منتديات موقع الميزان - عرض مشاركة واحدة - شيء عن الحب .
الموضوع: شيء عن الحب .
عرض مشاركة واحدة

صفوان بيضون
أديب وشاعر
رقم العضوية : 6568
الإنتساب : Oct 2009
الدولة : دمشق العقيلة
المشاركات : 964
بمعدل : 0.17 يوميا
النقاط : 227
المستوى : صفوان بيضون is on a distinguished road

صفوان بيضون غير متواجد حالياً عرض البوم صور صفوان بيضون



  مشاركة رقم : 1  
المنتدى : ميزان المنبر الحر
افتراضي شيء عن الحب .
قديم بتاريخ : 27-Nov-2009 الساعة : 06:39 PM

اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم


كل عام وأنتم ألف خير .
أحببت أن أقدم للأخوة والأخوات بمناسبة العيد موضوعاً مختلفاً ، أرجو أن ينال الإعجاب .

شيء عن الحب


ينقسم الحديث إلى مسارين : مسار رومانسي ، ومسار واقعي ، ويجب أن نبني حاجزاً فاصلاً واضحاً بين الحب والشهوة ، فالغريزة لها طرق لإشباعها ، وهي تشبع بحب ودونه ، أما الحب فهو حالة وجدانية تتخطى كل الأطر المرسومة ، وهي قد لا تجد وسيلة لإظهارها أو التعبير عنها ، ولذلك عجزت كل القواميس عن تعريف هذين الحرفين ...
أساس العلة في الحب هو الوقوع على الصورة الحسنة ، فالنفس تولع بكل شيء حسن ، وتميل إلى التصاوير المتقنة ، فإن رأت بعضه تمسكت به ، فإذا عاينت بعد ذلك شيئاً من أشكال التوافق معها تابعت الاتصال وصح أن نسميها حباً حقيقياً ، وإن لم تعاين شيئاً من التوافق الروحي ، لم تتجاوز في حبها الصورة فقط ، وتلك هي الشهوة ... ( القول لابن حزم ) .
أول الحب الإعجاب ، فمن غير المعقول أن تحب شيئاً لا يعجبك ، وآخره الهيام ، وبينهما تندرج حالات الحب : من هوى : ( الاشتهاء ) ، فعلاقة : ( ميل القلب إلى المحبوب ، وهي من التعلق ) ، فكلف: ( الحب الشديد والتولع بالشيء ، والولع : الحب والتعلق الشديد ) .... ثم يبتدىء العشق ، وهو مرتبة تفضل عن الحب ، فالشغف : ( وصول الحب إلى شغاف القلب ، أي غلافه ) ، فالجوى : ( إصابة القلب بالحرقة من شدة العشق أو الحزن ) ، فالتتيم أو التيم : ( أن يصبح المحب ذليلاً وعبداً للحبيب وفيها فساد للعقل أو ذهابه ) ، فالتبتل أو التبل : ( السقم من الحب وذهاب العقل منه ) ، فالتدله : ( ذهاب القلب من الهم وسهوه مع ضعف النفس من العشق ) ، فالهيام : ( حيث يهيم المحب على وجهه في الأرض ) ، لايعرف وجهة أو مقصداً ( بالعامية يضوع ) . وهناك مراتب أو أوصاف للحب كالوجد : المحبة ، والمودة : عين الحب ، والغرام : الحب المعذب للقلب ......
تحكم العلاقة بين المحب وحبيبه قوانين عديدة منها :
أولا : من أحب شيئاً أكثر من ذكره :
يلهج المحب دائما بذكر محبوبه ، فهو يراه في ليله ونهاره ، ويحمل صورته معه أينما حل وارتحل ..
إن الرجل المحب للمال نراه يقيّم الأمور وفقاً للمعيار النقدي ، ويناقش الحوادث بميزانه التجاري ، لا يضع في حساباته سوى مقادير الصرف ومقادير ما يجني ، وبالنهاية رصيده من الدنانير والليرات ، وإذا أراد التفاخر تفاخر بأملاكه وسياراته ودوره وأراضيه وتجاراته ، وإذا اشتكى فمن الركود والكساد وارتفاع الأسعار . والشخص المحب للجاه نراه يحب الجلوس في صدر المجالس ، ويحب أن يلفت أنظار الناس إليه ، أينما حل وأينما ذهب ، ثم هو يفضل حضور محافل الأغنياء وأصحاب الجاهات ولو كانت فيها معصية لله ، على حضوره محافل البسطاء ، وهو إن تكلم تحدث عن نسبه وأهله وأعماله وإنجازاته ومدح الناس له ...
