منتديات موقع الميزان - عرض مشاركة واحدة - تاريخ التشيع في دمشق
عرض مشاركة واحدة

صفوان بيضون
أديب وشاعر
رقم العضوية : 6568
الإنتساب : Oct 2009
الدولة : دمشق العقيلة
المشاركات : 964
بمعدل : 0.18 يوميا
النقاط : 214
المستوى : صفوان بيضون is on a distinguished road

صفوان بيضون غير متواجد حالياً عرض البوم صور صفوان بيضون



  مشاركة رقم : 1  
المنتدى : صفوان بيضون
افتراضي تاريخ التشيع في دمشق
قديم بتاريخ : 14-Jan-2010 الساعة : 05:54 PM

اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم


تاريخ التشيع في دمشق


(لمحة موجزة)


كيف جاء الشيعة إلى دمشق وسورية ؟
تمـهيد :
كثيراً ما يتساءل المرء : مِن أين جاء أتباع أهل البيت (ع) إلى سورية ، وعلى وجه التحديد إلى دمشق عاصمة الدولة الأموية ؟ وأين سكنوا ؟ حتى آل بهم الأمر إلى حارة ( الخراب ) التي تسمى اليوم ( حي الأمين ) ، إحياءً لذكر العلامة المجتهد الأكبر السيد محسن الأمين الحسيني العاملي ، الَّذي نقلها مِن الخراب إلى العمران ، ومن الجهل إلى الإيمان .
متى تواجد الشيعة في دمشق وبلاد الشام ؟ :
هناك نظريتان في هذا الصدد :
النظرية الأول : تعتبر أن وجودهم هناك كان منذ صدر الإسلام ، كما يؤكد الأستاذ محمّد كرد علي في كتابه ( خطط الشام ) ، ويكونون قد جاؤوا كغيرهم مِن المسلمين أثناء الفتح الإسلامي لبلاد الشام واستوطنوا فيها ، واستوطن بعضهم في دمشق . وهؤلاء تعمّقت عقيدتهم بأهل البيت (ع) ضدّ مناوئيهم عندما جاء الصحابي الجليل أبو ذرّ الغفاري إلى دمشق ، وكان حاكمها لعثمان بن عفان ابن عمه معاوية بن أبي سفيان . فقد ارتأى الخليفة الثالث أن ينفي أبا ذرّ إلى دمشق ليتخلص مِن خطر أفكاره الحرة ، إذ كان أبو ذرّ لا تأخذه في الله لومة لائم . ولكن معاوية بكل حيلته ودهائه لم يستطع استمالة أبي ذر أو إخضاعه لسلطته بكل الوسائل ، لأن أبا ذر كان يمثل الصدق الخالص والمبدأ الحق ، والحق له سلطان قوي فوق كل سلطان .
ولما أعيت بمعاوية الحيلُ ، ولم يجد طريقة يستجلب بها أبا ذرّ ، قرر أن يبعثه إلى غزو في سبيل الله في جهات قبرص ، وقال في نفسه : إنِ امتنع أبو ذر عن ذلِكَ ظهر للناس أنه كاذب في إيمانه ، وإن بادر إلى الجهاد فعسى يموت في الحرب فنستريح منه . ولكن أبا ذرّ نهض إلى الجهاد ، ولم يرجع إلا بفتح قبرص .
عند ذلِكَ لم يجد معاوية غير أن يسيّره إلى بعض القرى النائية في جنوبي لبنان ، فأقام في جبل عاملة ، وهي المنطقة الواقعة بين حدود لبنان الجنوبية ونهر الأولي الَّذي يصب شمال صيدا . فتتلمذ المسلمون هناك على يديه ، ورضعوا مِن لبان الإسلام الصحيح ، ومبادئ الحق الصريح .
ويؤكد أصحاب هذه النظرية فكرتهم بوجود مشهدين منسوبين إلى أبي ذرّ في مدينتين مِن جبل عامل هما : ( صرَفند ) الساحلية و ( ميس الجبل ) في الأعالي الجنوبية .
