي الإحتجاج:1/113: عن الإمام جعفر الصادق عليه السلام أنه قال: ( لما استُخرج أمير المؤمنين عليه السلام من منزله خرجت فاطمة صلوات الله عليها خلفه ، فما بقيت امرأة هاشمية إلا خرجت معها ، حتى انتهت قريباً من القبر فقالت لهم: خلوا عن ابن عمي فوالذي بعث محمداً أبي بالحق إن لم تخلوا عنه لأنشرنَّ شعري ولأضعن قميص رسول الله على رأسي ، ولأصرخن إلى الله تبارك وتعالى ، فما صالحٌ بأكرمَ على الله من أبي ، ولا الناقةُ بأكرم مني ، ولا الفصيلُ بأكرم على الله من ولديَّ ! قال سلمان رضي الله عنه: كنت قريباً منها ، فرأيت والله آساس حيطان مسجد رسول الله تقلعت من أسفلها ، حتى لو أراد رجل أن ينفذ من تحتها لنفذ، فدنوت منها فقلت: يا سيدتي ومولاتي إن الله تبارك وتعالى بعث أباك رحمةً فلا تكوني نقمة، فرجعت ورجعت الحيطان حتى سطعت الغبرة من أسفلها ، فدخلت في خياشيمنا ) . انتهى . وفي مثالب النواصب ص141: (عن عدي بن حاتم وعمرو بن حريث ، قال واحد منهما: ما رحمت أحداً كرحمي علي بن أبي طالب ، رأيته حين أتي به إلى بيعة الأول ، فلما نظر إلى القبر قال:يا ابن أم إن القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني! فقال بايع ، فقال: إن لم أفعل ؟ قال إذاً نقتلك ! قال: إذا تقتلون عبد الله وأخا رسول الله ! فبايع وأصابعه مضمومة) ! |
اللهم صلى على محمد وآل محمد وعجل فرجهم واللعن عدوهم .
4 ـ يوم أخذوا علياً عليه السلام فخرجت خلفه لتمنعهم من قتله ! وفي الإختصاص ص186: (فخرجت فاطمة عليها السلام فقالت:يا أبا بكر وعمر تريدان أن ترمِّلاني من زوجي ! والله لئن لم تكفَّا عنه لأنشرن شعري ولأشقَّن جيبي ، ولآتين قبر أبي ولأصيحن إلى ربي ! فخرجت وأخذت بيد الحسن والحسين متوجهة إلى القبر ! فقال علي لسلمان: يا سلمان أدرك ابنة محمد..الخ.). وفي الإحتجاج:1/113: عن الإمام جعفر الصادق عليه السلام أنه قال: ( لما استُخرج أمير المؤمنين عليه السلام من منزله خرجت فاطمة صلوات الله عليها خلفه ، فما بقيت امرأة هاشمية إلا خرجت معها ، حتى انتهت قريباً من القبر فقالت لهم: خلوا عن ابن عمي فوالذي بعث محمداً أبي بالحق إن لم تخلوا عنه لأنشرنَّ شعري ولأضعن قميص رسول الله على رأسي ، ولأصرخن إلى الله تبارك وتعالى ، فما صالحٌ بأكرمَ على الله من أبي ، ولا الناقةُ بأكرم مني ، ولا الفصيلُ بأكرم على الله من ولديَّ ! قال سلمان رضي الله عنه: كنت قريباً منها ، فرأيت والله آساس حيطان مسجد رسول الله تقلعت من أسفلها ، حتى لو أراد رجل أن ينفذ من تحتها لنفذ، فدنوت منها فقلت: يا سيدتي ومولاتي إن الله تبارك وتعالى بعث أباك رحمةً فلا تكوني نقمة، فرجعت ورجعت الحيطان حتى سطعت الغبرة من أسفلها ، فدخلت في خياشيمنا ) . انتهى . وفي مثالب النواصب ص141: (عن عدي بن حاتم وعمرو بن حريث ، قال واحد منهما: ما رحمت أحداً كرحمي علي بن أبي طالب ، رأيته حين أتي به إلى بيعة الأول ، فلما نظر إلى القبر قال:يا ابن أم إن القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني! فقال بايع ، فقال: إن لم أفعل ؟ قال إذاً نقتلك ! قال: إذا تقتلون عبد الله وأخا رسول الله ! فبايع وأصابعه مضمومة) ! |
5 ـ يوم دارت مع علي عليهما السلام على زعماء الأنصار وأقامت عليهم الحجة
للأشعث بن قيس ، قال: (ثم حملتُ فاطمة وأخذت بيد ابني الحسن والحسين ، فلم أدَع أحداً من أهل بدر وأهل السابقة من المهاجرين والأنصار إلا ناشدتهم الله في حقي ودعوتهم إلى نصرتي . فلم يستجب لي من جميع الناس إلا أربعة رهط: سلمان وأبو ذر والمقداد والزبير ، ولم يكن معي أحد من أهل بيتي أصول به ولاأقوى به، فقلت كما قال هارون لأخيه: ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي ! فلي بهارون أسوة حسنة ولي بعهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حجة قوية...الخ.) . وفي الإختصاص ص183 ، من حديث فدك: (ثم خرجَتْ وحَمَلها عليٌّ على أتان عليه كساء له خمل ، فدار بها(أربعين صباحاً)في بيوت المهاجرين والأنصار والحسن والحسين معها وهي تقول: يا معشر المهاجرين والأنصار أنصروا الله فإني ابنة نبيكم ، وقد بايعتم رسول الله يوم بايعتموه أن تمنعوه وذريته مما تمنعون منه أنفسكم وذراريكم ، ففوا لرسول الله ببيعتكم ! قال: فما أعانها أحد ولا أجابها ولا نصرها ! قال: فانتهت إلى معاذ بن جبل فقالت: يا معاذ بن جبل إني قد جئتك مستنصرة وقد بايعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على أن تنصره وذريته وتمنعه مما تمنع منه نفسك وذريتك ، وأن أبا بكر قد غصبني على فدك وأخرج وكيلي منها ! قال: فمعي غيري؟ قالت: لا ، ما أجابني أحد . قال: فأين أبلغ أنا من نصرتك؟ قال: فخرجت من عنده ودخل ابنه فقال: ما جاء بابنة محمد إليك ؟ قال: جاءت تطلب نصرتي على أبي بكر فإنه أخذ منها فدكاً ، قال: فما أجبتها به؟ قال قلت: وما يبلغ من نصرتي أنا وحدي؟ قال: فأبيتَ أن تنصرها! قال: نعم ، قال: فأيُّ شئ قالت لك؟ قال: قالت لي: والله لانازعنك الفصيح من رأسي حتى أرد على رسول الله ، قال فقال: أنا والله لانازعتك الفصيح من رأسي حتى أرد على رسول الله إذ لم تجب ابنة محمد صلى الله عليه وآله وسلم ! قال وخرجت فاطمة من عنده وهي تقول: والله لاأكلمك كلمة حتى أجتمع أنا وأنت عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، ثم انصرفت)! أقول: قولها عليها السلام لا نازعتك الفصيح من رأسي: معناه لا كلمتك كل عمري . ولعل معاذاً كان يراجع حسابه في خذلانه لأهل بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم في هذه الرواية التي روتها مصادرهم وصححوها ، وهي أن عمر رآه عند قبر النبي يبكي فقال له: (ما يبكيك يا معاذ؟ قال: يبكيني شئ سمعته من صاحب هذا القبر ! قال: وما سمعته ؟ قال: سمعته يقول: إن اليسير من الرياء شرك ، وإن من عادى ولي الله فقد بارز الله تعالى بالمحاربة ، وإن الله يحب الأتقياء الأخفياء الذين إن غابوا لم يفتقدوا وإن حضروا لم يعدوا ولم يعرفوا ، قلوبهم مصابيح الهدى ، يخرجون من كل غبراء مظلمة ).(الحاكم:4/328 ، وصححه ، والكبير للطبراني:20/154، ومسند الشهاب:2/148، و252) . وقال ابن قتيبة في الامامة والسياسة:1/29: (وخرج علي كرم الله وجهه يحمل فاطمة بنت رسول الله(ص)على دابة ليلاً في مجالس الأنصار تسألهم النصرة ، فكانوا يقولون: يا بنت رسول الله قد مضت بيعتنا لهذا الرجل ولو أن زوجك وابن عمك سبق إلينا قبل أبي بكر ماعدلنا به ، فيقول علي كرم الله وجهه: أفكنت أدع رسول الله(ص)في بيته لم أدفنه ، وأخرج أنازع الناس سلطانه؟! فقالت فاطمة: ما صنع أبو الحسن إلا ما كان ينبغي له ، ولقد صنعوا ما الله حسيبهم وطالبهم ). وفي الخصال للصدوق ص173:(قالت سيدة النسوان فاطمة عليها السلام لما مُنعت فدك وخاطبت الأنصار فقالوا: يا بنت محمد لو سمعنا هذا الكلام منك قبل بيعتنا لأبي بكر ماعدلنا بعلي أحداً، فقالت:وهل ترك أبي يوم غدير خم لأحد عذراً)! |
6 ـ يوم أقامت مجالس العزاء والبكاء على النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأصرت عليها !
روت مصادر الجميع أن فاطمة عليها السلام كانت تندب أباها صلى الله عليه وآله وسلم وتبكيه ، وروت فقرات مؤثرة من نوحها عليه ، وأبيات شعر بليغة . قال البخاري:5/144:(عن أنس قال لما ثقل النبي(صلى الله عليه وآله)جعل يتغشاه فقالت فاطمة: واكرب أباه ! فقال لها: ليس على أبيك كربٌ بعد اليوم ! فلما مات قالت: يا أبتاه أجاب رباً دعاه . يا أبتاه من جنة الفردوس مأواه . يا أبتاه إلى جبريل ننعاه . فلما دفن قالت فاطمة عليها السلام : ياأنس أطابت أنفسكم أن تحثوا على رسول الله التراب!). انتهى. وروت مصادر الحديث والسيرة أحاديث أخرى تهزُّ قلب الإنسان ، من ذلك (أنها أخذت قبضة من تراب النبي(صلى الله عليه وآله) فوضعتها على عينيها ثم قالت: ماذا على من شمَّ تربة أحمدٍ أن لا يشمَّ مدى الزمان غوالي صُبَّتْ عَليَّ مصائبٌ لو أنها صُبَّتْ على الأيام عُدْنَ ليالي (مسند أحمد:2/489 ) أين كانت تقيم فاطمة عليها السلام مجالس عزائها على أبيها صلى الله عليه وآله وسلم ؟ تدل الروايات على أنها كانت تقيمها عند قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم وفي بيتها وفي البقيع ، وكانت تذهب الى قبر عمها حمزة رحمه الله كل يوم خميس وإثنين . واستمر برنامجها هذا طوال مدتها بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، وهي كما في رواياتنا نحو ثلاثة أشهر وفي رواية البخاري ستة أشهر ، وفيما يلي بعض الضوء على هذه المجالس: من الطبيعي أن تكون نساء الأنصار والمهاجرين قد أقمنَ مجالس ندب على النبي صلى الله عليه وآله وسلم في أحيائهن كما فعلن يوم شهادة حمزة رحمه الله وغيره وأن يحضر غالبهن مجلس فاطمة الزهراء عليها السلام فيعزينها ويندبن معها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ! وطبيعي أن يكون لهذه المجالس دورٌ اجتماعي وسياسي في ذلك الظرف الحساس ، الذي حدثت فيه بيعة السقيفة ، وخالفها بنو هاشم وغيرهم ، وهاجم الطلقاء بيت فاطمة وعلي عليهما السلام لإجبار من فيه على البيعة . والسؤال الذي يفرض نفسه: ما بال رواة السلطة لم يرووا أخبار هذه المجالس؟ والجواب: أن الوضع لم يكن طبيعياً لا في المسجد ولا في بيت علي وفاطمة ! فالحزب القرشي بعد بيعة أبي بكر جعلوا السقيفة مركز نشاطهم ، بعد أن أهانوا سعد بن عبادة المريض ، فحمله أولاده الى بيته ، وتركوا لهم السقيفة ! لكنهم بعد الهجوم على بيت علي وفاطمة عليهما السلام جعلوا مسجد النبي صلى الله عليه وآله وسلم مركزهم! واتخذوا إجراءات مشددة في المسجد وحول القبر النبوي الشريف ، شبيهاً بالأحكام العرفية ، ومنعوا إقامة مجالس العزاء ، ومطلق التجمع عند قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، فقد كان خوف السلطة القرشية الجديدة من أمرين: الأول ، مجالس الندب التي تقيمها فاطمة عليها السلام ، أن توظفها لتأليب الأنصار وبعض المهاجرين ضد بيعة أبي بكر . والثاني ، أن تستجير فاطمة وعلي بقبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم كما هي عادة العرب ، معلنين أنهم أهل الوصية والخلافة ، مطالبين بالوفاء لهم بالبيعة ورد بيعة أبي بكر ! فكان الحل عند القرشيين أن أطلقوا نصاً دينياً يمنع التجمع عند قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم حتى للصلاة ! وقالوا إن ذلك آخر ما قاله النبي صلى الله عليه وآله وسلم في آخر لحظات حياته ، وأنه لعن اليهود والنصارى لأنهم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد ، أي صلوا عندها ! وفرضواتنفيذ هذه (الوصية النبوية) بالقوة ! قالت عائشة: (لما نزل برسول الله (صلى الله عليه وآله)طفق يطرح خميصة له على وجهه فإذا اغتم بها كشفها عن وجهه فقال وهو كذلك: لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد ، يحذر ما صنعوا . البخاري:1/422 ، 6/386 ، 8/116 ، ومسلم:2/67 ، والنسائي:1/115، والدارمي:1/326 ، والبيهقي:4/80 ، وأحمد:1/218 ، 6 /34 ، 229 ، 275) . (الألباني في أحكام الجنائز ص216) وقالت عائشة: (قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) في مرضه الذي لم يقم منه: لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد . قالت: فلولا ذاك أُبْرِزَ قبرُه ، غير أنه خشي أن يتخذ مسجداً ). البخاري:3/156 ، 198 ، 8 / 114، وأبو عوانة:2 / 399 ، وأحمد: 6 / 80 ، 121 ، 255 ). ( الألباني في أحكام الجنائز ص216) . وقال السرخسي في المبسوط:1/206: (ورأى عمر رجلاً يصلي بالليل إلى قبر فناداه: القبر القبر ، فظن الرجل أنه يقول القمر ، فجعل ينظر إلى السماء ، فما زال به حتى بينه). انتهى والى يومنا هذا لم يستطع عالم من أتباع الخلافة القرشية أن يثبت أن اليهود والنصارى اتخذوا قبراً لنبي من أنبيائهم مسجداً ! اللهم إلا المؤمنون الذين مدحهم الله بأنهم اتخذوا مسجداً على قبور أهل الكهف فقال تعالى: وَكَذَلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لا رَيْبَ فِيهَا إِذْ يَتَنَازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ فَقَالُوا ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْيَانًا رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا ). (الكهف:21). فقد غفل واضعوا الحديث فكذبوا على تاريخ اليهودوالنصارى ، كما غفلوا عن هذه الآية التي تكذب زعمهم ! لأن همهم كان منع مجالس فاطمة عليها السلام ! |
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم واللعن عدوهم .
7 ـ يوم جاء أبو بكر وعمر لزيارتها ليعتذرا منها ! وروت مصادرنا ، ومصادرهم كابن قتيبة ، أنها عليها السلام أدانتهما بالقول والفعل ، وعندما طلب أبو بكر المجئ الى بيتها للإعتذار منها لهجومهم على بيتها ، لم تقبل دخولهما بيتها، فتوسط لهما علي عليه السلام ودخلا فلم تردَّ عليهما السلام وأدارت وجهها الى الحائط ، وناشدتهما وهي غاضبة ، ما سمعا من النبي صلى الله عليه وآله وسلم في من أغضبها فشهدا بذلك ، فأعلنت غضبها عليهما ومقاطعتها لهما ، وأنها ستشكوهما الى الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم ، وتدعو عليهما بعد كل صلاة ! في كتاب سُليم ص391: (فدخلا وسلَّما وقالا: إرضيْ عنا رضي الله عنك . فقالت: ما دعاكما إلى هذا ؟ فقالا: اعترفنا بالإساءة ، ورجونا أن تعفي عنا وتخرجي سخيمتك . فقالت: فإن كنتما صادقين فأخبراني عما أسألكما عنه فإني لا أسألكما عن أمر إلا وأنا عارفة بأنكما تعلمانه ، فإن صدقتما علمت أنكما صادقان في مجيئكما . قالا: سلي عما بدا لك . قالت: نشدتكما بالله هل سمعتما رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول:فاطمة بضعة مني فمن آذاها فقد آذاني؟ قالا: نعم. فرفعت يدها إلى السماء فقالت: اللهم إنهما قد آذياني فأنا أشكوهما إليك وإلى رسولك. لا والله لا أرضى عنكما أبداً حتى ألقى أبي رسول الله وأخبره بما صنعتما فيكون هو الحاكم فيكما ! قال: فعند ذلك دعا أبو بكر بالويل والثبور وجزع جزعاً شديداً. فقال عمر: تجزع ياخليفة رسول الله من قول امرأة) . انتهى . وفي رواية علل الشرائع:1/187: (قالا نعم . قالت: الحمد لله ، ثم قالت: اللهم إني أشهدك فاشهدوا يا من حضرني أنهما قد آذياني في حياتي وعند موتي ! والله لا أكلمكما من رأسي كلمة حتى ألقى ربي فأشكوكما بما صنعتما بي وارتكبتما مني ! فدعا أبو بكر بالويل والثبور وقال: ليت أمي لم تلدني ! فقال عمر: عجباً للناس كيف ولوك أمورهم وأنت شيخ قد خرفت ! تجزع لغضب امرأة وتفرح برضاها وما لمن أغضب إمرأة ! وقاما وخرجا ) ! وفي الغدير:7/228، عن الإمامة والسياسة:1/14، وأعلام النساء للجاحظ:3/1214: (قالت: فإني أشهد الله وملائكته إنكما أسخطتماني وما أرضيتماني ، ولئن لقيت النبي لأشكونكما إليه . فقال أبو بكر: أنا عائذ بالله تعالى من سخطه وسخطك يا فاطمة ! ثم انتحب أبو بكر يبكي حتى كادت نفسه أن تزهق ، وهي تقول: والله لأدعون عليك في كل صلاة أصليها . ثم خرج باكياً فاجتمع الناس إليه فقال لهم: يبيت كل رجل معانقاً حليلته مسروراً بأهله وتركتموني وما أنا فيه لاحاجة لي في بيعتكم ، أقيلوني بيعتي ...). انتهى. وفي البخاري:4/210، قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم :(فاطمة بضعة مني فمن أغضبها أغضبني) ! وفي البخاري:4/41 ، عن عائشة: (فغضبت فاطمة بنت رسول الله فهجرت أبا بكر فلم تزل مهاجرته حتى توفيت . وعاشت بعد رسول الله(ص)ستة أشهر). |
