منتديات موقع الميزان - عرض مشاركة واحدة - طريق الحق - السيد جعفر مرتضى العاملي
عرض مشاركة واحدة

خادم الزهراء
الصورة الرمزية خادم الزهراء
.
رقم العضوية : 10
الإنتساب : Mar 2007
الدولة : رضا الزهراء صلوات الله عليها
المشاركات : 6,228
بمعدل : 1.00 يوميا
النقاط : 10
المستوى : خادم الزهراء تم تعطيل التقييم

خادم الزهراء غير متواجد حالياً عرض البوم صور خادم الزهراء



  مشاركة رقم : 20  
كاتب الموضوع : خادم الزهراء المنتدى : الميزان العقائدي
افتراضي
قديم بتاريخ : 08-May-2010 الساعة : 12:33 PM

اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم


جواب الرسالة الخامسة

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خير خلقه أجمعين محمد وآله الطاهرين..
أخي الفاضل المؤيد، والكريم المسدد دمت موفقاً..

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..

وبعد..
فقد تلقيت في هذا اليوم رسالتكم، وشكرت لكم محبتكم، وسألته تعالى لكم دوام الصحة والعافية، وأن يحفظكم ويرعاكم، ويسدد على طريق الخير خطاكم، إنه ولي قدير..

أخي العزيز.. قد تضمنت رسالتكم أموراً هي التالية:


[لقد أحسنت إليَّ:]

الأمر الأول: ذكرتم عن عدم قصدكم إثبات الزلل علينا فيما يرتبط بالخطأ المطبعي، وإنني بدوري أحب أن أؤكد لكم على أن هذا المعنى لم يخطر لنا على بال، بل كنا وما زلنا شاكرين لكم هذه الملاحظة الكريمة، التي عبرت عن محبتكم، وعن اهتمامكم بالتصويب والتسديد، والنصيحة عملاً بفروض الأخوة، واستكمالاً لمعنى المودة، وتعميقاً لوشائج الإخلاص والمحبة..


[ذكر علي في الأذان:]

الأمر الثاني: أما فيما يرتبط بالأذان أقول: قد أثلج صدري:
أولاً: ما لمسته فيكم من تبصّر وروية، وسلامة سجية، وطريقة علمية رصينة، حين ذكرتم: أن الصواب هو التزام ذكر «حي على خير العمل» في الأذان إحياءً للسنة النبوية المباركة، والتزاماً بالنص، وحفظاً للتشريع..

ثانياً: إنّ سؤالكم عن الشهادة لعلي «» بالولاية في الأذان، ينحل إلى سؤالين:

أحدهما: عن سبب هذه الإضافة، ومبررها الشرعي.

الثاني: عن سبب الإقتصار على ذكر علي «» دون غيره من الأئمة الطاهرين «صلوات الله عليهم»..

وأجيب بأمرين:
أحدههما: أن علينا أن نحدد المرجعية العلمية بعد رسول الله «»، ونحدد أيضاً طرق الوصول إلى سنته، وإلى المعارف التي جاء بها «».. ونتفق على الضوابط والمعايير التي يجب اعتمادها في الوصول إلى أحكام الله وشرائعه، وإلى الحقائق الإيمانية، والمعاني والدقائق التي نحتاج إلى معرفتها في مختلف الشؤون..

فإننا إذا كنا لا نعترف لبعضنا البعض بصحة الوسائل التي نعتمدها، وسلامة المعايير والضوابط التي نستفيد منها في الرد أو القبول. ولم توجد قواسم مشتركة تكون هي المرجع لنا فيما نختلف فيه، فإن الحوار سيكون عقيماً وواهناً، وسقيماً.

أي لا بد من التأسيس للبحث، بحسم الأمر فيما يرتبط بأخذ المعارف والحقائق والأحكام الدينية من أهل البيت «»، بحكم إمامتهم للأمة بعد رسول الله «»، وعدم افتراقهم عن القرآن إلى يوم القيامة كما اقتضته النصوص المعتبرة، ولا سيما حديث الثقلين، وحديث سفينة نوح، وكثير من النصوص الأخرى الصريحة والثابتة، والمعترف بها عند أهل الإسلام.