يقول محمّد كرد علي ( في كتابه : خطط الشام لمحمد كرد علي ، ج6 ص 252 ) : " لا ريب في أن أول ظهور الشيعة كان في الحجاز بلد المتشيَّع له . وكان التشيّع هناك ضعيف الحول ، ولكنه مكين في قلوب أهله . ثمّ استفحل أمره في العراق زمن خلافة الإمام علي .
أما في بلاد الشام فالمعروف بين الشيعة في جبل عامل ( جنوبي لبنان ) خلفاً عن سلف ، أن الَّذي دأَبَهم على هذا المذهب هو الصحابي الجليل أبو ذرّ الغفاري لما سُيِّر إلى الشام . ولا يزال في صَرَفَند ( بين صيدا وصور ) له مقام معروف باسمه ، اتّخذ مسجداً معموراً ، وفي ( ميس الجبل ) له مقام آخر .
وروى الحر العاملي في كتابه ( أمل الآمل في علماء جبل عامل ) : أن أبا ذرّ لما خرج إلى الشام تشيّع فيها جماعة ، ثمّ أخرجه معاوية إلى القرى ، فوقع في جبل عامل ، فتشيّعوا منذ ذلِكَ اليوم " انتهى كلامه .
النظرية الثانية : تعتبر أن هجرتهم كانت مِن العراق ، وعلى وجه التحديد مِن الكوفة ، بعد توقيع الإمام الحسن (ع) صلحه مع معاوية . وهذه النظرية يؤيدها الشيخ جعفر المهاجر مِن بعلبك ، ويشرحها في كتابه ( التأسيس لتاريخ الشيعة في لبنان وسورية ) .
كانت الكوفة سبع قبائل عربية كبيرة موالية للإمام علي بن أبي طالب (ع) ، وهي التي خاضت معه حروبه كلها في الجمل وصفين والنهروان . وبعد صلح الحسن (ع) عام 41 هـ ، شعر أهل الكوفة بأن خطراً كبيراً يترصدهم مِن معاوية ، فقرروا التفرق في البلاد قبل حلول البلاء .
فقسمٌ منهم انزاح شرقاً إلى قُم ( الأشعريون ) ، وقسم انزاح شمالاً ، وقسم انزاح غرباً إلى دمشق ( الهجرة الهمدانية الكبرى ) . وهؤلاء لم يدخلوا دمشق في البداية ، بل استوطنوا في عدة قرى في الغوطة الشرقية ، هي : بيت سَوى ، وعين تَرما ، وراوية ، وفي الغرب في قرية ( صنعاء ) التي كانت بجوار ساحة الأمويين اليوم ، وسمّيت بهذا الاسم تخليداً لصنعاء اليمن التي انحدروا منها . وبعد جيل مِن اختلاطهم بالناس دخلوا العاصمة .
ويقول الشيخ جعفر : يبدو أن قسماً مِن ذلِكَ التراكم الشيعي في ( غوطة دمشق ) قد انتقل فيما بعد إلى المدينة ، وذلك بسبب الفتن والحروب الكثيرة ، التي كانت تُلجئ الناس إلى الاحتماء داخل أسوارها . وهكذا نشأ ( حي الخراب ) الحي التاريخي للشيعة في ( دمشق ) ، وذلك في القرن الثالث الهجري .
وفي رأي الشيخ جعفر أن الّذين ذهبوا مِن الشيعة إلى لبنان جاؤوها عن طريق دمشق ، واستوطن أكثرهم في جبل عامل لانقطاع سكان هذا الجبل عن الناس حتى يأمنوا شرّهم . ويذهب الشيخ جعفر إلى أن الشيعة الذين جاؤوا مِن دمشق وغوطتها إلى جبل عامل ، لم يأتوا إلى هذا الجبل قبل القرن السادس الهجري ، إذ تدل المعطيات التاريخية أنه قبل هذا التاريخ كان الجبل شبه خالٍ مِن السكان .
