منتديات موقع الميزان

منتديات موقع الميزان (http://www.mezan.net/vb/index.php)
-   ميزان المنبر الحر (http://www.mezan.net/vb/forumdisplay.php?f=199)
-   -   علم العرفان الباطل (http://www.mezan.net/vb/showthread.php?t=3053)

ابو صالح 29-Feb-2008 10:37 PM

علم العرفان الباطل
 
بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة والسلام على اشرف الخلق أجمعين سيدنا ونبينا وحبيب قلوبنا أبا القاسم محمد وآل بيته الطيبين الطاهرين

موضوعنا اليوم هو علم العرفان الباطل

قد يستغرب البعض لماذا أقول عن هذا العلم باطل ؟؟

ولعل البعض يستشكل علينا بهذه العبارة تحديدا بقولنا عن بطلان علم العرفان
ولكن لا تستعجل حتى تعرف الأسباب لتحدد صحة حديثي من عدمه

فكثير من الناس قد فهموا ان علم العرفان هو علم تحضير الأرواح
وبعضهم يظن انه علم معرفه المغيبات
وبعضهم يقولانه علم القوى وتسخير الجان للخدمة
وبعضهم يقول انه علم تحضير الملائكة واستنطاقهم
وبعضهم يقول ان علم العرفان هو علم الصيام الأربعيني عن كل ذي روح وما خرج من روح للحصول على خوارق الأمور
وبعضهم يقول ان علم العرفان هو تعلم اللغة السريانية التي ينسبونها للجان والملائكة لمصاحبتهم والاستفادة منهم

فاذا كان هذا هو مفهومكم لعلم العرفان فأعلم ان علم العرفان هذا علم باطل
فليس من حق احد منا تفسير هذا العلم على هواه
حتى أصبح الكثير من الناس كبارا وصغارا متعلمين وجهال وحتى بعض طلاب العلوم الدينية كذلك يقولون ان هذا العلم هو علم الصيام الأربعيني عن كل ذي روح وما خرج منها لاختراق الحجب ما بين العالم المادي وانسجامه مع عالم الأرواح للوصول للقوى الخارقة والمعلومات الغيبية المستقبلية

وسؤالنا هنا لكل صاحب عقل ... اذا كان ما كتبناه بالأعلى مفهومكم لعلم العرفان .. فما الفرق بين هذا العلم وعالم السحر والسحرة الذي يستعان بالجان فيه؟؟


يا صاحب العقل تمعن قليلا وانظر للأمور بعيون عقلك
فعلم العرفان يا سيدي هو علم معرفه الله تعالى وأسمائه وصفاته وتجلياته وهم العلم بحقائق الوجود من حيث رجوعها الى الله تعالى

علم العرفان يا سيدي هو علم معرفه الله سبحانه وتعالى من خلال السير الروحي المعنوي نحو الحق المطلق

علم العرفان ياسيدي هو علم معرفه الله سبحانه وتعالى من خلال السلوك الحسن والابتعاد عن كل قبيح وصولا الى المراحل والمنازل الكمالية وصولا بها الى درجات العشق الإلهي المطلق والفناء فيه
وكل ما ذكرت يا سيدي له عده مفاهيم وعده تفاسير
وسأوجز بعضها لنتعلم بعض حقائق هذا العلم من خلال تعريف مساراته وسيرة وسلوكه

لكي يحق لنا أن نتكلم عن العرفان الحقيقي العرفان السليم الخالي من شوائب ومتطلبات النفس والدنيا لابد لنا أن نستشهد بكلام أمير البلغاء وسيد العرفاء وإمام المتقين علي أمير المؤمنين عليه السلام فلقد تكلم عن العرفان على أنه علم معرفة الله وحبه والإخلاص له عن طريق الطاعة وحسن الخلق لا عن طريق الصوم لرؤية المغيبات أو استخدام الجن وغيره فتعالوا معي لنعرف الفرق بين علم العرفان الباطل وبين عرفان الحب والطاعة قال الإمام في نهج البلاغة:

(أول الدين معرفته وكمال معرفته التصديق به وكمال التصديق به توحيده وكمال توحيده الإخلاص له وكمال الإخلاص له نفي الصفات عنه )

شرح كلام الأمير عليه السلام يأخذ كتب لكننا نختصره في شرح مبسط لتعم الفائدة بإذن الله تعالى
يقول عليه السلام (أول الدين معرفته)
أي تكون بداية الطاعة معرفة الله تعالى
فمعرفة الله بالنسبة لنا تكون معرفة ناقصة وقد تكون تامة فالناقصة هي إدراك أن للعالم صانعا مدبرا
أما التامة فقال عنها الأمير عليه السلام ( وكمال معرفته التصديق به)أي الإذعان بوجوده ووجوبه
والتصديق بالله يكون إما ناقص أو تام , فالناقص التصديق به مع تجويز الشريك له (طاعة الشيطان والشهوات)

وأما التام فهو ( وكمال التصديق به توحيده ) أي الحكم بوحدانيته , وأنه لا شريك له في ذاته
والتوحيد أيضا يكون ناقص إذا حكمنا بوحدانيته مع عدم الإخلاص له
ويكون تاماً (وكمال توحيده الإخلاص له) أي جعله خالصاً عن النقايص (والنقص ككونه جسماً أو عرضاً أو غيره)

والإخلاص الناقص يكون أن يجعله خالصاً عن صفات النقصان مع إثبات صفات الكمال
أما الإخلاص الكامل ( وكمال الإخلاص له نفي الصفات عنه ) والمقصود بنفي الصفات وهي الصفات التي وجودها غير وجود الذات وحاشا لله أن تستقل صفاته عن ذاته فعلمه وإرادته وقدرته وحياته وسمعه وبصره كلها موجودة بوجود ذاته الأحدية
هل لاحظتم الفرق؟؟
نأتي الآن إلى آثار علم العرفان الباطل وعلم العرفان الحقيقي :
فعلم العرفان الباطل له آثار ونتائج وهي
رؤية المغيبات , إستخدام الجن , تسخير الملائكة وأشياء كثيرة تمليها عليهم حب الدنيا
أما آثار علم العرفان الحقيقي هي :
الحب والعشق الإلهي , التجليات والمكاشفات , العلم الفيضي اللدني
سأتكلم بإختصار عن آثار معرفة الله :
الحب والعشق الإلهي:
له مراتب كثيرة يكتسبها العارف بالتدريج منها
المحبة,العلاقة,الهوى,الصبوة,الصبابة,الشغف,المقة,ال وجد,الكلف,التتيم,العشق,الجوى,الدنف ,الشجو, الشوق....الخ
التجليات والمكاشفات :
هناك من سيستشكل علينا بهذه النقطة وسيقول أنها مثل رؤية المغيبات عند العرفان الباطل ونرد عليه
بأن رؤية المغيبات تكون بالقوة يأخذها الانسان عن طريق إستخدام الجن أو تسخير الملائكة لأنه يكون عنده علم يسخر فيه الملائكة ليأخذ منها ما يريد ( مثل لوي اليد ) عندما تلوي يد إنسان آخر تجعله يقول ما تريد منه بالقوة
لكن التجليات والمشاهدات فتأتي عن طريق جهاد النفس وتربيتها والسير في خط صحيح وسليم لنيل رضا الله تعالى فيكافئ رب العالمين هذا المجاهد بأن يعطيه شيء يشجعه به على إكمال المسيرة إليه
(والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين)
(فكشفنا عنك غطائك فبصرك اليوم حديد)

