منتديات موقع الميزان

منتديات موقع الميزان (http://www.mezan.net/vb/index.php)
-   الميزان العقائدي (http://www.mezan.net/vb/forumdisplay.php?f=231)
-   -   طريق الحق - السيد جعفر مرتضى العاملي (http://www.mezan.net/vb/showthread.php?t=17341)

خادم الزهراء 05-May-2010 10:38 AM

طريق الحق - السيد جعفر مرتضى العاملي
 
اللهم صل على الزهراء وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها
اللهم واشفي قلب الزهراء صلوات الله عليها بظهور وليك الحجة بن الحسن صلوات الله عليه وعل آبائه الطيبين الطاهرين
واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين
طريق الحق
حوار مع عالم جليل من أهل السنة والجماعة..

السيد جعفر مرتضى العاملي

المركز الإسلامي للدراسات


بسم الله الرحمن الرحيم

قصة هذا الحوار

بسم الله الرحمن الرحيم

والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين..

وبعد.. فإن هذا الحوار قد بدأ منذ أقل من شهرين من تاريخ كتابتي لهذا التقديم مع آخ كريم فاضل، وعالم أريب عاقل، اعتمد في حواره معي على الكلمة الطيبة التي أثنى الله تعالى عليها، فقال: ﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ([1]).

أقول هذا، مع أن القارئ الكريم سيرى: أن أول رسالة وصلت إليَّ منه قد توهم لأول وهلة: أنها تتسم بالقسوة بعض الشيء.. ولكن ذلك لم يزعجني، لأنني أدركت أن هذا هي مشاعره التي كان صادقاً في التعبير عنها، وأنه كان مندفعاً بكل وجوده إلى نصرة ما كان يراه حقاً، وصدقاً، وواقعاً. وهي إن دلت على شيء فإنما تدل على أنه يحمل في داخل ذاته معنى النبل والطهر، والصدق، وأنه لا يلقي الكلام على عواهنه، بل هو يفكر ويقدر، ويزن الأمور بميزان العقل، وأنه ملتزم بما يفرضه، الإنصاف والعدل.

من أجل ذلك أقول:
إنني بمجرد قراءتي لرسالته لمست أنها من الموارد التي حققت مضمون الكلمة الطيبة، التي أشارت إليها الآية المباركة، من حيث إنه أيده الله أراد بكلماته تلك أن يحق ما كان يراه حقاً.. ويهدي إليه من ضل عنه..

وقد امتاز اتصاله الأول: بأنه حمل لي ثلاث رسائل:
إحداها: ترتبط بما جرى على الزهراء «عليها السلام».

والثانية: ناقش فيها دليل الإمامة والعصمة..

أما الرسالة الثالثة، فهي لرجل آخر، يدَّعي مُنشؤها: أنها تضمنت رداً على كتابنا: مراسم عاشوراء..

فأجبت على الرسائل الثلاث، بما سيمر أمام ناظري القارئ الكريم..

وتوالت الرسائل بيننا.. فاقترح علينا أطال الله عمره الشريف نشر تلك الرسائل، لكي يستفيد منها الناس.. وطلب أن تنشر ـ كما هي ـ ليبقى قادراً على تلمس ما كان يراوده من خواطر وخلجات، ومشاعر وحالات، فإنها تختزن الكثير الكثير من هذا وذاك وذلك، لكي تكون هي الذكرى التي تهفو إليها نفسه، وتسعد بها روحه، ويحيا بها قلبه.. فكان له ما أراد..

فإلى القارئ الكريم أقدم ما جرى بيننا، كما هو، ومن دون أي تصرف، إلا أنني سأصرف النظر عما أمرني أخي العلامة الذي سأرمز إليه بحرف (ص..).

والحمد لله والصلاة والسلام على عباده الذين اصطفى محمد وآله..

حرر بتاريخ: 5 ربيع الأول 1431هـ الموافق 20 شباط 2010م.
جعفر مرتضى العاملي

([1]) الآية 24 من سورة إبراهيم.


نسألكم الدعاء

اللهم اجعلنا من شيعة الزهراء وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها ولا تفرق بيننا وبينهم في الدنيا والآخرة

خادم الزهراء 05-May-2010 10:57 AM

القصة بلسان صاحبها

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، إله الخلق أجمعين، حمداً كثيراً مباركاً فيه، ونصلي ونسلم على أشرف الخلق، وأعز المرسلين، وسيد الخلق أجمعين، رسول الرحمة، وإمام البرية، محمد بن عبد الله، وعلى آله الطيبين الطاهرين، من تمسك بهم نجا، ومن تخلف عنهم هلك وضل وهوى، واللعنة الدائمة على أعدائهم من آدم إلى قيام يوم الدين..

أما بعد ..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..

هذه المقدمة أردت أن تكون بداية للرسائل التي أرسلتها إلى سماحة السيد العالم العلامة الفاضل السيد جعفر مرتضى العاملي «أيده الله تعالى»، وهذه الرسائل كنت قد بدأت بها، جاهلاً بالعقيدة الصحيحة، وبالطريق القويم، ومهاجماً عالماً من العلماء الذي أعتذر له عن كل ما صدر مني إبتداءاً، فقد تعرضت لسماحة العلامة السيد جعفر مرتضى العاملي «أيده الله تعالى» بالكلام القاسي، وتجرأت من خلال جهلي على أمور ثابتة تاريخياً، وذلك يعود لجهلي وتقصيري، فقد قيل: «الإنسان عدو ما يجهل»..

وجهلي دفعني لافتراء من خلال بعض المقالات التي قمت بنشرها، ولكن حين وصلت هذه المقالات، إلى أحد الأخوة من المهتمين بشؤون الدفاع عن العقائد الصحيحة، في شبكة الانترنت، قام بالاعتراض على ما ورد فيها، وهو من أعطاني عنوان موقع سماحة السيد جعفر مرتضى العاملي «أيده الله تعالى»، وبدأت الرسائل فيما بيننا، بعد أن أرسلت له ما كتبت في تلك المقالات..

فما كان من هذا العالم الكبير إلا أن تلقفها مني بكل رحب وسعة، وبكل أخلاق حميدة، ذكرتنا بأخلاق النبي الكريم محمد «صلى الله عليه وآله»..

الذي رد الإساءة بالتحية، والجهل بالعلم، والشبهات بالدليل، حتى وصلت إلى بر النجاة، والطريق القويم، وهداني الله إلى الصراط المستقيم..

ومن ثم طلبت وألححت على سماحة السيد جعفر مرتضى العاملي (أيده الله تعالى) أن ينشر تلك الرسائل لكي تكون بما فيها من فائدة كبيرة بين يدي كل منصف، وهداية لكل باحث عن الحقيقة..

فقد كتبت هذه الرسائل والأسئلة بعد أن وصلني الدليل، لا بحبر القلم، بل بدموع بلت الورق، وبشغف الباحث عن الحق، وبمهجة المتحرق لكي يعرف أكثر فأكثر..

وأخيراً، أهدي تلك الوريقات التي سألت فيها عن النهج القويم، والصراط المستقيم، إلى محمد وآل محمد، أئمتي «عليهم السلام»، ودفاعاً عن كل شبهة كنت قد تعرضت بها لهم..

وأهديها أيضاً، لسماحة سيد المجاهدين السيد حسن نصر الله «نصره الله»..

ولا يسعني إلا أن أشكر سماحة السيد المحقق الفهامة العالم الكبير جعفر مرتضى العاملي «حفظه الله» الذي كان في موقع المنعم والمتفضل على تلميذ مقصر مثلي، متعلم على سبيل نجاة..

والحمد لله أولاً وأخيراً، والصلاة والسلام على عباده الذين اصطفى محمد وآل محمد..
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
8 ربيع الأول 1431هـ الموافق 23 شباط 2010م

خادم الزهراء 05-May-2010 11:02 AM

توضيح

إن التصرف الوحيد الذي أعملناه في هذا الحوار: هو أننا أضفنا بعض العناوين التوضيحية لعدد من الفقرات الوردة في الرسائل التي صدرت عنا باتجاه ذلك العالم الجليل الذي حاورناه، وكذلك أضفنا بعض التوضيحات لفقرات يسيرة، رأينا أن توضيحها لا يخلو عن فائدة..

وقد وضعنا هذه العناوين وتلك الفقرات التوضيحية بين معقوفتين للدلالة على أنها مضافة إلى النص، فليلاحظ ذلك..

خادم الزهراء 05-May-2010 11:12 AM

الرسالة الأولى:

أنا الشيخ (ص..) من جمهورية مصر العربية وقد تعرفت من جديد على بعض الكتب التي تم ترويجها على صفحة الانترنت من قبل من يسمون أنفسهم مجموعة المستبصرين في العالم ويقودهم أحدهم من سمى نفسه بالسيد المستبصر وتعمل هذه الشبكة على ترويج كتب لشخص يدّعي أنه عالم واسمه جعفر مرتضى العاملي وبعد أن بحثت على شبكة عن عنوان لك وجدت أن أرسل لك هذه الرسالة لعل عندك ما تجاوبني به.

وإن لم تفعل سأضطر أن أنشر هذه المقالة بعد عدة أيام في أحدى المجلات أو الصحف في مصر؟! والله من وراء القصد..

(فضح أكاذيب جعفر مرتضى العاملي في قصة ضرب السيدة فاطمة)

إن مما ابتلانا الله به فى زماننا هذا مجموعة من الكذابين المفترين الذين يغلقون عقولهم ويساقون كما تساق الإبل أو يسحبون كما تسحب الأبقار، هؤلاء المفترون كذبوا على الله ورسوله ونالوا من صحبه الكرام وأزواجه الأخيار لاسيما عائشة وحفصة «رضي الله عنهما» وعن والديهما إلى يوم الدين، ﴿يَوْمَ لاَ يَنْفَعُ مَالٌ وَلاَ بَنُونَ، إِلاَ مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ﴾.


يدعي هؤلاء الجبناء: أنه بعد وفاة النبي العظيم محمد صلى الله عليه وسلم واختيار أبي بكر الصديق «رضي الله عنه» خليفة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وقائدا وإماما للمسلمين قام عمر بن الخطاب «رضي الله عنه» بضرب السيدة فاطمة الزهراء «رضي الله عنها» وكسر ضلعها وإسقاط جنينها وتهديدها بحرق بيتها بكل من فيه إن لم يبايعوا أبا بكر على الخلافة وهو ما أدى في النهاية إلى استشهادها «رضي الله عنها»، والحمد لله فقد من الله علينا بان جعل منا من يفند هذه الأكذوبة والفرية العظيمة ويظهر بطلانها سندا ومتنا ولكنى أردت أن أكتب وأوضح بعض ما جال فى خاطرى وأنا أسمع هذا السيناريو الغريب ومن هذه النقاط:


1 ـ أن التعدي على إمرأة وضربها هو من الأمور المستنكرة والمذمومة والتى تجلب العار لصاحبها عند العرب ولنتذكر أن أبا جهل ذلك المشرك الذى طالما حارب دين الله عندما ضرب السيدة أسماء بنت أبى بكر الصديق «رضي الله عنهما» شعر بالخجل الشديد ولامه على ذلك كبراء مكة وسادتها وظل البعض من خصومه يعايره بها وصارت نقطة سوداء فى جبينه، ألم يكن فى العرب بعد موت رسول الله صلى الله عليه وسلم من ينكر ضرب فاطمة «رضى الله عنها» وكسر ضلعها وإسقاط جنينها؟!


2 ـ من المعلوم لنا جميعاً كبيرنا وصغيرنا، عالمنا وجاهلنا: أن علي بن أبي طالب «رضي الله عنه» كان يتسم بشجاعة غير متناهية وقوة هائلة حتى إن بعض من وصفوه قالوا: إنه إذا أمسك بذراع الرجل كتم نفسه من شدة القبضة، والرواية المفتراة ليس فيها أي ذكر لرد فعل سيدنا علي على ضرب زوجته إن صحت، فهل كان على جبانا أو ضعيفاً؟! لا والله، بل حتى لو كان هكذا فإنه ما من عاقل تضرب زوجته ويقف مكتوف الأيدي لا يحرك ساكنا حتى ولو كان يضرب به المثل فى الضعف والجبن، بأي منطق نصدق هذه الرواية، إن صحت هذه الرواية فإن على بن أبي طالب كرم الله وجهه ليس جديراً بأن يكون خليفة للمسلمين لأن الذي لا يستطيع أن يحمي زوجته وجنينها لا يصح أن يكون خليفة ولا يحق له أن يطالب بها، إن هؤلاء العلماء الشيعة ليعرفون جيداً كذب هذه الرواية، وأنها لو صحت لكان لعلى بن أبي طالب «رضى الله عنه» موقف قوى تجاه أبي بكر وعمر «رضي الله عنهما» فهو ليس بالجبان ولا الضعيف ولكنه كان أقوى الناس فى عصره.


3 ـ عندما تولى عمر بن الخطاب «رضى الله عنه» الخلافة عيَّن على بن أبى طالب قاضياً، وذات يوم قال عمر لأصحابه وهم فى مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنه رأى بالليل اثنين يزنيان، وهمّ أن يرسل فى طلبهما ليقيم عليهما الحد، فقال له الإمام علي «رضي الله عنه»: يا أمير المؤمنين، أمعك أربعة شهود.


فقال: لا.


فقال على: «والله يا أمير المؤمنين، لو نطقت باسمهما لأجلدنك ثمانين جلدة».


فقال له عمر: يا على، أنا رأيت وسمعت.


فرد عليه علي نفس الرد..


فسكت عمر وسكت علي «رضي الله عنهما».


ومن هذا الموقف نرى: أن علياً «رضي الله عنه» كان قوياً في الحق، ولا يخاف فيه لومة لائم، ولو كانت هذه الرواية صحيحة لما سكت، ولفعل كل ما يمكن فعله للثأر لزوجته «رضي الله عنها وأرضاها».


4 ـ تزوج عمر بن الخطاب «رضي الله عنه» من أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب وابنة السيدة فاطمة الزهراء «رضي الله عنها وأرضاها»، فهل يعقل أن يزوج سيدنا علي بن أبي طالب إبنته لقاتل أمها، ياللعجب!! ألهذه الدرجة من الضعف وصل سيدنا علي حسب روايتهم المزعومة، وهل يعقل أن ترضى السيدة أم كلثوم «رضي الله عنها» بأن تتزوج قاتل أمها، من منا يرضى بهذا، هل يرضاه الخوميني [الخميني] مثلا على نفسه، هل يرضى أن يزوج إبنته لقاتل أمها، إنه لمنطق غريب .


5 ـ أين هم آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم من ضرب فاطمة؟! أين العباس وبنوه وأبناء جعفر أين هم بنو هاشم وماذا كان رد فعلهم ولماذا سكتوا على ضرب إبنة عمهم ونبيهم صلى الله عليه وسلم؟!

4/محرم الحرام / 1431هـ

خادم الزهراء 05-May-2010 02:15 PM

جواب الرسالة الأولى

بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين..
فضيلة الشيخ (ص..) المحترم..

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
وبعد..


[لا سباب ولا شتائم:]

فقد بدأتم مقالتكم بعبارات قاسية ومهينة.. على خلاف ما أمر الله تعالى به، بقوله: ﴿ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ([1]).

ومن الواضح: أن هذا الأسلوب، أسلوب الشتائم والسباب، لا يقدم ولا يؤخر فيما هو الحق، والصدق. ولا يجعل الباطل حقاً، والحق باطلاً، وإنما نحن من أتباع الدليل كيفما مال نميل..

أما نحن بحمد الله فإن كل همنا هو أن نقتصر على تسمية الأشياء بأسمائها، التي سماها بها الله تعالى ورسوله «صلى الله عليه وآله».. فنستدل بالآيات الشريفة، وبالمأثور من كلام رسول الله «صلى الله عليه وآله».. وبكل ما يفيد في جلاء الحق، وتألقه، وسطوع برهانه.


[الشتائم لا تعنينا:]

وإذا كان ما نقوله ونورده مأخوذاً من كتب علماء أهل السنة ومؤرخيهم، ومحدثيهم، فإن ما يوجه إلينا من شتائم وسباب، لا يعنينا كثيراً، بل هو ينال بالدرجة الأولى أولئك العلماء الذين أوردوا تلك النصوص في كتبهم. ولا نظن أن أحداً من إخواننا أهل السنة يرضى بسب علمائه، حتى ولو جاء هذا السباب من قبل أهل السنة أنفسهم.


[العهدة على من روى:]

كما أننا إذا كنا ننقل من مصادر أهل السنة، فلماذا ينسب الكذب إلينا، ويكون الهجوم علينا ولا يكون على من كتب وروى واشاع وأذاع؟!

على أنه لو أمكن لهؤلاء تكذيب الروايات والنصوص التي نقلها علماؤهم، زاعمين أن الكذب قد حصل على يد من أخذوا منه، ورووا عنه.. فلا يصح نسبة الكذب إليهم.. فإنه لا يمكنهم أن يتبرأوا من أولئك الكذابين أيضاً، لأنهم هم أيضاً من نفس الفئة، وأتباع نفس المذهب.

ومع غض النظر عن هذا وذاك، فإن السؤال هو كيف يمكن لهؤلاء مواجهة الآيات القرآنية التي ذكرت بعض ما لا يطيقون سماعه منا ولا من غيرنا.. بل قد يصل بهم الأمر إلى توجيه أقسى أنواع الإهانات والاتهامات لنا، لمجرد أننا ننقلها ونستدل بها كما هي، بلا زيادة ولا نقصان؟!

ولعل فضيلة الشيخ (ص..) يشير إلى هذا الواقع حين أدان وهاجم من ينال زوجات رسول الله «صلى الله عليه وآله»، ولا سيما عائشة وحفصة.

فلعل ما زعمه نيلاً منهما هو ما يطالب به بعض الشيعة من لزوم التدبر فيما رواه علماء أهل السنة لنا من جرأة لهما على رسول الله «صلى الله عليه وآله»، ومن مخالفات لأحكام الشرع، وللآيات القرآنية، والتوجيهات النبوية، ومنها ما ذكرته سورة التحريم عن تظاهر زوجتي النبي «صلى الله عليه وآله»، وإفشائهما سره، والأمثال التي ضربها الله تعالى لهما في هذه السورة المباركة.


[المفترون على الخلفاء:]

أما ما ذكره فضيلة الشيخ (ص..) من أن مجموعة من الكذابين والمفترين في زماننا هذا يدعون: أن عمر بن الخطاب قد ضرب فاطمة الزهراء «عليها السلام»، وأسقط جنينها، وهددها بحرق بيتها بكل من فيه إن لم يبايعوا أبا بكر، وهو ما أدى في النهاية إلى استشهادها..

أما هذا، ففيه مؤاخذات كثيرة، نذكر بعضاً منها فيما يلي:
1 ـ قال فضيلة الشيخ (ص..): «قد منَّ الله علينا بأن جعل منا من يفند هذه الأكذوبة، والفرية العظيمة، ويظهر بطلانها سنداً ومتناً».

ونقول:
إن هذا يمثل إقراراً من فضيلة الشيخ بوجود روايات حول هذا الموضوع، وإن كان لم يبين لنا إن كان قد وجد شيئاً من هذه الروايات التي فندوا سندها ومتنها في كتب أهل السنة..


[ضرب المرأة عيب.. يستنكره الصحابة:]

2 ـ إن فضيلة الشيخ (ص..) قد ذكر خمس نقاط جالت في خاطره، وهو يسمع هذا السيناريو الغريب!! على حد تعبيره.

النقطة الأولى: إن ضرب المرأة مستنكر ومذموم، ومجلبة العار عند العرب، والشاهد على ذلك: أن أبا جهل حين ضرب أسماء بنت أبي بكر قد خجل خجلاً شديداً، ولامه كبراء مكة وسادتها، وعيَّره خصومه بذلك..

ألم يكن في العرب بعد موت الرسول «صلى الله عليه وآله» من ينكر ضرب فاطمة، وكسر ضلعها، وإسقاط جنينها؟!

ونقول:
إن ما ذكره فضيلة الشيخ هنا قد سبقه إليه غيره. ويرد عليه:
أولاً: ألم تعذب سمية والدة عمار بن ياسر حتى استشهدت على يد أبي جهل؟!([2]).

وألم يكن عمر بن الخطاب يعذب جارية بني مؤمل، ويضربها حتى يتعب، ثم يعتذر إليها، لأنه لا يتركها إلا ملالة؟!([3]).

ولما مات عثمان بن مظعون ألم يحمل عمر بن الخطاب على النساء اللواتي كن يبكين عليه، وصار يضربهن بسوطه، فأخذ «صلى الله عليه وآله» يده وقال: مهلاً يا عمر، دعهن يبكين؟!([4]).

وضرب بسوطـه أيضـاً النسـاء الـلاتي بكين رقيـة وزينـب ربيـبـتي رسول الله «صلى الله عليه وآله»([5]).

وعُذِبت أيضاً أم شريك على يد فراعنة قريش([6]).

وأهدر النبي «صلى الله عليه وآله» دم هبار بن الأسود، لأجل ما فعله بزينب حين أرادت الهجرة إلى المدينة([7]).

كما أن عمر بن الخطاب قد ضرب أم فروة، وضرب معها النساء لأجل بكائها وبكائهن على أبي بكر([8]).

كما أنه ضرب نواحة في المدينة حتى وقع خمارها([9]).

هذا كله، عدا عن الروايات التي تذكر ضرب جيش يزيد لسبايا الإمام الحسين بن علي «عليهما السلام»، وكان ذلك الجيش عربياً.
ولما مات خالد بن الوليد اجتمع في بيت ميمونة نساء يبكين، فجاء عمر فجعل يضربهن بالدرة حتى سقط خمار إحداهن إلخ..([10]). إلى غير ذلك مما لا مجال لاستقصائه..

ثانياً: لو سلمنا: أن ضرب المرأة كان عيباً، فهو لا يدل على عدم وقوعه، إذ ما أكثر الأمور المعيبة عند العرب، وكان العرب أنفسهم يفعلونها، إما لغضب عارض، أو لشهوة جامحة.. أو لغير ذلك من دوافع، إذا كانت تلك الدوافع أقوى من خوف العار.

وقد كان وأد البنات عاراً، وقد ذكر القرآن ذلك فقال: ﴿وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ، بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ([11]).

وكان ولا يزال قتل الأخ والابن والأب عاراً إذا كان من أجل الدنيا.. وقد ارتكب بعض العرب هذا العار.

فقد قتل المأمون أخاه من أجل الملك.

وقتلت الخيزران ولدها الخليفة الهادي العباسي، لأنه أراد أن يحد من تدخلاتها في إدارة الشأن العام..

وقتل المنتصر أباه.. وغير ذلك..

ثالثاً: ذكر فضيلة الشيخ (ص..): أن أحداً من الصحابة لم يستنكر ضرب فاطمة حين ضربت، ولا اعترض على إسقاط جنينها، فمن أين جاء بهذا التعميم؟! وهل كان حاضراً ورأى أن أحداً لم يعترض؟!

بل لقد ذكر ابن قتيبة: أنه قيل لعمر: إن في الدار فاطمة. فقال: وإن. أليس هذا إستنكاراً؟!

رابعاً: إن عدم وجدان الإنكار لا يدل على عدم وجوده، فلعلهم أنكروا ذلك، ولم يصل إلينا لألف سبب وسبب.

خامساً: لو سلمنا: أن أحداً لم ينكر ذلك، فإن عدم الإنكار قد يكون بسبب الخوف من العقاب، أو لمعرفتهم بعدم جدوى الإنكار.. أو لغير من ذلك من أسباب.

وقد قتل يزيد الحسين بن علي «عليهما السلام» وأهل بيته وأصحابه، وسبى نساءه. ولم نجد إنكاراً في مستوى هذا الحدث الجلل..

ومع غض النظر عن ذلك، فقد قال القائل للنبي «صلى الله عليه وآله» في مرض موته، ودوَّنه علماء الحديث في مجاميعهم، وأخرجه البخاري وغيره: «إن النبي ليهجر»، أو «غلبه الوجع». ولم نجد أحداً أنكر عليه ذلك.

إن عدم الإنكار لا يدل على الرضا بالفعل، لأنه قد يكون لأسباب قاهرة.
سادساً: إن الناس إذا رأوا أن بنت رسول الله «صلى الله عليه وآله» تتعرض لما تعرضت له، فإنهم سيدركون أن أية حركة تصدر منهم، سيكون جزاؤها عليهم، أشد وأثرها أخطر، وطعمها أمرّ وأدهى، لا سيما وأن من يعتدي على الزهراء «عليها السلام» سوف لا يوقر سواها ممن ليست لهم مكانة الزهراء «عليها السلام»، ومقامها واحترامها..

3 ـ استدل فضيلة الشيخ على كذب ما يقال من تعرض الزهراء للضرب وإسقاط الجنين و..: بأن شجاعة علي اللامتناهية، وقوته الهائلة تمنع من حدوث ذلك. فإن الرواية المفتراة ـ على حد تعبيره ـ لم تذكر رد فعله على ضرب زوجته. ولم يكن علي جباناً ولا ضعيفاً..


[أين هي شجاعة علي؟!:]

وحتى لو كان كذلك، فإنه ما من عاقل يقف مكتوف اليدين، وهو يرى زوجته تضرب. فلو صحت هذه الرواية لم يكن علي جديراً بالخلافة، لأن من لا يستطيع أن يحمي زوجته وجنينها لا يصح أن يكون خليفة، ولا يحق له المطالبة بالخلافة.

وعلماء الشيعة يعرفون جيداً كذب هذه الرواية. وأنها لو صحت لكان لعلي موقف شديد من أبي بكر وعمر.

ونقول:
إن هذا الكلام أيضاً قد سبق إليه آخرون، وقالوه، وقد أتاهم الجواب عنه من أهله، ونحن نشير هنا إلى ما يلي:
أولاً: إن علياً «عليه السلام» إمام عادل ملتزم بالشرع الشريف، نزلت آية التطهير في حقه، لا يتخذ مواقفه انطلاقاً من عصبية، أو بدافع من فورة غضب، أو من اندفاع طائش، وإنما يتخذ مواقفه وفق ما يمليه عليه الشرع والدين [وهو بعد رسول الله سيد أهل البيت الذين.. أطلقوا وأسسوا فعلاً وقولاً لقاعدة: أشجع الناس من غلب هواه، من هنا فإن]([12]) الشجاعة عنده هي التزام أمر الله ونهيه، ولو على خلاف ما يعده الناس مصلحة له، أو على خلاف عواطفه وانفعالاته الشخصية، ولا يقدم غضباً، ولا يحجم جبناً. فإن فرض عليه حفظ الدين أن يقدِّم نفسه وأبناءه وأهل بيته وأصحابه، حتى الطفل الرضيع نهباً للسيوف.. ثم تسبى نساؤه، ويطاف بهن في البلدان. فإن الشجاعة كل الشجاعة هي أن يقدم على ذلك ويرضاه.. وقد قالت ابنته، السيدة زينب وهي ترى فجائع كربلاء: رضا الله رضانا أهل البيت، فهل يكون هو أقل من ابنته في ذلك؟!

ومن هنا نقول:
إذا كانت مصلحة الدين تقضي بالسكوت حتى عن ضرب زوجته، وإسقاط جنينها، ومحاولة حرق بيته بمن فيه، فإن الشجاعة هي أن يسكت ولا ينفعل. والبطولة كل البطولة هي بالصبر على هذا الأذى..

ثانياً: إن أحداً منا لا يرضى بأن تضرب زوجته، ويسقط جنينها و.. و.. إلخ.. ولو رضي وسكت، وجلس في البيت لقال الناس عنه: إنه جبان.

ولكن إذا كان هدف المهاجمين هو استدراجنا لمعركة تحرق الأخضر واليابس، ويقتل فيها المئات أو الآلاف من الناس.

أو إذا عرفنا أن تحركنا سيؤدي إلى ذلك [وإلى قتل الثلة الصالحة، واستئصالها، خصوصاً العترة الطاهرة]([13])، فإن الحكمة تقضي بالصبر على المحنة، تفادياً لما هو أعظم وأدهى. وسيكون هذا الصبر من أفضل الأعمال، وسيكون الصابر مع قدرته على الانتقام أعظم شأناً وأشد رأباً، وأصوب عملاً من الذي يتصرف برعونة وطيش، وبدافع من الأوهام الباطلة، والخيالات الزائلة.

وبعد.. فإن الإقدام ليس دليلاً على أن الحق مع من يقدم. كما أن الإحجام لا يدل على أن المحجم جبان.

فعلي شجاع، ولكنه ليس متهوراً.. وهو يكبت عواطفه ويصبر على آلامه الشخصية في سبيل مصلحة الدين والأمة.

ثالثاً: إذا كان من لا يستطيع أن يحمي زوجته وجنينها، لا يصلح للخلافة، ولا يحق له أن يطالب بها، فهل نفهم من هذا أن النبي «صلى الله عليه وآله» ليس أهلاً لحكومة الأمة، لأنه لم يتخذ أي إجراء في حق من قال له في مرض موته: إن النبي ليهجر؟! [وهل يمكن أن نكذب الرسول >صلى الله عليه وآله<في قوله: الحسن والحسين إمامان قاما أو قعدا، ونقول: بأنهما ليسا أهلاً للإمامة، لأن الإمام الحسن >عليه السلام< لم يجد مصلحة في الحرب والقتال، والإمام الحسين >عليه السلام< لم يستطع أن يؤمن الحماية لنفسه ولبنات الرسالة من السبي]([14]).

وهل نفهم أن الذي قال هذه الكلمة للرسول «صلى الله عليه وآله» أحق بالخلافة من أبي بكر وسائر الصحابة الذين سكتوا عنه، ولم يواجهوه بشيء حين قال هذه الكلمة له «صلى الله عليه وآله»؟!

كما أن يزيد بن معاوية كان أليق من كل أحد بمقام الخلافة، ويحق له المطالبة بها، وأن الحسين بن علي لا يصلح لها، ولا يصح له المطالبة بها، لأنه لم يستطع أن يحمي عياله، ولذلك أسرهن يزيد، وطاف بهن من بلد إلى بلد؟!

رابعاً: إن فضيلة الشيخ (ص..) يقول: إن علماء الشيعة يعرفون جيداً كذب رواية ضرب الزهراء «عليها السلام» إلخ..

ولا ندري كيف اكتشف ذلك، وهل أطلعه الله على غيبه، أو كشف عن بصيرته، فرأى ما في قلوبهم؟! وعرف دخائلهم، وما في ضمائرهم؟!


[علي عليه السلام قوي في الحق:]

4 ـ ذكر فضيلة الشيخ في النقطة رقم (3): أن علياً «عليه السلام» كان قوياً في الحق، ولا يخاف لومة لائم. ولو صحت رواية ضرب الزهراء «عليها السلام»، وإسقاط جنينها و.. لما سكت، ولفعل كل ما يمكن فعله للثأر لزوجته..

ونقول:
قد عرفنا آنفاً الجواب على هذه النقطة.. ونعود فنكرر ونقرر ما يلي:
أولاً: إن الصبر على المحن التي تلامس العواطف، وتجرح القلب، وتهز المشاعر من الأعماق في سبيل حفظ الكيان العام، وسلامة أهل الإسلام وحفظهم من التنازع، ومن الفتنة والردة هو أعلى درجات القوة. ولم تكن هذه هي المرة الأولى التي سكت فيها «عليه السلام» على مثل حز المدى، وضرب السيوف، فقد سبقتها مرات كثيرة قبل الهجرة وبعدها.

ثانياً: بالنسبة لسعيه «عليه السلام» للثأر لزوجته، فقد قلنا: إن علياً «عليه السلام» كان أجلّ من أن يفكر بهذا الأمر من منطلق المشاعر الشخصية، ولو كان كذلك لما كان أهلاًَ للخلافة والإمامة، بل كان «عليه السلام» يفكر بمصلحة الإسلام العليا، وبحفظ الأمة، ولو على حساب راحته الشخصية.

[علي عليه السلام يزوج ابنته من عمر!!]


5 ـ أما حديث تزويجه ابنته من عمر بن الخطاب، واستبعاد أن يزوج ابنته من قاتل أمها، فنقول فيه:
إذا أثبتت النصوص حصول اعتداء على السيدة الزهراء «عليها السلام»، فإن تزويج ابنتها لمن فعل ذلك، وإن كان مستبعداً في الظروف الطبيعية، ولكنه ليس بمحال. لأن للزواج دوافعه وأسبابه الكثيرة التي قد يكون بعضها خارجاً عن اختيار الأب، وقد يستفاد لتحقيق ذلك من وسائل مختلفة، منها: القهر والإلجاء، والإجبار، وإرادة دفع ما هو أعظم. ولهذا الأمر شواهد كثيرة في التاريخ البشري..

ويكفي أن نذكر هنا: أن خالد بن الوليد تزوج بزوجة مالك بن نويرة في ليلة قتل زوجها!! ولم يعاقبه أبو بكر، ولا أمره بفراقها.

كما أن هناك الكثير من النساء اللواتي يقتل آباؤهن، ثم يتزوجهن نفس قاتله. وتختلف الدوافع إلى ذلك.

وهذا كاف في حسم الأمر، ولسنا بحاجة إلى ذكر الشواهد والدلائل التي يقال: إنها تدل على حصول إكراه في موضوع زواج أم كلثوم.

6 ـ وأما بالنسبة لدفاع بني هاشم عن الزهراء «عليها السلام»، فقد علم الجواب عنه مما ذكرناه في أسباب عدم مواجهته المهاجمين، فلا حاجة إلى الإعادة.. [وما أكثر الوقائع التي لم تكن الحاجة فيها إلى حد سيوفهم أشد أو أعظم من الحاجة إلى بالغ صبرهم]([15]).


[ما جرى على الزهراء عليها السلام في مصادر أهل السنة:]

7 ـ وآخر ما نقوله هنا:
إن هناك مصادر كثيرة من تأليف علماء أهل السنة، قد ذكرت هذه الأمور التي جرت على الزهراء «عليها السلام»، ولم يمنعهم من ذكرها استغراب أحد، فلماذا يستغربها فضيلة الشيخ (ص..)؟!

ونحن نذكر له فيما يلي جانباً منها..
ثم نستميحه العذر إذا طلبنا منه التأني في إصدار أحكامه على الشيعة أو على غيرهم، ولا سيما في الأمور الخلافية، فإن ما يقول به الشيعة لم يأت من فراغ، بل هم يستندون في جميع اعتقاداتهم ومقولاتهم إلى أدلة من الكتاب والسنة المروية في كتب أهل السنة أنفسهم، فضلاً عما رووه عن أئمة أهل البيت «عليهم السلام»، وهو كثير جداً أيضاً..

ونلفت نظر فضيلة الشيخ (ص..): إلى أنه ليس كل ما ينسب إلى الشيعة الإمامية الاثني عشرية صحيحاً، فإن شطراً منه من مقولات الغلاة، أو هو من المفتريات عليهم، ومنه ما يكون من شواذ الأقوال، أو مما ورد في الروايات الضعيفة وغير المقبولة لدى الشيعة أنفسهم، وفق معاييرهم..

وأؤكد لكم أمراً هاماً، وهو: أنه ليس لدى الشيعة كتاب يكون كل ما فيه صحيحاً، بل هم يُخضعون كل رواية أو نص للبحث في السند وفي الدلالة. سواء ورد في الكافي أو في غيره..

ولكن بعض أهل السنة يصرون على القول: بأن الكافي عند الشيعة كصحيح البخاري عند أهل السنة، وهذا غير صحيح جزماً..
8 ـ وبعد ما تقدم أعود إلى الوفاء بما وعدت به، فأذكر شطراً من المصادر التي ألفها علماء أهل السنة، وقد ذكر فيها بعض ما جرى على الزهراء «عليها السلام»..

وأبدأ حديثي هذا بقول حافظ إبراهيم شاعر النيل:
وقــولة لعــلي قــالها عمـر * أكـرم بســامعهـا أعظم بملقيهـا
حرّقت دارك لا أبقي عليك بهــا * إن لم تبـايع وبنت المصطفى فيهــا
ما كان غـير أبي حفص بقائلـهـا * أمـام فـارس عـدنـان وحامـيـهـا
ديوان حافظ ج1 ص75 (ط دار الكتب المصرية ـ مصر).

وقال السيد الحميري، الذي عاش في أوائل القرن الثاني من الهجرة ـ قال عن السيدة الزهراء «عليها السلام»:
ضربت واهتضـمت من حقهــا * وأذيـقـت بعـده طـعـم السـلـــع

السلع: الشق والجرح.

والروايات والأشعار، والنصوص المنقولة عن شعراء وعلماء ووردت في مؤلفات لمن عاش في القرون الأولى كثيرة، وهي إن دلت على شيء، فإنما تدل على أن هذه الروايات كانت متداولة، وموضع أخذٍ وردٍّ منذ القرن الأول للهجرة وبعده.. وأنها لم تحدث في هذا العصر ولا في الذي سبقه..

وبعض علماء أهل السنة وإن ذكرها في سياق الإنكار لها، وبأسلوب التهجم عليها. فإنما حصل ذلك بسبب الإحراج الشديد الذي كانوا يواجهونه في هذا الأمر.

وإليك طائفة من المصادر التي ذكرت طرفاً مما جرى.. ومؤلفو هذه المصادر هم من أهل السنة، بدليل أنهم لا يلتزمون بفقه أهل البيت «عليهم السلام».. فاتهام هؤلاء بالتشيع كاتهام أبي ذر بأنه من أنصار معاوية، أو كاتهام معاوية بأنه من أنصار علي «عليه السلام». وهم إنما يوجهون إليهم هذه التهمة لمجرد روايتهم بعض فضائل علي وأهل البيت «عليهم السلام».


إن الزهراء ماتت وهي غضبى ومهاجرة لأبي بكر وعمر:

صحيح البخاري (ط دار الفكر سنة 1401 هـ) ج4 ص42 وج8 ص3 ومسند أحمد ج1 ص6 وشرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج6 ص46 و49 و50 وج16 ص218 والسقيفة وفدك للجوهري ص75 و108 وفتح الباري ج6 ص139 وعمدة القاري ج15 ص19 وج23 ص232 والمصنف للصنعاني ج5 ص472 والبداية والنهاية (ط دار إحياء التراث سنة 1408هـ) ج5 ص306 و307 وإمتاع الأسماع للمقريزي ج5 ص378 وج13 ص157 و159 والسيرة النبوية لابن كثير ج4 ص567 و570.


إن الله يغضب لغضب فاطمة:

صحيح البخاري (ط سنة 1309 هـ) ج ص185 باب مناقب قرابة رسول الله «صلى الله عليه وآله»، وص 189 باب مناقب فاطمة. وكنز العمال ج13 ص 96 وج6 ص219 وج7 ص111 و (ط مؤسسة الرسالة) ج12 ص111 وفرائد السمطين ج2 ص46 ومجمع الزوائد ج9 ص203 ومقتل الحسين للخوارزمي ج1 ص52 وكفاية الطالب ص364 وذخائر العقبي ص39 وأسد الغابة ج5 ص522 وتهذيب التهذيب ج12 ص442 وينابيع المودة ص 173 و 174 و 179 و 198 و (ط دار الأسوة) ج2 ص56 ونظم درر السمطين ص 177 ومستدرك الحاكم ج3 ص154 و 158 وتلخيصه للذهبي (مطبوع بهامشه) وراجع: السنن الكبرى ج 7 ص 64 والصواعق المحرقة ص186 وسير أعلام النبلاء ج2 ص132.


إسقاط المحسن مع ذكر السبب:

1 ـ الملل والنحل للشهرستاني ج1 ص57.
2 ـ فرائد السمطين للحمويني ج2 ص34 و 35.
3 ـ شرح نهج البلاغة للمعتزلي الشافعي ج2 ص60وج14 ص193.
4 ـ الوافي بالوفيات ج6 ص17.
5 ـ كفاية الطالب للكنجي الشافعي ص413.
6 ـ البدء والتاريخ ج5 ص20.
7 ـ فاطمة بنت الرسول لعمر أبي النصر ص94.
8 ـ التنبيه والرد على أهل الأهواء والبدع، للملطي الشافعي المتوفي سنة 377 هـ. ص25 و 26
9 ـ سير أعلام النبلاء للذهبي ج15 ص578.
10 ـ ميزان الاعتدال لابن حجر العسقلاني ج1 ص139.
11 ـ لسان الميزان ج1 ص268.
12 ـ جاء في كتاب النعيم المقيم لعترة النبأ العظيم، لشرف الدين أبي محمد عمر بن شجاع الدين محمد بن الشيخ نجيب الدين عبد الواحد الموصلي الشافعي (ت 660) (ط مؤسسة الكتاب الإسلامي سنة 1423 هـ 2002م ـ تحقيق سامي الغريري ـ ص229) ص229 في ذكر أولاد الإمام أمير المؤمنين علي قال:
فمن فاطمة: الحسن، والحسين، ومحسن درج صغيراً لرفسه، وقيل: لرد باب على صدرها، وذلك مشهور وبعض الناس ينكر وقوعه.


إسقاط المحسن دون ذكر سبب ذلك:

1 ـ إسعاف الراغبين للصبان (بهامش نور الأبصار) ص86.
2 ـ الفصول المهمة لابن الصباغ المالكي ص126 و135.
3 ـ نزهة المجالس للصفوري الشافعي ج2 ص184 و194.
4 ـ مطالب السؤل لمحمد بن طلحة ص45.
5 ـ الشجرة للطرابلسي الحنفي ص6.
6 ـ كفاية الطالب ص413 عن ابن قتيبة.
7 ـ مشارق الأنوار للحمزاوي ص132.


التهديد بإحراق بيت فاطمة الزهراء عليها السلام:

1 ـ الإمامة والسياسة لابن قتيبة ج1 ص28 و29.
2 ـ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج2 ص21 و45 فقد اعترف أن أهل الحديث قد رووا ذلك وص56 وج20 ص16 و17 وص147 وراجع ص146 وج16 ص271.
3 ـ تاريخ الطبري لمحمد بن جرير ج3 ص202.
4 ـ أعلام النساء لعمر رضا كحالة ج4 ص114 و 127.
5 ـ روضة المناظر لابن شحنة (بهامش الكامل في التاريخ) ج7 ص164 و165.
6 ـ أنساب الأشراف للبلاذري ج1 ص586.
7 ـ الرياض النضرة ج1 ص167.
8 ـ العقد الفريد لابن عبد ربه الأندلسي ج4 ص259 و260 و247.
9 ـ المختصر في أخبار البشر ج1 ص156.
10 ـ منتخب كنز العمال (بهامش مسند أحمد) ج2 ص174.
11 ـ المغنى لعبد الجبار ج20 قسم 1 ص335 و 237.
12 ـ الاستيعاب (بهامش الإصابة) لابن عبد البر القرطبي ج2 ص254 و255.
13 ـ قرة العين لولي الله الدهلوي ص78.
14 ـ نهاية الأرب ج19 ص40.
15 ـ الوافي بالوفيات ج17 ص311.
16 ـ كنز العمال للمتقي الهندي ج5 ص651 وج3 ص149.
17 ـ المصنف لابن أبي شيبة ج14 ص567.
18 ـ الملل والنحل للشهرستاني ج1 ص57.
19 ـ مروج الذهب (ط الميمنية) ج3 ص86.
20 ـ تاريخ الخميس ج1 ص178.
21 ـالسقيفة للجوهري ج1 ص134.


إضرام النار في بيت الزهراء عليها السلام:

1 ـ تسديد القواعد للأسفراييني.
2 ـ شرح التجريد للقوشجي (ط حجرية) ص482 و483.


اقتحام دار علي عليه السلام:

1 ـ شرح نهج البلاغة للمعتزلي ج2 ص50 و51 و56 و48 وص21 وج6 ص47 و48 و45 و51 وج3 ص39 وج1 ص130 وج17 ص168 و164 وج20 ص24 و17 وص16.
2 ـ تاريخ اليعقوبي لابن واضح ج2 ص126 و137.
3 ـ الطبقات الكبرى لابن سعد ج8 ص228.
4 ـ صفين للمنقري نصر بن مزاحم ص163.
5 ـ تاريخ الإسلام للذهبي ج1 ص117 و118.
6 ـ العقد الفريد لابن عبد ربه الأندلسي ج4 ص268 .
7 ـ الإمامة والسياسة لابن قتيبة ج1 ص18.
8 ـ سير أعلام النبلاء (سيرة الخلفاء الراشدين) للذهبي ص17.
9 ـ مروج الذهب للمسعودي (ط دار المعرفة) ج1 ص414 وج2 ص301.
10 ـ ميزان الاعتدال للذهبي ج3 ص109.
11 ـ لسان الميزان لابن حجر العسقلاني ج4 ص189.
12 ـ مختصر تاريخ دمشق لابن منظور ج3 ص122.
13 ـ مجمع الزوائد ج5 ص203.
14 ـ المغنى لعبد الجبار ج20 قسم 1 ص340 و 341.
15 ـ تاريخ الطبري لمحمد بن جرير ج3 ص430.
16 ـ كنز العمال للمتقي الهندي ج3 ص125 وج5 ص631 و632.
17 ـ منتخب كنز العمال (بهامش مسند أحمد) ج2 ص171.
18 ـ المعجم الكبير للطبراني ج1 ص62.
19 ـ تاريخ ابن عساكر (ترجمة أبي بكر).
20 ـ حياة الصحابة ج2 ص24.


أوصت أن لا يصلِّيا عليها:

1 ـ شرح نهج البلاغة للمعتزلي ج6 ص49 و50 وج16 ص264 و281.
2 ـالسقيفة وفدك للجوهري ص104.
3 ـالمصنف للصنعاني ج3 ص521.


ضرب الزهراء عليها السلام:

1 ـ فرائد السمطين للحمويني ج2 ص34 و 35.
2 ـ المغني للقاضي عبد الجبار ج20 قسم 1 ص335.
3 ـ الملل والنحل للشهرستاني ج1 ص57.
4 ـ الفرق بين الفرق للبغدادي ص148.
5 ـ الخطط والآثار للمقريزي ج2 ص346.
6 ـ الوافي بالوفيات ج6 ص17.
7 ـ شرح نهج البلاغة للمعتزلي ج2 ص60 وج16 ص235 و236 و271.
8 ـ أعلام النساء لعمر رضا كحالة ج4 ص124.


كسر الضلع:

فرائد السمطين ج2 ص34 و 35.


إن النبي ليهجر، أو غلبه الوجع:

تذكرة الخواص ص62 وسر العالمين ص21 وصحيح البخاري ج3 ص60 وج4 ص5 و173 وج1 ص21 وج2 ص115 والمصنف للصنعاني ج6 ص57 وج10 ص361 وراجع ج5 ص438 وعمدة القاري ج14 ص298 وج2 ص170 و171 وج25 ص76 وفتح الباري ج8 ص100 و101 و102 و186 و187 والبداية والنهاية ج5 ص227 و 251 والبدء والتاريخ ج5 ص59 والملل والنحل ج1 ص22 والطبقات الكبرى لابن سعد ج2 ص244 وتاريخ الأمم والملوك (ط الاستقامة) ج3 ص192 ـ 193 والكامل في التاريخ ج2 ص320 وأنساب الأشراف ج1 ص562 وشرح النهج للمعتزلي ج6 ص51 وج2 ص55 وتاريخ الخميس ج2 ص164 و182 وصحيح مسلم ج ص75 ومسند أحمد ج1 ص355 و324 و222 و325 و332 و336 و362 و346 والسيرة الحلبية ج3 ص344 والعبر وديوان المبتدأ والخبر ج2 قسم2 ص62 والجامع الصحيح للترمذي ج3 ص55 ونهاية الإرب ج18 ص375 وروضة المناظر لابن شحنة (مطبوع بهامش الكامل في التاريخ) ج7 ص808 والمختصر في أخبار البشر ج1 ص151 ومنهاج السنة ج3 ص135 وتاريخ الإسلام ج2 ص383 و384 وراجع: التراتيب الإدارية ج2 ص241 وكنز العمال (ط الهند سنة 1381هـ) ج7 ص170 ودلائل النبوة للبيهقي ج 7 ص181 و184 ومسند أبي يعلى ج5 ص393 وج3 ص393 و394 وج4 ص299 ومجمع الزوائد ج4 ص214.


أسخطتماني، وما أرضيتماني، ولئن لقيت النبي لأشكونكما:

الجامع الصغير للمناوي ج2 ص122.
الإمامة والسياسة ج1 ص14 و 15 و (تحقيق الزيني) ج1 ص20 و(تحقيق الشيري) ج1 ص31.


وصيتها: بأن تدفن ليلاً، ولا يحضرا جنازتها:

حلية الأولياء ج2 ص43 ومستدرك الحاكم ج3 ص162 وأسد الغابة ج5 ص524 والإصابة ج4 ص379 و380 والإمامة والسياسة ج1 ص14 وأعلام النساء ج3 ص1214. وراجع أيضاً: شرح نهج البلاغة للمعتزلي ج6 ص50 وقال: إن الصحيح عندي: أنها ماتت وهي واجدة عليهما الخ.. والمصنف للصنعاني ج3 ص521 والاستيعاب ج2 ص751 ومقتل الحسين للخوارزمي ج1 ص83.


دفنها ليلاً، ولم يؤذن بها أبا بكر، وعمر:

البداية والنهاية ج5 ص285 و286 و287 و250 عن البخاري، وأحمد، وعبد الرزاق، وراجع: البخاري كتاب المغازي، باب غزوة خيبر، وباب قول رسول الله: لا نورث ما تركناه صدقة، وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج6 ص49 و50 وج16 ص232 و218 وراجع: صحيح مسلم، كتاب الجهاد والسير. والثقات ج2 ص164 و165 وتاريخ الأمم والملوك (ط دار المعارف) ج3 ص208 وأهل البيت لتوفيق أبي علم ص172 ومشكل الآثار ج1 ص48 والعمدة لابن البطريق ص390 و391 والسنن الكبرى ج6 ص300 و301 والتنبيه والإشراف ص250 وتاريخ الإسلام للذهبي (نشر دار الكتاب العربي) قسم السيرة النبوية، ص591 وفي الهامش أشار إلى مصادر كثيرة. والطبقات الكبرى لابن سعد ج8 ص28 و29. وتحرير الأفكار ص228 وألقاب الرسول وعترته ص44 وراجع: كفاية الطالب ص370 ومستدرك الحاكم ج3 ص162 ومسند أحمد ج1 ص6 و9. وراجع: الرياض المستطابة ص291 وتاريخ الخميس ج1 ص174 والمصنف للصنعاني ج5 ص472 وج4 ص141 وج3 ص521 وتيسير الوصول ج1 ص209.


محاولة نبش قبرها للصلاة عليها، فمنعهم علي عليه السلام:

إتمام الوفاء ص16.
الثقات ج2 ص170.
شرح نهج البلاغة للمعتزلي ج6 ص49 و50 وج16 ص53 و214 و217.
تاريخ المدينة لابن شبة ج1 ص197.
تاريخ الأئمة لابن أبي الثلج ص31.
تاريخ الصحابة لابن حبان ص208.


هجرانها لأبي بكر وعدم تكليمها إياه:

شرح بهجة المحافل ج1 ص131 عن الذهبي.
فتح الباري ج6 ص139 عن الشاشي.
السيرة الحلبية ج3 ص361.


والله لأدعون عليك، ووالله لا أكلمك أبداً:

العباسية للجاحظ (مطبوعة ضمن رسائل الجاحظ) ص300 ـ 303.
وشرح نهج البلاغة ج16 ص264.
والامامة والسياسة (تحقيق الزيني) ج1 ص20 و(تحقيق الشيري) ج1 ص31.
وبعد.. فقد ذكرت في رسالتك أنك بصدد نشر مقالتك. ونحن نطلب منك نشرها ونشر هذا الجواب..
حفظكم الله.. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
11 / محرم /1431 هـ.
جعفر مرتضى العاملي


----------


([1]) الآية 125 من سورة النحل.
([2]) الإصابة ج4 ص334 و 335 والاستيعاب (بهامش الإصابة) ج4 ص330 و 331 و 333 والسيرة النبوية لابن كثير ج1 ص495 وأسد الغابة ج5 ص481.
([3]) السيرة النبوية لابن هشام ج1 ص341 والسيرة النبوية لابن كثير ج1 ص493 والسيرة الحلبية ج1 ص300.
([4]) سير أعلام النبلاء ج2 ص251 وميزان الاعتدال ج3 ص128 ومسند أحمد ج1 ص237 و 335 والمستدرك للحاكم ج3 ص190 وصححه، وقال الذهبي في تلخيصه المطبوع بهامشه: سنده صالح، ومسند أبي داود ص351 ومجمع الزوائد ج3 ص17 والإستيعاب، ترجمة عثمان بن مظعون ج2 ص482.
([5]) نيل الأوطار ج4 ص149 والغدير ج6 ص159 وتحفة الأحوذي ج4 ص75 وفيض القدير ج3 ص708 وسبل الهدى والرشاد ج8 ص357 والفصول المهمة للسيد شرف الدين ص91 .
([6]) الطبقات الكبرى لابن سعد ج8 ص155 والإصابة ج7 ص235.
([7]) الاستيعاب لابن عبد البر ج4 ص1536 وأسد الغابة ج5 ص94 والوافي بالوفيات ج27 ص132 وعيون الأثر ج2 ص196 وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج14 ص193.
([8]) راجع: شرح نهج البلاغة للمعتزلي ج1 ص181 والإصابة ج3 ص404 وعن كنز العمال (ط قديمة) ج8 ص119 وفتح الباري ج5 ص54 وعمدة القاري ج12 ص259 والمصنف للصنعاني ج3 ص556 و 557 وتغليق التعليق ج3 ص325 والكامل في التاريخ ج2 ص419 .
([9]) راجع: المصنف للصنعاني ج3 ص557 وكنز العمال (الرسالة) ج15 ص730.
([10]) راجع: المصنف للصنعاني ج3 ص557 وكنز العمال (ط مؤسسة الرسالة) ج15 ص730 .
([11]) الآيتان 8 و 9 من سورة التكوير.
([12]) ما بين المعقوفتين إضافة لاحقة للتوضيح.
([13]) ما بين المعقوفتين إضافة لاحقة للتوضيح.
([14]) ما بين المعقوفتين إضافة لاحقة للتوضيح.
([15]) ما بين المعقوفتين إضافة لاحقة للتوضيح.

