[صفوان بيضون]

بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين
++++++++++++++++++++++++++++++++
وظائف شاغرة
(موضوع قيم أرسله لنا مشكوراً الأخ الأستاذ ابو الزهراء الدمشقي)

الحلقة الثانية

فالحديث دائماً كان يدور عن خلافة الأمة بعد رسول الله (بالمعنى السياسي غالباً) فيعتقد العامة من المسلمين أن هذا المنصب يكفيه العدالة والعلم والأفضلية (حسب اعتقادهم) بينما يذهب المسلمون الشيعة لافتراض مقامات عالية جداً للخليفة بعد رسول الله لا تكفي فقط لقيادة الأمة بل تكفي لإدارة الكون بأكمله...

وللأسف الشديد فإن الكثيرين من علماء الإمامية (جهلاً أو غفلةً أو اندراجاً مع الآخرين) قد اختزلوا وقزّموا أدوار الإمام أو الخليفة في هذا الوجود إلى دوره السياسي فقط ودخلوا في سجال لم ولن ينتهي مع الآخرين في أن الإمام علي (ع) هو الأفضل أم لا.. وهذا أدخلهم وأدخل الشيعة جميعهم في مشكلة تبرير المقامات العالية جداً المنسوبة لأئمة أهل البيت في الزيارات التي تحفل بها كتب الزيارات والتي تشعر أحياناً كثيرة بأنك تتكلم عن قادة الكون وساداته لا قادة الأمة الإسلامية بعد رسول الله فقط …

فظهرت نتيجة ذلك الخلل في طرح عقيدة الشيعة في الإمامة فئات من عوام الشيعة بل من معمّميها لم تستطع تبرير هذا التناقض فقامت (بحجة التقريب بين المذاهب) بالتبرؤ من كل زيارة أو نص يعطي الكرامات والمقامات العالية لأئمة أهل البيت بدعوى أنها تنافي العقل والمنطق واتهمت القائلين بتلك الكرامات بأنهم من غلاة الشيعة أو جهلتها بينما أن العكس تماماً هو الصحيح… هذا كله ناهيك عن رأي المذاهب الأخرى في دور ومقامات أهل البيت والذي لا يتعدى كونهم (في أحسن الحالات) من الصحابة أو التابعين العدول، وقد يعتبرهم البعض أحياناً من الخارجين على أئمة زمانهم؟؟؟!!!!

والحقيقة أن هناك نقطة جوهرية توضح كل المطلب وتجلو كل الحقيقة...

وهي أن عقيدة الشيعة الإمامية في الخلافة عقيدة عميقة ومتينة جداً وليست بهذه البساطة والسذاجة التي تطرح بها ويتناولها الكثيرون على المنابر وفي طيّات الكتب.. ويمكن تبسيطها بأن الله تعالى قد اختار رسوله الأعظم محمد ليكون خليفته الأكمل في هذا الكون ومُظهراً لأسمائه المقدسة (و الخليفة عادة كما هو متعارف لدى الجميع يحمل صفات المستخلِف إلا ما خرج بالدليل). ونوره هو أول ما خلق الله تعالى ثم خلق منه كل خير كما تشير الكثير من الروايات الشريفة (رغم أنه الخاتم في ترتيب الأنبياء ظهوراً)، وهو واسطة الفيض والعطاء الإلهي بين الله تعالى وبين جميع مخلوقاته بسبب ضعف هذه المخلوقات عن التلقي مباشرة من الباري سبحانه وتعالى، فمن لا يستطيع لضعفه أن يثبت نظره في قرص الشمس للحظات فكيف يتلقى الفيض والعطاء من خالق الشمس مباشرة دون أن يمر هذا الفيض والعطاء على من يلطّفه ويكيّفه ليناسب كل مخلوق بقدر تحمّله.

وبما أن الله تبارك وتعالى لا تدركه الأبصار وليس كمثله شيء... فقد جعل نبيه وحبيبه محمداً مرآة وتجلي لأسماء الله الحسنى (بل لاسم الله الأعظم) التي أمرنا الله تعالى بمعرفتها والتخلق بها وفق الحديث الشريف " تخلقوا بأخلاق الله" فلا يمكن معرفة أخلاق الله تعالى إلا بمعرفة أخلاق رسوله وواسطته وحجابه محمد بن عبد الله الذي مدحه ربه في قرآنه الكريم بقوله:"وإنك لعلى خلق عظيم"....

وعليه فإن الخلافة بعد رسول الله وفق عقيدة الشيعة الإمامية هي خلافة لكل الوظائف والأدوار المذكورة لرسول الله (عدا النبوة) فخليفة رسول الله هو خليفة لله تعالى بعد رسول الله ومتخلق بأخلاق الله تعالى، ونور هذا الخليفة مخلوق لله تعالى من نور النبي الخاتم، ولديه جميع علم النبي الخاتم، وحامل لجميع المقامات المعنوية العالية للنبي الخاتم، وهو أيضاً واسطة للفيض والعطاء الإلهي بين الله تعالى وبين جميع مخلوقاته. ..

و لمزيد من التوضيح سأحاول بعون الله بيان بعض الأمور المتعلقةِ بمعرفة أهل البيت وبعضِ مقاماتِهمُ الوجوديةِ وولايتِهِمُ التكوينيةِ والعباراتِ التي توهم الآخرين بالغلو في زياراتهم المأثورة .

... يتبع ...