منتديات موقع الميزان

منتديات موقع الميزان (http://www.mezan.net/vb/index.php)
-   ميزان مصباح الهدى وسفينة النجاة ( عاشوراء ) (http://www.mezan.net/vb/forumdisplay.php?f=116)
-   -   المجالس الفاخرة في مصائب العترة الطاهرة (http://www.mezan.net/vb/showthread.php?t=14439)

خادم الزهراء 28-Dec-2009 10:49 AM

المجالس الفاخرة في مصائب العترة الطاهرة
 
اللهم صل على الزهراء وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها
اللهم واشفي قلب الزهراء صلوات الله عليها بظهور وليك الحجة بن الحسن صلوات الله عليه وعلى آبائه الطيبين الطاهرين
واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين

فيما يتلى بتمامه صبيحة العاشر من المحرم
ويتلى مجالس متعددة في سائر أيام العشر
أو في باقي أيام السنة ، فهو ليوم العاشر مجلس واحد
ولغيره اثنا عشر مجلسا فلينتبه القارئ- في غير يوم عاشوراء - بوقوفه عليها
وليذكرني بأدعيته فإني مضطر إليها ، والله ولي التوفيق وهو حسبنا ونعم الوكيل .
السيد عبد الحسين شرف الدين رضوان الله عليه

[ المجلس الأول ]

كان مولد الحسين عليه السلام لخمس [ ليال ] خلون من شعبان سنة أربع للهجرة ، وروي غير ذلك .

ولما ولد هبط جبرئيل عليه السلام في ألف ملك يهنئون النبي صلى الله عليه وآله ، وقد سر به وسماه حسينا .

وعن أم الفضل قالت : رأيت في منامي قبل مولد الحسين عليه السلام كأن قطعة من لحم رسول الله صلى الله عليه وآله قطعت فوضعت في حجري ، فقصصت ذلك على رسول الله صلى الله عليه وآله ، فقال : ( رأيت خيرا ، إن صدقت رؤياك فإن فاطمة تلد غلاما ، وأدفعه إليك لترضعينه ) .

قالت : فجرى الأمر على ذلك . فجئت به يوما إليه فوضعته في حجره ، فبينما هو يقبله بال ، فقطرت من بوله قطرة على ثوب النبي صلى الله عليه وآله ، فقرصته ، فبكى ، فقال النبي كالمغضب : ( مهلا يا أم الفضل ، فهذا ثوبي يغسل ، وقد أوجعت ابني ) .

قالت : فتركته في حجره وقمت لآتيه بماء ، فجئت إليه فوجدته يبكي ، فقلت : مم بكاؤك يا رسول الله ؟ فقال : ( إن جبرئيل أتاني فأخبرني أن أمتي ستقتل ولدي [ هذا ] ، لا أنالهم الله شفاعتي يوم القيامة ) .

ولما أتت على الحسين من مولده سنة كاملة هبط على رسول الله صلى الله عليه وآله اثنا عشر ملكا محمرة وجوههم ، باكية عيونهم ، وهم يقولون : إنه سينزل بولدك الحسين ما نزل بهابيل من قابيل ، وسيعطى مثل أجر هابيل ، ويحمل على قاتله مثل وزر قابيل .

[ قال : ] ولم يبق في السماوات ملك مقرب إلا ونزل إلى النبي صلى الله عليه وآله يقرؤه السلام ، ويعزيه عن الحسين ، ويخبره في ثواب ما يعطى ، ويعرض عليه تربته والنبي يقول : ( اللهم اخذل من خذله ، واقتل من قتله ، ولا تمتعه بما طلبه ) .

[ قال : ] فلما أتى على مولده سنتان خرج النبي صلى الله عليه وآله في سفر له ، فوقف في بعض الطريق ، واسترجع ودمعت عيناه .

فسئل عن ذلك ، فقال : ( [ هذا ] جبرئيل يخبرني عن أرض بشط الفرات يقال لها كربلاء ، يقتل فيها ولدي الحسين [ بن فاطمة ) .

فقيل له : من يقتله يا رسول الله ؟ فقال : ( رجل اسمه يزيد ، ] وكأني أنظر إلى مصرعه ومدفنه ) .

ثم رجع صلى الله عليه وآله من سفره مهموما مغموما ، فصعد المنبر فخطب ، والحسن والحسين بين يديه ، ثم نزل فوضع يده اليمنى على رأس الحسن ويده اليسرى على رأس الحسين ، وقد رفع رأسه إلى السماء فقال : ( اللهم إن محمدا عبدك ونبيك ، وهذان أطائب عترتي وخيار ذريتي [ وأرومتي ] ومن أخلفهما في أمتي ، وقد أخبرني جبرئيل جبرئيل : عليه السلام أن ولدي [ هذا مخذول مقتول .

اللهم بارك له في قتله ، واجعله من سادات الشهداء ، اللهم ولا تبارك في قاتله وخاذله ) .

[ قال : ] فضج الناس في المسجد بالبكاء .

[ فقال النبي ( ص ) : : ( أتبكون ولا تنصرونه ؟ ! اللهم فكن له أنت وليا وناصرا ) ] .

[ ثم رجع صلى الله عليه وآله فخطب خطبة أخرى موجزة وهو متغير اللون وعيناه تهملان دموعا فقال : ( أيها الناس ، إني تارك فيكم الثقلين : كتاب الله عز وجل ، وعترتي أهل بيتي ، وإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض ، ألا وإني أنتظرهما ، وإني لا أسألكم في ذلك إلا ما أمرني ربي المودة في القربى .

ألا وإنه سترد علي [ يوم القيامة ] ثلاث رايات من هذه الأمة : الأولى : سوداء مظلمة قد فزعت لها الملائكة ، فتقف علي ، فأقول : من أنتم ؟ فينسون ذكري ، فيقولون : نحن أهل التوحيد من العرب .

فأقول [ لهم ] : أنا أحمد نبي العرب والعجم .

فيقولون : نحن من أمتك . فأقول لهم : كيف خلفتموني في عترتي وكتاب ربي ؟ فيقولون : أما الكتاب فضيعناه ، وأما عترتك فحرصنا على أن نبيدهم عن آخرهم .

فأولي عنهم وجهي ، فيصدرون عطاشا مسودة وجوههم .

ثم ترد علي راية أخرى أشد سوادا من الأولى ، فأقول لهم : كيف خلفتموني في الثقلين الأكبر والأصغر : كتاب ربي وعترتي ؟ فيقولون : أما الأكبر فخالفناه ، وأما الأصغر فخذلناهم ومزقناهم كل ممزق .

فأقول : إليكم عني ! فيصدرون ظماء عطاشا مسودة وجوههم .

ثم ترد علي راية أخرى تلمع وجوههم نورا ، فأقول [ لهم ] : من أنتم ؟ فيقولون : نحن أهل كلمة التوحيد والتقوى ، نحن أمة محمد المصطفى ، ونحن بقية أهل الحق ، حملنا كتاب ربنا فأحللنا حلاله وحرمنا حرامه ، وأحببنا ذرية نبينا فنصرناهم وقاتلنا معهم .

فأقول لهم : أبشروا فإني نبيكم محمد ، ولقد كنتم في دار الدنيا كما وصفتم ، ثم أسقيهم من حوضي فيصدرون مرويين مستبشرين ، ثم يدخلون الجنة خالدين فيها أبد الأبدين ) .

وروى الشيخ في الأمالي بأسانيده إلى الرضا ، عن آبائه عليهم السلام ، عن أسماء بنت عميس قالت : لما ولدت فاطمة الحسين عليهما السلام كنت أخدمها في نفاسها به ، فجاء النبي صلى الله عليه وآله فقال : هلمي ابني يا أسماء ، فدفعته إليه في خرقة بيضاء ، فأخذه وجعله في حجره ، وأذن في أذنه اليمنى ، وأقام في اليسرى .

قالت : وبكى رسول الله صلى الله عليه وآله ثم قال : إنه سيكون لك حديث ، اللهم العن قاتله ، لا تعلمي فاطمة بذلك .

قالت أسماء : فلما كان يوم السابع من مولده جاء النبي صلى الله عليه وآله فعق عنه كبشا أملح ، وأعطى القابلة الورك ورجلا ، وحلق رأس الحسين وتصدق بوزن الشعر ورقا ، وخلق رأسه بالخلوق .

قالت : ثم وضعته في حجره ، فقال : يا أبا عبد الله ، عزيز علي ، ثم بكى .

[ قالت أسماء : ] فقلت : بأبي أنت وأمي مما بكاؤك في هذا اليوم وفي اليوم الأول ؟ ! قال صلى الله عليه وآله : أبكي على ابني هذا تقتله فئة باغية كافرة من بني أمية لا أنالهم الله شفاعتي يوم القيامة .

ثم قال : اللهم إني أسألك فيهما ما سألك إبراهيم عليه السلام في ذريته : اللهم أحبهما وأحب من يحبهما ، والعن من يبغضهما ملء السماء والأرض .

أشدد يدا بحب آل أحمد = نها عقدة فوز لا تحل
وابعث لهم مراثيا ومدحا = صفوة ما راض الضمير ونخل
وما الخبيثان ابن هند وابنه = وإن طغى أمرهما بعد وجل
بمبدعين للذي جاءا به = وإنما تقفيا تلك السبل




نسألكم الدعاء

اللهم اجعلنا من شيعة الزهراء وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها ولا تفرق بيننا وبينهم في الدنيا والآخرة

خادم الزهراء 28-Dec-2009 02:52 PM

[ المجلس الثاني ]
 
اللهم صل على الزهراء وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها
اللهم واشفي قلب الزهراء صلوات الله عليها بظهور وليك الحجة بن الحسن صلوات الله عليه وعلى آبائه الطيبين الطاهرين
واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين

[ المجلس الثاني ]

كانت إمامة الحسين بعد أخيه الحسن عليهما السلام ثابتة ، وطاعته على جميع الخلق فريضة ، بنص أبيه وجده عليهما السلام عليه ، وعهد أخيه الحسن ووصيته إليه ، وكانا سيدي شباب أهل الجنة بشهادة جدهما رسول الله صلى الله عليه وآله وهما سبطاه بالاتفاق الذي لا مرية فيه ، وريحانتاه من الدنيا وحبيباه من جميع أهله ، وهما حجتا الله لنبيه صلى الله عليه وآله في المباهلة ، وحجتا الله بعد على الأمة في الدين والملة .

وإن من برهان كمالهما ، وحجة اختصاص الله لهما بفضله : بيعة رسول الله صلى الله عليه وآله لهما ، ولم يبايع صبيا غيرهما ، وكان من عناية الله الخاصة بهما الدالة على تفضيلهما نزول القرآن بإيجاب الجنة ثوابا على عملهما أيام طفولتيهما حيث كانوا : يوفون بالنذر ويخافون يوما كان شره مستطيرا ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا إنا نخاف من ربنا يوما عبوسا قمطريرا فوقاهم الله شر ذلك اليوم ولقاهم نظرة وسرورا وجزاهم بما صبروا جنة وحريرا ولم ينزل قرآن بذلك في طفلين سواهما .