خادم الزهراء 05-May-2010 02:56 PM

مرفقات الرسالة الأولى


وقد أرفق محاورنا رسالته الأولى بالمقال التالي..

[المرفق الأول:]

نصوص قرآنية تنقض عقيدة الإمامة بعد الرسول:
1 ـإنّ الإيمان بكون رسول «صلى الله عليه وآله» خاتم الأنبياء والمرسلين يحصل به مقصود الإمامة في حياته وبعد مماته، فمن ثبت عنده أنّ محمداً عليه الصلاة والسلام رسول الله، وأنّ طاعته واجبة عليه، واجتهد في طاعته بحسب الإمكان، إنّ قيل بأنه يدخل الجنة استغنى عن مسألة الإمامة ولم يلزمه طاعة سوى الرسول عليه الصلاة والسلام، وإن قيل لا يدخل الجنة إلا باتباعه الإمام كان هذا خلاف نصوص القرآن الكريم، فإنه سبحانه وتعالى أوجب الجنة لمن أطاع الله ورسوله في غير موضع من القرآن ولم يعلق دخول الجنة بطاعة إمام أو إيمان به أصلاً كمثل قوله تعالى: ﴿وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقاً([1]).

وقوله تعالى: ﴿وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ([2]).

ولو كانت الإمامة أصلاً للإيمان أو الكفر أو هي أعظم أركان الدين التي لا يقبل الله عمل العبد إلا بها كما تقول الروايات الشيعية، لذكر الله عز وجل الإمامة في تلك الآيات وأكّد عليها لعلمه بحصول الخلاف فيها بعد ذلك، ولا أظن أحداً سيأتي ليقول لنا بأنّ الإمامة في الآيات مذكورة ضمناً تحت طاعة الله وطاعة الرسول لأنّ في هذا تعسفاً في التفسير.

بل يكفي بياناً لبطلان ذلك أن نقول: بأنّ طاعة الرسول في حد ذاتها هي طاعة للرب الذي أرسله، غير أنّ الله عز وجل لم يذكر طاعته وحده سبحانه ويجعل طاعة الرسول مندرجة تحت طاعته بل أفردها لكي يؤكد على ركنين مهمين في عقيدة الإسلام (طاعة الله، وطاعة الرسول)، وإنما وجب ذكر طاعة الرسول بعد طاعة الله كشرط لدخول الجنة لأنّ الرسول مبلّغ عن الله وأنّ طاعته طاعة لمن أرسله أيضاً، ولمّا لم يثبت لأحد بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جانب التبليغ عن الله فإنّ الله عز وجل علّق الفلاح والفوز بالجنان بطاعة رسوله والتزام أمره دون أمر الآخرين.

2 ـقال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ..([3]).

فإنّ الله عز وجل أمر المؤمنين بطاعته وطاعة رسوله وطاعة أولي الأمر منهم، لكن عند التنازع فالرد لا يكون إلا إلى الله والرسول دون أولي الأمر، لأنّ الله عز وجل هو الرب، والرسول هو عن المبلغ عن الله وهو معصوم لا يخطئ في بيان الحق عند التنازع، أما أولي الأمر فلأنهم ليسوا مبلغين عن الله ولا عصمة لديهم بل مسلمون امتن الله عليهم بالسلطة وأمرنا الله بطاعتهم ما أقاموا الدين، ولذلك لم يجعل الله الرد إليهم.ولو كان أولوا الأمر معصومين ومبلغين عن الله كما تذكر النظرية الإمامية لجعل الله الرد إليهم، لكن الله عز وجل أبى إلا أن يجعل الحقيقة واضحة للعيان.

6/ محرم /1431هـ.

-----------



([1]) الآية 69 من سورة النساء.
([2]) من الآية 17 من سورة الفتح.
([3]) الآية 59 من سورة النساء.

خادم الزهراء 05-May-2010 03:27 PM

الجواب على المرفق الأول


بسمه تعالى
وله الحمد، والصلاة والسلام على محمد وآله..
فضيلة الشيخ (ص..) المحترم..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
أما بالنسبة لمقالكم الذي أرسلتموه إلي، وهو بعنوان: نصوص قرآنية تنقض عقيدة الإمامة بعد الرسول..

نقول:
إن لنا معه وقفات عديدة، أحببنا أن نقتصر منها على ما يلي:

[أين هي طاعة الإمام في القرآن؟!:]

الاستدلال رقم (1):
ذكرتم قوله تعالى: ﴿وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقاً([1]).

وقوله تعالى: ﴿وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ([2]).

وقلتم: إن من أطاع الله ورسوله دخل الجنة، ويستغني بذلك عن مسألة الإمامة، ولم يلزمه طاعة ما سوى الرسول «صلى الله عليه وآله».
وإن قيل: لا يدخل الجنة إلا باتباع الإمام، فهو مخالف للآيات القرآنية المذكورة.

ونجيب بما يلي:
أولاً:إن ما يقوله الشيعة ليس مخالفاً لقولكم هذا، غير أنهم يقولون: إن النبي «صلى الله عليه وآله» بأمر من الله هو الذي جعل علياً إماماً وخليفة من بعده، وجعل بعده اثني عشر إماماً، آخرهم المهدي «عليهم الصلاة السلام».

ويقولون أيضاً: إن صحيحي البخاري ومسلم ذكرا: بأنه «صلى الله عليه وآله» قد صرح: بأنه يكون من بعده اثنا عشر إماماً، أولهم علي وآخرهم المهدي.

ويقولون كذلك: إن آية: ﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِين([3]). قد نزلت بهذا الخصوص، ولذلك أخذ البيعة من الصحابة لعلي في يوم الغدير بعد حجة الوداع، وذلك في الثامن عشر من ذي الحجة.. أي قبل استشهاده «صلى الله عليه وآله» بسبعين يوماً.

ويقولون: إن هذا مروي في كتب أهل السنة أنفسهم بطرق كثيرة.

كما أن أهل السنة قد رووا في كتبهم: أن الذي آتى الزكاة وهو راكع هو علي بن أبي طالب، وفيه نزل قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ([4]).

بالإضافة إلى آيات كثيرة أخرى روى أهل السنة، فضلاً عن الشيعة: أنها نزلت في علي «عليه السلام»، وقد بينوا أنها كلها تدل على جعل الولاية لعلي «عليه السلام» بعد وفاة الرسول الكريم «صلى الله عليه وآله».

هذا عدا عشرات أو مئات النصوص الأخرى الدالة على ذلك..

فظهر: أن إمامة علي وأحد عشر من ولده «عليهم السلام» مما أمر الله ورسوله به، ولا بد من الطاعة والقبول لهذه الأوامر الإلهية والنبوية كما قررته الآية التي ذكرتموها [﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ]([5])..

[لم تُذكر الإمامة في القرآن:]

ثانياً: قلتم: لو كانت الإمامة أصلاً للإيمان أو الكفر، أو أعظم أركان الدين، ولا تُقبل الأعمال إلا بها لذُكِرَتْ في القرآن.

ونقول:
ألف: قد ظهر الجواب على قولكم، فإن الشيعة يقولون: إن الإمامة قد ذكرت في القرآن. وذكرها رسول الله «صلى الله عليه وآله»، وأخذ البيعة للإمام من بعده في يوم الغدير، ويوم إنذاره عشيرته الأقربين، وهناك آيات وروايات كثيرة أخرى تدل على الإمامة.

ب: لسنا نحن الذين نقرر ما الذي يذكره الله في كتابه صراحةً، وما الذي يذكره ضمناً. بل هو تعالى الفعال لما يشاء، وهو العالم بما يصلح عباده، وبالأصلح لهم. وهو من يقرر أن يذكر أو أن لا يذكر هذا أو ذاك، وهو الذي يختار الأسلوب والكيفية والطريقة..

ج:ومع أن الصلاة عمود الدين، فإنه لم يبين عددها، ولا عدد ركعاتها، ولكنه بيَّن كيفية الوضوء لها. وبيَّن أيضاً أوقاتها، وأوقات استئذان الولد على أبويه، وأمر الناس بأن يعتزلوا النساء في المحيض. وذكر آية كتابة الدَين، وهي أطول آية في القرآن بالرغم من أن تلك الأمور ليست لها أهمية الصلاة، كما أن هذه الكتابة ليست واجبة.

هذا عدا عن أنه تعالى قد فرض الزكاة، ولم يبين أنصبتها، ومواضعها، وفرض الحج ولم يبين الكثير من أحكامه، وغير ذلك. [وإنما أوكل بيان ذلك إلى رسول الله «صلى الله عليه وآله» وأمر المسلمين بالرجوع إلى الرسول لأخذ أحكام وتفاصيل كل ذلك منه، وأمرهم بالرد إليه في كل ما يمكن أن يتنازعوا فيه.

وهذا أمر تنازعوا فيه، حتى لقد قال الشهرستاني : وأعظم خلاف بين الأمة خلاف الإمامة.. إذ ما سل سيف في الإسلام على قاعدة دينية مثل ما سل على الإمامة في كل زمان([6])]([7]).


[وجوب طاعة أولي الأمر.. وعصمتهم:]

الاستدلال رقم (2):
استدللتم بقوله تعالى:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ..([8]).
وقلتم: إن الله تعالى لم يجعل الرد إلى أولي الأمر، لأنهم غير معصومين، وإن امتنَّ الله عليهم بالسلطة وأمرنا بطاعتهم ما أقاموا الدين. فبطل ما يقوله الشيعة من لزوم كون ولي الأمر معصوماً، وأن أئمتهم هم أولوا الأمر..


ونجيب بما يلي:
إن علينا ملاحظة الأمور التالية:
1 ـ لا يمكن للناس أن يرجعوا إلى الله مباشرة، ليكون هو الذي يتولى فض نزاعاتهم..

وبعد استشهاد النبي «صلى الله عليه وآله» لا يمكنهم الرجوع إليه «صلى الله عليه وآله» ليباشر هو فض نزاعاتهم بنفسه أيضاً.

2 ـإن هذه الآية لا تختص بحياة رسول الله «صلى الله عليه وآله». لأنه لا يمكن الرجوع في حياة الرسول إلى غير رسول الله «صلى الله عليه وآله».

3 ـ إن التنازع بعد استشهاد رسول الله «صلى الله عليه وآله» قد حصل ولا يزال يحصل، ولا بد للناس من مرجعية تحل لهم هذه النزاعات الدينية وغيرها.

وقد قلتم: إن القرآن لم يجعل الرد إلى الأئمة المعصومين «عليهم السلام». فإلى من يرجع الناس في نزاعاتهم؟!. وهل تترك الشبهات والخلافات في الدين تنتج الفتن التي تفتك فيهم، وتدمر وجودهم، وتقضي على كل نبضات الحياة.

4 ـ إن ما تقدم يجعلنا نفهم الآية بنحو آخر يختلف عما ذكرتموه.

ونقول:
أولاً:إن الآية تدل على عصمة الرسول «صلى الله عليه وآله»، لأنه تعالى أمر بطاعته بنحو مطلق، فلو كان يعصي أو يخطئ، لكان المطلوب هو عصيانه.. وهذا تناقض.

ثانياً:إن الآية المباركة تدل أيضاً على عصمة أولي الأمر بنفس الدليل السابق، لأن أمر الله تعالى بطاعتهم أمر مطلق غير مشروط، ولو كانوا يخطئون ويعصون فلا يمكن أن يأمر بإطاعتهم مطلقاً، بحيث يشمل حال الخطأ والمعصية، بل هو سيأمر في هذه الحال بمعصيتهم، ولا يجتمع الأمر بالطاعة والأمر بالمعصية.

وعلينا أن لا ننسى:
أنه تعالى أمر بطاعة الله بصورة مستقلة. فقال: أطيعوا الله، ثم أمر بطاعة الرسول، وأولى الأمر بأمر واحد.

فقال: ﴿وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ﴾.. ولعل الفرق بينهما: أن للرسول «صلى الله عليه وآله» حيثيتين:
إحداهما: أنه مبلغ عن الله تعالى: دينه، وشرائعه.

الثانية: وما يراه من صواب الرأي والتدبير، وتطبيق الأحكام التي لها ارتباط بحكومته وولايته.

أما أولوا الأمر فليسوا كذلك، إذ لا نصيب لهم من الوحي، وإنما هم حفظة التشريع، وحملته للناس. وقد أخذوه من كتاب الله، ومن رسول الله «صلى الله عليه وآله»..

فيجب تصديقهم والأخذ منهم، وطاعتهم فيما يرتبط بحكومتهم وتدبيرهم.

ثالثاً:إن الآيات التي تلت هذه الآية المباركة توضح: أن التنازع الذي أمر الله تعالى الناس برده إلى الله سبحانه، وإلى الرسول «صلى الله عليه وآله»، هو التنازع في أحكام الله.

ولا يجوز الرجوع في مثل هذا الأمر إلى الطاغوت، لأن ذلك يوجب ضلالهم، بل كفرهم. ولا بد لحل النزاع المتعلق بالأحكام من الرجوع إلى الله ورسوله. أي إلى الكتاب والسنة.

فإذا كان أولوا الأمر حافظين للأحكام، معصومين عن الخطأ فيها، فإن الرجوع إليهم لأخذها منهم رجوع إلى حكم الله في كتابه، وإلى رسوله فيما سنه وبينه وبلغه..

رابعاً:إن الآية لم تحدد من هم أولوا الأمر، ولا بينت كيفية نصبهم، ولا حدّدت من الذي ينصبهم، ومن الذي يجعل لهم ولاية الأمر.

فلا بد من الرجوع في ذلك كله إلى سائر الآيات التي حددث ذلك.. فلماذا لا ترجعون إلى حديث الغدير؟!

فقد أمر الله رسوله بقوله: ﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِين([9]).

أو إلى آية: ﴿إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ([10]).

فمن هم هؤلاء الراكعون الذين جعل الله لهم الولاية بعد ولايته وولاية رسوله؟! نكتفي بهذا القدر من البيان..
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
11 / محرم / 1431 هـ.
جعفر مرتضى العاملي

-----------



([1]) الآية 69 من سورة النساء.
([2]) من الآية 17 من سورة الفتح.
([3]) الآية 67 من سورة المائدة.
([4]) الآية 55 من سورة المائدة.
([5]) ما بين المعقوفتين إضافة لاحقة للتوضيح.
([6]) الملل والنحل ج1 ص24.
([7]) ما بين المعقوفتين إضافة لاحقة للتوضيح.
([8]) الآية 59 من سورة النساء.

([9]) الآية 67 من سورة المائدة.
([10]) الآية 55 من سورة المائدة.

خادم الزهراء 06-May-2010 10:40 AM

المرفق الثاني

وقد أرسل إلينا محاورنا مرفقاً آخر مع الرسالة الأولى، وهو كما يلي:
هذه المقالة قد نشرتها في مجلة إسلامية تسمى سبيل الإسلام رداً على كتابكم (مراسم عاشوراء) بعد أن وصلني منه نسخة عن طريق الإنترنت، وأردت أن أرد عليكم، وحين وجدت عنوانكم أرسلته لكم حتى لا يكون لكم حجة بأنني لم أرسل لكم عنه أو أنكم تجهلون هذا..

وللشيطان على الرافضة حج كربلاء لمن استطاع إليها سبيلاً

عنوان عجيب.. ولكنها الحقيقة.

كما أن الرافضة عندهم صلاتان: صلاة لله، وصلاة لأهل البيت.

وزكاتان: زكاة ربع العشر، وزكاة الخمس.

ونكاحان: نكاح دائم بميراث، ونكاح مؤقت بدون ميراث.

وطوافان: طواف حول البيت، وطواف حول القبر.

وحرمان: حرم بيت الله الحرام، وحرم كربلاء (المقدسة) قم (المقدسة).

فكذلك عندهم حجان: حج إلى مكة المكرمة، وحج إلى كربلاء الأكرم والأفضل منها.

نعم.. حج. هل يشك مؤمن بعد هذا: أن دين الرفض عودة إلى الجاهلية المحضة؟!

ما رأيته اليوم هو منظر مؤلم يجعل الشيعي الصادق مع نفسه يشعر بالعار من هذا المنظر المشوه للإسلام. ويقول: هل هكذا تكون الدعوة إلى الله؟! أم أنها دعوة للابتعاد عن الإسلام والثبات على الكفر؟!

ويظهر أننا نشهد منافسة بين كربلاء التي يسمونها (بيت الله الحقيقي) كما سمعته من الشيخ الرافضي مازن الحسناوي.

فإنهم يصرحون في خطبهم وحسينياتهم: بأن عدد الحجاج في أربعينية الحسين قد فاق عدد الحجاج إلى بيت الله الحرام.

وقد ورد السؤال رقم (19) إلى جعفر مرتضى العاملي: عن أفضل بقاع الأرض هل هي مكة أم كربلاء؟

فكان جوابه أن من أفضل البقاع على وجه الخليقة هي كربلاء المقدسة، (مختصر مفيد في أحد أجزائه).

وفي بعض الروايات ما يدل على ذلك الجواب: « في بعض وقد قال السيد بحر العلوم في أرجوزته:

وفي حديث كربلا والكعبة لكربلا بان علو الرتبة

أفضلية تربة الامام الحسين (عليه السلام) الداخلة على وهو مستفاد من الروايات الارض من سائر بقاع أنظر هذا الرابط www.alhadi.org

ولكن يكفي مكة شرفاً أن أضافها الله إليه ﴿وطهر بيتي﴾. فكيف يكون قبر الحسين أفضل من الذي وصفه الله بأنه بيته؟!

إن هذا والله لهو الكفر العظيم.

وهل هناك إحرام عند ميقات حرم كربلاء؟!

وما حكم من يتجاوز الميقات من غير إحرام؟!

إن الدعوة إلى الحج إلى القبر هي مظهر آخر من المظاهر الدالة على مخالفة الشيعي لأصول الإسلام.

فإنه يعود بالناس إلى الحج إلى المشاهد لا إلى المساجد.

ويجعل هذا الحج وبقعته أفضل من حج الإسلام وحرمه في مكة.

وقد زعموا من قبل بأن زيارة قبر الحسين تعدل مئة حجة.

وهذا ما جعلني أختار هذا العنوان المعبر عن حقيقة هذه الشعيرة الجامعة بين الشرك والبدعة.

6 / محرم / 1431 هـ.

الشيخ الأسد عبد الرحمن الدمشقية

خادم الزهراء 06-May-2010 11:12 AM

الجواب على المرفق الثاني


بسمه تعالى
والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين..

حضرة عبد الرحمان دمشقية المحترم..


[أين هو الرد؟!:]

وصلتني رسالتك، ووصلتني أيضاً المقالة التي قلت: إنك رددت بها على كتابنا (مراسم عاشوراء).. وحين قرأتها لم أجد فيها أي شيء يمكن أن يسمى رداً على ذلك الكتاب، بل هي لم تذكر المراسم أصلاً، ولا ذكرت أياً من الاستدلالات التي فيه، ولا رداً منك عليها. الأمر الذي جعلني أحتمل أن ثمة اشتباهاً قد حصل..

نعم.. هي قد تحدثت عن أمر غريب عنا نحن الشيعة، وهو اتهامنا بأننا نفضل كربلاء على مكة..

وذكرت: أنني قد ذكرت ذلك في جواب السؤال رقم (19) من كتاب (مختصر مفيد). وقد رجعت إلى ذلك الكتاب، فلم نجد فيه شيئاً مما نقله عنا [مع أنه قد روي عن امامنا السجاد «عليه السلام»: ان أفضل البقاع ما بين الركن والمقام([1]). وهناك أحاديث أخرى تدل على ذلك]([2]).

كما أن هناك مجموعة من الأمور التي أوردتها في تلك المقالة بأسلوب شتائمي، تكفيري خشن، مع باقة من قواذع القول، وعوار الكلام. من دون أن تتضمن أي رد أو نقاش علمي، لا لنا ولا لغيرنا على الإطلاق..


[لا نبادلك بالمثل:]

ولئن حاولت التشنيع علينا بأمور لا واقع لها، أو لا يصح التشنيع بها على مسلم.. فإننا لم ولن نرد عليك بنفس الأسلوب، لأننا ننأى بأنفسنا عن الدخول في مهاترات لا ثمرة لها إلا الفتنة، وتحريك العصبيات بطريقة لا يرضاها الله تعالى، ولا يقرها عقل، ويأباها الخلق الرفيع، وينفر منها الوجدان الإنساني الطاهر..

نقول هذا.. مع أننا نرى: أن لدينا الكثير من الحقائق المحرجة لك، مما لا يمكنك التهرب منه، ولا الاعتذار عنه..

فلئن عيرتنا بأمور لا واقع لها، أو غير مرضية عندنا، فإننا لن نبادلك هذا الفعل بمثله.. ولكننا ندعوك إلى الدخول معنا في نقاش علمي وموضوعي رصين، مستند إلى معايير علمية صحيحة، فإن أظهرت الحجة أن الحق هو ما تقول أنت، فسنكون مع الحق الذي معك، وإن أظهرت الحجة أن الحق معنا، فإننا لن نتدخل في خيارك، بل نترك الأمر إليك، والمسؤولية أمام الله تكون عليك..


[نحن مستعدون للنقاش العلمي:]

ثم إننا لا نمانع في أن نبدأ نقاشنا العلمي هذا بواحدة من تلك النقاط التي أثرتها أنت في مقالتك التي أحببت أن تطلعنا عليها..

وليس لنا أي شرط مسبق معك، سوى شرط واحد، وهو أن لا تخرج عن موضوع البحث في أي نقطة حتى ننهي البحث في النقطة التي سبقتها.. وستجدنا إن شاء الله ملتزمين بأدب الخطاب معك، سائرين على نهج القرآن، متخلقين بأخلاق الإسلام..


[الخلق الكريم:]

أما أنت، فرغم أنك كنت المبادر للتحامل، والأذى، فإننا لا نحب لك ولأي كان من الناس أن يكون فظاً غليظاً. لا سيما إذا كنت تضع نفسك في موقع الداعية. إذ لا يليق بك أن تكون أول من يخالف قوله تعالى: ﴿ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ([3]).

كما أنه سبحانه قد أثنى على الخلق الكريم لنبيه العظيم «صلى الله عليه وآله»، فقال: ﴿وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ([4]).


[الشتائم لا تغير الواقع:]

على أن من الواضح: أن الشتائم، والتهويشات الرعناء، والسباب، والأذى، واختلاق الأباطيل لا تثمر هداية إلى الحق، لأن الحق نور، ودلالة شرف، وكرم، وإشراق، وأنس، ورحمة، ورضى، ومحبة، وسكينة، وإنصاف، وسجاحة خلق.. وليس جفاء، وغلظة، وسباباً، وشتماً، وتكفيراً، ورعونة..

[فرض الرأي بلا دليل:]

هذا مع العلم: بأنه لا يمكن فرض الرأي على الآخرين بالقوة، وقد قال تعالى: ﴿لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ([5])، بل الحق يفرض نفسه بالحجة الواضحة، والدلائل اللائحة، وبالكلمة الهينة اللينة والطيبة. وقد روي: «كونوا دعاة إلى لله بغير ألسنتكم».

ولكننا مع ذلك نقول لك:
إن باب الحوار العلمي والموضوعي مفتوح أمامك، ونحن ندع أسلوبك وطريقة حوارك، فلا نريد أن نشترط عليك فيه شيئاً.

فأنت وما تختار، ولن يصدنا عن الحوار معك ما تظهره من غلظة وفظاظة ما دمت ملتزماً بمعايير الحوار العلمي الصحيحة، لأن همنا هو الوصول إلى الحق، حتى لو كلفنا ذلك: أن يظلمنا الظالمون، ويعتدي علينا المعتدون، فالحق أغلى من كل غال، وأنفس من كل نفيس.

ولعل بعض الناس قد أصبح الظلم والعدوان خلقاً لهم، ويصعب عليهم التخلي عنه، ونحن نؤمن: بأن الطبع يغلب التطبع، وما أضمر أحد شيئاً إلا ظهر في فلتات لسانه أو على صفحات وجهه، وكل إناء بالذي فيه ينضح. ونحن قدوتنا نبينا الأعظم «صلى الله عليه وآله»، وأئمتنا الطاهرون..

نسأل الله تعالى أن يوفقنا للتخلق بأخلاق القرآن والاعتصام به، وبما جاء به رسوله الأعظم «صلى الله عليه وآله».

ونختم كلامنا بالتأكيد مرة أخرى على أنك إن أردت الحوار العلمي والموضوعي، فأبواب الحوار مشرعة أمامك. وليس لدينا «فيتو» على أي موضوع تختاره.

والحمد لله، وصلاته وسلامه على عباده الذين اصطفى محمد وآله الطاهرين..
11/1/1431 هـ.
جعفر مرتضى العاملي



----------

([1]) بلاغة الإمام علي بن الحسين ص279 والأمالي للطوسي ص28 وبشارة المصطفى للطبري الإمامي..
([2]) ما بين المعقوفتين إضافة لاحقة للتوضيح.
([3]) الآية 125 من سورة النحل.



([4]) الآية 159 من سورة آل عمران.
([5]) الآية 256 من سورة البقرة.

خادم الزهراء 06-May-2010 11:24 AM

الرسالة الـثـانـيــة

[البخوع للدليل:]

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة على من اصطفى من خلقه، محمد بن عبد الله، وعلى آله وصحبه أجمعين..

أما بعد..

فضيلة السيد جعفر مرتض العاملي..

أحييكم بتحية الإسلام..

السلام عليكم ورحمة من الله وبركاته..

لقد وعدت أن أردف رسالتي الأولى برسالة ثانية، وإليكم يا فضيلة السيد هذه الرسالة الثانية..

لقد أخذت رسالتكم بروح الباحث عن الحق والحقيقة لا أميز من من صدرت، أو من هو كاتبها، بل تمحصت بدليلها وسهولة عباراتها، المشبعة فصولها، التي لا يمكن إلا أن يقبل إطنابها، وحسن تحريرها، وقد لاحظت أنكم يا فضيلة السيد جعفر مرتضى العاملي لم تترك دليلاً من أدلة أهل السنة إلا ومحصته بحثاً وتمحيصاً، لا في رسالتكم هذه فقط، بل في دورة كتبكم التي وصلتني أقصد الصحيح من سيرة النبي الأعظم (صلى الله عليه وسلم).. إذ إني أشكر لكم جهدكم هذا، الذي لم تدخر فيه وسعاً لكي تظهر الحق بدليل قاطع، ونور ساطع، وسلطان لامع، ألا وهو الاجتهاد بأصول وفروع طائفتنا إضافة لتنوير المسلمين بأصول وفروع الشيعة الاثني عشريين، فجزاكم الله عن الإسلام خيراً..

وإن الله عز وجل قد أمر الخلائق أن تخضع للحق، ونور الهداية، فقد قال عز من قائل:

(لقد جاءكم من الله نور وكتاب مبين).

وعلى العالم أن يبخع للدليل، وأن لا يجسر عليه إذا قام بالدليل..

[العمل بمذاهب الجمهور:]

من هنا أريد أن أكمل تساؤلاتي وأسئلتي من خلالكم حفظكم الله تعالى..

وذلك بعد الرخصة التي تلقيتها من رسالتكم لي..

1 ـ لقد أجاز علماء المسلمين من جمهور علماء السنة والجماعة بالأخذ من المذاهب الأربعة وكلها تعتبر مجزية ومبرئة لذمة المكلف الذي يقع عليه التقليد للعالم كي يصل إلى مقاصد الشريعة الإسلامية التي يريدها الله تعالى، فلما أنتم عنها معرضون؟! مع أنني وبرأيي: أن الأخذ من فقهكم هو مبرئ للذمة، فلما لا تقدمون على الأخذ من المذاهب الإسلامية الأخرى مع أنها مستقاة كلها من عبير النبوة ومن رحيق الرسالة المحمدية؟!

2 ـ وإن كان مذهبكم هو المذهب الحق وفيه نجاة الأمة، وتطبيق لقول رسوله (صلى الله عليه وسلم): تفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة. فأعطني بينة أنكم هذه الفرقة الناجية، والبرهان أعطني إياه جلياً من قول الله عز وجل وكلام نبيه محمد (صلى الله عليه وسلم)، لا تحدياً، بل قابلاً للحق إذ جاء معك؟! وستجدني إن شاء الله من الصابرين..

وآخر دعوانا أن يسددنا على القول الثابت، وأن يوفقنا إلى مراضيه ويجنبنا معاصيه، إنه هو السميع المجيب.

أخوكم الشيخ (ص..)
15 / محرم /1431هـ.

خادم الزهراء 07-May-2010 01:31 PM

جواب الرسالة الثانية


بسمه تعالى
وله الحمد، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين..
فضيلة الأخ الكريم الشيخ (ص..) دمت مؤيداً ومسدداً..
السلام عليكم وعلى جميع من تحبون ورحمة الله وبركاته..

وبعد..
فقد تلقيت رسالتك الكريمة بيد الشكر والامتنان. وحمدت الله سبحانه على أن حباني بأخ كريم مثلك كنت قد توسمت فيه منذ الرسالة الأولى النبل، والكرم، وحسن النية، وسلامة الطوية، ولا أخفيك أنني بمجرد أن قرأت تلك الرسالة التي أرسلت معها مقالة الشخص الآخر، قلت لمن حضرني من الأخوة: إن ثمة فرقاً بين الرجلين، فإن الشيخ (ص..) يتكلم وفق الأصول العلمية، وأتوقع أن يكون منصفاً، وأريباً، وأديباً، وصادقاً..

وقد صدق الله ظني، فله الحمد والشكر، ولكم مني المحبة والإخلاص. والمزيد من الإكبار والاحترام..

حفظكم الله ورعاكم، ومد في عمركم، وسدد خطاكم. إنه ولي قدير..


[مبررات الأخذ بالمذاهب الأربعة:]


أخي الكريم الفاضل..

بالنسبة لسؤالكم أقول:
ذكرتم ـ حفظكم الله، وأمد في عمركم ـ: أن علماء المسلمين من جمهور أهل السنة والجماعة أجازوا الأخذ من المذاهب الأربعة. واعتبروها مجزية ومبرئة للذمة.

وأقول، وأقتصر في إجابتي على فتح نافذة على الآفاق الرحبة لهذا الموضوع، ثم أنتظر إجابتكم الكريمة لكي يتسنى لي معرفة اتجاه البحث الذي تحبون التوجه إليه، والتعويل عليه..

من أجل ذلك أقول بإيجاز شديد:
أولاً: إن سؤالنا هنا يا سماحة الشيخ الجليل هو عن المستند الذي اعتمد عليه علماء المسلمين من جمهور أهل السنة في إجازتهم للعمل بأي مذهب كان من هذه المذاهب الأربعة، أو بإضافة المذهب الظاهري، أو الزيدي، أو الإمامي؟!

فهل وجدوا آية في كتاب الله، أو حديثاً عن رسول الله «صلى الله عليه وآله» يدلهم على ذلك؟!. سوى الأوامر العامة التي تحث الجاهل على الرجوع إلى العالم.. كقوله تعالى: ﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾»([1]).

ثانياً: لقد كنتم على درجة كبيرة من الدقة حين قلتم عن المذاهب الأربعة: «أجاز علماء المسلمين»، وقلتم: «كلها مجزية، ومبرئة للذمة». وهذا هو نفس مضمون الفتوى التي أصدرها شيخ الأزهر في وقته، الشيخ محمود شلتوت فيما يرتبط بالعمل بمذهب الشيعة الإمامية.

وقد لفت نظرنا: أنكم، لم تقولوا: «إنهم قد أوجبوا على الناس الأخذ بخصوص المذاهب الأربعة».

ولم تقولوا: «إن العمل بغيرها لا يبرئ الذمة»..

كما أنكم ذكرتم: أنكم ترون أن الأخذ من فقهنا مبرئ للذمة. وهذا بنفسه يصلح جواباً عن سؤالكم الثاني. فإنه لو لم يكن مذهب أهل البيت «عليهم السلام» من الحق، لما كان مبرئاً للذمة، لأن الباطل لا يمكن أن يكون مبرئاً لذمة أحد..

ثالثاً: لو وجهنا هذا السؤال للشافعي، فقلنا له: هل تعمل برأي أحمد، الذي يخالف رأيك واجتهادك؟!

أو سألنا مالكاً: هل يأخذ برأي الشافعي المخالف لما يراه؟!

أو سألنا أبا حنيفة: هل تأخذ بفتوى ابن حنبل الذي تراه مخطئاً؟!

بل لو سألنا الشافعي نفسه: هل تأخذ أنت برأيك القديم، وتدع رأيك الذي أصبحت ترى أنه هو الصحيح؟!

فهل تراهم سيجيبوننا بالإيجاب أم بالنفي؟!

إن الإجابة بالإيجاب لا تنسجم مع حقيقة أن كل واحدٍ منهم يرى الآخر مخطئاً فيما ذهب إليه. وأن رأيه هو الأقرب إلى الصواب، وأن رأيه الجديد أيضاً أقرب إلى الحق من رأيه القديم، وما ذلك إلا لأن الحق واحد، أصابه من أصابه، وأخطأه من أخطأه.

إلا إن قلنا بالتصويب في الأحكام، ونحن لا نرى التصويب صواباً.. فإن كنتم ترونه صواباً فلا بد من بحث هذه المسألة معكم أولاً. فنحن نرى أن الحق واحد، إذ ما بعد الحق إلا الضلال والخطأ، ولئن قبلنا جدلاً التصويب في الأحكام، فإنه باطل جزماً في الاعتقادات. بل إن نفس حديث: تفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة، يدل على بطلان التصويب في الاعتقادات. وأن الحق فيها واحد، فلا بد من البحث عنه.

نعم.. يكون المجتهد المخطئ في الأحكام الذي بذل جهده معذوراً في خطأه عند الله.

ودعوى بعض المصوبة: أن الله تعالى ينشئ حكماً وفق ما أدى إليه نظر المجتهد، أو وفق رأيه وظنه تحتاج إلى إثبات قطعي. وأنى يمكن ذلك؟!

وقد يجوز لي أن أفهم من كلامكم: أنكم لا تقولون بالتصويب، لأنكم قلتم: «مبرئة لذمة المكلف الذي يقع عليه التقليد للعالم كي يصل إلى مقاصد الشريعة الإسلامية التي يريدها الله تعالى»، حيث دلت هذه العبارة على: أنكم تقولون: إن مقاصد الشريعة واحدة، ويحاول المجتهدون الوصول إليها. فقد يصيبها المجتهد، فيتنجز التكليف، وقد يخطئها، فيكون معذوراً عند الله..


[لماذا مذهب أهل البيت دون سواه؟!:]


رابعاً: إن ما نعتمد عليه في التزامنا بالأخذ عن خصوص أهل بيت النبوة «عليهم السلام» يحتاج في بيانه إلى ملاحظة أمور كثيرة، نذكر منها ما يلي:
ألف: إن مجرد أن يكون هناك مجتهد يستقي من عبير النبوة لا يعني أنه يجوز الأخذ منه عندكم. ولأجل ذلك منعتم من تقليد غير الأربعة برهة من الزمن. ولا يزال هذا المنع سارياً ـ بنحو أو بآخر ـ إلى يومنا هذا.

ب: إن لله تعالى كما ذكرتم، مقاصد يريد للناس الوصول إليها.. وقد شرع لنا أحكاماً وشرائع توصل إلى تلك المقاصد.. وهو يريد منا سلوك طريق بعينه للحصول على تلك الأحكام، ولأجل ذلك لم يرض بأخذ تلك الأحكام بواسطة القرعة، أو التنجيم، أو المنامات، أو الكهانة، أو قراءة الكف، أو قراءة الفنجان، أو من الجن، أو من غير المسلمين، أو من فساق العلماء، فلم يجوز لنا تقليدهم، وأخذ أحكام الدين منهم، ولا.. ولا..

ج: إنه لا يجوز أخذ الشريعة من الجاهل.. بل لا بد من أخذها من «أهل الذكر»، والتعبير بكلمة «ذكر» إنما هو لبيان: أن السبيل إلى الشرائع والأحكام هو نقل الحفظة، الذين لهم صفة الذكر بمعناها الدقيق، فلا يصح الأخذ ممن يسهو، وينسى، فضلاً عمن يخطئ، أو يتعمد الخلاف..

د: بل قد يقال: هذا التعبير «أهل الذكر» يضع علامة استفهام على الفتوى بالرأي أيضاً.. إذ إن من يريد أن يفتينا برأيه، أو من يستند إلى الاستحسان، أو غيره مما يفيد الظن المطلق لا يكون ذاكراً لأحكام الله، فلا مجال لسؤاله، ولا للأخذ منه.

وهذا يوضح الفرق بين أئمة المذاهب الأربعة، وبين أئمة أهل البيت «عليهم السلام»، فإن أئمة أهل البيت «عليهم السلام» ليسوا مجتهدين كاجتهاد أبي حنيفة أو مالك أو غيرهما، بل هم حفظة للشريعة، نقلة لها، وهم أهل الذكر، ولذلك لا تجد لديهم اجتهاد الرأي، ولا استحسان، ولا غير ذلك.

أما أئمة المذاهب الأربعة، فهم مثل سائر المجتهدين الذين يقلدهم العوام في زماننا هذا، فإن هؤلاء المجتهدين يمارسون استنباط الأحكام والسنة، وفق ضوابط معينة من شأنها أن تجعلهم أكثر إصابة لأحكام الله الواقعية.. وليسوا من «أهل الذكر» بالمعنى الذي ذكرناه.

ويشترط في هذه الضوابط التي يستفيدون منها أن تكون مرضية لدى الشارع الحكيم، وما ذكرناه يفسر لنا الروايات التي رواها السنة والشيعة، والتي حصرت «أهل الذكر» بأئمة أهل البيت «عليهم السلام»([2]).

ولعلك تقول: إن مورد الآية هو إرجاع المشركين إلى العارفين بالأمور.

ونجيب:
بأن من المعلوم: أن المورد لا يخصص الوارد. فالآية عامة، من حيث أنها تُرجِعُ كل من يجهل شيئاً إلى العالم به، ثم جاءت الروايات لتكون قرينة منفصلة على المراد، وتبين لنا: أن أهل المعرفة التامة، والحفظة لجميع المعارف والحقائق هم خصوص العترة. فكَوْنُ موردِ الآية خاصاً لا يوجب كون مضمونها كذلك.

هـ: وبعد.. فلو كان أهل البيت «عليهم السلام» كسائر المجتهدين لوقع الاختلاف بينهم في الفتاوى، كالاختلاف بين أئمة المذاهب الأربعة، فضلاً عن غيرهم.. لكنك تجدهم متفقين في كل شيء، ومذهب الشيعة الإمامية يعتمد على أقوالهم وسيرتهم، رغم أنهم اثنا عشر إماماً عاشوا في برهة زمنية تمتد إلى مائتين وخمسين سنة.

و: إن علماء المذاهب الأربعة قد ولدوا بعد استشهاد النبي «صلى الله عليه وآله» بعقود كثيرة، وبعضهم ولد في القرن الثاني والثالث للهجرة.. وإنما فُرِضَتْ مذاهبهم، واستُبْعِدَ ما عداها بعد زمان من وفاتهم.. ونحن من أجل ذلك نطرح الأسئلة التالية..

من كان المرجع للناس قبل ولادة الأئمة الأربعة، وقبل وصولهم إلى هذه الدرجة العلمية؟!


وكيف ثبت أن الناس قد قلدوهم في حياتهم، وتركوا سائر الفقهاء، وما أكثرهم في تلك الفترة؟!

وما هو مصير من أخذ من سفيان الثوري، والزهري، والشعبي، والأوزاعي، وابن جريج، وعطاء، وإبراهيم، والحسن، وابن حزم و.. و..؟! وهل أجزأه ذلك، وبرئت ذمته أم لا؟!

بل ما هو حال من كان يأخذ من علماء بلده وعصره بعد موتهم، قبل أن تفرض المذاهب الأربعة على الناس، فإن ذلك قد تأخر لعدة عقود من الزمن؟!

على أن هارون الرشيد قد أراد أن يحمل الناس على العمل بموطأ مالك، فنهوه عن ذلك بما جعله يتراجع. فلماذا استساغوا حصر المذاهب بالأربعة بعد ذلك.. أي بعد أكثر من قرنين من الزمن؟!

ز: إن الأربعة من أئمة المذاهب مجتهدون، ولكن الاجتهاد لا ينحصر بهم، وليس ثمة ما يرجحهم على غيرهم.. فلماذا فرضت مذاهبهم، ولم يفرض مذهب الأوزاعي، أو الثوري، أو الظاهري، أو غيرهم؟!

ح: إن المذاهب الأربعة مختلفة فيما بينها، فما الذي رجح لكل طائفة الأخذ بإمام بعينه، فهذا يرجح الأخذ بمذهب الشافعي على الأخذ بمذهب غيره، أو بالعكس؟! بل لماذا لا تتوحد المذاهب الأربعة في مذهب واحد؟!

ط: إن الروايات عن رسول الله «صلى الله عليه وآله» تدل على لزوم أخذ الشريعة من خصوص أهل البيت «عليهم السلام»، وهي كثيرة جداً، ولا ريب في تواترها، ونختار منها هنا حديثين فقط، وهما:

1 ـ حديث الثقلين المتواتر الذي جعل العترة من أهل بيت النبوة عدلاً للقرآن، وأوجب التمسك به وبهم، وقرر أن هذا التمسك يوجب الأمن من الضلال.. فقال «صلى الله عليه وآله»: «إني تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبداً: كتاب الله، وعترتي أهل بيتي» أو نحو ذلك.

ومصادر هذا الحديث من كتب أهل السنة كثيرة جداً وسنذكر شطراً منها عما قريب.

وقد اعترف ابن حجر بكثرة طرق هذا الحديث، وقال: إنه روي عن بضعة وعشرين صحابياً.. كما في آخر الفصل الثاني من الباب التاسع من الصواعق المحرقة.

مع أن تتبع طرقه يعطي: أنه مروي عن ثمانية وثلاثين صحابياً، وهو موجود في صحيح مسلم والترمذي وغيرهما.
وهو يدل دلالة واضحة: على أن المطلوب هو حصر أخذ الدين بالقرآن وبأهل البيت «عليهم السلام»، وأن في ذلك يحصل الأمن من الضلال، مما يعني: أن الأخذ من غيرهم مظنة الوقوع في الخطأ والخطل..

2 ـ حديث: «مثل أهل بيتي فيكم كمثل سفينة نوح، من ركبها نجا، ومن تخلف عنها غرق وهوى»([3]).

وبعد.. فإن التمسك بالقرآن وبأهل البيت «عليهم السلام» وفق توجيهات رسول الله «صلى الله عليه وآله» يزيل كل خلاف في الأمة، ويجمع شملها، ويوحد كلمتها.. والحجة عليه واضحة في حديث الثقلين، وحديث سفينة نوح، وليس ثمة ما يوجب اليقين ببراءة الذمة إذا أخذنا من غيرهم..

والاشتغال اليقيني يستدعي اليقين بالبراءة.

وكلام رسول الله «صلى الله عليه وآله» في حديث الثقلين وأمثاله كاف في تحصيل هذا اليقين.

ويجب أن لا ننسى: أن التمسك بالقرآن لا يعني التمسك بالعترة ولا يغني عنه، وهذا هو منطوق هذا الحديث.

ولمزيد من البيان والإيضاح نذكر لكم هنا فقرات مما ذكرناه في كتابنا: الصحيح من سيرة النبي الأعظم «صلى الله عليه وآله» ج15 ص97 فما بعدها، فنقول:

حديث الثقلين:

قالوا: ولما بلغ رسول الله «صلى الله عليه وآله» الجحفة أمر بشجرة، فقمَّ ما تحتها، فخطب الناس، فقال: «إني كائن لكم فرطاً، وقد تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا أبداً: كتاب الله، وسنة نبيه»([4]).

ونقول:
إن هذا الحديث لا ينافي حديث الثقلين الآتي ذكره، والذي جعل العترة عدلاً للقرآن.. ولتوضيح المراد يرجى ملاحظة ما يلي:

1 ـ الثقل: بفتح القاف، أم بسكونها؟!:

الظاهر: أن كلمة «الثقلين» هي بفتح الثاء المشددة، وفتح القاف بعدها.

قال ابن حجر الهيثمي: «سمى رسول الله «صلى الله عليه وآله» القرآن وعترته ثَقَلين، لأن الثَّقَل كل نفيس خطير مصون. وهذان كذلك، إذ كل منهما معدن العلوم الدينية، والأسرار والحكم العلية، والأحكام الشرعية؛ ولذا حث رسول الله «صلى الله عليه وآله» على الاقتداء والتمسك بهما، والتعلم منهما.

وقيل: سميا ثِقْلين، لثقل وجوب رعايتهما»([5]). أو رعاية حقوقهما.

وقال الشريف الرضي في المجازات النبوية: تسمية الكتاب والعترة بالثقلين، وواحدهما ثقل، وهو متاع المسافر الذي يصحبه إذا رحل، ويسترفق به إذا نزل، فأقام عليه الصلاة والسلام الكتاب والعترة مقام رفيقيه في السفر، ورفاقه في الحضر، وجعلهما بمنزلة المتاع الذي يخلفه بعد وفاته([6]).

2ـ النص الصحيح والصريح:

إنه لا يمكن الاعتماد على الرواية التي تقول: «كتاب الله وسنة نبيه» أو «كتاب الله وسنتي» واعتبارها أنها هي حديث الثقلين المعروف دون سواها.. بل الصحيح هو أن نقول:

إن حديث الثقلين المعروف هو ذلك الحديث المتواتر، والمروي بأسانيد صحيحة، وله نصوص متقاربة، منها ما ورد في صحيح مسلم، من أنه «صلى الله عليه وآله» قال في غدير خم:

«يوشك أن يأتي رسول ربي، فأجيب. وإني تارك فيكم الثقلين: أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور، خذوا بكتاب الله واستمسكوا به ـ فحث على كتاب الله ورغب فيه ـ ثم قال: وأهل بيتي. أذكِّركم الله في أهل بيتي، أذكِّركم الله في أهل بيتي الخ..» أو نحو ذلك([7]).


رواة الحديث من الصحابة:

وقد ذكر السخاوي: أن حديث الثقلين هذا مروي عن:
1 ـ أبي سعيد الخدري.
2 ـ زيد بن أرقم.
3 ـ جابر.
4 ـ حذيفة بن أسيد الغفاري.
5 ـ خزيمة بن ثابت.
6 ـ سهل بن سعد.
7 ـ ضميرة.
8 ـ عامر بن أبي ليلى.
9 ـ عبد الرحمن بن عوف.
10 ـ عبد الله بن عباس.
11 ـ عبد الله بن عمر.
12 ـ عدي بن حاتم.
13 ـ عقبة بن عامر.
14 ـ علي «عليه السلام».
15 ـ أبي ذر.
16 ـ أبي رافع.
17 ـ أبي شريح الخزاعي.
18 ـ أبي قدامة الأنصاري.
19 ـ أبي هريرة.
20 ـ أبي الهيثم بن التيهان.
21 ـ أم سلمة.
22 ـ أم هاني بنت أبي طالب.
23 ـ رجال من قريش([8]).

وقد زاد صاحب العبقات على ما تقدم؛ الأسماء التالية:
24 ـ الحسن بن علي «عليه السلام».
25 ـ سلمان الفارسي (المحمدي).
26 ـ حذيفة بن اليمان.
27 ـ زيد بن ثابت.
28 ـ عبد الله بن حنطب.
29 ـ جبير بن مطعم.
30 ـ البراء بن عازب.
31 ـ أنس بن مالك.
32 ـ طلحة بن عبيد الله.
33 ـ سعد بن أبي وقاص.
34 ـ عمرو بن العاص.
35 ـ سهل بن سعد.
36 ـ أبا أيوب الأنصاري.
37 ـ فاطمة الزهراء «صلوات الله وسلامه عليها».
38 ـ أبا ليلى الأنصاري([9]).


حديث الثقلين متواتر:

وقد صرحوا: بأن النبي «صلى الله عليه وآله» قد قال هذا القول في مواطن عديدة، فقد قاله في عرفة في حجة الوداع، وفي المدينة في مرضه الذي توفي فيه. وفي غدير خم، وقاله بعد انصرافه من الطائف([10]).

وقد صرحوا: بأنه مروي عن نيف وثلاثين صحابياً([11]).

وقد ظهر مما تقدم: أنه مروي عن ما يقرب من أربعين.

وقد اعتبر ابن حجر الهيثمي الحديث المروي عن ثمانية من الصحابة متواتراً([12])، فكيف إذا كان مروياً عن ثمانية وثلاثين صحابياً؟! أو أكثر حسبما ذكرناه؟!


وسنتي وعترتي متوافقان:

إن من الواضح: أن حديث: «كتاب الله وعترتي» متواتر.

وأما حديث: «وسنتي» فليس كذلك، فلو كانا متعارضين لوجب تقديم المتواتر.

على أن حديث «كتاب الله وعترتي» لا ينافي حديث «وسنتي».. بل هما حديثان مستقلان لا يضر أحدهما بالآخر.

ولو سلمنا ارتباطهما، فهو ارتباط لا يضر، حيث يكون أحدهما موضحاً، أو مقيداً للآخر، ويكون المعنى: أن سنة الرسول «صلى الله عليه وآله» التي يوصي الناس بالتمسك بها هي التي تنقلها العترة، وهي التي تحفظ الناس من الضلال؛ لأن العترة معصومة عن الخطأ والسهو والنسيان، وعن كل نقص وعيب وخلاف..

أما السنة التي يأتي بها أمثال: الوليد بن عقبة، أو مروان بن الحكم، أو أبي هريرة أو سمرة بن جندب، أو كعب الأحبار، أو عمرو بن العاص، أو معاوية وأضرابهم، فلا يؤمن عليها من أن تكون قد تعرضت للتحريف، أو التزييف.. وقد حفل التاريخ ببعض الشواهد على حدوث ذلك، خصوصاً فيما يرتبط بأهل البيت «عليهم السلام».

فيكون في هذين الحديثين دلالة على الحجة، وعلى طريق ثبوتها معاً..


أسرار في حديث الثقلين:

1 ـ وتقدم: أن حديث الثقلين هذا يدل على عصمة العترة «عليهم السلام»، لأنه «صلى الله عليه وآله» جعلها عدلاً للقرآن، في كون التمسك بها يوجب الأمن من الضلال، فلو كانوا «عليهم السلام» يسهون، أو يخطئون، أو ينسون، أو يكذبون ـ والعياذ بالله ـ أو يحتمل ذلك في حقهم لم يكن التمسك بهم من موجبات الأمن من الضلال عن الحق..

2 ـ قد أكد هذا الحديث أن هذه العصمة ثابتة لهم ومستمرة إلى حين الورود على الحوض، وهو يدل على بقائهم في موقع الهداية للأمة ما دامت الدنيا باقية، وذلك إنما يكون ببقائهم فيها بصورة فعلية، وعلى قيد الحياة، تماماً كما هو الحال بالنسبة لبقاء القرآن..

3 ـ إن هذا لا يكون إلا ببقاء إمامتهم وحضورهم.. وليكن هذا أحد الإرشادات إلى حياة الإمام المهدي «عليه السلام» إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.

قال الهيثمي: «في أحاديث الحث على التمسك بأهل البيت إشارة إلى عدم انقطاع متأهل منهم للتمسك إلى يوم القيامة. كما أن الكتاب العزيز كذلك»([13]).

وأخيراً: فقد قال السمهودي: «وهذا الخبر يفهم منه وجود من يكون أهلاً للتمسك من أهل البيت والعترة الطاهرين في كل زمان»([14]).

4 ـ يضاف إلى ذلك: أنه لو جاز عليهم الخطأ لفارقوا القرآن، مع أن هذا الحديث يقول: إنهما لن يفترقا حتى يردا على النبي «صلى الله عليه وآله» الحوض..

5 ـ إن التعبير بأن القرآن والعترة لن يفترقا.. يعطي: أن القرآن يكون مع العترة ويصدقهم، ولا يكون مع غيرهم في مقابلهم أبداً، وأنه لا يتضمن أي شيء يخالف أقوالهم، وأفعالهم، كما أنهم هم أيضاً لا يفارقون القرآن..
وهذا معناه: أن القرآن والسنة النبوية يحتاجان إلى حافظ ومبين، يشرحهما، ويبين ناسخهما من منسوخهما، والمحكم من المتشابه فيهما، ويكشف عن غوامضهما، وينفي تحريفات المبطلين عنهما.. وهذا الحافظ والشارح هو أهل البيت «عليهم السلام».

6 ـ لو كان الرجوع إلى الكتاب والسنة من دون رجوع للعترة يحفظ الأمة من الضلال، لم يختلف الناس بعد رسول الله «صلى الله عليه وآله»، ولم يتفرقوا إلى عشرات الفرق، ولم يختلفوا في أحكامهم واعتقاداتهم و.. و.. الخ..