العلم اللدني أو الفيضي :
قال تعالى ( فوجدا عبداً من عبادنا آتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدنا علما)
العلم اللدني هو :
ما يحصل للعبد من غير واسطة بل إلهام من الله تعالى وتعريف منه لعبده كما حصل للخضر عليه السلام
فهو علم حضوري مقوَِّم للعصمة وهو فيض إلهامي على القلب والروح يعاين به القلب الحقيقة أو آثارها عياناً وكل هذا بإرادة الله تعالى.
ولعلم العرفان أسفار وقد عرف المحقق الشيخ كمال الدين عبد الرزاق الكاشي قدس سره السفر فقال:
هو توجه القلب إلى الحق تعالى
والأسفار أربعة هي :
الأول : من الخلق إلى الحق
الثاني: بالحق في الحق
الثالث: من الحق إلى الخلق بالحق
الرابع: في الخلق بالحق

فالهدف من العرفان هو الوصول ومعرفة الله تبارك وتعالى
ولتعرف الله تبارك وتعالى لابد أن يكون عندك يقين تام بالله عز وجل وأن تحسن الظن به لأن الله تعالى يقول ( أنا عند حسن ظن عبدي بي إن خيرا فخير وإن شرا فشر)وأمير المؤمنين عليه السلام يبين لنا هذه النقطة في دعاء كميل فيقول
(فهبني يا سيدي ومولاي وربي صبرت على عذابك فكيف أصبر على فراقك ) ثم ينتقل لمقام أعلى في المعرفة وحسن الظن بالله فيقول
( وهبني صبرت على حر نارك فكيف أصبر عن النظر إلى كرامتك )ثم ينتقل لمقام أعلى فيقول
( أم كيف أسكن في النار ورجائي عفوك)هنا يبين لنا أمير المؤمنين عليه السلام مدى ثقته بالله عز وجل وبعفوه وأن الله لم يخلقنا ليسكننا النار ويعلمنا كيف ندعم ثقتنا بالله برجاء عفوه وطلب نيله وكرامته

ونسألكم الدعاء

ونسأل الله ان يوفقنا واياكم جميعا لما يحبة ويرضاه

khadija 05-Mar-2008 09:05 PM

شكراً على الموضوع وأجمل ما فيه شرح كلام أمير المؤمنين عليه السلام
والباقي فيه تعقيد برأيي

عادل ابو المجد 19-Mar-2008 10:33 AM

الي المحترم ابي صالح
 
ان الموضوع المطروح يدل بوضوح انك قد عبرت بحورا من العلم ووصلت الي بحر الترف العلمي اللذي هو فاكهة موائد العلم وهو كما تعلم يخاطب الخواص وربما خواص الخواص ولانني اعتقد فلن انتقد وساطلب الزياده طمعا في الاستفاده
1) ما الفرق بين العلم والمعرفة
2)في ارض قومي (مصر) لايوجد باب اسمة علم العرفان ..اما علم واما معرفة بينما مصطلح علم العرفان فهو جديد تماما علي ولا ادعي الاحاطة بل ادلي بدلوي في بئر علمك لعلي احظي بالمزيد
3) ارجو القاء الضوء (من فضلك) علي شرح معني نفي الصفات وعلاقتها بمعرفة الحق
وفي الختام تقبل احترامي وتحياتي وتقديرى لفتحك ابواب حدائق فاكهة العلوم الغير ممنوعة ولا مقطوعة للجميع وليكن شعارنا ان الترف العلمي واضح الجدوي والسلام عليك وعلينا وعلي عباد اللة الصالحين عادل ابو المجد

خادم الزهراء 19-Mar-2008 11:55 AM

مدرسة الإمام الصادق ( عليه السلام ) العرفانية
 
اللهم صل على الزهراء وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها
اللهم واشفي قلب الزهراء صلوات الله عليها بظهور وليك الحجة بن الحسن صلوات الله عليه وعل آبائه الطيبين الطاهربن
واللعنة الدائمة على أعدائهم أجميعن إلى قيام يوم الدين

سلام على الموالين المدافعين عن النبي الأعظم واله والأطهار صلوات الله عليهم أجمعين

مدرسة الإمام الصادق ( عليه السلام ) العرفانية
منقول من موسوعة المصطفى والعترة (ع) - الحاج حسين الشاكري - ج 9 - ص 311-334


هناك كلمات أربعة يتداولها رجال العلم وأهل الثقافة ربما توقع بعض القراء الكرام في دائرة الوهم والإيهام ، فلا بد من رفع الستار ونفض الغبار عن جمالها لنصل إلى كمالها ونعرف مغزاها ومحتواها ، وهي عبارة عن العلم والفلسفة والعرفان والفن .

ويقال أينما وجدت الاثنينية والكثرة فلا بد مما به الامتياز ومما به الاشتراك ، فهذه الكلمات ومن ورائها شخصياتها الأربعة العالم والفيلسوف والعارف والفنان تشترك في كشف الحقائق والبحث عنها وتختلف وتمتاز بأن الفيلسوف يبذل ما في طاقته البشرية ليكشف الموجود بما هو موجود ويقف على الحقائق كما هي ، والعالم يسعى من أجل أن يعرف الحقيقة في عالم الجزئيات فحديثه عن الجزء والجزئيات بينما الفيلسوف عن الكل والكليات من طريق الرهان والاستدلال العقلي ، والعارف إنما يكشف الحقائق من خلال صيقله قلبه وتهذيب نفسه وبالكشف والشهود ، وأما الفنان فإنه يحاول أن يجسد الحقيقة تارة بريشته ولوحاته وأخرى بالتنحيت وثالثة بالقوافي والنثر ورابعة بالتمثيل فيتعلق غرضه بالمحسوسات لكنه بواسطة التجسيم والتجسيد وغيرهما .

وقيل : العلم الذي هو انطباع صورة الشيء في الذهن عبارة عن إدراك الكليات ، والعرفان عبارة عن إدراك الجزئيات ، وقيل : إن المعرفة تصور والعلم تصديق ، ولهذا يقال : كل عالم عارف وليس كل عارف عالم ، وقيل : من أدرك شيئا ونسيه وأدركه مرة أخرى ثانية وعلم أنه مدركه سابقا فهو عارف بخلاف العالم ولهذا لا يطلق على الله صفة العارف بخلاف العالم .