8 ـ يوم خطبت في المسجد النبوي فهزَّت حتى الجماد ! بلغت مواقف فاطمة عليها السلام أوجها ، عندما خرجت خلف عليٍّ عليه السلام وهددتهم بالدعاء بالعذاب عليهم ، إن قتلوه ، وهم يعلمون أن دعاءها لايُرد ! وعندما جاءا الى بيتها ليعتذرا ويقولا للناس إنا اعتذرنا من فاطمة فرضيت عنا وتركت دعاءها علينا ، فسلما عليها فلم ترد عليهما السلام ، وأدارت وجهها الى الحائط ! وسألتهما فشهدا بأنهما سمعا من النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن من أغضب فاطمة فقد أغضبه ، ومن أغضبه فقد أغضب رب العلمين ، فشهدا بذلك ! فأعلنت وأشهدت المسلمين الى يوم الدين أنها غاضبة عليهما ، وأنها ستدعو عليهما بعد كل صلاة تصليها حتى تلقى ربها وأباها ، فتشكوهما أمرَّ شكوى وأشدها صلى الله عليه وآله ، وتخاصمهما عند الله ورسوله ! على أن أوج مواقفها عليها السلام التي وصلت الينا كلاماً مكتوباً شاملاً ، خطبتها في المسجد النبوي في حشد المهاجرين والأنصار ! وقد أعدَّت بنت أبيها لهذا الموقف واستعدت ، فأبلغت بالخطاب ، وأتمت الحجة ، وهزت حتى الجماد ! وهي خطبة مشهورة ، روتها المصادر المختلفة ، وشرحها العلماء والمؤرخون في رسائل خاصة ، وقد أدانت فيها الزهراء عليها السلام نظام السقيفة القرشي ، وصرحت بأنه مؤامرة على الإسلام ، ودعت الأنصار الى مقاومته بالسلاح ! كما أدانت قرارات أبي بكر الإقتصادية لإضعاف أهل البيت عليهم السلام ، ومنها منع الخمس عنهم ، ومصادرة أوقاف النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهي سبعة بساتين، ومصادرة مزرعة فدك التي منحها النبي لفاطمة ، ومنعه إياها من إرث أبيها ! في مواقف الشيعة للأحمدي:1/458: (روى عبد الله بن الحسن بإسناده ، عن آبائه عليهم السلام أنه لما أجمع أبو بكر وعمر على منع فاطمة عليها السلام فدكاً وبلغها ذلك ، لاثت خمارها على رأسها واشتملت بجلبابها ، وأقبلت في لُمَّة من حفدتها ونساء قومها ، تطأ ذيولها ، ماتخرم مشيتها مشية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، حتى دخلت على أبي بكر وهو في حشد من المهاجرين والأنصار وغيرهم ، فنيطت دونها ملاءة ، فجلست ثم أنت أنَّـةً أجهش القوم لها بالبكاء ، فارتجَّ المجلس ! ثم أمهلت هنيئة حتى إذا سكن نشيج القوم وهدأت فورتهم ، افتتحت الكلام بحمد الله والثناء عليه والصلاة على رسوله صلى الله عليه وآله وسلم فعاد القوم في بكائهم ، فلما أمسكوا عادت في كلامها ، فقالت عليها السلام : الحمد لله على ما أنعم ، وله الشكر على ما ألهم ، والثناء بما قدم ، من عموم نعم ابتدأها ، وسبوغ آلاء أسداها ، وتمام منن أولاها ، جم عن الإحصاء عددها ، ونأى عن الجزاء أمدها ، وتفاوت عن الإدراك أبدها ، وندبهم لاستزادتها بالشكر لاتصالها واستحمد إلى الخلائق بإجزالها ، وثنى بالندب إلى أمثالها . وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، كلمة جعل الإخلاص تأويلها ، وضمن القلوب موصولها ، وأنار في التفكر معقولها ، الممتنع من الأبصار رؤيته ، ومن الألسن صفته ، ومن الأوهام كيفيته ، ابتدع الأشياء لامن شئ كان قبلها ، وأنشأها بلا احتذاء أمثلة امتثلها . كونها بقدرته، وذرأها بمشيته ، من غير حاجة منه إلى تكوينها ، ولا فائدة له في تصويرها ، إلا تثبيتاً لحكمته وتنبيهاً على طاعته ، وإظهاراً لقدرته ، تعبداً لبريته ، وإعزازاً لدعوته ، ثم جعل الثواب على طاعته ، ووضع العقاب على معصيته ، ذيادةً لعباده من نقمته ، وحياشة لهم إلى جنته . وأشهد أن أبي محمداً صلى الله عليه وآله وسلم عبده ورسوله ، اختاره قبل أن أرسله ، وسماه قبل أن اجتباه ، واصطفاه قبل أن ابتعثه ، إذ الخلائق بالغيب مكنونة ، وبستر الأهاويل مصونة، وبنهاية العدم مقرونة ، علماً من الله تعالى بمآيل الأمور ، وإحاطة بحوادث الدهور ، ومعرفة بمواقع الأمور . ابتعثه الله إتماما لأمره ، وعزيمة على إمضاء حكمه ، وإنفاذا لمقادير رحمته ، فرأى الأمم فرقاً في أديانها ، عكفاً على نيرانها ، عابدةً لأوثانها ، منكرةً لله مع عرفانها ، فأنار الله بأبي محمداً صلى الله عليه وآله وسلم ظُلمها ، وكشف عن القلوب بُهمها ، وجلى عن الأبصار عماها، وقام في الناس بالهداية ، فأنقذهم من الغواية ، وبصرهم من العماية ، وهداهم إلى الدين القويم ودعاهم إلى الطريق المستقيم . ثم قبضه الله إليه قبض رأفة واختيار ، ورغبة وإيثار ، فمحمد صلى الله عليه وآله وسلم من تعب هذه الدار في راحة ، قد حُفَّ بالملائكة الأبرار ، ورضوان الرب الغفار ، ومجاورة الملك الجبار ، صلى الله على أبي نبيه وأمينه وخيرته من الخلق وصفيه ، والسلام عليه ورحمة الله وبركاته . ثم التفتت إلى أهل المجلس وقالت: أنتم عباد الله ! نصب أمره ونهيه ، وحملة دينه ووحيه ، وأمناء الله على أنفسكم وبلغاؤه إلى الأمم ، زعيم حق له فيكم ، وعهد قدمه إليكم ، وبقية استخلفها عليكم: كتاب الله الناطق ، والقرآن الصادق ، والنور الساطع ، والضياء اللامع ، بينة بصائره ، منكشفة سرائره ، منجلية ظواهره ، مغتبطة به أشياعه ، قائد إلى الرضوان اتباعه ، مؤد إلى النجاة استماعه ، به تنال حجج الله المنورة ، وعزائمه المفسرة ، ومحارمه المحذرة ، وبيناته الجالية ، وبراهينه الكافية ، وفضائله المندوبة ، ورخصه الموهوبة ، وشرائعه