منتديات موقع الميزان - عرض مشاركة واحدة - عمار بـن ياســر 1
عرض مشاركة واحدة

خادم ابو الفضل
الصورة الرمزية خادم ابو الفضل
عضو مميز
رقم العضوية : 14302
الإنتساب : Apr 2013
الدولة : جنوب العراق
المشاركات : 325
بمعدل : 0.08 يوميا
النقاط : 148
المستوى : خادم ابو الفضل is on a distinguished road

خادم ابو الفضل غير متواجد حالياً عرض البوم صور خادم ابو الفضل



  مشاركة رقم : 4  
كاتب الموضوع : خادم ابو الفضل المنتدى : إضاءات من نور المراجع والعلماء
افتراضي
قديم بتاريخ : 30-Apr-2013 الساعة : 04:50 PM

اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم


عمار بن ياسر 2


محنة عمار رضوان الله عليه
سار النبي () نحو «البطحاء» بخطى ثابتة حتّى أشرف على الرمضاء ليرى ويا لهول ما يرى، يرى فوق سعير الرمضاء ناراً مشبوبة، إلى جنبها أحواضاً من اُدم تتفايض بالماء، ويرى رماحاً مشرعةً بأيدي عصابة جبارة ومشاعل لاهبة بأيدي عصابة اُخرى، والعصابتان تدوران حولهم كحلقة المعصم، يتقدّم أبو القاسم () نحو الشيخين وابنيهما ثابت القدم راسخ الجنان حتّى يخترق تلكم العصابة وذلك النطاق، ليرى الشيخين والكهل مطروحين على الرمضاء عراة، مربّطين بالحال وعلى صدورهم الصخور الثقيلة، والجلاوزة يدورون حولهم ويطعنوهم بأطراف أسنّة الحراب ويلدغوهم بأطراف المشاعل، وأبو جهل قائم على رؤوسهم ويقول لا ينجيكم ممّا أنتم فيه، إلاّ ثلاث، سبّ محمّد، والبراءة من دينه والرجوع إلى عبادة (اللاّت والعزّى) وهم أرسخ من الجبال ثابتون صامدون يسبُّون آلِهتهم ويذكرونهم بكلّ سوء، ويحمدون الله ويمجّدون رسوله بأطيب الذكر
وأرضاه، ويستزيدون من عذاب أبي جهل.
فلمّا رأوا الرسول () مقبلاً لزيارتهم ومواساتهم بنفسه، عقد الحبّ والإيمان، والإجلال لسان عمّار واُمّه سميّة، وانطلق لسان ياسر بالسلام متوجّهاً نحو الرسول الكريم () يهون عليه ما نزل بهم من العذاب فيقول «هكذا الدهر» يا رسول الله، ويجلس النبي القرفصاء عند رؤوسهم يمسحها بيده الكريمة ويقول: «صبراً آل ياسر فإنّ موعدكم الجنّة»، ثمّ يرفع طرفه إلى السماء ليقول: «اللهم إغفر لاِل ياسر وقد فعل» ثمّ ينهض لشأن من شؤون المسلمين، فيودّعهم متجلّداً صابراً وكان أبو جهل ينظر هذا المشهد من بعيد ولا يجرؤ أن يتقدّم خطوة مع طغيانه وجبروته، إلاّ أنّه بعد ما انصرف الرسول () جُنّ جنون أبي جهل واحتدم غيضاً، وكال على الشيخين والكهل شديد عذابه، فأمر بإزالة الصخور من على صدورهم، فاختلفت السياط وانهالت الحراب والمشاعل على رؤوسهم، وصدورهم وجنوبهم أينما وقعت، فإذا كلّ
الجلاّدون وعجزوا ولم يظفر أبو جهل من المجلودين بغير الصبر والثبات، أمر بتغطية رؤوسهم في بركة الماء لتخمد أنفساهم غرقاً، ويخرج آل ياسر رؤوسهم من الماء ليلتقطوا أنفساً تلهج بحمد الله والثناء عليه وتصلّي على رسوله الكريم، وعيب آلهتهم «اللاّت والعزّى» وذِكْر أبي جهل بما يكره، عند ذلك فقد أبو جهل صوابه، وجنّ جنونه، فأخذ إحدى الحراب من غلمانه وغمدها في قلب (سميّة) في عدّة طعنات حتّى قضى عليها، ثمّ انثنى هائجاً كالثور المحموم فرفس ياسر عدّة رفسات برجله حتّى لفظ الشيخ آخر أنفاسه، كلّ ذلك جرى أمام ولدهم البارّ عمّار يسمع ويرى، وكانت سميّة وزوجها ياسر أوّل الشهداء في الإسلام، وطليعة القادمين على الله بشرف الشهادة وقد زفّ ياسر وزوجته إلى الجنّة بموكب ملائكي مهيب محاطين بالرضوان، وتحفّهم الملائكة الكرام. فسلام عليهما يوم ولدا، ويوم أسلما، ويوم جاهدا، ويوم استشهدا، ويوم يبعثا حيّين.