ويبدو أن الفلسفة لها معنى عام والعلم بالنسبة إليها له معنى خاص والمعرفة بالنسبة إلى العلم لها معنى أخص . هذا بالنسبة إلى العرفان المشتق من المعرفة في عالم اللغة ، وما علم العرفان المصطلح فهو عبارة عن كشف الحقائق الكونية وما وراء الطبيعة أي الميتافيزيقية من خلال صفاء القلب بعد صيقلته التامة حتى يكون كالمرآة الصافية فتنطبع فيها حقائق الكون الرحب في القلب المصفى والمتكامل .

فيصل العارف إلى مقام الكشف والشهود في معرفة حقائق الأشياء ، ولا يعير أهمية إلى ما عند الفلاسفة من الاستدلال والبرهان الإني واللمي ، وبهذا يمتاز العارف عن الفيلسوف .

ثم إن علم المعرفة باصطلاح اليوم عبارة عن ( إيديولوجي - أي علم العقيدة - ) والرؤية الكونية ، وأهم مباحث علم المعرفة هو معرفة الوجود ومعرفة الإنسان ومعرفة السبيل ، وهذه الثلاثة عبارة عن أصول الدين . وأما الرؤية الكونية فطرقها على ما ذكر تكون خمسة :

1 - النظرة الكونية العلمية .
2 - النظرة الكونية الفلسفية .
3 - النظرة الكونية العرفانية .
4 - النظرة الكونية الفنية .
5 - النظرة الكونية الدينية الجامعة لكل هذه النظرات .

فالمعرفة التامة والعرفان الصحيح هو الذي يجمع هذه الأصول والنظرات ، والعقيدة السليمة والدين الخالص ما كانت المعرفة صحيحة وتامة في إيديولوجيتها ونظراتها الكونية الخمسة .

والعلماء والمفكرون في العالم يرون أن المقاصد الرفيعة لحياة البشر قائمة على ثلاثة أركان : الحسن والصدق والجمال ، والفن من العوامل المهمة لرسم الجمال ، وبهذا يعتبر من الوسائل الراقية لتمدن البشر وتحضرهم وازدهارهم ويبقى الصدق والحسن في الفن حاكما ويفنى ما لا ينفع الناس وما لا أصالة له ( أما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض ) فالمجد والخلود للفن الذي يتبلور ويقوم على الصدق والحسن ، والفنان تتجلى في سلوكه وذوقه وأفكاره المعاني السامية ، فإن له جذور عميقة في وجوده تستسقى من الوجود المطلق ، فيجسم الحقائق النابعة في ضميره الحي ، ويكون الفن بذلك لسان الحقائق والعلم بصرها والفلسفة عقلها والعرفان قلبها . ومدرسة أهل البيت ( عليهم السلام ) ، لا سيما مدرسة الإمام الصادق ( عليه السلام ) قد أغنت البشرية في هذه المجالات والحقول الأربعة وغيرها مما تسعدها وتسوقها إلى قمم الكمال والسعادة والجلال وتقودها إلى ساحل السلام والهناء والحياة المجيدة . وإنما نجد حقائق الحقائق وجوهرية العلوم والفنون في مدرستهم العلياء وبيوتهم التي رفعها الله سبحانه .

وأما خبثاء العالم - ومع كل الأسف - قد سرقوا قداسة العلم لتنفيذ مآربهم بصنعهم القنابل المدمرة والأسلحة الفتاكة ، كما حرفوا الفن السليم عن مساره الصحيح وجعلوا الفنان أداة فساد في المجتمع عبر إخراج الأفلام الخلاعية والمسرحيات المستهجنة والأغاني الفاسدة والموسيقى المنحطة كما سرقت كلمة العرفان وأطلقت على أناس ربما خلت قلوبهم من المعرفة الصحيحة وهم الصوفية والدراوشة فإنهم سرقوا قداسة العرفان حتى اشتهر أعلامهم بالعرفاء وعندهم مباني ومصطلحات خاصة بهم ، كما عندهم طرق ومذاهب متعددة تزيد على المئتين وذلك باعتبار أنهم يقولون بالحقيقة والطريقة والشريعة .

على أن النبي الأكرم قال : الشريعة أقوالي والطريقة أفعالي والحقيقة أحوالي . ولا بد في الطريقية لكل من يدخل في طريقة أحدها من قطب عصره ومصره ، كما أن للأقطاب قطبا بمنزلة الرحى ، وهو قطب الأقطاب وهو ولي الله الأعظم في الأرض .

ومذهب أهل البيت ( عليهم السلام ) براء من الصوفية كما ورد ذلك في روايات عديدة .

إلا أن الأقوام الصوفية بطوائفها وشعبها وأقطابها - سواء السنة أو الشيعة - تحاول أن ترتبط مرامها وطريقتها بأهل البيت ( عليهم السلام ) لطهارتهم ونزاهتهم - كل يدعي الوصل بليلى ولكن ليلى لا تقر بذاكا - فالطرق السنية والشيعية في التصوف ينسبوها إلى الإمام الرضا ( عليه السلام ) من طريق المعروف الكرخي وأبي الصلت الهروي - ثم الإمام الرضا أخذ طريقته من أبيه - وهكذا إلى أن تنتهي الطرق كلها إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) فهو قطب الأقطاب بعد رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) .

ومن هذا المنطلق تجد بعض الصوفية يقول إن الإمام جعفر الصادق ( عليه السلام ) تعلم العرفان من أبيه الإمام الباقر ( عليه السلام ) وأخذه عنه ، وهم يعدونه حلقة هامة في سلسلة الصوفية والعرفان .

ومن هؤلاء الشيخ فريد الدين العطار النيسابوري صاحب كتاب " تذكرة الأولياء " ، وتجدر الإشارة هنا إلى أن العرفان بمدلوله الحالي وبالمعنى الذي نعرفه عنه لم يكن له وجود في القرن الأول الهجري .

فإن وجد آنذاك شيء من مبادئ هذا العلم ، فإن مدلوله يختلف عما هو عليه اليوم .

وليس ثمة ريب في أن التفكير العرفاني موجود لدى بعض علماء المسلمين ، دون أن يشتهر به أحد منهم .

ودون أن تعرف أي مدرسة من مدارس العرفان الموجودة في هذا العصر ، ولم نر من القادة أو المفكرين من تزعم مجموعة من المريدين أو سمى نفسه قطبا أو غوثا أو ما إلى ذلك .

ثم إن العرفان الصحيح والسليم ذات المنطق الرصين في الإسلام كان ينبوعا فياضا في الباطن والقلب ، ولم تكن بين العرفان والدراسات التقليدية علاقة ، ولم يكن المريد أو القطب يدرس ويعلم المريدين العرفان ، بل كان العرفان أسلوبا للحياة وطريقة للعمل الجاد في جو من الحب والعشق .

وكان العارف يقول : امح الأوراق إذا كنت تصحبنا في الدروس والرحيل ، لأن حديث الغرام والعشق غير موجود في الدفاتر.

ومنذ القرن الثاني للهجرة بدأ العرفاء والزهاد يتوزعون حول الأقطاب والمرشدين ، فأبدعوا وأسسوا مدارس ومذاهب تربو على المئتين عرفانية .