المكتوبة . ثم قالت: أيها الناس إعلموا أني فاطمة وأبي محمداً ، أقول عوداً وبدواً ، ولا أقول ما أقول غلطاً ، ولا أفعل شططاً لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ ، فإن تعزوه وتعرفوه تجدوه أبي دون نسائكم وأخا ابن عمي دون رجالكم ، ولنعم المعزي إليه صلى الله عليه وآله وسلم فبلغ الرسالة صادعاً بالنذارة ، مائلاً عن مدرجة المشركين ، ضارباً ثبجهم ، آخذاً بأكظامهم ، داعياً إلى سبيل ربه بالحكمة والموعظة الحسنة ، يجف الأصنام ، وينكث الهام ، حتى انهزم الجمع وولوا الدبر ، حتى تفرى الليل عن صبحه ، وأسفر الحق عن محضه ، ونطق زعيم الدين ، وخرست شقاشق الشياطين ، وطاح وشيظ النفاق ، وانحلت عقد الكفر والشقاق ، وفهتم بكلمة الإخلاص في نفر من البيض الخماصر ، وكنتم على شفا حفرة من النار ، مُذقةَ الشارب ، ونهزةَ الطامع ، وقبسةَ العجلان ، وموطئ الأقدام ، تشربون الطرَق ، وتقتاتون القِدّ ، أذلة خاسئين ، تخافون أن يتخطفكم الناس من حولكم ، فأنقذكم الله تبارك وتعالى بمحمد بعد اللتيا والتي ، وبعد أن مُني ببُهم الرجال وذؤبان العرب ومردة أهل الكتاب ، كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَاراً لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللهُ ، أو نجم قرن الشيطان أو فغرت فاغرة من المشركين ، قذف أخاه في لهواتها ، فلا ينكفئ حتى يطأ صماخها بأخمصه ، ويخمد لهبها بسيفه ، مكدوداً في ذات الله ، مجتهداً في أمر الله ، قريباً من رسول الله ، سيداً في أولياء الله ، مشمراً ناصحاً ، مجداً كادحاً ، لا تأخذه في الله لومة لائم ، وأنتم في رفاهية من العيش وادعون فاكهون آمنون ، تتربصون بنا الدوائر ، وتتوكفون الأخبار ، وتنكصون عند النزال، وتفرون من القتال !! فلما اختار الله لنبيه دار أنبيائه ومأوى أصفيائه ، ظهرت فيكم حسيكة النفاق ، وسمل جلباب الدين، ونطق كاظم الغاوين ، ونبغ خامل الأقلين، وهدر فنيق المبطلين ، فخطر في عرصاتكم ، وأطلع الشيطان رأسه من مغرزه هاتفاً بكم ، فألفاكم لدعوته مستجيبين ، وللغرة فيه ملاحظين، ثم استنهضكم فوجدكم خفافاً ، وأحمشكم فألفاكم غضاباً ، فوسمتم غير إبلكم ، ووردتم غير شربكم . هذا ، والعهد قريب ، والكلم رحيب ، والجرح لما يندمل ، والرسول لما يُقبر ، ابتداراً زعمتم خوف الفتنة ! أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ . فهيهات منكم ، وكيف بكم ، وأنى تؤفكون ! وكتاب الله بين أظهركم ، أموره ظاهرة ، وأحكامه زاهرة ، وأعلامه باهرة ، وزواجره لائحة ، وأوامره واضحة ، وقد خلفتموه وراء ظهوركم ، أرغبة عنه تريدون ، أم بغيره تحكمون؟بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً ! وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الأِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ ! ثم لم تلبثوا إلا ريث أن تسكن نفرتها ، ويسلس قيادها ، ثم أخذتم تورون وقدتها، وتهيجون جمرتها ، وتستجيبون لهتاف الشيطان الغوي ، وإطفاء أنوار الدين الجلي ، وإهمال سنن النبي الصفي ، تشربون حسواً في ارتغاء ، وتمشون لأهله وولده في الخمرة والضراء ، ويصبر منكم على مثل حز المدى ووخز السنان في الحشا . وأنتم الآن تزعمون أن لا إرث لنا ! أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ (تبغون) وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ ؟! أفلا تعلمون؟! بلى ، قد تجلى لكم كالشمس الضاحية إني ابنته أيها المسلمون ! أأغلب على إرثي يا ابن أبي قحافة ! أفي كتاب الله أن ترث أباك ولا أرث أبي؟ لقد جئت شيئاً فرياً ! أفعلى عمد تركتم كتاب الله ونبذتموه وراء ظهوركم إذ يقول وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُدَ ، وقال فيما اقتص من خبر يحيى بن زكريا عليهما السلام إذ قال: فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيّاً يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ ، وقال: وَأُولُو الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللهِ ، وقال: يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ ، وقال: إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حقاً عَلَى الْمُتَّقِينَ. وزعمتم أن لاحظوة لي ولا إرث من أبي ولارحم بيننا ، أفخصكم الله بآية أخرج منها أبي! أم تقولون أهل ملتين لايتوارثان! أو لست أنا وأبي من أهل ملة واحدة؟! أم أنتم أعلم بخصوص القرآن وعمومه من أبي وابن عمي؟! فدونكها مخطومة مرحولة ، تلقاك يوم حشرك ! فنعم الحكم الله ، والزعيم محمد ، والموعد القيامة، وعند الساعة يخسر المبطلون! ولاينفعكم إذ تندمون ، لِكُلِّ نَبَأٍ مُسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ . فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُقِيمٌ . ثم رمت بطرفها نحو الأنصار فقالت: يامعشر الفتية ، وأعضاد الملة ، وحضنة الإسلام ! ما هذه الغميزة في حقي والسنة عن ظلامتي ! أما كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أبي يقول: المرء يحفظ في ولده ؟! سرعان ما أحدثتم ! وعجلان ذا إهالة ! ولكم طاقة بما أحاول ، وقوة على ما أطلب وأزاول ، أتقولون مات محمد ؟ فخطبٌ جليل استوسع وهنه ، واستنهر فتقه ، وانفتق رتقه ، وأظلمت الأرض لغيبته ، واكتأبت خيرة الله لمصيبته ، وكسفت الشمس والقمر ، وانتثرت النجوم لمصيبته ، وأحدت الآمال ، وخشعت الجبال ، وأضيع الحريم ، وأزيلت الحرمة عند مماته ، فتلك والله النازلة الكبرى والمصيبة العظمى لا مثلها نازلة ، ولا بائقة عاجلة ، أعلن بها كتاب الله جل ثناؤه يهتف في أفنيتكم في ممساكم ومصبحكم ، هتافاً وصراخاً وتلاوة وألحاناً ! ولقبله ما حلت بأنبياء الله ورسله ، حكم فصل وقضاء حتم ، وَمَا مُحَمَّدٌ إِلا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللهَ شيئاً وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ . إيهاً بني قَيْلة ! أأهضم تراث أبي وأنتم بمرأى مني ومسمع ومنتدى ومجمع ، تلبسكم الدعوة وتشملكم الخبرة ، وأنتم ذووا العدد والعدة والأداة والقوة ، وعندكم السلاح والجنة ، توافيكم الدعوة فلا تجيبون ، وتأتيكم الصرخة فلا تغيثون ، وأنتم موصوفون بالكفاح ، معروفون بالخير والصلاح ، والنخبة التي انتخبت ، والخيرة التي اختيرت لنا أهل البيت ! قاتلتم العرب ، وتحملتم الكد والتعب ، وناطحتم الأمم ، وكافحتم البهم ، لا نبرح أو تبرحون نأمركم فتأتمرون ، حتى إذا دارت بنا رحى الإسلام ، ودر حلب الأيام ، وخضعت ثغرة الشرك ، وسكنت فورة الإفك ، وخمدت نيران الكفر ، وهدأت دعوة الهرج ، واستوسق نظام الدين ، فأنى حزتم بعد البيان ، وأسررتم بعد الإعلان ، ونكصتم بعد الإقدام ، وأشركتم بعد الإيمان ؟! بؤساً لقوم نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ وَهُمْ بَدَأُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ! ألا قد أرى أن قد أخلدتم إلى الخفض ، وأبعدتم من هو أحق بالبسط والقبض ، وخلوتم بالدعة ، ونجوتم بالضيق من السعة ، فمججتم ما وعيتم ، ودسعتم الذي تسوغتم ! فإن تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ فِي الأَرْضِ جميعاً فَإِنَّ اللهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ ! وقد قلت ما قلت هذا على معرفة مني بالجذلة التي خامرتكم ، والغدرة التي استشعرتها قلوبكم ، ولكنها فيضة النفس ، ونفثة الغيظ ، وخور القناة ، وبثة الصدر ، وتقدمة الحجة ، فدونكموها ! فاحتقبوها دبرة الظهر ، نقبة الخف ، باقية العار ، موسومة بغضب الله وشنار الأبد ، موصولة بنار الله الموقدة التي تطلع على الأفئدة ! فبعين الله ما تفعلون وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ ! أنا ابنة نذير لكم بين يدي عذاب شديد فاعملوا إِنَّا عَامِلُونَ، وَانْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ ! فأجابها أبو بكر وقال: يا ابنة رسول الله ! لقد كان أبوك بالمؤمنين عطوفاً كريماً رؤوفاً رحيماً ، وعلى الكافرين عذاباً أليماً وعقاباً عظيماً ، إن عزوناه وجدناه أباك دون النساء ، وأخا إلفك دون الأخلاء ، آثره على كل حميم ، وساعده في كل أمر جسيم ، لا يحبكم إلا سعيد ولا يبغضكم إلا شقي بعيد ، فأنتم عترة رسول الله الطيبون الخيرة المنتجبون ، على الخير أدلتنا وإلى الجنة مسالكنا ، وأنت يا خيرة النساء وابنة خير الأنبياء صادقة في قولك ، سابقة في وفور عقلك ، غير مردودة عن حقك ، ولا مصدودة عن صدقك ، والله ما عدوت رأي رسول الله ولا عملت إلا بإذنه ، وإن الرائد لا يكذب أهله ، فإني أشهد الله وكفى به شهيداً أني سمعت رسول الله يقول: نحن معاشر الأنبياء لا نورث ذهباً ولا فضة ولا داراً ولا عقاراً ، وإنما نورث الكتاب والحكمة والعلم والنبوة ، وما كان لنا من طعمة فلوليِّ الأمر بعدنا أن يحكم فيه بحكمه. وقد جعلنا ما حاولته في الكراع والسلاح يقاتل بها المسلمون ويجاهدون الكفار ويجالدون المردة الفجار ، وذلك بإجماع من المسلمين لم أنفرد به وحدي ، ولم أستبد بما كان الرأي فيه عندي ، وهذه حالي ومالي هي لك وبين يديك لا نزوي عنك ولا ندخر دونك ، وإنك وأنت سيدة أمة أبيك ، والشجرة الطيبة لبنيك ، لا يُدفع مالك من فضلك ، ولا يُوضع في فرعك وأصلك ، وحكمك نافذ فيما ملكت يداي ، فهل ترين أن أخالف في ذلك أباك ؟! فقالت عليها السلام :سبحان الله ! ماكان أبي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن كتاب الله صادفاً ، ولا لأحكامه مخالفاً ، بل كان يتبع أثره ، ويقفو سوره ، أفتجمعون إلى الغدر اعتلالاً عليه بالزور! وهذا بعد وفاته شبيهٌ بما بُغي له من الغوائل في حياته !! هذا كتاب الله حكماً عدلاً وناطقاً فصلاً يقول: يرثني ويرث من آل يعقوب ، ويقول: وورث سليمان داود ، فبين عز وجل فيما وزع من الأقساط ، وشرع من الفرائض والميراث ، وأباح من حظ الذكران والإناث ، ما أزاح به علة المبطلين ، وأزال التظني والشبهات في الغابرين ! كلا ! َبلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ ! فقال أبو بكر: صدق الله ورسوله وصدقت ابنته ! أنت معدن الحكمة وموطن الهدى والرحمة ، وركن الدين ، وعين الحجة ، لا أبعد صوابك ، ولا أنكر خطابك ، هؤلاء المسلمون بيني وبينك قلدوني ما تقلدت ، وباتفاق منهم أخذت ما أخذت ، غير مكابر ولا مستبد ولا مستأثر ، وهم بذلك شهود ! فالتفتت فاطمة عليها السلام إلى الناس وقالت: معاشر الناس المسرعة إلى قيل الباطل ، والمغضية على الفعل القبيح الخاسر ! أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها ؟ كلا بل ران على قلوبكم ما أسأتم من أعمالكم ، فأخذ بسمعكم وأبصاركم ولبئس ما تأولتم ، وساء ما به أشرتم ، وشر ما منه اغتصبتم ، لتجدن والله محمله ثقيلاً وغبه وبيلاً ، إذا كشف لكم الغطاء وبان ما وراءه الضراء ، وبدا لكم من ربكم ما لم تكونوا تحتسبون ، وخسر هنالك المبطلون . ثم عطفت على قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقالت: قد كان بعدك أنباءٌ وهنبثةٌ لو كنت شاهدها لم تكثر الخطبُ أبدت رجالٌ لنا نجوى صدورهم لما مضيتَ وحالت دونك التربُ تجهمتنا رجال واستخف بنا لما فُقدتَ وكل الأرض مغتصبُ وكنت بدراً ونوراً يستضاء به عليك ينزل من ذي العزة الكتبُ وكان جبرئيل بالآيات يؤنسنا فقد فُقدتَ وكل الخير محتجبُ فليت قبلك كان الموتُ صادفنا لما مضيت وحالت دونك الكثبُ ثم انكفأت وأمير المؤمنين يتوقع رجوعها إليه ويتطلع طلوعها عليه ، فلما استقرت بها الدار قالت لأمير المؤمنين: يا ابن أبي طالب ! اشتملت شملة الجنين ، وقعدت حجرة الظنين ، نقضت قادمة الأجدل ، فخانك ريش الأعزل ، هذا ابن أبي قحافة يبتزني نحلة أبي وبلغة ابني ، لقد أجهد في خصامي ، وألفيته ألدَّ في كلامي ، حتى حبستني قيْلةُ نصرها ، والمهاجرة وصلها ، وغضت الجماعة دوني طرفها ، فلا دافع ولا مانع ، خرجْتُ كاظمة وعُدْتُ راغمة ! أضرعتَ خدك يوم أضعت حدك ، افترست الذئاب وافترشت التراب ، ما كففتَ قائلاً ولا أغنيتَ طائلا ، ولا خيارَ لي ! ليتني متُّ قبل هنيئتي ودون ذلتي ، عذيري الله منه عادياً ومنك حامياً ، ويلايّ في كل شارق ! ويلاي في كل غارب ! مات العمد ووهن العضد ، شكوايَ إلى أبي وعدوايَ إلى ربي ! اللهم إنك أشد منهم قوةً وحولاً ، وأشد بأساً وتنكيلا . فقال أمير المؤمنين عليه السلام : لا ويلَ لك ، بل الويلُ لشانئك ، ثم نهنهي عن وجدك يا ابنة الصفوة ، وبقية النبوة ، فما ونيتُ عن ديني ، ولا أخطأتُ مقدوري ، فإن كنت تريدين البلغة فرزقك مضمون وكفيلك مأمون ، وما أعد لك أفضل مما قطع عنك ، فاحتسبي الله . فقالت: حسبي الله ، وأمسكت ). انتهى . وقال في شرح النهج:16/252: (فما رأينا يوماً أكثر باكياً أو باكية من ذلك اليوم). ولهذه الخطبة وأجزائها مصادر عديدة نكتفي منها بما ذكرنا وبالإحتجاج:1/131 |
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم واللعن عدوهم . 9 ـ يوم اشتد مرضها فجاءت نساء الأنصار والمهاجرين لعيادته في معاني الأخبار للصدوق ص354: عن فاطمة بنت الحسين عليه السلام قالت: ( لما اشتدت علة فاطمة بنت رسول الله صلوات الله عليها ، اجمتع عندها نساء المهاجرين والأنصار فقلن لها: يا بنت رسول الله كيف أصبحت من علتك؟ فقالت: أصبحت والله عائفة لدنياكم قالية لرجالكم ! لفظتهم قبل أن عجمتهم ، وشنأتهم بعد أن سبرتهم ، فقبحاً لفلول الحد وخور القناة ، وخطل الرأي ، وبئس ما قدمت لهم أنفسهم أن سخط الله عليهم وفي العذاب هم خالدون ! لاجرم لقد قلَّدَتْهم ربقتها وشنَّنَت عليهم عارها ، فجدعاً وعَقراً وسُحقاً للقوم الظالمين ! ويحهم أنى زحزحوها عن رواسي الرسالة وقواعد النبوة ومهبط الوحي الأمين ، والطبين بأمر الدنيا والدين ، ألا ذلك هو الخسران المبين ، وما نقموا من أبي حسن ؟! نقموا والله منه نكير سيفه ، وشدة وطأته ، ونكال وقعته ، وتنمره في ذات الله عز وجل ! والله لو تكافُّوا عن زمام نبذه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لاعتلقه ، ولسار بهم سيراً سُجحاً ، لايُكلم خشاشه ولا يُتعتع راكبه، ولأوردهم منهلاً نميراً فضفاضاً تطفح ضفتاه ولأصدرهم بطاناً قد تخيَّر لهم الريَّ غير متحل منه بطائل إلا بغمر الماء وردعة سورة الساغب ولفتحت عليهم بركات السماء والأرض، وسيأخذهم الله بما كانوا يكسبون ! ألا هلمَّ فاسمع وما عشت أراك الدهر العجب وإن تعجب وقد أعجبك الحادث ، إلى أي سناد استندوا ؟ وبأية عروة تمسكوا ؟ استبدلوا الذنابى والله بالقوادم ، والعجز بالكاهل ، فرغماً لمعاطس قوم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً ! أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لا يَشْعُرُونَ..أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لايَهِدِّي إِلا أَنْ يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ ! أما لعمري والله لقد لقحت ، فنظرةً ريثما تنتجوا ، ثم احتلبوا طلاع القعب دماً عبيطاً وزعافاً ممقراً ، هنالك يخسر المبطلون ويعرف التالون غِبَّ ما أسس الأولون! ثم طيبوا عن أنفسكم نفساً ، واطمأنوا للفتنة جأشاً ، وأبشروا بسيف صارم ، وهرج شامل واستبداد من الظالمين، يدع فيئكم زهيداً ، وزرعكم حصيداً ! فياحسرتي لكم ، وأنى بكم وقد عُمِّيَت عليكم ، أنلزمكموها وأنتم لها كارهون) ! (ورواه الطوسي في الأمالي ص374 ، والجوهري في السقيفة ص120) . |
10 ـ يوم أوصت علياً أن يدفنها ليلاً سراً ولايأذن لهما بالصلاة عليه