أما الرجل المحب للنساء فنراه يذكر محاسن هند ، ومغامراته مع ليلى ، وموعده مع سعاد ، وهو يبذر جهده وأوقاته وأمواله في سبيل إرضاء تلك أو وصال هذي ، يقول كونفوشيوس : ما أقدس الرجال لو كان حبهم الله يعادل حبهم للمرأة ...إن الحبيب يشكل هاجساً ملحاً على قلب المحب وعقله ، فإن إدعى البعض محبتهم لشيء أو عدم محبتهم لشيء آخر فإن تصرفاتهم وردود أفعالهم وتكريس أوقاتهم لذلك الشيء أو عدم تكريسها يكشف بالنتيجة وجود المحبة ومقدارها أو عدم وجودها ...
ثانياً : يقول الشاعر الألماني غوته : إننا نكون على شكل حبنا ومثاله .
ذكر لبقراط أن أحداً من أهل النقصان يحبه ، فما اغتم لذلك ، فسئل عن السبب فقال : ما أحبني إلا وقد وافقته في بعض أخلاقه ... هذا القول يعطينا المؤشر أو الميزان الصحيح لماهية حبنا ، هل هو متخيل أو هو مصطنع ؟ إذا كنا نحب الجمال ، أو نحب الرقة ، أو نحب الصفاء ، أو نحب الحنان ، او نحب القوة ، أو نحب التمرد ، او نحب اللذة ، أو نحب العنفوان ، أو نحب أي عنوان محدد ، لنا في وجوده تأكيد لوجودنا ، ولنا في مثاله تأكيد لمثلنا ...
هنا تأتي في سياق هذا المضمون قضية العفة : إذ لا يمكن أن بفكر المحب في إيذاء حبيبه إذا كان يحمل في نفسه مشاعر الشهامة والرفعة والسمو والمروءة ...
والحديث الشريف يقول : سبعة يظلهم الله يوم لا ظل إلا ظله : ... رجل دعته امرأة ذات حسب وجمال فقال إني أخاف الله ... ويقول رسول الله (ص) : من أحب فعف فكتم فمات مات شهيداً ...
ثالثاً : هوى كل نفس حيث حل حبيبها :
هذا المظهر من مظاهر الحب يتعلق بالمكان والزمان والطبائع ، إذا حلّ الحبيب في حلب فالمحب يهوى حلبَ ، وإذا انتقل إلى البحر فهو يهوى البحر ، وإذا أحب الشتاء أحب الشتاء ، وإذا أحب الحامض أحب الحامض ، وإذا أحب الشعر أحبه أيضاً ، وإذا أحب ! أحب ! ... سلسلة لا تنتهي .
وقد تصل إلى درجة أنه يهوى الأرض التي يمشي عليها حبيبه ، وإذا مات الحبيب ودفن ، فهو يهوى المكان الذي دفن فيه ... ومنه الوقوف على الأطلال ، يقول عنترة : يادار عبلة بالجواء تكلمي وعمي صباحاً دار عبلة واسلمي .....
رابعاً : تقول الأم تيريزا : لو أحب الشيطان لتلاشى الشر من نفسه .
أساس المحبة الفضيلة والخير ، فالشر والحب لا يلتقيان ، وزعيم الشر الشيطان وكل ما يأتي منه ومن خلاله لبس حباً ، فهو يبغض الجميع ولا يحب إلا نفسه ..
في هذا الحيز تتجلى قضية العصمة ، يقول السيد الطباطبائي متكلماً عن عصمة سيدنا يوسف: إن القلوب المملوءة بحب الله لا يمكن أن يدخلها الشيطان أبداً ...
خامساً : يقول رسول الله (ص) : من أحب شيئاً حشر معه ...
هذا القانون الإلهي يعطينا نتيجة الحب من المنطلق الاسلامي ، فقبل أن تقع في الحب أو أثناءه فكر في النتيجة وإلى أين ستصل من خلال حبك : إذا أحببت المال تحشر معه ، وإذا أحببت العلم فمع العلم إن كان مفيداً فمع الفائدة وإن كان مضراً فمع الضرر ، وإذا أحببت المرأة الفاضلة فمعها ، وإذا كانت فاجرة فمعها أيضاً ، وإذا أحببت أهلك ووالديك فصلة رحم والجنة تحت أقدام الأمهات ، وإذا أحببت آل البيت فمعهم في عليين ، وإذا أحببت أعداءهم ففي الدرك الأسفل ، وإذا أحببت الله فجنات عدن ، وإذا أحببت الشيطان وأفعاله ففي سقر وساءت مستقراً ..
قال رسول الله (ص) : الحسن والحسين إبناي ، من أحبهما وعمل صالحاً كان معي في الجنة ، فالمرؤ مع من يحب " .
أسمى أنواع الحب :