بقي عمّار وحده للمحنة يكابد آلامها، وقد نسج من خيوطها بطولات خالدة صارت رمزاً للجهاد والشهادة مدى العصور والأزمان عِبرَ التاريخ، ليضرب بذلك المثل الأعلى في الصبر والتضحية، والايمان الراسخ، وبقي عمّار نصب عتوّ أبي جهل، حيث صبّ على رأسه أنواع العذاب من حرّ الحديد، ولفح النار، وضغط الماء، وغيرها مبلغاً لا يعلمه إلاّ الله، ولم يدرِ معه ما يقول: فلمّا أطلقه أبو جهل، أقبل على النبي، كئيباً حزيناً، مسودَّ الوجه، منكسر النفس، دامع العين فقال له النبي (): ما وراءك يا عمّار، قال شرٌّ يا رسول الله، والله ما تركوني حتّى ذكرت آلهتهم بخير، وذكرتك بما تكره.
قال النبي: «فكيف تجد قلبك»؟ قال أجدهُ مطمئنّاً بالإيمان قال: «فإن عادوا فعد» ثمّ نزلت في عمّار هذه الآية: (مَنْ كَفَرَ بِاللهِ مِنْ بَعدِ إيمانِهِ إلاّ مَن أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالكُفْرِ صَدْراً فَعَليْهِم
غَضَبٌ مِنَ الله وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ)([1]).
لم يُنجه من مكر أبي جهل إلاّ أمر الله بالهجرة إلى الحبشة، فكان من أهل القافلة الثانية إلى دار النجاشي، وظلَّ فيها ينعم بالدعة والإستقرار حتّى عاد فيمن عاد إلى يثرب «المدينة المنوّرة» بعد هجرة النبي () إليها مباشرة.
كان لثبات «عمّار بن ياسر» تحت سياط التعذيب صدىً عظيماً في نفوس المؤمنين، وأصبح نضاله رمزاً للهداية والإيمان، لا سيّما بعد ما توجّه الرسول الأعظم ()بأحاديثه الخالدة منها:
عندما جاء قومٌ لرسول الله () وقالوا: إنّ عمّاراً قد كفر، قال كلاّ: «إنّ عمّاراً مليء إيماناً إلى مشاشه»([2]).
وقال () في مواقف عديدة «ويح ابن سميّة تقتله الفئة الباغية»([3])، واستأذن عمّار يوماً على رسول الله ()فعرف صوته فقال مرحباً «بالطيب المطيب»، وفي رواية «الطيّب ابن الطيّب»([5]).
تقول عائشة: ما من أحد من أصحاب رسول الله () أشاء أن أقول فيه، إلاّ عمّار، فإنّي سمعته يقول فيه: «إنّ عمّار مليء إيماناً إلى أخمص قدميه» وهو أحد الأربعة اشتاقت لهم الجنّة - أوّلهم علي ().
وقال أنس بن مالك سمعت رسول الله () يقول:
إنّ الجنّة تشتاق إلى أربعة، علي وسلمان، وعمّار، والمقداد([6]).
عن ابن مسعود قال: سمعت رسول الله يقول: «إنّ ابن سميّة لم يخيَّر بين أمرين قط إلاّ اختار أرشدهما فالزموا ابن سميّة»([7]) وكان عمّار ميزان الحقّ وقسطاس الصواب والهداية، والنجم الثاقب في الليل المظلم، الممتليء إيماناً، والثابت حين المحنة والفتنة، والتابع لإمام الهُدى، والمقتول بسيف البغي والعِدى.
قال خالد بن الوليد: كان بيني وبين عمّار كلامٌ فأغلظت له القول فانطلق عمّار يشكوني لرسول الله ()فأتبعته وأنا أشكوه إليه وزدته غلظةً والنبي ساكت لا
يتكلّم فبكى عمّار وقال يا رسول الله ألا تراه؟ فرفع النبي () رأسه وقال: «من عادى عمّاراً عاداه الله ومن أبغض عمّاراً أبغضه الله»، قال خالد: فخرجت فما كان شيء أحبّ إليَّ من رضى عمّار فلقيته فرضي([8]).
سئل حذيفة بن اليمان، وهو يحتضر في فتنة «عثمان بن عفّان» عن الإمام الحقّ إذا اختلف الناس؟ قال: عليكم بابن سميّة فإنّه لن يفارق الحقّ حتىّ يموت([9]).
صلّى عمّار إلى القبتلين([10]) وهاجر الهجرتين([11])، وهو من أهل بيعة الرضوان، وكان في طليعة الأبطال الذين دافعوا عن الإسلام وجاهدوا بين يدي رسول
الله () ممّن أبلوا بلاءً حسناً في المواقع كلّها لا سيّمافي غزوة بدر الكبرى، وأُحد، والخندق، وحنين، وكان من حملة راياته في بعض مواقعه.