ولا بد من حسم الأمر أيضاً في جواز الأخذ عن غيرهم وخصوصاً من كانت لهم مواقف سلبية تجاههم، مثل أبي هريرة الذي ـ على ما يرويه الأعمش ـ: جثا على ركبتيه، ثم ضرب صلعته مراراً، وقال: يا أهل العراق! أتزعمون أني أكذب على الله وعلى رسوله وأحرق نفسي بالنار؟! والله لقد سمعت رسول الله «» يقول: إن لكل نبي حرماً وانّ حرمي بالمدينة ما بين عير إلى ثور فمن أحدث فيها حدثاً، فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، وأشهد بالله أن علياً أحدث فيها.. إلخ..([1])، وهكذا الحال بالنسبة إلى عمرو بن العاص، وعكرمة وسمرة بن جندب، ومعاوية و.. و.. إلخ..

والشيعة يرون: أن ما يقوله الأئمة «» قد أخذوه عن رسول الله «».. فإذا قالوا لهم: إن الشهادة لعلي بالولاية في الأذان جائزة، فذلك يعني: أن رسول الله «» قد قال ذلك، وأن العمل بقولهم مبرئ للذمة، بل هو المتعَّين.

ويترتب على ما ذكرناه: أنه لا يجوز لأحد أن يناقش في مسألة فصول الأذان إلا بعد حسم الأمر معه في موضوع الإمامة، فإن ثبتت له، فإننا نبحث معه في موضوع: من هو الإمام، فإن ثبت له أنه فلان، نبحث معه في معنى الإمامة، ودور الإمام، وحجية أقواله، وأوامره ونواهيه، فإن ثبتت له، فيمكن البحث معه في أن هذا الحديث أو ذاك ثابت عنه لنأخذ به، أو غير ثابت ليكون لنا موقف آخر تجاهه..

ولا يمكنا الاستدلال بقول الإمام في شيء، على من لا يعتقد بالإمامة والإمام كما هو واضح.

وهذا نظير ما لو جاءك رجل لا يعرف عن الله، ولا عن رسله، وشرائعه شيئاً، فإنّك لا تبادر إلى مطالبته بالصلاة والحج، بل ستحاول أن تقنعه قبل كل شيء بوجود الله، ثم بصفاته، ثم بخالقيته ورازقيته، وعدله وعلمه، وقدرته، وغير ذلك من صفاته الجمالية والجلالية، وصفات الذات، وصفات الفعل..

ثم تنتقل لتثبت له النبوة، ثم تثبت له من هو النبي، وما هو دوره، ومقامه، وصفاته، وحجية أقواله.. إلخ.. ولا يمكن أن تحتج عليه بقول النبي قبل أن تثبت له التوحيد، والنبوة.

كما لايمكن للمسيحي أن يقول لك: ما الدليل على حرمة الخمر، أو الخنزير؟! أو ما الدليل على وجوب الحج؟! قبل أن تثبت له بشرية عيسى ونبوة رسول الله «» إلخ..

كما أننا لو سمعنا فتوى اقتضاها الإستحسان أو القياس، فإنه لا يحق لنا أن نعترض على تلك الفتوى، ونحكم بأنها باطلة..

بل الصحيح: هو أن نعترض على العمل بالقياس أو بالإستحسان نفسه أولاًَ، فإن ثبتت لنا صحته، أخذنا بتلك الفتوى، وإن ثبت لنا بطلانه لم نأخذ بها..


[الحكام.. وذكر علي في الأذان:]

الثاني: لا بأس بملاحظة ما يلي:
أولاً: إن بيعة يوم الغدير لعلي «» قد كانت قبل استشهاد رسول الله «» بسبعين يوماً فقط..

