نزول القرآن على سبعة أحرف:
بقي أن نشير إلى أن رواية «الجزيرة الخضراء» قد ذكرت: أن القرآن قد نزل على سبعة أحرف وأن النبي

بعد حجة الوداع قد قرأ القرآن من أوله إلى آخره، فكان كلما مر بموضع فيه اختلاف بيّنه له جبرائيل (

)، وأمير المؤمنين (

) يكتب ذلك في درج من أدم، وذلك بحضور جماعة منهم الحسن والحسين، وابن مسعود، والخدري، وأبي، وحذيفة، وجابر، وحسان بن ثابت، ثم تقول الرواية:
فالجميع قراءة أمير المؤمنين، ووصي رسول رب العالمين.
ونقول:
أولاً: لماذا كان ذلك سبباً في أن تكون القراءة لأمير المؤمنين (

) ولا تكون للنبي

نفسه، أو لجبرائيل، أو لأي من جماعة الصحابة، الذين شهدوا، وحضروا، ونظروا؟!.
ثانياً: لقد أثبتنا في كتابنا «حقائق هامة حول القرآن الكريم» في فصل مستقل بطلان حديث نزول القرآن على سبعة أحرف. وقلنا ـ: إنه قد نزل على حرف واحد، من عند الواحد. فليراجع ما كتبناه هناك.
ثالثاً: إنه يظهر من رواية «الجزيرة الخضراء»: أن السبب في كون القراءات سبعاً هو الاختلاف الذي كان يبيّنه جبرائيل (

)، ويكتبه علي صلوات الله وسلامه عليه.
ومع تحفظنا على دعوى: أن القراءات سبع فهي ـ كما يدعون ـ عشرة، أو حتى أكثر من ذلك بكثير، كما ذكره المؤلفون في هذا الفن. ومع أننا قد فندنا الدعاوى التي تقول: إن هذه القراءات توقيفية، فإننا نقول:
إن ذلك الاختلاف الذي كان يبينه جبرائيل، إن كان هو الذي يتعلق بأوائل السور، وأواخرها، وشأن نزولها ـ كما ربما يظهر من الرواية ـ فأين هي القراءات السبع إذن.
فإن هذه الأمور لا ربط لها بالقراءات، ولا هي من مواردها، لتكون موضع اختلاف وبيان.
وإن كان الاختلاف في الآيات نفسها زيادة ونقيصة، وغير ذلك مما يذكرونه.
فهو وإن كنا قد أثبتنا بطلانه أيضاً
(1).
إلا أن الذي يلاحظ الرواية المتقدمة يجد فيها: أن جبرائيل قد صرح بأن مهمته إنما هي بيان أوائل السور، وأواخرها، وشأن نزولها، لا أكثر.
إلا أن يكون جبرائيل (

) قد وجد النبي

يخطىء في القراءة في بعض الموارد فكان يصحح له الخطأ، فيكتب أمير المؤمنين (

)، ويشهد أولئك الحاضرون!!.
وهذا القول يعتبر إهانة لمقام النبوة الأقدس، نعوذ بالله من الخذلان والزلل، في القول والعمل.
ورابعاً: نقول:
1 ـ إننا لا نستطيع أن نتحمل توجيه الإهانة إلى الرسول الأكرم، واتهامه بأنه كان يجهل أوائل السور، وأواخرها، وشأن نزولها.
مع أنهم يقولون: إن الصحابة كانوا يعرفون ذلك، حيث إنهم كانوا إذا نزلت {بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} يعرفون ختم السورة، وابتداء غيرها .
2 ـ أضف إلى ذلك: أن النبي

كان باستمرار، وعلى مدى السنوات التي عاشها فيما بينهم كرسول، يذكر لهم فضائل السور، ويسميها بأسمائها، التي كانت متداولة منذئذ، وحتى يومنا هذا.
ولم يذكر لنا التاريخ: أنهم اختلفوا في عهده

في هذا الأمر، ولا أن النبي

قد تردد في شيء من ذلك، لا قبل حجة الوداع، ولا بعدها.
3 ـ وعدا عن ذلك كله، فهل معرفة أوائل السور، وأواخرها، وشأن نزولها يحتاج إلى قراءة القرآن كله على جبرائيل؟ ألم يكن يكفي: أن يعين له ذلك في كل مورد بخصوصه، ثم ينتقل إلى المورد الآخر ليعينه في مورده أيضاً؟.
أم أن القرآن كان مشوشاً أو مختلطاً بعضه ببعض؟ وإذا كان كذلك فماذا كان دور كتاب الوحي الذين كانوا عنده

.
---
(1) راجع كتابنا حقائق هامة حول القرآن.
يتبع>>>