معاناة الشيعة :
ظل الشيعة مِن أول ظهورهم في سورية يعيشون في جوّ صعب ، وفي توتر مستمر ، واضطهاد شديد ، لوجودهم في كنف السنة ، الذين أغلبهم يمالئون السلطة الحاقدة على الشيعة ، سواء في عهد الدولة الأموية أم في عهد الدولة العثمانية . فالشيعة الموجودون في سورية يقفون في خندق الحرب الباردة مع السنّة ، بدافع جهل السنة لحقيقتهم وعقائدهم ، واتهامهم بشتى الاتهامات الباطلة التي لا تمتّ إليهم بصلة . ولو علم السنة حقيقة الشيعة لأحبُّوهم ولرفعوهم على أكفّهم ، لأنهم هم الذين حافظوا على نهج الإسلام الصحيح ، الَّذي تلقّوه مِن الإمام علي (ع) وعبر أولاده الأئمة الأحد عشر مِن بعده كابراً عن كابر .
ويكفيهم شرفاً اسمُ مذهبهم ( الجعفري ) الَّذي يفصح بجلاء عن انتمائهم لمذهب الإمام الأعظم جعفر بن محمّد الصادق (ع) وهو الإمام السادس مِن أئمة أهل بيت النبيّ (ص) وتمسّكهم بتعاليمه التي تعبّر عن تعاليم الإسلام النقية الصافية .
وهل ينكر أحد أن أئمة مذاهب السُّنـّة الأربعة كانوا تلامذة للإمام جعفر الصادق (ع) ، سواء بصورة مباشرة كأبي حنيفة ومالك ، أو بصورة غير مباشرة كالشافعي وأحمد بن حنبل ، وكلهم جاؤوا مِن بعده ؟!.
تواجد الشيعة في دمشق :
تعتبر دمشق مِن أقدم مدن العالم ، وبعد الفتح الإسلامي أصبحت عاصمة للدولة الأموية ردحاً مِن الزمن . ورغم العداء المكين بين الشيعة والأمويين ، فقد تواجد الشيعة في دمشق منذ القرن الأول الهجري ، ثمّ عظم شأنهم عندما حكمت الدولة الفاطمية سورية حوالي سنة 400 هـ .
ويذكر أجدادنا أن أول ما سكن الشيعة في دمشق ، سكنوا في حارة العبيد في سوق ساروجا ، ثمّ انتقلوا إلى حي المزابل في ( حِكر السرايا ) وهي منطقة منخفضة مِن العمارة قريبة مِن مسجد الأقصاب ، يطوف عليها بردى إذا طاف . ثمّ انتقلوا إلى تلّة السمّاكة وزقاق المليحي ، وامتدوا إلى الجامع الأحمر والخراب .
ويقع حي الخراب في الجزء الشرقي مِن دمشق القديمة ، مجاوراً لأقليات دينية ؛ فمن الشرق النصارى ، ومن الجنوب اليهود ، ومن الغرب بقية أحياء دمشق مِن السنة ، ومنها مئذنة الشحم والشاغور ، فهل كان اختيار الشيعة لهذا الحي صدفة ، أم أنهم اختاروه عن عمد واختيار !؟. وقد كانت هذه المنطقة مزدهرة في الماضي القديم ، فكانت مقرّ الجالية الرومانية . ولما حصلت عدة زلازل في سورية وفلسطين ، ومنها زلزال عام 1173 هـ ، كان الخراب فيها على أشده ، فتهدمت وسمّيت ( الخراب ) ، ولعل الشيعة سكنوها بعد خرابها ، ويوجد تحتها ركام مِن حضارات كثيرة : عمّورية وآرامية ويونانية ورومانية وإسلامية .
ويقطن الشيعة اليوم في دمشق في ثلاث مناطق رئيسية : في حي الخراب ( حي الأمين ) ، وفي الجورة ( حي الإمام الصادق ) ، وفي الصالحية ( حي الإمام زين العابدين ) .
فأما مركز تجمعهم الأول في ( حي الأمين ) فتوجد فيه أكثر فعالياتهم ، وهم يتميزون بنسبة عالية مِن الوعي والثقافة ، وكان ذلِكَ بفضل العلماء الأجلاء الَّذينَ أنشؤوا لهم المدارس والجمعيات الخيرية وسهروا على رعايتها .
وأما التجمع الثاني للشيعة في ( الجورة ) فيقع شمال حي الأمين ومتصل به جزئياً ، وفيه جمعية التعاضد والمدرسة الهاشمية . ولما تم فيه بناء مسجد الإمام جعفر الصادق (ع) ، أصبح اسمه حيّ جعفر الصادق (ع) . وكلا التجمعين السابقين يقع في منطقة القيمرية داخل سور دمشق .