وقد نص رسول الله صلى الله عليه وآله على إمامتهما بقوله : ابناي هذين إمامان قاما أو قعدا .

ودلت وصية الحسن إلى الحسين على إمامته ، كما دلت وصية أمير المؤمنين إلى الحسن على إمامته ، ووصية رسول الله صلى الله عليه وآله إلى أمير المؤمنين عليه السلام على إمامته من بعده . وتفصيل هذا في مظانه من كتب الأعلام من علمائنا رضي الله عنهم ورضوا عنه

فالحسين إمام بعد صنوه المجتبى ، وإن لم يدع إلى نفسه أيام معاوية للتقية التي كانوا عليها ، والحال التي آل أمرهم بعد النبي صلى الله عليه وآله إليها ، فهو في ذلك كأبيه أمير المؤمنين حيث يقول : وصفقت أرتئي بين أن أصول بيد جذاء ، أو أصبر على طخية عمياء - إلى أن قال : - فصبرت وفي العين قذى ، وفي الحلق شذى ، أرى تراثي نهبا .

وعلى هذا المنوال نسج الحسن - بأبي وأمي - أيام الهدنة ، إذ تغلب عليه ابن آكلة الأكباد ، وهم جميعا على سنن النبي في أول أمره حيث لم يتمكن صلى الله عليه وآله من دعوة أحد إلى الله حينئذ أصلا ، وحال أوصيائه من بعده كحاله حين كان في الشعب محصورا ، وفي الغار مستورا ، ولئن كانت هذه الحال منافية للنبوة فهي غير منافية للإمامة بطريق أولى كما يعلمه أولو الألباب .

ولما هلك معاوية وانقضت الهدنة التي كانت تمنع الحسين عليه السلام من الدعوة إلى نفسه ووجد في ظاهر الحال من الأنصار ما يتسنى له القيام بالدعوة إلى الله تعالى ، نهض بأعبائها ، وتوجه بولده وأهل بيته من حرم الله تعالى وجرم رسوله إلى العراق للاستنصار على الظالمين ، بمن دعاه إلى ذلك من أهل الكوفة ، وقدم أمامه ابن عمه مسلما للدعوة إلى الله عز وجل ، والبيعة له على الجهاد في إعلاء كلمته تعالى ، وإنقاذ الدين والمسلمين من أولئك المنافقين ، فبايعه أهل الكوفة على ذلك وعاهدوه ، وضمنوا له النصرة والنصيحة وواثقوه ، ثم لم تطل المدة حتى نكثوا البيعة ، وأسلموا مسلما فقتل بينهم غريبا مظلوما ، وحيدا شهيدا ، وخرجوا إلى حرب الحسين عليه السلام ففعلوا به ما لم يفعلوه بالخوارج ، وقابلوه بما لم يقابلوا به أهل الخنا والريب .

جعجعوا به ومنعوه المسير إلى بلاد الله ، وحالوا بينه وبين ماء الفرات ، حتى قضى شهيدا ظمآنا ، مظلوما مهموما ، مجاهدا مكابدا ، صابرا محتسبا ، قد نكثت بيعته ، واستحلت حرمته ، ولم يوف له بعهد ، ولا رعيت فيه ذمة وعقد ، وانتهبوا أمواله ، وسبوا عياله ، فلهفي لآل الرسول ، وللخفرات من عقائل البتول ، وقد ضاقت بهم المذاهب ، وارتجت عليهم المسالك ، مولهين مدلهين ، خائفين مترقبين .

كانت بحيث عليها قومها ضرب * سرادقا أرضه من عزهم حرم
يكاد من هيبة أن لا يطوف به * حتى الملائك لولا أنهم خدم
فغودرت بين أدي القوم حاسرة * تسبى وليس لها من فيه تعتصم
نعم لوت جيدها للعتب هاتفة * بقومها وحشاها ملؤه ضرم
عجت بهم مذ على أبرادها اختلفت * أيدي العدو ولكن من لها بهم
قومي الأولى عقدوا قدما مآزرهم * على الحمية ما ضيموا ولا اهتضموا
ما بالهم لا عفت منهم رسومهم * قروا وقد حملتنا الأنين الرسم

نسألكم الدعاء

اللهم اجعلنا من شيعة الزهراء وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها ولا تفرق بيننا وبينهم في الدنيا والآخرة

خادم الزهراء 31-Dec-2009 10:11 AM

اللهم صل على الزهراء وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها
اللهم واشفي قلب الزهراء صلوات الله عليها بظهور وليك الحجة بن الحسن صلوات الله عليه وعلى آبائه الطيبين الطاهرين
واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين

[ المجلس الثالث ]

لما اختار الله تعالى للأمام أبي محمد الحسن السبط عليه السلام دار كرامته ومأوى أصفيائه ، كتب الشيعة في العراق إلى الحسين عليه السلام يعرضون عليه البيعة ويبذلون له النصرة فأبى عليهم ، وذكر أن بينهم عليهم السلام وبين معاوية هدنة لا يجوز لهم نقضها ، فلما هلك معاوية وذلك للنصف من رجب سنة ستين قام من بعده ولي عهده يزيده المتهتك ، وسكيره المفضوح ، وهو صبي يشرب الشراب ، ويلعب بالكلاب ، ولا يعرف من الدين موطئ قدمه ، ولا يرقب إلا ولا ذمة .

فكتب إلى ابن عمه الوليد بن عتبة - وكان واليا على المدينة - يأمره بأخذ البيعة له من الناس عامة ، ومن الحسين خاصة ، ويقول له : ( إن أبى عليك الحسين فاضرب عنقه ، وابعث إلي برأسه ) .

فاستشار الوليد مروان في ذلك ، فقال له : إنه لا يبايع ، ولو كنت مكانك لضربت عنقه .

ثم بعث إلى الحسين عليه السلام ، فجاءه - بأبي وأمي - في ثلاثين رجلا من أهل بيته ومواليه ، فنعى [ الوليد ] إليه معاوية ، وكلفه بالبيعة .

فقال له عليه السلام : إن البيعة لا تكون سرا ، فإذا دعوت الناس غدا فادعنا معهم .

فقال مروان : لا تقبل أيها الأمير عذره ، فإن بايع الآن وإلا فاضرب عنقه .

فغضب الحسين عليه السلام ثم قال : ويل بك يا بن الزرقاء ، أنت تقتلني أم هو ؟ كذبت والله وأثمت .

ثم أقبل على الوليد فقال : ( إنا أهل بيت النبوة ومعدن الرسالة ومختلف الملائكة ، وبنا فتح الله وبنا ختم ، ويزيد رجل [ فاسق ] شارب الخمور ، قاتل النفس المحرمة ، معلن بالفسق ، ومثلي لا يبايع مثله ) ، ثم خرج عليه السلام ، فقال مروان للوليد : عصيتني .

فقال : ويحك أنك أشرت علي بذهاب ديني ودنياي ، والله ما أحب أن الدنيا بأسرها تكون لي وأنني قتلت حسينا أن قال : لا أبايع ، والله ما أظن أن أحدا يلقي الله بدم الحسين عليه السلام إلا وهو خفيف الميزان يوم القيامة ، لا ينظر الله إليه ولا يزكيه وله عذاب أليم .

فأقام الحسين عليه السلام في منزله تلك الليلة ، وهي ليلة السبت لثلاث بقين من رجب سنة ستين . فما أصبح - بأبي وأمي - خرج يستمع الأخبار فلقيه مروان فقال : يا أبا عبد الله إني لك ناصح ، فأطعني ترشد .

فقال الحسين عليه السلام : وما ذاك ؟ قل حتى أسمع .

فقال : إني آمرك ببيعة يزيد فإنه خير لك في دينك ودنياك ! فقال عليه السلام : إنا لله وإنا إليه راجعون على الإسلام السلام إذا قد بليت الأمة براع مثل يزيد .

وطال الحديث بينهما حتى ولى مروان وهو غضبان .

فلما كان آخر يوم السبت بعث الوليد برجاله إلى الحسين ليحضر فيبايع .

فقال له الحسين عليه السلام : أصبحوا ثم ترون ونرى .

فكفوا عنه ولم يلحوا عليه .

فخرج - بأبي وأمي - من تحت ليلته وهي ليلة الأحد ليومين بقيا من رجب متوجها نحو مكة ومعه بنوه وبنو أخيه وإخوته وجل أهل بيته ، سار من المدينة وهو يقرأ : فخرج منها خائفا يترقب قال رب نجني من القوم الظالمين .

ولزم الطريق الأعظم ، فسئل أن يتنكب الطريق كما فعل ابن الزبير كيلا يلحقه الطلب فأبى وقال : لا أفارقه حتى يقضي الله ما هو قاض ، وكان دخوله مكة ليلة الجمعة لثلاث مضين من شعبان دخلها وهو يقرأ : ولما توجه تلقاء مدين قال عسى ربي أن يهديني سواء السبيل .

فأقام فيها باقي شعبان وشهر رمضان وشوال وذي القعدة وثمان ليال من ذي الحجة ، ثم لم يأمن على نفسه ، ولم يتمكن من تمام حجه مخافة أن يقبض عليه بمكة فينفذ به إلى يزيد بن معاوية فأحل من إحرامه وجعلها عمرة مفردة وخرج من مكة وهي حرم الله الذي يأمن فيه الوحش والطير ، كما خرج من المدينة وهي حرم جده رسول الله خائفا يترقب . . . فوا لهفتاه ووا جزعاه عليك يا وديعة المصطفى ، وريحانته من الدنيا .

و وا حر قلباه لك يا خامس أصحاب الكساء ، وقرة عين سيدة النساء .

يا بن مكة ومنى ، وابن زمزم والصفا ، خفت على نفسك في الحرم ، وأنت أمن الخائفين ، وفررت منهم لما خفتهم بأطفالك وعيالك ، وأنت ملجأ الهاربين .

فيا لله من هذه الفادحة التي أثكلت جبرائيل ، و وا مصيبتاه من هذه النازلة إذ عظمت على الرب الجليل .

مثل ابن فاطمة يبيت مشردا ويزيد في لذاته متنعم ويضيق الدنيا على ابن محمد حتى تقاذفه الفضاء الأعظم خرج الحسين من المدينة خائفا كخروج موسى خائفا يتكتم وقد انجلى عن مكة وهو ابنها وبه تشرفت الحطيم وزمزم لم يدر أين يريح بدون ركابه فكأنما المأوى عليه محرم فمشت تؤم به العراق نجائب مثل النعم به تخب وترسم .

نسألكم الدعاء

اللهم اجعلنا من شيعة الزهراء وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها ولا تفرق بيننا وبينهم في الدنيا والآخرة

خادم الزهراء 08-Jan-2010 05:12 PM

اللهم صل على الزهراء وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها
اللهم واشفي قلب الزهراء صلوات الله عليها بظهور وليك الحجة بن الحسن صلوات الله عليه وعلى آبائه الطيبين الطاهرين
واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين

[ المجلس الرابع ]

ولما نزل الحسين عليه السلام مكة أقبل أهلها ومن كان فيها من المعتمرين وأهل الآفاق يختلفون إليه ، وجاءه ابن عباس وابن الزبير فأشارا عليه بالإمساك فقال : ( إن رسول الله صلى الله عليه وآله أمرني بأمر وأنا ماض فيه ) .