كما أنه لو كان الرجوع إلى الكتاب والسنة من دون العترة كافياً، لم يبق معنى لقوله تعالى: ﴿..فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ([15]) فإنه إذا وجب السؤال، وجاء الجواب، فلا بد من الأخذ به، والعمل على طبقه، وهذا يستلزم ثبوت العصمة للمسؤول، إذ لولا ذلك لجاز أن يخطئ في الإجابة، ولا معنى لإيجاب الأخذ بالخطأ، ولا لإيجاب العمل به..
من هم العترة؟!:

ومن الواضح: أن المقصود بالعترة ليس جميع أقارب رسول الله «صلى الله عليه وآله»، بل المراد بهم هو ما بيَّنه «صلى الله عليه وآله» بقوله: «وعترتي أهل بيتي» كما صرحت به النصوص الكثيرة لحديث الثقلين.

وذلك يشير: إلى ما ورد في آية التطهير، التي أثبتنا أن المراد بأهل البيت «عليهم السلام» فيها هم: «أهل بيت النبوة». وقد دل حديث الكساء، وحديث الأئمة بعدي اثنا عشر وغيرهما، على أنهم: فاطمة، وعلي، والحسنان.. ثم الأئمة التسعة من ذرية الحسين «عليهم السلام»، فراجع كتابنا: «أهل البيت في آية التطهير».

وقد ذكر العلامة الوشنوي كلاماً يفيد في توضيح هذا المعنى فراجع([16]).

والحمد لله، وصلاته وسلامه على عباده الذين اصطفى محمد وآله الطاهرين..
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
حرر بتاريخ: 21/ 1/ 1431 هـ. ق.
أخوكم جعفر مرتضى العاملي

----------

([1]) الآية 43 من سورة النحل.
([2]) راجع: شواهد التنزيل للحسكاني ج1 ص432 حتى ص437 وخصائص الوحي المبين ص229 عم تفسير الثعلبي، وجامع البيان للطبري ج14 ص108 و (ط بولاق) ج17 ص5 وينابيع المودة للقندوزي الحنفي (ط اسلامبول) ص46 و 119 والجامع لأحكام القرآن للقرطبي ج11 ص272 وتفسير القرآن العظيم لابن كثير ج2 ص570 وروح المعاني للآلوسي ج14 ص147 ورواه: ابن شهرآشوب في منا قب آل أبي طالب ج4 ص179 عن القطان في تفسيره، ووكيع، والأسدي، وسفيان الثوري، والطرائف لابن طاوس ص94 عن تفسير محمد بن مؤمن الشيرازي.
([3]) راجع: المعجم الصغير للطبراني (ط دهلي) ص78 وعيون الأخبار لابن قتيبة ج1 ص211 والمعارف (ط مصر) ص86 والصواعق المحرقة ص184 ومستدرك الحاكم ج3 ص150 ومجمع الزوائد ج9 ص168 وتاريخ الخلفاء ص573 والخصائص الكبرى ج2 ص266 وينابيع المودة (ط اسلامبول) ص28 و 27 و 183 و 161.
([4]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص36 وفي هامشه عن البخاري ج4 ص12 وعن صحيح مسلم ج2 ص861 والحديث في الموطأ (بشرح السيوطي) ج2 ص208 كتاب القدر والسيرة النبوية لابن هشام ج4 ص603 وفيض القدير ج3 ص340 ومستدرك الحاكم ج1 ص93 وتنبيه الغافلين ص43 وميزان الإعتدال ج2 ص302 والكامل ج4 ص69 والضعفاء للعقيلي ج2 ص251 والعلل ج1 ص9 وكمال الدين ص235 والبحار ج23 ص132 وكنز العمال ج1 ص173 ـ 187 والجامع الصغير ج1 ص505 و 506 والسنن الكبرى للبيهقي ج10 ص114 والجامع لأخلاق الرواة ج1 ص166 وسنن الدارقطني ج4 ص160 والعهود المحمدية ص635 وطبقات المحدثين بإصبهان ج4 ص68 وعن تاريخ الأمم والملوك للطبري ج2 ص403 وذكر أخبار إصبهان ج1 ص103 والعبر وديوان المبتدأ والخبر لابن خلدون ج2 ق2 ص59.
([5]) الصواعق المحرقة ص226 و 227 وراجع تيسير الوصول.
([6]) المجازات النبوية ص218.
([7]) صحيح مسلم ج7 ص123 وتيسير الوصول ج1 ص16 والنهاية في اللغة لابن الأثير ج3 ص177 والصواعق المحرقة، والجامع الصحيح للترمذي ج5 ص621 و 622 والطرائف ص114 ـ 122 ومسند أحمد ج5 ص182 و 189 و 190 وج4 ص371 و 366 وج3 ص17 و 26 و 14 و 59 ومستدرك الحاكم ج3 ص148 و 110 و 109 و 533 وتلخيص المستدرك للذهبي (مطبوع بهامشه) والدر المنثور ج2 ص60 والمعجم الكبير ج5 ص186 و 187 وج3 ص63 و 66 ونوادر الأصول ص68 وكنز العمال (ط أولى) ج1 ص48 وتهذيب الكمال ج10 ص51 وتحفة الأشراف ج2 ص278 ومشكاة المصابيح ج3 ص258 وسنن الدارمي ج2 ص310 والسنة لابن أبي عاصم ص629 و 630 والسنن الكـبرى ج2 ص148 = = ومصابيح السنة ج2 ص205 والبداية والنهاية ج5 ص206 و 209 وج7 ص9 وكشف الأستار عن زوائد البزار ج3 ص221 وسمط النجوم العوالي ج2 ص502 وتهذيب اللغة للأزهري ج9 ص78 ولسان العرب ج4 ص538 ومجمع الزوائد ج9 ص156 و 163 وترجمة الإمام أمير المؤمنين من تاريخ دمشق (بتحقيق المحمودي) ج1ص45 وعن السيرة الحلبية ج3 ص308 ونظم درر السمطين ص231 و 232 والمنهاج في شرح صحيح مسلم ج15 ص180 وفيض القدير ج3 ص14 وشرح المواهب اللدنية ج7 ص5 و 8 والمرقاة في شرح المشكاة ج5 ص600 ونسيم الرياض في شرح الشفاء ج3 ص410 وعن أشعة اللمعات في شرح المشكاة ج4 ص677 وذخائر العقبى ص16 وغرائب القرآن ج1 ص347 والفصول المهمة لابن الصباغ ص24 والخصائص للنسائي ص30 وكفاية الطالب ص11 و 130 والطبقات الكبرى ج2 ص194 وأسد الغابة ج2 ص12 وج3 ص147 وحلية الأولياء ج1 ص355 وتذكرة الخواص ص332 والعقد الفريد والسراج المنير في شرح الجامع الصغير ج1 ص321 وشرح الشفاء للقاري (مطبوع بهامش نسيم الرياض) ج3 ص410 ومنتخب كنز العمال (مطبوع مع مسند أحمد) ج1 ص96 و 101 وج2 ص390 وج5 ص95 وعن تفسير الرازي ج3 ص18 وعن تفسير النيسابوري ج1 ص349 وتفسير الخازن ج1 ص257 وج4 ص94 و 21 وتفسير القرآن العظيم ج4 ص113 وج3 ص485 وشرح النهج للمعتزلي ج6 ص130 وفضائل الصحابة ص22 وتحفة الأشراف ج11 ص263 و 255 والسنن الكبرى للبيهقي ج7 ص30 وج10 ص114 ومسند ابن الجعد ص397 ومنتخب مسند عبد بن حميـد ص114 والسنن الكبرى للنسائي ج5 ص51 ومسند أبي يعلى ج2 ص297 = = و303 ومسند ابن خزيمة ج4 ص63 والمعجم الصغير ج1 ص131 و 135 والمعجم الأوسط ج3 ص374 وج4 ص33 والغدير ج1 ص30 و 176 وج3 ص297 وج10 ص278 وفدك في التاريخ ص98 ومستدرك سفينة البحار ج1 ص508 وج3 ص86 وأمان الأمة من الاختلاف ص126 و 130 و 132 و 135 ونهج السعادة ج3 ص96 وج8 ص417 ومسند الإمام الرضا ج1 ص106 و 108 ودرر الأخبار ص40 ومكاتيب الرسول ج1 ص358 و 553 ومواقف الشيعة ج1 ص33 وج3 ص474 وتفسير أبي حمزة الثمالي ص5 وتفسير العياشي ج1 ص5 وتفسير القمي ج1 ص173 وج2 ص345 والتبيان ج9 ص474 وتفسير مجمع البيان ج7 ص267 وج9 ص340 وكشف اليقين ص188 و 426 وسبل الهدى والرشاد ج11 ص6 وج12 ص232 و 396 وتفسير جوامع الجامع ج1 ص411 والتفسير الصافي ج1 ص21 وج2 ص69 وتفسير الميزان ج1 ص12 وج3 ص86 وج16 ص319 وج17 ص45 والكنى والألقاب ج1 ص262 وشواهد التنزيل ج2 ص42 واختيار معرفة الرجال ج1 ص85 وج2 ص484 و 485 والدرجات الرفيعة ص451 والضعفاء للعقيلي ج2 ص250 وج4 ص362 والكامل ج6 ص67 وتاريخ مدينة دمشق ج19 ص258 وج41 ص19 وج54 ص92 وسير أعلام النبلاء ج9 ص365 وكشف الغمة ج2 ص172 ونهج الإيمان ص202 وحياة الإمام الحسين للقرشي ج1 ص79 وحياة الإمام الرضا للقرشي ج1 ص9 ولمحات في الكتاب والحديث والمذهب للصافي ص137 ومجموعة الرسائل ج1 ص56 و 189 وج2 ص47 و 49 و 51. وراجع: بصائر الدرجات ص433 و 434 ودعائم الإسـلام ج1 ص28 وعيـون أخبـار الرضـا ج1 ص34 و 68 والخصـال ص66 = = والأمالي للصدوق ص500.





وراجع: كمال الدين وتمام النعمة ص64 و 234 و 235 و 236 و 238 و 239 و 240 و 278 ومعاني الأخبار ص90 وشرح أصول الكافي ج1 ص34 وج5 ص166 والوسائل ج1 ص2 وج18 ص19 ومستدرك الوسائل ج3 ص355 وج7 ص255 وج11 ص374 وكتاب سليم بن قيس ص201 ومسند الرضا ص68 و 210 ومناقب أمير المؤمنين ج1 ص148 وج2 ص112 و 115 و 116 و 117 و 135 و 136 و 137 و 140 والمسترشد ص559 ودلائل الإمامة ص20 والهداية الكبرى ص18 وشرح الأخبار ج1 ص99 وج2 ص379 و 502 وج3 ص12 ومائة منقبة ص161.

وراجع: الإرشاد ج1 ص233 والأمالي للمفيد ص135 والأمالي للطوسي ص162 و 255 و 548 والإحتجاج ج1 ص191 و 216 و 391 وج2 ص147 و 252 ومناقب آل أبي طالب ج1 ص3 والعمدة لابن البطريق ص68 و 69 و 98 و 102 و 118 والتحصين ص636 وسعد السعود لابن طاووس ص228 وإقبال الأعمال ج2 ص242 والطرائف لابن طاووس ص114 و 115 ومشكاة الأنوار ص11 والصراط المستقيم ج2 ص32 وكتاب الأربعين للشيرازي ص363 و 364 و 365 و 367 والفصول المهمة في أصول الأئمة ج1 ص549 وحلية الأبرار ج2 ص328 ومدينة المعاجز ج2 ص382 وبحار الأنوار ج2 ص100 و 104 و 226 و 285 وج5 ص21 وج10 ص369 وج16 ص337 وج22 ص311 و 476 وج23 ص107 و 108 و 109 و 113 و 117 و 526 وج23 ص133 و 134 و 136 و 140 و 141 و 145 و 146 و 147 وج24 ص324 وج25 ص237 وج28 = = ص262 و 287 وج30 ص588 وج31 ص376 و 415 وج35 ص184 وج36 ص315 و 331 و 338 وج37 ص114 و 129 وج47 ص399 وج86 ص13 و 27 ونور البراهين ج1 ص384 وكتاب الأربعين للماحوذي ص41 و 68 والعوالم (الإمام الحسين) ص605 و 734 ومناقب أهل البيت ص82 و 173 و 171 وخلاصة عبقات الأنوار ج1 ص27 و 28 و 30 و 58 وج2 ص3 و 8 و 47 والنص والإجتهاد ص13 والمراجعات ص72 و 73 و 262 والسقيفة للمظفر ص188 وكتب اللغة مادة ثقل، مثل: القاموس المحيط، وتاج العروس، والمناقب المرتضوية ص96 و 97 و 100 و 472 ومدارج النبوة لعبد الحق الدهلوي ص520. ونقله: الشيخ محمد قوام الدين الوشنوي في حديث الثقلين عن أكثر من تقدم، وعن الصواعق المحرقة ص75 و 78 و 99 و 90 و 136 وعن ينابيع المودة ص18 و 25 و 30 و 32 و 34 و 95 و 115 و 126 و 199 و 230 و 238 و 301 وإسعاف الراغبين (بهامش نور الأبصار) ص10 وعن فردوس الأخبار للديلمي ونقله صاحب العبقات عن عشرات المصادر الأخرى، فراجع حديث الثقلين ص22 ـ 29 فراجع.
([8]) حديث الثقلين للوشنوي ص13 عن الإستجلاب لشمس الدين السخاوي.
([9]) حديث الثقلين ص14 عن عبقات الأنوار المجلد الخاص بحديث الثقلين.
([10]) الصواعق المحرقة (ط سنة 1385 هـ) ص148 و 149.
([11]) راجع: الصواعق المحرقة (ط سنة 1385 هـ) ص148 و 149 والجامع الصحيح للترمذي ج2 ص220 و 221.
([12]) الصواعق المحرقة (ط سنة 1385 هـ) ص21.
([13]) الصواعق المحرقة (ط سنة 1385 هـ) ص149 وراجع: الفصول المهمة لابن الصباغ ص310 ونور الأبصار ص28 وينابيع المودة (ط سنة 1301 هـ) ج2 ص414.
([14]) حديث الثقلين للعلامة الوشنوي ص22 عن السمهودي.
([15]) الآية 43 من سورة النحل.
([16]) حديث الثقلين للعلامة الوشنوي ص19 فما بعدها.

خادم الزهراء 07-May-2010 04:20 PM

الرسالة الثالثة


[المفاجأة والندم:]

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خير خلق الله محمد بن عبد الله رسول الرحمة ونبي الأمة وعلى أهل بيته وأصحابه أجمعين، أما بعد:
سماحة الأخ السيد جعفر مرتضى العاملي (حفظكم الله وأيدكم)..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..

أشكر الله تعالى على كثير نعمه، ومن تلك النعم: أن أنعم علي بأخ عالم فقيه، جمع العلم، والأخلاق الحميدة، التي أمست نادرة في وقتنا هذا، إنما عنيت بهذا سماحتكم..

ولا أخفي عليكم أنني قد وقعت تحت تأثير المفاجأة الكبيرة حين تلقيت منكم هذا الجواب، الذي أعتبره جواباً عميقاً، قد أجاب عن كل التساؤلات التي تدور في ذهني والتي ألمحت عنها من خلال سؤالي، فما كان منكم إلا التصريح عن مكنونات ما دار في ذهني، وهذا لا يكون إلا من عالم مجتهد، أدعو لكم بطول العمر والعافية، وما فيه خير لدين الله وإظهار الحق.

وللأمانة إنني ما زلت نادماً على ما ادعيته جزافاً عنكم، في تلك المقالة وأرجو منكم المعذرة، وإنني منذ تلقيت ردكم علي ما زال إعجابي يكبر، والمحبة تزيد في قلبي تجاهكم، وأرجو من الله التوفيق والسداد لما يحب ويرضى.

[البداء والعصمة؟!:]

أخي سماحة السيد جعفر مرتضى (أيدكم المولى)..
أولاً: أريد أن أوضح مسألة مهمة وهي عن طريقة البحث ـ وأحمد الله أن وفقني لعالم مجد من أمثالكم ـ التي أنتهجها في التفكير والاستدلال، فأنا لست أشعري العقيدة، بل أنا من أصحاب القول بوجوب إعمال العقل والمنطق في الوصول إلى الحق، وهذا المنهج الذي ينفر الكثير من أصدقائنا منه ويعتقدون بأنه مخالف لما يريد الله ورسوله، مع أن الأدلة المسوقة إلينا من الكتاب والسنة النبوية الشريفة تحث على ذلك فقد قال تعالى: ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ.

وقوله عز وجل: ﴿فَبَشِّرْ عِبَادي الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللهُ وَأُولَٰئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ.

وعن النبي (صلى الله عليه وسلم): «قوام المرء عقله، ولا دين لمن لا عقل له».

وعنه (صلى الله عليه وسلم): «استرشدوا العقل ترشدوا، ولا تعصوه فتندموا».

فإنني أعمل جاهداً وأحث الآخرين على هذا، فقد نهى الله تعالى عن إهمال هذه النعمة الكبيرة، فقد قال تعالى: ﴿وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ.

وقوله أعز من قائل: ﴿وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَٰئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَٰئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ.

من هنا كان التصميم عندي منذ بدأت دراستي الدينية على أن أكون من أهل الصواب، ومن الذين يعملون عقولهم لا كالذين يقولون: ﴿إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَىٰ أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَىٰ آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ.

ثانياً: إن ما دفع بالسلطة السياسية في زمن الدولة العباسية إلى تحديد مذاهب التقليد بالمذاهب الأربعة هو من باب نظم الأمور، وذلك لأن تلك المذاهب تناسب ما تريده السلطة في ذلك الحين نعم وإن إقفال الاجتهاد لهو شيء مقيت وهم بذلك لم يرجعوا إلى الله ورسوله، وحتى إلى المنطق.

وتأييداً لم طرحته علي من أسئلة حول أصحاب المذاهب وما يرونه حول آرائهم، أجدك محقاً، بل إنني أزيد من المؤيدات عليه، فقد قال مالك: «الكل يؤخذ عليه ومنه إلا من هذا فإنه فقط يؤخذ منه» وقد أشار إلى قبر النبي (صلى الله عليه وسلم). من هنا يا سماحة السيد أؤيدك فيما تقول، لذلك تجد التخبط في فقه السني مما يخالف ما يريده رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، لكن ما جعل أمر المذهب كذلك هم من تسلطوا على الرقاب ونشروا الرعب والإرهاب باسم الدين والإسلام، وهما منهم براء. وهناك أمثلة كثيرة من التاريخ الإسلامي، وأوضحها ما حصل على السبط الشهيد سيدنا الحسين بن علي (رضوان الله عليه) على يد يزيد عليه لعنات الله. أريد منكم أن لا تستغرب مني هذا القول، فهذا ما يجب أن يكون عليه العالم المنصف الذي يبحث عن الحق وأهله..

ثالثاً: أما عن المصوبة وتبديل رأي الله عز وجل حسب فتوى المجتهد فهذا عين البداء الباطل الذي ينافي علم الله عز وجل، من هنا أنتهز تلك الفرصة لأسئلكم عن البداء الذي يعتقد به الشيعة والذي قرأت شيئاً عن هذا الموضوع في كتابكم الصحيح من سيرة النبي (صلى الله عليه وسلم).

فما هي حقاً عقيدتكم بهذا الموضوع؟!

رابعاً: ذكرتم حفظكم الله أن أهل الذكر هم خصوص أهل بيت النبوة (صلوات الله عليهم)، فهذا يدل على أنهم وحسب ما تلمحون إليه من أهل العصمة الذين لا يصدر عنهم الزلل والخطأ والخطل، لأن الحفظة كما عبرتم يجب أن يكونوا معصومين إن كانوا عدلاً للقرآن الكريم كما أشارت له الأحاديث التي ذكرتها مع مصادرها، وهذا كلام يدخل الوجدان والفؤاد، لكن تلميحكم يحتاج للتوضيح، وأرجو أن تفيدونا بهذا أكثر فإنني قد وقفت عند هذه المسألة، فهل يجوز أن يكون هناك معصوم غير الأنبياء، قد يعصم الإنسان نفسه وهذا مقدور للناس مع السير نحو الله عز وجل؟! ولكن هل عصمتهم كعصمة الأنبياء، وبعبارة أخرى هل عصمتهم تكوينية أم غير ذلك؟!

وإن كان هؤلاء (الحفظة) و (أهل الذكر) لديهم تلك العصمة، فمن أين لهم القدرة على استنباط الأمور والجواب على الأمور المحدثة، التي حصلت في عهدهم، وقد انقطع الوحي بعد وفاة النبي (صلى الله عليه وسلم)، أو استشهاده كما عبرت سماحتكم؟! فإن قلنا: إنهم لهم القدرة على ضبط الأحكام كما علمها رسول الله (صلى الله عليه وسلم) لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب (كرم الله وجهه) وذلك بسبب العصمة، فكيف كانوا يصلون إلى مقاصد الشريعة، وإلى الحكم الشرعي، دون إعمال الاجتهاد، أو مع انقطاع الوحي باستشهاد النبي (صلى الله عليه وسلم)؟!

خامساً: لقد فهمت من خلال جوابكم الكريم أن العترة هم خصوص أهل البيت (صلوات الله عليهم) دون زوجاته، أو أعمام النبي (صلى الله عليه وسلم)، أو زوجاته؟ فهل هم أولاد فاطمة بنت النبي (عليها صلوات الله)؟ ولماذا خصوص هؤلاء لا غيرهم من ولد علي أو من الحسنين (عليهم رضوان الله)؟!

وأخيراً.. أشكر لكم هذا الاهتمام، والتوسيع الذي كان في محله، وأسأل الله التوفيق والتسديد وأن يجعلنا وإياكم من الذين يسترشدون بهدي محمد بن عبد الله (صلى الله عليه وسلم)، إنه سميع مجيب الدعوات..
أخوكم الشيخ (ص..)..
22 / محرم / 1431 هـ. الموافق 8/1/2010م

خادم الزهراء 07-May-2010 06:25 PM

جواب الرسالة الثالثة


بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خير خلقه أجمعين محمد وآله الطاهرين..
فضيلة العالم الكامل، واللبيب الفاضل الشيخ (ص..) دام تأييده..

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..

وبعد..
فقد وصلتني رسالتكم الكريمة التي تعبر عن صادق محبتكم، وطيب أخلاقكم، وطهر روحكم، وعظيم أدبكم، فبارك الله تعالى بكم، وأمد في عمركم في خير وعافية في الدين والدنيا. إنه سميع مجيب الدعاء.

أخي الكريم الفاضل..
لقد أظهرت رسالتكم الكريمة أنكم بحمد الله من أهل العلم والعمل به، وأنكم من أهل الإنصاف والتدبر والتقوى، فبارك الله بكم، وزادكم من عنده ما تقرُّ به عينكم في الدنيا والآخرة..

أخي صاحب الفضيلة..
لم أكن أريد أن أطيل عليكم، غير أن التساؤلات التي تطرحونها فرضت علي قدراً من البيان، وبعض التفصيل الذي قد يكون مملاً لكم، أو مرهقاً. فأنا أعتذر لكم إن كنت قد تسببت لكم بشيء من ذلك.. وإن كان نبل أخلاقكم، ورحابة صدركم يأبيان إلا أن تغمرونا بلطفكم ومحبتكم، فرضي الله عنكم وأرضاكم.

أخي الفاضل الجليل..
إنني أود أن أهنئكم من كل قلبي على هذا النهج الذي رضيتموه لأنفسكم، وهو الالتزام بالبحث الموضوعي، واعتماد ضوابطه الصحيحة، والاحتكام إلى العقل فيما يستقل العقل بحكمه. أو فيما اعتمد عليه من نتائج قدمها له الدليل القاطع والبرهان الساطع، ليوازن فيما بينها، وليعطي كلمته الفصل، وحكمه العدل فيها، ليكون ذلك هو المبرر للالتزام الصارم والحازم بتلك الأحكام، من دون التفات إلى هوى، أو تعويل على موروث لم يتعرض له أحد بالتحقيق، وبالتمحيص الدقيق.

وهذا توفيق إلهي، حباكم الله به، لا بد من شكره، ومن الابتهال إليه تعالى بأن يديمه عليكم، وأن لا يحرمكم تعالى من ألطافه الخفية الزاخرة البركات والعنايات الربانية.

أخي الكريم..
فيما يرتبط بالتساؤلات التي طرحتموها أقول:
إنها وإن كانت تحتاج إلى المزيد من التفصيل والبيان، غير أنني سأجيب عنها بالاختصار قدر الإمكان، فأقول: وعلى الله أتوكل، ومنه أستمد العون والقوة:
السلطة السياسية ونظم الأمور:

ذكرتم حفظكم الله: أن السبب في حصر مذاهب التقليد بالأربعة هو نظم للأمور.. غير أننا نقول:
1 ـ إننا لم نلمح في التاريخ ما يدل على أن الأمور قد اختلت بسبب فتح باب الاجتهاد. وهذا باب الاجتهاد مفتوح عند الشيعة الإمامية إلى يومنا هذا ولم يوجب ذلك اختلالاً في مذهبهم، ولا في مجتمعهم، ولا في سياساتهم، ولا في غير ذلك. كما أنه لم يوجد أحقاداً بين أتباع مجتهديهم ـ وما أكثرهم عبر العصور..

2 ـ بل وجدنا أن الصراعات الصعبة بين أتباع المذاهب الأربعة قد تطورت، وتنامت، وبلغت إلى حدود الصراعات المسلحة فيما بينهم، وذلك بعد أن حصرت المذاهب فيها..

3 ـ إن نفس حصر المذاهب بالأربعة هو الذي ميز بينها، وفرق الناس إلى أربعة فرق تبعاً لذلك، وجعل لهذه الفرق حدوداً وقيوداً، ولو تركت الأمور على حالها، وقلد الناس من رأوا فيه الأهلية لذلك لم تتكون تلك الحساسيات التي انتهت بصراعات دامية. رسخت الفرقة، وزرعت الإحن والأحقاد..

4 ـ علينا أن لا ننسى أن مذهب أهل البيت «عليهم السلام» كان حاضراً في الساحة الإسلامية منذ توفي رسول الله «صلى الله عليه وآله». وقد استمر في التنامي والانتشار عبر العصور، ولم يستطع الحكام منعه من ذلك. فضلاً عن أن يتمكنوا من اجتثاثه واستئصاله من الجذور، رغم أن الرغبة في استئصاله قد أفرزت سياسسات بالغة القسوة والشراسة في مختلف العصور..

وأحداث التاريخ خير شاهد على ذلك. ولا أريد أن أرهقكم بإيراد الأمثلة، فأنا واثق بأنكم لستم بحاجة إلى ذلك..

بين التصويب والبداء:

وقلتم: إن التصويب هو عين البداء الباطل، الذي ينافي علم الله عز وجل.. ثم سألتم حقيقة عن البداء الذي يعتقد به الشيعة..

ونجيب بما يلي:
1 ـ إن البداء إن كان بمعنى أن الله تعالى قد غير رأيه بسبب اكتشافه الخطأ في الرأي الأول، فهذا باطل، ومحال على الله تعالى العالم بكل شيء، والآيات القرآنية والأدلة العقلية صريحة في ذلك.

ولا يعتقد أحد من شيعة أهل البيت «عليهم السلام» بهذا الأمر البديهي البطلان. بل هم يحرصون على اقتلاع أمثال هذه الأباطيل والأضاليل من أذهان جميع الناس..

2 ـ إن البداء الذي نعتقد به: هو أن ترد الأخبار عن الله ورسوله عن الآجال والأرزاق، والخلق، والصحة، والمرض، وما إلى ذلك وفق ما تقتضيه الحكمة فيما يرتبط بالسنن الإلهية فيها، وإجراء الأمور على طبيعتها.. كالإخبار عن أن عُمْر فلان من الناس ـ بحسب تركيبة جسده، وطبيعة مكوناته، والمحيط الذي يعيش فيه، والهواء الذي يتنشقه، و.. و.. الخ.. هو مئة سنة مثلاً.. ثم لنفترض أن ذلك قد كتب في لوح المحو والإثبات، وتطلع عليه الملائكة.. وأخبر تعالى نبيه بذلك.. و.. و..

ولكنه تعالى لا يكتب في اللوح، أو ولا يخبر نبيه، أو يخبره ويأمره بعدم البوح بأنه يعلم أيضاً أن هذا الشخص سوف يقتل ظلماً، أو عقوبة، أو يستشهد في ساحات الجهاد.. أو أنه سيشرب السم، أو سيخرج من محيطه السليم إلى محيط آخر موبوء مثلاً، أو سيقع من شاهق، أو سيتعرض لحادث سير، أو زلزال أو .. أو ..
فإذا حصل ذلك، وقتل هذا الرجل وهو في سن العشرين بسبب ما ذكرناه، ورأى الناس أو الملائكة أو النبي ذلك، فسيقولون: إن هذا بداء..

وهكذا الحال فيما لو أخبر بمقدار عمر فلان، ولم يخبر عن أنه يعلم بأنه سيقطع رحمه، فيموت قبل ذلك التاريخ بثلاثين سنة. أو سيصل رحمه فيزاد في عمره ثلاثون سنة. [.. على أن من الممكن أن يطلع الله نبيه على ما في اللوح المحفوظ.. ولكنه يأمره بأن يخبر الناس عما في لوح المحو والإثبات، الذي تكتب فيه مقتضيات السنن، من دون نظر إلى ما يعرض لها من موانع، أو ما يفقد من موانع، أو ما يفقد من شرائط، أو ما يَعْرُض من تغيرات، بسبب نشوء مقتضيات جديدة نتيجة عوامل أخرى فرضتها إرادات آخرين]([1]).

3 ـ ولو لم يكن العمر الذي نقص أو زاد هو ذلك المقدار الذي اقتضته السنن، لم يكن معنى للحكم بزيادة العمر، أو بنقيصته، فإن وجود الحد المعين هو الذي يصحح القول بالزيادة عليه والنقيصة وعنه.

4 ـ فظهر: أن البداء هو ظهور شيء بعد خفائه، أو تجسده على صفحة الواقع بعد كمونه.. فإن أضيف البداء إلى غير الله تعالى قُصِد به الظهور بعد الخفاء، كقوله تعالى: ﴿وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا([2]).

وإن أضيف إلى الله تعالى أريد به التجسد والتحقق على صفحة الوجود لأمر يعلم الله تعالى منذ الأزل أنه يستحقه في حينه بعد تحقق مقتضياته، وشرائطه، وانتفاء موانعه.

وهذا كتجسد المنْطَبَق للعلم على صفحة الواقع في قوله تعالى: ﴿وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ([3])..

وقال سبحانه: ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ([4]).. وهناك آيات أخرى تدخل في هذا السياق..

وهكذا يقال بالنسبة للأرزاق وغيرهـا، مما يكـتـب تقديـره في اللـوح ـ أعني لوح المحو والإثبات ـ ثم ظهرت الموانع التي لم يخبر عنها أو تفقد الشرائط، فيمحى ما اقتضته السنة الإلهية، ويكتب ما تحقق على صفحة الوجود بالفعل بالاستناد إلى المقتضيات بحسب ما توفر لها، أو فقد منها من شرائط وموانع..

[ومن موارد البداء في القرآن الكريم قصة يونس وقومه، وقصة ذبح اسماعيل، ثم فداؤه بذبح عظيم، وربما تكون قصة نوح وابنه أيضاً من هذا القبيل]([5]).

5 ـ ولولا أن الأمر يكون على هذا النحو لم يكن هناك لوح محو وإثبات، ولوح محفوظ «وهو أم الكتاب»، واللوح المحفوظ أو «أم الكتاب» هو العلم المخزون المكنون الذي يختص به الله تعالى لنفسه [فلا يُطلع عليه سائر الملائكة، وقد يُطلع بعض أنبيائه وأوليائه]([6])، ومن خلال مطابقة ما في لوح المحو والإثبات له.. يأتي، أو فقل: يتبلور معنى البداء..

6 ـ ومن الواضح: أن السنن الإلهية مجموعة نظم وقوانين تنتظم في دائرة قانون العلية، أراد الله تعالى أن يُخضِعَ مسيرة الكون والحياة لها..

واختيار الإنسان من جملة هذه السنن والمؤثرات.

فإذا كان الله تعالى قد جعل نظاماً يرتبط بالأعمار من خلال عناصر مختلفة داخلة في تكوين البشر، وإنه يستطيع أيضاً إخضاع هذه الأعمار نفسها لشرائط مختلفة قد تتوفر وقد لا تتوفر له في محيطه، وفي الهواء والغذاء، وفي الحالات النفسية المختلفة، وما إلى ذلك.. كما أنه قد يجعل لها موانع ومعوقات، وتكون إرادة الإنسان نفسه بأن يختار ما يوجب قتل نفسه، أو لا يختاره، وقد تكون الموانع هي إرادات غيره، فيختارون التسبب بقتله، أو لا يختارون ذلك..

يضاف إلى ذلك: أن إرادة الله تعالى أيضاً تبقى هي العلة التامة التي تهيمن على جميع العلل، والأسباب، والمسببات، وأنه تعالى قد يتدخل لإلغاء الأسباب والعلل، وفقاً لما رسمه تعالى لمسيرة الحياة في أحوالها وتقلباتها، وما يختل من شرائط، ويطرأ من موانع إلا حين يتنافى إعمالها مع مقام الألوهية، كما لو كان ذلك من مفردات الظلم، أو إذا كان إعمالها يتناقض مع الوعد الإلهي، أو غير ذلك.. وقد قال تعالى: ﴿وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً([7])، وقال: ﴿لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ([8]).

7 ـ وبهذا البيان، وبقانون البداء بالبيان الذي قدمناه يظهر بوضوح: بطلان قولهم: إن الله تعالى محكوم بقدره، وأنه قد جف القلم بعد أن كتب ما كان وما يكون إلى يوم القيامة، وصار الله ـ والعياذ بالله ـ مغلول اليد كما قال تعالى: ﴿وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ([9]).

وإذا كان عدم القول بالبداء معناه: أنه قد فُرِغَ من الأمر. وأن يده تعالى مغلولة، وأنه عاجز عن التصرف.. فلا أظن أن أحداً يجرؤ على القول بذلك، بعد أن صرح الله تعالى بذم اليهود على مقولتهم تلك، ولهذا الأمر سلبياته الكبيرة والخطيرة كما سنشير إليه عن قريب.

فوائد الاعتقاد بالبداء:

1 ـ إن الاعتقاد بالبداء يذكي الطموح في الإنسان، ويدعوه إلى أن يرسم الخطط، ويضع البرامج، وأن يسعى للتخلص من العوائق، وتغيير المعادلات.

2 ـ قد ذكر المجلسي «رحمه الله» أيضاً، ثلاث فوائد للبداء أيضاً، هي:
ألف: أن يظهر الله سبحانه للملائكة الكاتبين في اللوح، والمطلعين عليه، لطفه تعالى بعباده، وإيصالهم في الدنيا إلى ما يستحقونه، فيزدادون به معرفة..

ب: أن يعلم العباد ـ بواسطة إخبار الرسل والحجج لهم ـ أن لأعمالهم الحسنة مثل هذه التأثيرات، وكذلك لأعمالهم السيئة تأثيراتها. فيكون ذلك داعياً لهم إلى فعل الخيرات، وصارفاً لهم عن فعل السيئات..

ج: إنه إذا أخبر الأنبياء والأوصياء «عليهم السلام»، أحياناً عن لوح المحو والإثبات، ثم أخبروا بخلافه يلزم الناس الإذعان به، ويكون في ذلك تشديد للتكليف عليهم، وتسبيب لمزيد من الأجر لهم. إذ لا شك أنهم يؤجرون على هذا التسليم([10])..

أما الاعتقاد بعدم البداء، ففيه السلبيات التالية:
1 ـ إنه يجر الإنسان إلى حالة من الكسل والخنوع، ويفقده كل حيوية ونشاط وقوة، حتى لا يكون إنساناً فاعلاً في الحياة ولا مؤثراً فيها..

2 ـ إنه يجر الإنسان إلى اليأس القاتل، وإلى الخيبة، والفشل الروحي الذريع..[والقنوط من رحمة الله]([11]).

3 ـ إنه يعني: أن الله سبحانه عاجز عن التصرف، وأنه غير قادر على فعل أي شيء، وحين يرى الإنسان ربه عاجزاً عن أي تصرف، فلماذا يرتبط به؟! ولماذا يطلب منه حوائجه، أو يتوسل إليه لكشف الضر عنه، أو يدعوه لشفاء المريض، ولزيادة الرزق، ولغير ذلك؟! إنه سيشعر أنه في غنى عنه.. وإنه لا مبرر للارتباط به.. وبذلك يرى نفسه غير مطالب بتحقيق رضا الله، ولا بالتزام الحدود الشرعية والإيمانية.. [لأن الأوامر والنواهي تفقد معناها، بعد أن فقدت أثرها]([12]).

4 ـ إنه يفقد الإيمان بالغيب مضمونه ومعناه.. لأنه يحوله من غيب حي، وفاعل، ومؤثر، إلى غيب قاس قاهر، يبعث الجمود والشلل في الحياة الإنسانية..

أي أن الاعتقاد بعدم البداء المساوق للاعتقاد بالجبرية الإلهية للبشر، هو المسبب لتلك السلبيات.

فأما الشيعة الجاهلون بالبداء فإنما يعملون بمقتضى فطرتهم، التي تقودهم إلى انتهاج سبيل من يؤمن بهذه الحقيقة الفطرية الراسخة.

أما عدم الاعتقاد به، بسبب الجهل، أو عدم الالتفات فلا محذور فيه.. من حيث الاعتقاد، ولكنه يوجب حرمان الإنسان من فوائد وعوائد رصدها الله لمن يلتفت ويعتقد بهذا الأمر بصورة تفصيلية.

وقد ظهر بذلك أن الذين ينكرون البداء، بحجة أنه يستبطن الجهل من الله، وأنه تعالى لم يكن يعلم بالشيء ثم علمه.. لم يفهموا حقيقة البداء على النحو الذي بيناه، من أن ما يكتب في اللوح [أعني لوح المحو والإثبات]([13]) هو ما يوافق الحكمة وما تقتضيه سنن الخلق والتكوين، ونظام العلية، بغض النظر عما يرد على ذلك من موانع، أو ما يستجد من مقتضيات، قد يكون بعضها من خلال فعل الإنسان الاختياري الذي يتمثل بالصدقة، أو الدعاء، أو الاستشفاع، أو ما إلى ذلك..

----------

([1]) ما بين المعقوفتين إضافة لاحقة للتوضيح.
([2]) الآية 48 من سورة الزمر.
([3]) الآية 143 من سورة البقرة.
([4]) الآية 31 من سورة محمد.
([5]) ما بين المعقوفتين إضافة لاحقة للتوضيح.
([6]) ما بين المعقوفتين إضافة لاحقة للتوضيح.
([7]) الآية 49 من سورة الكهف.
([8]) الآية 9 من سورة آل عمران والآية 31 من سورة الرعد.
([9]) الآية 64 من سورة المائدة.
([10]) راجع سفينة البحار مادة البداء.
([11]) ما بين المعقوفتين إضافة لاحقة للتوضيح.

([12]) ما بين المعقوفتين إضافة لاحقة للتوضيح.
([13]) ما بين المعقوفتين إضافة لاحقة للتوضيح.

خادم الزهراء 07-May-2010 06:37 PM

عصمة غير الأنبياء:

وقلتم: «فهل يجوز أن يكون هناك معصوم غير الأنبياء؟! قد يعصم الإنسان نفسه، وهذا مقدور على الناس، مع السير نحو الله عز وجل؟! ولكن هل عصمتهم كعصمة الأنبياء»؟!

وبعبارة أخرى: هل عصمتهم تكوينية، أم غير ذلك؟!

ونقول:
أولاً: قد ذكرتم أنتم في عبارتكم الآنفة الذكر: أن الإنسان قد يعصم نفسه، وأن هذا الأمر مقدور للناس، وهذه الإلتفاتة بحد ذاتها كافية في الإجابة على سؤالكم الأول.. وهو قولكم: «فهل يجوز أن يكون هناك معصوم غير الأنبياء»؟!

ونزيد على ما ذكرتم: أن الله سبحانه قد أوجب العصمة على جميع خلقه، فهو تعالى إذا كان قد شرع أحكاماً، ونهى وأمر، وحث وزجر، فإنه يريد من جميع الناس إطاعته في جميع ما أمر به، وما نهى عنه، ولو رضي بترك مورد واحد مما أمر به، أو بفعل مورد واحد مما نهى عنه لم يكن هذا حراماً، وذاك واجباً.. وكذلك الحال لو صرف النظر عن بعض المستحبات، أو بعض المكروهات..

كما أنه لو رضي من رسوله، أو من المؤتمن على الشريعة بالإجابة الخاطئة في واحد من أحكام الشريعة (لأجل نسيان الحافظ، أو سهو الذاكر، أو خطئه) لم يكن ذلك الحكم مطلوباً لله سبحانه.. لأن رضاه بالخطأ فيه معناه: أنه لم يعد يريده.

هذا فضلاً عن أن صفة «أهل الذكر» تنتفي عن المسؤول في هذا المورد الذي أخطأ فيه، فلا يكون هذا المكلف الجاهل بالحكم قد رجع إلى أهل الذكر له، بل يكون من رجوع الجاهل إلى الجاهل.

ثانياً: إن الفرق بين عصمة النبي، وعصمة سائر الناس هو:
ألف: أن النبي واجب العصمة، بمعنى أن عصمته معلومة لنا بالبداهة، إذ لا يمكن أن يبعث الله نبياً غير معصوم. لأن نفس مقام النبوة يقتضي ذلك.

وهذا في بداهته يساوق بداهة ملازمة النهار لطلوع الشمس، إذ لا يمكن أن تكون الشمس طالعة، والنهار غير موجود. وإذا قلت: هذا جسم، فمعنى ذلك: أن له طولاً وعرضاً وعمقاً، لأن هذه هي خصوصية الأجسام، وأنه قابل للقسمة، وهكذا الحال بالنسبة لقابلية الأطوال للقسمة أيضاً.

كما أن الزمان يقتضي التجدد والحدوث ويقبل القسمة. والأمثلة على ذلك كثيرة.

ب: إن النبي «صلى الله عليه وآله» معصوم عن الذنب، والخطأ، والنسيان، والسهو، ومنزه عن كل عيب ونقص.

العصمة التكوينية:

أما العصمة التكوينية فهي غير معقولة لا في الأنبياء، ولا في غيرهم، وذلك لما يلي:
ألف: إننا نسأل عن السبب في تخصيص هؤلاء بهذه العصمة الإجبارية التكوينية؟!

ولماذا لم ينلها غيرهم من سائر بني الإنسان؟!!

ولماذا نحن نتعب ونشقى، ونحصل على القليل، ثم تكون لهم هم الدرجات العالية، مع أنهم لم يتعبوا ولم يجاهدوا أنفسهم مثلنا؟!

ب:ألا يكون الشخص الذي يقوم بالامتناع ـ من تلقاء نفسه ـ عن سيئة واحدة، أو يبادر إلى عمل حسنة واحدة في حياته، يجاهد بها نفسه وغرائزه، ـ ألا يكون ـ أفضل من جميع النبيين والأوصياء المعصومين بالتكوين وبالإجبار؟!

ج:ألا يعني ذلك: أن لا يستحق المعصوم مدحاً ولا أجراً على عباداته، ولا على أي شيء من طاعاته للأوامر والزواجر الإلهية؟!([1]).

إلى غير ذلك من علامات استفهام لا يمكن استيفاؤها في هذا البحث المقتضب.

ما فروا منه وقعوا فيه:

1 ـ إن المدعين للعصمة الإجبارية هم أنفسهم يقولون: إن النبي «صلى الله عليه وآله» قد يخطئ، ولكن الله تعالى لا يقره على خطئه.

فأولاً: كيف نجمع بين تكوينية العصمة، وبين صدور الخطأ من المعصوم؟!

ثانياً: ولو جاز ذلك، فلا شيء يوجب الطمأنينة إلى عدم تكرار الخطأ في المرة الثانية، التي يزعمون: أنها تصحيح للمرة الأولى، بل لا شيء يدلنا على أن المرة الثانية هي الخطأ، والأولى هي الصواب أيضاً.

الفرار من لوازم جبرية العصمة:

إن الحديث عن جبرية العصمة، قد ألجأ البعض إلى القول: بأن الله تعالى قد جعل الثواب بالتفضل على البشر، ونفى أن يكون للإستحقاق أي دور فيه، استناداً إلى القول بأن الثواب على غير المقدور غير قبيح، بل القبيح هو العقاب على غير المقدور..

ونقول:
إن هذا غير مقبو ل، ولا معقول.. وذلك لما يلي:
1 ـ إن قبح العقاب على غير المقدور، وعدم قبح الثواب عليه، لا ينتج أن يكون الثواب للعباد كلهم وفي كل شيء بالتفضل لا بالإستحقاق، بل تحتاج المثوبة بالتفضل إلى شرط آخر، وهو أن لايلزم من سلب القدرة محذور آخر، مثل:
الترجيح بلا مرجح.

أو الخروج عن دائرة العدل.

أو أن يصبح أشقى الأشقياء كفرعون ـ إذا فعل حسنة واحدة ـ أفضل من أعظم الأنبياء كنبينا محمد «صلى الله عليه وآله».

أو أن يكون على خلاف القاعدة التي رسمهـا، والسنة التي أجراهـا الله سبحـانه في عباده، حيث جعل المثـوبـة والعقوبـة بالإستحقاق بصـورة عامة.

وهذه اللوازم كلها، وبالإضافة إلى لوازم أخرى فاسدة سوف تصبح قائمة وموجودة هنا، إذا كان ثواب العباد كلهم في كل شيء بالتفضل لا بالإستحقاق.. وسيتضح ذلك في النقاط التالية:

2 ـ إذا كان الله تعالى يجبر الأنبياء على أمور، ثم يثيبهم عليها تفضلاً منه مع أنهم لا اختيار لهم فيها، ولا يفعل ذلك بغيرهم من الناس، ولا يتفضل عليهم فيما لا اختيار لهم فيه، بل يطلب منهم بذل جهود جبارة ومقاومة الإغراءات القوية، لكي يثيبهم، فهل هذا من العدل؟!

وهل يصح نسبته إلى الله تعالى؟!

3 ـلماذا رجَّح أشخاصاً بأعيانهم على غيرهم فقرر عصمتهم التكوينية الجبرية، وأن يثيبهم على الأمر غير المقدور لهم، وجعلهم أنبياء وأئمة، ولم يختر غيرهم لذلك، ولم يعصم غيرهم، ولم يثبهم على مثل ذلك؟! فهل هذا إلا من قبيل الترجيح بلا مرجح؟!

4 ـإن جبرية العصمة تعني: أن يكون أشقى الأشقياء ـ كابن ملجم، أو فرعون مثلاً ـ إذا عمل حسنة واحدة في حياته، مهما كانت تلك الحسنة صغيرة، أو إذا امتنع عن سيئة واحدة، أفضل من خاتم الأنبياء محمد «صلى الله عليه وآله»، لأنه إنما فعل ذلك باختياره، وبمجاهدة نفسه، وغرائزه، وشهواته، وأهوائه..

5 ـإن هؤلاء الناس يتحدثون كثيراً عن أوضاع سلبية في الفكر، وفي الممارسة للأنبياء، وعن نسيانهم، وعن سهوهم في الأمور الحياتية، وعن أن العصمة لا تمنع من الخطأ في تقدير الأمور، وتفاصيل متنوعة لممارسات زعم أنها صدرت، أو يحتمل أن تكون قد صدرت من الأنبياء «عليهم السلام» بعضها يصل إلى حد الشرك بالله سبحانه، وقتل نفوس بريئة، وارتكاب جرائم دينية..

ثم يقولون: إن الله تعالى لا يرضى ذلك، ويقولون: إن العصمة إجبارية.. فهل عجز الله عن إجبار وليه، أو نبيه على ما يريد؟! وكيف يمكن أن نلائم بين جبرية العصمة، وبين صدور الأخطاء الصغيرة، أو الكبيرة، المقصودة، وغير المقصودة هنا، وهناك؟! أو احتمال الشرك، واحتمال وقوع جرائم دينية منهم؟!

6 ـ إذا كان القول بالجبر الإلهي المطلق مرفوضاً، لبطلان الثواب والعقاب، بل لبطلان التكليف من أساسه، وقلنا: إن التفويض أيضاً مرفوض، لاستلزامه التعطيل، وغير ذلك من المحاذير.

وإذا كان القول الصواب هو أنه: «لا جبر ولا تفويض بل أمر بين أمرين»، فهل استثنى الله تعالى أنبياءه، وأولياءه من هذه القاعدة؟!

وأين الدليل على هذا التخصيص، والاستثناء؟!

7 ـإن بعض القائلين بجبرية العصمة يفرق أيضاً بين الطاعات، فلا جبر فيها، والمعاصي فيكون فيها القهر والجبر([2]). ولا ندري ما هو المبرر لهذا التفريق.

ومن الواضح: أن ترك الطاعة هو الآخر يكون من المعاصي، فالنبي إذن لا يقدر على هذا الترك، فما معنى كونه مختاراً في فعل أمر لا يقدر على تركه؟!

8 ـإن مقولة البلخي عن أن الثواب للبشر جميعاً وفي كل شيء إنما هو بالتفضل قد رفضها علماؤنا الأبرار «رضوان الله عليهم».. والتزموا بأنه بالإستحقاق، إذ لا يجوز في حكم العقل: المساواة بين المطيع والعاصي، فضلاً عن أن يعطى العاصي ويمنع المطيع.

ولو أن المثوبة كانت من باب التفضل لجاز ذلك، وقد ذكرنا الدليل على ذلك، وذكرنا الرد على مقولة البلخي في كتابنا: مأساة الزهراء([3])، فراجع.

المطيفون بالعرش:

وعلينا أن نشير هنا: إلى أن هذا لا يتنافى مع ما روي، من أن النبي «صلى الله عليه وآله» وأهل بيته «عليهم السلام» كانوا أنواراً مطيفين بالعرش، وأن آدم «عليه السلام» قد تمنى مقامهم، ثم توسل بهم كما توسل بهم نوح، وإبراهيم،، ويونس، وسائر الأنبياء «عليهم السلام»..

فجعلهم مطيفين بالعرش معناه: أن الله تعالى قد تفضل عليهم بمقام، قبل أن يفعلوا ما يوجب ذلك.. وهذا يعطي: أن المثوبات تكون بالتفضل لا بالاستحقاق..

ونجيب:
بأن من المجازفة القول: بأن إعطاء هذا المقام كان عن غير استحقاق منهم، فإنه تعالى يقول: ﴿وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ([4]). ونحن نقطع بأنهم حين خرجوا من عالم الخزائن خرجوا ساعين بكل وجودهم إليه، فمن أين يمكن الجزم بأنهم «صلوات الله عليهم» حين أخرجهم الله من عالم الخزائن لم يخرجوا ساعين بكل وجودهم إليه، وطالبين قربه ورضاه؟! ولم يحصل ذلك من أي من سائر المخلوقات حتى سائر الأنبياء «عليهم السلام».. ولهذا البحث مجال آخر..

أهل الذكر ومستحدثات المسائل:

ثم إنكم طرحتم سؤالاً آخر يقول: من أين لأهل الذكر القدرة على استنباط الأمور، والجواب على مستحدثات المسائل، وقد انقطع الوحي، بوفاة أو باستشهاد رسول الله «صلى الله عليه وآله»؟! فكيف كانوا يصلون إلى مقاصد الشريعة، وإلى الحكم الشرعي، من دون إِعمال الإجتهاد، والحال أن الوحي قد انقطع، حتى إن قلنا: أن لهم القدرة على ضبط الأحكام كما علَّمها النبي «صلى الله عليه وآله» لعلي «عليه السلام»؟!

ونجيب:
أولاً: إن كان مرادكم: أن ما بلغه النبي «صلى الله عليه وآله» للأمة، علمه لعلي «عليه السلام» لا يشتمل على مستحدثات المسائل بعده، فهذا يعني: أن الشريعة التي جاء بها «صلى الله عليه وآله» ناقصة، لا تفي بحاجات الناس إلى يوم القيامة، بل هي بحاجة إلى اجتهاد المجتهدين، ليقدموا للناس حلولاً وأحكاماً للموضوعات الحادثة بعد الرسول «صلى الله عليه وآله».. ونحن نجل مقامكم السامي في العلم والدين على أن يكون هذا هو ما قصدتموه..

ثانياً: إن القرآن فيه تبيان كل شيء، والذي عنده علم الكتاب هو النبي «صلى الله عليه وآله» ووصيه علي «عليه السلام» كما ورد في الروايات([5]) ـ لا عبد الله بن سلام، ولا غيره من علماء أهل الكتاب ـ ولهذا البحث مجال آخر.

ولنا هنا سؤالان:
[القرآن تبيان لكل شيء:]

أحدهما: هل إن إيداع الله تعالى كل شيء في كتابه، حتى أصبح ﴿تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ([6]). كان لأجل انتفاع الناس به، واستخراج ذلك منه؟! أو كان لغرض آخر؟! فإن كان لا يريد ذلك، فما هو الغرض الآخر الذي توخاه من ذلك؟! وما فائدة هذه المعارف، إذا كان لا أحد يقدر على الاستفادة منها إلى يوم القيامة؟!

وإن كان المطلـوب هو الإستفـادة من بعض ما في الكتاب دون بعض ـ قل أو كثر ـ فيرد السؤال عن فائدة ما لم يمكن اكتشافه منها، ولا يراد الإستفادة منه؟!

وإن كان المطلوب هو الإستفادة من كل ما فيه، فلا بد من أن لا يكون ذلك على سبيل الحدس والتظني، ولا بالإستحسان والآراء، ولا سيما إذا ضممنا إلى ذلك ما ورد من النهي عن تفسير القرآن بالرأي([7]).