فإن كان النبي «» قد أمر بذكر كلمة: «أشهد أن علياً ولي الله» في الأذان، فلا جرم أن يكون ذلك قد حصل بعد حادثة الغدير..

ثم جرى ما جرى بعد وفاة رسول الله «»، وأهمل الحكام الجدد ذكر هذه الفقرة وأسقطوها من الأذان، كما أهمل ذكر حي على خير العمل منه، بل وأضيفت في أذان الفجر عبارة: «الصلاة خير من النوم». كما ورد التصريح به في عدد من المصادر([2]).

وبعد.. فإنه إذا كان قد جرى على الزهراء «» كل ذلك الذي تعرفونه، وإذا كان علي، والحسن، والحسين «» يقتلون على النحو الذي لا يجهله أحد، فهل سيرحمون من يقول في أذانه: «أشهد أن علياً ولي الله»، فضلاً عن أن يسمحوا بإبقائها في أذان المسلمين في جميع الأقطار على مرّ الأعصار؟!.

وبعد أن جاء الأمويون الذين لعنوا علياً «» على منابر الإسلام ألف شهر، وفعلوا الأفاعيل بمحبيه وأتباعه: قتلاً، وسجناً، وتشريداً وعسفاً..

ثم جاء العباسيون فزادوا عليهم في ذلك حتى قال الشاعر:
ومتـى تـولـى آل أحــمـد مسلم قــتــلوه أو وصــمـوه بـالإلحـاد

وقال آخر:
تالله مــا فـعـلــت أمــيــة فيهم مـعـشـار مـا فـعـلت بنو العباس

فهل يمكن أن نتصور أهل البيت وشيعتهم، يقدرون على الجهر بالشهادة لعلي بالولاية في أذانهم في كل تلكم العصور، وعلى مرّ الدهور؟!

ثانياً: يمكن تأييد القول برجحان الشهادة بالولاية لعلي «» في الأذان والإقامة بما يلي:


[دلائل ومؤيدات:]

ألف: بعد قتل الأسود العنسي: و«لما طلع الفجر نادى المسلمون بشعارهم الذي بينهم، ثم بالأذان، وقالوا فيه: أشهد أن محمداً رسول الله، وأن عبهلة كذاب»([3]).

وفي نص آخر:«ثم نادينا بالأذان، فقلت: أشهد أن محمداً رسول الله، وأن عبهلة كذاب، وألقينا إليهم برأسه»([4]).

والمنادي هو:«قيس، ويقال: وبر بن يحنش»([5]).

فنجد: أن النبي «» لم يعترض على إدخالهم هذا النص في الأذان، ولا شك أنه قد كان من بينهم كثيرون من الصحابة الأتقياء الذين لا يرضون بالبدعة، ولسوف يذكرون للنبي «» أي تصرف من هذا القبيل، على سبيل الإعتراض، أو لمجرد الإخبار.

ب:إن مما لا شك فيه: أنه يستحب للمؤذن الصلاة على النبي «» في الأذان عند بلوغه: أشهد أن محمداً رسول الله «»..

وقد روى ذلك زرارة عن الإمام أبي جعفر «» أنه قال:

«وصل على النبي «» كلما ذكرته، أو ذكره ذاكر عندك في أذان أو غيره»([6]).

ج: الكليني بإسناده عن الإمام الصادق «»؛ أنه قال:

«إنّا أول أهل بيت نوّه الله بأسمائنا، إنه لما خلق السماوات والأرض أمر منادياً فنادى:

أشهد أن لا إله إلا الله، ثلاثاً.

أشهد أن محمداً رسول الله، ثلاثاً.

أشهد أن علياً أمير المؤمنين حقاً، ثلاثاً»([7]).

د: وروى الطبرسي، عن القاسم بن معاوية، عن الإمام الصادق «» حديثاً مطولاً يقول في آخره:

«إذا قال أحدكم: لا إله إلا الله، محمد رسول الله، فليقل: علي أمير المؤمنين([8]) (ولي الله)»([9]).

