منتديات موقع الميزان - عرض مشاركة واحدة - نظرية الصادق (عليه السلام) بشأن البيئة
عرض مشاركة واحدة

صدّيقة
مشرف سابق
رقم العضوية : 4229
الإنتساب : Mar 2009
المشاركات : 279
بمعدل : 0.05 يوميا
النقاط : 208
المستوى : صدّيقة is on a distinguished road

صدّيقة غير متواجد حالياً عرض البوم صور صدّيقة



  مشاركة رقم : 3  
كاتب الموضوع : صدّيقة المنتدى : ميزان الثقلين القرآن الكريم والعترة الطاهرة عليهم السلام
افتراضي
قديم بتاريخ : 12-Oct-2009 الساعة : 06:51 PM

اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم


لقد انتبه إنسان اليوم إلى خطورة التلوث على البيئة، سواء أكان موضعه الأرض أو المياه في البحار أو الأنهار، ولكن عبقرية الإمام الصادق () هدته قبل ألف ومائتي عام إلى خطورة هذا التلوث، فنصح القوم بألا يعمدوا إلى تلويث الوسط الذي يعيش فيه الناس، أي تلويث البيئة بلغة هذا العصر. ومن عجب أن الآريين القدامى فطنوا إلى أهمية اجتناب تلويث الأرض والماء في وقت لم تكن لديهم فيه مصانع أو معامل، فكيف تنبهوا إلى هذا الأمر، ومن أين جاءتهم الفكرة؟

يذهب بعض علماء الاجتماع إلى أن الثقافة التي تحصلت للبشرية هي تراث لمدينة عظيمة قديمة كانت على وجه الأرض ثمَّ تدهورت لأسباب شتى، وإن الإنسان قد اكتسب الشيء الكثير من هذا التراث الحضاري، ومن جملته اهتمامه بالأرض والهواء وحرصه على عدم تلويثهما.

وقد اهتمت الشعوب الآرية، التي يسميها الأوروبيون بالشعوب الهنديةـ الأوروبية، بالمحافظة على البيئة واجتناب كل ما يلوثها منذ زمن بعيد.

ويقول الباحث الفرنسي (ماريجان موله) أن الشعوب الهندية الأوروبية هي أول الشعوب التي قامت بمد مجاري الفضلات تحت الأرض حرصا على عدم تلويث سطحها، وحدا بهم وسواسهم من تلويث الأرض إلى الامتناع عن دفن الموتى فيها، وإحراق جثثهم في مكان ناء عن العمران، أو وضع موتاهم في مكان مرتفع على الجبال أو التلال أو فوق جدران يبنونها، وتركها إلى أن تجف فلا يبق منها إلا العظام التي توضع بعد ذلك في كهف أو غرفة.

ولم يعرف دفن الموتى عند الشعوب الآرية إلا في فترات تاريخية متأخرة محاكاة لأقوام أخرى(2)، وبصورة خاصة في أزمنة الحروب أو عند ظهور الأوبئة المعدية.

وعندما غزا الاسكندر المقدوني الهند، رأى أن الهنود يحرقون أجساد القتلى، فدهش من هذا التصرف واستفسر منهم عن أسبابه، ثم كتب بذلك تقريرا إلى أستاذه أرسطو، فأصبحت رسالته وثيقة تاريخية هامة تصور عادات الهند وتقاليدها في الحرص على طهارة الأرض ونقائها. ومما جاء في هذه الرسالة قوله: (سألت الهنود: لم تحرقون جثث الموتى ولا تدفنونها؟

فأجابوا: إذا دفناها، تلوثت الأرض، وهو ما يتعارض مع تقاليد ديننا. ثم سألتهم: إذا كان الموتى يلوثون الأرض، فلم دفنتم جثث الجنود وأحرقتم جثث الضباط.

فأجابوا: إن أجساد الجنود لا تنجس الأرض، على النقيض من جثث الضباط والأمراء التي تنجسها بشدة).

وأضاف الاسكندر إلى هذا قوله في الوثيقة عينها: (أحسست بأنهم إذا دفنوا الضباط والأمراء، لم يؤدوا التكريم والاحترام بالقدر الكافي والمناسب).

وقد اهتم أرسطو بهذه الرسالة اهتماما جعله يدرجها في كتابه (الاورغانون)، وهو الكتاب الذي تناول فيه مسائل المنطق، والذي تسائل فيه في معرض الحديث عن الموت عما إذا كان من الأفضل إحراق جثث الموتى كما يفعل الهنود.

ولقد كان من ديدن الشعوب الهندية الأوروبية أن تحرص على عدم تلويث البيئة في وقت لم تكن قضية البيئة قد أصبحت الشغل الشاغل لدول العالم جميعا، ولم يكن تعداد سكان أي مدينة في العالم يزيد على مائة ألف نسمة. ولئن لم تتوافر لدينا أي معلومات وافية عن عدد سكان مجن فارس والهند في القديم، فقد سجلت لنل كتب التاريخ أن مدينة منف. وهي العاصمة المصرية القديمة قبل الميلاد بألفي عام كان عدد سكانها مائة ألف، وكان عمر هذه المدينة وقتئذ ألف سنة.

ويقول الصينيون إن مدينة بكين كان يسكنها في عام (2000ق م) ألفين قبل الميلاد خمسمائة ألف نسمة، ولكن هذا القول يفتقر إلى أي سند تاريخي، وليس في تاريخ الصين آثار تدل على صحته، وطبيعي أن هذا الرقم على فرض صحته لا يعد شيئا بالقياس إلى عدد السكان في عواصم العالم ومدنه الكبيرة اليوم.

وأياً كان الأمر، فإن الفيلسوف الأخلاقي الصيني الشهير (كونفوشيوس) قد أمر إتباعه بالنظافة وعدم تلويث البيئة، وكنفوشيوس قد ولد في عام 551 وتوفي في عام 479 قبل الميلاد، وكانت الشعوب الهنديةـ الأوروبية قد عاشت قبله بمئات من الحقب، بل بآلاف منها. ولبس من المعروف على وجه اليقين متى بدأت هجرة الشعوب الآرية إلى الشرق، فمن المؤرخين من يقول إن هجرتهم بدأت قبل الميلاد بثلاثة آلاف سنة، ومنهم من يقول إنها بدأت قبله ألفين من السنين، ولكن هذه القديرات من الحدس أو التخمين، والفرق بينها لا يتجاوز خمسين سنة أو مائة.

ومهما يكن الأمر، فعندما أسدى كونفوشيوس نصائحه ومواعظه تلك لأتباعه، كان قد مر على استيطان الشعوب الهنديةـ الأوروبية في هذه الهضبة وقت طويل، ولا يستبعد أن يكون الزعيم الديني، الذي عاش عمره بين الشعوب الآريية. قد تعلم منها ونقل من تقاليدها احترامها للأرض والبيئة وحرصها على العيش في وسط طاهر غير نجيس.

ولم تصبح قضية منع التلوث ـكما ذكرناـ قضية عالمية إلا بعد الحرب العالمية الثانية، وهي اليوم قضية تستأثر بعناية الدول والهيئات الدولية باعتبارها قضية ملحة لا تقبل الإرجاء والتأجيل.
المصدر:كتاب الامام الصادق كما عرفه علماء الغرب مترجم الى اللغة العربية من قبل الدكتور نور الدين ال علي

رد مع اقتباس