ويقول صاحب " تذكرة الأولياء " وهو من الكتب المشهورة في أحوال العرفاء والصوفية ، وقد جمع فيه مؤلفه الروايات الموثوق بها والضعيفة ، يقول : إن بايزيد البسطامي العارف الشهير كان من تلامذة جعفر الصادق ( عليه السلام ) ، أخذ عنه العرفان .

وساق الحديث على النحو التالي : إن بايزيد البسطامي ، بعد ما تعلم العلوم المتداولة ، اتجه إلى العرفان ، وطاف حول العالم بحثا عن العرفاء العظام ، وتحمل المشاق والحرمان ثلاثين سنة ، وحضر مجلس مائة وثلاثة عشر عارفا كان آخرهم الإمام الصادق ( عليه السلام ) .

وكان يحضر درسه كل يوم معدا نفسه للاغتراف من منهله ما أمكن ، فسأله الصادق يوما : ناولني الكتاب الذي في الرف فوق رأسك .

فسأل بايزيد : وأي رف هذا ؟ فقال له الصادق : تسألني عن الرف وأنت تحضر كل يوم هنا من زمن بعيد ؟ فقال بايزيد : إنني لم أشاهد غيرك هنا ، لأنني أتيت للقائك والاستماع إلى حديثك .

فقال له الصادق : يا بايزيد ، أنت كملت الدرس والحلقة ، فعد إلى بلادك وعلم الناس ما تعلمت .

فقام وعاد إلى بسطام في يومه . ولعل صاحب " تذكرة الأولياء " كان يعتقد بصحة هذا الحديث .

ولكنه لم يراع التسلسل الزمني وتتابع الحوادث ، ولولا ذلك لقلنا اختلق هذه الرواية أو أن غيره اختلقها ونقلها هو عنه ، لأن الإمام الصادق ( عليه السلام ) كان مشتغلا بالتعليم والتدريس في المدينة في النصف الأول من القرن الثاني ، وتوفي سنة 148 هجرية ، في حين إن بايزيد البسطامي كان يعيش في القرن الثالث وتوفي سنة 261 هجرية .

وقيل : إن مبادئ العرفان ومدارسه في القرن الثامن الهجري لم تكن تزيد على سلوك العارف وقوة تخيله وتأمله ، ومن هنا يمكن القول بأن جعفرا الصادق ( عليه السلام ) كان له خيال وتفكير عرفاني عميق ، وإذا كان من آثار العرفان على العارف تغيير أسلوب حياته والتأثير في خلقه وسلوكه وأدبه ، فلسنا نشك في أن الإمام جعفر الصادق ( عليه السلام ) كان بهذا رائدا وإماما للغير ، ولكن لا علاقة لهذا السلوك المعنوي بالعلوم التجريبية والمادية في الإسلام .

وكان الصادق ( عليه السلام ) أول عالم وخبير في العلوم التجريبية في الإسلام ، وهو أول عالم جمع بين النظرية العلمية والتجربة العملية ، ولم يكن يقبل أو يؤيد نظرية في الفيزياء أو الكيمياء إلا بعد التحقق منها بنفسه في التجربة العملية والاختبار ، وعالم كهذا ، لا يهتم بعلوم نظرية بحتة اهتمامه بالعلوم التجريبية .

وفي التأريخ الإسلامي إن الإمام الصادق ( عليه السلام ) كان أول عالم تحدث عن الفيزياء والكيمياء ، وهو في نفس الوقت يعد في طليعة العرفاء والزهاد .

حتى إن الإمام الزمخشري بعدما أثنى عليه في كتابه " ربيع الأبرار " ثناء كريما ، عده من طلائع العرفاء وزعمائهم .

وكان العطار النيسابوري صاحب " تذكرة الأولياء " يرى بدوره أن الصادق ( عليه السلام ) رائد للعرفاء ، ولكن شتان بين ما سجله الزمخشري وهو عالم مدقق ، وبين ما أورده العطار ، وهو صوفي جماعة ، يجمع بدافع من المحبة كل ما سمع وقرأ ، ومؤلفه يثبت أنه كان مغرما ومتيما بحب العرفاء والصوفية العظام ، فهو يكتب عنهم بعين الرضا والقبول ، وبالمغالاة أحيانا ، ولولا حبه هنا لما وقع في هفوات .

ويمكن القول إن القلم في يد الزمخشري يتحكم فيه العقل والدقة ، أما القلم في يد العطار فيتحكم فيه الحب والعشق ، وأيا كان الأمر ، فالصادق ( عليه السلام ) يعد في تأريخ العلوم الإسلامية من مؤسسي علم العرفان الواقعي .

ولا شك في أن دروسه في العرفان كان يحضرها عدد من غير المسلمين ، فقد قيل إن نفرا من الصابئة قرأوا عليه ، والصابئة بآرائهم الدينية هم وسط بين المسيحية واليهود ، وكانوا يعدون من الموحدين في الإسلام ، وكان بعضهم يتظاهر بالإسلام دفاعا عن النفس أو حرصا على المال ، وكان مركزهم ( حران ) غرب بلاد ما بين النهرين ( العراق ) ، وكان هذا المركز يسمى قديما عند الأوروبيين ب‍ ( كارة ) ، ومن عادات الصابئة تعميد الطفل بعد ولادته وتسميته .

جاء في دائرة المعارف الإسلامية : إن كلمة صابئي مأخوذة من صب الماء وغسله ، لأن الصابئة تغسل الطفل بعد الولادة بتعميده في الماء ، وكانت الصابئة تقول بنبوة يحيى المعمدان ( يوحنا ) بن زكريا .

ويقول العطار النيسابوري : إن أناسا من جميع القرى كانت تحضر درس الإمام الصادق ( عليه السلام ) وتنهل من معينه .

ويقول الشيخ أبو الحسن الخرقاني : إن المسلم والكافر استفاد كلاهما من فضل الصادق ( عليه السلام ) وعلمه .

ويقول بعض الكتاب : لا ندري هل كان تسامح الصادق ( عليه السلام ) مع غير المسلم راجعا إلى عرفانه وزهده ، أو إنه كان ينظر إلى الأمور بمنظار شامل ، وكان يريد الخير والعلم للجميع ولهذا فهو يسمح لمن حضر درسه بأن يستمع إليه ولو كان غير مسلم ، وفي دائرة المعارف الإسلامية إن هناك من يقول إن جابرا بن حيان - وهو من أشهر أصحاب الصادق ( عليه السلام ) - كان من الصابئة أيضا .

وكان الصابئة في درس الإمام مولعين بتحصيل العلم ، وكانوا يبذلون قصارى جهدهم لاستيعاب الدروس وفهمها ، وبهذا استطاعوا وضع أسس علمية ثقافية للصابئة ، وبمقارنة ثقافة الصابئة قبل عهد الصادق ( عليه السلام ) وبعده نرى فرقا شاسعا كالفرق بين النور والظلمة .