وأما التجمع الثالث للشيعة في دمشق فهو في زقاق المحكمة في الصالحية ، وتقع الصالحية في أقصى شمالي دمشق على جبل قاسيون . ومنذ أقيمت في هذا الحي مدرسة الإمام زين العابدين (ع) صار اسم الحي : حي زين العابدين .
ويلاحظ أن الشيعة الَّذينَ وفدوا على دمشق مِن بعلبك أو مِن جبل عامل سكنوا في الصالحية شمالي دمشق أو في الجزماتية في الميدان جنوبي دمشق ، وذلك توخياً للمناطق ذات الأبنية الرخيصة .
وضع الشيعة في حي الأمين :
لما جاء السيد الأمين إلى دمشق عام 1901 قام بحركة إصلاحية كما سترى ، تمثلت في إقامة مدارس وجمعيات لرفع مستوى الناس مادياً ومعنوياً . فمن جمعية الإحسان الإسلامية التي تؤمّن للفقير الغذاء والكساء ، إلى جمعية إغاثة المرضى الفقراء التي تؤمن له العلاج والدواء ، إلى الجمعية المحسنية التي تعلّم الذكور ، إلى الجمعية اليوسفية التي تعلّم الإناث ، وغيرها . ولذلك نجد في حي الأمين أعلى نسبة ثقافية بالنسبة لأحياء دمشق الأخرى .
علماء حي الأمين ومعاناتهم
توالى على الحي في القرن التاسع عشر والقرن العشرين عدة علماء مجتهدين ، كلهم مِن لبنان ، آثروا أن يتركوا وطنهم ليقيموا في دمشق ، مِن منطلق الدافع الشرعي لخدمة أبناء الطائفة في دمشق وسورية ، وقد لاقوا صعوبات جمة وبلاءات شديدة ، حتى أن بعضهم رحل بعد إقامته بقليل ، ومنهم مَن تحمل الشدائد والأمرّين موقناً بالأجر والثواب والواجب الديني .
وقد استقينا معلوماتنا حول هذا الموضوع مِن مصدرين هما : ( أعيان الشيعة ) للسيد الأمين رحمه اللّـهُ ، والحجة السيد علي مكي حفظه اللّـهُ .
قال مولانا السيد علي مكي العاملي : كم مِن العلماء مَن عملوا واجتهدوا في سبيل هداية الناس وتوجيههم ولاقوا مِن أجل ذلِكَ صعوبات . مِن هؤلاء العلماء المجاهدين الَّذينَ خدموا الدين والمؤمنين ، أولئك العلماء الَّذينَ أقاموا في هذا البلد دمشق ، وقد تحملوا المحن والآلام ، لكنهم أعرضوا عن الإساءات . أعدّ منهم :
(1) - السيد حسن يوسف مكي : ( 1844 - 1906 م )
ولد في قرية ( حبّوش ) قرب النبطية جنوبي لبنان عام 1260 هـ / 1844 م وتوفي في شهر رمضان 1324 هـ / 1906 م عن عمر 64 عاماً .
كان عالماً فاضلاً متقناً محمود السيرة . قرأ المقدمات في جبل عامل في مدرسة ( جُبَع ) ورئيسها الفقيه الشيخ عبد الله نعمة الشهير . وفي عام 1287هـ / 1870 م هاجر إلى النجف الأشرف في العراق فقرأ السطوح في الفقه والأصول ، وحضر خارجاً في الفقه والأصول (أعيان الشيعة للسيد الأمين ، مجلد 5 ص 394 ) .
ثمّ عاد سنة 1309 هـ / 1892 م إلى جبل عامل . فدعاه أهل النبطية التحتا للإقامة عندهم ، فسكنها وابتنى بها داراً له ، وبنى جامعها ، وأنشأ فيها مدرسة تخرج منها الشيخ أحمد عارف الزين صاحب مجلة العرفان ، والشيخ سليمان ظاهر والشيخ أحمد رضا وغيرهم .. وحجّ بعد مجيئه إلى جبل عامل بمدة قليلة ، بذل له الحاج محمّد علي بن الحاج عباس رضا الدمشقي ، فحجّ معه .