فخرج ابن عباس وهو يقول : ( وا حسيناه ) .

وجاءه ابن عمر فأشار عليه بالصلح .

فقال عليه السلام : ( يا أبا عبد الرحمن أما علمت أن من هوان الدنيا على الله أن رأس يحيى بن زكريا أهدي إلى بغي من بغايا بني إسرائيل ، أما تعلم أن بني إسرائيل كانوا يقتلون ما بين طلوعي الفجر والشمس سبعين نبيا ، ثم يجلسون في أسواقهم يبيعون ويشترون كأنهم لم يصنعوا شيئا فلم يعجل الله عليهم ثم أخذهم أخذ عزيز ذي انتقام ، اتق الله يا أبا عبد الرحمن ولا تدعن نصرتي ) .

وبلغ أهل الكوفة هلاك معاوية فأرجفوا بيزيد ، وعرفوا بامتناع الحسين من بيعته ، ومجيئه إلى مكة .

فاجتمعت الشيعة في منزل سليمان بن صرد الخزاعي ، فلما تكاملوا قام سليمان فقال : إن معاوية قد هلك ، وإن حسينا قد تقبض على القوم ببيعته ، وخرج إلى مكة ، وأنتم شيعته وشيعة أبيه ، فإن كنتم تعلمون أنكم ناصروه ومجاهدوا عدوه ، ونقتل أنفسنا دونه فاكتبوا إليه ، وإن خفتم الفشل والوهن فلا تغروا الرجل .

قالوا : لا ، بل نقاتل عدوه ونقتل أنفسنا دونه .

قال : فاكتبوا إذا إليه . فكتبوا إليه : بسم الله الرحمن الرحيم للحسين بن علي عليهما السلام .

من سليمان بن صرد والمسيب بن نجبة ورفاعة بن شداد وحبيب بن مظاهر وشيعته المؤمنين والمسلمين من أهل الكوفة .

سلام عليك ، فإنا نحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو .

أما بعد : فالحمد لله الذي قصم عدوك الجبار العنيد ، الذي انتزى على هذه الأمة فابتزها أمرها ، وغصبها فيئها ، وتأمر عليها بغير رضا منها ، ثم قتل خيارها ، واستبقي شرارها ، وجعل مال الله دولة بين جبابرتها وأغنيائها ، فبعدا له كما بعدت ثمود ، وإنه ليس علينا إمام ، فاقبل لعل الله أن يجمعنا بك على الحق : والنعمان بن بشير في قصر الإمارة ، ولسنا نجتمع معه في جمعة [ ولا جماعة ] ، ولا نخرج معه إلى عيد ، ولو بلغنا أنك قد أقبلت إلينا أخرجناه حتى نلحقه بالشام إن شاء الله تعالى ، والسلام عليك يا بن رسول الله وعلي أبيك من قبلك ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .

ثم سرحوا الكتاب مع عبد الله بن مسمع الهمداني ، وعبد الله بن وال ، وأمروهما بالنجاء .

فخرجا مسرعين حتى قدما على الإمام عليه السلام بمكة لعشر مضين من شهر رمضان . وبعد يومين من تسريحهم بالكتاب أنفذوا قيس بن مسهر الصيداوي وعبد الله وعبد الرحمن ابني شداد الأرحبي ، وعمارة بن عبد الله السلولي ، ومعهم نحو مائة وخمسين صحيفة من الرجل والاثنين والأربعة .

ثم لبثوا يومين آخرين وسرحوا إليه عليه السلام هاني بن هاني السبيعي وسعيد بن عبد الله الحنفي وكتبوا إليه : بسم الله الرحمن الرحيم للحسين بن علي عليهما السلام .

من شيعته من المؤمنين والمسلمين .

أما بعد : فحي هلا فإن الناس ينتظرونك ، لا رأي لهم غيرك ، فالعجل العجل ثم العجل العجل . ثم كتب شبث بن ربعي ، وحجار بن أبجر ، ويزيد بن الحارث ، وعروة بن قيس ، وعمرو بن الحجاج الزبيدي ، ومحمد بن عمرو التميمي: أما بعد : فقد اخضر الجناب ، وأينعت الثمار ، [ وأعشبت الأرض ، وأورقت الأشجار ، ] فإذا شئت فاقبل على جند لك مجندة والسلام . وتواترت عليه الكتب حتى اجتمع عنده في نوب متفرقة اثنا عشر ألف كتاب ، وهو مع ذلك يتأنى ولا يجبهم .

فورد عليه في يوم واحد ست مائة كتاب ، وتلاقت الرسل كلها عنده فسألهم عن الناس ، وقال لهاني بن هاني السبيعي وسعيد بن عبد الله الحنفي : خبراني من اجتمع على هذا الكتاب ؟ فذكرا له وجوه أهل الكوفة ، وأولي الرأي منهم .

فقام - بأبي وأمي - عند ذلك فصلى ركعتين بين الركن والمقام ، ثم كتب مع هاني وسعيد : بسم الله الرحمن الرحيم من الحسين بن علي .

إلي الملأ من المؤمنين والمسلمين : أما بعد : فإن هانيا وسعيدا قدما علي بكتبكم ، وكانا آخر من قدم علي من رسلكم ، وقد فهمت كل الذي اقتصصتم وذكرتم ، ومقالة جلكم : ( إنه ليس علينا إمام فأقبل لعل الله يجمعنا بك على الحق والهدى ) . وإني باعث إليكم أخي وابن عمي وثقتي من أهل بيتي مسلم بن عقيل .

فإن كتب إلي أنه قد اجتمع رأي ملئكم ، وذوي الحجي والفضل منكم على ما قدمت به رسلكم ، وقرأت في كتبكم ، فإني أقدم إليكم وشيكا إن شاء الله تعالى فلعمري ما الإمام إلا الحاكم بالكتاب ، القائم بالقسط ، الداين بدين الحق ، الحابس نفسه على ذات الله ، والسلام .

ودعا سلام الله عليه مسلم بن عقيل فسرحه مع قيس بن مسهر الصيداوي وعمارة بن عبد الله السلولي وعبد الله وعبد الرحمن الأرحبيين ، وأمره بالتقوى وكتمان أمره واللطف ، فإن رأى الناس مجتمعين مستوسقين عجل إليه بذلك .

فأقبل مسلم رضوان الله عليه حتى أتى المدينة فصلى في مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله وودع أهله ومن يحب .

وسار حتى وصل الكوفة فنزل في دار المختار بن [ أبي ] عبيدة الثقفي ، وأقبلت الشيعة تختلف إليه ، وكلما اجتمع إليه منهم جماعة قرأ عليهم كتاب الحسين عليه السلام وهم يبكون .

وبايعه الناس حتى بايعه منهم ثمانية عشر ألفا . فكتب مسلم إلى الحسين بذلك ، وطلب منه القدوم عليهم . وجعلت الشيعة تختلف إلى مسلم بن عقيل ، حتى علم النعمان بن بشير بذلك - وكان واليا على الكوفة من قبل معاوية فأقره يزيد عليها - وعلم بمكان مسلم فلم يتعرض له بسوء .

فقام إليه عبد الله بن مسلم بن ربيعة الحضرمي حليف بني أمية فقال له : إنه ما يصلح ما ترى أيها الأمير إلا الغشم - أي الظلم - وأن هذا الذي أنت عليه فيما بينك وبين عدوك لرأي المستضعفين .

وكتب إلى يزيد كتابا فيه : أن مسلم بن عقيل قدم الكوفة وبايعت الشيعة للحسين ، فإن يكن لك فيها حاجة فابعث إليها قويا ينفذ أمرك ويعمل مثل عملك في عدوك ، فإن النعمان رجل ضعيف أو هو يتضعف . ثم كتب كل من عمارة بن عقبة وعمر بن سعد بنحو من ذلك .

وبعد وصول كتبهم إلى يزيد كتب إلى عبيد الله بن زياد - وكان واليا على البصرة - بأنه قد ولاه الكوفة وضمها إليه ، وعرفه أمر مسلم بن عقيل وشدد عليه في تحصيله وقتله .

فأسرع اللعين إلى الكوفة ، واستخلف أخاه عثمان على البصرة ، وكان دخوله إلى الكوفة ليلا ، فظن أهلها أنه الحسين عليه السلام فتباشروا بقدومه ودنوا منه ، فلما عرفوا أنه ابن مرجانة تفرقوا عنه . فدخل قصر الإمارة وبات فيه إلى الغداة ، ثم خرج فأبرق وأرعد ، ووعد وتوعد .

فلما سمع مسلم بن عقيل بذلك خاف على نفسه ، فقصد هاني بن عروة فآواه وأكرم مثواه ، وكثر اختلاف أصحابه إليه يبايعونه على السمع والطاعة . لكنهم نقضوا بعد ذلك بيعته ، وأخفروا ذمته ، ولم يثبتوا معه على عهد ، ولا وفوا له بعقد ، وكان - بأبي هو وأمي - من أسود الوقائع ، وسقاة الحتوف ، وأباة الذل ، وأولي الحفائظ ، وله - حين أسلمه أصحابه ، واشتد البأس بينه وبين عدوه - مقام كريم ، وموقف عظيم ، إذ جاءه العدو من فوقه ومن تحته ، وأحاط به من جميع نواحيه ، وهو وحيد فريد ، لا ناصر له ولا معين ، فأبلى بلاء حسنا ، وصبر صبر الأحرار على ضرب سيوفهم ، ورضخ أحجارهم وما ناله من ضياتهم الشحيذة ، وأطنان قصبهم الملتهبة ، التي كانوا يرمونه من فوق البيت عليه ، حتى وقع في أيديهم أسيرا ، بعد أن فتك بهم ، وأذاقهم وبال أمرهم ، ثم قتلوه ظمآنا وهو يكبر الله ويستغفره ، ويصلي على رسوله صلى الله عليه وآله ، وصلبوا جثته بالكناسة ، وبعثوا برأسه إلى الشام .

رعي الله جسما بالكنائس مصلبا * ورأسا له فوق السنان مركبا
لقد سامه الأعداء خفضا فما ارتضى * سوى الرفع فوق السمهرية منصبا
وقفت بمستن النزال فلم تجد سوى * الموت في الهيجا من الضيم مهربا
إلى أن وردت الموت والموت سنة * لكم عرفت تحت الأسنة والضبا
ولا عيب في الحر الكريم إذا * قضى بحد الضبا حرا كريما مهذبا

نسألكم الدعاء

اللهم اجعلنا من شيعة الزهراء وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها ولا تفرق بيننا وبينهم في الدنيا والآخرة

خادم الزهراء 08-Jan-2010 05:39 PM

اللهم صل على الزهراء وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها
اللهم واشفي قلب الزهراء صلوات الله عليها بظهور وليك الحجة بن الحسن صلوات الله عليه وعلى آبائه الطيبين الطاهرين
واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين

[ المجلس الخامس ]

لما جاء عبيد الله بن زياد إلى الكوفة ، وضع المراصد ، وبث الجواسيس فيها على مسلم ، حتى علم أنه في دار هاني ، فدعا محمد بن الأشعث وأسماء بن خارجة وعمرو بن الحجاج ، فقال : ما يمنع هانيا من إتياننا ؟ فقالوا : ما ندري ، وقد قيل : إنه يشتكي .