هـ: روي: أن أبا ذر (رض) أذّن بالولاية لعلي «»، فشكاه الناس لرسول الله «»، فأقره على ما فعل.

و:روي أيضاً ما يقرب من ذلك عن سلمان([10]).

ز: ويؤيد ما تقدم: ما ورد في بعض الروايات، من أن فصول الأذان هي أثنان وأربعون فصلاً، ولا يكون ذلك إلا بإضافة «أشهد أن علياً ولي الله، مرتين»([11]).


[كيف شرع الأذان؟!:]

ثالثاً: إن ما ذكرته بعض الروايات، من أن النبي «» اهتم للصلاة كيف يجمع الناس لها. فإشار عليه بعض الصحابة بشبور اليهود، وبعضهم أشار بناقوس النصارى ـ فأمر به «» فعمل من خشب..

فأري عبد الله بن زيد الأذان في المنام، فأخبر به النبي «»، وكان عمر قد رآه قبل ذلك، فكتمه عشرين يوماً، ثم أخبر به النبي «» أيضاً، فأمر النبي «» بلالاً: بأن يؤذن كما يأمره عبد الله بن زيد، فأذّن به.

وثمة نصوص أخرى لهذه القضية مختلفة ومتناقضة، كما يعلم بالمراجعة والمقارنة بينها([12]).

فهذا الحديث يدل على أن الأذان لم يشرع بالوحي، بل برؤيا عبد الله بن زيد وعمر بن الخطاب.

فمن يرى صحة هذا الحديث، فلا بد أن لا يكون لديه حرج في الإنقاص أو الزيادة في الأذان!! ولا أظن أنكم من هؤلاء، كما يفهم من كلامكم في رسالتكم لنا..

وقد أنكر الإمام الحسن([13]).

والإمام الحسين([14]).

والإمام جعفر الصادق «»([15]).

ومحمد بن الحنفية صحة هذا الحديث([16]).

وقد بحثنا هذا الموضوع بشيء من التفصيل في كتابنا: الصحيح من سيرة النبي الأعظم «».

علم النبي بالغيب، وتأويل الآيات:

الأمر الثالث: تضمنت رسالتكم السؤال عن اعتقاد الشيعة: بأن النبي «» يعلم بما كان، وما يكون، وأن الآيتين المباركتين تنافيان هذا الإعتقاد..

ونقول:
أولاً: ينبغي لفت نظركم الشريف إلى أن هذه المسألة ليست من المسلمات المتفق عليها عند جميع الشيعة، وإنما الشيعة متفقون على أن النبي «» كان يعلم من الغيوب ما يطلعه الله تعالى عليه.. ويقولون: إن من الممكن أن يطلع الله نبيه على جميع غيوبه، فإنّ الآية المباركة تقول: ﴿عَالِمُ الْغَيْبِ فَلاَ يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً، إِلاَ مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ([17])، حيث لم يقيد تعالى هذا الغيب الذي يطلع عليه من شاء، هل هو كل غيبه، أو بعضه مما يمكن للرسل الذين يرتضيهم أن يتحملوه؟!

وإذا كان نبينا «» خير الرسل، فهو الأولى بمعرفة الغيوب من سائر الرسل «صلوات الله عليهم وعلى نبينا وآله»..

ثانياً: إن اطلاع نبينا على اللوح المحفوظ، لا يعني أن الأمر قد خرج من يد الله تعالى ـ والعياذ بالله ـ كما أن ذلك لا يعني حصول النبي «» على جميع الغيوب، بل يبقى الأمر بيد الله، فيمكن أن يكشف لنبيه شطراً من الغيوب، وقد يحجب، أو يبعد بعض الغيوب عن محيط نظر نبيه، فلا يتمكن من قراءتها، وبذلك يكون علم النبي «» خاضعاً للإرادة الإلهية، من جهة قد يطلقه، وقد يقيد مقداره، مع أنه مأخوذ من اللوح مباشرة من جهة أخرى..