قال مولانا السيد علي مكي العاملي :
جاء جدي السيد حسن يوسف إلى دمشق مرتين . الأولى لحل خلاف
( ميراث ) بين عوائل في الحي . وقبل أن ينهي المشكلة ويعود إلى بلده النبطية أقاموا له حفلة ، وفيها ظهرت معاملة أهل الحي اللطيفة المثالية . فسأله أحدهم : كيف وجدت أهل الحي ؟. قال : إنْ كان باطنهم مثل ظاهرهم فبارك اللّـهُ فيهم ، وإن كان باطنهم خلاف ظاهرهم فالمداس (الحذاء) خير منهم .
وفي المرة الثانية جاء السيد حسن يوسف إلى دمشق وأقام فيها ستة أشهر . حدّثني بذلك الحاج عبد المجيد رضا رحمه اللّـهُ .
قال : أول مَن دخل هذا البلد كعالم السيد حسن يوسف مكي ، وأقام فيها مدة بسيطة ، وهو مِن كبار علماء جبل عامل ، درس في النجف والكاظمية وتتلمذ على أكابر علماء الطائفة ، وكان صاحب شجاعة وعلم ونفوذ . ثمّ تركها ورجع إلى جبل عامل . ثمّ استدعي إلى دمشق لحلّ مشكلة شرعية ، فحلّها ورجع . وهو جد السيد علي مكي لأمه .
(2) - الشيخ محمّد دْبوق العاملي : ( ت 1900 م )
وقال مولانا السيد علي مكي العاملي : ثمّ جاء الشيخ محمّد دْبوق ، وهو رجل ورع تقي صالح ، أقام فترة في دمشق ، ثمّ رحل .
كان عالماً فاضلاً تقياً ورعاً خشناً في ذات الله ، وكان أديباً شاعراً ، وقلما تحصل معه واقعة إلا أنشد فيها شعراً .
تفرّع مِن أب فقير عامي ، فنبغ بجِدّه ، لا بأبيه وجَدّه .
يقول السيد الأمين : كان شريكنا في الدرس في أول الاشتغال في جبل عامل ، فقرأنا معاً ( قطر الندى ) و ( شرح الألفية ) و ( المـُغني ) و ( الحاشية في المنطق ) و ( شرح الشمسية ) و ( المطوّل ) و ( المعالم في الأصول ) . ثمّ سافر إلى العراق لطلب العلم ، ثمّ عاد منها بسبب مرضه عام 1308 هـ / 1891 م . والتقينا به في الطريق ونحن ذاهبون إلى العراق وهو عائد منها .
ثمّ اشتغل في مدرسة ( شقرا ) على ابن عمنا السيد علي محمود . ثمّ توطن مدة في دمشق وانتفع به أهلها . ثمّ عاد إلى مسقط رأسه ( خربة سلم ) وتوفي فيها سنة 1317 هـ / 1900 م (أعيان الشيعة ، مجلد 9 ص 274) .
و كان عنده علم الفراسة ، وحكي عنه القصة التالية : كان شخص مِن آل الواسطي لم يرزق ولداً حتى صار عمره أربعين سنة . ثمّ رزقه اللّـهُ ولداً ، وكان عمره سنة ونصف وهو يحبو . عزم أبوه الشيخَ محمّد دبوق والشيخ عبد الله نعمة ، فلما رأى الشيخ دبوق الولد قال له : لمن هذا الولد ؟ قال : ابني . قال : الله يقصف عمره . فتعجب الوالد مِن قوله . ثمّ
صار عمر الولد عشر سنوات ، وكان عند باب الكنيسة حيث المئذنة بائع سمك مسيحي ، فصار هذا الولد يتردد على هذا الرجل المسيحي . ثمّ انفقد الولد ، ما الحكاية ؟. لقد نصّره المسيحي وبعثه إلى زحلة وأدخله إلى الكنيسة وتنصَّر .