فقال : بلغني ذلك ، ثم علمت أنه قد برئ وأنه يجلس على باب داره ، ولو أعلم أنه شاك لعدته ، فألقوه ومروه أن لا يدع ما يجب عليه من حقنا ، فإني لا أحب أن يفسد عندي مثله ، [ لأنه ] من أشراف العرب .

فأتوه ووقفوا عشية على باب داره ، فقالوا له : ما يمنعك من لقاء الأمير ، فإنه ذكرك وقال : لو أعلم أنه شاك لعدته ؟ فقال : الشكوى تمنعني .

فقالوا : [ إنه ] قد بلغه جلوسك كل عشية على باب دارك ، وقد استبطأك ، والإبطاء والجفاء لا يتحمله السلطان من مثلك ، لأنك سيد قومك ، ونحن نقسم عليك إلا ركبت معنا .

وما زالوا به حتى غلبوه على رأيه ، فدعا بثيابه فلبسها ، ثم دعا ببغلته فركبها ، فلما دنا من القصر أحس ببعض الذي كان ، فقال لحسان بن أسماء بن خارجة : يا بن أخي إني والله لخائف من هذا الرجل فما ترى ؟ فقال : والله يا عم ما أتخوف عليك شيئا ، فلا تجعل على نفسك سبيلا ، ولم يكن حسان يعلم الذي أضمر ابن مرجانة لهاني .

فجاءه رحمه الله تعالى والقوم معه حتى دخلوا جميعا على ابن زياد ، فلما رأى هانيا قال : أتتك بخائن رجلاه .

ثم تمثل فقال : أريد حياته ويريد قتلي عذيرك من خليلك من مراد فقال له هاني : وما ذاك يا أمير ؟ فقال : إيها يا هاني ما هذه الأمور التي تربص في دارك لأمير المؤمنين وعامة المسلمين ؟ جئت بابن عقيل فأدخلته دارك ، وجمعت له السلاح والرجال في الدور حولك ، وظننت أن ذلك يخفى علي .

فقال : ما فعلت . قال : بلى قد فعلت .

فلما كثر ذلك بينهما وأبى هاني إلا الإنكار ، دعا ابن زياد بمعقل مولاه حتى وقف بين يديه - وكان عينا له على أخبارهم من حيث لا يدرون ، وقد عرف كثيرا من أسرارهم ، إذ كان يظهر لهم الإخلاص لأهل البيت والتفاني في حبهم - فلما رآه هاني علم أنه كان عينا عليهم ، وأنه قد أتاه بأخبارهم ، فأسقط في يده ثم راجعته نفسه فقال : أصلح الله الأمير والله ما بعثت إلى مسلم بن عقيل ، ولا دعوته ، ولكن جاءني مستجيرا فأجرته ، واستحييت من رده ، ودخلني من ذلك ذمام فضيفته وآويته ، والآن فخل سبيلي حتى أرجع إليه وآمره بالخروج من داري إلى حيث شاء من الأرض لأخرج بذلك من ذمامه وجواره ، ثم أرجع إليك حتى أضع يدي في يدك .

فقال له ابن زياد : والله لا تفارقني حتى تأتيني به .

فقال : والله لا آتيك به أبدا ، آتيك بضيفي تقتله ! فقال : والله لتأتيني به .

فقال : والله لا آتيك به ، فلما كثر الكلام بينهما قام مسلم بن عمرو الباهلي فقال : أصلح الله الأمير خلني وإياه حتى أكلمه . فقام فخلى به ناحية وهما بحيث يراهما ابن زياد ويسمع كلامهما فبينما هما يتناجيان إذ رفعا أصواتهما .

فقال الباهلي : يا هاني أنشدك بالله لا تقتل نفسك ، ولا تدخل البلاء على عشيرتك فوالله إني لأنفس بك عن القتل ، إن هذا الرجل ابن عم القوم وليسوا قاتليه ولا ضائريه فادفعه إليهم فإنه ليس عليك بذلك مخزاة ولا منقصة وإنما تدفعه إلى السلطان .

فقال هاني : والله إن علي في ذلك الخزي والعار أن أدفع جاري وضيفي ورسول ابن رسول الله وأنا صحيح الساعدين كثير الأعوان ، والله لو لم أكن إلا واحدا ليس لي ناصر لم أدفعه حتى أموت دونه ، فأخذ يناشده وهو يقول : والله لا أدفعه أبدا .

فسمع ابن زياد ذلك فقال : ادنوه مني فادني منه ، فقال : والله لتأتيني به أو لأضربن عنقك .

فقال هاني : إذا تكثر البارقة حول دارك .

فقال ابن زياد : وا لهفاه عليك أبا البارقة تخوفني ؟ وهاني يظن أن عشيرته يمنعونه ، ثم قال : ادنوه مني فادني منه ، فاستعرض وجهه بالقضيب فلم يزل يضرب أنفه وجبهته وخده حتى كسر أنفه وسال الدماء على ثيابه ونثر لحم خده وجبينه على لحيته الشريفة فانكسر القضيب .

وضرب هاني يده على قائم سيف شرطي فجاذبه ذلك الرجل ، فصاح اللعين ابن مرجانة : خذوه ، فجروه حتى ألقوه في بيت من بيوت الدار ، وأغلقوا عليه بابه وجعلوا عليه حرسا .

فقام حسان بن أسماء بن خارجة إلى ابن زياد فقال : أرسل غدر - نحن - سائر اليوم أيها الأمير ، أرسلتنا إلى الرجل ، وأمرتنا أن نجيئك به ، حتى إذا جئناك به هشمت وجهه ، وأسلت دماءه وزعمت أنك تقتله ؟ .

فغضب ابن مرجانة وقال : وإنك لها هنا ، ثم أمر به فضرب وقيد وحبس .

فقال : إنا لله وإنا إليه راجعون إلى نفسي أنعاك يا هاني .

وبلغ عمرو بن الحجاج أن هانيا قد قتل ، وكان هاني صهره على بنته رويحة ، فأقبل عمرو في مذحج كافة حتى أحاط بالقصر ، ونادى : أنا عمرو بن الحجاج وهذه فرسان مذحج ووجوهها لم تخلع طاعة ، ولم تفارق جماعة ، وقد بلغنا أن صاحبنا قد قتل .

فأتاهم القاضي شريح - وكان مع ابن زياد في القصر حين دخل عليه هاني وفعل معه ما فعل - فأخبرهم بسلامته فرضوا بقوله وانصرفوا .

تبا لهم وترحا ، لقد خطمهم ابن مرجانة بالذل ، وقادهم ببرة الهوان وعفر وجوههم إذ هشم وجه سيدهم ، وأرغم آنافهم إذ كسر أنفه ، وألقاهم في مراغة الذل إذ ألقاه في الحبس ، ومرغهم في حمأة الهوان إذ جروه قتيلا برجله في الأسواق .

أما هاني فقد فاز بالشهادة ، وختمت أيامه بالسعادة .

وواسى الرجال الصالحين بنفسه وفارق مثبورا وخالف مجرما وقد ثارت به الحمية لله عز وجل ، وعصفت في رأسه لرسول الله صلى الله عليه وآله ، وأخذته حفائظ الولاية لآله الطيبين الطاهرين ، فبذل نفسه ، ووقاهم بمهجته .

فوا لهفاه ما أعز جانبه .

وأسفا عليه ما أمنع حوزته . وحزنا لوجهه الميمون المشرق وقد شوهه اللعين ضربا بعصاه .

ونفسي الفداء لذلك الأنف الحمي وقد كسر في سبيل الله .

ولله تناثر اللحم من جبينه الوضاح ، وخده الزاهر ، وجبهته المباركة على كريمته الشريفة .

وفي عين الله خضبت تلك الشيبة العزيزة بدماء ذلك الأغر ، دون أن يهتضم جاره أو يستباح ذماره .

كريم أبى شم الدنية أنفه فأشممه شوك الوشيج المسدد وقال : قفي يا نفس وقفة وارد حياض الردى لا وقفة المترد

نسألكم الدعاء

اللهم اجعلنا من شيعة الزهراء وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها ولا تفرق بيننا وبينهم في الدنيا والآخرة

خادم الزهراء 11-Jan-2010 02:04 PM

اللهم صل على الزهراء وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها
اللهم واشفي قلب الزهراء صلوات الله عليها بظهور وليك المهدي صلوات الله عليه وعلى آبائه الطيبين الطاهرين
واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين

[ المجلس السادس ]

لما بلغ مسلم بن عقيل ما فعل ابن زياد بهاني بن عروة ، خرج بمن بايعه لإنقاذ هاني ، وحرب ابن زياد فتحصن اللعين عنه بقصر الإمارة ، واقتتل أصحابه وأصحاب مسلم ، وجعل أصحابه الذين معه في القصر يشرفون منه ويحذرون أصحاب مسلم ويتوعدونهم بأجناد الشام .

فلم يزالوا كذلك حتى جاء الليل ، فجعل أصحاب مسلم يتفرقون عنه ، ويقول بعضهم لبعض : ماذا نصنع بتعجيل الفتنة ، وينبغي أن نقعد في منازلنا وندع هؤلاء القوم حتى يصلح الله ذات بينهم .

وما زالوا يتفرقون حتى أمسى ابن عقيل وصلى المغرب وما معه إلا ثلاثون نفسا في المسجد . فلما رأى ذلك خرج متوجها نحو أبواب كندة ، فما بلغها إلا ومعه منهم عشرة .

ثم خرج من الباب فإذا ليس معه إنسان يدله ، فالتفت فإذا لا يحس بأحد ، فمضى على وجهه متلددا في أزقة الكوفة لا يدري كيف يصنع ولا أين يذهب .

ومشى حتى انتهى إلى باب امرأة يقال لها : ( طوعة ) أم ولد - كانت للأشعث ابن قيس فأعتقها ، فتزوجت أسيد الحضرمي فولدت له بلالا ، وكان بلال قد خرج مع الناس وأمه قائمة تنتظره - فسلم عليها مسلم فردت عليه ، ثم طلب منها ماء فسقته ، وأدخلت الإناء ، ثم خرجت فوجدته جالسا ، فقالت له : ألم تشرب الماء ؟ قال : بلى .

قالت : فاذهب إلى أهلك فسكت . ثم أعادت عليه القول .

فسكت . فقالت له في الثالثة : سبحان الله يا عبد الله ، قم عافاك الله إلى أهلك فإنه لا يصلح لك الجلوس على بابي ولا أحله لك .

