منتديات موقع الميزان - عرض مشاركة واحدة - ظاهرة انتشار التشيع (دراسة معمقة)
عرض مشاركة واحدة

صفوان بيضون
أديب وشاعر
رقم العضوية : 6568
الإنتساب : Oct 2009
الدولة : دمشق العقيلة
المشاركات : 964
بمعدل : 0.17 يوميا
النقاط : 227
المستوى : صفوان بيضون is on a distinguished road

صفوان بيضون غير متواجد حالياً عرض البوم صور صفوان بيضون



  مشاركة رقم : 37  
كاتب الموضوع : صفوان بيضون المنتدى : صفوان بيضون
افتراضي ظاهرة انتشار التشيع (34)
قديم بتاريخ : 10-Apr-2010 الساعة : 05:14 PM

اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم


ظاهرة انتشار التشيع


الحلقة (34)

السبب (22)

من بركات السجون العربية


السجن ليس عنصراً مباشراً لهداية البشر ولكنه موقع لإعادة الحسابات وترميم الأوضاع الشخصية و الاجتماعية ، وهو موقع تتلاقح فيه الأفكار وتتنوع فيه التوجهات ، وتتوسع فيه الحوارات .
وبما أنّ الأنظمة العربية أنظمة قمعية فاسدة ، فسجونها تمتلئ بالشرفاء ، والمطالبين بحقوق الناس المسلوبة والمنهوبة ، أو المنادين بتطبيق قيم الدين المغصوبة ، وهذه الأنظمة كسابقتها من بني أمية وبني العباس تعتقل الإنسان بالتهمة و الظنة ، فالسجن العربي كبير وزنزاناته على طول اثنين وعشرين دولة . وتضم طوامير الحاكم العربي ، أعداداً كبيرة من المظلومين والمحرومين ، رموهم بتهم سياسية واهية وعذبوهم حتى تعب الجلادون ، وبقوا في السجون دون محاكمات .
وفي مقابل ليالي السجون العربية تجد ليالي الحاكم العربي حمراء أو سوداء ، في الأولى يمارس عهره وفجوره ، وفي الثانية يترك العنان لسياط جلاديه و جلاوزته للتعذيب والتنكيل ، وكلما انقضى يوم من عذاب الشعوب انقضى يوم من رفاه الطغاة ، حتى يفضون إلى يوم يخسر فيه المبطلون [1] .
وقد تكون الفائدة الوحيدة في هذه السجون العربية أن نزلاءها يتداولون المطارحات الفكرية والمذهبية فتكون مقدمة هداية لطلاب الحق في هذه الحياة ، وللتحول المذهبي باتجاه مذهب أهل البيت (ع) .
وهنا يكون المنقذ هو الفكر الروحاني بمناجاة أو دعاء يربط المظلوم بخالقه ، ويحقر في نفسه الدنيا وحكامها ، ليستيقن أنّ من هوان الدنيا على الله أن يحكمها فجرة العرب وعهرتها وأبناء البغايا والزنادقة ، وتطمئن نفسه بقراءة الآيتين الكريمتين : ( وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُو خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئًا وَهُو شَرٌّ لَّكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ) [2] ، و( فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا) [3].
لقد انفتح بعض المؤمنين على بوابة التشيع وآل البيت وهو في السجون العربية ، والجزائر العزيزة أحدها ، واهتدى في ظلمة السجن ببركة بعض المؤمنين إلى النور المحمدي ومذهب الحق .
وكذلك في سجون مصر حيث تتصارع فيها التيارات السنية وتكفر بعضها بعضاً ، وانتهت ببعض العقلاء فيها إلى ضرورة وجود مذهب حق أكرم وأعظم من هذه المذاهب .
ومن بين قصص الهداية في السجن هذه القصة التي حدثت في الجزائر زمن المجازر ، قال صاحبها إن لديه ابن خالة كان مجرماً وأصبح سلفياً إرهابيا خطيراً ، على حد تعبيره ، ومر السلفي على ابن خالته في محله وبعد عشر دقائق أحاطت الشرطة السرية بالمحل واعتقلت الإثنين ، وبقي صاحب المحل سنتين في سجن السركاجي في الجزائر العاصمة دون محاكمة ، وهناك التقى بأحد السجناء ووصفه بأنه نحيف الجسم نوراني الوجه وصاحب فصاحة وشجاعة ، عليه سيماء الصالحين ، وصاحب خلق ورجولة ، كثير العبادة والدعاء ليلا وكان كلما استيقظ رآه في حالة من العبادة والخشوع ، وكان كثير الحوار مع السلفيين ، وحينما يفحمهم يكتفون إما بالصمت وإما بالصراخ واتهامه بالكذب ويحلف بعضهم أن لا يتكلم معه وبعضهم يهدده وبعضهم يشتمه !
لقد بدا طريق الهداية من سجن السركاجي بعد حوارات مع هذا العابد النوراني ، وبعد السجن بدأ البحث والتدقيق حتى استبصر ، وأعلن تشيعه أمام أهله بكل فخر واعتزاز ، فقال له والده : يا بني ألا يكفي من الدماء التي تسيل يومياً حتى تعتنق مذهباً يأمرك بضرب رأسك حتى تسيل الدم عندنا في البيت ، يبدو أن السجن أفسدك ! فرد الإبن شبهة والده حول التطبير وبيّن له أنها مسألة عرفية في كيفية العزاء لا أكثر ، وعلمه التفريق بين الواجبات والعقائد وبين الأعراف والعادات ، ثم شرح لوالده مظلومية الإمام الحسين (ع) وأنه ذبح و أولاده و أصحابه يوم عاشوراء وسبيت نساؤهم بنات رسول الله (ص) ، وما أكمل حديثه حتى قال الوالد باللهجة المحلية الجزائرية و من هؤلاء (الكلاب) الذين فعلوا هذا به ؟! فقال الابن : هم الذين أنت على مذهبهم مع الأسف !
و هذه قصة و عبرة ، فلم يكن يعرف الأب تاريخه ، و لا تاريخ سبط رسوله ، و لا مظلومية أهل بيت نبيه ، و عندما عرف جانبا من ذلك رمى أعدائهم بهذا اللفظ ، الذي يعني احتجاجه أشد الاحتجاج من أعداء قتلة أهل بيت نبيه ، و هذا ما يخشاه الظالمون السائرون على نهج أسلافهم الأمويين و هو : إخفاء الحقائق التاريخية عن الأمة لتبقى جاهلة لا تتطور و لا تتغير، و لم يكن يعرف أبنه هذا التاريخ في مدارس بلده أو جامعاته أو صحافته و لا في المكان الواسع و أنما عرفه في غرف الحصار و القمع .



[1]- قال ابن كثير : فلما طال سجن الإمام الكاظم ( ع ) كتب إلى الرشيد : أما بعد يا أمير المؤمنين إنه لم ينقض عني يوم من البلاء إلا انقضى عنك يوم من الرخاء ، حتى يفضي بنا ذلك إلى يوم يخسر فيه المبطلون. البداية والنهاية - ابن كثير:10/197
[2] - سورة البقرة ، آية 216
[3] - سورة النساء ، آية 19
... يتبع ...


رد مع اقتباس