(3) - الشيخ عبد الله نعمة : ( 1804 - 1886 م )
ولد سنة 1219 هـ / 1804 م وتوفي فجر الثلاثاء 26 ربيع الثاني 1303 هـ / 1885 م في ( جُبع ) وعمره ينوف على الثمانين .
كان عالماً جليلاً شاعراً أديباً ، ذا أخلاق سامية وصفات جليلة ، بهي الطلعة صبيح الوجه ، حلو العبارة لطيف الإشارة . قرأ في جبل عامل ، ثمّ هاجر إلى العراق فقرأ في النجف الأشرف على كثير مِن علمائها المبرزين .
ولما رجع إلى ( جبع ) كانت له الرئاسة الدينية في جبل عامل وجميع بلاد الشيعة في سورية ، ورجع إليه جميع الناس في الأمور الدينية .
يقول السيد الأمين في كتابه (أعيان الشيعة ، مجلد 8 ص 60) : رأيته مرتين في جبل عامل ، فرأيت رجلاً مهيباً وقوراً ، بهي الطلعة أبيض الوجه واللحية ، وكنت صغير السن . وكانت له في كل سنة دورة على عموم بلاد الشيعة ، فيأتي إلى بلاد بشارة وجبل لبنان ، وبلاد بعلبك ودمشق ، وبلاد حمص وحلب وغيرها ...
وقال صاحب ( تكملة أمل الآمل ) في حقه : فاضل فقيه ماهر في العلوم الدينية غير مدافَع . كان شيخ كل البلاد الشامية ، ولو ظل في النجف لكان شيخ كل البلاد الإسلامية .
سئل مولانا السيد علي مكي العاملي : هل أقام الشيخ عبد الله نعمة في دمشق ؟. قال السيد : ربما تردد الشيخ على دمشق باعتبارها مركزاً هاماً ، ولكنه لم يُقم فيها ، كما حصل للسيد عبد الحسين شرف الدين ، فلما اضطهد في لبنان هرب إلى دمشق ، وأقام مدة في الصالحية .
(4) - الشيخ محمّد حسين مروة ( المعروف بالحافظ ) :
لقّب بالحافظ لسرعة حفظه وكثرة ما كان يحفظه مِن أخبار الأوائل وأشعارهم . كان فاضلاً أديباً شاعراً كاتباً ، عابداً لا يترك قيام الليل . وكان قليل الأكل وقلما يشرب ماء حتى في الصيف .
قال السيد الأمين :
كان رفيقي في الدرس عند الشيخ محمّد علي عز الدين في مدرسته في
( حنوية ) ثمّ ترك الدرس . وكان شاعراً مُجيداً ، أديباً جامعاً مانعاً ، وفي الحفظ ما سُمع نظيره في هذا العصر يحفظ أشعار العرب وأخبارهم (أعيان الشيعة ، مجلد 9 ص 258) .
و هذا العالم تعذَّب كثيراً في الحي . وقد حكيت عنه الحكاية التالية ، أن أحد الفضلاء رأى الشيخ محمّد حسين مروة المنام بعدما مات حاملاً مضابط ( دعاوي ) كلها على أهل محلة الخراب . ما فعلوا معه يا ترى ؟. في ليلة مِن الليالي ، جاء بعض السادة وقالوا له : إذا تبيت اليوم في بيتك سوف نقتلك . فلما قالوا للشيخ هذا الكلام ترك الشيخ البيت ، ومشى إلى أسفل الشارع إلى البوابة ، وهو يقول : لا حول ولا قوة إلا بالله . وكان شخص هناك ساكن عند بحرة السودا ، رأى في منامه أمير المؤمنين (ع) يقول له : قُل للشيخ ينام في بيته . فتعجب الشخص ، مَن هو الشيخ ؟!. نزل مِن داره فوجد الشيخ وهو يردّد : لاحول ولا قوة إلا بالله . قال : ما تفعل ؟. قال : أخاف أن أبيت في بيتي . قال : إن مولاك أمير المؤمنين (ع) يقول لك : اذهب ونَم في بيتك ، ولا تخف أحداً .