فقام وقال : يا أمة الله ما لي في هذا المصر منزل ولا عشيرة ، فهل لك من أجر ومعروف ولعلي مكافيك بعد اليوم .
قالت : يا عبد الله وما ذاك ؟ قال : أنا مسلم بن عقيل كذبني هؤلاء القوم وغروني وأخرجوني .

قالت : أنت مسلم ؟ قال : نعم ؟ قالت : أدخل ، فدخل بيتا في دارها غير البيت الذي تكون فيه ، وفرشت له ، وعرضت عليه العشاء فلم يتعش .

وجاء ابنها وعرف بمكان مسلم فوشى به إلى ابن زياد .

فأحضر محمد بن الأشعث ، وضم إليه قومه ، وبعث معه عبيد الله بن عباس السلمي في سبعين رجلا من قيس ، حتى أتوا الدار التي فيها مسلم ، فلما سمع وقع حوافر الخيل ، وأصوات الرجال علم أنه قد أتي فخرج إليهم بسيفه ، واقتحموا عليه الدار فشد عليهم فضربهم بسيفه حتى أخرجهم من الدار ، ثم عادوا إليه فشد عليهم كذلك ، فاختلف هو وبكر بن حمران الأحمري فضرب بكر لعنة الله فم مسلم فقطع شفته العليا وأسرع السيف في السفلى ، وفصلت ثنيتاه ، وضربه مسلم على رأسه ضربة منكرة ، وثنى بأخرى على حبل عاتقه كادت تطلع من جوفه ، وجعل يحارب أصحاب ابن زياد حتى قتل منهم جماعة ، فلما رأوا ذلك أشرفوا عليه من فوق البيت فأخذوا يرمونه بالحجارة ، ويلهبون النار في أطناب القصب ، ثم يلقونه عليه من فوق السطح ، فخرج عليهم مصلتا بسيفه فناداه محمد بن الأشعث : لك الأمان لا تقتل نفسك ، وهو يقاتلهم ويقول :

أقسمت لا أقتل إلا حرا * وإن رأيت الموت شيئا نكرا
أكره أن أخدع أو أغرا أو * أخلط البارد سخنا مرا
كل امرئ يوما يلاقي شرا * أضربكم ولا أخاف ضرا

فناداه ابن الأشعث : إنك لا تكذب ولاة .

وكان قد أثخن بالحجارة ، وعجز عن القتال ، فأسند ظهره إلى الحائط .

فأعاد ابن الأشعث عليه القول : لك الأمان .

فقال : أنا آمن ؟ قال : نعم .

ثم قال للقوم : ألي الأمان ؟ قالوا : نعم .

فقال : أما لو لم تؤمنوني ما وضعت يدي في أيديكم ، وأوتي ببغلة فحمل عليها ، فاجتمعوا حوله ، وانتزعوا سيفه ، فكأنه عند ذلك يأس من نفسه فدمعت عيناه ، ثم قال : هذا أول الغدر أين أمانكم ؟ إنا لله وإنا إليه راجعون ، وبكى .

فقال له عبيد الله السلمي : إن من يطلب مثل الذي تطلب إذا نزل به مثل الذي نزل بك لم يبك .

قال : إني والله ما لنفسي بكيت ، ولا لها من القتل أرثي ، وإن كنت لا أحب لها طرفة عين تلفا ، ولكن أبكي لأهلي المقبلين إلي ، أبكي للحسين وآل الحسين عليه السلام .

ثم أقبل على ابن الأشعث فقال : إنك ستعجز عن أماني ، فهل عندك خير ؟ تستطيع أن تبعث من عندك رجلا على لساني يبلغ الحسين - فإني لا أراه إلا قد خرج اليوم ، أو هو خارج غدا بأهل بيته - فيقول له : إن ابن عقيل بعثني إليك ، وهو أسير في أيدي القوم لا يرى أنه يمسي حتى يقتل ، وهو يقول : إرجع فداك أبي وأمي بأهل بيتك ، ولا يغرك أهل الكوفة فإنهم أصحاب أبيك الذين كان يتمنى فراقهم بالموت أو القتل ، إن أهل الكوفة كذبوك ، وليس لمكذوب رأي .

وأقبل ابن الأشعث بمسلم إلى باب القصر ، فدخل على ابن زياد فأخبره الخبر ، وقد اشتد العطش بمسلم وعلى باب القصر جماعة ينتظرون الأذن ، وإذا قلة باردة على الباب .

فقال : أسقوني من هذا الماء .

فقال مسلم بن عمرو الباهلي : أتراها ما أبردها ، والله لا تذوق منها قطرة أبدا حتى تذوق الحميم في نار جهنم .

فقال له ابن عقيل : لأمك الثكل ما أجفاك وأفضك وأقسى قلبك ، أنت يا بن باهلة أولى بالحميم والخلود في نار جهنم .

ثم تساند إلى حائط وجاء عمرو بن حريث بقلة عليها منديل وقدح فصب فيه ماء وقال له : اشرب .

فأخذ كلما شرب امتلأ القدح دما من فيه ، ففعل ذلك مرتين ، فلما ذهب في الثالثة ليشرب سقطت ثنيتاه في القدح .

فقال : الحمد لله لو كان لي من الرزق المقسوم شربته .

ثم أدخل على ابن مرجانة فلم يسلم عليه . فقال له الحرس : سلم على الأمير .

فقال له : اسكت ويحك والله ما هو لي بأمير .

فقال له ابن زياد : إيها يا بن عقيل ! أتيت الناس وهم جميع ، فشتت بينهم ، وفرقت كلمتهم ، وحملت بعضهم على بعض .

قال : كلا لست لذلك أتيت ، ولكن أهل المصر زعموا أن أباك قتل خيارهم ، وسفك دماءهم ، وعمل فيهم أعمال كسرى وقيصر ، فأتيناهم لنأمر بالعدل ، وندعوا إلى حكم الكتاب .

فقال ابن زياد : وما أنت وذاك ، ثم قال عليه اللعنة : يا فاسق إن نفسك تمنيك ما حال الله دونه ولم يرك له أهلا .

فقال مسلم : من أهله إذا لم نكن نحن أهله ؟ فقال ابن زياد : أهله أمير المؤمنين يزيد .

فقال مسلم : الحمد لله على كل حال رضينا بالله حكما بيننا وبينكم .

فقال له ابن زياد : قتلني الله إن لم أقتلك قتلة لم يقتلها أحد في الإسلام .

فقال مسلم : أما أنك أحق من أحدث في الإسلام ما لم يكن ، وإنك لا تدع سوء القتلة ، وقبح المثلة ، وخبث السريرة ، ولؤم الغلبة لأحد أولى بها منك .

فأقبل ابن زياد يشتمه ويشتم الحسين وعليا وعقيلا عليهم السلام .

فأخذ مسلم لا يكلمه ، ونظر إلى جلساء ابن زياد وفيهم عمر بن سعد فقال : يا عمر إن بيني وبينك قرابة ، ولي إليك حاجة ، وقد يجب عليك نجح حاجتي ، وهي سر بيننا ، فامتنع اللعين أن يسمع منه ، فأمره ابن مرجانة بذلك ، فقاما إلى ناحية في المجلس وابن مرجانة يراهما ، فقال : إن علي سبعمائة درهم لبعض أهل الكوفة فبع سيفي ودرعي واقضها عني ، وإذا قتلت فاستوهب جثتي فوارها ، وابعث إلى الحسين عليه السلام من يرده ، فإني كتبت إليه أن الناس معه ، ولا أراه إلا مقبلا .

فقال ابن سعد : أتدري أيها الأمير ما قال ؟ إنه ذكر كذا وكذا وكذا .

فقال ابن زياد : إنه لا يخونك الأمين ، ولكن قد يؤتمن الخائن .

وأمر لعنة الله أن يصعدوا به فوق القصر ويضربوا عنقه ، ثم يتبعوه جسده ودعا بكر بن حمران فقال له : إصعد وكن أنت الذي تضرب عنقه ، فصعد به وهو يكبر الله ويستغفره ، ويصلي على رسوله ويقول : اللهم احكم بيننا وبين قوم غرونا وكذبونا وخذلونا ، فأشرف على موضع الحذاتين فضرب عنقه وأتبع جسده رأسه .

ثم أمر ابن زياد بهاني في الحال فقال : أخرجوه إلى السوق فاضربوا عنقه ، فأخرج وهو مكتوف فجعل يقول : وامذحجاه ولا مذحج لي اليوم ، يا مذحجاه يا مذحجاه ، وأين مذحج ؟ فلما رأى أن أحدا لا ينصره جذب يده فنزعها من الكتاف وهو يقول : أما من عصا أو سكين أو حجر يحاجز بها رجل عن نفسه ؟ فوثبوا إليه فشدوه وثاقا ثم قيل له : مد عنقك .

فقال : ما أنا بها سخي ، وما أنا بمعينكم على نفسي .

فضربه مولى لابن مرجانة - تركي - بالسيف فلم يصنع شيئا ، فقال هاني : إلى الله المعاد ، اللهم إلى رحمتك ورضوانك ثم ضربه أخرى فقتله شهيدا محتسبا .

وفي مسلم وهاني يقول عبد الله بن زبير الأسدي :

فإن كنت لا تدرين ما الموت فانظري * إلى هانئ في السوق وابن عقيل
إلى بطل قد هشم السيف وجهه * وآخر يهوى من طمار قتيل
أصابهما أمر اللعين فأصبحا * أحاديث من يسري بكل سبيل
ترى جسدا قد غير الموت لونه * ونضح دم قد سال كل مسيل
فتى كان أحيى من فتاة حيية * وأقطع من ذي شفرتين صقيل

نسألكم الدعاء

اللهم اجعلنا من شيعة الزهراء وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها ولا تفرق بيننا وبينهم في الدنيا والآخرة

خادم الزهراء 11-Jan-2010 02:41 PM

اللهم صل على الزهراء وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها
اللهم واشفي قلب الزهراء صلوات الله عليها بظهور وليك المهدي صلوات الله عليه وعلى آبائه الطيبين الطاهرين
واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين

[ المجلس السابع ]

لما عزم الحسين عليه السلام على الخروج إلى العراق قام خطيبا ، فكان مما قال : وما أولهني إلى أسلافي اشتياق يعقوب إلى يوسف ، وخير لي مصرع أنا لاقيه ، كأني بأوصالي تقطعها عسلان الفلوات بين النواويس وكربلاء ، فيملأن مني أكراشا جوفا ، وأجربة سغبا ، لا محيص عن يوم خط بالقلم ، رضا الله رضانا أهل البيت ، نصبر على بلائه ، ويوفينا أجر الصابرين ، لن تشذ عن رسول الله صلى الله عليه وآله لحمته ، بل هي مجموعة له في حضيرة القدس ، تقر بهم عينه ، وينجز بهم وعده ، ألا ومن كان باذلا فينا مهجته ، وموطئا على لقاء الله نفسه ، فليرحل معنا ، فإني راحل مصبحا إن شاء الله تعالى .


وجاءه تلك الليلة أخوه محمد بن الحنفية فقال له : يا أخي إن أهل الكوفة من قد عرفت غدرهم بأبيك وأخيك ، وقد خفت أن يكون حالك كحال من مضى ، فإن رأيت أن تقيم فإنك أعز من في الحرم وأمنعه .