وكان الصابئة قبل الصادق ( عليه السلام ) فئة منطوية على نفسها ، لا يعرف عنها شيء كثير كما إنهم هم أنفسهم لم يكونوا يعرفون الكثير ولم يكن علمهم يتجاوز علم البدوي من العرب ، ولكن اشتهر بعد الصادق ( عليه السلام ) كثير منهم في ميادين الكيمياء والطب والنجوم ، وأصبحوا أمة ذات ثقافة وشهرة .

ويقع الباحث في دوريات المعارف والمعاجم على أسماء كثير منهم .

وإلى الصادق ( عليه السلام ) يعزى الفضل في أن الصابئة الغارقة في الجهل والحرمان قد أصبحت طائفة متقدمة متمدنة اشتهر كثير من أبنائها في ميادين العلوم المتباينة ، كما انتفع العالم بثقافتهم وعلمهم ، وبفضل إشعاع مدرسة الصادق ( عليه السلام ) - كما تشع الشمس على كل الناس - بقيت لهؤلاء القوم شخصيتهم الخاصة وكيانهم المستقل واشتهر بعضهم وذاع صيته ، وما زال البعض منهم يعيش في المنطقة نفسها ( حران ) ، وإن كان عددهم قد تواضع عما كان عليه قبلا .

وكما أسلفنا بيانه ، هناك إجماع بين الشيخ أبي الحسن الخرقاني والزمخشري والعطار النيسابوري على أن جعفرا الصادق ( عليه السلام ) هو قدوة العرفاء في التأريخ الإسلامي ، ولا غرو أن يذكروه بعظيم الإجلال والاحترام والود .

والخرقاني عالم معروف ومشهور من علماء التصوف والعرفان ، وقد تناول في مباحثه أصول العرفان في الهند والشرق قبل الإسلام ، ولكن غابت عنه معالم التصوف والعرفان في فارس قبل الإسلام إما لعدم إلمامه بمبادئ الزردشتية ، أو لعدم توافر المراجع والمؤلفات الزردشتية لديه .

وفي هذه الفترة ، أي في النصف الثاني من القرن الرابع والنصف الأول من القرن الخامس الهجريين ، كانت اللغة البهلوية شائعة في كل مكان ، وكان الخرقاني مطلعا على مبادئ اليهودية والمسيحية .

وبفضل البحوث التي أجرتها نخبة من المستشرقين الفرنسيين من القرن السابع عشر الميلادي وإلى يومنا هذا ، وبفضل النصوص الهندية القديمة التي ترجمت إلى اللغات الحية ، وأهمها كتاب " فيداس " المقدس ، هان علينا أن نعرف عمق الصلة بين ثقافة الهند القديمة وثقافة فارس القديمة ، كما عرفنا إن هذين البلدين كانا ينهلان من معين مشترك وإن التفكير الزرادشتي قد تأثر بالفكر الهندي ، ولا ريب في أن الزرادشتيين قد استفادوا في آراءهم العرفانية والصوفية من عرفان الهنود وتصوفهم وتأثروا بهما أكثر مما تأثروا أو استفادوا من أي مصدر آخر .

إن مذهب زردشت القائل هما مبدأ الخير ومبدأ الشر ، يختلف اختلافا جذريا عن الهندوكية القائلة بالتثليث ، فإن مذهب زردشت قد بنى تعاليمه على الثنائية ، وكان يدين بأن العالم مبني على الأضداد وإن لكل شيء قطبين هما القطب المثبت والقطب المنفي .

ولو أن الشيخ الخرقاني حالفه النجاح في التفرقة بين العرفان والتصوف في فارس والعرفان في مدرسة الإسكندرية ، لأدرك أن العرفان عند زردشت نابع من ثنائية التفكير ، في حين إن العرفان الذي أرسى الصادق ( عليه السلام ) معالمه وأوضح سبله في مدرسته هو عرفان توحيدي لا أثر للثنائية ولا للتثليث فيه ، فعرفان الصادق ( عليه السلام ) هو أسمى ما وصل إليه الفكر البشري لبلوغ الصفاء والتكامل النفسي والروحي ؛ لأنه عرفان إلهي نبوي علوي .

وكان مذهبه من السمو والرفعة بحيث تقاصر عن فهمه وتحليله وتبنيه كثير من الناس سواء في عصره أو في العصور التي تلته عندما تشعب العرفان وأصبحت له مدارس وفرق متعددة .

تميز عرفان الصادق ( عليه السلام ) عند ظهوره بالتوحيد ، وسيظل هذا ديدنه نابذا الثنائية والتثليث ، تاركا الغلو والسرف في تعريف صفات الخالق أو المخلوق كما حدث للعرفان الإسلامي أحيانا في أدوار متأخرة ، كما ينفي وحدة الوجود المتاه الذي وقع فيه كثير من الصوفية والعرفاء .

وسنرى في ما بعد أن الغلو قد دفع ببعض المشايخ والعرفاء إلى الانحراف ، ففاه بعضهم بعبارات وأقوال انبعث منها الشرك والكفر ، حتى انفض عنهم كثير من أنصارهم وأتباعهم ، أو هم قد وقعوا في شطحات وطامات كبرى انتهت ببعضهم إلى القول : " سبحاني سبحاني ما أعظم شأني ، ليس في جبتي سوى الله " ، ولهذا رأينا أن العلامة الزمخشري ينفر منهم وينتقدهم - أي الطبقة المغالية - ولكن عرفان الصادق ( عليه السلام ) كان بعيدا عن المبالغات والترهات ، وكان مبنيا على أساس توحيدي في تنزيه الخالق عن صفات المخلوق ، والمخلوق عن الخالق ، ولهذا تبعته الشيعة بأسرها وكثير من أهل السنة أيضا .

يرتكز العرفان عند الصادق ( عليه السلام ) على التوكل على الله تعالى وتنفيذ أحكامه وأوامره ، والامتثال لنواهيه دون إهمال شؤون الدنيا أو تركها لئلا تضطرب الحياة اليومية وتفقد صفاءها وسعادتها ، فهو لا يوصي بترك الدنيا للوصول إلى السعادة بل يرى أن السعادة هي في التوكل على الله والتقوى ، وتقبل حظوظ الدنيا المشروعة .

فليس منا من ترك دنياه لآخرته وآخرته لدنياه ، بل كما جاء في كتاب الله الكريم ( ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار ) .

وليس في عرفان الصادق ( عليه السلام ) كلام عن وصول العارف إلى الله وهو التفكير الأساسي الذي دان به كثير من الصوفية والعرفاء في القرون التي تعاقبت بعد عصر الصادق ( عليه السلام ) ، فالوصول إلى الله عند الصادق ( عليه السلام ) يطابق تماما ما صوره القرآن الكريم ، أي إن الإنسان هو صنيع الله ومخلوقه وهو منه وإليه يرجع .

وليس معنى هذا إن الإنسان يلتحق بالذات الإلهية ويصبح جزءا منها ، ولكن معناه أن الإنسان مخلوق ومصنوع ويظل هذا وضعه دائما ويستحيل عليه أن يكون خالقا ، ومتى مات رجع إلى الله وبرجوعه إليه تعالى يكون شديد القرب من الخالق ، فإنا لله وإنا إليه راجعون ، وإنك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه .

على إن التفكير العرفاني انجرف عن هذا الاتجاه بعد الصادق ( عليه السلام ) ، وفسر العرفاء الآية القرآنية ( إنا لله وإنا إليه راجعون ) بمعنى أن الإنسان سيلحق بربه بعد موته ، وقالوا : لا يلحق الإنسان به سبحانه وتعالى في حياته ! وانطلقوا من هذه العقيدة يقولون إن الإنسان في مذهبهم يلتحق بعد موته بالقدرة الأزلية الأبدية ، فيبقى حيا ، ويشاهد الأمور الجارية في الدنيا ، ويرى أهله وأصحابه ، وتكون له قدرة على مساعدتهم في حل مشكلاتهم .

هذا ولا يقتصر الاعتقاد بحياة الإنسان بعد الموت على المسلمين وحدهم ، وإنما ذهبت إلى هذا الاعتقاد الأديان السابقة على الإسلام .

وإذا استثنينا المانوية والباطنية ، لم نجد في الأديان القديمة كلها ما يقول بعدم وجود حياة بعد الموت ، فحتى الأديان الهندية والبوذية التي تحرق جسد الميت ، تؤمن بأن هناك عالما آخر بعد الموت سيبقى فيه الإنسان حيا .

أما المانوية والباطنية فلا تؤمنان بيوم المعاد على هذه الصورة ، وإن كان دعاة الباطنية تبينوا بعد وفاة الحسن الصباح أن الإيمان بالمعاد وفكرة العقاب يلعبان دورا كبيرا في نهي الإنسان عن ارتكاب المعصية وإتيان السيء من الأعمال ، وعلى هذا شرعوا ينادون بصورة ما من صور يوم المعاد .

وفي بعض الأديان الأخرى كالأديان التي كانت في مصر القديمة ، ارتبطت فكرة الثواب والعقاب بحياة الإنسان في هذا العالم ، أي إن الإنسان بمجرد موته يكون قد نال ثوابه أو عقابه .

ولكن من عقائد بعض الأديان الأخرى أن الثواب والعقاب يجيئان بعد الموت بفترة ، فيجوز إذن القول بأن فكرة المعاد واردة على نحو أو آخر في معظم الأديان باعتبارها عنصرا أساسيا فعالا في نهي الإنسان عن الخطأ أو اقتراف المعاصي وفي القيام بدور الوازع الداخلي الأمين الذي يكبح جماح الإنسان .

وللدكتور ( لأي وينك أستون ) ، الذي كان أول من اكتشف منابع النيل في أفريقيا السوداء في القرن التاسع عشر ، مذكرات نفيسة عن رحلاته في أواسط أفريقيا ، وقد أهداها إلى الجمعية الجغرافية الملكية البريطانية ، وقد ذكر إستون في هذه المذكرات أنه لاحظ طوال مدة إقامته بين مختلف القبائل الإفريقية أن هذه القبائل تؤمن بحياة أجدادها ، وفي رأي بعضها إن الآباء المتوفين يتمتعون بمقدرة خاصة في التأثير في حياة الأحياء من الأبناء وسواهم ، كما لاحظ أن السحرة في أفريقيا كانوا يصورون لأهل الميت صورة واضحة لتفكيره وإرادته .

وذهب البعض إلى القول بأن عقيدة المعاد أو الحياة بعد الموت هي من العقائد الفطرية لدى البشر ، وإنها وجدت مع الإنسان من أقدم العصور وفي جميع الأديان السماوية .

صحيح إن هذه العقيدة ليست من أصول البيولوجيا أو وظائف الأعضاء كالجوع أو العطش ، فيحس بها الإنسان بحكم طبيعته المادية ، ولكنها قد لازمت المجتمع الإنساني عامة في أدواره المختلفة حتى ليمكن القول بأن الفكرة لم تنفصل عن الإنسان الاجتماعي ، فإن فقدها إنسان كان كمن فقد الحياة في المجتمع البشري بغض النظر عن مستواه .

وتستند فكرة المعاد عند جميع المذاهب إلى الاعتقاد بأن هناك حياة ثنائية بعد الموت ، وقد لعبت هذه العقيدة الفطرية دورا هاما في نفس الإنسان فكانت وازعا داخليا أو شرطيا سريا ينهاه عن اقتراف السيئات .

كان السارق في مصر القديمة يعاقب حسب القوانين السارية ، أما في العالم الغربي ، أي العالم الثاني ، فكان يبقى في الظلام دون أن يستضيء بنور الشمس أو بالمصابيح .

وعند زردشت إن الإنسان في عالم الآخرة يمر على جسر ( جنوند ) ( Chanvand ) ، فإن كان مرتكبا للمعاصي في هذه الدنيا ، تعذر عليه اجتياز الجسر وسقط .

ثم إن المدارس العرفانية في الشرق استفادت من عقيدة المعاد عند المسلمين فأوجدت هذه العقيدة أرضية صالحة للتربية النفسية عند العرفاء ، لأن الحياة الأفضل بعد الموت تتوقف على مسيرة الإنسان في هذه الدنيا .

بل إن العرفاء من نهاية القرن الثاني الهجري تجاوزوا هذا الحد ، وذهبوا إلى القول بأن في وسع الإنسان بسلوكه وعرفانه أن يصل إلى أعلى المراتب والدرجات في هذه الدنيا ، وكانت الفكرة قائمة على فكرة المعاد ، إذ أن من رأيهم أن الموت هو مجرد تغيير للمجلس ، إن الحياة مستمرة بعد الموت ، فإذا كانت الحياة مستمرة ، فلم لا يرتقي الإنسان إلى أعلى مراتب الكمال والوجود في هذه الدنيا ، مترقبا بلوغ هذه المراتب بعد الموت ؟ فأصبح الهدف الأساسي عند كثير من العرفاء هو الوصول إلى الملكوت الأعلى أو إلى المراتب الإلهية ، أو إن شئت فقل المكانة الإلهية .

ولكن الصادق ( عليه السلام ) لم يقل إن الإنسان سيصل إلى مرتبة الإله في هذه الدنيا أو في غيرها ، وكان في تفكيره هذا مستندا إلى أصلين : أولهما : الاعتقاد بحياة الإنسان بعد الموت . ثانيهما : اشتراك الوجود لا وحدة الوجود .

ونظرية وحدة الوجود التي تعتبر أهم عنصر وأقوى أساس يستند إليه التفكير العرفاني والصوفي ، لها جذورها في الشرق ، وتنبع من عرفان الهند وفارس ، ومنهما انتقلت إلى أوروبا بعدئذ ، ولكن جعفرا الصادق ( عليه السلام ) لم يقل بوحدة الوجود أبدا ، وكان يرى أن الإنسان المخلوق ، هو شيء ، والخالق ( الله سبحانه ) شيء آخر .