ونحن لا نجد أحداً يمكن أن يدعي أن بإمكانه أن يعرف كل ما تضمنه القرآن.. ولو ادعى ذلك، فلا أحد يصدقه في دعواه، إلا إن كان النبي «صلى الله عليه وآله» هو الذي أشار إليه، ودل عليه.

ويقول الشيعة: إن النبي «صلى الله عليه وآله» قد دل الناس على علي «عليه السلام» [قال عنه: أنا مدينة العلم وعلي بابها، فمن أراد المدينة فليأتها من بابها]([8]) والذي علمه الرسول «صلى الله عليه وآله» ألف باب من العلم يفتح له من كل باب ألف باب([9])، والذي لو شاء لأوقر سبعين بعيراً من سورة الفاتحة([10])، فما بالك بما سواها. بالإضافة إلى قرائن وروايات أخرى، وتؤيد الأحداث بعد وفاته: أنه كان هو الأعلم من كل أحد، وأن احتياج الكل إليه واستغنائه عن الكل، دليل على أنه إمام الكل كما قال الخليل بن أحمد الفراهيدي([11]).

وحسبك في ذلك قول عمر الذي تكرر سبعين مرة أو أكثر: لولا علي لهلك عمر([12])، أو لا أبقاني الله لمعضلة ليس لها أبو الحسن([13])، أو نحو ذلك..

ومن الذي يستطيع أن ينفي بضرس قاطع أن يكون ما علمه علي «عليه السلام» قد كان عند الحسنين «عليهما السلام» أيضاً، إما بتعليم من النبي «صلى الله عليه وآله»، أو من علي «عليه السلام» أو من كليهما؟!

ومن الذي يستطيع أن ينفي أن يكون سائر الأئمة «عليهم السلام» قد أخذوا تلك العلوم بعينها يداً بيد، وكابراً عن كابر؟!


----------


([1]) هذا السؤال قد سأله علماؤنا رضوان الله تعالى عليهم لأولئك القائلين بعدم قدرة المعصوم على المعصية. راجع اللوامع الإلهية: ص169.
([2]) راجع: اللوامع الإلهية ص169 فإنه قد نسب ذلك إلى الأشاعرة.
([3]) ج1 ص63 و 64.
([4]) الآية 21 من سورة الحجر.
([5]) راجع المصادر التالية: شواهد التنزيل للحسكاني ج1 ص308 و 310 و 307 ومناقب ابن المغازلي الحديث رقم361، والخصائص ص26 وغاية المرام ص357 و 360 و 104 عن تفسير الثعلبي والحبري (مخطوط)، ودلائل الصدق ج2 ص135 عن ينابيع المودة ص102 ـ 105 ونقل عن أبي نعيم، وتفسير الثعلبي ج5 ص303 وشواهد التنزيل ج1 ص400 و 401 و 402 و 404 و 405 وأحكام القرآن لابن العربي ج3 ص86 وزاد المسير ج4 ص252 والجامع لأحكام القرآن ج9 ص336 والبحر المحيط ج5 ص390.

وراجع: إحقاق الحق (الملحقات) ج4 ص362 ـ 365 وج3 ص451 و 452 متناً وهامشاً وج3 ص280 ـ 285 متناً وهامشاً وج20 ص75 ـ 77 عن العديد من المصادر، والعمدة لابن بطريق ص124 والجامع لأحكام القرآن ج9 ص336.
([6]) الآية 89 من سورة النحل.
([7]) راجع: تفسير الثوري ص6 وتفسير السمرقندي ج1 ص36 وتفسير الرازي ج7 ص191 والبرهان للزركشي ج2 ص164.
([8]) ما بين المعقوفتين إضافة لاحقة للتوضيح.
([9]) راجع: الفصول المهمة لابن الصباغ ج1 ص571 والخصال ص572 و 652 ومصباح البلاغة (مستدرك نهج البلاغة) ج3 ص165 وكتاب سليم بن قيس (تحقيق الأنصاري) ص211 و 330 و 420 و 431 و 435 و 462 ودلائل الإمامة للطبري (ط مؤسسة البعثة) ص235 و (مؤسسة المهدي) ص131 والإحتجاج ج1 ص223 ومدينة المعاجز ج5 ص69 وبحار الأنوار ج22 ص463 وج31 ص425 و 433 وج40 ص216 وج69 ص183 وج89 ص42 والتفسير الصافي ج1 ص42 والدر النظيم ص285 و 606.

وراجع ايضاً: الأنوار العلوية ص337 وموسوعة الإمام علي بن أبي طالب «عليه السلام» في الكتاب والسنة والتاريخ ج10 ص16 و 17 وغاية المرام ج5 ص224 وج6 ص107 وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج7 ص600 وج23 ص452 وتنزيه الشيعة الإثني عشرية عن الشبهات الواهية للتبريزي ج1 ص156 و 163.
([10]) راجع: التراتيب الإدارية ج2 ص183 وبحار الأنوار ج89 ص103 و 93 عن أسرار الصلاة، ومناقب آل أبي طالب ج2 ص53 وتفسير البرهان ج1 ص3 وينابيع المودة ص65 وجامع الاخبار والآثار للأبطحي ج2 ص48 وإحقاق الحق (الملحقات) ج7 ص594 كلاهما عن: أسرار الصلاة ص138 وعن شرح ديوان أمير المؤمنين ص15 مخطوط. وشرح عين العلم وزين الحلم ص91 والروض الأزهر ص33 وجالية الكدر ص40 وتاريخ آل محمد ص150.
([11]) راجع: الإمام علي بن أبي طالب للهمداني ص135 ومعجم رجال الحديث للسيد الخوئي ج8 ص81.
([12]) راجع: الإستيعاب (ط دار الجيل) ج3 ص1103 وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج1 ص18 و 141 وج12 ص179 و 205 ونظم درر السمطين ص129 و 132 والمواقف للإيجي ج3 ص627 و 636 وتفسير السمعاني ج5 ص154 وتفسير الرازي ج21 ص22 والمناقب للخوارزمي ص81 ومطالب السؤول ص76 و 77 والفصول المهمة لابن الصباغ ج1 ص201 وجواهر المطالب لابن الـدمشقي ج1 ص195 و 296 وينـابيع المـودة ج1 ص216 وج2 ص172 = = وج3 ص14 وذخائر العقبى ص80 والرياض النضرة ج3 ص143 والأربعين للفخر الرازي ص466.
([13]) راجع: شرح نهج البلاغة للمعتزلي ج12 ص101 ونصب الراية للزيلعي ج3 ص117 والمناقب للخوارزمي ص101 وذخائر العقبى ص82 وينابيع المودة ج2 ص172 عن أحمد، وأبي عمر، وفتح الباري ج13 ص286 وتأويل مختلف الحديث ص152 والإستيعاب ج3 ص1102 ونظم درر السمطين ص131 وفيض القدير ج4 ص470 وأسد الغابة ج4 ص23 وتهذيب التهذيب ج7 ص296 ومطالب السؤول ص163 والفصول المهمة لابن الصباغ ج1 ص201 وجواهر المطالب لابن الدمشقي ج1 ص195.

خادم الزهراء 08-May-2010 09:54 AM

[مليون باب من العلم:]

الثاني: هل يستطيع أحد أن يقول: إن الأمم المتعاقبة قد استنفدت المليون باب من العلم الذي علمه رسول الله «صلى الله عليه وآله» لعلي «عليه السلام»؟!

وكم هي الأبواب التي احتاجها الناس من علم علي «عليه السلام» في عصر الأئمة، وهي ألف ألف باب من العلم؟!

وهل احتاج الناس في تلك العصور إلى جميع ما في القرآن من علوم ومعارف، ودلائل وأحكام؟! وها نحن نشاهد بأم أعيننا ضآلة ما اكتشفه الناس حتى الآن من معارف القرآن!!

ثالثاً: إن ما احتاج إليه الناس خارج دائرة النصوص الصريحة والمباشرة، لا يعدو كونه مجرد تطبيقات لقواعد شرعية عامة لهج بها القرآن، وصرح بها رسول الله «صلى الله عليه وآله».

وتطبيق القاعدة على مصداقها ليس إعمالاً للرأي، بل هو تطبيق للنص على مورده.. فمثلاً: قاعدة: «لا تعاد الصلاة إلا من خمس» يمكن تطبيقها على عشرات المسائل التي قد يبتلي بها المكلف في مقام العمل..

وهكذا يقال بالنسبة لقاعدة: «لا ضرر ولا ضرار في الإسلام».. وغير ذلك كثير..

ولكن ذلك لا يعني: أن شطراً من هذه الأحكام قد علمه الرسول «صلى الله عليه وآله» لأمير المؤمنين «عليه السلام»، ووصل إلى الأئمة من بعده.. كما أن ذلك لا يعني أن فهم جميع ما في القرآن كان ميسوراً لغير علي «عليه السلام» والأئمة من بعده.

غير أننا نريد أن نقول هنا:
إن ما احتاجه الناس من أحكام في زمن الأئمة «عليهم السلام»، وبعدهم كان لا يتعدى حدود هذه القواعد وتلك النصوص التي عرفها علي والأئمة «عليهم السلام». ولا ريب في أنه لم يخرج عن دائرة دلالات القرآن أيضاً..

وهل لو عاش علي «عليه السلام» في القرن الثاني والثالث للهجرة لم يكن يعرف أحكام الله في الوقائع التي حدثت، ليحتاج إلى اجتهاد الرأي؟!

رابعاً: إن كان المراد بالإجتهاد هو فهم آيات القرآن، وكلمات النبي «صلى الله عليه وآله»، فكيف صار أئمة المذاهب أقدر من غيرهم على فهمها؟!

خامساً: لماذا اختلفت فتاوى الفقهاء الأربعة فيما بينهم، بل اختلفت فتاوى الفقيه الواحد بين قديمه وجديده، بل كان لكل واحد من أولئك الفقهاء فتاوى متعددة ومختلفة في المسألة الواحدة؟!

فلماذا لم يختلف أئمة أهل البيت «عليهم السلام» في الفتاوى لا مع بعضهم، ولا مع أنفسهم؟! مع أنهم اثنا عشر إماماً، وقد عاشوا أكثر من ماءتين وثلاث وسبعين سنة؟!

ولماذا لم توحد معرفة أئمة المذاهب الأربعة بمقاصد الشريعة ـ على حد تعبيركم ـ بين فتاواهم؟!

وهل كان الشافعي مثلاً يعرف مقاصد الشريعة في فقهه القديم، ثم جهلها في فقهه الجديد، أو بالعكس؟! فإن كان الجواب بأنه كان يعرف المقاصد في كلا الحالتين، فيرد سؤال: لماذا اختلفت فتاواه الجديدة مع القديمة إذن؟! وإن كان الجواب بالنفي، فلا تبقى قيمة لفقهه، ولا لفتاواه، وإن كان الجواب بالسلب في مرحلة، والإيجاب في أخرى، فيرد السؤال: من الذي قال: إن معرفته بالمقاصد قد حدثت في فقهه الجديد دون القديم، وفي صورة العكس لماذا لا يكون العكس؟!

وحين اختلفت فتاوى الفقهاء لماذا لم تحفظهم معرفتهم بمقاصد الشريعة من الاختلاف في الفتوى؟!

إستشهاد النبي صلى الله عليه وآله:

إشارة:
ألمحتم في كلامكم إلى التعابير التي صدرت منا، الدالة على استشهاد الرسول «صلى الله عليه وآله»..

ونقول:
إن النصوص تؤكد: أن النبي «صلى الله عليه وآله» قد مات شهيداً بسم الخيبرية له على أقل تقدير.
ورووا: أنه «صلى الله عليه وآله» قال في مرض موته مشيراً إلى ذلك: فهذا أوان انقطاع أبهري([1]).

من هم العترة؟!:

وقد تساءلتم عن العترة، هل هم خصوص أهل البيت «عليهم السلام» دون زوجاته؟! أم أعمام النبي «صلى الله عليه وآله»؟! أم زوجاته؟!

فهل هم أولاد فاطمة «عليها صلوات الله»؟!


ولماذا خصوص هؤلاء لا غيرهم من ولد الحسنين «عليهما السلام»؟! لا غيرهم من ولد علي، أو الحسنين «رضوان الله عليهم»..

ونجيب:
إن تفصيل القول في هذا الموضوع يحتاج إلى كتابة مئات الصفحات، لذلك رأيت أن أقتصر على ذكر عناوين مشيرة للمطلوب، من دون دخول في التفاصيل، مع العلم بأن لي كتاباً بعنوان: أهل البيت في آية التطهير، وكتاباً آخر باسم: الغدير والمعارضون، قد يسهمان في الإجابة على هذه الأسئلة.

ولعل الأخوة يرسلون إليكم هذين الكتابين.

وفي جميع الأحوال أقول:
أولاً: إن المقصود بأهل البيت «عليهم السلام» هم الذين عنتهم الآية المباركة، الدالة على عصمتهم: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً([2]). حيث دلنا رسول الله «صلى الله عليه وآله» من خلال حديث الكساء المعروف والثابت: على أن أهل البيت في هذه الآية هم: علي، وفاطمة، والحسنان «عليهم السلام »([3]).

ولم يجعل معهم العباس، ولا أولاده، ولا غيرهم من بني هاشم.

ومنع أم سلمة، وعائشة، وزينب، من الدخول معهم تحت الكساء، وقال لها: إنك من أهلي، وهؤلاء أهل بيتي. أو قال لها: إنك على خير، وهؤلاء أهل بيتي، أو نحو ذلك.. فراجع المصادر، ويبدو من النصوص: أن هذه الحادثة قد تكررت أكثر من مرة..

ثانياً: إن المقصود بأهل البيت هو أهل بيت النبوة، لا أهل بيت السكنى.

ثالثاً: إن ورود آية التطهير في ضمن الآيات التي تتحدث عن الزوجات لا يعني دخول الزوجات في جملة أهل البيت، وذلك لأكثر من دليل وشاهد، مثل:

ألف: ما أشرنا إليه من منع زوجاته من الدخول تحت الكساء، حيث نزلت الآية الكريمة في تلك المناسبة..

ب: إن الزوجة من أهل الرجل، وليست من أهل بيته، وقد روي هذا عن زيد بن أرقم([4]).

ج: إن شمول الآية للزوجات غير ظاهر إلا من خلال السياق، والحال أن الدلالة السياقية، التي هي من أضعف الدلالات تسقط إذا توفرت أية دلالة أخرى على خلافها.

د: إن السياق لا يأبى أن يكون المقصود هو خصوص أهل الكساء، لأن الآيات في سياقها العام إنما تخاطب النبي «صلى الله عليه وآله»، فتقول: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً([5]).

﴿وَإِنْ([6]) كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْراً عَظِيماً([7]).

ثم تقول: وكأنه بتقدير: وقل لهن يا أيها النبي: ﴿يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً([8]).

وقل لهن: ﴿وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحاً نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقاً كَرِيماً([9]).

وقل لهن: ﴿وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى..﴾.

إلى أن قال: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً([10]).

وقل لهن: ﴿وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفاً خَبِيراً([11]). إلى آخر الآيات.. فكل هذه الآيات هي مقول القول الأول في الآية الأولى..

فكأنه تعالى بعد أن أمر نبيه «صلى الله عليه وآله» بأن يبلغ أزواجه هذه الأوامر والنواهي والتوجيهات، التفت إليه وقال له: إنما نأمرك بأن تقول لهن ذلك، لأن بيتك بيت نبوة، وطهارة. فلا بد من إبعاد حتى النسبة المجازية التي تكون لأدنى ملابسة.

فلا يجوز أن تأتي ذلك ولو من طريق الجار أو القريب، أو الساكن في البلد، فكيف بمن هي زوجة أحد أفراد أهل بيت النبوة؟!

ويمكن تقريب المقصود بالمثال التالي: لو أن شخصاً جليلاً عابداً زاهداً كان يسكن في منطقة فيها بعض من يرتكب مخالفات شرعية، فإن الناس يطلبون منهم الكف عن التجاهر بهذه الأمور، حفاظاً منهم على قداسة ذلك الرجل الجليل..

ولو كان لذلك الرجل الجليل ولد متجاهر ببعض الذنوب، فإن الناس ينهونه ويقولون له: إننا نصر عليك بترك هذه الأفعال، حفاظاً على مكانة أبيك.. [ولكن لو أن ذلك الولد لم يستجب للدعوة إلى الإرتداع، فلا يعني ذلك لحوق الرجس بوالده، بل يعني: أن ذلك الولد في غاية السوء، وأنه هو الذي يتحمل مسؤولية أعماله. وأن والده برئ منها.

وهكذا يقال بالنسبة لآية التطهير، فإن عدم ارتداع النساء عما نهاهن الله عنه، واستغلالهن للعلقة الزوجية برسول الله يظهر سوءهن في أنفسهن، ولا يلحق برسول الله «صلى الله عليه وآله» رجساً، ولا نقصاً.

وتكون آية التطهير شاهداً على ذلك، ودليلاً عليه.. وبها يَحفظ الله تعالى لأهل البيت «عليهم السلام» طهرهم ونقاءهم، ويضع المسؤولية على عاتق النساء إن صدرت منهن مخالفة]([12]).

هـ: إنه يمكن أن يكون الخطاب في الآيات موجهاً للنبي «صلى الله عليه وآله»، ثم التفت إلى النساء وخاطبهن في آيات كثيرة، فهو كقوله تعالى: ﴿بِسْمِ اللِه الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، الْحَمْدُ لِلهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ([13])، فإنها كلها تحدثت عن الله تعالى بضمير الغائب.. ثم التفت بالخطاب إليه تعالى مباشرة، فقال: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ..([14]).

ومثله قوله تعالى: ﴿عَبَسَ وَتَوَلَّى، أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى([15])، فإنه تحدث عن الذي فعل هذا الأمر المشين بصيغة الغائب، ثم التفت إليه وقال له: ﴿وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى([16])، وأمثال ذلك كثير..

و: الملاحظ: هو أن الله تعالى قد عدى كلمة يريد في آية التطهير باللام، فقال: ﴿يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ([17]).. فهو نظير قوله تعالى: ﴿يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللهِ بِأَفْوَاهِهِمْ([18])..

مع أنه تعالى يقول في آية أخرى: ﴿يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللهِ بِأَفْوَاهِهِمْ([19]).. والفرق بينهما: أن إرادة الكافرين في هذه الآية الأخيرة تعلقت بالمصدر الحاصل من الفعل وكلمة أن، وهو الإطفاء مباشرة.

أما في الآية الأخرى التي عدَّت الإطفاء باللام، فقد تعلقت إرادة الكافرين بشيء آخر، وهو الإفتراء على الله، ليكون وسيلتهم لإطفاء نور الله. فإطفاء نور الله كان هو الداعي لتعلق إرادتهم بالكذب والإفتراء على الله سبحانه..

ز: إن الآيات المباركة حول الزوجات لا تناسب مضمون آية التطهير إلاعلى النحو الذي ذكرناه، لأن تلك الآيات قد قررت: أن الزوجات كنَّ في معرض التسريح من بيت الزوجية، وأن فيهن المحسنات، وغير المحسنات، وقد خيَّر الله تعالى نبيه «صلى الله عليه وآله» بين أن يُرجى من يشاء منهن، ويؤوي إليه من يشاء، وهدد بعضهن في سورة التحريم تهديداً شديداً.. كما أنه «صلى الله عليه وآله» قد اعتزلهن، وكان بصدد طلاقهن، بسبب إصرارهن على الحصول على ما لا يحق لهن الحصول عليه من نفقات لا ينبغي لأمثالهن طلبها..

وقد آذين رسول الله «صلى الله عليه وآله» في ذلك كثيراً..

فدل ذلك كله: على أن الله تعالى كان بصدد حفظ مقام النبوة، وأهل بيت النبوة. ولم يكن مهتماً بالزوجات إلا بمقدار إرجاعهن إلى طريق الصواب، وقيامهن بما يجب عليهن، وعدم التسبب بأي شيء ينقص حتى لدى أهل الأهواء أو العقول القاصرة من مقام النبي، ومقام أهل بيته. حتى لو كانت هذه النسبة مجازية كنسبة إساءات المنحرفين من بلد أو قبيلة إلى الأبرياء من أهل ذلك البلد، أو القبيلة.

لأجل ذلك نلاحظ: أن الآيات التي سبقت ولحقت آية التطهير قد اقتصرت على الطلب من الزوجات مجرد العمل بتكاليفهن العادية، كالعزوف عن الدنيا، والسعي إلى الآخرة، والإبتعاد عن الفاحشة المبينة. ودعوتهن إلى العمل الصالح الذي يجعلهن أهلاً لأن يرزقهن الله رزقاً كريماً. والإلتزام بتقوى الله، والتستر عن الرجال الأجانب بنحو لائق، وعدم التبرج تبرج الجاهلية الأولى، وإن يقمن الصلاة، ويؤتين الزكاة، ويطعن الله ورسوله..

وهذا هو الحجم الذي أعطته الآيات للزوجات. وما ورد في سورة التحريم أيضاً يزيد في وضوح هذا الأمر، أما أهل بيت النبوة ومعدن الرسالة، فلهم حديث آخر، ومقام آخر..

وهم الذين جاءت الآية لتؤكد فضلهم ومقامهم. وسعي الرسول «صلى الله عليه وآله» لإيضاح ما ترمي إليه الآية فيما ظهر وتجلى في حديث الكساء.

فالأهمية القصوى هي لأهل بيت النبوة كما قلنا..

رابعاً: إن قوام بيت النبوة ليس بمجرد القربى النسبية، بل بالمواصفات الفاضلة، والسجايا الكريمة، والميزات الرفيعة التي تؤهل شخصاً مّا لهذا المقام، ولأجل ذلك قال رسول الله «صلى الله عليه وآله»: «سلمان منا أهل البيت».

إذ المقصود ليس كونه منتسباً إليهم، فإنه كان رجلاً فارسياً، ولا كان منتسباً إليهم بالولاء، لأنه هو الذي كاتب له، واشترى نفسه منه، وإعانة النبي «صلى الله عليه وآله» سيده لا تجعل سلمان من مواليه، بحيث يترتب عليها أحكام الولاء. فهو من أهل البيت لاستجماعه ميزات قريبة منهم.. ورفعته دون غيره إليهم..

ولأن الميزات المشار إليها لم تكن متوفرة في غير أهل الكساء لم يدخل النبي «صلى الله عليه وآله» عمه العباس في أهل البيت، ولا أدخل أحداً من أبناء العباس، ولا من أبناء سائر أعمامه «صلى الله عليه وآله»، ودخل ابن عمه علي «صلوات الله وسلامه عليه» فيهم..

إلا أن يقال: إن علياً «عليه السلام» كان أقرب إلى النبي «صلى الله عليه وآله» من عمه العباس، لأن علياً «عليه السلام» كان ابن عم النبي «صلى الله عليه وآله» لأبيه وأمه، ولم يكن العباس كذلك، بل كان عم النبي «صلى الله عليه وآله» لأبيه دون أمه، ولأجل ذلك كان علي «عليه السلام» هو الذي يرث رسول الله «صلى الله عليه وآله» بعد الطبقة الأولى دون عمه العباس..

إلا أن يقال: إن حكم الإرث شيء، والأقربية النسبية شيء آخر.. وهذا قول غير ظاهر الوجه.

وحاصل الكلام: أن أهل بيت النبوة لا يعرفون بالنسب، ولا بغيره، بل بمميزات أخلاقية ونفسانية، وسلوكية، ومواصفات خاصة ترتقي بالشخص منهم عن مستوى الإنسان العادي، وتجعله بهذا المقام السامي والرفيع..

وإذا كان من المتعسر أو المتعذر إطلاع الناس على حقيقة المزايا التي يمتلكها الأشخاص، فلا بد من الرجوع إلى عالم الغيب والشهادة لمعرفة هؤلاء الناس وتمييزهم عن غيرهم. ويكون ذلك بالرجوع إلى أمناء الوحي، وهو النبي «صلى الله عليه وآله» نفسه.

وقد رجعنا إلى النبي «صلى الله عليه وآله» فوجدناه في حديث الكساء الصحيح قد نص على أن علياً والحسنين، والزهراء، من أهل بيت النبوة..

ثم وجدناه يقول: يكون بعدي اثنا عشر خليفة، أو أميراً، أو إماماً كلهم من قريش([20]). كما رواه لنا البخاري، ومسلم، وأحمد، وغيرهم كثير، كما أن في الروايات عن رسول الله «صلى الله عليه وآله» تصريح بأسماء هؤلاء الخلفاء، وهذه الروايات موجودة في كثير من كتب أهل السنة والشيعة على حد سواء..

----------


([1]) راجع: المستدرك على الصحيحين للحاكم ج3 ص58 وتلخيص المستدرك للذهبي، وصححاه على شرط الشيخين، وذكر نحوه عن تأويل مختلف الحديث لابن قتيبة ص169 وراجع: تاريخ الخميس ج2 ص53 والسيرة الحلبية (ط دار المعرفة) ج2 ص432 والدرر لابن عبد البر ص269 وكنز العمال ج11 ص466 وراجع ص467 وراجع: المجموع للنووي ج18 ص386 وإمتاع الأسماع ج13 ص348 والطب النبوي لابن القيم الجوزي ص97 وتخريج الأحاديث والآثار ج1 ص71 ومجمع البيان ج9 ص121 و 122 وفيه: ما أزال أجد ألم الطعام.. وفي نص آخر: ما زالت أكلة خيبر تعاودني كل عام..

وراجـع: بحـار الأنـوار ج21 ص6 و 7 والمحـلى لابن حـزم ج11 ص25 و 27 = = والمصنف للصنعاني ج11 ص29 وراجع: سبل الهدى والرشاد ج1 ص434 وج5 ص134 والبداية والنهاية ج3 ص400 وج4 ص239 و 240 والكامل لابن عدي ج3 ص402 والطبقات الكبرى لابن سعد (ط دار التحرير بالقاهرة سنة 1388 هـ) ج2 ق2 ص32 و (ط دار صادر) ج8 ص314 والسيرة النبوية لابن هشام المجلد الثاني ص338 سلسلة تراث الإسلام. وعن سنن أبي داود ج2 ص370 وسنن الدارمي ج1 ص32 والسنن الكبرى للبيهقي ج10 ص11 وتاريخ الأمم والملوك ج2 ص303 والتنبيه والإشراف ص224 والسيرة النبوية لابن كثير ج3 ص399 و 400.
([2]) الآية 33 من سورة الأعراف.
([3]) راجع المصادر التالية: جامع البيان ج22 ص5 و 7 والدر المنثور ج5 ص198 و 199 عنه، وعن ابن المنذر، وابن أبي حاتم، والطبراني، وابن مردويه، والخطيب، والترمذي، والحاكم، وصححاه، والبيهقي في سننه، وابن أبي شيبة، وأحمد، ومسلم، وفتح القدير ج4 ص279 و 280 وجوامع الجامع ص372 والتسهيل لعلوم التنزيل ج3 ص137 وتأويل الآيات الظاهرة ج2 ص457 ـ 459 والطرائف ص122 و 130 المناقب لابن المغازلي ص301 ـ 307 وشواهد التنزيل ج2 ص11 و 92 ومسند الطيالسي ص274 والعمدة لابن بطريق ص31 ـ 46 ومجمع الزوائد ج7 ص91 وج9 ص121 و 119 و 146 و 167ـ 169 و 172 وأسد الغابة ج4 ص49 وج2 ص9 و 12 و 20 وج3 ص413 وج5 ص66 و 174 و 521 و 589 وآية التطهير في أحاديث الفريقين المجلد الأول كله. وأسباب النزول ص203 ومجمع البيان ج9 ص138 وج8 ص356 و 357 وبحار الأنوار ج35 ص206 و 223 وج45 ص199 وج37 ص35 و 36 ونهج الحق ص173 و = = 175 والجامع لأحكام القرآن ج14 ص182 وصحيح مسلم ج7 ص130 وسعد السعود ص204 و 106 و 107 وذخائر العقبى ص21 ـ 25 و 87 وكشف اليقين في فضائل أمير المؤمنين ص405 والإيضاح لابن شاذان ص170 ومسند أحمد ج4 ص107 وج3 ص259 و 285 وج6 ص292 و 298 و 304 وج1 ص331 وتفسير القرآن العظيم ج3 ص483 و 486 وكفاية الطالب ص54 و 242 و 371 و 377 وترجمة الإمام علي بن أبي طالب «عليه السلام» من تاريخ دمشق (بتحقيق المحمودي) ج1 ص184 و 183 والمعجم الصغير ج1 ص65 و 135 والجامع الصحيح ج5 ص663 و 699 و 351 و 352 وخصائص الإمام علي «عليه السلام» للنسائي ص49 و 63 والمستدرك على الصحيحين ج2 ص416 وج3 ص172 و 146 و 147 و 158 و 133 وتلخصيه للذهبي (مطبوع بهامشه)، وتفسير القمي ج2 ص193 والتبيان ج8 ص307 ـ 309 والتفسير الحديث ج8 ص261 و 262 ومختصر تاريخ دمشق ج7 ص13 والبرهان (تفسير) ج3 ص309 ـ 325 وتفسير فرات ص332 ـ 340 ووفاء الوفاء ج1 ص450 وراجع: نزهة المجالس ج2 ص222 ومنتخب ذيل المذيل للطبري ص83 وحبيب السير ج1 ص407 وج2 ص11 والشفاء لعياض ج2 ص48 وسير أعلام النبلاء ج10 ص346 و 347 وج3 ص270 و 315 و 385 و 254 والغدير ج1 ص50 وج3 ص196 وإحقاق الحق (الملحقات) ج9 ص1 ص69 وج3 ص513 و 531 وج2 ص502 و 573 وج14 ص40 ـ 105 وج18 ص359 و 383 عـن مصادر كثيرة جداً، وسليم بن قيس ص105 و 52 و 53 وراجع ص100 ونزل الأبرار ص102 ـ 104 و 108 وكنز العـمال ج13 ص646 ونـوادر الأصـول ص69 = = و265 والصراط المستقيم ج1 ص184 و 188 وقال في جملة ما قال: «أسند نزولها فيهم صاحب كتاب الآيات المنتزعة. وقد وقفه المستنصر بمدرسته، وشرط أن لا يخرج من خزانته. وهو بخط ابن البواب. وفيه سماع لعلي بن هلال الكاتب. وخطه لا يمكن أحد أن يزوره عليه» ومرقاة الوصول ص105 ـ 107 وذكر أخبار أصبهان ج2 ص253 وج1 ص108 وتهذيب التهذيب ج2 ص297 والرياض النضرة ج3 ص152 و 153 ونهج الحق (مطبوع ضمن إحقاق الحق) ج2 ص502 و 563 ومصابيح السنة ج4 ص183 والكشاف ج1 ص369 والإتقان ج2 ص199 و 200 وتذكرة الخواص ص233 وأحكام القرآن لابن عربي ج3 ص1538 والفصول المهمة لابن الصباغ ص7 و 8 والإصابة ج2 ص509 وج4 ص378 وترجمة الإمام الحسن «عليه السلام» لابن عساكر (بتحقيق المحموي) ص63 و 70 والصواعق المحرقة ص141 ـ 143 و 137 ومتشابه القرآن ومختلفه ج2 ص52 وتفسير نور الثقلين ج4 ص270 ـ 277 وإسعاف الراغبين (مطبوع بهامش نور الأبصار) ص106 و 107 ونور الأبصار ص110 ـ 112 وفضائل الخمسة من الصحاح الستة ج1 ص224 و 243 والاستيعاب (مطبوع بهامش الإصابة) ج4 ص46 وج3 ص37 وفرائد السمطين ج1 ص316 و 368 وج2 ص10 و 19 و 22 و 23 وينابيع المودة ص107 و 167 و 108 و 228 و 229 و 230 و 260 و 15 و 8 و 174 و 294 و 193 والعقد الفريد ج4 ص313 ومقتل الحسين «عليه السلام» للخوارزمي ج2 ص61 و 62 وراجع: التـاريخ الكبـير للبخـاري ج1 قسم2 ص69 و 70 و 110 وراجع ص197 وكتاب الكنى للبخاري ص25 ـ 26 ونظم درر السمطين ص133 و 238 و 239 وتهـذيـب = = تاريخ دمشق ج4 ص207 ـ 209 والنهاية في اللغة ج1 ص446 ولباب التأويل ج3 ص466 والكلمة الغراء «مطبوع مع الفصول المهمة» ص203 و 217 وأنساب الأشراف (بتحقيق المحمودي) ج2 ص104 و 106 وترجمة الإمام الحسين «عليه السلام» من تاريخ دمشق (بتحقيق المحمودي) ص60 ـ 76 والمعتصر من المختصر ج2 ص226 و 267 وراجع أيضاً: المواهب اللدنية ج2 ص122 والمحاسن والمساوئ ج1 ص481 ونفحات اللآهوت ص84 و 85 وتيسير الوصول ج2 ص161 والكافي ج1 ص287 ومنتخب كنز العمال (مطبوع بهامش مسند أحمد) ج5 ص96 عن ابن أبي شيبة وكنز العمال (ط الهند) ج16 ص257 والاتحاف ص18 وتاريخ الإسلام للذهبي (عهد الخلفاء الراشدين) ص44 وأحكام القرآن للجصاص ج5 ص230 وتاريخ بغداد ج10 ص278 وج9 ص26 و 27 والمناقب للخوارزمي ص23 و 224 والسيرة النبوية لدحلان ج2 ص300 ومشكل الآثار ج1 ص332 ـ 339 والسنن الكبرى ج2 ص149 ـ 152 وج7 ص63 والبداية والنهاية ج5 ص321 وج8 ص35 و 205 ومنهاج السنة ج3 ص4 وج4 ص20 وعن ذخائر المواريث ج4 ص293 وعن ميزان الاعتدال ج2 ص17.
([4]) راجع: منهاج السنة ج4 ص21 وصحيح مسلم ج7 ص123 وتفسير القرآن العظيم ج3 ص494.
([5]) الآية 28 من سورة الأعراف.
([6]) إنما تستعمل كلمة (إن) في مورد يكون كل من الطرفين محتملاً في حق النساء. ولو أنه أبدلها بكلمة (إذا) لدل على حتمية حصول الشرط. ويكون كقولك: إذا جاءك زيد فاعطه هذه الأمانة. حيث تدل كلمة (إذا) على حتمية مجيئه.



(هذا الهامش أضيف لاحقاً للتوضيح).
([7]) الآية 29 من سورة الأعراف.
([8]) الآية 30 من سورة الأعراف.
([9]) الآية 31 من سورة الأعراف.
([10]) الآية 33 من سورة الأعراف.
([11]) الآية 34 من سورة الأعراف.
([12]) ما بين المعقوفتين إضافة لاحقة للتوضيح.
([13]) الآيات 1 ـ 3 من سورة الفاتحة.
([14]) الآية 4 من سورة الفاتحة.
([15]) الآيتان 1 و 2 من سورة الفاتحة.
([16]) الآية 3 من سورة الفاتحة.
([17]) الآية 33 من سورة الأعراف.
([18]) الآية 8 من سورة الصف.
([19]) الآية 32 من سورة التوبة.
([20]) راجع: مسند أحمد ج5 ص90 و 92 و 93 و 99 و 101 وج6 ص4 وصحيح مسلم ج6 ص4 وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج13 ص34 و 37 وكتاب الغيبة للنعماني ص123 والمعجم الكبير للطبراني ج2 ص196 وراجع: الأمالي للصدوق ص387 والخصال ص475 وكمال الدين ص273 وبحار الأنوار ج36 ص231 و 241 وغايـة المـرام ج2 ص271 ومسند أبي عوانـة: ج4 ص394 وحلية الأولياء ج4 ص333 وإعلام الورى ص382 والعمدة لابن البطريق ص416 ـ 422 وإكمال الدين ج1 ص272 و 273 والخصال ج2 ص469 و 275 وفتح الباري ج13 ص181 ـ 185 والغيبة للنعماني ص119 ـ 125 وصحيح البخاري ج4 ص159 وينابيع المودة: ص444 و 446 وتاريخ بغداد ج2 ص126 وج14 ص353 والمستدرك على الصحيحين ج3 ص618 وتلخيصه للذهبي (مطبوع بهامشه) نفس الصفحة، ومنتخب الأثر ص10 ـ 23 عن مصادر كثيرة، والجامع الصحيح للترمذي ج4 ص501 وسنن أبي داود ج4 ص116 وكفاية الأثر من ص49 حتى نهاية الكتاب.

خادم الزهراء 08-May-2010 10:05 AM

[معالجة أهل السنة لحديث الاثني عشر خليفة:]

وهذا ما يفسر لنا ما نجده من تآليف كثيرة لعلماء كبار من أهل السنة حول الأئمة الاثني عشر، مثل: كفاية الطالب للكنجي الشافعي، والفصول المهمة لابن الصباغ المالكي، والإتحاف بحب الأشراف، للشبراوي الشافعي، ونور الأبصار للشبلنجي الشافعي، وينابيع المودة للقندوزي الحنفي، والصواعق المحرقة لابن حجر الهيثمي، والأئمة الاثنا عشر للفضل بن روزبهان، وتذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي، وذخائر العقبى.. وغير ذلك كثير جداً..

ويبدو لنا: أن هؤلاء الأعلام أرادوا حل معضلة حديث: يكون بعدي اثنا عشر إماماً أو أميراً أو خليفة كلهم من قريش.. خدمة منهم لمذهب التسنن، فاعتبروا: أن المراد هو الإمامة والخلافة بالعلم، والصلاح، والتقوى، وظهور الكرامات، بل توسع بعضهم في الولاية والأولياء حتى نسب لأقطاب الصوفية من الكرامات ما يجعلهم في مقامات تضارع مقامات الأنبياء، أو تزيد..

وبذلك يكونون قد حلوا المعضلة التي نشأت من الحديث المذكور من جهة، وحجموا وضيقوا مفهوم الإمامة، وأفرغوها من محتواها العميق، لتصبح أمراً عادياً يمكن لكل أحد أن يناله من جهة أخرى.. فقد اعتبروا الأئمة المنصوص عليهم مجرد عباد وزهاد ومجتهدين في الفقه، ولديهم قسط وافر من العلم، كما هو عند غيرهم.

الجاحظ ماذا يقول؟!:

فتلخص مما تقدم: أن تعيين الأئمة في ولد الحسين «عليه السلام»، إنما جاء من النص من النبي «صلى الله عليه وآله» مباشرة، أو من نص الإمام السابق على اللاحق.. ومن الأهلية الظاهرة التي لمسها الناس فيهم، حتى إن الجاحظ يقول في رسالته: «فضل هاشم على عبد شمس» ما يلي:

«ومن الذين يعد من قريش، أو من غيرهم، ما يعد الطالبيون في نسق واحد، كل واحد منهم: عالم، زاهد، ناسك، شجاع، جواد، طاهر، زاك، فمنهم خلفاء، ومنهم مرشحون: ابن، ابن، ابن، ابن. هكذا إلى عشرة.. وهم: الحسن بن علي، بن محمد، بن علي، بن موسى، بن جعفر، بن محمد، بن علي، بن الحسين، بن علي.
وهذا لم يتفق لبيت من بيوت العرب، ولا من العجم إلخ..»([1]).

ولكي يتضح ما نرمي إليه، نشير إلى الأمور التالية:
1 ـ إن الجاحظ ليس رجلاً عادياً، بل هو عالم معروف، وكاتب مشهور في عصره، وبعد عصره، وهو متنوع الثقافة، وقد كتب في مختلف الموضوعات التي شاع التكلم بها في عصره.. وكان معتزلياً على طريقة أهل البصرة، الذين كانوا عثمانية، أي يقدمون عثمان على علي «عليه السلام»، مقابل معتزلة بغداد الذين يقدمون علياً «عليه السلام» على عثمان وعلى جميع الصحابة..

وهو وإن كان يظهر الحياد في كتاباته، ولكن أهل نحلته من المعتزلة، كالإسكافي وغيره كانوا يتهمونه بالنصب والعداء لأهل البيت.

وقد ألف كتاباً في نقض فضائل أمير المؤمنين «عليه السلام»([2]). ولعله هو كتاب العثمانية المطبوع الذي رد عليه الإسكافي المعتزلي، وأورد ابن أبي الحديد المعتزلي شطراً من ردوده..

2 ـ إن الجاحظ كان يعيش في البصرة، وقد توفي قبل وفاة الإمام الحسن العسكري «عليه السلام» بخمس سنين. فلو فرضنا: أن الجاحظ قد كتب عباراته التي ذكرناها آنفاً في آخر ساعة من ساعات حياته. فذلك يعني: أن عمر الإمام الحسن العسكري «عليه السلام» حين كتب الجاحظ هذه الكلمات كان في حدود اثنتين وعشرين سنة.

3 ـ إن الإمام العسكري «عليه السلام» لم يكن أشهر ولا أعرف من آبائه الطاهرين. ولا سيما الإمام علي، والحسن، والحسين والصادق، والباقر، والرضا «عليهم السلام».

بل كان الأئمة بعد الإمام الرضا «عليه السلام» ـ رغم نباهة شأنهم، وعلو قدرهم يعرفون بـ «ابن الرضا». ويطلق هذا التعبير على الإمام الجواد، والهادي، والعسكري أيضاً([3]).

ويؤيد ذلك: قول أسلم بن مهوز المنبجي في داليته المعروفة التي يمدح بها أئمة سامراء:

إذا ما بلغت الصادقين بني الرضا فحسبك من هـاد يشـير إلى هادي

4 ـ وإذا كان الإمام العسكري «عليه السلام» في سامراء موضوعاً تحت الرقابة الشديدة، وكان لا يصل إليه إلا من ترضى السلطة بإيصاله.. وكان الجاحظ في البصرة، وهو منحرف عن علي «عليه السلام» وولده. وكان نقل الأخبار في تلك الأيام وتداولها محدوداً جداً، ويواجه بصعوبات عملية، إذ لم يكن هناك وسائل اتصال، ولا إذاعات، ولا أجهزة تلفاز، ولا هواتف ثابتة ولا نقالة، ولا إنترنت.. ولا.. ولا..

وإذا كانت السلطة تفرض هيبتها وسياستها على الناس، وتمنع من تداول فضائل وكرامات وعلوم ومعارف أهل البيت عليهم.. وتحدُّ بكل وسيلة من وسائل القمع من نشاطات شيعة أهل البيت «عليهم السلام»، ـ نعم، إذا كان الأمر على هذا الحال ـ فإن شيوع ذكر هذا الإمام المحاط بالسدود والموانع، حتى لا يكاد يصل إليه، أو يتصل به أحد من الناس، والذي كان لا يزال شاباً في مقتبل عمره.. إن شيوع ذكره، وذيوع صيته سيكون في مستوى الكرامات، ويبلغ حدود المعجزات، فكيف إذا بلغ الأمر بالمنحرفين عنه إلى حدّ أن يصفوه بما وصفه به الجاحظ في مثل هذه الظروف.

فهذا إن دل على شيء، فهو يدل على أنه «عليه السلام» كان على درجة من العظمة استطاعت أن تقهر كل تلك الموانع والسدود لتشرق شمس فضله على القريب والبعيد، والعدو والولي. رغم أنف السلطة، ورغم كل جهودها لخنق صوت أهل هذا البيت، وإخماد صيتهم.

مع أنك تجد اهتمام تلك السلطات التي تحمل اسم الخلافة لرسول الله «صلى الله عليه وآله»، وتنتحل صفته، كإمام وراع، وحافظ للدين وأهله.. تجد اهتمامها ظاهراً بالمغنين، والجواري والأعراب، وحتى قطاع الطرق، والمجرمين، وإعلاء شأنهم، وإلخ..

وأعتقد أنكم واقفون على كثير من الحقائق في هذا المجال. وفي الختام أقول: ربما أكون في أكثر ما قلته لكم في هذه الرسالة كناقل التمر إلى هجر.. ومثلكم من غض النظر وعذر..

والصلاة والسلام على عباده الذين اصطفى وآله الطاهرين..
25 / 1/1431 هـ. ق الموافق 11/1/2010 م ش.
جعفر مرتضى الحسيني العاملي
----------

([1]) آثار الجاحظ ص235.
([2]) آثار الجاحظ ص235.
([3]) مروج الذهب ج3 ص237 وراجع: قاموس الرجال ج10 ص248. والرسالة التي في آخر ج11 من قاموس الرجال ص58.

خادم الزهراء 08-May-2010 10:37 AM

الرسالة الرابعة

[تخصيص علي بالسلام؟!:]

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على من بعث رحمة للعالمين، وعلى آله الذين اصطفى من بعده، وعلى من والاهم أجمعين..
أما بعد..

سماحة السيد العالم العلامة الأخ جعفر مرتضى العاملي..

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
لا أخفي عليك يا فضيلة العلامة، أن إعجابي بكم يزداد مرة بعد مرة، وذلك يعود إلى تلك الأجوبة المقنعة، والأدلة الدامغة التي توردها ضمن تلك الرسائل، وهنا لا يسعني إن كنت منصفاً، وموضوعياً، إلا أن أقر وأعترف: بأن هذه الأدلة التي سقتها لي وسعيت بسرعة خيالية ما كنت أتصور أن تجيب عليها، أن أعترف لكم، بما يلي:

أولاً: إن قلمكم الكريم هو قلم هين، سهل، طيع، في يدكم الكريمة، أرجو الله عز وجل أن يحفظ العلماء أمثالكم من كل سوء، وأن يجعلكم ذخراً لهذه الأمة التي تحتاج فعلاً، لأصحاب الدليل الساطع، والكلام الواضح، الذي لا بد لكل منصف يقبل بالدليل، من القبول به والخضوع له..

وهذا ليس من باب الضعف، أو من باب الإنبهار فقط. بل إنني قد قبلت على نفسي ومن بداية الحوار أن أقبل بالدليل الذي لا يرد، وبالكلام المسدد المؤيد..

ثانياً: يا فضيلة السيد المؤيد، لقد كانت الطريقة التي اتبعتها في أدلتكم طريقة واضحة لا تحتاج إلى نقاش..

لكن هناك عنوان قد عنونت به إحدى الفقرات بالتالي: (فوائد الاعتقاد بالضلال) وأعتقد قصدتم به (فوائد الاعتقاد بالبداء بدل الضلال).
وهذا ليس إلا من باب الخطأ المطبعي كما أعتقد..

ثالثاً: لقد ذكرت في معرض الإجابة أن علياً (عليه السلام)، فلما خصصته بهذا السلام، لأنه من المتعارف عليه أن هذه الآداب بالتسليم لا تكون إلا للأنبياء (عليهم السلام) فقد فهمت منكم أنه هو وصي النبي محمد (صلوات الله عليه وعلى آله)، وهو باب علمه الذي علمه ألف باب من علم ينفتح له من كل باب ألف باب، فهل مقام الوصاية يجعله يرتقي إلى مصاف الأنبياء (عليهم السلام) ويتعامل معه كما يتعامل مع الأنبياء، مع العلم أن كل الرسل كان لهم أوصياء من بعدهم وكانوا أنبياء، فلما علي (رضوان الله عليه وكرم الله وجهه) نال منكم كشيعة هذه الآداب بالتعاطي معه ومع أبنائه الأئمة (رضوان الله عليهم أجمعين)؟!

رابعاً: حين كنت تذكر النبي (صلوات الله وسلامه عليه) كنت تذكر (صلى الله عليه وآله) وليس (صلى الله عليه وعلى آله) وهذا ما له من تفسير لغوي كما لا يخفى عليكم، وبالتالي فهذا لا بد له من تفسير!!

خامساً:إنني إذ أقدر وأعترف لكم: بأنني قد اقتنعت بكل ما قلته، يبقى هناك بعض التساؤلات التي لا أريد أن أرسلها كلها دفعة واحدة، وأترك للوقت كي أمررها الواحدة تلو الأخرى حتى لا أثقل على نفسي في القراءة والتمحيص، ولا أكدركم بالكتابة، واتساع البحث، وأرجو منكم أن تقبلوا عذري بشغلكم بما هو أهم، وأرجو منكم المسامحة، وأدعو الله لكم بالتوفيق لما قد توجهتم له، فقد علمت أنكم على أهبة السفر، وأخيراً وليس آخراً: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
أخوكم الشيخ (ص..)
27 / محرم / 1431 هـ. الموافق 13/1/2010م

خادم الزهراء 08-May-2010 11:13 AM

جواب الرسالة الرابعة

بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد و آله الطاهرين..
الاخ الكريم العلامة الشيخ (ص..)، دمت مؤيداً ومسدداً.
السلام عليكم، و على جميع من تحبون ورحمة الله و بركاته..

و بعد ..
فقد تلقيت رسالتكم الكريمة، بيد الشكر والتقدير. وحمدت الله تعالى على أنكم على خير ما أتمناه لكم من الصحة والعافية والتوفيق والتسديد، وشكرته سبحانه على أن أفادني أخاً في الله، فاضلاً، نبيلاً، وكريماً عزيزاً، نسأل الله أن يجعلنا وإياكم ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، ورضي الله عنكم وأرضاكم في الدنيا والآخرة.

أخي الكريم الفاضل..

تضمنت رسالتكم الميمونة أموراً، أحب التوقف عندها.. ولكن مع توخي الإختصار قدر الإمكان، وهي التالية:

الخطأ الذي وقع:

قلتم: إنه قد وقع خطأ في رسالتنا السابقة التي أرسلناها إليكم، وأن الصحيح هو: أن يكون العنوان: (فوائد الإعتقاد بالبداء) بدل (فوائد الإعتقاد بالضلال).

وأقول: نعم هذا خطأ مطبعي واضح، ومن سهو القلم الجامح، فسبحان من لا يسهو ولا يخطئ. وإنني أهنئنكم على هذه الملاحظة القيمة، وأدعو لكم الله تعالى بأن يسدد خطاكم، ويأخذ بيدكم إلى كل فلاح وخير، ويبعدكم عن كل سوء وضير.. إنه سميع قريب، مجيب الدعاء..


السلام على غير الأنبياء:

قلت:لقد ذكرت في معرض الإجابة أن علياً «عليه السلام» فلما خصصته بهذا السلام، لأنه من المتعارف عليه أن هذه الآداب بالتسليم (أي قول: «عليه السلام») لا تكون إلا للأنبياء «عليهم السلام»..

فهل مقام الوصاية يجعل علياً يرتقى إلى مصاف الأنبياء؟! إلى آخر ما ذكرتم..

ونجيب بما يلي:
أولاً: إن الأمر المتعارف، أي الذي يفرضه الناس فيما يرتبط بطريقة التعامل مع الأشخاص، لا يجعل هذا الأمر العرفي من الواجبات الشرعية التي لا يجوز التخلف عنها. إلا إذا كان الشارع نفسه قد أمضى أو قرر هذه الآداب، وفرضها على البشر كما هو الحال بالنسبة لنبينا الأكرم «صلى الله عليه وآله»، فإنّ الله تعالى قد فرض علينا آداباً معه أوجب علينا رعايتها، فقال: ﴿لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ﴾ وقال: ﴿لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللهِ وَرَسُولِهِ﴾.. وقال: ﴿مَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا﴾.

أما ما يأتي به العرف، فيمكن أن يذهب به العرف نفسه.

ثانياً: إنّ هذا التسالم العرفي الذي أشرتم إليه غير ثابت، فإن غير الشيعة أيضاً يخصون علياً «عليه السلام» بهذا التعبير، وشرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد المعتزلي (الشافعي) ملتزم في كتابه هذا بهذه العبارة بالذات.. كما أن الكثيرين من غير الشيعة الذين كتبوا حول الأئمة من أهل البيت «عليهم السلام» قد استفادوا من هذا التعبير، كما يعلم بالمراجعة..

ثالثاً: مع غض النظر عن هذا وذاك نقول:

إن كان السلام بمعنى التسليم، فلا ضير فيه، لأن الناس من الشيعة ومن غيرهم يسلمون على النبي «صلى الله عليه وآله» حين زيارته، وعلى غيره أيضاً. وكان ابن عمر يفعل ذلك أيضاً([1]) والله تعالى قد جعل السلام تحية الإسلام.

ونحن نعتقد: أن الأئمة، وأوّلهم علي «عليهم السلام» كانوا شهداء، والشهداء أحياء عند ربهم يرزقون، فلماذا لا نسلم عليهم؟! ألستم تسلمون على أهل القبور؟!([2])، ونحن نقول لهم أيضاً: «السلام عليكم يا أهل لا اله إلا الله من أهل لا اله الا الله».

ونقول:«السلام عليكم يا أهل الديار الموحشة»..

وإذا تدبرنا في المضمون، فإننا سنجد ـ بناءً على هذا ـ: أن قولنا لأي مؤمن: عليك السلام، أو عليه السلام، لا يختلف عن قولنا عن أحد أئمتنا: «عليهم السلام»، أو أن نقول في زيارتنا له: «السلام عليك».

وقد أمر الله رسوله «صلى الله عليه وآله» أن يقرئ خديجة السلام..([3]).

وفي القرآن إشارات وتصريحات بالتسليم على غير الأنبياء، فقد قال تعالى: ﴿سَلَامٌ عَلَيْكُمْ﴾، وقال تعالى لنبيه: ﴿وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآَيَاتِنَا فَقُلْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ﴾، وقال: ﴿وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ﴾، وقال: ﴿سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ﴾. بل إن إبراهيم «عليه السلام» قد قال لأبيه آذر: ﴿قَالَ سَلَامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي﴾.