فقال عليه السلام : يا أخي قد خفت أن يغتالني يزيد في الحرم فأكون الذي يستباح به حرمة هذا البيت .

فقال له ابن الحنفية : فإن خفت ذلك فسر إلى اليمن ، أو بعض نواحي البر ، فإنك أمنع الناس به ، ولا يقدر عليك .

فقال عليه السلام : أنظر فيما قلت .

فلما كان في السحر ارتحل عليه السلام ، فبلغ ذلك ابن الحنفية فأتاه فأخذ زمام ناقته التي ركبها . فقال له : يا أخي ألم تعدني النظر فيما سألتك ؟ قال : بلى .

قال : فما حداك على الخروج عاجلا ؟ قال : أتاني رسول الله صلى الله عليه وآله بعد ما فارقتك ، فقال : يا حسين أخرج ، فإن الله قد شاء أن يراك قتيلا .

فقال له ابن الحنفية : إنا لله وإنا إليه راجعون ، فما معنى حملك هؤلاء النساء معك على مثل هذه الحالة . فقال له : قد قال لي : إن الله شاء أن يراهن سبايا .

ولقيه أبو محمد الراقدي وزرارة بن خلج قبل أن يخرج عليه السلام إلى العراق فأخبراه ضعف الناس بالكوفة ، وأن قلوبهم معه وسيوفهم عليه ، فأومأ بيده نحو السماء ففتحت أبوابها ، ونزلت الملائكة عدد لا يحصيهم إلا الله عز وجل فقال : لولا تقارب الأشياء ، وهبوط الأجل لقاتلتهم بهؤلاء ، ولكن أعلم يقينا أن هناك مصرعي ، ومصرع أصحابي لا ينجو منهم إلا ولدي .

وخرج - بأبي وأمي - يوم الثلاثاء لثمان مضين من ذي الحجة سنة ستين .

قال معمر بن المثنى - في كتاب مقتل الحسين - : فلما كان يوم التروية قدم عمر بن سعد بن أبي وقاص إلى مكة في جند كثيف ، قد أمره يزيد أن يناجز الحسين القتال إن هو ناجزه ، أو يقتله إن قدر عليه .

فخرج الحسين عليه السلام يوم التروية ، حين يخرج إلى عرفة إذ لم يتمكن من تمام حجه ، مخافة أن تستباح حرمات بيت الله الحرام ، ومشاعره العظام ، فأحل - بأبي وأمي - من إحرامه ، وجعلها عمرة مفردة .

وقد انجلى عن مكة وهو ابنها وبه تشرفت الحطيم وزمزم ولم يدر أين يريح بدن ركابه فكأنما المأوى عليه محرم وعن الصادق عليه السلام - فيما رواه المفيد بإسناده إليه - قال : لما سار الحسين صلوات الله عليه من مكة لقيه أفواج من الملائكة المسومين والمردفين في أيديهم الحراب على نجب من نجب الجنة ، فسلموا عليه وقالوا : يا حجة الله على خلقه بعد جده وأبيه وأخيه ، إن الله عز وجل أمد جدك رسول الله صلى الله عليه وآله بنا في مواطن كثيرة ، وأن الله أمدك بنا .

فقال لهم : الموعد حفرتي وبقعتي التي استشهد فيها وهي كربلاء ، فإذا وردتها فأتوني .

فقالوا : يا حجة الله إن الله أمرنا أن نسمع لك ونطيع ، فهل تخشى من عدو يلقاك فنكون معك . فقال : لا سبيل لهم علي ، ولا يلقوني بكريهة أو أصل إلى بقعتي .

وأتته أفواج من مؤمني الجن فقالوا له : يا مولانا نحن شيعتك وأنصارك فمرنا بما تشاء ، فلو أمرتنا بقتل كل عدو لك وأنت بمكانك لكفيناك ذلك .

فجزاهم خيرا .

وقال لهم : أما قرأتم كتاب الله المنزل على جدي رسول الله صلى الله عليه وآله في قوله : قل لو كنتم في بيوتكم لبرز الذين كتب عليهم القتل إلى مضاجعهم .

فإذا أقمت في مكاني فبماذا يمتحن هذا الخلق المتعوس ، وبماذا يختبرون ، ومن ذا يكون ساكن حفرتي ، وقد اختارها الله تعالى لي يوم دحى الأرض ، وجعلها معقلا لشيعتنا ومحبينا ، تقبل فيها أعمالهم وصلواتهم ، ويجاب دعاؤهم ، وتسكن إليها شيعتنا ، فنكون لهم أمانا في الدنيا والآخرة ، ولكن تحضرون يوم عاشوراء الذي في آخره أقتل ، ولا يبقى بعدي مطلوب من أهلي ونسبي وإخوتي وأهل بيتي ، ويسار برأسي إلى يزيد بن معاوية .

ساروا برأسك يا بن بنت محمد * متزملا بدمائه تزميلا
وكأنما بك يا بن بنت محمد * قتلوا جهارا عامدين رسولا
قتلوك عطشانا ولما يرقبوا * في قتلك التأويل والتنزيلا
ويكبرون بأن قتلت وإنما * قتلوا بك التكبير والتهليلا
رأس ابن بنت محمد ووصيه * للناظرين على قناة يرفع
والمسلمون بمنظر وبمسمع * لا منكر منهم ولا متفجع
كحلت بمنظرك العيون عماية * وأصم رزؤك كل أذن تسمع

نسألكم الدعاء

اللهم اجعلنا من شيعة الزهراء وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها ولا تفرق بيننا وبينهم في الدنيا والآخرة

خادم الزهراء 12-Jan-2010 04:22 PM

اللهم صل على الزهراء وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها
اللهم واشفي قلب الزهراء صلوات الله عليها بظهور وليك المهدي صلوات الله عليه وعلى آبائه الطيبين الطاهرين
واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين

[ المجلس الثامن ]

كان توجه الحسين عليه السلام من مكة إلى العراق يوم خروج مسلم للقتال بالكوفة ، وهو يوم التروية ، واستشهد مسلم في الثامن من خروجه وهو يوم عرفة ، وكان قد اجتمع إلى الحسين نفر من أصحابه من أهل الحجاز والبصرة انضافوا إلى أهل بيته ومواليه .

ولما أراد التوجه إلى العراق طاف وسعى وحل من إحرام جعلها عمرة مفردة وخرج مبادرا بأهله وولده ، ومن انضم إليه من شيعته .

وروي عن الفرزدق الشاعر أنه قال : حججت بأمي سنة ستين فبينا أنا أسوق بعيرها حين دخلت الحرم ، إذ لقيت الحسين عليه السلام خارجا من مكة في أسيافه وأتراسه ، فقلت : لمن هذا القطار ؟ فقيل : للحسين بن علي عليهما السلام .

فأتيته فسلمت عليه وقلت : أعطاك الله سؤلك وأملك فيما تحب بأبي أنت وأمي يا بن رسول الله ما أعجلك عن الحج ؟ فقال : لو لم أعجل لأخذت ، من أنت ؟ فقلت : امرؤ من العرب ، فوالله ما فتشني عن أكثر من ذلك .

ثم قال : أخبرني عن الناس خلفك ؟ فقلت : الخبير سألت ، قلوب الناس معك ، وأسيافهم عليك ، والقضاء ينزل من السماء .

فقال : صدقت لله الأمر وكل يوم هو في شأن ، إن نزل القضاء بما نحب فنحمد الله على نعمائه ، وهو المستعان على أداء الشكر ، وإن حال القضاء دون الرجاء فلم يبعد من كان الحق نيته والتقوى سريرته .

فقلت : أجل بلغك الله ما تحب ، وكفاك ما تحذر ، وسألته عن أشياء من نذور ومناسك فأخبرني بها ، وحرك راحلته وقال : السلام عليك ، ثم افترقنا .

وكان سلام الله عليه لما خرج اعترضه يحيى بن سعيد وجماعة أرسلهم عمرو بن سعيد بن العاص - والي يزيد يومئذ على مكة - فأبى عليهم الحسين عليه السلام وامتنع منهم هو وأصحابه امتناعا قويا ، وتدافع الفريقان واضطربوا بالسياط .

وسار - بأبي وأمي - حتى أتى التنعيم فلقي عيرا قد أقبلت من اليمن فاستأجر من أهلها جمالا لرحله وأصحابه .

وألحقه عبد الله بن جعفر بابنيه عون ومحمد وكتب معهما إليه كتابا يقول فيه : أما بعد : فإني أسألك بالله لما انصرفت حين تنظر في كتابي فإني مشفق عليك من الوجه الذي توجهت له أن يكون فيه هلاكك واستئصال أهل بيتك ، وإن هلكت اليوم طفئ نور الأرض ، فإنك علم المهتدين ، ورجاء المؤمنين ، فلا تعجل في المسير فإني في أثر كتابي والسلام .

وذهب عبد الله إلى عمرو بن سعيد فسأله أن يكتب للحسين أمانا ليرجع عن وجهه ، فكتب إليه عمرو في ذلك ، وأنفذ كتابه مع أخيه يحيى وعبد الله بن جعفر ، ودفعا إليه الكتاب ، وجهدا به في الرجوع .

فقال : إني رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله في المنام ، وأمرني بما أنا ماض فيه .

ولما يأس عبد الله بن جعفر أمر ابنيه عونا ومحمدا بلزومه والمسير معه ، والجهاد دونه ، ورجع مع يحيى بن سعيد إلى مكة .

وتوجه الحسين عليه السلام نحو العراق مغذا لا يلوي على شئ ، حتى نزل ذات عرق فلقي بشر بن غالب واردا من العراق ، فسأله عن أهلها .

فقال : خلفت القلوب معك ، والسيوف مع بني أمية .

فقال : صدق أخو بني أسد إن الله يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد .

ولما بلغ عبيد الله بن زياد إقبال الحسين عليه السلام من مكة ، بعث صاحب شرطته الحصين بن نمير حتى نزل القادسية ، ونظم الخيل ما بين القادسية إلى خفان ، وما بين القادسية إلى القطقطانية .

ولما بلغ الحسين عليه السلام الحاجز من بطن الرمة بعث قيس بن مسهر الصيداوي - وقيل بل بعث أخاه من الرضاعة عبد الله بن يقطر - إلى الكوفة ، ولم يكن عليه السلام علم بخبر ابن عقيل وكتب معه إليهم : بسم الله الرحمن الرحيم من الحسين بن علي .

إلى إخوانه من المؤمنين والمسلمين : سلام عليكم فإني أحمد إليكم الله الذي لا إله إلا هو .

أما بعد : فإن كتاب مسلم بن عقيل جاءني يخبر فيه بحسن رأيكم ، واجتماع ملأكم على نصرنا ، والطلب بحقنا ، فسألت الله أن يحسن لكم الصنع ، وأن يثيبكم على ذلك أعظم الأجر ، وقد شخصت إليكم من مكة يوم الثلاثاء لثمان مضين من ذي الحجة يوم التروية فإذا قدم عليكم رسولي فانكمشوا في أمركم وجدوا فإني قادم عليكم في أيامي هذه والسلام .