([1]) سورة النحل ( 106 ) .
([2]) المستدرك للحاكم النيسابوري ج3 / 392 ، سير أعلام النبلاء ج1 / 413 ، الإصابة ج2 / 512 ، أعيان الشيعة 8 / 373 ، رجال بحر العلوم 3 / 172 .
([3]) أخرجه ابن ماجة 147 في المقدّمة باب فضل عمّار بن ياسر ، وأبو نعيم في الحلية ج1 ص139 ، وذكر الهيثمي في المجمع ج9 ص395 .
[4]) المستدرك للحاكم النيسابوري ج3 / 388 ، سير أعلام النبلاء ج1 / 413 ، الاصابة ج2 / 512 ، أعيان الشيعة 8 / 373 ، رجال بحر العلوم 7 / 172 .
([5]) الاستيعاب على هامش الاصابة ج2 / 479 ، أعيان الشيعة 8 / 373 ، رجال بحر العلوم 3 / 176 .
([6]) المستدرك للحاكم النيسابوري 3 / 388 ، سير أعلام النبلاء 1 / 416 ، أعيان الشيعة 3 / 373 ، رجال بحر العلوم 3 / 177 .
([7]) الاصابة 2 / 512 ، سير أعلام النبلاء 1 / 451 ، المستدرك للنيسابوري 3 / 291 .
([8]) الاستيعاب على هامش الاصابة 2 / 480 ، المستدرك للنيسابوري 3 / 291 .
([9]) القبلتان : بيت المقدس وبيت الحرام .
([10]) الهجرتان : هجرة الحبشة ، وهجرة المدينة
([11]) أعيان الشيعة 8 / 373 ، المستدرك للحاكم النيسابوري 3 / 387 .






توقيع خادم ابو الفضل




رد مع اقتباس