وأمّا إن كان المراد بكلمة «عليه السلام» الدعاء، فلا إشكال في السلام على غير الأنبياء أيضاً، إذ لا مانع من الدعاء لأي مؤمن بأن يكون مشمولاً للسلام الإلهي، فما بالك بمن جعله الله في آية المباهلة نفس رسول الله صلى الله عليه وآله، أعني علياً «عليه السلام»، فإنه هو الذي يستحق هذا السلام، بصبره وجهاده، وتضحياته، وعبادته وزهده وتقواه. كما دلت عليه الآيات المشار إليها آنفاً.

وهذا لا ضير فيه من ناحية المضمون أيضاً، فهو من قبيل قولك: «رحمه الله»، أو «رضي الله عنه»، وقولك عن النبي: «صلى الله عليه وآله».. وما إلى ذلك..

رابعاً: واللافت هنا: أنكم أنتم في نفس رسالتكم هذه التي تضمنت سؤالكم هذا قد صليتم وسلمتم على غير الأنبياء، فقلتم:

والصلاة والسلام على:

1 ـ من بعث رحمة للعالمين .

2 ـ وعلى آله الذين اصطفى من بعده.

3 ـ وعلى من والاهم أجمعين.
فلماذا جاز لكم أن تسلموا على أهل البيت، وعلى من والاهم، ولا تجيزون ذلك لغيركم؟!

وأليس ذلك إلا لأن المرتكز في ذهنكم: أن معنى سلامكم هذا هو طلب مشموليتهم بالرحمة والسلام؟! وهذا هو نفس معنى قولنا: «عليه السلام»، فإنه طلب من الله: أن يشمل من نسلم عليه بسلامه كما ذكرنا.

ليس هذا دليلاً!!:

قد يدّعى: أن منشأ اختصاص التسليم بالأنبياء «عليهم السلام» هو الآية الكريمة: ﴿إِنَّ اللهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً﴾.

ونجيب بما يلي:
ألف: إن المراد بالتسليم في هذه الآية هو الخضوع والإنقياد والاستسلام، لا أن يقول القائل: «عليه السلام». ولو كان هذا هو المراد، لكان الأحرى أن يقول: «وَسَلِّمُوا سلاماً»، بدل قوله: ﴿وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً﴾.

ب: حتى لو سلمنا جدلاً بأن المراد بهذه الآية هو أن نقول: «عليه السلام»، فإننا نقول:
لما اختص التسليم بهم ولم تختص الصلاة بهم أيضاً، لأن الصلاة في الآية أيضاً لا تختص بالأنبياء، فقد قال تعالى: ﴿أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ﴾، وقال: ﴿هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً([4]).

وذلك معناه:أن الصلاة تكون على النبي وعلى غير النبي.

يشهد لذلك: أن النبي «صلى الله عليه وآله» قد أمرنا بأن نصلي عليه الصلاة الإبراهيمية، ونهانا عن أن نصلى عليه الصلاة البتراء، والصلاة الإبراهيمية تتضمن الصلاة على أهل البيت، فإذا كان علي «عليه السلام» هو سيد أهل بيت النبوة، فهذا الأمر يدل على أن له مقاماً يفرض علينا التعامل بما يقتضيه ذلك المقام..

فإن كان قد حدث بين الناس عُرْفٌ يقضي بتخصيص الأنبياء «عليهم السلام» بخصوصية بعينها، فإن رسول الله «صلى الله عليه وآله» نفسه قد أخرج علياً وأهل البيت من سائر الناس، وبيَّن لنا كيفية الصلاة عليهم بنحو دلّنا على أن ثمة خصوصية في أهل البيت (بيت النبوة) توجب تعظيمهم وتخصيصهم بما لا يُعَظَّم و لا يُخَصَّص به غيرهم..


العطف على الضمير بإعادة الجارّ:

وقد ألمحتم إلى أن الصحيح هو أن يقال:«صلى الله عليه وعلى آله». لا أن يقال: «صلى الله عليه وآله»، إذا لا يصح العطف على الضمير إلّا بإعادة الجارّ..

و نجيب بما يلي:
إن ما ذكرتموه في أمر الصلاة على النبي «صلى الله عليه وآله» غير صحيح، فقد ورد في القرآن الكريم العطف على الضمير من دون إعادة الجار، وذلك في عدة موارد، نذكر منها:

1 ـ قوله تعالى: ﴿..وَمَن لَّسْتُمْ لَهُ بِرَازِقِينَ([5])، بعد قوله: ﴿وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ..﴾، أي: ولمن لستم له برازقين.

2 ـ قوله تعالى: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَن سَبِيلِ اللهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالمَسْجِدِ الحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِندَ اللهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىَ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُواْ وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ([6]).

فقد عطف كلمة: «المسجد» على الضمير في كلمة: «به»، من دون أن يعيد الجار، حيث لم يقل: «وكفر به، وبالمسجد الحرام».

وليس معطوفاً على كلمة «سَبِيلِ»، لأنه صلة للمصدر وهو كلمة: «وَصَدٌّ».

وقد رأينا: أنه قد عطف على المصدر ـ وهو كلمة: صدٌ ـ قوله: «وَكُفْرٌ»، ولا يعطف على المصدر حتى تكمل معمولاته، فلما عطف عليه كلمة: «كُفْرٌ» كان ذلك أمارة على أن كل ما يأتي بعد هذه الكلمة ليس من معمولاته، فيتعين أن تكون كلمة: «المَسْجِدِ» معطوفة على الهاء في «بِهِ».

إن قلت: لعله معمول لمصدر محذوف، تقديره: «وَصَدٌّ عَن المَسْجِدِ».

فالجواب: أن المصدر لا يعمل محذوفاً.

وقد صرح أبو حيان أيضاً: بأنه لا يجوز الفصل بين المصدر وصلته، فلا يصح جعل كلمة المسجد معمولة للمصدر، الذي هو كلمة: «صَدٌّ».

3 ـ وقرأ حمزة: ﴿وَاتَّقُواْ اللهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامِ..([7]) بجر كلمة «وَالأَرْحَامِ» عطفاً على الضمير، من دون إعادة الجار. وهي أيضاً قراءة ابن رزين، وابن مسعود، وابن عباس، والقاسم، وإبراهيم النخعي، والأعمش، والحسن البصري، وقتادة، ومجاهد، ويحيى بن وثاب.

وقالوا: إن هذه القراءة مروية عن النبي «صلى الله عليه وآله»([8]).

بل في كلام بعضهم: أنها متواترة عنه «صلى الله عليه وآله»([9]).

4 ـ وقد يستدل بقوله تعالى: ﴿قُلِ اللهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ([10])، بعطف ما يتلى على الضمير في كلمة: «فيهن».

5 ـ بل قد يستدل بقوله تعالى: ﴿لَكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أنزِلَ إِلَيكَ وَمَا أنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَالمُقِيمِينَ الصَّلاَةَ([11]) بعطف كلمة: «والمقيمين» على الكاف في «إليك» أو الكاف في «قبلك».

وإن كنا نناقش في الآيتين الأخيرتين، باعتبار أن قوله تعالى: ﴿وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ﴾ يمكن أن يكون معطوفاً على لفظ الجلالة. أي: أن الله يفتيكم، والقرآن يفتيكم أيضاً.

كما أن قوله: «والمقيمين» منصوب بفعل محذوف وتقديره أخص.

هذا وقد قال أبو زرعة: «أنكروا أيضاً: أن الظاهر لا يعطف على المضمر المجرور إلا بإظهار الخافض، وليس بمنكر. وإنما المنكر أن يعطف الظاهر على المضمر الذي لم يجر له ذكر، فتقول: مررت به وزيد. ليس هذا بحسن. فأما أن يتقدم للهاء ذكر فهو حسن، وذلك (عمرو مررت به وزيد)، فكذلك الهاء في قوله: ﴿تَسَاءلُونَ بِهِ﴾ وتقدم ذكرها ﴿وَاتَّقُواْ اللهَ﴾»([12]).

6 ـ قد جوَّز الكوفيون، ويونس، وأبو الحسن، والشلوبين عطف الظاهر على الضمير بدون إعادة الجار.

7 ـ وقال الشاعر، وهو الأعشى، أو عمرو بن معدي كرب، أو خفاف بن ندبة:
فاليوم قَـرّبْتَ تهجونـا ولا عجب فاذهـب فما بك والأيامِ من عجب

بجر كلمة «الأيام» عطفاً على الكاف في كلمة «بك».

8 ـ وقال الشاعر:
لو كـان لي وزهـيرٍ ثالـث وردت من الحـمـام عـدانـا شـر مــورود

بجر كلمة «زهيرٍ» عطفاً على الياء، في كلمة «لي».

9 ـ وقال آخر:
إذا بنــا بـل أنيسـانِ اتـقـت فئـة ظـلــت مـؤمـنــة ممـن تعــاديهـا

فقد عطف كلمة «أنيسانِ» على الضمير في قوله «بنا»، والعاطف هو كلمة «بل».

10 ـ وقال آخر:
ابــك آيـــة بــي أو مصـــــدر مـن حمـــر الحــلـة جـاب جسور

بجر كلمة «مصدرٍ» عطفاً على الياء في كلمة «بي».

11 ـ وقال الشاعر:
أكــر عـلى الـكتـيـبـة لا أبـــالي أفـيـهــا كـان حتـفـي أم سـواهـا

فكلمة «سواها» معطوفة على ضمير الغائب وهو «الهاء» في كلمة «فيها».

12 ـ وقال آخر:
إذا أوقـدوا نـاراً لحـرب عدوهم فقـد خاب من يصلى بها وسعيرِها

فكلمة «سعيرِها» معطوفة على الهاء في كلمة «بها».

13 ـ وقال آخر:
بنـا أبـداً لا غـيرنـا تـدرك المـنى وتـكـشف غماء الخطوب الفوادح

فكلمة «غيرنا» معطوفة على الضمير في كلمة «بنا».
14 ـ وقال آخر:
هـلا سألت بـذي الجماجم عنهم وأبـي نـعـيـم ذي اللـواء المـحرق

فكلمة «أبي نعيم» معطوفة على الضمير في كلمة «عنهم».

15 ـ وقول الآخر:
تعـلـق في مثـل السواري سيوفنا ومـا بينهـا والكعب غـوط نفانف

فكلمة «والكعب» مجرورة عطفاً على الضمير في كلمة «بينها».

وبعد.. فلا مجال لحمل هذه الأشعار كلها على الضرورة، ولا يصح رميها بالشذوذ، وهي بهذه الكثرة.

16 ـ وفي جميع الأحوال نقول:
قال ابن مالك في ألفيته:
وعود خـافـض لدى عطف عـلى ضـمـير خـفـض لازماً قد جعـلا
وليـس عنـدي لازمــاً إذ قـد أتى في الـنـظـم والـنـثر الصحيح مثبتا

17 ـ على أن من الممكن القول: إذا جاز الإبدال والتأكيد للضمير بالظاهر، من غير إعادة الجار، فلماذا لا يجوز العطف عليه من دون ذلك؟!

وما زعموه من أن الضمير كالتنوين.. فلا بد في العطف من إعادة الجار.. غير صحيح، لأن هذا التعليل لو صح لاقتضى عدم جواز العطف عليه مطلقاً حتى مع إعادة الجار، إذ لا يجوز العطف على التنوين، بل ذلك يقتضي أن لا يجوز التوكيد، ولا الإبدال منه.

ولو صح قولهم: إن الضمير بمنزلة التنوين، للزم القول بعدم صحة العطف على الضمير المنصوب أيضاً، مع أنهم قد جوزوا أن يقال: رأيتك وزيداً، فلماذا جاز العطف عليه في حال النصب، إذا كان بمنزلة التنوين؟!

كلمتنا الأخيرة:

وآخر كلمة نقولها هنا: هو أن ما يزعمونه من محاذير، وما يقدمونه من توجيهات للمنع لا يصلح لإثبات ذلك، مع ورود ذلك في الآيات وغيرها مما ذكرناه..

ولعل في السابقين من كان يريد أن يضيف كلمة «على» إلى الصلاة على النبي وآله «صلى الله عليه وآله»، ليوهم بعض الناس: بأن صلاتنا على النبي «صلى الله عليه وآله» تختلف عن الصلاة التي على الآل، فهذه من سنخ، وتلك من سنخ آخر.

أما مع العطف بدون إعادة الجار، فإن الصلاة عليهما تكون من سنخ واحد.. وهذا ما كان يسعى لإبعاده عن مخيلة الناس العاديين.. ولكن ما ذكرناه قد بين بطلان مسعاه.

وأكتفي بهذا القدر، وأستودعكم الله.. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته..

28/محرم الحرام/1431 هـ. الموافق 14/1/2010م.
جعفر مرتضى العاملي

----------


([1]) راجع: المجموع لمحيى الدين النووي ج8 ص274 والمغني لعبد الله بن قدامة ج3 ص591 والشرح الكبير لعبد الرحمن بن قدامة ج3 ص496 وكشاف القناع للبهوتي ج2 ص600 وسبل الهدى والرشاد للصالحي الشامي ج12 ص390.
([2]) راجع: الجامع لأحكام القرآن ج5 ص301 وتفسير الآلوسي ج6 ص125 ومجمع الزوائد ج3 ص60 وعمدة القاري ج8 ص69 والمعجم الأوسط للطـبراني ج8 = = ص129 والمعجم الكبير للطبراني ج19 ص446 وسبل الهدى والرشاد ج8 ص386 والمنتخب من ذيل المذيل ص70.
([3]) راجع: مسند أحمد ج2 ص231 وصحيح البخاري (ط دار الفكر) ج4 ص231 وج8 ص197 وصحيح مسلم (ط دار الفكر) ج7 ص133 وفضائل الصحابة للنسائي ص75 والمستدرك للحاكم ج3 ص185.
([4]) الآية 43 من سورة الأحزاب.
([5]) الآية 20 من سورة الحجر.
([6]) الآية 213 من سورة البقرة.
([7]) الآية 1 من سورة النساء.
([8]) حجة القراءات ص190.
([9]) البحر المحيط لأبي حيان ج3 ص159.
([10]) الآية 127 من سورة النساء.
([11]) الآية 162 من سورة النساء.
([12]) حجة القراءات ص190.

خادم الزهراء 08-May-2010 11:38 AM

الرسالة الخامسة

[الشهادة الثالثة وعلم النبي صلى الله عليه وآله:]

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على من بعث رحمة للعالمين وعلى الآل المصطفين، ولعن على من عاداهم من خلق البشر إلى قيام يوم الدين..
أما بعد..

أخي الفاضل سماحة السيد جعفر مرتضى العاملي..

أدعو الله لكم بطول العمر، وقضاء الحوائج، وتسديد دوماً لمرضاة الله تعالى، وذود عن الدين، إنه سميع مجيب الدعوات..

لقد قبلت منكم الدليل، فجازاكم الله عني بكل خير، لكن عن ما اكتشفته من خطأ مطبعي لم يكن بقصد إثبات الزلل عليكم، والإنقاص من شأنكم، بل للفت نظر من يتولى طبع هذه الرسائل فقط، ولم يكن من وراء ذلك أي قصد آخر.

وبالعودة إلى التساؤلات التي أريد أن أسئل عنها، هو التالي:
أولاً: لقد علمت: أن أصحاب المذهب الاثنى عشري، بعد ذكر النبي «صلى الله عليه وآله» في الأذان يذكرون اسم علي «عليه السلام»، السؤال: لما ذكر علي «عليه السلام» دون غيره من الأئمة؟! مع أنني مع أن يضاف إلى الأذان: «حي على خير العمل»، لأنها قد حذفت من الأذان، وأنا أعتقد: أنها من الأصل فيه. وكذلك أرى أن الأذان هو تشريع للنبي «صلى الله عليه وآله»، وليس لغيره من الصحابة، إذ لا بد لصاحب الشريعة من التشريع لا غيره أن يجري على لسانه الوحي وإلا لكان هو النبي لا غيره؟!

ثانياً: إن كان النبي «صلى الله عليه وآله» عنده علم ما كان وما سيكون، كما يعتقد بهذا الشيعة الاثنى عشرية، فما تأويل قوله تعالى: ﴿قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَىٰ إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَٰهُكُمْ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً﴾.

وقوله تعالى: ﴿قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلَا ضَرّاً إِلَّا مَا شَاءَ اللهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾؟!

من هنا فيكون علم النبي «صلى الله عليه وآله» محدوداً، وإن كان قد نظر إلى لوح المحو والإثبات، فعلمه بالغيب من خلال تلك الآيتين يدل على أنه لم يطلع على اللوح المحفوظ؟!

ودمتم موفقين..
أخوكم الشيخ (ص..)
3 / صفر / 1431 هـ. الموافق 19/1/2010م.

خادم الزهراء 08-May-2010 12:33 PM

جواب الرسالة الخامسة

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خير خلقه أجمعين محمد وآله الطاهرين..
أخي الفاضل المؤيد، والكريم المسدد دمت موفقاً..

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..

وبعد..
فقد تلقيت في هذا اليوم رسالتكم، وشكرت لكم محبتكم، وسألته تعالى لكم دوام الصحة والعافية، وأن يحفظكم ويرعاكم، ويسدد على طريق الخير خطاكم، إنه ولي قدير..

أخي العزيز.. قد تضمنت رسالتكم أموراً هي التالية:


[لقد أحسنت إليَّ:]

الأمر الأول: ذكرتم عن عدم قصدكم إثبات الزلل علينا فيما يرتبط بالخطأ المطبعي، وإنني بدوري أحب أن أؤكد لكم على أن هذا المعنى لم يخطر لنا على بال، بل كنا وما زلنا شاكرين لكم هذه الملاحظة الكريمة، التي عبرت عن محبتكم، وعن اهتمامكم بالتصويب والتسديد، والنصيحة عملاً بفروض الأخوة، واستكمالاً لمعنى المودة، وتعميقاً لوشائج الإخلاص والمحبة..


[ذكر علي عليه السلام في الأذان:]

الأمر الثاني: أما فيما يرتبط بالأذان أقول: قد أثلج صدري:
أولاً: ما لمسته فيكم من تبصّر وروية، وسلامة سجية، وطريقة علمية رصينة، حين ذكرتم: أن الصواب هو التزام ذكر «حي على خير العمل» في الأذان إحياءً للسنة النبوية المباركة، والتزاماً بالنص، وحفظاً للتشريع..

ثانياً: إنّ سؤالكم عن الشهادة لعلي «عليه السلام» بالولاية في الأذان، ينحل إلى سؤالين:

أحدهما: عن سبب هذه الإضافة، ومبررها الشرعي.

الثاني: عن سبب الإقتصار على ذكر علي «عليه السلام» دون غيره من الأئمة الطاهرين «صلوات الله عليهم»..

وأجيب بأمرين:
أحدههما: أن علينا أن نحدد المرجعية العلمية بعد رسول الله «صلى الله عليه وآله»، ونحدد أيضاً طرق الوصول إلى سنته، وإلى المعارف التي جاء بها «صلى الله عليه وآله».. ونتفق على الضوابط والمعايير التي يجب اعتمادها في الوصول إلى أحكام الله وشرائعه، وإلى الحقائق الإيمانية، والمعاني والدقائق التي نحتاج إلى معرفتها في مختلف الشؤون..

فإننا إذا كنا لا نعترف لبعضنا البعض بصحة الوسائل التي نعتمدها، وسلامة المعايير والضوابط التي نستفيد منها في الرد أو القبول. ولم توجد قواسم مشتركة تكون هي المرجع لنا فيما نختلف فيه، فإن الحوار سيكون عقيماً وواهناً، وسقيماً.

أي لا بد من التأسيس للبحث، بحسم الأمر فيما يرتبط بأخذ المعارف والحقائق والأحكام الدينية من أهل البيت «عليهم السلام»، بحكم إمامتهم للأمة بعد رسول الله «صلى الله عليه وآله»، وعدم افتراقهم عن القرآن إلى يوم القيامة كما اقتضته النصوص المعتبرة، ولا سيما حديث الثقلين، وحديث سفينة نوح، وكثير من النصوص الأخرى الصريحة والثابتة، والمعترف بها عند أهل الإسلام.

ولا بد من حسم الأمر أيضاً في جواز الأخذ عن غيرهم وخصوصاً من كانت لهم مواقف سلبية تجاههم، مثل أبي هريرة الذي ـ على ما يرويه الأعمش ـ: جثا على ركبتيه، ثم ضرب صلعته مراراً، وقال: يا أهل العراق! أتزعمون أني أكذب على الله وعلى رسوله وأحرق نفسي بالنار؟! والله لقد سمعت رسول الله «صلى الله عليه وآله» يقول: إن لكل نبي حرماً وانّ حرمي بالمدينة ما بين عير إلى ثور فمن أحدث فيها حدثاً، فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، وأشهد بالله أن علياً أحدث فيها.. إلخ..([1])، وهكذا الحال بالنسبة إلى عمرو بن العاص، وعكرمة وسمرة بن جندب، ومعاوية و.. و.. إلخ..

والشيعة يرون: أن ما يقوله الأئمة «عليهم السلام» قد أخذوه عن رسول الله «صلى الله عليه وآله».. فإذا قالوا لهم: إن الشهادة لعلي بالولاية في الأذان جائزة، فذلك يعني: أن رسول الله «صلى الله عليه وآله» قد قال ذلك، وأن العمل بقولهم مبرئ للذمة، بل هو المتعَّين.

ويترتب على ما ذكرناه: أنه لا يجوز لأحد أن يناقش في مسألة فصول الأذان إلا بعد حسم الأمر معه في موضوع الإمامة، فإن ثبتت له، فإننا نبحث معه في موضوع: من هو الإمام، فإن ثبت له أنه فلان، نبحث معه في معنى الإمامة، ودور الإمام، وحجية أقواله، وأوامره ونواهيه، فإن ثبتت له، فيمكن البحث معه في أن هذا الحديث أو ذاك ثابت عنه لنأخذ به، أو غير ثابت ليكون لنا موقف آخر تجاهه..

ولا يمكنا الاستدلال بقول الإمام في شيء، على من لا يعتقد بالإمامة والإمام كما هو واضح.

وهذا نظير ما لو جاءك رجل لا يعرف عن الله، ولا عن رسله، وشرائعه شيئاً، فإنّك لا تبادر إلى مطالبته بالصلاة والحج، بل ستحاول أن تقنعه قبل كل شيء بوجود الله، ثم بصفاته، ثم بخالقيته ورازقيته، وعدله وعلمه، وقدرته، وغير ذلك من صفاته الجمالية والجلالية، وصفات الذات، وصفات الفعل..

ثم تنتقل لتثبت له النبوة، ثم تثبت له من هو النبي، وما هو دوره، ومقامه، وصفاته، وحجية أقواله.. إلخ.. ولا يمكن أن تحتج عليه بقول النبي قبل أن تثبت له التوحيد، والنبوة.

كما لايمكن للمسيحي أن يقول لك: ما الدليل على حرمة الخمر، أو الخنزير؟! أو ما الدليل على وجوب الحج؟! قبل أن تثبت له بشرية عيسى ونبوة رسول الله «صلى الله عليه وآله» إلخ..

كما أننا لو سمعنا فتوى اقتضاها الإستحسان أو القياس، فإنه لا يحق لنا أن نعترض على تلك الفتوى، ونحكم بأنها باطلة..

بل الصحيح: هو أن نعترض على العمل بالقياس أو بالإستحسان نفسه أولاًَ، فإن ثبتت لنا صحته، أخذنا بتلك الفتوى، وإن ثبت لنا بطلانه لم نأخذ بها..


[الحكام.. وذكر علي في الأذان:]

الثاني: لا بأس بملاحظة ما يلي:
أولاً: إن بيعة يوم الغدير لعلي «عليه السلام» قد كانت قبل استشهاد رسول الله «صلى الله عليه وآله» بسبعين يوماً فقط..

فإن كان النبي «صلى الله عليه وآله» قد أمر بذكر كلمة: «أشهد أن علياً ولي الله» في الأذان، فلا جرم أن يكون ذلك قد حصل بعد حادثة الغدير..

ثم جرى ما جرى بعد وفاة رسول الله «صلى الله عليه وآله»، وأهمل الحكام الجدد ذكر هذه الفقرة وأسقطوها من الأذان، كما أهمل ذكر حي على خير العمل منه، بل وأضيفت في أذان الفجر عبارة: «الصلاة خير من النوم». كما ورد التصريح به في عدد من المصادر([2]).

وبعد.. فإنه إذا كان قد جرى على الزهراء «عليها السلام» كل ذلك الذي تعرفونه، وإذا كان علي، والحسن، والحسين «عليهم السلام» يقتلون على النحو الذي لا يجهله أحد، فهل سيرحمون من يقول في أذانه: «أشهد أن علياً ولي الله»، فضلاً عن أن يسمحوا بإبقائها في أذان المسلمين في جميع الأقطار على مرّ الأعصار؟!.

وبعد أن جاء الأمويون الذين لعنوا علياً «عليه السلام» على منابر الإسلام ألف شهر، وفعلوا الأفاعيل بمحبيه وأتباعه: قتلاً، وسجناً، وتشريداً وعسفاً..

ثم جاء العباسيون فزادوا عليهم في ذلك حتى قال الشاعر:
ومتـى تـولـى آل أحــمـد مسلم قــتــلوه أو وصــمـوه بـالإلحـاد

وقال آخر:
تالله مــا فـعـلــت أمــيــة فيهم مـعـشـار مـا فـعـلت بنو العباس

فهل يمكن أن نتصور أهل البيت وشيعتهم، يقدرون على الجهر بالشهادة لعلي بالولاية في أذانهم في كل تلكم العصور، وعلى مرّ الدهور؟!

ثانياً: يمكن تأييد القول برجحان الشهادة بالولاية لعلي «عليه السلام» في الأذان والإقامة بما يلي:


[دلائل ومؤيدات:]

ألف: بعد قتل الأسود العنسي: و«لما طلع الفجر نادى المسلمون بشعارهم الذي بينهم، ثم بالأذان، وقالوا فيه: أشهد أن محمداً رسول الله، وأن عبهلة كذاب»([3]).

وفي نص آخر:«ثم نادينا بالأذان، فقلت: أشهد أن محمداً رسول الله، وأن عبهلة كذاب، وألقينا إليهم برأسه»([4]).

والمنادي هو:«قيس، ويقال: وبر بن يحنش»([5]).

فنجد: أن النبي «صلى الله عليه وآله» لم يعترض على إدخالهم هذا النص في الأذان، ولا شك أنه قد كان من بينهم كثيرون من الصحابة الأتقياء الذين لا يرضون بالبدعة، ولسوف يذكرون للنبي «صلى الله عليه وآله» أي تصرف من هذا القبيل، على سبيل الإعتراض، أو لمجرد الإخبار.

ب:إن مما لا شك فيه: أنه يستحب للمؤذن الصلاة على النبي «صلى الله عليه وآله» في الأذان عند بلوغه: أشهد أن محمداً رسول الله «صلى الله عليه وآله»..

وقد روى ذلك زرارة عن الإمام أبي جعفر «عليه السلام» أنه قال:

«وصل على النبي «صلى الله عليه وآله» كلما ذكرته، أو ذكره ذاكر عندك في أذان أو غيره»([6]).

ج: الكليني بإسناده عن الإمام الصادق «عليه السلام»؛ أنه قال:

«إنّا أول أهل بيت نوّه الله بأسمائنا، إنه لما خلق السماوات والأرض أمر منادياً فنادى:

أشهد أن لا إله إلا الله، ثلاثاً.

أشهد أن محمداً رسول الله، ثلاثاً.

أشهد أن علياً أمير المؤمنين حقاً، ثلاثاً»([7]).

د: وروى الطبرسي، عن القاسم بن معاوية، عن الإمام الصادق «عليه السلام» حديثاً مطولاً يقول في آخره:

«إذا قال أحدكم: لا إله إلا الله، محمد رسول الله، فليقل: علي أمير المؤمنين([8]) (ولي الله)»([9]).

هـ: روي: أن أبا ذر (رض) أذّن بالولاية لعلي «عليه السلام»، فشكاه الناس لرسول الله «صلى الله عليه وآله»، فأقره على ما فعل.

و:روي أيضاً ما يقرب من ذلك عن سلمان([10]).

ز: ويؤيد ما تقدم: ما ورد في بعض الروايات، من أن فصول الأذان هي أثنان وأربعون فصلاً، ولا يكون ذلك إلا بإضافة «أشهد أن علياً ولي الله، مرتين»([11]).


[كيف شرع الأذان؟!:]

ثالثاً: إن ما ذكرته بعض الروايات، من أن النبي «صلى الله عليه وآله» اهتم للصلاة كيف يجمع الناس لها. فإشار عليه بعض الصحابة بشبور اليهود، وبعضهم أشار بناقوس النصارى ـ فأمر به «صلى الله عليه وآله» فعمل من خشب..

فأري عبد الله بن زيد الأذان في المنام، فأخبر به النبي «صلى الله عليه وآله»، وكان عمر قد رآه قبل ذلك، فكتمه عشرين يوماً، ثم أخبر به النبي «صلى الله عليه وآله» أيضاً، فأمر النبي «صلى الله عليه وآله» بلالاً: بأن يؤذن كما يأمره عبد الله بن زيد، فأذّن به.

وثمة نصوص أخرى لهذه القضية مختلفة ومتناقضة، كما يعلم بالمراجعة والمقارنة بينها([12]).

فهذا الحديث يدل على أن الأذان لم يشرع بالوحي، بل برؤيا عبد الله بن زيد وعمر بن الخطاب.

فمن يرى صحة هذا الحديث، فلا بد أن لا يكون لديه حرج في الإنقاص أو الزيادة في الأذان!! ولا أظن أنكم من هؤلاء، كما يفهم من كلامكم في رسالتكم لنا..

وقد أنكر الإمام الحسن([13]).

والإمام الحسين([14]).

والإمام جعفر الصادق «عليهم السلام»([15]).

ومحمد بن الحنفية صحة هذا الحديث([16]).

وقد بحثنا هذا الموضوع بشيء من التفصيل في كتابنا: الصحيح من سيرة النبي الأعظم «صلى الله عليه وآله».

علم النبي صلى الله عليه وآله بالغيب، وتأويل الآيات:

الأمر الثالث: تضمنت رسالتكم السؤال عن اعتقاد الشيعة: بأن النبي «صلى الله عليه وآله» يعلم بما كان، وما يكون، وأن الآيتين المباركتين تنافيان هذا الإعتقاد..

ونقول:
أولاً: ينبغي لفت نظركم الشريف إلى أن هذه المسألة ليست من المسلمات المتفق عليها عند جميع الشيعة، وإنما الشيعة متفقون على أن النبي «صلى الله عليه وآله» كان يعلم من الغيوب ما يطلعه الله تعالى عليه.. ويقولون: إن من الممكن أن يطلع الله نبيه على جميع غيوبه، فإنّ الآية المباركة تقول: ﴿عَالِمُ الْغَيْبِ فَلاَ يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً، إِلاَ مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ([17])، حيث لم يقيد تعالى هذا الغيب الذي يطلع عليه من شاء، هل هو كل غيبه، أو بعضه مما يمكن للرسل الذين يرتضيهم أن يتحملوه؟!

وإذا كان نبينا «صلى الله عليه وآله» خير الرسل، فهو الأولى بمعرفة الغيوب من سائر الرسل «صلوات الله عليهم وعلى نبينا وآله»..

ثانياً: إن اطلاع نبينا على اللوح المحفوظ، لا يعني أن الأمر قد خرج من يد الله تعالى ـ والعياذ بالله ـ كما أن ذلك لا يعني حصول النبي «صلى الله عليه وآله» على جميع الغيوب، بل يبقى الأمر بيد الله، فيمكن أن يكشف لنبيه شطراً من الغيوب، وقد يحجب، أو يبعد بعض الغيوب عن محيط نظر نبيه، فلا يتمكن من قراءتها، وبذلك يكون علم النبي «صلى الله عليه وآله» خاضعاً للإرادة الإلهية، من جهة قد يطلقه، وقد يقيد مقداره، مع أنه مأخوذ من اللوح مباشرة من جهة أخرى..

ثالثاً: بالنسبة لقوله تعالى: ﴿وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ([18]) نقول:

لا شك في أن نبينا «صلى الله عليه وآله» كان يعلم بكثير من الغيوب التي تلقاها من الله سبحانه، وقد أخبر الناس بشطر منها، وأخبر علياً «عليه السلام» أيضاً بشطر آخر..

ويكفي مراجعة كتب الحديث والتاريخ، والتفسير، وغيرها للوقوف على الكثير مما يدخل في هذا السياق..

كما أن هناك آيات كثيرة تدل على أن الأنبياء «عليهم السلام» كانوا يعلمون الكثير من الأمور الغيبية.

فقد قال تعالى حكاية عن عيسى «عليه السلام»: ﴿وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ([19]).

وقد أنبأ النبي «صلى الله عليه وآله» عائشة بما أفشته من سره، ﴿قَالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ([20]).

وقال عيسى «عليه السلام» لقومه: ﴿وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ([21]).

وقال الله تعالى لنبيه محمد «صلى الله عليه وآله»، بعد أن قص عليه قصة مريم: ﴿ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ([22]).

وبعد قصة نوح: ﴿تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ([23]).

وبعد قصة إخوان يوسف: ﴿ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ([24]).

وبعد هذا، فلا معنى لنفي علم النبي «صلى الله عليه وآله» للغيب؟!

خصوصاً وأنه سبحانه قد قال: ﴿عَالِمُ الْغَيْبِ فَلاَ يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً، إِلاَ مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ([25]).

وقال تعالى: ﴿وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلاَ بِمَا شَاء([26]).

وإنما يعلم الله أنبياءه بالغيب، لأن رسالتهم ونبوتهم تقتضي ذلك. أو لأن مقامهم دعا إلى تكريمهم بهذا الأمر، لزيادة التمكين لهم في السعي لنيل منازل الكرامة والقرب والزلفى..

رابعاً: إن علم البشر بالغيب يبقى مرهوناً بالفيض والعطاء الإلهي، فليس هو من الأمور الذاتية لهم، بل هو مستند إلى الله سبحانه، ومنتهٍ إليه تعالى.

وقد أرى الله سبحانه نبيه إبراهيم «عليه السلام» ملكوت السماوات والأرض، فقال تعالى:

﴿وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ([27])، فرؤية إبراهيم «عليه السلام»، لم تكن ذاتية، وإنما هي بإراءة من الله تعالى..

وحول المعراج للرسول الأعظم «صلى الله عليه وآله»، قال سبحانه: ﴿لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا([28]) فالإراءة له «صلى الله عليه وآله» قد جاءت منه تعالى..

وقد نصب الله سبحانه اللوح المحفوظ بين عيني إسرافيل كما في بعض الروايات، فإشراف الرسول على ذلك اللوح، ومعرفته بما يكشفه الله له فيه، لا يعني أن يصبح علم الرسول بالغيب ذاتياً، بل هو بالله، ومن الله تبارك وتعالى..

فكما لا يقاس علم الرسول بعلم البشر بالغيب، لاختلاف طرقهما في نيل ذلك، كذلك لا يقاس علم الله للغيب بعلم أنبيائه، فإن علم الأنبياء إنما هو بالعطاء، وبالفيض الإلهي عليهم، فهو علم بالغير لا بالذات.

وبعد ما تقدم نقول:
إن ذلك يوضح لنا: أن الآيات حين تتحدث عن أن الأنبياء ينفون للناس أن يكون لديهم علم الغيب، كقوله تعالى: ﴿لَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ([29]).

فإنما تريد نفي أن يكون علمهم ذاتياً، وبالأصالة، والاستقلال عن الله سبحانه..

وحين تثبت الآيات علم الغيب لمن ارتضى الله سبحانه من رسول، وأن عيسى يعلمهم بما يأكلون، وما يدخرون في بيوتهم.. وغير ذلك، فإنما تتحدث عن علمه الواصل إليه من الله، بعطاء وفيض منه سبحانه..

فصح سلب علم الغيب عنهم تارة، وإثباته لهم أخرى، نظير قوله تعالى: ﴿الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلاَئِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ([30]).

ويقول تعالى: ﴿قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ([31]).

ثم هو تعالى يقول: ﴿اللهُ يَتَوَفَّى الأنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا([32]).


----------

([1]) شرح نهج البلاغة للمعتزلي ج4 ص67 ومستدرك سفينة البحار للشيخ علي النمازي الشاهرودي ج10 ص529 وخلاصة عبقات الأنوار للسيد حامد النقوي ج3 ص255 والنص والإجتهاد للسيد شرف الدين ص514 ونهج السعادة للشيخ المحمودي ج8 ص486.
([2]) راجع: موطأ مالك ج1 ص93 وسنن الدارقطـني، والمصنف للصنعـاني ج1 = = رقم 1827 و 1829 و 1832 ص474 و 475 وكنز العمال ج4 رقم5567 و 5568 ومنتخب كنز العمال (بهامش المسند) ج3 ص278 وفيه: أنه قال: إنها بدعة، والترمذي وأبي داود، وغير ذلك.
([3]) تاريخ الخميس ج2 ص156.
([4]) تاريخ الأمم والملوك (ط الاستقامة) ج2 ص469 والكامل في التاريخ ج2 ص340 والبداية والنهاية ج6 ص310.
([5]) البداية والنهاية ج6 ص310.
([6]) وسائل الشيعة (ط مؤسسة آل البيت) ج5 ص451 وفي هامشه عن الفقيه ج1 ص184 والكافي ج3 ص303.
([7]) الكافي ج1 ص441.
([8]) الاحتجاج ج1 ص1 ص365 ـ 366 والأنوار النعمانية ج1 ص169 وراجع: تفسير القمي ج1 ص336 وبحار الأنوار ج81 ص112.
([9]) قد روي خبر الاحتجاج هذا، وجاء في آخره هاتان الكلمتان في بحار الأنوار ج27 ص1 و 2. فيبدو: أن نسخة الاحتجاج التي كانت عند المجلسي «رحمه الله» كانت تشتمل على ذلك.
([10]) رسالة الهداية ص45.
([11]) راجع: الهداية للشيخ الصدوق ص131 ومصباح المتهجد للشيخ الطوسي ص29 والجامع للشرايع ليحيى بن سعيد الحلي ص74 والبيان (ط.ق) للشهيد الأول ص73 وكشف اللثام (ط.ج) للفاضل الهندي ج3 ص377 وجواهر الكلام ج9 ص85 ووسائل الشيعة (ط دار الإسلامية) ج4 ص648.
([12]) راجع في نصوص الحديث المختلفة المصادر التالية: سنن أبي داود ج1 ص335 ـ 338 والمصنف للصنعاني ج1 ص455 ـ 465 والسيرة الحلبية ج2 ص93 ـ 97 وتاريخ الخميس ج1 ص359 والموطأ ج1 وشرحه للزرقاني ج1 ص120 ـ 125 والجامع الصحيح للترمذي ج1 ص358 ـ 361 ومسند أحمد ج4 ص42 وسنن ابن ماجة ج1 ص124 وسنن البيهقي ج1 ص390 و 391 والسيرة النبوية لابن هشام ج2 ص154 و 155 و 125 ونصب الراية ج1 ص259 ـ 261 وفتح الباري ج2 ص63 ـ 66 والطبقات الكبرى لابن سعد ج1 قسم2 ص8 والبداية والنهاية ج3 ص232 و 233 والمواهب اللدنية ج1 ص71 ومنتخب كنز العمال (هامش مسند أحمد) ج3 ص273 و 275 وتبيين الحقائق للزيلعي ج1 ص90 والروض الأنف ج2 ص285 و 286 وحياة الصحابة ج3 ص131 عن كنز العمال ج4 ص263 و 246 ونقل أيضاً عن أبي الشيخ، وابن حبان، وابن خزيمة، وسنن الدارقطني ج1 ص241 و 242 و 245. وغير ذلك من المصادر الكثيرة التي لا مجال لتتبعها واستقصائها..
([13]) راجع: المستدرك للحاكم ج3 ص171 والنص والاجتهاد ص255 وعن كنز العمال ج6 ص277 وعن مشكل الآثار، وعن ابن مردويه.
([14]) راجع: مستدرك الوسائل للميرزا النوري ج4 ص17 وجامع أحاديث الشيعة السيد البروجردي ج4 ص623 وبحار الأنوار ج81 ص156.
([15]) راجع: بحار الأنوار ج81 ص122 ووسائل الشيعة (ط مؤسسة آل البيت) ج5 ص370 و (ط دار الإسلامية) ج4 ص612 والكافي ج3 ص302 وجامع أحاديث الشيعة ج4 ص623 والنص والاجتهاد ص205 ونقله الصدوق والشيخ «رحمهما الله تعالى».
([16]) راجع: السيرة الحلبية ج2 ص96 و (ط دار المعرفة) ج2 ص300 والنص والاجتهاد ص205 و (ط سنة 1404هـ) ص237 وكتاب العلوم (أمالي أحمد بن عيسى بن زيد) ج1 ص90.
([17]) الآية 26 من سورة الجن.
([18]) الآية 26 من سورة الجن.
([19]) الآية 188 من سورة الأعراف.
([20]) الآية 3 من سورة التحريم.
([21]) الآية 6 من سورة الصف.
([22]) الآية 44 من سورة آل عمران.
([23]) الآية 49 من سورة هود.
([24]) الآية 102 من سورة يوسف.
([25]) الآية 26 من سورة الجن.
([26]) الآية 255 من سورة البقرة.
([27]) الآية 75 من سورة الأنعام.
([28]) الآية 1 من سورة الإسراء.
([29]) الآية 188 من سورة الأعراف.
([30]) الآية 32 من سورة النحل.

([31]) الآية 11 من سورة السجدة.
([32]) الآية 42 من سورة الزمر.

خادم الزهراء 08-May-2010 12:47 PM

[وقفة مع ابن ميثم البحراني:]

وقد ذكر ابن ميثم البحراني «رحمه الله» أمراً هاماً هنا، فقال:
«المراد بعلم الغيب هو العلم الذي لا يكون مستفاداً عن سبب يفيده، وذلك إنما يصدق في حق الله تعالى، إذ كل علم لذي علم فهو مستفاد من جوده، إما بواسطة أو بغير واسطة، فلا يكون علم غيب. وإن كان اطلاعاً على أمر غيبي، لا يتأهل للإطلاع عليه كل الناس، بل يختص بنفوس خصت بعناية إلهية، كما قال تعالى:

﴿عَالِمُ الْغَيْبِ فَلاَ يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً، إِلاَ مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ([1])» انتهى كلام ابن ميثم([2]).

فابن ميثم «رحمه الله» يقول: إن علم الغيب مختص بالله سبحانه، أما الاطلاع عليه بتفضل وجود منه تعالى ـ سواء أكان ذلك بواسطة أو بغير واسطة ـ فإنه يحصل لمن تأهلت نفوسهم لتلقيه، واستعدت لنيله وقبوله.

وقد استفاد «رحمه الله» هذا المعنى من قول علي «عليه السلام»، لمن قال له: لقد أعطيت يا أمير المؤمنين علم الغيب. ـ وذلك بعد إخباره بشأن الأتراك ـ قال:

«يا أخا كلب، ليس هذا بعلم غيب، وإنما هو تعلم من ذي علم..

إلى أن قال:
وما سوى ذلك فعلم علمه الله نبيه «صلى الله عليه وآله»، فعلمنيه، ودعا لي بأن يعيه صدري، وتضطمّ عليه جوانحي».

فاستفاد «رحمه الله» من ذلك: أن تعليم رسول الله «صلى الله عليه وآله» له «عليه السلام»، لم يكن مجرد تعريف له بالصور الجزئية، بل إعداد نفسه بالقوانين الكلية، إذ لو كان ما تلقاه، من الصور الجزئية، لم يحتج إلى دعاء الرسول «صلى الله عليه وآله» له بما ذكر، لأن فهم الصور الجزئية أمر سهل..

فالدعاء من النبي «صلى الله عليه وآله»، لعلي «عليه السلام»: بأن يعيه قلبه، إلخ.. إنما هو ليكون مستعداً لفهم الكليات، وتفصيلاتها، وكيفية انشعابها.. وهذا ما يشير إليه قوله «عليه السلام»: «علمني رسول الله «صلى الله عليه وآله»، ألف باب من العلم، فانفتح لي من كل باب ألف باب».

وعنه «صلى الله عليه وآله»: «أعطيت جوامع الكلم، وأعطي علي «عليه السلام»، جوامع العلم».. أي ضوابطه وقوانينه، وذلك بعطاء من الله سبحانه، كما أشير إليه بكلمة «أعطي» المبنية للمفعول([3]).

[إن شاء علم:]

خامساً: إن ثمة أخباراً تفيد: أن علمه «صلى الله عليه وآله» إختياري، أي إن شاء أن يعلم علم.. مما يشير إلى أن الله تعالى قد منحه قدرة تمكنه من ذلك ساعة يشاء. ولكنها ليست قدرة ذاتية.

ومن الواضح: أنه «صلى الله عليه وآله» لا يشاء علم شيء إلا إذا اقتضت المصلحة أن يعلمه، وفق ما علمه الله إياه، وأوقفه عليه..

كما أنه إنما يشاء أن يعلم من الغيوب، ما له أثر في تسامي نفسه وعلو درجته في مقامات الكرامة، والمعرفة، وفق ما أعطاه الله تعالى من قدرات، وحباه به من كرامات هو أهل لها..

والخلاصة: أن الآية الكريمة إنما تأمر النبي «صلى الله عليه وآله» بأن ينفي عن نفسه علم الغيب بصورة ذاتية، فإن هذا الذي كان المشركون يطالبونه به، للتسويق لمقولتهم الفاسدة، التي تقول: إن النبي يجب أن يكون فوق مستوى البشر، وأنه يملك لنفسه الضر والنفع، بصورة استقلالية، فلا يحتاج إلى الإستنجاد بالله في جلب المنافع ودفع المضار..

فالله تعالى يقول لنبيه قل لهم: إنما أنا بشر أرسلني الله بالإنذار والتبشير، وليس لي أن أفعل شيئاً من تلقاء نفسي، بل أفعل ما يريده الله تعالى، ويأذن به..

[أنا بشر مثلكم:]

سادساً: بالنسبة للمراد من قوله تعالى: ﴿قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً([4]). نقول:

إنها لا تريد أن تنفي علم النبي «صلى الله عليه وآله» بالغيب، بل هي تريد أن تقرر لهم بشرية الرسول، وأن ما يطلبونه ويصرون عليه من أن لديه قدرة ذاتية على التصرفات، من دون حاجة إلى الإستعانة بالله، غير صحيح، فإن كونه بشراً مثلهم يقتضي أنه مملوك لله، وليس له قدرة مقابل الله تعالى، لأن ذلك ينافي الوحدانية، فإن إلههم واحد، ولو كان «صلى الله عليه وآله» مستقلاً عن الله تعالى غير محتاج إليه، لكان إلها آخر، ويستحق العبادة مثله.. وهذا باطل بالبداهة..

فهذه الآية تتوافق في مؤداها مع مؤدى قوله تعالى:
﴿وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً، أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفاً أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ قَبِيلاً، أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَاباً نَقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَراً رَسُولاً..

وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الهُدَى إِلَّا أَنْ قَالُوا أَبَعَثَ اللهُ بَشَراً رَسُولاً﴾([5]).

وقوله تعالى: ﴿وَقَالُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنْزَلْنَا مَلَكاً لَقُضِيَ الْأَمْرُ ثُمَّ لَا يُنْظَرُونَ، وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكاً لَجَعَلْنَاهُ رَجُلاً وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ([6]).

وفي الختام عليك مني وعلى من تحب ألف تحية وسلام.
والحمد لله رب العالمين.
جعفر مرتضى العاملي
حرر بتاريخ 7 / صفر / 1431هـ. الموافق 23 / 1/ 2010م.


----------

([1]) الآية 26 من سورة الجن.
([2]) راجع: شرح نهج البلاغة لابن ميثم ج1 ص84 و 85 .
([3]) راجع: شرح نهج البلاغة لابن ميثم ج1 ص84 و 85.
([4]) الآية 110 من سورة الكهف.
([5]) الآيات 90 ـ 95 من سورة الإسراء.
([6]) الآيتان 8 و 9 من سورة الأنعام.

خادم الزهراء 08-May-2010 12:52 PM

الرسالة السادسة

إعـتـذار:

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد بن عبد الله الرسول الكريم، وعلى آله أصحاب النهج السليم..
أما بعد..

أخي سماحة العالم الفاضل السيد جعفر مرتضى العاملي (حفظه المولى بحفظه ورعايته)..

أشكر لكم اهتمامكم بي لهذه الدرجة وسعيكم بكل جد و محبة لأظهار الدليل الواضح، والبرهان الذي لا رد له، إن كان الإنسان منصفاً، عالماً بتكليفه الشرعي، الذي ألقاه الله على عاتق من يتولى مسؤولية طلب العلم المقدس من الله ورسوله «صلى الله عليه وآله».

وأرجو منكم المعذرة إذ علمت أنكم في فترة علاج وراحة، لذلك أتقدم منكم بالمعذرة والمسامحة إن كان في الرد على الرسائل فيه من المجهود عليكم، فإنني سأقوم بتأجيل الأسئلة لوقت آخر تكون فيه في حالة أفضل وتكون الظروف أفضل..

ومن هنا فإنني أطلب منكم الأذن لتكملة الأسئلة أو التأجيل لوقت آخر، وليس عندي مانع في هذا، وأرجو من الله تعالى أن يطيل بعمركم ويزيد فيه لخدمة الإسلام والدلالة على النهج الصحيح، وأن يطيل بعمري أنا كي أعلم المزيد وأنهل من ما هو مفيد من بحر علومكم، إنه سميع مجيب..
6/صفر/ 1431 هـ. الموافق 22 /1/2010م.

خادم الزهراء 08-May-2010 01:14 PM

الرسالة السابعة

[عرفت الحقيقة:]

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، حمداً كثيراً على هدايته لنا إلى النهج القويم، والطريق الصحيح، والوقوف على الصراط المستقيم، والصلاة والسلام على أفضل خلق الله محمد بن عبد الله، وعلى آله الأطهار، ولعن الله من عاداهم أجمعين، ورضوان الله على من انتهج هديهم من عهد النبي «صلى الله عليه وآله» إلى قيام يوم الدين.. أما بعد..

سماحة العالم الفاضل السيد جعفر مرتضى العاملي.. أيدك الله وحفظك من كل سوء..

أحييكم بتحية الحب والمودة والاحترام والإلفة.. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..

في البداية أود أن أشكر الله تعالى إذ يسر لي ذاك الشاب على شبكة الإنترنت الذي كان السبب في تعريفي على أخ فاضل عالم فيه من الأدب المحمدي، والخلق القويم، الذي لا يمكن لأحد أن ينكره عليكم..

ثم إن كلامكم يقع على قلبي مثل البلسم، وهو كثيراً ما يطفئ النار في قلبي، ألا وهي نار الجهل، وأرجو من الله أن أكون قد بدأت الوصول إلى الحق والوقوف عليه، والتعرف عن ما هو غائب عني، وفي مثل سني أشكر الله أن وفقني للنور الذي أشعر به يجري في عروقي ودمي، وذلك بفضل من الله أولاً، ومن بعده لكم يا سيدي..

لقد وصلتني دفعة ثانية من كتبكم التي أرسلها الأخ السيد المستبصر لي عبر البريد الإلكتروني، فجزاه الله عني بكل خير، ويوفقك الله للمزيد من الخير إنه ولي التوفيق..

لقد حرت كثيراً في أمري، وقد تصورت نفسي في ذلك الموقف الرهيب يوم القيامة حين يسأل الله عز وجل الخلق عن كل كبيرة وصغيرة، ويوم ينشر الكتاب الذي لا يغادر لا كبيرة ولا صغيرة إلا وقد أحصاها، ويوم ينطق الله جل جلاله الأيدي والأرجل والجلد الذي يشهده الله على الإنسان، وفكرت ملياً هل تختار على الجنة شيئاً، فكانت الإجابة لا والله لا أرضى عن الجنة بديلاً، وقد جاءني الدليل..

ومن هنا كان لا بد لي أن أذعن للحق، وأستبصر بنوره، وهدي الصواب، وأستنير بدربه، فقد جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقاً..

وبعد أن وصلت إلى ذلك الدرب، وانتهجت هذا النهج كان لا بد أن أنهي رسائلي تلك، باعتراف أنني وصلت إلى الحقيقة، وهي: أن مذهب الحق هو مذهبكم، وطريق الجنة هي طريقكم، فحشرنا الله وإياكم مع محمد وآل محمد «صلوات الله عليهم أجمعين».

وأستودعكم شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وعلي بالحق حقاً ولي الله، وأولاده هم حجج الله..
7 / صفر / 1431 هـ. الموافق 23/1/2010م

أخوكم الشيخ.. (ص..)

خادم الزهراء 08-May-2010 01:48 PM

جواب الرسالة السابعة

[أنت حر في الدنيا وسعيد في الآخرة:]

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين، ولا سيما علي أمير المؤمنين والأئمة من أبنائه الميامين..
وبعد..
إلى الأخ الكريم العالم الفاضل والمؤيد الكامل الشيخ (ص..) دمت مؤيداً ومسدداً..

الحمد لله الذي جمعنا وإياكم على الخير والهدى، ومحبة محمد وأهل بيته الطاهرين، ونسأله أن يجعلنا وإياكم من بغاة الحق، والواصلين إليه، والعاملين به، والمدافعين عنه، إنه سميع قريب مجيب الدعاء..

[تخيير النفس بين الجنة والنار:]

أخي العزيز..

لقد ذكرني ما ذكرته عن أنّك خيرت نفسك بين الجنة والنار بالحُرّ بن يزيد الرياحي حين كان في كربلاء في جيش يزيد وقد أخذه مثل الأفكل «الرعدة»...

فقال له صاحبة:إن أمرك لمريب! وما رأيت منك في موقف قط مثل الذي أراه الآن؟! ولو قيل لي: من أشجع أهل الكوفة ما عدوتك، فما هذا الذي أرى منك؟!