ثالثاً: بالنسبة لقوله تعالى: ﴿وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ([18]) نقول:

لا شك في أن نبينا «» كان يعلم بكثير من الغيوب التي تلقاها من الله سبحانه، وقد أخبر الناس بشطر منها، وأخبر علياً «» أيضاً بشطر آخر..

ويكفي مراجعة كتب الحديث والتاريخ، والتفسير، وغيرها للوقوف على الكثير مما يدخل في هذا السياق..

كما أن هناك آيات كثيرة تدل على أن الأنبياء «» كانوا يعلمون الكثير من الأمور الغيبية.

فقد قال تعالى حكاية عن عيسى «»: ﴿وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ([19]).

وقد أنبأ النبي «» عائشة بما أفشته من سره، ﴿قَالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ([20]).

وقال عيسى «» لقومه: ﴿وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ([21]).

وقال الله تعالى لنبيه محمد «»، بعد أن قص عليه قصة مريم: ﴿ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ([22]).

وبعد قصة نوح: ﴿تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ([23]).

وبعد قصة إخوان يوسف: ﴿ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ([24]).

وبعد هذا، فلا معنى لنفي علم النبي «» للغيب؟!

خصوصاً وأنه سبحانه قد قال: ﴿عَالِمُ الْغَيْبِ فَلاَ يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً، إِلاَ مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ([25]).

وقال تعالى: ﴿وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلاَ بِمَا شَاء([26]).

وإنما يعلم الله أنبياءه بالغيب، لأن رسالتهم ونبوتهم تقتضي ذلك. أو لأن مقامهم دعا إلى تكريمهم بهذا الأمر، لزيادة التمكين لهم في السعي لنيل منازل الكرامة والقرب والزلفى..

رابعاً: إن علم البشر بالغيب يبقى مرهوناً بالفيض والعطاء الإلهي، فليس هو من الأمور الذاتية لهم، بل هو مستند إلى الله سبحانه، ومنتهٍ إليه تعالى.

وقد أرى الله سبحانه نبيه إبراهيم «» ملكوت السماوات والأرض، فقال تعالى:

﴿وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ([27])، فرؤية إبراهيم «»، لم تكن ذاتية، وإنما هي بإراءة من الله تعالى..

وحول المعراج للرسول الأعظم «»، قال سبحانه: ﴿لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا([28]) فالإراءة له «» قد جاءت منه تعالى..

وقد نصب الله سبحانه اللوح المحفوظ بين عيني إسرافيل كما في بعض الروايات، فإشراف الرسول على ذلك اللوح، ومعرفته بما يكشفه الله له فيه، لا يعني أن يصبح علم الرسول بالغيب ذاتياً، بل هو بالله، ومن الله تبارك وتعالى..

فكما لا يقاس علم الرسول بعلم البشر بالغيب، لاختلاف طرقهما في نيل ذلك، كذلك لا يقاس علم الله للغيب بعلم أنبيائه، فإن علم الأنبياء إنما هو بالعطاء، وبالفيض الإلهي عليهم، فهو علم بالغير لا بالذات.

وبعد ما تقدم نقول:
إن ذلك يوضح لنا: أن الآيات حين تتحدث عن أن الأنبياء ينفون للناس أن يكون لديهم علم الغيب، كقوله تعالى: ﴿لَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ([29]).

فإنما تريد نفي أن يكون علمهم ذاتياً، وبالأصالة، والاستقلال عن الله سبحانه..

وحين تثبت الآيات علم الغيب لمن ارتضى الله سبحانه من رسول، وأن عيسى يعلمهم بما يأكلون، وما يدخرون في بيوتهم.. وغير ذلك، فإنما تتحدث عن علمه الواصل إليه من الله، بعطاء وفيض منه سبحانه..

