المعترضون.. ودوافعهم:
وإذا أردنا أن ندرس واقع الذين يثيرون الانتقادات على هذه المراسم، فسوف نخرج بحقيقة: أن من ينتقدونها، ويشنِّعون عليها، تختلف دوافعهم، وأغراضهم من ذلك..
فهناك من لمس وجود خلل في فهم هذه المراسم لدى فريق من الناس الغرباء عن الدين، وخاف أن يؤثر ذلك صدوداً منهم عن الحق، وعناداً في قبول حقائقه..
فأراد أن يحتفظ بفرصة تمكن من فتح قلوبهم على الهدى وعقولهم، على الحق..
فهذا النوع من أهل الغيرة على الدين، لا بد أن يشكر على هذا الوعي، وعلى تلك الغيرة.. مع لفت نظره إلى أننا نوافقه على ذلك من حيث المبدأ، غير أننا نقول: إن ما يفكر به، وإن كان صحيحاً في بعض الموارد، ولكنه لا يمكن تعميمه لكل زمان ومكان..
وهناك من يرفض كل مظاهر الحزن في عاشوراء، انطلاقاً من هوىً مذهبي، أو تعصباً لرأي، أو لجهة يرى أن عليه أن يمنع من إفشاء ما يرتبط بها من حقائق تدينها، أو تقلل من احترام الناس لها..
وهناك فريق ثالث يهاجم مظاهر الحزن في عاشوراء، سعياً منه إلى تشكيك الناس بدينهم، وإضعاف حالة الاندفاع نحو الإلتزام بأحكامه. وإسقاط محله في نفوسهم، وإبعادهم عن حالة التعبد والانقياد، والتقديس لمقدساتهم..
وقد يكون الرفض من البعض بسبب أنه يرى: أن مظاهر الحزن على الحسين [
]، تنتج فكراً يضر بمصالحه، وتربي مشاعر، وتثير وجداناً، وتعمق وعياً، لا يؤمن به، ويلزم نفسه برفضه، وبمحاربته، ووأده في مهده.
ولا يقتصر نشاط هذا النوع من الناس، على محاربة عاشوراء والإمام الحسين [
]، بل هم أيضاً يحاولون السخرية بمن يصلي، وبمنيلتزم بالزكاة، ويهزأون أيضاً بأحكام الحج ومناسكه، وبالطواف حول البيت، ورجم الجمار، وذبح الأضاحي. و.. و.. الخ..
بل هناك من حاول المنع من تعليم بعض سور القرآن التي تتحدث عن اليهود، وهناك من حرفوا بعض آيات القرآن النازلة في بني إسرائيل واليهود.
وهناك أناس تحدث القرآن لنا عن سخريتهم بالأنبياء، وذكر لنا كيف أن الأنبياء قد واجهوا السخرية بمثلها، في قوله تعالى فيما حكاه عن نبيه نوح [عليه وعلى نبينا وآله الصلاة والسلام]: {إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ}سورة هود /38.
إنهم يرون أن حربهم هذه، قادرة على التأثير في إسقاط إرادتنا،وإضعاف صلابتنا خصوصاً حين يتهموننا بالجهل، والخرافية، والسقوط، والتخلف، والقسوة، و..و..
وأخيراً، فإن هناك من يهاجم، ويدين، وينتقد، ولكن بحسن نية، وسلامة طوية، دون أن يعرف حقيقة الأمر، ودون أن يقف على موارده ومصادره، فهو واقع تحت تأثير أعلام هؤلاء وأولئك، يظن صحة ما قالوه، فيبادر ـ مخلصاً ـ إلى المطالبة بتصحيح ما يراه خطأ خطيراً، أو الخروج مما يراه مأزقاً كبيراً..