فقال الحر: إنّي والله أخيّر نفسي بين الجنّة والنار، ووالله لا أختار على الجنّة شيئاً ولو قطّعت وحرّقت، ثم ضرب فرسه قاصداً إلى الحسين «عليه السلام» ويده على رأسه وهو يقول: «أللهم إليك أنيب فتب عليّ فقد أرعبت قلوب أوليائك و أولاد بنت نبيّك».

فلما دنا منهم قلب ترسه، فقالوا: مستأمن، حتى إذا عرفوه سلّم على الحسين وقال:

«جعلني الله فداك يا ابن رسول الله! أنا صاحبك الذي حبستك عن الرجوع، وسايرتك في الطريق، وجعجعت بك في هذا المكان! والله الذي لا إله إلا هو ما ظننت أن القوم يردّون عليك ما عرضته عليهم أبداً، ووالله لو ظننتهم لا يقبلونها منك ما ركبتها منك. وإني قد جئتك تائباً مما كان منّي إلى الله، ومواسياً لك بنفسي حتى أموت بين يديك. فهل ترى لي من توبة»؟!

[أنت حر كما سمتك أمك:]

قال «عليه السلام»: «نعم! يتوب الله عليك ويغفر لك، فانزل».

وروي أن الحُرّ قال للحسين «عليه السلام»: يا بن رسول الله، كنتُ أول خارج عليك، فأذن لي لأكون أول قتيل بين يديك، وأول من يصافح جدك غداً.

واستأذن الحرّ الحسين «عليه السلام» للقتال، فأذن له الحسين «عليه السلام»، فقاتل قتالاً شديداً، وكان يحمل هو وزهير بن القين، فإذا حمل أحدهما وغاص فيهم حمل الآخر حتى يخلصه، ففعلا ذلك ساعة حتى عرقب فرس الحرّ وبقي يقاتلهم راجلاً، فحملت عليه الرجالة وتكاثروا عليه حتى قتلوه، فحمله أصحاب الحسين «عليه السلام» حتى وضعوه بين يدي الحسين «عليه السلام» وبه رمق ودمه يشخب، فجعل الحسين يمسح التراب عن وجهه ويقول: «بخٍ بخٍ لك يا حرّ، أنت حرٌّ كما سمتك أمك، حرٌّ في الدنيا وسعيد في الآخرة».

أخي أيها العالم الجليل سدد الله خطاك، وحفظك ورعاك، وحشرك مع الذين أحببتهم وواليتهم.

إنني أهنؤك من كل قلبي على هذا العقل الراجح والقلب المستنير بنور الهدى، وأقدّر فيك هذا الجهاد الأكبر الذي خضته مع نفسك ضد كل الموانع والمثبطات والمغريات أيضاً.

فاخترت لها طريق ذات الشوكة، فكنت ممن استجاب لدعوة رسول الله «صلى الله عليه وآله»، التي أطلقها للناس، حيث إنه بعث سرية فلما رجعوا قال:
«مرحباً بقوم قضوا الجهاد الأصغر وبقى عليهم الجهاد الأكبر.

قيل: يا رسول الله، وما الجهاد الأكبر؟!

قال: جهاد النفس»([1]).

فهنيئاً ثم هنيئاً لك هذا المقام العظيم الذي نلته عند الله ورسوله، وهو مقام المجاهدين لأنفسهم والمنتصرين في جهادهم هذا..

ولا أملك لك ولنفسي إلا الدعاء بأن يثبتك الله وإيانا بالقول الثابت في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد.

سماحة العالم العلامة لا أريد أن أطيل عليك.. فإن القلب مفعم بالسرور، جياش بالحنين إليك، معتزّ بك كأخ لي في الله، وكحبيب صفي، وصديق وفي، وعالم عامل، وشريف مسدد كامل، ومجاهد باسل، غير أنني أحب أن أنهي رسالتي هذه إليك بمزيد من الحث والتأكيد على ضرورة مواصلة أسئلتك، فإنّ ذلك يزيد في سروري بك، ومحبتي لك..

والسلام عليك وعلى جميع من تحب ورحمة الله وبركاته.
والحمد لله و صلاته وسلامه على عباده الذين اصطفى، محمد وآله الطاهرين.
أخوك جعفر مرتضى الحسيني العاملي
حرر يوم الاثنين الموافق 25/1/2010 م
الموافق لـ 9/2/1431 هـ.

---------
([1]) معاني الأخبار ص 160.

خادم الزهراء 09-May-2010 11:46 AM

الرسالة الثامنة

[من هو ابن سبأ؟!:]

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خير الخلق أجمعين سيدنا ومولانا رسول الله وعلى وصيه وابن عمه وخيرة الخلق بعده آله المنتجبين، أما بعد..

أخي المؤيد العالم المسدد السيد جعفر مرتضى الحسيني العاملي (حفظه الله).

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..

أخي العزيز.. لا تسعني الكلمات ولا الجمل للتعبير عن ما أحس به، وأشعر به من سعادة أولاً بطريق النجاة التي سلكتها، ثانياً بقبولك اعتذاري عن ما سببته لك من أذى، في مقالتي التي أرسلتها لك بادئ النقاش، وثالثاً على تلك الرسالة الأخيرة التي أرسلت، فقد فاضت عيوني بدموع، وأشكر الله عز وجل على كثير نعمه لا سيما على ولاية الصادقين من آل محمد.

سيدي العالم الفاضل سماحة السيد.. لا أعلم ماذا أقول عن مؤلفاتك التي تصلني تباعاً عبر الأخ السيد المستبصر والتي ما أكاد أنتهي من واحد حتى أنتقل للتالي..

سيدي العزيز، أدعو الله تعالى أن يطيل بعمرك وأن يجعل تلك المؤلفات في ميزان حسناتك يوم لا ينفع مال ولا ولد إلا من أتى الله بقلب سليم.

وأشكرك ثانية على تلك الأجوبة المؤيدة بالدليل القوي والمقنع، وأرجو منك يا سيدي الكريم أن تنشرها لتفيد بها آخرين، إذ إنني في الوقت الحالي لا أستطيع أن أقوم بذلك لعدة ظروف قد شرحتها لكم سابقاً.

لقد مر معي وأنا أتناقش مع أحد المشايخ، أن أهل السنة يعتقدون أن مؤسس التشيع هو عبد الله بن سبأ، فاستغربت هذا الحديث من عالم مثل هذا، فقلت له: كيف هذا؟! ومعنى الشيعة: هو التشيع لشخص ما أو فكر ما؟! وحاولت أن أبحث عن هذه الشخصية في كتب الرجال فلم أجد له أثر إلا في الكتب الكلامية التي تنسب تأسيس الشيعة لهذا الشخص الذي أعتقد أنه غير موجود، فهل تستطيع أن تفيدني بهذا الموضوع؟!

أما عن ظلامة أبي طالب رضي الله عنه، فلا أخفيك أنني أعجبت به ولا أعرف كيف كنت أكفر أعز الخلق على رسول الله بعد الإمام علي عليه السلام..

كل هذا ويلزمني الكثير لكي أتعرف عليه!!

لذلك أدعو لي بالخير.. وأخيراً وليس آخراً إقبل مني كل التحية والوفاء..

أخوك العبد الفقير إلى الله..
الشيخ (ص..)
12 / صفر / 1431 هـ . الموافق 28/1/2010م.

خادم الزهراء 09-May-2010 12:21 PM

جواب الرسالة الثامنة

الحق أمانة الله عند العلماء:

بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين..

الأخ الكريم العالم الفاضل، والعلامة الكامل الشيخ (ص..) زاده الله تعالى عزاً وتوفيقاً..

السلام عليكم وعلى جميع من تحبون ورحمة الله وبركاته..

و بعد..

فإن كل ما أتمناه لكم هو دوام الصحة والعافية، وأن ينيلكم الله تعالى ما تقر به عيونكم من مراتب القرب والرضا، والحصول على التوفيقات والألطاف والبركات، وأن يصونكم ويحفظكم، ويدفع عنكم كل سوء إنه سميع مجيب.


[الحق ليس سنياً ولا شيعياً:]

أخي العالم الجليل..
إن الحق ليس شيعياً ولا سنياً، بل هو أمانة الله عند العلماء الأصفياء من خلقه..

كما أن المفروض هو: أن يكون الاستدلال المقنع والصحيح، والكاشف عن الحق هو المعيار، من دون أن يكون لتوصيف هذا الدليل بـ «العقلي» أي أثر في الانتقاص من قيمة الحقيقة المكتشفة.. وما أكثر الآيات القرآنية التي تشير إلى التعقل، والعقلاء؛ مثل قوله تعالى: ﴿أَفَلَا تَعْقِلُونَ﴾، ﴿لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾، ﴿إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ﴾، ﴿وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ﴾، ﴿لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾، ﴿لَا يَعْقِلُونَ﴾ ﴿فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا﴾، ﴿أَفَلَا يَعْقِلُونَ﴾ وغيرها من الآيات..

والكلام حول هذا الموضوع طويل ومتشعب، ولست بصدد البحث فيه، ولكنني أحببت أن أشاطرك تعجبك من تلك الإجابة التي لا أرى لها وجهاً إلا إذا أردت أن أعتبرها مجرد مداعبة أتحفك بها صديقك.


[حقيقة ابن سبأ!!:]

أما فيما يتعلق بسؤالك عن ابن سبأ، فإني أقول:
سواء أكان لعبد الله بن سبأ حقيقة، أم كان شخصية مخترعة كما ألمحْتَ إليه، وحاول العلامة الكبير البحاثة السيد مرتضى العسكري إثباته في كتابه المعروف باسم «عبد الله بن سبأ وأساطير أخرى»، فإن ذلك لا يعنينا في شيء؛ لأن الشيعة إنما يستدلون على عقائدهم بأدلة من الكتاب والسنة وأحكام العقل الصريحة، والتاريخ القطعي، وغير ذلك من وسائل الإثبات المعتمدة عند عقلاء البشر.

فلابد من محاكمة تلك الاعتقادات على أساس صحة تلك الأدلة أو فسادها.. فإن كانت الأدلة فاسدة أو باطلة، فلا يجوز الالتزام والتدين بتلك الاعتقادات.

والتهمة بمجردها لا تُحق حقاً ولا تُبطل باطلاً، بل توجب الفرقة، وتؤدي إلى طمس الحق، بركام الأهواء، والأحقاد، والكيد، والطيش، والرعونة، وقلة الدين..


[رأي العلامة العسكري رحمه الله]

أخي الكريم..

إنني أفيدك بكل صدق وصراحة..

أن العلامة الكبير، والبحاثة القدير السيد مرتضى العسكري «رحمه الله»، قد حاول إثبات أن عبد الله بن سبأ أسطورة، وقد أثبت ذلك في كتاب من مجلدين..

ولكنني لا أشاطره الرأي في هذا الموضوع، وأعتقد أنه قد كان ثمة رجل بهذا الاسم. ولكن الدور الذي أعطاه إياه سيف بن عمر وكثرة مخترعاته حوله هو الذي أدهش العلامة العسكري، ودعاه إلى أن يشك في أصل وجود هذا الرجل من الأساس.


[نجاح العلامة العسكري:]

ونحن وإن كنا لا نوافقه على رأيه هذا.. ولكننا نقول: إنه «رحمه الله» قد نجح نجاحاً باهراً في فضح جعليات وأكاذيب سيف بن عمر، المعروف بالكذب والمتهم بالزندقة. وهذه خدمة كبرى أسداها للحق والحقيقة، فجزاه الله عن الإسلام وأهله خير جزاء وأوفاه..


أخي الكريم:
لا أريد أن أطيل عليك في أمر ابن سبأ، ولذلك اكتفي بإرسال مناقشتي لما كتبه العلامة العسكري، والتي أوردتها في الجزء السادس والعشرين من كتابنا: الصحيح من سيرة الإمام علي «عليه السلام».. لتروا كيف أن أبواب البحث العلمي في مدرسة أهل البيت «عليهم السلام» مشرعة أمام الجميع، وأنه لا حرج عندنا من مناقشة أي موضوع مع أي عالم، وفق الضوابط والمعايير الصحيحة.لأن هدفنا جميعاً ـ إن شاء الله تعالى ـ هو الوصول إلى الحق، أينما كان، وفقاً لما روي عن رسول الله «صلى الله عليه وآله»، من أن الحكمة ضالة المؤمن أينما وجدها أخذها..

وفقنا الله وإياكم إلى كل خير، وجنبنا وإياكم كل شر وضير، وحفظكم الله ورعاكم، وسدد على طريق الحق والخير خطاكم..

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..
حرر في يوم الجمعة
بتاريخ 13 ـ 2 ـ 1431هـ. الموافق 29 ـ 1 ـ 2010 م.
أخوكم جعفر مرتضى العاملي..

إشارة:

ملحق حول >عبدالله بن سبأ< وضعناه في آخر الكتاب يرجى من القارء مراجعته..

خادم الزهراء 09-May-2010 12:33 PM

الرسالة التاسعة

[هل أهل السنة نواصب؟!:]

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين..

أما بعد..
سماحة السيد العلامة الفهامة السيد جعفر مرتضى العاملي (دامت توفيقاته).

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
أخي العزيز..
إن بحثك لمثل هذه المواضيع قد أزال الشك الذي يدور في ذهني، وبعد أن بدأت الآن بالتقليد، وتعلم الفروع من مذهب آل البيت «عليهم السلام»، فإنني أنوي التقليد وقد ساعدني السيد المستبصر في فهم شروط التقليد، والسؤال عن أعلم المجتهدين الأحياء، وقد قال لي: إن عملي السابق هو مجزي بإذن الله تعالى!!

وكم كنت أخاف من أن يكون اعتبار أهل السنة بشكل عام هم نواصب كما عبرت عن ذلك حسب ما قرأت بعض الرسالات العملية لبعض العلماء، فمن هنا أسأل: هل كل أهل السنة هم من النواصب في اعتقاد مذهب الحق، وذلك لأنهم لم يتولوا أمير المؤمنين «عليه السلام» ومن بعده الأئمة من ولده؟!
أخوكم الفقير إلى الله.. الشيخ (ص..)
15 / 2/ 1431 هـ. الموافق 30/1/2010م.

خادم الزهراء 11-May-2010 04:03 PM

جواب الرسالة التاسعة

ثمرة العلم العمل:


بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خير خلقه أجمعين، محمد وآله الطاهرين..

سماحة العالم العلامة، الشيخ (ص..) أدام الله عزه، وحشره مع محمد وأهل بيته الطاهرين..

السلام عليكم ورحمة لله وبركاته..

وبعد..
فإن من دواعي سروري، وزيادة محبتي واحترامي لكم، وإعجابي بكم، هذا الاهتمام الظاهر الذي يتجلى لي فيكم يوماً بعد يوم بمعرفة الحقائق، واكتشاف الدقائق، لا لمجرد الترف الفكري، بل لأجل التوطئة للالتزام بها، وإعطائها موقعها الطبيعي في المنظومة العامة في البناء المعرفي، والفكري والاعتقادي، ثم الإيماني، ولتثمر من ثم موقفاً وسلوكاً، والتزاماً عملياً، وزرعاً ينبت لكم الخيرات، ويكون حصاده الحسنات والمثوبات إن شاء الله..

وما ذلك إلا لأنكم تفيأتم شجرة الولاية، التي غرسها الله تعالى، وحاطها ورعاها رسول الله «صلى الله عليه وآله»، وغذاها أولياء الله بالدماء والدموع، وأخذتم بأغصانها، ونلتم من ثمراتها التي بلَغتكم إن شاء الله أعلى الدرجات، وحققتم بها أعز الأمنيات، فبارك الله تعالى بكم ولكم هذا الفوز العظيم.

نسأل الله تعالى أن يجعلنا جميعاً من ورثة جنة النعيم، وأن يحشرنا جميعاً مع محمد وآله الطاهرين..

[قال تعالى: وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي:]

أخي الكريم..

لقد تمت نعمة الله تعالى عليكم بتوفيقه لكم لركوب سفينة النجاة، ودخولكم باب حطة، واعتصامكم بالثقلين. وهما حبل الله الممدود من السماء إلى الأرض، وعترته أهل بيته. فلابد لكم ولنا من شكر هذه النعمة. وشكرها إنما هو بمعرفة قيمتها وبالحفاظ عليها، ثم بانتهاج السبيل الذي أراد الله تعالى للناس أن يسلكوه في ظلالها، ومن خلالها.. لأن هذا هو الذي يؤهلهم للعطاءات والألطاف والبركات الإلهية، فيزيدهم الله بها علماً، وعملاً وتوفيقاً، وتأييداً وتسديداً على القاعدة القرآنية المباركة.. «لئن شكرتم لازيدنكم»..

[النصب والنواصب:]

أخي الكريم الجليل، والعالم النبيل..
لقد سألتني عن النصب والنواصب، وعن أن هذا العنوان هل ينطبق على أهل السنة أم لا؟!

وأجيب بما يلي:

1 ـإن النصب هو الإعلان بالعداء لأهل البيت «عليهم السلام»، وإظهار بغضهم، ومحاربتهم، والعمل على إخماد ذكرهم، وإطفاء نورهم، وتكذيب فضائلهم، وتقديم أعدائهم عليهم..

والخوارج المعلنون ببغض علي «عليه السلام»، والذين حاربوه في النهروان، ومن هم على مثل رأيهم ونهجهم. هم أظهر مصاديق النصب الذي سألتم عنه.. وقال: علي «عليه السلام»: «يهلك في اثنان، محب غال، ومبغض قال»..

[حب أهل البيت عليهم السلام جزء من الإسلام:]

2 ـإن حب أهل البيت جزء من هذا الدين.. وقد أمر الله تعالى به البشر جميعاً، ونطقت به الأحاديث الشريفة. وهو أوضح من الشمس، وأبين من الأمس. ولا أظن أنني بحاجة لإيراد الشواهد لكم من الآيات والروايات على ذلك..

[المحبون المقصِّرون:]

3 ـإن عامة أهل السنة يحبون أهل البيت. ولا يرضون بما جرى عليهم من ظلم وحيف، ولكنهم مقصرون في حقهم «عليهم السلام»، وقد أنزلوهم عن مراتبهم التي رتبها الله لهم، وأزالوهم عنها، حين نفوا عنهم ما حباهم الله به من صفات، وأكرمهم به من فضائل وكرامات، وساووهم بغيرهم، بل قدموا غيرهم عليهم، مع أن الآيات والروايات عن رسول الله «صلى الله عليه وآله» ناطقة بعظيم فضلهم، مثبتة لهم أجلّ المراتب، وأسمى المقامات والمناصب، في الدنيا وفي الآخرة..

وشرح ذلك يطول، وأظنكم على علم بكثير مما يدخل في هذا السياق.

وكفى شاهداً على التقصير الحاصل في حقهم سلبهم مقام الإمامة الثابت لهم بنص يوم الغدير، وبآية: ﴿إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ([1]). وبأحاديث كثيرة، منها قوله «صلى الله عليه وآله»: «يكون بعدي اثنا عشر خليفة أو إماماً..». وغير ذلك.

هذا فضلاً عن الأحاديث الكثيرة التي سعى معاوية وغيره إلى طمسها، أو تحريفها، أو نسبتها إلى غيرهم، بل وضع مشابه لها في حق مناوئيهم.

وخلاصة الأمر: أن التقصير في حقهم «عليهم السلام» ظاهر، وأكثره قد حصل في حقبة سابقة، وأخذه كثيرون بسلامة نية، وغفلة عن حقيقة ما جرى.
ولو علم أكثر أهل السنة بحقيقة الأمر لرفضوه، وأدانوه..


من أجل ذلك ترى: أن فقهاء الشيعة لا يحكمون ببطلان أعمال أهل السنة. ولا يوجبون على من ينتقل من التسنن إلى التشيع أن يعيد عباداته: من صلاة، وصوم، وحج، وغير ذلك..

ولكنهم يوجبون على السني: أن يلتزم بفقه أهل البيت من لحظة انتقاله إلى التشيع فصاعداً. ولهم على ذلك أدلة صحيحة ومرضية، تكفلت ببيانها كتب الفقه الاستدلالي..

أخي الفاضل النبيل، والعالم الجليل..

لا أحب أن أكثر عليك، فقد فهمت من رسالتك أنك تريد بعض الكتب في الفروع الفقهية العملية، وقد طلبت من الإخوة أن يرسلوا إليك بعضاً منها، لتطلع عليها، وليكون ذلك تمهيداً لأخذ المسائل التي تحتاج إليها منها، حين تحدد المرجع الذي ستقرر الأخذ منه في المستقبل..

أما كتب العقائد فهي كثيرة، وسأحاول أن أنتقي لك باقة متنوعة، فإن لكل وردة رائحة، ولكل زهرة بهجتها.. ولكنني أرجو أن تمهلني إلى أن أعود إلى بلدي ومكتبتي، فإنني بعيد عنها في الوقت الحاضر.

وفي الختام.. عليك مني وعلى من تحب أيها الأخ الفاضل ألف تحية وسلام..

والصلاة والسلام على عباده الذين اصطفى محمد وآله الطاهرين..
حرر بتاريخ 18 / 2 / 1431هـ الموافق 3 / 2 / 2010 م
جعفر مرتضى العاملي

----------
([1]) الآية 55 من سورة المائدة.

خادم الزهراء 11-May-2010 04:09 PM

الرسالة العاشرة

[ندم.. وأسف:]

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد الأنبياء، وعلى علي وصيه سيد الأوصياء، وعلى آله الأطهار السادة الأصفياء.. أما بعد..
سيدي العالم العلامة المسدد السيد جعفر مرتضى (حفظه الله)..

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..

أشكركم كثير الشكر، وأقدر لكم كل ما تفعلون لي، وما تبذلون من أجلي، ولا سيما المجهود الشخصي الذي بذلته وتبذله لمساعدتي للوصول إلى شجرة الولاية، وركوب السفينة، ودخولي في باب حطة الذي يغفر الله لي الذنب العظيم، وكبير ما اقترفته ضد مذهب الحق، في سني عمري السابقة، وذلك عن الجهل الذي كنت واقعاً فيه، وللأسف إن الناس ونفسي ظنوا أنني عالم، ولكن أنا متعلم على سبيل نجاة..

ولكم مني جزيل الشكر والثناء..

أخوكم الشيخ (ص..)..


18 / صفر / 1431 هـ. الموافق 3/2/2010م.

خادم الزهراء 11-May-2010 04:26 PM

الرسالة الحادية عشر

[الإسراء والأقصى:]


بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على من بعث رحمة للعالمين سيدنا وشفيع ذنوبنا محمد بن عبد الله، وعلى آله الأخيار، ولعن على من عاداهم منذ آدم إلى قيام يوم الدين..

أما بعد..

سماحة الأخ الفاضل العلامة الفهامة السيد جعفر مرتضى العاملي (دامت رعايته)..

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..

في بداية الأمر أشكر الله تعالى على وصولكم إلى أرض بلدكم، معافىً، غانماً، بإذن الله تعالى، ورعاكم الله وسدد خطاكم لما يحب ويرضى إنه سميع مجيب الدعاء.
لا يسعني إلا أن أشكركم جزيل الشكر، وأنا ممتن لكم، كثير الامتنان، بحيث أن توجيهاتكم السديدة تصلني، وآراءكم تردني، وكلما غصت فيها، احتجت إلى المزيد من معين علمكم الذي هو وكما أقطع غيض من فيض..

سيدي الأخ الفاضل السيد جعفر مرتضى العاملي..

لقد وصلتني رسالتان إلى الآن.. الأولى من المركز الإسلامي للدراسات، والثانية من السيد المستبصر..

أما بالنسبة للرسالة الأولى، لست أنا أهلاً لكي أعلق على ما تكتبه، فإنني أعتبر نفسي تلميذاً عندكم إن قبلتموني بقبول حسن، وإن لم تقبلوني فأنا لست إلا قارئاً من آلاف القراء الذين لا يعول على رأيهم، ولا يؤخذ بنظرتهم، إذ أعتبر نفسي طالب علم للحقيقة، هذا من جهة..

وثانياً: أنا طالب للعلوم الدينية والشرعية، وليس للتلميذ أن يتجرأ على أستاذه.. وهذا ليس انتقاصاً من مقامي، بل زيادة لي بالشرف، والرفعة أن أكون تلميذاً لكم، وإن كنتم أصغر مني سناً، فلن أكون كغيري من هؤلاء الذين اعترضوا على ولاية علي «عليه السلام» لصغر سنه، فأنا أقبل منكم لا من باب التسليم الأعمى، والإتباع المبني على مشاعر الأخوة فقط، بل اتباع من يريد أن يقرأ ويتعلم ما غاب عنه، ويتفقه في أمور دينه ودنياه..

وبالنسبة للرسالة الثانية، فقد وصلني كتاب عن العقائد أرسله لي السيد المستبصر بعد أن أرسل لي كتباً أخرى قبل ذلك.. وهذا الكتاب من جزئين سأعمل إن شاء الله على قراءتهما منذ الغد بإذنه تعالى..

وقد علمت من السيد المستبصر أنكم في صدد أن ترسلوا لي الرسائل التي أرسلتها لكم، والأسئلة التي طرحتها عليكم.. فأنا أريد منكم يا سماحة السيد الجليل أن تنشر ما تشاء منها وما تريد.. فأنا أريدها أن تظل كما هي وكما خرجت تلك الأسئلة من صدري، لأن أي تعديل مني قد يخرجها عن ما كنت أحسه وقت ذاك؟!

[الأقصى، والإسراء:]


وعندي استفساران:

الأول: عن كتابكم المسجد الأقصى أين؟! فكما فهمت من السيد المستبصر أنكم لا تنفون وجود المسجد، بل تقولون: بأن الآية الكريمة التي تحدثت عن إسراء النبي «صلى الله عليه وآله» قد لاتكون تتكلم عن هذا الإسراء، وكما على حد علمي: أن روايات السنة نفسها تقول بأن النبي «صلى الله عليه وآله» قد أسري به أكثر من مرة، فلعلكم تقصدون أن الآية لا تتكلم عن الزمان نفسه، أما المكان فله ذات الخصوصية عندكم، ولكن قد يكون الإسراء قد حصل في وقت آخر غير الذي عبرت عنه الآية الكريمة؟! فهل ما فهمت هو صحيح؟!

[عبارة: يجب على الإمام!!:]


ثانياً: لقد تعجبت لعبارة لم أعهدها في كتب أهل السنة الفقهية حين يعبر الفقيه بقوله: يجب على الإمام كذا وكذا، فهذا الوجوب ما هو مبناه، هل هو مما أوجبه الإمام على نفسه حسب الروايات التي استنبطت منها الحكم بالوجوب على الإمام المعصوم؟! وهل يمكن للفقيه أن يقول بهذا مع وجوب التأدب مع الإمام المعصوم، فلذلك أردت منكم التوضيح..

وهناك عدة ملاحظات قد حملتها للسيد المستبصر عن بعض ما ينشر عن خطباء المنبر الحسيني ما يضر بمصالح المستبصرين بشكل خاص، والشيعة بشكل عام.. ما يهيج عليهم التكفيريين والهمج الرعاع والاستخبارات التي أقدمت على كثير من التجاوزت هنا في بلادنا خاصة..

أيضاً هناك مسألة أريد أن أعبر عنها، وهي ما يختلج في صدري من مشاعر حين قرأت عن مأساة الزهراء «عليها السلام» التي أبكتني وأعيتني حتى قعدت حبيس الفراش لعدة أيام ندماً على ما اقترفت يدي في ما كتبت عن سيدة نساء العالمين، وودت لو قطعت يداي لما فعلت وتقولت عنها، فادعو لي بحسن العاقبة، يا سيدي الفاضل، كي يتقبل الله توبتي، فلا أكون كالذي خرج من جلدته لإرضاء الباطل على الحق، وتعميته، ومحاكاة الفتوى التي أعرف أنها من فعل القياس الإبليسي، فإنه أول من قاس لعنه الله، فإن كان لكم صلة بهذا السيد الذي يدعى محمد حسين فضل الله أن يغير لأن السنة يعتقدون أنه يقرب منهم لا احتراماً، بل لكي يشفوا غليلهم: أن من الشيعة من لا يعتقد بما يعتقدون.. لا أريد أن أطيل ولكن من خلال قراءتي لكثير من آرائه، فإنه يحتاج للنصيحة والتصويب، وإن كنت لا تريد أن تدخل بذلك لأسباب معينة قد أجهلها أنا لحفظ وحدة الطائفة ما عليك إلا أن تعطيني بريده، فقد أرسلت أكثر من مرة على عنوان مكتبه الشرعي على الإنترنت عدة أسئلة وانتقادات، وقد عرفت عن نفسي بأنني شيخ أزهري، فكان الجواب نشكر لكم الاهتمام، ومن بعدها لم يصلني شيء.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين..
أخوكم الشيخ (ص..)
27 / صفر / 1431 هـ. الموافق 12/2/2010م.

خادم الزهراء 11-May-2010 04:56 PM

جواب الرسالة الحادية عشر


بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف بريته وخير خلقه أجمعين، محمد وآله الطاهرين. واللعنة على أعدائهم أجمعين، إلى قيام يوم الدين..

سماحة العلامة الجليل الشيخ (ص..) أدام الله عزه في الدنيا والآخرة.

السلام عليكم وعلى جميع من تحبون ورحمة الله وبركاته..

وبعد..

فقد وصلتني رسالتكم الميمونة المفعمة بالمحبة، والصدق، والمعبرة عن ثبات القدم على الحق..

أسأل الله تعالى أن يكلأكم بعين رعايته، ويفيض عليكم من بركاته، وأن يأخذ بيدكم إلى كل خير، ويدفع عنكم كل شر، وأذى وضير، إنه ولي قدير..


[تصويب الأخطاء عبادة:]


أخي العلامة الكبير..

ألف: إنني حين أطلب من جنابكم ومن سائر الأخوة الأكارم إبداء الملاحظات على ما أقوله وأكتبه، فذلك يعود لسببين:

أحدهما: أني إنسان، والإنسان قد يخطئ ويسهو، فيكون إخوانه هم الذين يسددونه، ويرشدونه. فإن المؤمن أخو المؤمن، هو يده، وعينه ودليله، يحب له ما يحب لنفسه، ويكره له ما يكره لنفسه.

الثاني: أن الإرشاد والتصويب هو من الأمور التي تجلب المثوبة، وتستنزل بها من الله الرحمات والبركات، من حيث أن هذا التصويب والإرشاد يسهم في بلورة وسائل الدعوة إلى الله، والهداية إلى سبيله، وله الأثر في تعريف الناس بالحق، والخير والصلاح، لأن ذلك يحقق معنى الحكمة، ويضفي على الموعظة لمحات من الرواء والبهاء الباهر، والصفاء والحسن الظاهر، الذي يجذب إليها الأنظار، ويجعل النفوس تهفو إليها، والقلوب تحنو عليها.


[القصف الإسرائيلي أحرق مكتبتي:]


أخي أيها العالم الجليل، والخليل النبيل..

ب: لقد سألتني عن كتاب: «المسجد الأقصى أين»؟!

وأقول: إن هذا الكتاب كان في الأصل فصلاً من كتاب في مجلدين في تفسير الآيات الثمانية التي في أول سورة الإسراء، وقد احترق هذا الكتاب كسائر ما احترق من مؤلفاتي، التي تعد بالعشرات، ولعلها لو كانت قد طبعت تزيد على الثمانين مجلداً.. لقد احترقت كلها، ولم يبق منها حتى سطر واحد، وذلك في حرب تموز سنة 2006م.. وقد ذكرت ذلك في خاتمة كتاب الصحيح من سيرة النبي الأعظم «صلى الله عليه وآله»..

واحترقت أيضاً مكتبتي في بيروت التي كانت تملأ غرفاً عديدةً، وقسم من مكتبتي في بلدتي في جنوب لبنان، ولعلها تزيد على الخمسة عشر ألف كتاب، قد دمرها القصف بالإضافة إلى مكتبة أخرى كبيرة أيضاً قد يصل عدد الكتب فيها إلى هذا المقدار أيضاً، كنا قد هيأناها في المركز الإسلامي للدراسات.. وكان نصيبها أيضاً التدمير التام بالقصف الإسرائيلي الحاقد..


[قداسة بيت المقدس:]


ج: أخي الكريم.. لقد ذكرت في كتاب «المسجد الأقصى أين»: أن البقعة المباركة التي تبلغ مساحتها 145 ألف متر مربع هي التي يطلق عليها اسم بيت المقدس، وفيها قبور الأنبياء ومحاريبهم، وفيها باب حطة، وفيها المسجد ذو القبة الخضراء الذي أسسه عمر بن الخطاب حين زار القدس بمشورة من علي «عليه السلام».. وفيها أيضاً مسجد الصخرة، وغير ذلك..

إن هذه البقعة ـ بيت المقدس ـ مقدسة عندنا، والصلاة فيها تعدل ألف صلاة. كما ورد في روايتنا..


[الإسراء إلى بيت المقدس:]


وقد أسري بالنبي الأكرم مرات عديدة قيل: إنها بلغت مئة وعشرين إسراءً.. ومنها ما كان من المسجد الحرام إلى السماء مباشرة، ومنها ما كان من المسجد الحرام إلى مسجد الكوفة، إلى طور سيناء، إلى بيت المقدس.

ومنها ما كان على نحو آخر..

ولكن الكلام في ما ورد في سورتي: «الإسراء» و «النجم» هل هو إشارة إلى إسرائين مختلفين؟! أم أن السورتين تتحدثان عن واقعة واحدة؟! وهل هما، أو أحدهما يتحدثان عن الإسراء الذي حصل من المسجد الحرام إلى بيت المقدس، ثم إلى السماء؟! أم يتحدثان أو أحدهما عن الإسراء الذي حصل من المسجد الحرام إلى السماء مباشرة؟!

وقد قلنا:
1 ـ إن المسجد المبني على الصخرة قد استحدث في عهد المروانيين من بني أمية، وذلك بعد منع بني أمية الناس من الحج إلى مكة، وأمرهم بالحج إلى بيت المقدس، وأمروا الناس بالطواف حول الصخرة وجعل لهم مسعى وبدائل عن منى وعرفات. وغير ذلك..

وقد استمر ذلك عدة سنوات.. وبنى الوليد بن عبد الملك قبة على الصخرة وزخرفها بالأحجار الكريمة، ثم جدّد بناؤها في أول عهد الدولة العباسية، ثم حولت القبلة عن الكعبة المشرفة إلى بيت المقدس، كما أشار إليه الجاحظ وغيره..

وأما المسجد ذو القبة الخضراء، فقد اختطه عمر بن الخطاب حين زار القدس كما قلنا..

فتلخص: أن الذي كان موجوداً في زمن النبي «صلى الله عليه وآله» هو بيت المقدس، وهو تلك المساحة الواسعة التي أشرنا إليها.. أما المسجدان اللذان في ضمنها، فقد استحدثا بعد ذلك..

2 ـ وحين استحدثا.. كانت المساجد منتشرة في طول البلاد الإسلامية وعرضها، وهي تعد بالمئات، وكثير منها كان أقصى وأبعد من بيت المقدس..

3 ـ بل لقد كان مسجد أهل الكهف الذي أشير إليه في قوله تعالى: ﴿لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِداً([1]). قد سبق ظهور الإسلام بمئات السنين.. وهو أبعد من المسجد الأقصى الذي في القدس.

4 ـ كما أنه قد ورد التعبير بأدنى الأرض عن بلاد هي أبعد عن المدينة من بيت المقدس. فقد قال تعالى: ﴿الم غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ([2]).

5 ـ على أن في آيات سورة الإسراء نفسها قرائن قد يقال: إنها تشير إلى ما ذكرنا. منها قوله تعالى: ﴿لِنُرِيَهُ مِنْ آَيَاتِنَا([3]). التي هي فيما يبدو إشارة إلى قوله تعالى في سورة النجم عن المعراج: ﴿لَقَدْ رَأَى مِنْ آَيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى([4]). وإنما رأى «صلى الله عليه وآله» هذه الآيات في السماء عند سدرة المنتهى، لا في مسيره «صلى الله عليه وآله» إلى المسجد الأقصى الذي في القدس.

ومنها قوله تعالى: ﴿الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ([5]).. فإنه إنما يناسب ما روي من أن المراد بالمسجد الأقصى في الآية هو مصلى الملائكة في السماء الرابعة، فإنه هو الذي تمتد البركة منه إلى ما حوله.. بسبب انتشار الملائكة الذين لا يفترون عن تسبيح الله وتقديسه..

وبعدما تقدم نقول:

إن كل ذلك لا يعني ـ كما قلنا ـ: أن لا يكون هذا المسجد الموجود في القدس أيضاً اسمه «المسجد الأقصى» أيضاً. وإن كان قد أطلق عليه هذا الاسم في عهد عمر بن الخطاب أو بعده..

ولكن ما نقوله: هو أنه ليس لدينا دليل قاطع على أنه هو الذي قصد بكلمة: «المسجد الأقصى» ﴿الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ﴾ التي وردت في الآية التي في أول سورة الإسراء..

كما أن ذلك لا يعني: أن لا يكون أسري بالنبي «صلى الله عليه وآله» إليه، في مرة أخرى أو أكثر، بل الإسراء إليه أيضاً قد حصل بالفعل كما دلت عليه الروايات..

كما أنه لا ريب في كون هذا المكان الموجود في مدينة القدس باسم بيت المقدس هو من الأماكن المقدسة عندنا. وتكون الصلاة فيها تعدل ألف صلاة..

والكلام حول هذا الموضوع طويل ومتشعب. فالإكتفاء بهذا القدر هو الأولى والأقرب، والأجدر والأصوب.


[معنى قولهم: يجب على الإمام كذا:]


أخي سماحة العلامة العلم..

د: بالنسبة لسؤالكم عن التعبير بـ «يجب على الإمام كذا وكذا» أقول:

إن الوجوب تارة يراد به: الإلزام المستفاد من الإنشاء الذي أبرز إرادة حصول أمر مَّا من فاعل مختار، أراد الآمر أن يجعل حصوله على عهدته بحيث لو تخلف عنه أو فرط فيه، فإنه يكون قد عرَّض نفسه للمؤاخذة، والعقاب..

وأخرى يراد به: إقتضاء الحكمة والسداد حصول أمر أو أثر من فاعل مَّا أو من مؤثر معين، من دون أن يكون هناك مُنشئ ومُريد..

فتقول مثلاً: إن ألوهية الله تعالى تقتضي أن لا يخلف الميعاد، وتقتضي أن يكون عادلاً، وحكيماً، ورحيماً، ورؤوفاً. فيصح أن يقال: يجب على الله ـ أي يتحتم عليه بمقتضى ألوهتيه ـ أن يكون العدل، والرحمة، والعمل وفق الحكمة والرأفة.. و.. و.. من تجلياته تبارك وتعالى.

وليس معنى ذلك: أن أحداً أوجب عليه ذلك، وأنه سيعاقبه لو لم يفعل.

وكذلك حين نقول: يجب على الله اللطف بعباده، فلا نقصد أننا نحن أوجبنا عليه ذلك، بل نقصد: أنه هو الذي أوجب ذلك على نفسه..

وحين نقول: يجب على النبي «صلى الله عليه وآله»: أن يكلم الناس على قدر عقولهم، وأن يحسن سياستهم، وأن يتجاوز عن مسيئهم، ويحسن إلى محسنهم، ويسعى في حل مشاكلهم وأن يهتم بشؤونهم، فلا يعني أننا نحن الذين أوجبنا عليه ذلك، بل لأن موقعه كولي ونبي وداع، ومدبر لشؤونهم هو الذي اقتضى ذلك.. أو لأن الله تعالى قد أوجب عليه هذا أو ذاك، فنحن نخبر عن هذا الوجوب، مع أن كل أحد يعلم: أننا لا ننشئ الأحكام على أحد، حتى على أنفسنا، بل نحن نخبر عن ثبوت تلك الأحكام، بحسب اقتضاء الواقع لها، أو لأجل أن الله تعالى قد أنشأها على النبي «صلى الله عليه وآله» والإمام. وقد كشفت لنا الأدلة عن ثبوتها.. فنحن نخبر عنها. كما نخبر عن أي حكم آخر، فإذا قلنا: تجب الصلاة على كل مكلف.. فالمقصود هو: أن هذا الوجوب المكشوف لنا بالدليل، ثابت في واقع الأمر لاقتضاء الواقع له، أو صادر عمن يحق له أن يصدره، ولنا أن نخبر عنه..

وقولنا: يجب على الإمام، أو على النبي كذا وكذا من هذا القبيل..

أو أنه كشف عما اقتضته الحال، وحكمت به العقول في حق النبي أو الوصي.. كما أوضحناه..

معالجة ضرورة السقطات:


سماحة شيخنا الأجل..

هـ: إن ما أشرتم إليه من سقطات من هنا وهناك تصدر من خطباء المنبر الحسيني هو من الأمور التي يؤسف لها. ونتمنى أن نجد السبيل إلى معالجتها، ولكن كيف؟! وأنى؟! والناس مختلفون في عقلياتهم وأذواقهم، وفي مستوياتهم الفكرية والثقافية، وفي نسبة ذكائهم، وفي مكوناتهم وخصائصهم النفسية. كما أن ثمة محدودية في القدرات المادية لا تسمح بالتواصل التام أو المفيد والمجدي.

وهذه الحالة لا تختص بالشيعة، بل هي تفرض نفسها على مختلف الفئات، والمجتمعات فالاجتهادات الشخصية، والتصرفات العشوائية والسطحية، والخلل في الطروحات، والتباين في الأفكار التي تطرح، والاختلاف في المعالجات هي السمة الظاهرة والشائعة عند كل طائفة، وفي جميع الأديان والمذاهب..

غير أن من الواضح: أن أهل العلم والفكر، لا يأخذون معارفهم، ولا يتخذون مواقفهم بالاستناد إلى أقوال أمثال هؤلاء، وإنما يتوجهون إلى أعمدة الفكر، وأساطين العلم في كل طائفة، ليتبينوا منهم، ويأخذوا عنهم معالم مذهبهم، ويميزوا به الحق من الباطل، والصحيح من السقيم فيما تعتقده تلك الطائفة وتتبناه..

نسأل الله أن يعصمنا من الخطأ والخطل، ومن الوهم والزلل، في الفكر، وفي القول والعمل، إنه سميع مجيب..


[وجوب صيانة العقائد والمفاهيم:]


الأخ الفاضل، والصديق الكامل..

أما بالنسبة للسيد محمد حسين فضل الله، فإنه حين ظهر لي بعض ما ظهر لكم، خشيت على الناس من أن يتأثروا ببعض أفكاره الخاطئة، فطلبته إلى الحوار والنقاش مرات عديدة، فرفض. وبعد أخذ ورد، ومحاولات متتابعة لم أجد بداً من التصدي لهذه الأفكار من أجل صيانة الشباب والناس عموماً من أفكاره الخاطئة.. فكتبت كتاب: «مأساة الزهراء»، وكتاب: «خلفيات مأساة الزهراء»، وكتباً عديدة أخرى رددت فيها على أقاويله الكثيرة، فأصر على مواقفه، وأفتى مراجع الشيعة وكبار العلماء بما دل على لزوم الحذر من تلك الأفكار، بل أفتى بعضهم بخروجه عن دائرة المذهب..

وبعد أن بينت للناس: أن في أفكاره الغث والسمين، والصحيح والسقيم، باعتماد النقاش العلمي الهادئ والرصين، وعدم التعريض بشخصه إلا بالمقدار الذي يسمح به البحث من التخطئة والتصويب، ثارت ثائرته ورمانا بكل عظيمة. وجند كل طاقاته وإمكاناته للوقيعة بنا، وها قد مضت عدة سنوات، تزيد على الست عشرة سنة ولم نسمع منه إجابة مقنعة على أي من الإشكالات والمؤاخذات العلمية التي وجهناها إليه، ولكنه بقي مصراً على مواقفه، ملتزماً بأفكاره، حتى المتناقضة منها.

وغني عن البيان: أن حفظ الدين من أي تحريف أو تزييف في حقائقه مقدم حتى على حفظ آحاد الناس.. ولذلك وجب على الناس أن يضحوا بأنفسهم من أجل حفظ دينهم، لأن هذه الحقائق والأحكام والشرائع أمانة لا بد من إيصالها إلى كل جيل، وكل أمة إلى أن تقوم الساعة، وليس لأحد الحق في أن يفرط بهذه الأمانة.

ومثال ذلك: أن أحداً لو أراد أن يتحف أحداً بشيء، فليس له أن يسرق أو أن يسلب ما عند الآخرين ليتحف به أياً كان من الناس، بل عليه أن يتحفه بما يملكه هو.. لا بما يملكه الآخرون..

ولو أن حريقاً شب بالقرب من ماله أو ولده، فليس له أن يحمي ولده من النار بوضع ابن الجيران فيها، بل عليه هو أن يجعل نفسه أمام النار ويمنعها من الوصول إلى ولده.. وأن يقدم ماله ليحول بين النار وبين أمواله الأخرى.. ولا يقدم أموال الناس ليحمي بها ماله..

أخي الكريم..

إن كنت قد أطلت عليك، فأنا أعتذر من ذلك إليك.. وأتمنى لك المزيد من العافية والسداد، والصلاح والرشاد، والصلاة والسلام على عباده الذين اصطفى محمد وآله الطاهرين..
27/شهر صفر/1431هـ الموافق 12 / 2 / 2010 م.
جعفر مرتضى العاملي

----------

([1]) الآية 21 من سورة الكهف.
([2]) الآية 1 ـ 3 من سورة الروم.
([3]) الآية 1 من سورة الإسراء.
([4]) الآية 18 من سورة الإسراء.
([5]) الآية 1 من سورة الإسراء.

خادم الزهراء 11-May-2010 05:08 PM

الرسالة الثانية عشر

[ذكر الإمام الحجة بألقابه دون اسمه؟!:]

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الخلق أجمعين سيدنا وشفيع ذنوبنا، أبي القاسم محمد بن عبد الله وعلى آله الغر الميامين، واللعنة على أعدائهم إلى قيام يوم الدين..

سماحة العلامة العالم السيد جعفر مرتضى العاملي (دامت توفيقاته)..

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..

وبعد..

كنت بادئ ذي بدء، ومنذ أن بدأت القراءة في الجواب على الرسالة الأولى قد علمت وتيقنت من مدى علمكم ومتانة قولكم، مع أن الإنسان لا يخلو من الخطأ والزلل.. عصمنا الله وإياكم من الوقوع به، لذلك كنت أعجب أكثر وأكثر، ويوماً بعد يوم بسبك العبارات، والدليل القوي الذي تقدمه، والذي يقع على كل إنسان البخوع للحق، مهما كان..

وبعد أن تأكدت وراجعت كل المصادر التي كنت توثق بها أجوبتك، كان من اللزوم عليّ أن أقبل بالدليل، وإلا لكنت من المعاندين، من هنا ولكي لا يقال فيما بعد: إنني قبلت من دون قراءة وتمحيص فهذا خطأ، بل لقد محصت وحققت بكل ما أعطيت من قوة لكي أجد ما هو خلاف المباني التي اعتمدت عليها، لكن لم أجد. لذلك أنا على ما أنا عليه الآن، وهذا يعود:

أولاً: للرحمة الإلهية، واللطف الرباني الذي حباني به، أن أتعرف على شاب على شبكة الإنترنت يطلب مني أن أحاوركم، وأن لا أرمي الاتهامات جزافاً.. وهذا ما حصل.
وكانت نتيجة ذلك ما أنا عليه الآن..

كان ذلك للتوضيح للمستقبل وللتاريخ كي لا يقال:إن هذه الشخصية التي حاورتها أنها وهمية أو غير موجودة كما فعلوا من نفي المراجعات التي حصلت سابقاً بين علمين كبيرين..

ثانياً: أريد أن أعرف وبعد أن قرأت في الروايات، لما هو مبغوض التعريف عن الإمام الثاني عشر عجل الله فرجه، إلا بالحجة أو صاحب العصر والزمان، أو غيرها من الألقاب من دون ذكر اسمه «عليه السلام».. أفيدونا رحمكم الله..

لا بد في نهاية المطاف أن أشكر لكم كل ما أديتموه لي، وأحمد الله على كل حال، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين..

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
أخوكم الشيخ (ص..)
1 / ربيع الأول / 1431 هـ . الموافق 16/2/2010م.

خادم الزهراء 12-May-2010 02:41 PM

جواب الرسالة الثانية عشر

بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين، واللعنة على أعدائهم أجمعين، إلى قيام يوم الدين..

حضرة العلامة الجليل الشيخ (ص..) أدام الله وجوده..

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..

وبعد..

فإنني أسأل الله سبحانه أن يحفظك ويرعاك، ويسدد على طريق الحق والخير خطاك، وأن يسبغ عليك نعمه ظاهرة وباطنة، إنه سميع قريب مجيب الدعاء..


فيما يرتبط بسؤالك عن حرمة التصريح باسم الإمام الحجة «عليه الصلاة والسلام»، أقول:

لا بأس بملاحظة الأمور التالية:

حرمة التسمية: أقوال، وأخبار:

إن هناك أخباراً كثيرة، منها ما هو صحيح ومعتبر سنداً، وما قال بعضهم: إنها قريبة من التواتر([1]) تصرح بالمنع من التصريح باسمه «عليه السلام».

وقال بعض الأعلام: إن الحكم بحرمة التصريح مسلَّم عند قدماء الإمامية، من الفقهاء، والمتكلمين، والمحدثين([2]).

وادعى الأمير محمد باقر الداماد الإجماع عليه([3]).

وقال نصير الدين الطوسي، والأربلي([4])، والشيخ البهائي ـ كما يفهم من كلام ميرلوحى ـ يجوز التصريح باسمه «عليه السلام»، ولا يحرم ([5]). وحملوا تلك الأخبار على التقية في تلك الأزمنة، حفظاً له «عليه السلام».

الأئمة الاثنا عشر: معرفة.. واعتقاداً:

إن حديث: «يكون بعدي اثنا عشر أميراً (أو خليفة، أو إماماً) كلهم من قريش» مروي عند الشيعة والسنة، وصرح القندوزي الحنفي: بأنه مروي عن بضعة وعشرين صحابياً.

وقد استدل أبو بكر على الأنصار يوم السقيفة بنصف هذا الحديث، وهو قوله «صلى الله عليه وآله»: «الأئمة من قريش»، فأسكتهم بذلك..

وقد صرحت بعض الروايات عن رسول الله «صلى الله عليه وآله» بأسماء الأئمة الاثني عشر «عليهم السلام»..

ولكن ما ظهر لنا بالتتبع والملاحظة لمسار الأمور هو: أن التصريح بأسمائهم «عليهم السلام»، من قبل رسول الله «صلى الله عليه وآله»، ومن الأئمة «عليهم السلام»، إنما كان للخواص المأمونين.

أما بالنسبة لسائر الناس، فقد كان يكتفى منهم بالاعتقاد الإجمالي بوجود أئمة اثني عشر، سيوجدون في طول الزمان، يتم إلى جانب ذلك تعريفهم باسم وشخص إمام زمانهم الذي يجب عليهم طاعته، واعتقاد إمامته، وأخذ معالم دينهم منه وعنه.


وتتم دلالتهم أيضاً على اسماء الأئمة الذين سبقوه..

أما بالنسبة لسائر الأئمة الذين سيأتون، فكان المطلوب هو: إعطاء الناس علامات يتمكنون بها من معرفة الإمام، منهم حين الحاجة إلى ذلك.

ومن هذه العلامات: نص الإمام السابق على اللاحق.

ومنها: ظهور أن لديه علماً خاصاً، وعلوماً غيبية ليست لدى سائر البشر.

ومنها: أنه يكلم الناس بكل لسان، ويعرف منطق الطير، ومنطق كل شيء فيه روح([6]).

ومنها: أن الإمام لا يغسله، ولا يصلي عليه إلا إمام.

ومنها: أن الإمامة تكون في الولد الأكبر ما لم تكن به عاهة([7]).

ومنها: الوصية إليه بنحو تدل هذه الوصية عليه، كما كان الحال بالنسبة للإمام الصادق «عليه السلام».

فقد اجتمع الناس بعد وفاته «عليه السلام» على عبد الله بن جعفر، وزعم وزعموا: أنه صاحب الأمر بعد أبيه، فدخل عليه هشام بن سالم، ومؤمن الطاق، والناس مجتمعون عنده، وسألوه عن بعض المسائل، فلم يجدوا عنده بغيتهم.. فخرجوا من عنده متحيرين.

فرأى هشام بن سالم رجلاً يشير إليه، فخاف منه، إذ كان للمنصور بالمدينة جواسيس على من يُجْمَعُ بعد جعفر من الناس، فيؤخذ ويضرب عنقه..

ثم تبين لهشام بن سالم بعد ذلك: أنه يدله على الإمام الكاظم، فدخل عليه فوجد لديه ما دله على أنه «عليه السلام» هو الإمام بعد أبيه، حيث أخبره «عليه السلام» بأمور غيبية، وأجابه على مسائل صعبة.

ثم أخبر بالأمر زرارة وأبا بصير، فدخلا على الإمام أيضاً فسألاه. ثم صار الناس يتوافدون عليه ويسألونه، فيجدون فيه شرائط الإمامة([8]).


ذكر زرارة في الحديث غير دقيق:


غير أن لنا تحفظاً على ذكر زرارة في هذا الحديث، فقد قال التستري: «زرارة فيه محرف المفضل كما في الكافي»([9]). ولم يكن زرارة بالمدينة بعد الإمام الصادق «عليه السلام»([10]).