فصح سلب علم الغيب عنهم تارة، وإثباته لهم أخرى، نظير قوله تعالى: ﴿الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلاَئِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ([30]).

ويقول تعالى: ﴿قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ([31]).

ثم هو تعالى يقول: ﴿اللهُ يَتَوَفَّى الأنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا([32]).


----------

([1]) شرح نهج البلاغة للمعتزلي ج4 ص67 ومستدرك سفينة البحار للشيخ علي النمازي الشاهرودي ج10 ص529 وخلاصة عبقات الأنوار للسيد حامد النقوي ج3 ص255 والنص والإجتهاد للسيد شرف الدين ص514 ونهج السعادة للشيخ المحمودي ج8 ص486.
([2]) راجع: موطأ مالك ج1 ص93 وسنن الدارقطـني، والمصنف للصنعـاني ج1 = = رقم 1827 و 1829 و 1832 ص474 و 475 وكنز العمال ج4 رقم5567 و 5568 ومنتخب كنز العمال (بهامش المسند) ج3 ص278 وفيه: أنه قال: إنها بدعة، والترمذي وأبي داود، وغير ذلك.
([3]) تاريخ الخميس ج2 ص156.
([4]) تاريخ الأمم والملوك (ط الاستقامة) ج2 ص469 والكامل في التاريخ ج2 ص340 والبداية والنهاية ج6 ص310.
([5]) البداية والنهاية ج6 ص310.
([6]) وسائل الشيعة (ط مؤسسة آل البيت) ج5 ص451 وفي هامشه عن الفقيه ج1 ص184 والكافي ج3 ص303.
([7]) الكافي ج1 ص441.
([8]) الاحتجاج ج1 ص1 ص365 ـ 366 والأنوار النعمانية ج1 ص169 وراجع: تفسير القمي ج1 ص336 وبحار الأنوار ج81 ص112.
([9]) قد روي خبر الاحتجاج هذا، وجاء في آخره هاتان الكلمتان في بحار الأنوار ج27 ص1 و 2. فيبدو: أن نسخة الاحتجاج التي كانت عند المجلسي «رحمه الله» كانت تشتمل على ذلك.
([10]) رسالة الهداية ص45.
([11]) راجع: الهداية للشيخ الصدوق ص131 ومصباح المتهجد للشيخ الطوسي ص29 والجامع للشرايع ليحيى بن سعيد الحلي ص74 والبيان (ط.ق) للشهيد الأول ص73 وكشف اللثام (ط.ج) للفاضل الهندي ج3 ص377 وجواهر الكلام ج9 ص85 ووسائل الشيعة (ط دار الإسلامية) ج4 ص648.
([12]) راجع في نصوص الحديث المختلفة المصادر التالية: سنن أبي داود ج1 ص335 ـ 338 والمصنف للصنعاني ج1 ص455 ـ 465 والسيرة الحلبية ج2 ص93 ـ 97 وتاريخ الخميس ج1 ص359 والموطأ ج1 وشرحه للزرقاني ج1 ص120 ـ 125 والجامع الصحيح للترمذي ج1 ص358 ـ 361 ومسند أحمد ج4 ص42 وسنن ابن ماجة ج1 ص124 وسنن البيهقي ج1 ص390 و 391 والسيرة النبوية لابن هشام ج2 ص154 و 155 و 125 ونصب الراية ج1 ص259 ـ 261 وفتح الباري ج2 ص63 ـ 66 والطبقات الكبرى لابن سعد ج1 قسم2 ص8 والبداية والنهاية ج3 ص232 و 233 والمواهب اللدنية ج1 ص71 ومنتخب كنز العمال (هامش مسند أحمد) ج3 ص273 و 275 وتبيين الحقائق للزيلعي ج1 ص90 والروض الأنف ج2 ص285 و 286 وحياة الصحابة ج3 ص131 عن كنز العمال ج4 ص263 و 246 ونقل أيضاً عن أبي الشيخ، وابن حبان، وابن خزيمة، وسنن الدارقطني ج1 ص241 و 242 و 245. وغير ذلك من المصادر الكثيرة التي لا مجال لتتبعها واستقصائها..
([13]) راجع: المستدرك للحاكم ج3 ص171 والنص والاجتهاد ص255 وعن كنز العمال ج6 ص277 وعن مشكل الآثار، وعن ابن مردويه.
([14]) راجع: مستدرك الوسائل للميرزا النوري ج4 ص17 وجامع أحاديث الشيعة السيد البروجردي ج4 ص623 وبحار الأنوار ج81 ص156.
([15]) راجع: بحار الأنوار ج81 ص122 ووسائل الشيعة (ط مؤسسة آل البيت) ج5 ص370 و (ط دار الإسلامية) ج4 ص612 والكافي ج3 ص302 وجامع أحاديث الشيعة ج4 ص623 والنص والاجتهاد ص205 ونقله الصدوق والشيخ «رحمهما الله تعالى».
([16]) راجع: السيرة الحلبية ج2 ص96 و (ط دار المعرفة) ج2 ص300 والنص والاجتهاد ص205 و (ط سنة 1404هـ) ص237 وكتاب العلوم (أمالي أحمد بن عيسى بن زيد) ج1 ص90.
([17]) الآية 26 من سورة الجن.
([18]) الآية 26 من سورة الجن.
([19]) الآية 188 من سورة الأعراف.
([20]) الآية 3 من سورة التحريم.
([21]) الآية 6 من سورة الصف.
([22]) الآية 44 من سورة آل عمران.
([23]) الآية 49 من سورة هود.
([24]) الآية 102 من سورة يوسف.
([25]) الآية 26 من سورة الجن.
([26]) الآية 255 من سورة البقرة.
([27]) الآية 75 من سورة الأنعام.
([28]) الآية 1 من سورة الإسراء.
([29]) الآية 188 من سورة الأعراف.
([30]) الآية 32 من سورة النحل.