أما القائلون بوحدة الوجود فلم يعينوا حدا فاصلا بين وجود الإنسان وغيره من الموجودات وبين وجود الله ، وفي زعمهم أن الوجود يشبه الشمس التي أطلقت ضوءها من خلال زجاج ملون فانعكس بألوان شتى ، فلئن اختلفت ألوان ضوء الشمس ، فكلها صادرة من منبع واحد ، وفي زعمهم أيضا أن الموت لا يعدو أن يكون رجعة إلى الأصل ، كماء المطر أو قطر الندى إذ يلتحق بالبحر ، وهو منه .

وفي ختام هذا البحث نقدم نماذج من أحاديث الإمام الصادق ( عليه السلام ) العرفانية للاستدلال على وحدانية تفكيره ( عليه السلام ) العرفاني وعمق أصالة العبودية للواحد القهار سبحانه وتعالى .

هذا يسير من كثير ومن يرد المزيد فليراجع بحار الأنوار ، الجزءين 67 و 75 ، وكتاب مصباح الشريعة المنسوب إلى أحاديث الإمام الصادق ( عليه السلام ) .

قال الإمام الصادق ( عليه السلام ) لأبان بن تغلب : يا أبان ، إذا قدمت الكوفة فارو هذا الحديث : من شهد أن لا إله إلا الله مخلصا وجبت له الجنة .

قال : قلت له : إنه يأتيني كل صنف من الأصناف فأروي لهم هذا الحديث ؟ قال : نعم يا أبان ، إنه إذا كان يوم القيامة وجمع الله الأولين والآخرين فيسلب منهم لا إله إلا الله إلا من كان على هذا الأمر .

قال الصادق ( عليه السلام ) : العارف شخصه مع الخلق وقلبه مع الله ، ولو سها قلبه عن الله طرفة عين لمات شوقا إليه ، والعارف أمين ودائع الله وكنز أسراره ومعدن نوره ودليل رحمته على خلقه ومطية علومه وميزان فضله وعدله قد غنى عن الخلق والمراد والدنيا فلا مؤنس له سوى الله ولا نطق ولا إشارة ولا نفس إلا بالله ولله ومن الله ومع الله فهو في رياض قدسه متردد ومن لطائف فضله إليه متزود والمعرفة أصل فرعه الإيمان .

قال ( عليه السلام ) لحفص : يا حفص ، ما منزلة الدنيا من نفسي إلا بمنزلة الميتة إذا اضطررت إليها أكلت منها ، يا حفص : إن الله تبارك وتعالى علم ما العباد عاملون وإلى ما هم صائرون ، فحلم عنهم عند أعمالهم السيئة لعلمه السابق فيهم ، فلا يغرنك حسن الطلب ممن لا يخاف الفوت ثم تلا قوله ( تلك الدار الآخرة . . . ) إلى آخر الآية ، وجعل يبكي ويقول : ذهب والله الأماني عند هذه الآية .

ثم قال : فازوا والله الأبرار ، أتدري من هم ؟ هم الذين لا يؤذون الذر ، كفى بخشية الله علما ، وكفى بالاغترار بالله جهلا ، يا حفص ، إنه يغفر للجاهل سبعون ذنبا قبل أن يغفر للعالم ذنب واحد ، ومن تعلم وعلم وعمل بما علم دعي في ملكوت السماوات عظيما ، فقيل : تعلم لله وعمل لله وعلم لله .

قلت : جعلت فداك ، فما حد الزهد في الدنيا ء فقال : فقد حد الله في كتابه فقال عز وجل : ( لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم ) إن أعلم الناس بالله أخوفهم لله وأخوفهم له أعلمهم به وأعلمهم به أزهدهم فيها ، فقال له رجل : يا ابن رسول الله أوصني ، فقال : اتق الله حيث كنت فإنك لا تستوحش .

وقال ( عليه السلام ) : عليكم بتقوى الله والورع والاجتهاد وصدق الحديث وأداء الأمانة وحسن الخلق وحسن الجوار وكونوا دعاة إلى أنفسكم بغير ألسنتكم وكونوا زينا ولا تكونوا شينا ، وعليكم بطول السجود والركوع ؛ فإن أحدكم إذا أطال الركوع يهتف إبليس من خلفه وقال : يا ويلتاه أطاعوا وعصيت وسجدوا وأبيت .

وقال ( عليه السلام ) : أفضل الوصايا وألزمها أن لا تنسى ربك وأن تذكره دائما ولا تعصيه ، وتعبده قاعدا وقائما ، ولا تغتر بنعمته واشكره أبدا ولا تخرج من تحت أستار عظمته وجلاله فتضل وتقع في ميدان الهلاك ، وإن مسك البلاء والضر وأحرقتك نيران المحن واعلم أن بلاياه محشوة بكراماته الأبدية ومحنة مورثة رضاه وقربه ولو بعد حين ، فيا لها من مغنم لمن علم ووفق لذلك .

وقال لسفيان الثوري لما دخل عليه : يا سفيان ، إنك رجل يطلبك السلطان وأنا أتقي السلطان قم فأخرج غير مطرود ، فقال سفيان : حدثني حتى أسمع وأقوم .

فقال جعفر ( عليه السلام ) : حدثني أبي عن جدي : أن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) قال : من أنعم الله عليه نعمة فليحمد الله ، ومن استبطأ الرزق فليستغفر الله ، ومن أحزنه أمر فليقل لا حول ولا قوة إلا بالله .

فلما قام سفيان قال جعفر ( عليه السلام ) : خذها يا سفيان ثلاثا وأي ثلاث .

وفي رسالة أبي عبد الله الإمام الصادق ( عليه السلام ) لأصحابه جاء فيها : بسم الله الرحمن الرحيم ، أما بعد فاسألوا الله ربكم العافية ، وعليكم بالدعة والوقار والسكينة ، وعليكم بالحياء والتنزه عما تنزه عنه الصالحون . . .

مصباح الشريعة : قال الإمام الصادق ( عليه السلام ) : نجوى العارفين تدور على ثلاثة أصول : الخوف ، والرجاء ، والحب .

فالخوف فرع العلم ، والرجاء فرع اليقين ، والحب فرع المعرفة .

فدليل الخوف الهرب ، ودليل الرجاء الطلب ، ودليل الحب إيثار المحبوب على ما سواه .

وإذا تحقق العلم في الصدر خاف [ فإذا كثر المرء من المعرفة خاف ] وإذا صح الخوف هرب ، وإذا هرب نجا . وإذا أشرف نور اليقين في القلب شاهد الفضل ، وإذا تمكن من رؤية الفضل رجا ، وإذا وجد حلاوة الرجاء طلب ، وإذا وفق للطلب وجد .