ونقول:
إن هذا صحيح، وربما يكون قد حصل تحريف، أو وهم كما ذكره المحقق التستري، وربما كان المقصود: هو عبيد بن زرارة الذي أرسله أبوه لاستطلاع الأمر.. وربما يكون قد توفي زرارة بعد شهرين من استشهاد الإمام الصادق «عليه السلام»، وكان عند وفاة الإمام الصادق مريضاً، فأرسل ولده عبيد بن زرارة ليتحقق من شخصية الإمام بعده، فأبطأ، وحضرته الوفاة قبل رجوعه إليه، فأخذ المصحف ووضعه على صدره، ثم قبله وقال: اللهم ألقاك يوم القيامة، وإمامي من بينت في هذا المصحف([11]).

وروي: أن الإمام الرضا «عليه السلام» سئل عن سبب إرسال زررة ولده عبيد لمعرفة الإمام بعد وفاة الصادق «عليه السلام»، مع أنه كان يعرف أن الإمام هو الكاظم «عليه السلام».

فأجاب الرضا «عليه السلام»: إن زرارة كان يعرف أمر أبي «عليه السلام»، ونص أبيه «عليه السلام» عليه، وإنما بعث ابنه ليتعرف من أبي «عليه السلام» هل يجوز له أن يرفع التقية في إظهار أمره ونص أبيه عليه؟! وإنه لما أبطأ عنه ابنه طولب بإظهار قوله في أبي «عليه السلام»، فلم يحب أن يقدم على ذلك دون أمره، فرفع المصحف وقال: اللهم إن إمامي من أثبت هذا المصحف إمامته من ولد جعفر بن محمد «عليهما السلام»([12]).


الذين يعرفون أسماء الأئمة عليهم السلام :

إن مراقبة النصوص تعطي: أن الذين كانوا يعرفون أسماء الأئمة الاثنى عشر «عليهم السلام» كانوا جماعة خاصة، لها مواصفات متميزة في الوعي والاستقامة، ودقة الملاحظة، والقدرة على ملائمة وعيها العقائدي مع الحركة السياسية التي تواكب الحركة الثقافية والإيمانية، وترصدها، حيث كان الحكام يسعون إلى توظيف قضايا الإيمان في الشأن السياسي لمصلحتهم.

من أجل ذلك نلاحظ: أنك قد تجد فقهاء كباراً، أو عباداً مشهوداً لهم، أو مناضلين يبذلون كل غال ونفيس في سبيل دينهم لم ينالوا تلك الأسرار، وعوملوا معاملة سائر الناس؛ فهشام بن سالم، وأبو بصير، ومؤمن الطاق كان لهم باع طويل في الفقه، والحديث، والكلام، ولكنهم لم يكونوا مثل زرارة، أو سلمان الفارسي مثلاً في قدرته على الملاءمة بين الشأن العقائدي، وبين حركة الواقع فيما يرتبط بمواقف الحكام وخططهم وسياساتهم ضد عقيدة الإمامة والأئمة..

فلم يصلوا إلى الك الدرجة التي تؤهلهم للاطلاع على أسماء باقي الأئمة الاثني عشر «عليهم السلام»، وكان عليهم أن يستفيدوا من العلامات التي تعرِّفهم بالإمام اللاحق للسابق، كما رأينا في النص المذكور أعلاه.


خيار الحكام: حرب الإمامة والإمام:

لقد كانت لدى الحكام حساسية بالغة تجاه الإمامة المنصوصة المتمثلة في أهل البيت «عليهم السلام»، فأعلنوا الحرب عليها منذ وفاة رسول الله «صلى الله عليه وآله»، لأن معناها: أنهم لا شرعية لهم، ما دام أن الشرعية تستمد من النص، وشرعيتهم مستمدة من السيف، والمؤامرة، والقهر والظلم، والتعدي.

فكان خيارهم هو حرب وقهر الأئمة بجميع أنواع الحرب والقهر حتى لقد فرض بنو أمية لعن وسب علي «عليه السلام» على المنابر في مساجد المسلمين ألف شهر([13]).

وكانت التسمية بعلي مجازفة كبرى، تعرِّض حياة الإنسان للخطر الشديد، والأكيد.. حتى صار اسم علي منكراً، فقد روي: أن علي بن أصمع قال للحجاج: أيها الأمير، إن أهلي عقوني فسموني علياً، فغير اسمي، وصلني بما أتبلغ به، فإني فقير.

فقال: للطف ما توصلت به، قد سميتك كذا، ووليتك العمل الفلاني، فاشخص إليه([14]).

وقد تفاقم الأمر في عهد العباسيين جداً إلى حد أن الإنسان يصبح في معرض القتل، لمجرد أن يلقى السلام عليه في الطريق أحد أحفاد علي «عليه السلام».

فكان إذا حصل ذلك يأتيه الرد ليقول: تنح عني لا تشط بدمي([15]).

ويكفي أن نذكر هنا قول الشاعر:
تـاالله ما فـعـلـت أمـيـة فـيـهــم مـعـشـار ما فعلت بنو العباس([16])

ويقول دعبل بن علي الخزاعي في رثاء الإمام الرضا «عليه السلام»:
وليس حي من الأحياء نعلــمه مـن ذي يـمان ولا بكــر ولا مضر
إلا وهـم شركــاء في دمــائهم كـما تـشـارك أيـسـار عــلى جـزر
قتــلاً وأســراً وتحـريقاً ومنهبة فعل الغـزاة بأهـل الـروم والخـزر
أرى أميــة معذورين إن فعلـوا ولا أرى لـبني العباس من عذر([17])

وقال أبو فراس الحمداني:
ما نال منهم بنو حرب وإن عظمت تلـك الجــرائـر إلا دون نيلكم([18])


وقال أبو القاسم الرسي ـ وهو من ذرية علي «عليه السلام» ـ حينما هرب من المنصور إلى الهند:
لم يَرْوِهِ مــا أراق البغي مـن دمنا في كل أرض، ولم يقصر عن الطلب
وليس يشفـي غلـيلاً في حشــاه أن لا يرُى فوقـها ابن لبنت نبي([19])


أما الرشيد فيقول الخوارزمي عنه: «إن هارون مات وقد حصد شجرة النبوة، واقتلع غرس الإمامة»([20]).

ويقول إبراهيم بن عبد الله بن الحسن، أو غالب الهمداني. يذكر ما فعله المنصور بآل علي:

أصبح آل الرسـول أحمـد في النــ ـــاس كذي عـرَّة بــه جــرب([21])


ويقول شاعر آخر، وهو أبو حنيفة، أو الطغراني:
ومتى تــولى آل أحمــد مســـلم قتــلوه أو وصـموه بالإلحـــاد([22])


ويكفي أن نذكر: ما فعله المنصور والرشيد والمتوكل بقبر الحسين «عليه السلام»، وبزواره، حيث حرثوا القبر الشريف، وأجروا عليه الماء، وقطعوا السدرة التي كان يستظل بها زواره، ووضعوا الحواجز المسلحة على الطرقات المؤدية إلى كربلاء، ليأخذوا زواره لينكلوا بهم([23]).

وكانوا يقطعون يد من يزور قبر الحسين «عليه السلام» في كربلاء. فكان الناس يتوافدون عليهم ويقدمون أيديهم للقطع، طمعاً بزيارة قبر الحسين «عليه السلام».

ثم صاروا يقتلون من كل عشرة زوار واحداً. فكان محبو الحسين «عليه السلام» يقدمون أنفسهم أيضاً للقتل، حباً بالحسين، ورغبة في زيارته..

والحديث في هذا السياق لا ينتهي، وقد ذكرت بعض اللمحات عن ذلك في كتاب: الحياة السياسية للإمام الرضا «عليه السلام».


لماذا التحسس من الإمامة والإمام؟!:

تقدم: أن الحكام كانوا يرون: أن الإعتقاد بإمامة الأئمة الاثني عشر، لأن شرعيتهم تصبح في مهب الريح، ونضيف هنا: أن الإعتقاد بالمهدي، أشد ضرراً، وأعظم خطراً على أولئك الحكام، لأنه يعد طعناً في شرعية أولئك الحكام، وفي أهليتهم من ثلاث جهات:

الأولى: من حيث أنه امتداد للإمامة المنصوصة، ولا حظَّ لأحد منهم في هذا النص.

الثانية: من حيث يصرحه: بأن حكومتهم مبنية على الظلم والقهر والتعدي الذي يعني: أنهم ليس فقط لا يقومون بواجب الرعاية للناس، ولا يحفظون حقوقهم، بل هم يظلمونهم، ويعتدون على تلك الحقوق..

الثالثة: إن حكومتهم مبنية على الجور الذي يعني الانحراف عن الطريق، والميل عن صراط الحق، في مختلف الأمور، حتى ما كان منها لا يتعلق بأمن الناس، وحفظ دمائهم، وأموالهم، وأعراضهم، ورعايتهم.. بل هو الميل عن الحق في كل حال ومجال، حتى في فكرهم، وقيمهم، ومفاهيمهم، وإيمانهم، وأخلاقهم، وسلوكهم، وتعاملهم مع الناس، ومع الحيوان، ومع الطبيعة، ومع كل ما تصل إليه يدهم، أو تتوهمه عقولهم وغير ذلك..

وعلى الإمام الحجة «عجل الله فرجه الشريف» أن يقتلع ذلك كله، ويستبدله بالقسط والعدل، والخير والصلاح..

وقد أخبر رسول الله «صلى الله عليه وآله» عنه «عليه السلام» بقوله: إنه يملأ الأرض قسطاً وعدلاً، بعد ما ملئت ظلماً وجوراً([24]).

وهذا هو السبب في أن المهدي مبغوض لهم في كل أحواله وأطواره، ولا يطيقون ذكره، فإنه «عليه السلام» يفقدهم الشرعية من حيث النص عليه دونهم، ويفقدهم الشرعية، من حيث أنهم ليس فقط لا يملكون الأهلية للرعاية، بل إن أظهر صفاتهم، وميزاتهم هو أضداد الصفات المحمودة.

وهو يفقدهم الشرعية، من حيث أن خطهم في جميع حالاته مناقض لخط الصلاح والإصلاح في أي شأن، وفي أي حال، ونهجهم جائر وحائد عن طريق الحق في كل شيء، فلا يتوقع منهم أي خير يمكن أن يجبر به الكسر، ويعوض الخسارة في أي شأن كان.

فاتضح: أن الاعتقاد بالإمامة المنصوصة وبالمهدية ينطوي على معنى بالغ السوء بالنسبة إليهم، وهو: أنهم معتدون وغاصبون لحق غيرهم، فاقدون لميزة التقوى والطاعة لله، لأن الخلافة ليست فيهم، بل في آل علي «عليه السلام»..

والاعتقاد بالمهدية مساوق: لاتهام هؤلاء الحكام بأنهم من أهل الظلم والجور.. وسيكون قائم آل محمد عدواً لهم، وستكون أبرز وظائفه وأجلاها هي الإطاحة بهم، واستبدال حكمهم بحكومة القسط والعدل..

والأضر والأشر، والأدهى والأمر: بنظر أولئك الحكام: هو أن هذه المعاني لم تكن مجرد اتهامات من منافسيهم أو مناوئيهم، بل هي إخبار غيبي إلهي نبوي مقدس. لا يبقى لهم معه أي مجال لتلميع صورتهم، ولا للخداع والغش والتدليس على الناس في هذا الأمر، فإن هذه الصورة السلبية عنهم جزء من اعتقادات أهل الإسلام، بل هي من المفاهيم المغموسة بالقداسة، والمفعمة بالمعانى والقيم الروحية ذات الجمال الباهر، والمستقرة في أعماق الضمائر، والمنغرسة في القلوب والسرائر، والمتألقة في آفاق البصائر، والمتلألئة على صفحات كل وجدان طاهر..

من أجل ذلك تجدهم يضعون أنفسهم أمام خيارين، لا ثالث لهما:
أولهما: السعي لادعاء المهدية لأنفسهم، إما ابتداء كما كان الحال بالنسبة لمحمد بن عبد الله بن الحسن. أو ادعائها استمراراً على سبيل المكر والكيد، كما كان الحال بالنسبة لادعاء المنصور المهدية لولده محمد المهدي([25]).

وقد رافق ذلك تحريف للحديث المروي عن الرسول الأكرم «صلى الله عليه وآله» حول المهدي: «يواطئ اسمه اسمي، وكنيته كنيتي»([26])، ليصبح هكذا: «يواطئ اسمه اسمي، واسم أبيه اسم أبي»([27]).

الثاني: محاربة هذه الفكرة، أعني فكرة المهدية، وملاحقة كل من يحتمل فيه الانتساب إليها، وإلى مدرسة الإمامة المنصوصة، التي يكون الاعتقاد بالمهدية أحد مكوناتها، ومفرداتها.

فتجد: أنهم لا يهنأ لهم عيش، ولا يقر لهم قرار إلا باقتلاع هذه وتلك من الجذور.

دلالات وشواهد:

ونستطيع أن ندلل على هذا الأمر: بالإشارة إلى النصوص التالية:
ألف: إن المنصور العباسي كتب إلى واليه بالمدينة يأمره بأن يدس السم للإمام الصادق «عليه السلام»، ثم أن يقتل كل من أوصى إليه «عليه السلام»..

فلما استشهد الإمام «عليه السلام» بالسم، واطلع والي المدينة على وصيته وقع في حيرة شديدة، حيث وجد أنه «عليه السلام» قد أوصى إلى المنصور، وإلى والي المدينة نفسه، وإلى زوجته «عليه السلام»، وإلى ولده الأكبر عبد الله الأفطح، وإلى ولده الإمام الكاظم «عليه السلام»، فكتب بذلك إلى المنصور، فقال المنصور:

ما إلى قتل هؤلاء من سبيل. وصرف النظر عما كان عزم عليه.

وقيل: لما سمع أبو حمزة الثمالي بذلك، قال ما معناه: أما الأولان فكانا للتقية، والأفطح ناقص، والمرأة لا حظ لها من الإمامة، فتعين موسى الكاظم «عليه السلام» لمقام الإمامة([28]).

والمراد: أن عبد الله كان ناقصاً من حيث أنه كان أفطح الرأس: أي عريضه.

وتقدم: أنه قد ورد أن الأكبر يكون هو الإمام بعد أبيه ما لم تكن به عاهة.. وهذا نقص جسدي، يضاف إليه النقص في الدين، لأنه كان من المرجئة الذين يتوقفون في على وعثمان([29])، مع أنه كان في العلوم والمعارف من عوام الناس، حتى لقد امتحن بالمسائل الصغار، فلم يجب عنها([30]). وذلك مما يحتاج إليه مقام الإمامة..

ب: قد رأينا أيضاً: كيف أن الخلفاء من بني العباس كانوا قد ضيقوا على الإمامين الهادي والعسكري «عليهما السلام»، ووضعوهما في المعسكر في سامراء تحت سمعهم وبصرهم، فلا يصل إليهم أحد إلا بأمرهم، ومن خلالهم..

الإمامان العسكريان عليهما السلام تحت الرقابة:

ويبدو: أن من دوافع حبس العسكريين «عليهما السلام» في سامراء التي كانت معسكراً هو:

أولاً: الإشراف على كل أحوالهم وعلاقاتهم، ونشاطاتهم.

ثانياً: ضبط حركة الشيعة معهم، وتحديد صِلاتهم بهم.


ثالثاً: تهيئة الأمر للتمكن من التخلص منهم في الوقت المناسب.

وقالوا: كان المتوكل قد جاء بالإمام الهادي «عليه السلام» إلى سامراء، فكان يكرمه في الظاهر، ويبغي له الغوائل في الباطن([31]).

رابعاً: توقعهم ولادة الإمام الحجة، الذي يخشون من سقوط دولتهم على يديه، طبقاً لما أخبر به رسول الله «صلى الله عليه وآله»، من أنه يملأ الأرض قسطاً وعدلاً، بعد ملئت ظلماً وجوراً..

فكانوا يريدون الفتك به في اللحظات الأولى التي يضع فيها قدمه على أعتاب الحياة الدنيا، ليرتاح بالهم، وتهدأ نفوسهم.. ويشهد لذلك ما يلي:

ألف: إن المعتضد أرسل رشيق المادرائي لقتل كل من وجده في بيت الإمام العسكري «عليه السلام» في سامراء.

والصحيح: أن ذلك كان في عهد المعتمد، لأن المعتضد إنما بويع بالخلافة 279 هـ وتوفي الإمام العسكري «عليه السلام» سنة 260 هـ. إلا إن كان المعتضد قد فعل ذلك في زمن المعتمد.

ب: روي عن سدير الصيرفي: أنه دخل هو وأبو بصير، وأبان بن تغلب، على الإمام الصادق «عليه السلام»، فوجدوه حزيناً باكياً.

فقال سدير:يا ابن رسول الله، كرمنا وشرفنا بإشراكك إيانا في بعض ما أنت تعلمه من علم.

قال: إن الله تبارك وتعالى أدار في القائم منا ثلاثة، أدارها في ثلاثة من الرسل: قَّدر مولده تقدير مولد موسى «عليه السلام»، وقدر غيبته غيبة عيسى «عليه السلام»، وقدر إبطاءه تقدير إبطاء نوح «عليه السلام». وجعل من بعد ذلك عمر العبد الصالح، أعني الخضر دليلاً على عمره.

فقلت: اكشف لنا يا ابن رسول الله عن وجوه هذه المعاني.

قال: أما مولد موسى، فإن فرعون لما وقف على أن زوال ملكه على يده أمر باحضار الكهنة، فدلوه على نسبه وأنه يكون من بني إسرائيل، ولم يزل يأمر أصحابه بشق بطون الحوامل من (النساء) بني إسرائيل حتى قتل في طلبه نيفاً وعشرين ألف مولود، وتعذر عليه الوصول إلى قتل موسى لحفظ الله تبارك وتعالى إياه.

كذلك بنو أمية وبنو العباس لما وقفوا على أن زوال ملكهم ـ والأمراء والجبابرة منهم ـ على يد القائم منا، ناصبونا العداوة، ووضعوا سيوفهم في قتل آل بيت رسول الله «صلى الله عليه وآله» وإبادة نسله، طمعاً منهم في الوصول إلى قتل القائم «عليه السلام»، ويأبى الله أن يكشف أمره لواحد من الظلمة إلى أن يتم نوره ولو كره المشركون.

وأما غيبة عيسى «عليه السلام» فان اليهود والنصارى اتفقت على أنه قتل، وكذبهم الله عز وجل بقوله: ﴿وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ([32]). كذلك غيبة القائم «عليه السلام»، فإن الأمة تنكرها (لطولها)، فمن قائل بغير هدى: بأنه لم يولد([33]) إلى آخر الحديث.

ج: والأوضح والأصرح في بيان ما نرمي إليه: ما قاله أبو محمد بن شاذان عليه الرحمة:
حدثنا أبو عبد الله بن الحسين بن سعد الكاتب رضي الله عنه، قال أبو محمد (أي العسكري) «عليه السلام»: لقد وضع بنو أمية وبنوالعباس سيوفهم علينا لعلتين:

إحداهما: أنهم كانوا يعلمون ليس لهم في الخلافة حق، فيخافون من ادعائنا إياها، وتستقر في مركزها.

وثانيتهما: أنهم قد وقفوا من الأخبار المتواترة على أن زوال ملك الجبابرة، والظلمة علي يد القائم منا. وكانوا لا يشكون أنهم من الجبابرة، والظلمة، فسعوا في قتل أهل بيت رسول الله «صلى الله عليه وآله»، وإبادة نسله، طمعاً منهم في الوصول إلى القائم «عليه السلام»، أو قتله، فأبى الله أن يكشف أمره لواحد منهم، إلا أن يتم نوره، ولو كره المشركون([34]).

د: ويؤيد ذلك: ما روي عن أبي عبد الله الصالحي([35]) قال: سألني أصحابنا بعد مضي أبي محمد «عليه السلام»، (أي الإمام العسكري): أن أسأل عن الاسم والمكان، فخرج الجواب: إن دللتهم على الاسم أذاعوه، وإن عرفوا المكان دلوا عليه([36]).

كما أن عبد الله الحميري سأل العمري، وهو أحد السفراء للإمام الحجة «عليه السلام»، قال: قلت: فالاسم (يعني التصريح به والسؤال عنه)؟!

قال: محرم عليكم أن تسألوا عن ذلك، فإن الأمر عند السلطان: أن أبا محمد «عليه السلام» مضى ولم يخلف ولداً، وقسَّم ميراثه، وأخذه من لا حق له فيه، وهو ذا عياله يجولون، ليس أحد يجسر أن يتعرف إليهم، أو ينيلهم شيئاً. وإذا وقع الاسم وقع الطلب، فاتقوا الله، وأمسكوا عن ذلك.

قال الكليني «رحمه الله»: وحدثني شيخ من أصحابنا ذهب عني اسمه: أن أبا عمرو سأل أحمد بن إسحاق عن مثل هذا، فأجاب بمثل هذا([37]).

هـ: في نص آخر: قلت: فالاسم؟!

قال: إياك أن تسأل عن هذا، فإن عند القوم أن هذا النسل قد انقطع([38]).

والأحاديث التي يمكن الاستفادة منها في هذا السياق كثيرة..

من أساليب الحكام:

وعلينا أن نضيف هنا: أن أمر الأئمة كان أعظم من أن يتمكن الحكام من البطش بهم بصورة علنية.. وقد دلتنا كلمة الجاحظ فيهم على جانب من هذه العظمة، فقد قال: «ومن الذين يعد من قريش، أو من غيرهم، ما يعد الطالبيون في نسق واحد، كل واحد منهم: عالم، زاهد، ناسك، شجاع، جواد، طاهر، زاك، فمنهم خلفاء، ومنهم مرشحون: ابن، ابن، ابن، ابن. هكذا إلى عشرة.. وهم: الحسن بن علي، بن محمد، ابن علي، بن موسى، بن جعفر، بن محمد، بن علي، بن الحسين، ابن علي. وهذا لم يتفق لبيت من بيوت العرب، ولا من العجم إلخ..»([39]).


من أجل ذلك كان الحكام مجبرين على اعتماد أساليب ملتوية تنتهي كلها إلى الختر والغدر، فكان كل همهم هو إسقاط معنى الإمامة فيهم، بأساليب تنوعت واختلفت، فحيث لم يمكنهم التشكيك بالنصوص، اتجهوا إلى المنع من روايتها، ومعاقبة من يفعل ذلك بأنواع من العقوبات، إن لم يمكنهم ذلك لجأوا إلى وضع نظائر لها في حق مناوئي أهل البيت «عليهم السلام»، أو ما ينقص من مقام ومن حق أئمة أهل البيت «عليهم السلام» أنفسهم.

وربما لجأوا إلى التحريف، أو الحذف، والإسقاط..

وحاول بعض العباسيين ادِّعاء الشراكة في الأحقية بالإمامة كما حاول ذلك قبلهم الأمويون، والذين أسسوا لهم في سقيفة بني ساعدة.

بل حاول بعضهم ادِّعاء الأولوية حتى من علي «عليه السلام»، وبذلت محاولات استلال اعترافات من أئمة أهل البيت «عليهم السلام»: بأن لمناوئيهم شيئاً من الحق كما بيناه في كتابنا: الحياة السياسية للإمام الرضا «عليه السلام»..

وكان هناك سعي دؤوب من الحكام أيضاً لإفراغ شخصيات الأئمة من معنى الإمامة، من خلال السعي لإحراجهم بالأسئلة عن دقائق الحقائق، ولطائف المعارف.. وعن الأمور الغيبية.. ومحاولة إثبات الجهل عليهم ولو مرة واحدة عبر التاريخ.. فباءت كل تلك المساعي بالفشل الذريع والفظيع..

أما محاولات تصفيتهم جسدياً فكانت تصطدم بعقبات كبيرة وخطيرة، وقد رأى كل الناس، وخصوصاً الحكام عواقب الجرائم العلنية، التي ارتكبها الأمويون في كربلاء.. وفشلهم الذريع في حربهم لعلي «عليه السلام»، حيث إن ذلك فضحهم، وجعلهم لعنة للتاريخ عبر الأحقاب والأزمان تنصبُّ عليهم إلى يوم القيامة..

وظهر لهم: أن ذلك يحرك الأمة إلى المزيد من الارتباط بأهل البيت «عليهم السلام»، والتعلق بهم، والتعرف على نهجهم، وسطوع نجمهم..

فكان لا بد لهم من مراعاة هذه الأحوال، وتجنب التجاهر بجرائمهم في حق الأئمة من أهل البيت «عليهم السلام»، فكان ظهور إمامة الإمام، وشيوع علمه في الناس، وظهور انصرافه عن التصدي لحربهم يمنع من تعرضهم له بصورة علنية وسافرة، مع ملاحظة: أن الأئمة «عليهم السلام» كانوا يستعملون التقية، إلا في أخطر قضية، ألا وهي قضية أحقيتهم بالإمامة، فلم يكونوا يستعملون التقية فيها.

ومهما يكن من أمر، فإنه يمكن الاستشهاد هنا بما روي، من أنه حين استشهد الإمام الكاظم «عليه السلام»، وأظهر الإمام الرضا «عليه السلام» إمامته، قيل له: لقد شهرت نفسك في هذا الأمر، وسيف هارون يقطر الدم؟!

فقال «عليه السلام»:جرأني على هذا ما قال رسول الله «صلى الله عليه وآله»: إن أخذ أبو جهل من رأسي شعرة فاشهدوا أني لست بنبي، وأنا أقول لكم: إن أخذ هارون من رأسي شعرة فاشهدوا أني لست بإمام([40]).

وكل هذا الذي ذكرناه يبين جانباً من الأسباب التي كانت تدفع الحكام إلى الحرص على قتل من يوصي له الإمام قبل أن ينتشر ذكره، ويشتهر أمره.. وذلك باستعمال لطائف الحيل في قتله بالسم تارة، وبأسباب كثيرة أخرى، كما أن هذا يلقي لنا الضوء على السبب كثرة من قتلهم الحكام من أبناء الأئمة «عليهم السلام». والذين تنتشر مزاراتهم في طول البلاد الإسلاية وعرضها.

كما أن معرفة الحكام بوجود أئمة اثني عشر، وعدم معرفتهم بأسمائهم، وبولاداتهم.. بالإضافة إلى تيقنهم من أن أئمتنا «عليهم السلام» هم المعنيون بما روي عن النبي «صلى الله عليه وآله»، إن ذلك كله، يعرفنا أسباب عدم معرفة الخلفاء بولادة الإمام المهدي «عجل الله فرجه»، بل كانوا يرون: أنه لم يولد، وتوقعوا أن يكون حين وفاة الإمام العسكري «عليه السلام» لا يزال حملاً، فلجأوا إلى حبس نساء وجواري الإمام العسكري «عليه السلام» بمجرد وفاته، وطال حبسهن لكي يطمأنوا إلى عدم وجود حمل لدى إحداهن..

فظهر: أن معرفة الناس بأسماء الإئمة «عليهم السلام» قبل ولادتهم كانت تشكل خطراً عظيماً على الأئمة «عليهم السلام»، مع عدم وجود ضرورة لتعريفهم بتلك الأسماء..

ولكن قد يقال: إن معرفة اسم الإمام المهدي «عليه السلام» بعد غيبته، وبعد انصرافهم عن طلبه قد أصبح مطلوباً، لأنه أصبح هو الإمام الفعلي للأمة.. وعليها أن تعرف إمامها، وأسماءه كلها أو بعضاً منها، إذا لم يكن هناك مانع من ذلك.

ولكننا نقول:
لا ضرورة، بل لا يجوز تداول اسمه الصريح حتى في هذه الأعصار إذا كان بصورة تحرض الأعداء على بذل الجهود في طلبه، وتدعو طواغيت الأرض إلى المبالغة في البحث عنه «عليه السلام»، أو مضايقة من يفترض أن يكونوا أنصاره، فتزداد التعقيدات والموانع والصعوبات أمام ظهوره «صلوات الله وسلامه عليه»، ولعل هذا هو ما نظرت إليه بعض الروايات المانعة، كالتي روها الصدوق بسند صحيح عن ابن أبي عمير قال: سألت سيدي موسى بن جعفر «عليهما السلام» عن قول الله عز وجل: " وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة.، فقال «عليه السلام»: النعمة الظاهرة: الإمام الظاهر، والباطنة: الامام الغائب.

فقلت له: ويكون في الأئمة من يغيب؟!

قال: نعم، يغيب عن أبصار الناس شخصه، ولا يغيب عن قلوب المؤمنين ذكره، وهو الثاني عشر منا، يسهل الله له كل عسير، ويذلل له كل صعب، ويظهر له كنوز الأرض، ويقرب له كل بعيد، ويبير به كل جبار عنيد، ويهلك على يده كل شيطان مريد، ذلك ابن سيدة الإماء الذي تخفى على الناس ولادته، ولا يحل لهم تسميته حتى يظهره الله عز وجل، فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً([41]).

إذ ليس المقصود من تحريم ذكر اسمه ذاتاً، ولو في الخلوات أو مع المأمونين والأخيار من الأصحاب، وقد عللت بعض الروايات هذا المنع بما يدل على أن المقصود هو حفظه «عليه السلام» من السلطان، أو نحو ذلك.

وفقنا الله وإياكم لكل خير، ودفع عن إمامنا أرواحنا له الفداء، وعنكم، وعنا كل سوء وضير.

والحمد لله، والصلاة والسلام على عباده الذين اصطفى محمد وآله الطيبين الطاهرين..

حرر بتاريخ 5 ربيع الأول 1431 هـ. الموافق 20 شباط 2010م.
جعفر مرتضى العاملي

----------
([1]) النجم الثاقب للمحدث النوري ج1 ص219.

([2]) المصدر السابق.

([3]) شرعة التسمية ص24 والنجم الثاقب للمحدث النوري ج1 ص221.

([4]) كشف الغمة ج3 ص 309 و 310.

([5]) النجم الثاقب للمحدث النوري ج1 ص221 و 222.

([6]) راجع: الارشاد ج2 ص 224 وقرب الإسناد ص339 والكافي ج1 ص285 ودلائل الإمامة ص337 ومناقب آل أبي طالب ج4 ص329 والخرائج والجرائح ج1 ص333 وعيون المعجزات ص102 وإعلام الورى ج2 ص22.

([7]) راجع: بحار الأنوار ج37 ص13 و 14.

([8]) راجع: الإرشاد ج1 ص221 ـ 223 والكافي ج1 ص351 وبصائر الدرجات ص 251 ورجال الكشي ص282 والإمامة والتبصرة ص72 ودلائل الإمامة ص324 ومناقب آل أبي طالب ج4 ص331 والثاقب في المناقب ص473 والخرائج والجرائح ج1ص331 وإعلام الورى ص16 وإثبات الوصية ص191 و 192.

([9]) راجع: الكافي ج7 ص100.

([10]) راجع: قاموس الرجال ج4 ص444 و 434 و 435. وراجع: تاريخ آل زرارة ص83 و 94.

([11]) راجع: اختيار معرفة الرجال (رجال الكشي) ص133 و 160 و(ط مؤسسة آل البيت) ج1 ص372 وراجع: كمال الدين ج1 ص75 وتاريخ آل زرارة ص78 وأعيان الشيعة ج7 ص53.

([12]) راجع: كمال الدين ج1 ص75 وبحار الأنوار ج47 ص338 وإكليل المنهج للكرباسي ص254.

([13]) راجع: بحار الأنوار ج26 ص8 وج39 ص65 وج46 ص274 وج82 ص263 ونوادر المعجزات ص120 ومناقب آل أبي طالب ج3 ص47 وعيون المعجزات ص69 ومدينة المعاجز ج4 ص424 وج5 ص115 وشرح الأخبار ج2 ص226 وكنز الفوائد ص61 و الأربعين للماحوزي ص385 وتذكرة خواص الأئمة ص63.

([14]) راجع: شرح نهج البلاغة للمعتزلي ج4 ص58 وج11 ص46 والدرجات الرفيعة ص8 وبحار الأنوار ج33 ص193 والنصائح الكافية ص99 والإشتقاق لابن دريد ص272 و (ط أخرى) ص165 ووفيات الأعيان (ط دار صادر) ج3 ص175 وسفينة النجاة للتنكابني ص283 .

([15]) تاريخ بغداد ج6 ص129 و (ط دار الكتب العلمية) ج6 ص127 وتاريخ مدينة دمشق ج7 ص72 وأعيان الشيعة ج2 ص194.

([16]) شرح ميمية أبي فراس ص119.

([17]) راجع: الأمالي للطوسي ج1 ص98 و 99 والأمالي للمفيد ص200 و 201 والأغاني لأبي الفرج ج8 ص57 وأخبار شعراء الشيعة للمرزباني ص94 و 95 والغدير ج2 ص375 و 376 عن أمالي المفيد، وعن تاريخ ابن عساكر ج5 ص233.

([18]) راجع: شرح شافية أبي فراس لمحمد بن أميرحاج حسيني، والغدير ج3 ص403 وقد شرح ابن خالويه هذه القصيدة أيضاً. وتجدها في كثير من المصادر.

([19]) النزاع والتخاصم للمقريزي ص51.

([20]) رسائل الخوارزمي (ط القسطنطينية سنة 1297) ابتداء من ص120 إلى ص140 وذكر سعد محمد حسن شطراً منها في كتابه: المهدية في الإسلام ص58 وذكر شطراً منها أيضاً: أحمد أمين في كتابه: ضحى الإسلام ج3 ص297.

([21]) مقاتل الطالبيين ص155 وتاريخ الأمم والملوك (ط مؤسسة الأعلمي) ج6 ص179 والحياة الساسية للإمام الرضا ص97 وأعيان الشيعة ج2 ص181.

([22]) الحياة الساسية للإمام الرضا ص97 و 91 وراجع: إحقاق الحق (الملحقات) ج9 ص688 عن مفتاح النجا (مخطوط) ص12 وعن قلندر الهندي في كتاب: روض الأزهر (ط حيدرآباد ـ الدكن) ص359 وديوان الطغرائي.

([23]) راجع: كامل الزيارات ص125 و 126 و 127 و 260 و 261 وراجع: إرشاد العباد إلى لبس السواد لميرزا جعفر الطباطبـائي ص59 ومكيـال المكـارم ج2 = = ص388 وراجع: بحار الأنوار ج45 ص179 و 394 و 395 و 398 و 401 و 404 ومناقب آل أبي طالب ج3 ص220 و 221 والعوالم، الإمام الحسين «عليه السلام» ص719 ـ 732 أبواب جور الخلفاء على قبره الشريف، وراجع: الأمالي للطوسي ص325 وبحار الأنوار ج45 ص390 جور الخلفاء على قبره الشريف، وراجع: مدينة المعاجز ج4 ص211.

([24]) الرسائل العشر للشيخ الطوسي ص98 و 99 والإمامة والتبصرة ص120 والكافي ج1 ص341 والأمالي للصدوق ص419 وصفات الشيعة ص49 وكمال الدين ص287 وكتاب الغيبة ص69 و 83 و 94 و 193 و 255 ودلائل الامامة ص456 و 471 و 477 والإرشاد للمفيد ج2 ص340 و 379 والإفصاح ص102 والغيبة للطوسي ص48 و 165 و 174 و 180 والملاحم والفتن ص245 و 274 و 276 و 280 و 286 و 322 وبحار الأنـوار ج3 = = ص268 وج24 ص239 وج27 ص119 وج28 ص53 وج36 ص226 و 246 وسنن أبي داود ج2 ص309 والمستدرك للحاكم ج4 ص465 وتحفة الأحوذي ج6 ص403.

([25]) راجع: مقاتل الطالبيين ص140 و 141 والإرشاد للمفيد ج2 ص190 و 191 وكشف الغمة ج2 ص385 إعلام الورى ج1 ص526 ومدينة المعاجز ج5 ص291 وبحار الأنوار ج46 ص187 وج47 ص276 و 277.

([26]) التفسير الكبير للرازي ج2 ص28 ومسند أحمد ج1 ص376 و 448 وسنن الترمذي ج3 ص343 وصحيح ابن حبان ج15 ص238 والحد الفاصل للرامهرمزي ص329 والملاحم والفتن لابن طاووس ص156 والإرشاد للمفيد ج2 ص340 وروضة الواعظين ص261 وراجع: الإمامة والتبصـرة = = ص120 ودعائم الإسلام ج2 ص188 ومستدرك الوسائل ج15 ص133 وخاتمة المستدرك ج1 ص143 وكمال الدين ص286 و 287 و 411 وكفاية الأثر ص67 والغيبة للطوسي ص272 وبحار الأنوار ج36 ص309 وج37 ص2 وج38 ص805 وج51 ص72 و 73 وج52 ص16 وإعلام الورى ج2 ص226 وكشف الغمة ج3 ص327.

([27]) سنن أبي داود ج2 ص309 والمستدرك للحاكم ج4 ص442 و 464 وتحفة الأحوذي ج6 ص403 وعون المعبود ج11 ص250 والمصنف لابن أبي شيبة ج8 ص678 وحديث خيثمة ص192 وصحيح ابن حبان ج15 ص237 والمعجم الأوسط للطبراني ج2 ص55.

([28]) راجع: مستدركات علم رجال الحديث ج1 ص57 ومنتخب الأنوار المضيئة للنيلي ص140 وكشف الأستار للنوري ص212 والكافي ج1 ص310 ومستدرك الوسائل ج14 ص128 والغيبة للطوسي ص248 ـ 250 و (ط مؤسسة المعارف الإسلامية) ص197 ومناقب آل أبي طالب ج3 ص434 وبحار الأنوار ج47 ص3 وتاريخ آل زرارة ص86 وإعلام الورى ج2 ص13 والخرائج والجرائح ج1 ص460 وكشف الحق للخاتون آبادي ص42 و 43 وفرج المهموم ص248.

([29]) راجع: بحار الأنوار ج37 ص14 عن المفيد.

([30]) راجع: بحار الأنوار ج37 ص14 عن المفيد.

([31]) راجع: الفصول المهمة لابن الصباغ ص226 وبحار الأنوار ج50 ص203 والإرشاد للمفيد ص314.

([32]) الآية 157 من سورة النساء.

([33]) راجع: مستدركات علم رجال الحديث ج1 ص57 ومنتخب الأنوار المضيئة للنيلي ص140 وكشف الأستار للنوري ص212 والكافي ج1 ص310 ومستدرك الوسائل ج14 ص128 والغيبة للطوسي ص248 ـ 250 و (ط مؤسسة المعارف الإسلامية) ص197 ومناقب آل أبي طالب ج3 ص434 وبحار الأنوار ج47 ص3 وتاريخ آل زرارة ص86 وإعلام الورى ج2 ص13 والخرائج والجرائح ج1 ص460 وكشف الحق للخاتون آبادي ص42 و 43 وفرج المهموم ص248.

([34]) راجع: كشف الحق، أو الأربعون (تأليف محمد صادق الخاتون آبادي المتوفى سنة 1272 هـ) ص40 و 41 وأهل البيت في الكتاب والسنة للريشهري ص482 عن إثبات الهداة ج3 ص570 و 685 عن عبد الله بن الحسين بن سعيد الكاتب.

([35]) هو محمد بن صالح الهمداني الدهقان، من أصحاب الإمام العسكري ووكلائه «عليه السلام».

([36]) الكافي ج1 ص333.

([37]) الكافي ج1 ص329 و 330.

([38]) كمال الدين ج2 ص441 و 442.

([39]) آثار الجاحظ ص235.

([40]) راجع: الكافي ج8 ص257 ومناقب آل أبي طالب ج3 ص451 ومدينة المعاجز ج7 ص227 و 257 وبحار الأنوار ج49 ص59 و 111 ومستدرك سفينة البحار ج7 ص395 ومسند الإمام الرضا للعطاردي ج1 ص165.

([41]) راجع: كمال الدين ص369 وجامع أحاديث الشيعة ج14 ص564 وكفاية الأثر ص270 ووسائل الشيعة (ط مؤسسة آل البيت) ج16 ص241 و (ط دار الإسلامية) ج11 ص488 وبحار الأنوار ج51 ص150 و 32 .

خادم الزهراء 12-May-2010 03:00 PM

الرسالة الأخيرة


بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على النبي الخاتم، سيدنا وشفيع ذنوبنا محمد بن
عبد الله، وعلى آله الأطهار أجمعين..
أما بعد ..
سماحة العلامة الفاضل المحقق السيد جعفر مرتضى العاملي «حفظه الله»..

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..

بعد أن وصلت إلى جادة الحق، والصراط المستقيم، والعقيدة المحقة، وتوالت أجوبتك لي، والتي اتسمت بالدليل القوي، ونور الحق، والرحمة الإلهية التي أنعم الله علي بها، وجعلني متمسكاً بآل رسول الله «صلوات الله عليهم أجمعين»..

أختم تلك المراسلات هذه، وأشكر لكم تلك الرعاية التي قمت بها من أجلي، وأحمد الله تعالى الذي أنعم علي بأخ مثلك: عالم مجتهد، وفهامة مؤيد، وصاحب قلم مسدد..

لقد جاء هذا الجواب عن موضوع ذكر اسم الإمام الثاني عشر «عجل الله تعالى فرجه» أو عدمه، لا يخلو من الدقة، وفيه الكثير من الفائدة..

ولا يمكن إلا أن آخذ بكل ما ورد فيها، فقد حللت الكثير من الشبهات التي دارت في ذهني، وشغلت عقلي، وقد شفيت بتلك الكلمات روحي، وأطفأت بها غليل صدري..

من هنا أصل لختام مراسلاتي بسؤالي عن الإمام الحجة المهدي «عجل الله تعالى فرجه»، بعد أن كنت قد بدأت بأسئلتي عن فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها، فقد ورد في الحديث: «بنا فتح الله وبنا يختم».

وأسأل الله أن يجعل تلك الأجوبة في ميزان حسناتك يوم القيامة، وأن يرد بها عن العقيدة الصحيحة، والصراط القويم، كل شبهة وكذبة وفرية، إنه سميع مجيب الدعوات..

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين..
8 ربيع الأول 1431هـ الموافق 23 شباط 2010م

خادم الزهراء 12-May-2010 03:03 PM

الـخـاتـمــة


بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين..
وبعد..

فقد كان ما تقدم هو نص الحوار الذي جرى بيني وبين أخ عالم كبير، وعلامة قدير، ونيقد فهامة بصير، وفاضل خبير.. أقدمه إلى الأخوة الأكارم على أمل أن يجدوا فيه ما ينفع، أو يجدي في الإجابة على بعض ما يدور بخلدهم من أسئلة..

والمهم عندي:
هو تدقيق القارئ الكريم فيما تضمنته هذه الرسائل من إجابات على الأسئلة التي طرحت، وتحديد مدى صوابيتها، فإن الأساس هو الفكرة نفسها، أما صاحب الفكرة فإن التعرف عليه، والوصول إليه، إنما يكتسب أهميته وقيمته من القدر الذي أظهره من العدل والإنصاف والبعد عن العناد والاعتساف، لأن الرجال يعرفون بالحق، فقد روي عن أمير المؤمنين «عليه السلام» قوله:

«إن دين الله لا يعرف بالرجال بل بآية الحق، فاعرف الحق تعرف أهله»([1]).

والحمد لله، والصلاة، والسلام على عباده الذين اصطفى محمد وآله..
جعفر مرتضى العاملي..
حرر بتاريخ 5 ربيع الأول 1431 هـ.
الموافق 20 شباط 2010م.

----------



([1]) راجع: وسائل الشيعة (ط مؤسسة آل البيت) ج27 ص135 و (ط دار الإسلامية) ج18 ص98 وخاتمة المستدرك ج2 ص219 ومصباح البلاغة (مستدرك نهج البلاغة) ج3 ص244 وج2 ص291 والأمالي للشيخ المفيد ص4 و 5 والأمالي للشيخ الطوسي ص625 و 626 والمحتضر ص62 و 63 ومدينة المعاجز ج3 ص116 و 117 وبحار الأنوار ج6 ص178 و 179 وج27 ص159 و 160 وج65 ص120 و 121 ونهج السعادة ج2 ص667 ـ 669 والإمام علي بن أبي طالب للهمداني ص414 ـ 416 وموسوعة أحاديث أهل البيت للنجفي ج8 ص161 و 162 وراجع: روضة الواعظين ص31 والطرائف لابن طاوس ص136 وفيض القدير ج1 ص28 و 272 والجامع لأحكام القرآن ج1 ص340.

خادم الزهراء 12-May-2010 03:44 PM

ملحق

الإجابة على السؤال الثامن


وإليك أيها الأخ الفاضل ما كنا قد وعدنا به من مطالب تتعلق بابن سبأ، وسننقلها من الجزء السادس والعشرين من كتابنا: الصحيح من سيرة الإمام علي «عليه السلام»، وأرجو أن تنال رضاكم.

حفظك الله ورعاك..

علي عليه السلام يحرق الغلاة:

1 ـعن أبي عبد الله، وأبي جعفر «عليهما السلام»:

أن أمير المؤمنين «عليه السلام» لما فرغ من أهل البصرة أتاه سبعون رجلاً من الزط، فسلموا عليه وكلموه بلسانهم، فرد عليهم بلسانهم.

ثم قال لهم: إني لست كما قلتم. أنا عبد الله مخلوق.

فأبوا عليه وقالوا: أنت هو.

فقال لهم: لئن لم تنتهوا وترجعوا عما قلتم فيَّ، وتتوبوا إلى الله عز وجل لأقتلنكم.

فأبوا أن يرجعوا ويتوبوا.

فأمر أن تحفر لهم آبار، فحفرت، ثم خرق بعضها إلى بعض، ثم قذفهم، ثم خمر رؤوسها، ثم ألهبت النار في بئر منها ليس فيها أحد منهم، فدخل الدخان عليهم فيها فماتوا([1]).

2 ـ وروى الكشي، عن محمد بن الحسن، وعثمان بن حامد الكشيان، قالا: حدثنا محمد بن يزداد الراز ي، عن محمد بن الحسين أبي الخطاب، عن موسى بن يسار، عن عبد الله بن شريك، عن أبيه قال:

بينا علي «عليه السلام» عند امرأة له من عنزة، وهي أم عمرو إذ أتاه قنبر، فقال له: إن عشرة نفر بالباب يزعمون أنك ربهم.

قال: أدخلهم.

قال: فأدخلوا عليه، فقال لهم: ما تقولون؟!


فقالوا: نقول: إنك ربنا، وأنت الذي خلقتنا، وأنت الذي رزقتنا.

فقال لهم: ويلكم لا تفعلوا، إنما أنا مخلوق مثلكم.

فأبوا أن يفعلوا.

فقال لهم: ويلكم ربي وربكم الله، ويلكم توبوا وارجعوا.

فقالوا: لا نرجع عن مقالتنا، أنت ربنا ترزقنا، وأنت خلقتنا.

فقال: يا قنبر، إيتني بالفعلة.

فخرج قنبر، فأتاه بعشرة رجال مع الزُّبل والمرور، فأمر أن يحفروا لهم في الأرض، فلما حفروا خدَّاً، أمر بالحطب والنار فطرح فيه حتى صار ناراً تتوقد.

قال لهم: توبوا.

قالوا: لا نرجع، فقذف علي بعضهم، ثم قذف بقيتهم في النار،

قال علي عليه السلام:

إني إذا أبـصـرت شـيـئـاً منكـراً أوقـدت نـاري ودعـوت قـنبرا([2])

3 ـ ورواه ابن أبي الحديد عن أبي العباس أحمد بن عبيد الله بن عمار الثقفي مرفوعاً، ثم قال:
وروى أصحابنا في كتب المقالات: أنه لما حرقهم صاحوا إليه: الآن ظهر لنا ظهوراً بينا أنك أنت الإله، لأن ابن عمك الذي أرسلته قال: «لا يعذب بالنار إلا رب النار»([3]).

قال الحموي في صحراء أثير المنسوبة إلى أثير بن عمرو الطبيب الكوفي: حرق علي «عليه السلام» الطائفة الغلاة فيه([4]).

4 ـ روى الكليني عن الصادق «عليه السلام» قال: أتي أمير المؤمنين «صلوات الله عليه» وهو جالس في المسجد بالكوفة بقوم وجدوهم يأكلون بالنهار في شهر رمضان، فقال لهم أمير المؤمنين «عليه السلام»: أكلتم وأنتم مفطرون؟!

قالوا: نعم.

قال: يهود أنتم؟!

قالوا: لا.

قال: فنصارى؟!

قالوا: لا.

قال: فعلى أي شيء من هذه الأديان مخالفين للإسلام؟!

قالوا: بل مسلمون.

قال: فسفر أنتم؟!

قالوا: لا.

قال: فيكم علة استوجبتم الإفطار لا نشعر بها، فإنكم أبصر بأنفسكم، لأن الله عز وجل يقول:

﴿بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ([5]).


قالوا: بل أصبحنا ما بنا علة.

قال: فضحك أمير المؤمنين «صلوات الله عليه» ثم قال:

تشهدون أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله؟!

قالوا: نشهد أن لا إله إلا الله، ولا نعرف محمداً.

قال: فإنه رسول الله.

قالوا: لا نعرفه بذلك، إنما هو أعرابي دعا إلى نفسه.

فقال: إن أقررتم، وإلا لأقتلنكم.

قالوا: وإن فعلت.

فوكل بهم شرطة الخميس، وخرج بهم إلى الظهر ظهر الكوفة، وأمر أن يحفر حفرتين [كذا]، وحفر إحداهما إلى جنب الأخرى، ثم خرق فيما بينهما كوة ضخمة شبه الخوخة، فقال لهم: إني واضعكم في إحدى هذين القليبين، وأوقد في الأخرى النار فأقتلكم بالدخان.

قالوا: وإن فعلت، فإنما تقضي هذه الحياة الدنيا.

فوضعهم في إحدى الجُبَّين وضعاً رفيقاً، ثم أمر بالنار فأوقدت في الجب الآخر، ثم جعل يناديهم مرة بعد مرة: ما تقولون؟!

فيجيبونه: اقض ما أنت قاض، حتى ماتوا.

قال: ثم انصرف، فسار بفعله الركبان، وتحدث به الناس، فبينما هو ذات يوم في المسجد إذ قدم عليه يهودي من أهل يثرب قد أقر له من في يثرب من اليهود: أنه أعلمهم، وكذلك كانت آباؤه من قبل.

قال: وقدم على أمير المؤمنين «صلوات الله عليه» في عدة من أهل بيته، فلما انتهوا إلى المسجد الأعظم بالكوفة أناخوا رواحلهم ثم وقفوا على باب المسجد وأرسلوا إلى أمير المؤمنين «صلوات الله عليه» إنا قوم من اليهود قدمنا من الحجاز، ولنا إليك حاجة، فهل تخرج إلينا أم ندخل إليك؟!

قال: فخرج إليهم وهو يقول: سيدخلون، ويستأنفون باليمين فما حاجتكم؟!

فقال [له] عظيمهم: يا ابن أبي طالب، ما هذه البدعة التي أحدثت في دين محمد «صلى الله عليه وآله»؟!

فقال له: وأية بدعة؟!

فقال له اليهودي: زعم قوم من أهل الحجاز أنك عمدت إلى قوم شهدوا أن لا إله إلا الله، ولم يقروا أن محمداً رسوله، فقتلتهم بالدخان.

فقال له أمير المؤمنين «صلوات الله عليه»: فنشدتك بالتسع الآيات التي أنزلت على موسى «عليه السلام» بطور سيناء، وبحق الكنايس الخمس القدس، وبحق السمت الديان، هل تعلم أن يوشع بن نون أتي بقوم بعد وفاة موسى شهدوا أن لا إله إلا الله ولم يقروا: أن موسى رسول الله فقتلهم بمثل هذه القتلة؟!

فقال له اليهودي: نعم. أشهد أنك ناموس موسى.

قال: ثم أخرج من قبائه كتاباً، فدفعه إلى أمير المؤمنين «عليه السلام»، ففضه ونظر فيه وبكى.

فقال له اليهودي: ما يبكيك يا ابن أبي طالب؟! إنما نظرت في هذا الكتاب وهو كتاب سرياني، وأنت رجل عربي، فهل تدري ما هو؟!

فقال له أمير المؤمنين «صلوات الله عليه»: نعم، هذا اسمي مثبت.

فقال له اليهودي: فأرني اسمك في هذا الكتاب وأخبرني ما اسمك بالسريانية؟!


قال: فأراه أمير المؤمنين «سلام الله عليه» اسمه في الصحيفة، فقال: اسمي إليا.

فقال اليهودي: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمد رسول الله «صلى الله عليه وآله»، وأشهد أنك وصي محمد، وأشهد أنك أولى الناس بالناس من بعد محمد.

وبايعوا أمير المؤمنين «عليه السلام»، ودخل المسجد.

فقال أمير المؤمنين «عليه السلام»: الحمد لله الذي لم أكن عنده منسياً، الحمد لله الذي أثبتني عنده في صحيفة الأبرار [والحمد لله ذي الجلال والإكرام]([6]).

5 ـ وعن المعتزلي في حديث النوفلي: أنه «عليه السلام» دخن عليهم، وجعل يهتف بهم، ويناشدهم: ارجعوا إلى الاسلام، فأبوا.

فأمر بالحطب والنار، وألقى عليهم، فاحترقوا، فقال الشاعر:
لـتـرم بـي المنـيـة حـيـث شاءت إذا لـم تـرم بـي فـي الحـفـرتـــين
إذا مـــا حـشـتـا حـطـبـا بـنــار فـذاك المـوت نـقــدا غـــير ديـن

قال: فلم يبرح واقفاً عليهم حتى صاروا حمماً.

قال: أول من جهر بالغلو في أيامه عبد الله بن سبأ، قام إليه وهو يخطب، فقال له: أنت أنت، وجعل يكررها.