([31]) الآية 11 من سورة السجدة.
([32]) الآية 42 من سورة الزمر.


توقيع خادم الزهراء

قال الرسول صلوات الله عليه وآله : ( إذا رأيتم أهل الريب والبدع من بعدي فأظهروا البراءة منهم وأكثروا من سبهم والقول فيهم والوقيعة ، وباهتوهم كيلا يطمعوا في الفساد في الإسلام ويحذرهم الناس ولا يتعلمون من بدعهم ، يكتب الله لكم بذلك الحسنات ويرفع لكم به الدرجات في الآخرة ) .

قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله عليه : يا سلمان نزلونا عن الربوبية ، وادفعوا عنا حظوظ البشرية ، فانا عنها مبعدون ، وعما يجوز عليكم منزهون ، ثم قولوا فينا ما شئتم ، فان البحر لا ينزف ، وسر الغيب لا يعرف ، وكلمة الله لا توصف ، ومن قال هناك : لم ومم ، فقد كفر.
اللهم عرفني نفسك فإنك إن لم تعرفني نفسك لم أعرف رسولك
اللهم عرفني رسولك فإنك إن لم تعرفني رسولك لم أعرف حجتك
اللهم عرفني حجتك فإنك إن لم تعرفني حجتك ضللت عن ديني
قال إمامنا السجاد زين العابدين صلوات الله عليه:
إني لأكتم من علمي جواهره * كيلا يرى الحق ذو جهل فيفتتنا
وقد تقدم في هذا أبو حسن * إلى الحسين وأوصى قبله الحسنا
فرب جوهر علم لو أبوح به * لقيل لي : أنت ممن يعبد الوثنا
ولاستحل رجال مسلمون دمي * يرون أقبح ما يأتونه حسنا

للتواصل المباشر إضغط هنا لإضافتي على المسنجر



آخر تعديل بواسطة خادم الزهراء ، 08-May-2010 الساعة 12:42 PM.

رد مع اقتباس