في معاني الأخبار ص356 ، عن علي عليه السلام قال: لما حضرت فاطمة الوفاة دعتني فقالت: أمنفذٌ أنت وصيتي وعهدي؟ قال قلت: بلى أنفذها فأوصت إليَّ وقالت: إذا أنا متُّ فادفني ليلاً ، ولا تؤذننَّ رجلين ، ذكرتهما ). وفي كتاب سليم بن قيس ص392:(قال ابن عباس: فقبضت فاطمة من يومها فارتجَّت المدينة بالبكاء من الرجال والنساء ، ودهش الناس كيوم قبض فيه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم . فأقبل أبو بكر وعمر يعزيان علياً ويقولان له: يا أبا الحسن لاتسبقنا بالصلاة على ابنة رسول الله.... فلما كان في الليل دعا علي العباس والفضل والمقداد وسلمان وأبا ذر وعماراً ، فقدم العباس فصلى عليها ودفنوها . فلما أصبح الناس أقبل أبو بكر وعمر والناس يريدون الصلاة على فاطمة عليها السلام فقال المقداد: قد دفنا فاطمة البارحة . فالتفت عمر إلى أبي بكر فقال: ألم أقل لك إنهم سيفعلون؟! قال العباس: إنها أوصت أن لاتصليا عليها ! فقال عمر: والله لاتتركون يا بني هاشم حسدكم القديم لنا أبداً ! إن هذه الضغائن التي في صدوركم لن تذهب والله لقد هممت أن أنبشها فأصلي عليها ! فقال علي: والله لو رمت ذلك يابن صهاك لارجعتْ إليك يمينك ! والله لئن سللت سيفي لا أغمدته دون إزهاق نفسك ، فَرُمْ ذلك ! فانكسر عمر وسكت ، وعلم أن علياً إذا حلف صدق). وفي أمالي المفيدص281: عن الحسين عليه السلام قال: ( فلما حضرتها الوفاة أوصت أمير المؤمنين عليه السلام أن يتولى أمرها ويدفنها ليلاً ويعفي قبرها ! فتولى ذلك أمير المؤمنين عليه السلام ودفنها وعفى موضع قبرها ، فلما نفض يده من تراب القبر هاج به الحزن ، فأرسل دموعه على خديه ، وحول وجهه إلى قبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: السلام عليك يا رسول الله مني ، والسلام عليك من ابنتك وحبيبتك وقرة عينك وزائرتك ، والبائتة في الثرى ببقعتك ، والمختار لها الله سرعة اللحاق بك . قلَّ يا رسول الله عن صفيتك صبري ، وضعف عن سيدة النساء تجلدي ، إلا أن في التأسي لي بسنتك والحزن الذي حل بي بفراقك ، موضع التعزي ، فلقد وسدتك في ملحود قبرك ، بعد أن فاضت نفسك على صدري ، وغمضتك بيدي ، وتوليت أمرك بنفسي. نعم وفي كتاب الله أنعم القبول: إنا لله وإنا إليه راجعون . لقد استرجعت الوديعة ، وأخذت الرهينة ، واختلست الزهراء ، فما أقبح الخضراء والغبراء . يا رسول الله ! أما حزني فسرمد ، وأما ليلي فمسهد ، لا يبرح الحزن من قلبي ، أو يختار الله لي دارك التي أنت فيها مقيم . كَمَدٌ مُقيح ، وهَمٌّ مُهيج ، سرعان ما فرق بيننا وإلى الله أشكو! وستنبئك ابنتك بتضافر أمتك عليَّ ، وعلى هضمها حقها ، فاستخبرها الحال ، فكم من غليل معتلج بصدرها لم تجد إلى بثه سبيلاً ! وستقولُ ويحكم الله ، وهو خير الحاكمين . سلام عليك يا رسول الله سلام مودع ، لا سئم ولا قالٍ ، فإن أنصرف فلا عن ملالة وإن أقم فلا عن سوء ظن بما وعد الله الصابرين ، والصبر أيمن وأجمل ، ولولا غلبة المستولين علينا لجعلت المقام عند قبرك لزاماً ، واللبث عنده معكوفاً ، ولأعولت إعوال الثكلى على جليل الرزية ! فبعين الله تدفن ابنتك سراً ، وتهتضم حقها قهراً ، وتمنع إرثها جهراً ، ولم يطل العهد ولم يخل منك الذكر ! فإلى الله يا رسول الله المشتكى ، وفيك أجمل العزاء . وصلوات الله عليك وعليها ، ورحمة الله وبركاته ). وفي رواية روضة الواعظين للنيسابوري ص151: ( فقالت: يا ابن عم إنه قد نعيت إلى نفسي لأرى ما بي لا أشك ، إلا أنني لاحقة بأبي ساعة بعد ساعة ، وأنا أوصيك بأشياء في قلبي . قال لها علي: أوصني بما أحببت يا بنت رسول الله ...... ثم قالت: جزاك الله عني خير الجزاء ، يا ابن عم أوصيك أولاً أن تتزوج بعدي بابنة أختي أمامة ، فإنها تكون لولدي مثلي، فإن الرجال لابد لهم من النساء... ثم قالت: أوصيك أن لايشهد أحد جنازتي من هؤلاء الذين ظلموني وأخذوا حقي فإنهم أعدائي وأعداء رسول الله ، وأن لايصلي عليَّ أحد منهم ولامن أتباعهم ، وادفني في الليل إذا هدأت العيون ونامت الأبصار . ثم توفيت صلوات الله عليها وعلى أبيها وبعلها وبنيها ، فصاحت أهل المدينة صيحة واحدة واجتمعت نساء بني هاشم في دارها ، فصرخن صرخة واحدة كادت المدينة أن تزعزع من صراخهن وهن يقلن: ياسيدتاه يا بنت رسول الله ! وأقبل الناس مثل عُرْف الفرس إلى علي وهو جالس والحسن والحسين بين يديه يبكيان ، فبكى الناس لبكائهما ، وخرجت أم كلثوم وعليها برقعة وتجر ذيلها متجللة برداء عليها تسحبه وهي تقول: يا أبتاه يا رسول الله ، الآن حقاً فقدناك فقداً لا لقاء بعده ، واجتمع الناس فجلسوا وهم يرجون وينظرون أن تخرج الجنازة فيصلون عليها . وخرج أبو ذر فقال: إنصرفوا فإن ابنة رسول الله قد أخر إخراجها في هذه العشية فقام الناس وانصرفوا ، فلما أن هدأت العيون ومضى من الليل أخرجها علي والحسن والحسين وعمار والمقداد وعقيل والزبير وأبو ذر وسلمان وبريدة ، ونفر من بني هاشم وخواصهم صلوا عليها ودفنوها في جوف الليل ، وسوَّى عليٌّ حواليها قبوراً مزورة مقدار سبعة ، حتى لايعرف قبرها ) . انتهى. |
السلام على صاحبة الضلع المكسور والعين المحمرة من اثر هجمت الملعين |
الهي بحق فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها . أن ترزق من زار سطوري زيارتها وفي الأخرة شفاعتها موفقين للخير |
الساعة الآن »12:13 PM. |