إلى أن قال: قال أبو العباس: ثم إن جماعة من أصحاب علي، منهم عبد الله بن عباس، شفعوا في عبد الله بن سبأ خاصة، وقالوا: يا أمير المؤمنين، إنه قد تاب فاعف عنه.

فأطلقه بعد أن اشترط عليه ألا يقيم بالكوفة.

فقال: أين أذهب؟!

قال: المدائن.

فنفاه إلى المدائن. فلما قتل أمير المؤمنين «عليه السلام» أظهر مقالته، وصارت له طائفة، وفرقة يصدقونه ويتبعونه.

وقال لما بلغه قتل علي: والله لو جئتمونا بدماغه في سبعين صرة، لعلمنا أنه لم يمت، ولا يموت حتى يسوق العرب بعصاه([7]).

قال التستري:
أقول: يستفاد منه ضمناً عدم جواز دخول أهل الكتاب المساجد مضافاً إلى ما دل علىه من قتل المنكر للنبي «صلى الله عليه وآله»، وإن كان مقراً بالتوحيد([8]).

6 ـ وفي نص آخر: قالوا: أنت أنت! لم يزيدوه على ذلك.

ففهم مرادهم، فنزل عن فرسه، فألصق خده بالتراب، ثم قال: ويلكم إنما أنا عبد من عبيد الله، فاتقوا الله، وارجعوا إلى الاسلام.

فأبوا، فدعاهم مراراً، فأقاموا على أمرهم، فنهض عنهم، ثم قال: شدوهم وثاقاً الخ..([9]).

هل هذه المبررات معقولة؟!:

قال المعتزلي:
قال أصحاب المقالات: واجتمع إلى عبد الله بن سبأ بالمدائن جماعة على هذا القول، منهم: عبد الله بن صبرة الهمداني، وعبد الله بن عمرو بن حرب الكندي، وآخرون غيرهما، وتفاقم أمرهم، وشاع بين الناس قولهم، وصار لهم دعوة يدعون إليها، وشبهة يرجعون إليها، وهي ما ظهر وشاع بين الناس، من إخباره بالمغيبات حالا بعد حال..

قال: وتعلق بعضهم بشبهة ضعيفة، نحو قول عمر فيه: وقد فقأ علي عين إنسان ألحد في الحرم:
ما أقول في يد الله، فقأت عيناً في حرم الله!([10]).

قال التستري:

قلت: الأصل فيما ذكر ما قال في النهاية في حديث عمر: أن رجلاً كان ينظر في الطواف إلى حرم المسلمين، فلطمه علي «عليه السلام»، فاستعدى عليه، فقال: ضربك بحق أصابتك عين من عيون الله([11]).

وتابع المعتزلي تعداده موجبات الغلو في علي «عليه السلام»:

ونحو قول علي: والله ما قلعت باب خيبر بقوة جسدانية، بل بقوة إلهية.


ونحو قول رسول الله «صلى الله عليه وآله»: «لا إله إلا الله وحده، صدق وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده».
والذي هزم الأحزاب هو علي بن أبي طالب، لأنه قتل شجاعهم وفارسهم عمرواً لما اقتحموا الخندق، فأصبحوا صبيحة تلك الليلة هاربين مفلولين، من غير حرب سوى قتل فارسهم([12]).

ونقول:
إن ذلك كله لا يصلح مبرراً، لهذا القول الساقط، للأسباب التالية:
أولاً: لأن الإخبار بالمغيبات لا ينحصر بمقام الألوهية، لأن الأنبياء يخبرون بها عن الله أيضاً. وأول من يخبرونهم بها هم أوصياؤهم، ثم يخبر الأوصياء ومن سمع منهم، ومن الأنبياء الناس بهذه المغيبات.

ثانياً: إن حديث عمر بن الخطاب جار على سبيل المجاز، ولم يكن عمر نفسه ممن يعتقد بالإلوهية لعلي «عليه السلام».

ثالثاً: أما حديث قلع باب خيبر بقوة إلهية، فالمراد به: أن الله سبحانه وتعالى هو الذي أقدره على ذلك. فهذا الحديث على ضد دعواهم أدل.

رابعاً: قوله «صلى الله عليه وآله»: «وهزم الأحزاب وحده» يريد به الإشارة إلى التدبير الإلهي لما جرى، حيث ساق فرسانهم إلى أن يتجاوزوا الخندق حتى قتلهم علي «عليه السلام»، وبذلك ألقى الله في قلوبهم الرعب، فهزموا.

ولا يريد أن علياً «عليه السلام» هو الله سبحانه، وتعالى عما يقوله الجاهلون والمبطلون.

الرفق بالمذنبين:

وفي الروايات: أنه «عليه السلام» وضعهم في البئر التي احتفرها برفق، وأنه كان يراجعهم في أمر توبتهم مرة بعد أخرى، فيأبون ذلك، وذلك ليقيم الحجة عليهم، ويعرف الناس بمدى إصرارهم على باطلهم.

لو جئتمونا بدماغه في صرة:

تقدم: أن الروايات ذكرت: أن ابن سبأ قال: لو جئتمونا بدماغه في سبعين صرة، لعلمنا أنه لم يمت.

غير أن الجاحظ يصرح: بأن القائل هو ابن السوداء، وهو ابن حرب، وليس ابن سبأ، فقد روي بسنده عن جرير (زجر) بن قيس بن مالك الجحفي قال:

قدمت المدائن بعد ما ضرب علي بن أبي طالب «رحمه الله»، فلقيني ابن السوداء، وهو ابن حرب، فقال لي: ما الخبر؟!

قلت: ضرب أمير المؤمنين ضربة يموت الرجل من أيسر منها، ويعيش من أشد منها.

قال: لو جئتمونا بدماغه في مائة صرة لعلمنا أنه لا يموت حتى يذودكم بعصاه([13]).

الحلف بغير الله تعالى:

ذكرت الرواية المتقدمة: أنه بعد أن قتل أمير المؤمنين «عليه السلام» الذين غلوا فيه بالدخان، أنكر عليه أحد عظماء اليهود فقال له أمير المؤمنين «عليه السلام»: نشدتك بالتسع آيات التي أنزلت على موسى «عليه السلام» بطور سيناء، و بحق الكنائس الخمس، وبحق السمط الديان، هل تعلم: أن يوشع بن نون أتي بقوم بعد وفاة موسى «عليه السلام» شهدوا أن لا إله إلا الله، ولم يشهدوا أن موسى رسول الله، فقتلهم بمثل هذه القتلة؟!

فقال اليهودي: نعم([14]).

فدلت هذه الرواية على جواز حلف غير المسلم بغير الله تعالى، ويؤيد ذلك:

ألف: ما روي عن الإمام الصادق عن أبيه «عليهما السلام»: أن علياً «عليه السلام» كان يستحلف اليهود والنصارى في بيعهم وكنائسهم، والمجوس في بيوت نيرانهم، ويقول: شددوا عليهم احتياطاً للمسلمين([15]).

ب: عن الإمام الصادق أيضاً عن أبيه «عليهما السلام»: أن علياً «عليه السلام» كان يستحلف اليهود والنصارى في كتابهم، ويستحلف المجوس ببيوت نيرانهم([16]).

ج: روي بسند صحيح عن محمد بن قيس، عن ابي جعفر: قضى علي «عليه السلام» فيمن استحلف أهل الكتاب بيمين صبر، أن يستحلفه بكتابه وملته([17]).

د: عن الإمام الصادق «عليه السلام» بسند معتبر: أن أمير المؤمنين «عليه السلام» استحلف يهودياً بالتوراة التي أنزلت على موسى «عليه السلام»([18]).

غير أننا نقول:
أولاً: إن الرواية المتقدمة برقم (ألف) ليس موردها الحلف بغير الله تعالى، بل هي تأمر بتغليظ اليمين على غير المسلمين احتياطاً للمسلمين.

ثانياً: قالوا: إن هناك روايات تعارض الروايات السابقة، لأنها تقول: إنه لا يجوز الحلف بغير الله تعالى:

1 ـ صحيحة علي بن مهزيار، عن أبي جعفر الثاني: إن لله أن يقسم من خلقه بما شاء، وليس لخلقه أن يقسموا إلا به.


2 ـ ومثلها صحيحة محمد بن مسلم([19]).

3 ـ ومنها: معتبرة سماعة عن الصادق «عليه السلام» قال: سألته هل يصلح لأحد أن يحلِّف أحداً من اليهود والنصارى والمجوس بآلهتهم؟!

قال: لا يصلح لأحد أن يحلف أحداً إلا بالله عز وجل([20]).

4 ـ صحيحة سليمان بن خالد: «لا يحلف اليهودي ولا النصراني ولا المجوسي بغير الله، إن الله عز وجل يقول: ﴿فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ([21])»([22]).

5 ـ صحيحة الحلبي: سألت أبا عبد الله «عليه السلام» عن أهل الملل يستحلفون.

فقال: لا تحلفوهم إلا بالله عز وجل([23]).

ونجيب بما يلي:
ألف: إن ما تريد أن تقوله هذه الروايات: هو أنه لا يجوز أن يحلَّف أهل الملل بآلهتهم، في قبال الله تعالى.. وقد صرحت رواية سماعة بذلك، ولا تأبى سائر الروايات عن أن يكون المراد منها هذا المعنى.

ب: إن الحلف بالتوراة التي أنزلها الله تعالى على موسى «عليه السلام» ليس فيه أي محذور، فهو كالحلف بالقرآن الذي أنزله الله على محمد «صلى الله عليه وآله».. لأن المقصود هو التوراة الواقعية.

ج: بالنسبة لكلمة «السمت الديان» نقول:
لعل الصحيح: «الصمد الديان» أو «السمد الديان». والسمد: هو السرمد. يقال: هو لك سمداً، أي سرمداً.

وكلمة «السمط» يبدو أنها مصحفة أيضاً، والأصل ما قلناه.. حيث صحفت التاء، فصارت طاء.

والديان: هو القهار، وقيل: هو الحاكم الذي يأخذ الناس بذنوبهم، ويحاسب، ويعاقب.. فالإحلاف بالسمط الديان يقصد به: إحلافه بالله تعالى.

د: وأما الكنائس، فهي معابد اليهود والنصارى، فلعله كانت هناك كنائس خمس، كان اليهود يقدسونها.

واحتمل بعض الباحثين في هذا الشأن: أن يكون المقصود هو الهيكل الذي كان قبل سليمان، وكان فيه تابوت السكينة، أو تابوت الله على حد تعبيرهم، ثم هيكل سليمان «عليه السلام»، ثم مرحلة ما بعد انهدامه وبنائه، حيث بني وسمي باسم هيكل زرّبابل. ثم مرحلة تجديده، حيث سمى باسم هيكل هيرودس، ثم الهيكل الذي سيظهر في مستقبل الأيام مرة أخرى، لتكون هي المرة الخامسة..

ولعله «عليه السلام» قد ساق الكلام وفقاً لما كان معلوماً عند احبار اليهود، ولم يكن يمكنهم إنكاره..

------------



([1]) قضاء أمير المؤمنين «عليه السلام» للتستري (ط مؤسسة الأعلمي) ص230 والكافي ج7 ص259 ومن لا يحضره الفقيه ج3 ص150 ووسائل الشيعة (ط مؤسسة آل البيت) ج28 ص335 و (ط دار الإسلامية) ج18 ص553 وبحار الأنوار ج40 ص301 وجامع أحاديث الشيعة ج26 ص64 ورجال الكشي ص72 والمجالس والأخبار ص59.
([2]) قضاء أمير المؤمنين «عليه السلام» للتستري (ط دار الأعلمي) ص230 و231 عن الكشي، وبحار الأنوار ج25 ص300 وإختيار معرفة الرجال للطوسي ج1 ص288 وج2 ص596 وموسوعة أحاديث أهل البيت «عليهم السلام» للنجفي ج8 ص164 عن رجال الكشي ص307 ح556.
([3]) قضاء أمير المؤمنين «عليه السلام» للتستري (ط مؤسسة الأعلمي) ص231 وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج5 ص6.
([4]) معجم البلدان للحموي ج1 ص93 وقضاء أمير المؤمنين «عليه السلام» للتستري (ط مؤسسة الأعلمي) ص231 عنه.
([5]) الآية 14 من سورة القيامة.
([6]) الكافي ج4 ص181 ـ 183 ووسائل الشيعة (ط مؤسسة آل البيت) ج10 ص249 و 250 و (ط دار الإسلامية) ج7 ص179 و 181 وبحار الأنوار ج38 ص60 و 61 وج40 ص288 و 289 وجامع أحاديث الشيعة ج26 ص16 و 17 وموسوعة أحاديث أهل البيت «عليهم السلام» للنجفي ج4 ص289 وتفسير نور الثقلين ج5 ص462 وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج5 ص6 وقضاء أمير المؤمنين «عليه السلام» للتستري (ط مؤسسة الأعلمي) ص231 و 232.
([7]) شرح نهج البلاغة للمعتزلي ج5 ص6 و 7 وفرق الشيعة للنوبختي ص22 وأعيان الشيعة ج1 ص530.
([8]) قضاء أمير المؤمنين «عليه السلام» للتستري (ط الأعلمي) ص203.
([9]) شرح نهج البلاغة للمعتزلي ج5 ص6 وقاموس الرجال للتستري ج9 ص296 عنه.
([10]) شرح نهج البلاغة للمعتزلي ج5 ص7 وراجع: ذخائر العقبى ص82 والملل والنحل للشهرستاني، وعن العقد الفريد (ط لجنة التأليف والترجمة والنشر) ج2 ص326.
([11]) قضاء أمير المؤمنين «عليه السلام» للتستري (ط الأعلمي) ص232 وراجع: ذخائر العقبى ص82.
([12]) شرح نهج البلاغة للمعتزلي ج5 ص7.
([13]) البيان والتبيين ج3 ص81 و (ط الشيخ حسن بمصر) ج3 ص83 وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج8 ص331.
([14]) وسائل الشيعة (ط مؤسسة آل البيت) ج10 ص250 وج23 ص169 و (ط دار الإسلامية) ج7 ص180 و 181 وج16 ص166 والكافي (الفروع) ج4 ص182 و 183 ومناقب آل أبي طالب ج2 ص93 وبحار الأنوار ج40 ص289 وموسوعة أحاديث أهل البيت للنجفي ج4 ص289.
([15]) قرب الإسناد ص42 و (ط مؤسسة آل البيت) ص86 ووسائل الشيعة (ط مؤسسة آل البيت) ج23 ص268 وج27 ص298 و (ط دار الإسلامية) ج16 ص166 وج18 ص219 وبحار الأنوار ج101 ص287 وجامع أحاديث الشيعة ج19 ص470 وج25 ص68.
([16]) قرب الإسناد ص71 و (ط مؤسسة آل البيت) ص152 ووسائل الشيعـة (ط = = مؤسسة آل البيت) ج23 ص268 و (ط دار الإسلامية) ج16 ص166 وجامع أحاديث الشيعة ج19 ص469 وج25 ص68 وبحار الأنوار ج101 ص287.
([17]) النوادر لأحمد بن محمد بن عيسى الأشعري ص60 و (ط سنة 1408هـ) ص54 ومن لا يحضره الفقيه ج3 ص375 والإستبصار ج4 ص40 وتهذيب الأحكام ج8 ص279 ووسائل الشيعة (ط مؤسسة آل البيت) ج23 ص267 و 268 و (ط دار الإسلامية) ج16 ص166 ومستدرك الوسائل ج16 ص69 وبحار الأنوار ج101 ص289 وجامع أحاديث الشيعة ج19 ص469 ومسند محمد بن قيس البجلي (تحقيق بشير المازندراني) ص90.
([18]) الكافي ج7 ص451 والإستبصار ج4 ص40 وتهذيب الأحكام ج8 ص279 ووسائل الشيعة (ط مؤسسة آل البيت) ج23 ص266 و (ط دار الإسلامية) ج16 ص165 وجامع أحاديث الشيعة ج19 ص469.
([19]) راجع حول الروايتين: النوادر لأحمد بن محمد بن عيسى الأشعري ص52 والكافي ج7 ص449 ومن لا يحضره الفقيه ج3 ص376 وتهذيب الأحكام ج8 ص277 ووسائل الشيعة (ط مؤسسة آل البيت) ج22 ص343 وج23 ص259 و 260 وج27 ص303 و (ط دار الإسلامية) ج15 ص537 وج16 ص159 و 160 وج18 ص223 ومستدرك الوسائل ج16 ص65 والفصول المهمة للحر العاملي ج2 ص411 وبحار الأنوار ج101 ص286 وجامع أحاديث الشيعة ج19 ص462 و 463 وتفسير نور الثقلين ج5 ص146 و 499 وج5 ص588 وتفسير الميزان ج19 ص33 و 194 و 307.
([20]) الكافي ج7 ص451 والإستبصار ج4 ص39 وتهذيب الأحكام ج8 ص279 ووسائل الشيعة (ط مؤسسة آل البيت) ج23 ص267 و (ط دار الإسلامية) ج16 ص165 والنوادر لأحمد بن محمد بن عيسى ص60.
([21]) الآية 48 من سورة المائدة.


([22]) الكافي ج7 ص451 والإستبصار ج4 ص39 وتهذيب الأحكام ج8 ص278 ووسائل الشيعة (ط مؤسسة آل البيت) ج23 ص266 و (ط دار الإسلامية) ج16 ص164 وبحار الأنوار ج101 ص288 وجامع أحاديث الشيعة ج19 ص468.
([23]) الكافي ج7 ص451 ووسائل الشيعة (ط مؤسسة آل البيت) ج23 ص266 و (ط دار الإسلامية) ج16 ص164 و 165 وجامع أحاديث الشيعة ج19 ص468 والنوادر لأحمد بن محمد بن عيسى ص30.

خادم الزهراء 12-May-2010 04:02 PM

القتل بالدخان:

ولم يكن قتل علي «عليه السلام» للغلاة فيه بالدخان أمراً فريداً في بابه، فقد قتل هو نفسه «عليه السلام» بالدخان ذلك المنكر لنبوة رسول الله «صلى الله عليه وآله» أيضاً([1]).

القتل بالنار:

وتقدم: أنه «عليه السلام» قد أحرق بالنار أولئك الذين غلوا فيه، بما فيهم عبد الله بن سبأ.. وقد روي ذلك في مصادر كثيرة([2]).
ولعل هذا هو الصحيح، ولا يصح قولهم: إنه حبس واستتاب عبد الله بن سبأ، ثم أطلقه وأبعده إلى المدائن، ثم عاد وأظهر مقولته وغلوه بعد استشهاد أمير المؤمنين «عليه السلام».

ولعل الهدف هو التسويق للمقولات التي تتهم شيعة أهل البيت بأخذ عقائدهم من ابن سبأ.. وأن ذلك كان بعد استشهاد علي «عليه السلام».

وفي مصادر أخرى: أنه «عليه السلام» قتل ابن سبأ وأصحابه بالدخان، حيث جعلهم في حفائر وأضرم النار في حفائر أخرى متصلة بها بخروق بينها([3]).

وكان أبو بكر قد قتل الفجاءة السلمي. وقد ندم على ذلك وكان هذا هو أحد الأمور الثلاثة التي ندم على فعلها، كما صرح به حين حضرته الوفاة([4]).


فإن كان الحرق بالنار من موجبات التأليه، كما هو ظاهر قولهم: «لا يعذب ابلنار إلا رب النار»، فلماذا لم يؤلهوا أبا بكر لحرقه الفجأة السلمي؟!

----------

([1]) قضاء أمير المؤمنين «عليه السلام» للتستري (ط مؤسسة الأعلمي) ص231 و 232 وراجع: الكافي ج4 ص181 ـ 183 ووسائل الشيعة (ط مؤسسة آل البيت) ج10 ص249 و 250 و (ط دار الإسلامية) ج7 ص179 و 180 وبحار الأنوار ج38 ص60 و 61 وج40 ص288 و 289 وجامع أحاديث الشيعة ج26 ص16 و 17 وموسوعة أحاديث أهل البيت «عليهم السلام» للنجفي ج4 ص289 وتفسير نور الثقلين ج5 ص462.

([2]) رجال الكشي (ط كربلاء) ص99 و 100 وخلاصة الرجال للعلامة، وقاموس الرجال ج5 ص461 ووسائل الشيعة (ط دار الإسلامية) ج18 ص554 ومستدرك الوسائل ج18 ص169 والهداية الكبرى ص151 ونوادر المعجزات ص21 ومناقب آل أبي طالب ج1 ص227 ومدينة المعاجز ج1 ص226 وجامع أحاديث الشيعة ج26 ص67 والغدير ج3 ص94 وتأويل مختلف الحديث ص70 واختيار معرفة الرجـال ج1 ص323 وخـلاصـة الأقـوال ص371 = = والتحرير الطاووسي ص345 ونقد الرجال ج3 ص109 وجامع الرواة ج1 ص485 وطرائف المقال ج2 ص96 ومستدركات علم رجال الحديث ج5 ص21 ومعجم رجال الحديث ج11 ص205 وميزان الإعتدال ج2 ص426 ولسان الميزان ج3 ص289 و 290 وأعيان الشيعة ج1 ص31 وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج8 ص646.

([3]) راجع: السنن الكبرى للبيهقي ج9 ص71 والغدير ج7 ص156 وفتح الباري ج6 ص106 وشرح نهج البلاعة للمعتزلي ج5 ص5 وج8 ص119 وأحكام القرآن لابن العربي ج3 ص515 وعمدة القاري ج14 ص264 وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج8 ص645.

([4]) راجع: تاريخ الأمم والملوك ج3 ص264 وج2 ص619 والبدابة والنهاية ج6 ص319 وتاريخ اليعقوبي ج2 ص137 وكتاب الفتوح لابن أعثم ج1 ص10 والخصال ص171 و 173 وبحار الأنوار ج30 ص123 وراجع ص136 و 138 و 141 و 352 وخلاصة عبقات الأنوار ج3 ص322 و 324 والغدير ج7 ص170 وتاريخ مدينة دمشق ج30 ص418 و 420.
وراجع: تاريخ الإسلام للذهبي ج1 ص117 و 118 وإثبات الهداة ج2 ص359 و 367 و 368 والعقد الفريد ج4 ص268 والايضاح لابن شاذان ص161 والإمامة والسياسة ج1 ص18 وسير أعلام النبلاء، (سير الخلفاء الراشدين) ص17 ومجموع الغرائب للكفعمي ص288 ومروج الذهب ج1 ص414 وج2 ص301 وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج1 ص130 وج17 ص168 و 164 وج6 ص51 وج2 ص47 و 46 وج20 ص24 و 17 وميزان الإعتدال ج3 ص109 وج2 ص215 ولسان الميزان ج4 ص189 وكنز العمال ج3 ص125 وج5 ص631 و 632 والرسائل الإعتقادية (رسالة طريق الإرشاد) ص470 و 471 ومنتخب كنز العمال (مطبوع بهامش مسند أحمد) ج2 ص171 والمعجم الكبير للطبراني ج1 ص62 وضياء العالمين (مخطوط) ج2 ق3 ص90 و 108 عن العديد من المصادر. والنص والإجتهاد ص91 والسبعة من السلف ص16 و 17 ومعالم المدرستين ج2 ص79 ومرآة الزمان. وراجع: زهر الربيع ج2 ص124 وأنوار الملكوت ص227 ونفحات اللاهوت ص79 وحديقة الشيعة ج2 ص252 وتشييد المطاعن ج1 ص340 ودلائل الصدق ج3 ق1 ص32 = = وحياة الصحابة ج2 ص24 والشافي للمرتضى ج4 ص137 و 138. والمغني لعبد الجبار ج20 ق1 ص340 و 341. ونهج الحق ص265، والأموال لأبي عبيد ص194 (وإن لم يصرح بها). ومجمع الزوائد ج5 ص203 وتلخيص الشافي ج3 ص170 وتجريد الإعتقاد لنصير الدين الطوسي ص402 وكشف المراد ص403 ومفتاح الباب (أي الباب الحادي عشر) للعربشاهي (تحقيق مهدي محقق) ص199 وتقريب المعارف ص366 و 367 واللوامع الإلهية في المباحث الكلامية للمقداد ص302 ومختصر تاريخ دمشق ج13 ص122 ومنال الطالب ص280 وراجع: الكامل لابن الأثير (حوادث سنة 11 هـ) ج2 ص146 والإصابة ج2 ص223 وراجع المواقف للإيجي ص403.

خادم الزهراء 12-May-2010 04:14 PM

إعتراضات على إحراق ابن سبأ:

وقد اعترض بعض العلماء على هذا الإجراء الذي اتخذه علي «عليه السلام» في حق ابن سبأ بأمور عديدة، نذكر منها ما يلي:

لا غلاة ولا إحراق لأحد:

قال العلامة العسكري «رحمه الله»: «لم يكن يوم ذاك غلاة، ولا عباد صنم في الجزيرة العربية، ولم يحرق الإمام أحداً. ويجوز وجود زنادقة، أو من ارتد إلى النصرانية، قتلهم الإمام، ثم أحرق جثثهم، خشية أن يتخذ قبورهم وثناً»([1]).

ونقول:
1 ـ لا نستطيع أن نوافق على هذا الحكم الصارم من هذا الباحث، فقد قلنا في هذا الكتاب: إن علياً «عليه السلام» قد أحرق اثنين كانا يصليان للصنم..([2]).

وروى في الكافي بسند صحيح عن أبي عبد الله «عليه السلام» قال: أتى قوم إلى أمير المؤمنين «عليه السلام»، فقالوا: السلام عليك يا ربنا..

فاستتابهم فلم يتوبوا، فحفر لهم حفيرة، وأوقد فيها ناراً، وحفر حفيرة أخرى إلى جانبها، وأفضى ما بينهما، فلما لم يتوبوا ألقاهم في الحفيرة، وأوقد في الحفيرة الأخرى ناراً حتى ماتوا([3])..

2 ـ تقدم أيضاً: أنه «عليه السلام» قد قتل المنكر لنبوة رسول الله «صلى الله عليه وآله» بالدخان أيضاً([4]). فلماذا لا نصدق روايات إحراق الغلاة مباشرة، أو بالدخان أيضاً؟!

3 ـ وأما نفي وجود الغلاة في ذلك الزمان فهو مجازفة لا مجال للإغضاء عنها.. كيف، وقد روي عنه «عليه السلام»: أنه قال: يهلك في اثنان، محب غال، ومبغض قال..([5]).

إلا أن يقال: إن هذا جاء على نحو القضية الحقيقية التي لا نظر فيها إلى الواقع الخارجي.

وعنه «عليه السلام»: «اللهم إني بريء من الغلاة كبراءة عيسى بن مريم من النصارى، اللهم اخذلهم أبداً، ولا تنصر منهم أحداً»([6]).

وعن رسول الله «صلى الله عليه وآله» أنه قال: لعلي «عليه السلام»: لولا أن يقال فيك ما قالت النصارى في المسيح لقلت اليوم فيك مقالةً لا تمر بملأ من المسلمين إلا أخذوا تراب نعليك، وفضل وضوئك يستشفون به، ولكن حسبك أن تكون مني وأنا منك، ترثني وأرثك([7]).

4 ـ إن الروايات التي رواها الكشي، وروايات أخرى ذكرها المؤرخون تؤكد وجود هؤلاء الغلاة بالفعل.. وإن كان يحتمل: أن يكون أمرهم قد ضخم حتى أظهروهم أنهم على درجة من الكثرة والتأثير للتغطية على النواصب ودورهم.

هذا فضلاً عن الروايات المروية عن النبي «صلى الله عليه وآله» من أنه سيجري على أمته ما جرى على الأمم السابقة، كبني إسرائيل، أو كاليهود والنصارى.. ولا يخفى أن من جملة ما جرى من تلك الأمم ادعاء ألوهية عزير وعيسى.

وما اعتبره العلامة العسكري مانعاً من قبولها لا يصلح للمانعية، كما سنوضحه.

5 ـ كيف جاز للعلامة العسكري: أن ينفي وجود عباد أصنام في الجزيرة العربية في عهد أمير المؤمنين «عليه السلام».. فلعل بعض من تظاهر بالإسلام كان يتكتم على كفره، وعلى عبادته لصنمه؟!

ونحن نعلم: أن المنافقين كانوا كثيرين جداً بين المسلمين. وأن أكثر الذين أظهروا الإسلام كانوا في الأصل عباد أصنام.

مضامين روايات الكشي:

لقد حاول بعض الباحثين أن يقول: إن عبد الله بن سبأ شخصية وهمية. وحين وصل إلى روايات الشيعة ذكر خمس روايات رواها الكشي، حول عبد الله بن سبأ ـ منها روايات ثلاث صحاح السند ـ وقال:

«لم نجد في كتب الشيعة غير رجال الكشي طريقاً لهذه الروايات.

ومن الغريب أن أصحاب المجاميع الحديثة المعتبرة عند الشيعة، لم تخرج الروايات الخمس المذكورة، فلا نجدها في الكافي للكليني المتوفى سنة 329هـ وكتاب من لا يحضره الفقيه للصدوق المتوفى سنة 381هـ والتهذيب والاستبصار للشيخ الطوسي. ويدل هذا على أنهم لم يعتمدوا تلك الروايات، مع شهرة رجال الكشي عندهم.

كانت الروايات الخمس السابقة مصدر تأليه ابن سبأ للإمام علي في كتب رجال الشيعة، وكتب حديثهم. وكان ذلك مبلغ الاعتماد على الخبر مدى القرون لدى العلماء خريتي الفن»([8]).

ونقول:
أولاً: إن الكليني سابق على الكشي، فلا نتوقع أن يأخذ منه أو عنه، وأما الصدوق فلعله لم يحصل على كتاب الكشي، ليأخذ عنه، ولم تصل إليه الروايات من طريق آخر.

ثانياً: إن هذا الباحث نفسه الذي صرح بوفاة الكشي حدود سنة 340هـ. قد ذكر أن مضامين روايات الكشي موجودة في كتب أهل الملل والنحل الذين سبقوا عصر الكشي أو عاصروه، فقد وردت في كتاب المقالات والفرق لسعد بن عبد الله الأشعري المتوفى سنة 310هـ وفرق الشيعة للنوبختي المتوفى سنة310هـ

ومقالات الإسلاميين لعلي بن إسماعيل المتوفى سنة 330هـ

غير أن هؤلاء أوردوها بسياق واحد، وبلا سند والكشي أوردها موزعة على روايات مسندة([9]).

فإذا كان مضمون الرواية موجوداً في مصادر سبقت عصر الكشي أو عاصرته، فذلك يقوي روايات الكشي، ويؤكد صدقها وصحتها.

واعتماد العلماء عليها وأخذها عن الكشي إنما هو لقوة أسانيدها عندهم، ولاعتضادها بهذه المضامين التي سبقت عصر الكشي.

واختيار العلماء للرواية المسندة هو الغاية في الاحتياط، ويعد إسداء خدمة جليلة للعلم وأهله يشكرون عليها.

ثالثاً: إن هذا الباحث نفسه بالرغم من أنه يذكر أن ابن شهرآشوب المتوفى سنة 588هـ عاد فقد نقل إحدى هذه الروايات التي ذكرها الكشي، ولم يشر إلى مصدرها، فقال: «وعلى ما ذكرنا رجع الجميع في نقل هذه الرواية إلى الكشي».

فكيف علم أن ابن شرآشوب أخذ روايته من الكشي لا من غيره؟!

رابعاً: إن عدم إيراد الكافي ومن لا يحضره الفقيه، والتهذيب والاستبصار لهذه الروايات لا يدل على عدم اعتمادهم عليها.. إذ قد يكون السبب: هو أنهم لم يروها داخلة في أغراضهم التي دعتهم إلى تأليف كتبهم تلك.

أو لأنهم لم يعثروا عليها حين تأليفهم لتلك الكتب، وما أكثر الروايات التي لم ترد في تلك الكتب، ولم يسقطها ذلك عن الاعتبار..

خامساً: من أين علم هذا الباحث: أن مصدر تأليه ابن سبأ للإمام علي «عليه السلام» في كتب رجال الشيعة وكتب حديثهم هو الروايات التي ذكرها الكشي فقط؟! ولم لا يكون مصدرهم هو كتب المقالات والفرق التي سبقت الكشي أو عاصرته؟! أو لماذا لا يكون كلاهما مصدر ذلك؟! ولم لا يضاف إليها بعض ما ذكره الطبري عن ابن سبأ، وما جرى له على يد أمير المؤمنين «عليه السلام»؟! ولم؟! ولم؟!

الكشي لا يعتمد عليه:

وبعد أن كرس ذلك الباحث رجال الكشي كمصدر اعتمد عليه العلماء في تأليه ابن سبأ للإمام «عليه السلام»، بادر إلى إثبات عدم صحة الاعتماد على رجال الكشي.

وعمدة ما ذكره سبباً لذلك:

قول النجاشي: «الكشي أبو عمر، وكان ثقة عيناً، روى عن الضعفاء كثيراً وصحب العياشي، وأخذ عنه، وتخرج عليه، له كتاب الرجال، كثير العلم، وفيه أغلاط كثيرة»([10]).

وغاية ما أخذوه على كتابه: أنه خلط رجال العامة برجال الخاصة. وأن فيه تصحيفات كثيرة. وفيه خلط أخبار ترجمة بأخبار ترجمة أخرى، وخلط طبقة بأخرى.

وذكروا: أن السبب في ذلك هو رداءة خطه، وعدم إقبال معاصريه على اقتنائه..([11]).

ونقول:
إن ذلك كله لا يجدي في إسقاط اعتبار الكتاب، خصوصاً بالنسبة للروايات الخمس التي ترتبط بابن سبأ، إذ لم يذكر العلماء أنها وقعت فريسة للتصحيف أو التحريف، الموجب لسقوطها عن الإعتبار، كما أن هناك قرائن تؤيدها وهي وجود مضامينها في كتب أهل المقالات المعاصرين للكشي أو المتقدمين عليه.

كما أن شهادة النجاشي بأن في كتاب الكشي علماً كثيراً تكفي لتأييد اعتبار مضامينه، لا سيما مع تأكيدها بالقرائن المشار إليها.

يضاف إلى ذلك: أن العلماء ـ كالمحقق التستري وغيره ـ قد بينوا مواضع التصحيف والتحريف وخلط التراجم ببعضها. ولم تكن هذه الروايات الخمس من بين ما ناله من ذلك ما يضر بحجيته.

روايتان تناقضان روايات التأليه:

وقد اعتبر ذلك الباحث: أن هناك رواية تناقض الروايات الصحيحة التي ذكرها الكشي عن تأليه ابن سبأ علياً «صلوات الله وسلامه عليه»، فعن أبي عبد الله «عليه السلام»: أن أمير المؤمنين «عليه السلام» قال:

إذا فرغ أحدكم من الصلاة، فليرفع يديه إلى السماء، ولينصب في الدعاء.

فقال ابن سبأ: يا أمير المؤمنين، أليس الله في كل مكان؟!

قال: بلى.

قال: فلم يرفع يديه إلى السماء؟!

قال: أما تقرأ في القرآن ﴿وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ﴾؟!([12]). فمن أين طلب الرزق إلا من موضعه؟! وموضع الرزق وما وعد الله السماء([13]).

وعن المسيب بن نجبة: أنه جاء إلى أمير المؤمنين «عليه السلام» متلبباً بعبد الله بن سبأ. فقال: ما شأنك؟!

فقال: يكذب على الله، وعلى رسوله.

قال: فما يقول؟!

قال الراوي: فلم أسمع مقالة المسيب، وسمعت أمير المؤمنين يقول: «هيهات، هيهات، العصب [لعل الصحيح: الغضب] ولكن يأتيكم راكب الذعلبة، يشد حقوها بوضينها، لم يقض تفثاً من حج ولا عمرة، فيقتلونه، يريد بذلك الحسين بن علي([14]).

فقد دلت هذه الرواية: على أن ابن سبأ ينزه الله تعالى عن المكان، وروايات التأليه لعلي مفادها: أن لله تعالى مكاناً يمشي ويجلس فيه.

وعند النعماني: عن المسيب بن نجبة قال: قد جاء رجل إلى أمير المؤمنين «عليه السلام»، ومعه رجل، يقال له «ابن السوداء»، فقال: «إن هذا يكذب على الله وعلى رسوله ويستشهدك.

فقال «عليه السلام»: لقد أعرض وأطول، يقول ماذا؟!

فقال: يذكر جيش الغضب.

فقال: خل سبيل الرجل، أولئك قوم يأتون في آخر الزمان إلخ..([15])

فإن الإمام «عليه السلام» قد برَّأ ابن سبأ من الكذب الذي نسب إليه، وأمر بإخلاء سبيله، وليس إنسان كهذا من قبيل من يؤله بشراً، ويكابر عليه حتى يحرق عليه([16]).

ونقول:
أولاً: إن هاتين الروايتين غير قادرتين من حيث السند على معارضة تلك الروايات الخمس الصحاح سنداً. لا سيما مع وجود شواهد تؤيد مضمون الروايات الخمس، حسبما تقدمت الإشارة إليه..

ثانياً: مع غض النظر عن ذلك. لا مانع من أن يكون ابن سبأ غير ظاهر الانحراف في تلك الفترة، أو كان على خط الاستقامة بالفعل، ثم ظهر نفاقه، أو أنه ارتد لاحقاً..

ثالثاً: إن صدق الرجل في بعض ما ينقله لا يعني سلامة اعتقاده، بل صدقه يعني سلامة نقله..

ونحن نرى الناس ينقلون عن أعدائهم، وعن الذين يخالفوهم في الاعتقاد، حين يثقون بصدقهم، فكيف إذا صدق نقله نفس المنقول عنه. وهو علي «عليه السلام»؟!

رابعاً: إن رواية رفع اليدين بالدعاء قد صرحت: بأن الله تعالى في كل مكان، وهذا إثبات للمكان، وليس تنزيهاً له تعالى عنه. إلا أن يكون المراد أنه في كل مكان بقدرته وعلمه وتدبيره. فكان ينبغي لفت النظر إلى ذلك..


---------



([1]) عبد الله بن سبأ (ط دار الزهراء سنة 1427هـ) ج2 ص172.
([2]) من لا يحضره الفقيه ج3 ص91 و (ط جماعة المدرسين) ص151 وتهذيب الأحكام ج10 ص138 و 140 والأمالي للطوسي ج2 ص275 وبحار الأنوار ج76 ص226 و 227 ووسائل الشيعة (ط مؤسسة آل البيت) ج28 ص339 و (ط دار الإسلامية) ج18 ص556 وجامع أحاديث الشيعة ج26 ص75.
([3]) الكافي ج7 ص257 و 259 والإستبصار ج4 ص254 وتهذيب الأحكام ج10 ص138 ووسائل الشيعة (ط مؤسسة آل البيت) ج28 ص334 و(ط دار الإسلامية) ج18 ص552 والأمالي للشيخ الطوسي ص662 وبحار الأنوار ج40 ص300 وج42 ص161 وج76 ص227 وجامع أحاديث الشيعة ج26 ص64 و 65.
([4]) الكافي ج4 ص181 ـ 183 ووسائل الشيعة (ط مؤسسة آل البيت) ج10 ص249 و 250 و (ط دار الإسلامية) ج7 ص179 و 181 وبحار الأنوار ج38 ص60 و 61 وج40 ص288 و 289 وجامع أحاديث الشيعة ج26 ص16 و 17 وموسوعة أحاديث أهل البيت «عليهم السلام» للنجفي ج4 ص289 وتفسير نور الثقلين ج5 ص462 وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج5 ص6 وقضاء أمير المؤمنين «عليه السلام» للتستري (ط مؤسسة الأعلمي) ص231 و 232.
([5]) راجع: نهج البلاغة (بشرح عبده) ج4 ص28 و 108 وبحار الأنوار ج25 ص285 وج34 ص307 و 336 وج39 ص295 وج47 ص167 وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج4 ص105 وج5 ص4 وج18 ص282 وخصائص الأئمة ص124 وشرح الأخبار ج1 ص160 ومعدن الجواهر للكراجكي ص26 ومناقب آل أبي طالب ج1 ص227 والعمدة لابن البطريق ص212 وعيون الحكم والمواعظ ص511 وغوالي اللآلي ج4 ص87 وكتاب الأربعين للشيرازي ص159 وكنز العمال (ط مؤسسة الرسالة) ج11 ص324 وتاريخ مدينة دمشق ج42 ص297 ونهج الإيمان ص490 وينابيع المودة ج1 ص328.
([6]) راجع: الأمالي للطوسي ج2 ص264 و (ط دار الثقافة ـ قم) ص650 وبحار الأنوار ج25 ص266 و 284 وج76 ص226 ومناقب آل أبي طالب ج1 ص226 وموسوعة أحاديث أهل البيت للنجفي ج8 ص165.
([7]) راجع: بحار الأنوار ج25 ص284 ومناقب آل أبي طالب ج1 ص227 ونهج الإيمان ص479 و 487 وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج7 ص295 وج22 ص358 عن أرجح المطالب (ط لاهور) ص448 وعن الوسيلة لعمر بن الخضر الموصلي (ط حيدر آباد الدكن) ص172.
([8]) عبد الله بن سبأ (ط سنة 1427هـ) ج2 ص178 ـ 180.
([9]) عبد الله بن سبأ (ط سنة 1427هـ) ج2 ص176.
([10]) رجال النجاشي ص288 و (ط مؤسسة النشر الإسلامي) ص372 وراجع: خاتمة المستدرك ج3 ص286 وعبد الله بن سبأ ج2 ص178 و 413 وخلاصة الأقوال ص247.
([11]) لخصنا ذلك من كتاب: عبد الله بن سبأ (ط سنة 1427هـ) ج2 ص180 ـ 183.
([12]) الآية 22 من سورة الذاريات.
([13]) من لا يحضره الفقيه ج1 ص213 و (ط مركز النشر الإسلامي) ج1 ص325 والخصال (حديث الأربع مئة) ج2 ص628 وتحف العقول ص118 وتهذيب الأحكام ج2 ص322 ووسائل الشيعة (ط مؤسسة آل البيت) ج6 ص487 و (ط دار الإسلامية) ج4 ص1057 ومستدرك الوسائل ج5 ص184 و 185 وبحار الأنوار ج10 ص106 و 107 وج82 ص318 وج90 ص308 والوافي ج5 ص118 والحدائق ج8 ص511 وجامع أحاديث الشيعة ج5 ص363 وج17 ص45.
([14]) راجع: عبد الله بن سبأ (ط سنة 1427هـ) ج2 ص184 و 185 عن بحار الأنوار (ط كمپاني) ج9 ص635 ولسان الميزان ترجمة عبد الله بن سبأ. والأمالي للشيخ الطوسي ص230 ومدينة المعاجز ج2 ص180 وبحار الأنوار ج42 ص146.

([15]) الغيبة للنعماني 167 و 168 و (ط أنوار الهدى سنة 1422هـ) ص325 وبحار الأنوار ج52 ص247 وقاموس الرجال للتستري ج11 ص615.
([16]) عبد الله بن سبأ (ط سنة 1427هـ) ج2 ص186.

خادم الزهراء 12-May-2010 04:22 PM

روايات القتل تعارض روايات الإحراق:

وقد أورد ذلك الباحث طائفة من الروايات التي ذكرت حرق أمير المؤمنين للغلاة، ولعباد الصنم، وغير ذلك. ثم قال:

«الغريب أن أحداً من فقهاء المسلمين لم يعتمد هذه الروايات، ويفتي بأن حكم المرتد الحرق. بل افتوا جميعاً بأن حكم المرتد القتل، استناداً إلى الروايات المعارضة لها. والمروية عن رسول الله «صلى الله عليه وآله» والأئمة من أهل بيته «عليهم السلام».

ثم ذكر: أن السنة أيضاً اتفقوا على أن المرتد يقتل»([1]).

ثم ذكر روايات الشيعة التي تقول: إن المرتد يستتاب ثلاثة أيام، ثم يقتل في اليوم الرابع.

وقد روي ذلك عن أمير المؤمنين([2])، وأبي جعفر، وأبي عبد الله([3])، وأبي الحسن الرضا([4]). و.. و..

وقال: إن هذه الروايات تعارض الروايات التي تقول: إن علياً «عليه السلام» حرق ناساً من المرتدين. لأنها تنص على أن حد المرتد القتل. والقتل إماتة بآلة، كالسيف، أو الرمح، أو الصخر أو الخشب، أو بالسم. في مقابل الحرق الذي هو إماتة بالنار، والصلب الذي هو إهلاك الشخص برفعه على خشبة الصليب([5]).

ونقول:
أولاً: إن الروايات غير متعارضة، لاختلاف موردها، لأن للارتداد مصاديق كثيرة، ومراتب متعددة، فالارتداد عن ملة أهون من الارتداد عن فطرة، كما أن الارتداد إلى الشرك أعظم من الارتداد إلى بعض الأديان السماوية كاليهودية والنصرانية. والحكم بكفر منكر الضروري ليس على حد كفر الشرك، أو الكفر بإنكار النبوة، والارتداد عن الإسلام إلى دين آخر.. وهكذا..

فلعل حكم من يؤله البشر من الغلاة هو الحرق، وكذا حكم من يعبد الصنم، أما حكم من يرتد إلى النصرانية، أو اليهودية فهو القتل بما هو أدنى من ذلك، كالقتل بالسيف مثلاً..

ثانياً: إن التفريق بين الحرق والقتل غير ظاهر الوجه، فإن القتل كما يكون بالحديد، والخشب والحجر، يكون بالخنق، والإغراق والإحرق بالنار. فلماذا فصل هذا الباحث بين موجبات إزهاق الروح بهذه الطريقة؟! ولماذا لا يكون الحكم هو مطلق القتل، ثم للإمام أن يختار كيفيته، بحسب ما يراه رادعاً للغير، ومناسباً لطبيعة الجرم، ومرتبته في القبح، أو في الفساد، أو الإفساد؟! تماماً كالذي يعمل عمل قوم لوط الحكم فيه هو التخيير بين الضرب بالسيف، والإلقاء من شاهق، والحرق بالنار..

والخلاصة:
إذا كان القتل هو الإماتة بآلة كما قال، فالآلة قد تكون خشباً، أو حديداً، أو سماً وقد تكون ناراً أيضاً. وما الدليل على استثناء هذه الآلة دون تلك.. مع احتمال أن يكون إجراء عقوبة الإحراق على مدعي ألوهية البشر، أو ألوهيته «عليه السلام» حقاً خاصاً بالإمام، ولا يحق لغير المعصوم إجراء عقوبة الإحراق بالنار في مثل هذا الذنب على أحد.

ثالثاً: إن الارتداد إلى اليهودية أو النصرانية، أو إلى الشرك وعبادة الأصنام كان متوقعاً، ولعله كان يحدث بين الحين والآخر، وإن كان قليلاً..

أما الارتداد بالغلو في أمير المؤمنين «عليه السلام» فكان قليلاً ونادراً، ولعله لم يحصل إلا بعد أن استخلف أمير المؤمنين «عليه السلام»، وظهرت عجائب أفعاله، وغرائب أقواله، وهو يصنع للناس الكرامات، والمعجزات، ويخبرهم بالمغيبات، ليثبت لهم إمامته الإلهية، فغلا بعضهم فيه.

وأما الغلو فيه «عليه السلام» في زمان الخلفاء، فإن كان قد حدث منه شيء، فإن علياً «عليه السلام» لم يكن هو المسؤول عن معاقبة فاعليه، بل كان مناوئوه هم المسؤولون عنه، المطالبون بمعالجته. ولعلهم كانوا لا يهتمون له. أو أنه لم يظهر لهم في عهدهم إلى حد يدعوهم إلى التصدي والمواجهة..

--------------

([1]) راجع: عبد الله بن سبأ (ط سنة 1427 هـ) ص2 ص194 ـ 196.

([2]) راجع: الكافي ج7 ص258 و 257 وتهذيب الأحكام ج10 ص138 و 139 والاستبصار ج4 ص254 و 255 والوافي ج9 ص70 ومن لا يحضره الفقيه ج3 ص91 و 548 والغارات ج1 ص230 و 231 ووسائل الشيعة (ط مؤسسة آل البيت)ج28 ص325 و (ط دار الإسلامية) ج18 ص545 وغوالي اللآلي ج3 ص495 والفصول المهمة للحر العاملي ج2 ص520 وصفين (ط مصر) ص43 وجامع أحاديث الشيعة ج26 ص15 .

([3]) الكافي ج7 ص256 وتهذيب الأحكام ج10 ص137 و 138 والإستبصار ج4 ص253 و 254 والوافي ج9 ص70 ووسائل الشيعة (ط مؤسسة آل البيت) ج28 ص331 ووسائل الشيعة (ط دار الإسلامية) ج18 ص550.

([4]) الكافي ج7 ص256 وتهذيب الأحكام ج10 ص139 والإستبصار ج4 ص254 والوافي ج9 ص70 وجامع أحاديث الشيعة ج26 ص20.

([5]) عبد الله بن سبأ (ط سنة 1427هـ) ج2 ص198.

خادم الزهراء 12-May-2010 04:33 PM

الكذب على أمير المؤمنين عليه السلام:

وروى الكشي عن ابن سنان، عن الإمام الصادق «عليه السلام» أنه قال: إنَّا أهل بيت صادقون، لا نخلو من كذاب يكذب علينا، فيسقط صدقنا بكذبه علينا عند الناس. كان رسول الله «صلى الله عليه وآله» أصدق البرية لهجة. وكان مسيلمة يكذب عليه..

وكان أمير المؤمنين «عليه السلام» أصدق من برأ الله بعد رسول الله «صلى الله عليه وآله»، وكان الذي يكذب عليه، ويعمل في تكذيب صدقه بما يفتري عليه من الكذب عبد الله بن سبأ لعنه الله، وكان أبو عبد الله الحسين بن علي «عليه السلام» قد ابتلي بالمختار إلخ..([1]).

وقد ناقش أحد الباحثين هذه الرواية بما حاصله: أن الإمام الحسين «عليه السلام» قد استشهد قبل أن يظهر المختار. فمتى ابتلي الحسين بالمختار؟!
وكيف يكون قتل المختار لقتلة الحسين «عليه السلام» ابتلاء للحسين؟!

وكيف يكون ذلك من المختار عملاً منه في تكذيب الحسين «عليه السلام»؟!

وهل وضع هذا الحديث انتصاراً لقتلة الحسين «عليه السلام»؟!

ثم كيف تكون عقيدة ابن سبأ في علي «عليه السلام» عملاً في تكذيب علي «عليه السلام»؟!

وهل روى أحد عن ابن سبأ: أن علياً «عليه السلام» أمر أحداً بأن يعبده؟! ليكون ذلك افتراء منه على علي «عليه السلام»([2]).

غير أننا نقول في جوابه:
أولاً: إن الكذب على النبي «صلى الله عليه وآله»، أو على الإمام لا يختص بمن يعاصر النبي «صلى الله عليه وآله» والإمام «عليه السلام»، فقد يكذب عليه في حال حياته، وبعد موته أو استشهاده «عليه السلام».

ثانياً: إن المختار كان معاصراً للإمام الحسين «عليه السلام»، فلا مانع من أن يبتلى به، قبل استشهاده، وبعده.. وربما يبتلى به قبل استشهاده، ثم يتوب بعد الاستشهاد، ولعل قضية المختار من هذا القبيل.

ثالثاً: ليس في الرواية أن ابتلاء الإمام الحسين بالمختار كان بنفس قتل المختار لقتلة الإمام الحسين «عليه السلام»، ولا دلالة فيها على أن أخذه بثاره من مفردات الكذب عليه..

رابعاً: إن الرواية لم تذكر أن عقيدة ابن سبأ من مفردات تكذيب أقوال علي «عليه السلام».. بل قالت: إنه كان يكذب على أمير المؤمنين «عليه السلام»، فلعله كان يكذب عليه في أمور أخرى غير غلوه فيه، وإن كانت أكاذيبه لم تصل إلينا..

وكذلك الحال بالنسبة للمختار، فلعله كان في حال حياة الإمام الحسين يكذب عليه ـ ولم تنقل تلك الأكاذيب إلينا ـ ولعله تاب عن ذلك بعد استشهاده «عليه السلام» كما قلنا.

خامساً: إن ما عاناه الرسول «صلى الله عليه وآله» والإمام علي والإمام الحسين «عليهم السلام» من الكذب عليهما في حياتهما من أناس آخرين يهون عنده ما ظهر من مسيلمة ومن عبد الله بن سبأ، ومن المختار، إن لم نقل: إن المختار قد أقحم لغاية في أنفسهم.

هذا إن لم نقل: إن الرواية يشتم منها رائحة الصناعة والوضع. وفي أحسن الأحوال: يحتمل صدور بعضها تقية. فضلاً عن أنه لا مصلحة لأعداء الإمام علي والإمام الحسين «عليهما السلام» في إخفاء ما كُذب به عليهما، بل الدواعي إلى نقله أكثر.


---------


([1]) رجال الكشي ص305 وراجع ص108 ومستدرك الوسائل ج9 ص90 وبحار الأنوار ج2 ص217 وج25 ص263 وجامع أحاديث الشيعة ج13 ص580 وإختيار معرفة الرجال ج2 ص593 والرسائل الرجالية للكلباسي ج3 ص289 وقاموس الرجال للتستري ج9 ص600.
([2]) راجع: عبد الله بن سبأ (ط سنة 1427 هـ) ج2 ص198 و 199.


الساعة الآن »03:24 PM.

المواضيع والمشاركات التي تطرح في منتديات موقع الميزان لا تعبر عن رأي المنتدى وإنما تعبر عن رأي كاتبيها فقط
إدارة موقع الميزان
Powered by vBulletin Copyright © 2017 vBulletin Solutions, Inc