وكان مسلم كتب إليه قبل أن يقتل بسبع وعشرين ليلة ، وكتب إليه أهل الكوفة : أن لك هنا مائة ألف سيف فلا تتأخر .

وأقبل قيس بن مسهر إلى الكوفة بكتاب الحسين عليه السلام حتى انتهى إلى القادسية ، أخذه الحصين بن نمير فبعث به إلى ابن زياد فأمره اللعين أن يسب الحسين وأباه وأخاه على المنبر ، فصعد قيس فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : أيها الناس إن هذا الحسين بن علي خير خلق الله ، وابن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وأنا رسوله إليكم فأجيبوه ، ثم لعن عبيد الله بن زياد وأباه ، واستغفر لعلي بن أبي طالب وصلى عليه .

فأمر ابن زياد أن يرمى به من فوق القصر ، فرموا به فتقطع .

وروي : أنه وقع إلى الأرض مكتوفا فتكسرت عظامه وبقي به رمق ، فجاءه عبد الملك بن عمير اللخمي فذبحه .

وأقبل الحسين عليه السلام من الحاجز يسير نحو الكوفة فانتهى إلى ماء من مياه العرب فإذا عليه عبد الله بن مطيع العدوي ، فلما رأى الحسين عليه السلام قام إليه فقال : بأبي أنت وأمي يا بن رسول الله ما أقدمك ؟ واحتمله فأنزله .

فقال له الحسين عليه السلام : كان من موت معاوية ما قد بلغك ، فكتب إلي أهل العراق يدعونني إلى أنفسهم .

فقال ابن مطيع : أذكرك الله يا بن رسول الله وحرمة الإسلام أن تنهتك ، أنشدك الله في حرمة قريش ، أنشدك الله في حرمة العرب ، فوالله لئن طلبت ما في أيدي بني أمية ليقتلنك ، ولئن قتلوك لا يهابوا بعدك أحدا ، والله إنها لحرمة الإسلام تنهتك ، وحرمة قريش ، وحرمة العرب ، فلا تفعل ، ولا تأت الكوفة ، ولا تعرض نفسك لبني أمية .


فأبى الحسين عليه السلام إلا أن يمضي إنجازا لمقاصده السامية .

وكان ابن زياد أمر فأخذ ما بين واقصة إلى طريق الشام إلى طريق البصرة فلا يدعون أحدا يلج ، ولا أحدا يخرج .

وأقبل الحسين عليه السلام فلقي الأعراب فسألهم فقالوا : ما ندري ، غير أنا لا نستطيع أن نلج ولا نخرج ، فسار - بأبي وأمي - تلقاء وجهه .

وحدث جماعة من فزارة وبجيلة ، قالوا : كنا مع زهير بن القين البجلي حين أقبلنا من مكة فكنا نساير الحسين عليه السلام ، فلم يكن شئ أبغض إلينا من أن ننازله في منزل فإذا نزل منزلا لم نجد بدا من أن ننازله فيه ، كنا ننزل في جانب غير الجانب الذي ينزل فيه الحسين عليه السلام .

فبينا نحن جلوس نتغذى من طعام لنا إذ أقبل رسول الحسين عليه السلام حتى سلم ، ثم قال : يا زهير إن أبا عبد الله الحسين عليه السلام بعثني إليك لتأتيه .

فطرح كل إنسان منا ما في يده حتى كأن على رؤوسنا الطير ، فقالت له امرأته - وهي ديلم بنت عمر - : سبحان الله أيبعث إليك ابن رسول الله ثم لا تأتيه ؟ ! فلو أتيته فسمعت من كلامه .

فمضى إليه زهير فما لبث أن جاء مستبشرا قد أشرق وجهه ، فأمر بفسطاطه وثقله ورحله ومتاعه فحول إلى الحسين عليه السلام .

ثم قال لامرأته : أنت طالق ، إلحقي بأهلك ، فإني لا أحب أن يصيبك بسببي إلا خيرا ، وقد عزمت على صحبة الحسين عليه السلام لأفديه بروحي ، وأقيه بنفسي ، ثم أعطاها ما لها وسلمها إلى بعض بني عمها ليوصلها إلى أهلها .

فقامت إليه وبكت وودعته وقالت : خسار الله لك ، أسألك أن تذكرني في القيامة عند جد الحسين عليه السلام . ثم قال لأصحابه : من أحب منكم أن يتبعني ، وإلا فهو آخر العهد بي .

إني سأحدثكم حديثا : إنا غزونا البحر ففتح الله علينا ، وأصبنا غنائم ، فقال لنا سلمان الفارسي: أفرحتم بما فتح الله عليكم وأصبتم من الغنائم ؟ قلنا : نعم .

فقال : إذا أدركتم سيد شباب آل محمد فكونوا أشد فرحا بقتالكم معه مما أصبتم اليوم ، فأما أنا فأستودعكم الله ، ثم لحق بالحسين عليه السلام ففاز بنصرته .

وروى عبد الله بن سليمان ، والمنذر بن مشعل الأسديان ، قالا : لما قضينا حجنا لم تكن لنا همة إلا اللحاق بالحسين عليه السلام في الطريق لننظر ما يكون من أمره ، فأقبلنا ترفل بنا ناقتانا مسرعين حتى لحقناه بزرود ، فلما دنونا منه إذا نحن برجل من أهل الكوفة قد عدل عن الطريق حين رأى الحسين عليه السلام فوقف سلام الله عليه كأنه يريده ، ثم تركه ومضى .

ومضينا نحوه حتى انتهينا إليه ، فقلنا : السلام عليك .

فقال : وعليكم السلام .

قلنا : من الرجل ؟ قال : أسدي .

قلنا له : ونحن أسديان .

فمن أنت ؟ قال : أنا بكر بن فلان وانتسبنا له ، ثم قلنا له : أخبرنا عن الناس وراءك ؟ قال : نعم لم أخرج من الكوفة حتى قتل مسلم بن عقيل وهاني بن عروة ورأيتهما يجران بأرجلهما في السوق .

فأقبلنا حتى لحقنا الحسين عليه السلام فسايرناه حتى نزل الثعلبية ممسيا فجئناه حين نزل فسلمنا عليه فرد علينا السلام .

فقلنا له : رحمك الله إن عندنا خبرا إن شئت حدثناك به علانية ، وإن شئت سرا .

فنظر إلينا وإلى أصحابه ، ثم قال : ما دون هؤلاء سر .

فقلنا له : أرأيت الراكب الذي استقبلته مساء أمس ؟ قال : نعم .

وقد أردت مسألته .

فقلنا : قد والله استبرأنا لك خبره ، وكفيناك مسألته ، وهو امرؤ منا ذو رأي وصدق وعقل ، وأنه حدثنا أنه لم يخرج من الكوفة حتى قتل مسلم وهاني ، ورآهما يجران في السوق بأرجلهما : فقال : إنا لله وإنا إليه راجعون رحمة الله عليهما يردد ذلك مرارا .

ثم انتظر حتى إذا كان السحر ، قال لفتيانه وغلمانه : أكثروا من الماء ، فاستقوا وأكثروا ، ثم ارتحلوا .

فسار حتى انتهى إلى زبالة ، فأتاه خبر عبد الله بن يقطر ، فأخرج إلى الناس كتابا قرأ عليهم وفيه : بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد : فإنه قد أتانا خبر فظيع قتل مسلم بن عقيل وهاني بن عروة وعبد الله بن يقطر ، وقد خذلنا شيعتنا ، فمن أحب منكم الانصراف فلينصرف في غير حرج ليس معه ذمام .

فتفرق الناس عنه ، وأخذوا يمينا وشمالا حتى بقي في أصحابه الذين جاءوا معه من المدينة ونفر يسير ممن انضموا إليه ، وإنما فعل ذلك لأنه عليه السلام علم أن الأعراب الذين اتبعوه إنما اتبعوه لأنهم ظنوا أنه يأتي بلدا استقامت له طاعة أهله ، فكره أن يسيروا معه إلا وهم يعلمون على ما يقدمون .

ثم صار حتى مر ببطن العقبة فنزل عليها ، فلقيه شيخ من بني عكرمة يقال له عمر بن لوذان ، فسأله : أين تريد ؟ فقال عليه السلام : الكوفة .

فقال الشيخ : أنشدك لما انصرفت ، فوالله ما تقدم إلا على الأسنة وحد السيوف ، وإن هؤلاء الذين بعثوا إليك لو كانوا كفوك مؤنة القتال ، ووطؤوا لك الأشياء فقدمت عليهم كان ذلك رأيا ، فأما على هذه الحال التي تذكر فإني لا أرى لك أن تفعل .

فقال له : يا عبد الله لا يخفى علي الرأي ، لكن الله تعالى لا يغلب على أمره .

ثم قال عليه السلام : والله لا يدعونني حتى يستخرجوا هذه العلقة من جوفي ، فإذا فعلوا ذلك سلط الله عليهم من يذلهم حتى يكونوا أذل فرق الأمم .

إن يقتلوك فلا عن فقد معرفة * الشمس معروفة بالعين والأثر
قد كنت في مشرق الدنيا ومغربها * كالحمد لم تغن عنها سائر السور




نسألكم الدعاء

اللهم اجعلنا من شيعة الزهراء وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها ولا تفرق بيننا وبينهم في الدنيا والآخرة

خادم الزهراء 14-Jan-2010 01:22 PM

اللهم صل على الزهراء وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها
اللهم واشفي قلب الزهراء صلوات الله عليها بظهور وليك المهدي صلوات الله عليه وعلى آبائه الطيبين الطاهرين
واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين

[ المجلس التاسع ]

سار الحسين عليه السلام حتى صار على مرحلتين من الكوفة ، فإذا بالحر بن يزيد في ألف فارس ، فقال له الحسين عليه السلام : ألنا أم علينا ؟ فقال : بل عليك يا أبا عبد الله .

فقال عليه السلام : لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .

ثم تردد الكلام بينهما حتى قال الحسين عليه السلام : فإن كنتم على خلاف ما أتتني به كتبكم وقدمت به علي رسلكم ، فإني راجع إلى الموضع الذي أتيت منه ، فمنعه الحر وأصحابه ، وقال : بل خذ يا بن رسول الله طريقا لا يدخلك الكوفة ، ولا يصلك إلى المدينة لأعتذر إلى ابن زياد بأنك خالفتني في الطريق .

فتياسر الحسين عليه السلام حتى إذا وصل إلى عذيب الهجانات ، فورد كتاب عبيد الله بن زياد لعنه الله إلى الحر يلومه في أمر الحسين ، ويأمره بالتضييق عليه ، فعرض له الحر وأصحابه ومنعوه من السير .

فقال له الحسين عليه السلام : ألم تأمرنا بالعدول عن الطريق ؟ فقال له الحر : بلى ، ولكن كتاب الأمير قد وصل يأمرني فيه بالتضييق عليك ، وقد جعل علي عينا يطالبني بذلك .