وإذا تجلى ضياء المعرفة في الفؤاد هاج ريح المحبة ، وإذا هاج ريح المحبة استأنس ظلال المحبوب وآثر المحبوب على ما سواه باشر أوامره واجتنب نواهيه واختارهما على كل شيء غيرهما . وإذا استقام على بساط الأنس بالمحبوب مع أداء أوامره واجتناب نواهيه وصل إلى روح المناجاة والقرب ومثال هذه الأصول الثلاثة ، كالحرم والمسجد والكعبة ، فمن دخل الحرم أمن من الخلق ، ومن دخل المسجد أمنت جوارحه أن يستعملها في المعصية ، ومن دخل الكعبة أمن قلبه من أن يشغله لغير ذكر الله . فانظر أيها المؤمن فإن كانت حالتك حالة ترضاها لحلول الموت ، فاشكر الله على توفيقه وعصمته ، وإن تكن الأخرى فانتقل عنها بصحة العزيمة ، والذم على ما سلف من عمرك في الغفلة ، واستعن بالله على تطهير الظاهر من الذنوب ، وتنظيف من العيوب ، واقطع زيادة الغفلة عن نفسك ، واطف نار الشهوة من نفسك .

الكفاية : قال الإمام الصادق ( عليه السلام ) : إن أولي الألباب الذين عملوا بالفكرة ، حتى ورثوا منه حب الله ، فإن حب الله إذا ورثه القلب واستضاء به أسرع إليه اللطف ، فإذا نزل اللطف صار من أهل الفوائد ، فإذا صار من أهل الفوائد تكلم بالحكمة [ وإذا تكلم بالحكمة ] صار صاحب فطنة ، فإذا نزل منزلة الفطنة عمل في القدرة ، فإذا عمل في القدرة عرف الأطباق السبعة ، فإذا بلغ هذه المنزلة صار يتقلب في فكر بلطف وحكمة وبيان ، فإذا بلغ هذه المنزلة جعل شهوته ومحبته في خالقه ، فإذا فعل ذلك نزل المنزلة الكبرى فعاين ربه في قلبه ، وورث الحكمة بغير ما ورثه الحكماء ، وورث العلم بغير ما ورثه العلماء ، وورث الصدق بغير ما ورثه الصديقون .

إن الحكماء ورثوا الحكمة بالصمت ، وإن العلماء ورثوا العلم بالطلب ، وإن الصديقين ورثوا الصدق بالخشوع وطول العبادة ، فمن أخذه بهذه السيرة إما أن يسفل وإما أن يرفع ، وأكثرهم الذي يسفل ولا يرفع ، إذا لم يرع حق الله ولم يعمل بما أمر به ، فهذه صفة من لم يعرف الله حق معرفته ولم يحبه حق محبته ، فلا يغرنك صلاتهم وصيامهم ورواياتهم وعلومهم فإنهم حمر مستنفرة .

جامع الأخبار : قال الإمام الصادق ( عليه السلام ) : القلب حرم الله ، فلا تسكن حرم الله غير الله .

الكافي : قال أبو عبد الله ( عليه السلام ) : إنما خلد أهل النار في النار لأن نياتهم كانت في الدنيا أن لو خلدوا فيها يعصون الله أبدا ، وإنما خلد أهل الجنة في الجنة لأن نياتهم كانت في الدنيا أن لو بقوا فيها أن يطيعوا الله أبدا ، فبالنيات خلد هؤلاء ، وهؤلاء ، ثم تلا قوله تعالى : ( قل كل يعمل على شاكلته ) قال : على نيته .

الكافي : إن العبد المؤمن الفقير ليقول : يا رب ارزقني حتى أفعل كذا وكذا من البر ووجوه الخير ، فإن علم الله عز وجل ذلك منه بصدق نية كتب الله من الأجر مثل ما كتب له لو عمله ، إن الله واسع عليم .

علل الشرائع : عن هشام بن سالم ، قال : سمعت أبا عبد الله ( عليه السلام ) يقول لحمران : يا حمران ، انظر إلى من هو دونك ، ولا تنظر إلى من هو فوقك في القدرة ، فإن ذلك أقنع لك بما قسم لك ، وأحرى أن تستوجب الزيادة من ربك ، واعلم أن العمل الدائم القليل على اليقين أفضل عند الله من العمل الكثير على غير يقين ، واعلم أنه لا ورع أنفع من تجنب محارم الله والكف عن أذى المؤمنين واغتيابهم ، ولا عيش أهنأ من حسن الخلق ، ولا أنفع من القنوع باليسير المجزي ، ولا جهل أضر من العجب .

الخصال : قال أبو عبد الله ( عليه السلام ) : ليس للبحر جار ، ولا للملك صديق ، ولا للعافية ثمن ، وكم من منعم عليه وهو لا يعلم .

الخصال : قال أبو عبد الله ( عليه السلام ) : خمس من خمسة محال : النصيحة من حاسد محال ، والشفقة من عدو محال ، والحرمة من الفاسق محال ، والوفاء من المرأة محال ، والهيبة من الفقير محال .

المصدر : رفعه إلى الصادق ( عليه السلام ) أنه قال : خمس هن كما أقول : ليست لبخيل راحة ، ولا لحسود لذة ، ولا للملوك وفاء ، ولا للكتاب مروة ، ولا يسود سفيه .

المصدر نفسه : عن أبي شعيب يرفعه إلى أبي عبد الله الصادق ( عليه السلام ) ، قال : أورع الناس من وقف عند الشبهة ، أعبد الناس من أقام الفرائض ، أزهد الناس من ترك الحرام ، أشد الناس اجتهادا من ترك الذنوب .

اللهم اجعلنا من شيعة الزهراء وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها ولا تفرق بيننا وبينهم في الدنيا والآخرة

عادل ابو المجد 19-Mar-2008 05:47 PM

ليس للملوك وفاء ام ليس للملول وفاء حسب الطبعة اللتي عندي وشكرا

الحاج ابو احمد 22-Mar-2008 07:46 PM

المختصر المفيد
 
هذا كلام جميل قليل بل نادر جدا من يحياه خاصه هذه الايام والدليل ان من يكون هكذا حاله لابد ان يحبى من الحبوات فالمكسو بين العرايا ظاهر أما الحديث عن الشمس بين العميان فان الاعشى يكشفه فما بالك بالبصير0
فقصه الاعمى الذى قابل اعمى فساله الاول هل ترى شيئا؟ فاجابه انه اعمى 0 فقال له اذا ساخبرك عما ارى
فليس كل من تحدث عن الجن والملائكه صادق لانه لم يرهم احد ممن تحدثه 0
كما ان هذه العلوم التى تحدثت عنها علوم وهب وليست علوم كشف وليس كل من طلبها وجدها وان جد فى الطلب 0 وكفايه عليك كده

عادل ابو المجد 23-Mar-2008 08:41 AM

الي ابو احمد
 
احلي ما في مشاركتك يا ابا احمد ان دمها خفيف للغاية واوعي تظن انها ملغوزه او مش مفهومة بل هي اوضح من الشمس للبصير في كبد النهار ونهارك عسل وزي الفل لانني اظنك بلدياتي يا عم الحاج


الساعة الآن »08:54 PM.

المواضيع والمشاركات التي تطرح في منتديات موقع الميزان لا تعبر عن رأي المنتدى وإنما تعبر عن رأي كاتبيها فقط
إدارة موقع الميزان
Powered by vBulletin Copyright © 2017 vBulletin Solutions, Inc