ويروي مولانا السيد علي مكي العاملي هذه الحكاية بالشكل التالي منسوبة إلى الشيخ محمّد مقداد ، قال :
ثمّ جاء إلى دمشق الشيخ محمّد مقداد ، ولم يكن عالماً كبيراً ، بل كان تقياً ورعاً ذا فضل ودين . أقام فيها نحو سبع سنوات ، وقد أزعجه الناس كثيراً حتى همّوا بقتله . وتروى في ذلِكَ قصة مشهودة : في الليلة التي صمم أحدهم على قتله ، جاء أمير المؤمنين (ع) في عالَم الرؤيا وهدَّده وقال : إذا حاولتَ قتل الشيخ أكسر ظهرك . وكان الشيخ في تلك الليلة التي كانوا يريدون قتله فيها يتمشى في شارع الأمين ويستغفر الله تعالى . فنزل القاتل مِن بيته وقال له : عدّي مِن هنا ، إن أمير المؤمنين قد خلّصك .
ثمّ ترك الشيخُ دمشق ورجع إلى جبل عامل .
(5) - السيد علي محمود الأمين : ( 1860 - 1912 م )
قال السيد الأمين في كتابه (أعيان الشيعة ، مجلد 8 ص 340) : كان السيد علي محمود عالماً ، محققاً مدققاً ، فقيهاً أصولياً ، رئيساً مهيباً ، مطاعاً نافذ الكلمة ، محمود النقيبة .
ولد في ( شقرا ) مِن قرى جبل عامل في حدود 1276 هـ / 1860 م وتوفي ليلة السبت 11 شوال 1328 هـ / 1912 م ، فيكون عمره نحواً مِن 52 عاماً .
بعد أن حفظ القرآن ولما يبلغ السابعة ، قرأ في ( شقرا ) ، ثمّ توجه إلى العراق وعمره 14 سنة ولما يبلغ الحلم . وقرأ هناك على أكابر العلماء نحو عشرين سنة حتى عام 1311 هـ / 1894 م حيث رجع إلى جبل عامل . وتوفي هناك ودفن في ( شقرا ) .
قال مولانا السيد علي مكي العاملي حفظه اللّـهُ : ثمّ جاء السيد علي محمود ، عم السيد محسن الأمين . أقام نحو عشر سنين في دمشق ، ثمّ قال : أنا لا أنفعكم ، ابن أخي السيد محسن ينفعكم .
(6) - الحجّة السيد محسن الأمين : ( 1867 - 1952 م )
ثمّ قال مولانا السيد علي مكي العاملي : يمتاز السيد محسن بعقله الكبير . كان يعيش في النجف في سمو ، جاء إلى دمشق وبدأ يعمل ويبني ، ويعتبر السيد محسن أول مؤسس في هذا الحي على مختلف المستويات . كان وضع الحي سيئاً ، عمل على إبراز المؤمنين . كانوا فقراء ، فشجعهم على أن يعملوا ويكدوا . على المستوى الثقافي أنشأ المدرسة العلوية ثمّ المحسنية ثمّ اليوسفية وجمعيات أخرى . جمّع الكيان لرفع شأن أهل الحي ، إضافة إلى توجيه الناس وتثقيفهم والمحافظة على واجباتهم وتكاليفهم الدينية . وعمل على التأليف بين عوائل الحي .
في سبيل ذلِكَ تحمّل الكثير الكثير مِن المحن والبلايا ، حتى قال : مثلي فيكم مثل القرآن بيد المجوس واليهود . وقال : عشت بين قيل وقال .
ثمّ قال مولانا السيد علي مكي العاملي : " يعتبر السيد محسن المؤسس لكثير مِن الأمور في الحي ، ولا ينكر فضله إلا عاقّ . وقد ربّى أجيالاً ، وكان عالماً محترماً بين العلماء .
ورغم السلبيات التي تذكر عن معاملة بعض أهل الحي له ، فقد كانت هناك إيجابيات في رجالات الحي الَّذينَ عاونوه لتحقيق تلك الإنجازات " .