من خلال القوانين السابقة نرى أن الحب لايقتصر على المحسوس ، فأسمى أنواع الحب العرفان ، وهو حب إلهي تنتفي منه كل مظاهر المادة لتنغمس الروح كلفاً وتيماً بذات الله العلوية ، والعلاقة العرفانية متبادلة بين الله ومحبيه ، فمن الله الرحمة ومن محبيه الطاعة والعبادة ..
قال الله تعالى : ( إن الله يحب المتقين ، والمتطهرين ، والمحسنين ، والتوابين .... ) .
يقول الشاعر إيليا أبو ماضي :
إن نفساً لم يشرق الحب فيها هي نفس لم تدر معناها
إنما بالحب قد وصلت إلى نفسي وبالحب قد عرفت الله
وضمن هذا الحيز يأتي مفهوم الحب في الله : يقول رسول الله في الحديث السابق : ورجلان تحابا في الله اجتمعا على ذلك وتفرقا ....
محبة آل البيت أسمى مظاهر الحب البشري :
من مظاهر الحب السامي : حب الأم لأبنائها ، وحب الإنسان لوالديه وإخوته وأقربائه ، وحبه لأصدقائه وجيرانه ووطنه ، وحبه لفعل الخير ، وحبه للفضائل والمثل العليا ،لكن أسمى تلك المظاهر هو حب آل البيت (ع) ، فمن أحبهم أكثر من ذكرهم والصلاة عليهم ، ومن أحبهم سعى أن يتخلق بأخلاقهم ( كونوا زيناً لنا ولا تكونوا شيناً علينا ) ، ومن أحبهم أحب المنازل التي نزلوها والأضرحة التي
دفنوا فيها وسعى إلى زيارتها ، وأحب من أحبوه ، وأحب من أحبهم ، ومن أحبهم ما كان ليسمح للشيطان أن يدخل قلبه بل عانده ودافعه ، ومن أحبهم كان جزاؤه أن يحشر معهم بإذن الله ...
قال رسول الله (ص) : أحبوا الله لما يحبوكم من نعمة ، وأحبوني لحب الله ، وأحبوا آل بيتي لحبي .
وقال أيضاً : لو ان عبداً عبد الله بين الصفا والمروة ألف عام ثم ألف عام حتى يصير كالشنن البالي - أي الجلد اليابس - ثم لم يدرك محبتنا أكبه الله على منخريه في النار ..
قيل لأبي عبد الله الصادق (ع) : جعلت فداك إنما نسمى بأسمائكم وأسماء آبائكم فينفعنا ذلك ؟ فقال : إي والله وهل الدين إلا الحب ؟...
ما هو الحب ؟
ما يعرفه القلب عن الحب لا يعرف بألفاظ ، ولكن بأسرار ، فضمة القلب لمحبة الحبيب إحساس لا يستعار من صدر آخر ، ومهما حاولنا فك الرموز والبحث عن خفايا الأسرار نظل عاجزين عن تفسير الحب .
وما الحب إلا تعلق النفس بالنفس التي لا يملؤها غيرها بالإحساس ، وما هو الحب إلا إشراق النور الذي فيه قوة الحياة ، وهل في ذهب الدنيا وملك الدنيا ، ما يشتري الأسرار والإحساس وذلك النور ، فما هو الحب إلا الحب ...
نظرية الأكر ..
يقول إبن حزم الأندلسي : الحب اتصال بين أجزاء النفوس المقسومة في هذه الخليقة في أصل عنصرها الرفيع .
حيث قال الفلاسفة القدماء بأن الآرواح أكر مقسومة ، إذا تلاقت تجاذبت وعادت إلى هيأتها الأولية ... ويقول : الحب أوله هزل وآخره جد ، دقت معانيه لجلالتها عن أن توصف ، فلا تدرك حقيقتها إلا بالمعاناة ، وليس بمنكر في الديانة ولا بمحظور في الشريعة ، إذ القلوب بيد الله ..
قال رسول الله (ص) : الارواح جنود مجندة ما تعارف منها ائتلف ، وما تناكر منها اختلف .
هل نحب أم لا ؟
الإجابة صعبة إن لم تكن مستحيلة ، لكن ليس هناك مانع من ذلك ، إنما بالحدود الاسلامية والأخلاقية ، إنما هو جوهر الحب ليس فساداً ولا مسلكاً سيئاً ولا فعلاً مشيناً ، لكن إذا وضع في الإطار الصحيح ، وخير إطار له هو التحكم والوازع الأخلاقي ، فكل شطط يؤدي إلى الحرام ، وكل توجيه معقلن يمنع من التدهور والندم ...... قال رسول الله (ص) : حبك للشيء يعمي ويصم ....
صفوان لبيب بيضون


رد مع اقتباس