فقام الحسين عليه السلام خطيبا في أصحابه ، فحمد الله وأثنى عليه وذكر جده فصلى عليه ، ثم قال : إنه قد نزل بنا من الأمر ما قد ترون ، وإن الدنيا قد تغيرت وتنكرت وأدبر معروفها واستمرت هذاء ، ولم يبق منها إلا صبابة كصبابة الأناء ، وخسيس عيش كالمرعى الوبيل ، ألا ترون إلى الحق لا يعمل به ، وإلى الباطل لا يتناهى عنه ، فليرغب المؤمن في لقاء ربه محقا ، فإني لا أرى الموت إلا سعادة ، والحياة مع الظالمين إلا برما .

فقام زهير بن القين فقال : سمعنا يا بن رسول الله مقالتك ، ولو كانت الدنيا لنا باقية ، وكنا فيها مخلدين ، لآثرنا النهوض معك على الإقامة .

وقام هلال بن نافع البجلي فقال : والله ما كرهنا لقاء ربنا ، وإنا على نياتنا وبصائرنا نوالي من والاك ونعادي من عاداك .

وقام برير بن خضير فقال : والله يا بن رسول الله لقد من الله بك علينا أن نقاتل بين يديك ، وتقطع فيك أعضاؤنا ثم يكون جدك شفيعنا يوم القيامة .

ثم إن الحسين عليه السلام ركب وسار - وكلما أراد المسير يمنعونه تارة ، ويسايرونه أخرى - وقد عظم رعب النساء ووجل الأطفال حينئذ بما لا مزيد عليه - حتى بلغوا كربلاء في اليوم الثاني من المحرم فسأل الحسين عليه السلام عن اسم الأرض .

فقيل : كربلاء . فقال : اللهم إني أعوذ بك من الكرب والبلاء ، ثم قال : هذا موضع كرب وبلاء ، انزلوا ، هاهنا محط ركابنا ، وسفك دمائنا ، وهنا محل قبورنا بهذا حدثني جدي رسول الله صلى الله عليه وآله ، فنزلوا جميعا ، ونزل الحر وأصحابه ناحية .

وجلس الحسين عليه السلام يصلح سيفه ويقول :

يا دهر أف لك من خليل * كم لك بالأشراق والأصيل
من طالب وصاحب قتيل * والدهر لا يقنع بالبديل
وكل حي سالك سبيل ما * أقرب الوعد من الرحيل
إنما الأمر إلى الجليل

فسمعت أخته زينب فقالت : يا أخي هذا كلام من أيقن بالقتل .

فقال : نعم يا أختاه . فقالت زينب : واثكلاه ينعى الحسين إلي نفسه ، وبكى النسوة ولطمن الخدود ، وشققن الجيوب ، وجعلت أم كلثوم تنادي : وا محمداه وا علياه وا أماه وا أخاه وا حسناه وا ضيعتنا بعدك يا أبا عبد الله .

فعزاها الحسين عليه السلام وقال لها : يا أختاه تعزي بعزاء الله فإن سكان السماوات يفنون ، وأهل الأرض كلهم يموتون ، وجميع البرية يهلكون .

وروي من طريق آخر أنها عليها السلام لما سمعت مضمون الأبيات ، وكانت في موضع منفردة مع النساء والبنات خرجت حاسرة تجر ثوبها حتى وقفت عليه فقالت : واثكلاه ، ليت الموت أعدمني الحياة ، اليوم ماتت أمي فاطمة وأبي علي وأخي الحسن ، يا خليفة الماضين وثمال الباقين .

فنظر إليها الحسين عليه السلام وقال : يا أختاه ، لا يذهبن بحلمك الشيطان . فقالت : بأبي أنت وأمي أتستقتل نفسي لك الفداء .

فرددت عليه غصته ، وتغرغرت عيناه بالدموع ، ثم قال : ولو ترك القطا ليلا لنامة .

فقالت : يا ويلتاه ، أفتغتصب نفسك اغتصابا ، فذلك أقرح لقلبي ، وأشد على نفسي ، ثم أهوت إلى جيبها فشقته ، وخرت مغشيا عليها .

فقام عليه السلام فصب عليها الماء حتى أفاقت .

نادت فقطعت القلوب بشجوها * لكنما انتظم البيان فريدا
إنسان عيني يا حسين أخي يا * أملي وعقد جماني المنضودا
إن تنع أعطت كل قلب حسرة * أو تدع صدعت الجبال الميدا
عبراتها تحيي الثرى لو لم تكن * زفراتها تدع الرياض همودا

نسألكم الدعاء

اللهم اجعلنا من شيعة الزهراء وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها ولا تفرق بيننا وبينهم في الدنيا والآخرة

خادم الزهراء 14-Jan-2010 01:33 PM

اللهم صل على الزهراء وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها
اللهم واشفي قلب الزهراء صلوات الله عليها بظهور وليك المهدي صلوات الله عليه وعلى آبائه الطيبين الطاهرين
واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين

[ المجلس العاشر ]

لما نزل الحسين عليه السلام بأرض كربلاء ، كان نافع بن هلال البجلي من أخص أصحابه به وأكثرهم ملازمة له ، ولا سيما في مظان الاغتيال ، لأنه كان حازما بصيرا بالسياسة .

فخرج الحسين عليه السلام ذات ليلة خارج الخيام حتى أبعد ، فتقلد نافع سيفه وأسرع في أثره ، فرآه يختبر الثنايا والعقبات والأكمات المشرفة على المنزل فالتفت الحسين عليه السلام فرآه فقال : من الرجل ؟ نافع ؟ قال : نعم ، جعلت فداك يا بن رسول الله .

فقال : يا نافع ما أخرجك في هذا الليل ؟ فقال : سيدي أزعجني خروجك ليلا إلى جهة هذا الباغي .

فقال : يا نافع خرجت أتفقد هذه التلعات مخافة أن تكون مكمنا لهجوم الخيل على مخيمنا يوم يحملون وتحملون .

قال : ثم رجع وهو قابض على يساري وهو يقول : هي هي والله وعد لا خلف فيه .

ثم قال : يا نافع ، ألا تسلك بين هذين الجبلين وانج بنفسك فوقع نافع بن هلال على قدميه يقبلهما ويبكي وهو يقول : إذن ثكلت نافعا أمه ، سيدي إن سيفي بألف وفرسي بمثله ، فوالله الذي من علي بك في هذا المكان لن أفارقك أبا عبد الله حتى يكلأ عن فري وجري .

قال نافع : ثم فارقني ودخل خيمة أخته زينب عليهما السلام ووقفت انتظره ، فاستقبلته زينب ووضعت له متكأ وجلس يحدثها سرا فما لبثت أن اختنقت بعبرتها ونادت : وا أخاه وا حسيناه ، أشاهد مصرعك وابتلي برعايتي هذه المذاعير من النساء ، والقوم يا بن أمي كما تعلم ما هم عليه من الحقد القديم ذلك خطب جسيم يعز علي مصرع هذه الفتية وأقمار بني هاشم .

ثم قالت : يا بن أمي هل استعلمت من أصحابك نياتهم فإني أخاف أن يسلموك عند الوثبة واصطكاك الأسنة ، فبكى الحسين عليه السلام وقال : أما والله لقد بلوتهم فما رأيت فيهم إلا الأشوس الأقعس يستأنسون بالمنية دوني استئناس الطفل بلبن أمه .

قال نافع : فبكيت رقة لها ، ثم أتيت حبيب بن مظاهر فرأيته جالسا في خيمته وبيده سيف مصلت وهو يقول كأنه يخاطبه :
أيها الصارم استعد جوابا * لسؤال إذا العجاج أثيرا
والمواضي برق وقد تخذ البا * سل المطهمات سريرا

قال نافع : فسلمت عليه فرد السلام ، ثم قال : يا أخي ما الذي أخرجك في هذا الليل ؟ فحكيت له القصة من أولها إلى ما كان من قوله عليه السلام : ( يستأنسون بالمنية دوني استئناس الطفل بلبن أمه ) .

فقام حبيب قائما على قدميه وقال : أي والله ، لولا انتظار أمره لعاجلتهم وعالجتهم الليلة بسيفي هذا ما ثبت قائمه بيدي .

ثم قال نافع : يا أخي فارقت الحسين عليه السلام مع أخته زينب في حال وجل ورعب ، وأظن أن النساء قد شاركنها في الزفرة والحسرة فهل لك أن تجمع أصحابك وتمضي إليهم بكلام يسكن قلوبهن ويذهب رعبهن ، فلقد شاهدت ما لا قرار لي على بقائه .

فقال : أنا طوع إرادتك ، فبرز حبيب ناحية ونافع إلى جنبه وانتدب أصحابه فنادى : أين أنصار الله ؟ أين أنصار رسول الله صلى الله عليه وآله ، أين أنصار أمير المؤمنين ؟ أين أنصار فاطمة ؟ أين أنصار الحسين ؟ أين أنصار الإسلام ؟ فتطالعوا من منازلهم كالليوث الضارية يقدمهم أبو الفضل العباس عليه السلام فلما اجتمعوا قال لبني هاشم : ( ارجعوا إلى منازلكم لا سهرت عيونكم ، ثم خطب أصحابه فقال : يا أصحاب الحمية ، وليوث الكريهة ، هذا نافع بن هلال يخبرني الساعة بكذا وكذا فأخبروني عن نياتكم ، فجردوا صوارمهم ، ورموا عمائمهم وقالوا : أما والله يا بن مظاهر لئن زحف القوم إلينا لنحصدن رؤوسهم ولنلحقهم بأشياخهم ، ولنحفظن رسول الله صلى الله عليه وآله في عترته وذريته .


فقال لهم حبيب : معي معي ، فقام يخبط الأرض بهم وهم يعدون خلفه حتى وقف بين أطناب الخيم ونادى : السلام عليكم يا ساداتنا .

السلام عليكم يا معشر حرم رسول الله صلى الله عليه وآله .

هذه صوارم فتيانكم آلوا أن لا يغمدوها إلا في رقاب من يبتغي السوء فيكم .

وهذه أسنة غلمانكم آلوا أن لا يركزوها إلا في صدور من يفرق بين ناديكم .

فخرج إليهم الحسين عليه السلام وقال : أصحابي جزاكم الله عن أهل بيت نبيكم خيرا .

رجال تواصوا حيث طابت أصولهم وأنفسهم بالصبر حتى قضوا صبرا حماة حموا خدرا أبى الله هتكه فعظمه شأنا وشرفه فأصبح نهبا للمغاوير بعدهم ومنه بنات المصطفى أبرزت حسرا

نسألكم الدعاء

اللهم اجعلنا من شيعة الزهراء وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها ولا تفرق بيننا وبينهم في الدنيا والآخرة


الساعة الآن »05:29 PM.

المواضيع والمشاركات التي تطرح في منتديات موقع الميزان لا تعبر عن رأي المنتدى وإنما تعبر عن رأي كاتبيها فقط
إدارة موقع الميزان
Powered by vBulletin Copyright © 2017 vBulletin Solutions, Inc