وقد عانى كثيراً مِن الفقر والعوز ، حتى أنه كان يعيش مِن واردات كتبه . وفي البداية كان يوكل لإحدى جمعيات الحي طبع الكتاب الَّذي يريد طبعه ويعطي حق الاستفادة منه للجمعية ، كما حصل في كتاب ( مفتاح الجنات - 3 مجلدات ) الَّذي طبعه على نفقة ( جمعية الاهتمام بتعليم الفقراء والأيتام ) كما هو مدوّن عليه ، ووهبها أرباح الكتاب . فقد كان لدى الجمعية 50 ليرة عثمانية ذهبية في حوزة الحاج رشدي الحكيم أُنفقت على طبع الكتاب . ففي الصفحة الأولى مِن الطبعة الأولى لهذا الكتاب مكتوب :
مفتاح الجنات ، طبع على نفقة جمعية الاهتمام بتعليم الفقراء والأيتام ، طبع في مطبعة ابن زيدون عام 1351 هـ / 1932 م .
ثمّ قال مولانا السيد علي مكي العاملي : " ولقد تمنى السيد الأمين أن يصير أحدُ أولاده عالماً ، وبذل الكثير مِن أجل ذلِكَ ، ولكن لم يُوَفـَّق . وذلك مثلما حصل للسيد عبد الحسين شرف الدين ، إذ أن العالم لا يحمل إرثه إلا عالم مثله " .
للسيد الأمين ديوان شعر ( الرحيق المختوم ) يذكر فيه في باب شكوى الزمان هذا المعنى . يقول : مثلي مثل السيف في غمده ، أعيش وحدي . لقد أعطى الكثير مِن جهده وعلومه ، ولكن تلك الرزايا لم تفتّ في عضده . إنه يرى أن هذه الأمة أمانة في عنقه ، واجب عليه تعليمها وتجميع قواها والرقي بها .
(7) - الحجة السيد حسين يوسف مكي : ( 1908 - 1977 م )
ثمّ قال مولانا السيد علي مكي العاملي : لم يزل هذا القيل والقال في عهد والدي ، وفي زمني الَّذي بلغ ربع قرن . هناك قيم وأخلاق يجب أن نحافظ عليها ، لا نريد غيبة ولا نميمة ولا قيل ولا قال ...
وقال : ثمّ جاء والدي السيد حسين إلى دمشق بأمر مِن الحجة السيد محسن الحكيم رحمه اللّـهُ ، وكانت غايته كغاية كل عالم ، وهي حفظ الدين والتشيع ، ولم تكن له أية مصلحة شخصية . علّم شيعة دمشق علوم الدين والدنيا ، حتى صاروا بمقام خير وسعادة .
عاش والدي كالذي عاش السيد الأمين في الحي . إنهما عالِمان لم يدخل دمشق علماء مثلهما ولن يدخل . إن مَن يدّعون الآن الاجتهاد ليسوا هم مجتهدين ، إنهم فقهاء ، يعطون رأيهم الفقهي ، لقد انتهى عصر الاجتهاد ، مِن الآن فصاعداً لم يعد هناك اجتهاد . إن العالم له أولويات ، ليس العالم مَن يعمّر مسجداً أو مدرسة أو يبني مستشفى أو بيوتاً للفقراء . العالم بدينه وإيمانه وعلمه وتقواه ، وتحمله المسؤوليات تجاه الناس . إنه يحفظ الناس بقدر طاقته . بعض الناس يقدّرون العالم حسب جهلهم . كلما زاد عدد المساجد فهذا يدل على زيادة الأهواء . لا يجوز لي أن أبني كياناتي مِن الحقوق الشرعية .. إنه حق الفقراء ، وإنه مال الله المرصود لعباد الله ، وإذا كان لا يوجد فقراء هنا يمكن أن نسوقه إلى فقراء بلد آخر أكثر حاجة منا .
السيد حسين يوسف مكي أول مجيئه حافظ على فكر السيد الأمين ومؤسساته . مثلاً كتاب الرسالة ( الدر الثمين ) للسيد الأمين ، عمل والدي له تحشية مِن آراء السيد الحكيم ، حتى يبقى الناس يعملون به . العالم السابق يجب أن لا يموت ، العالم يحفظ العالم الَّذي هو مثله . إن السيد حسين مكي معروف بالعلم عند العلماء جميعاً ، الفقه الأصول الفلسفة .

ثمّ هو حفظ مؤسسات الحي ، واهتم بالشباب ، ثقّفهم وعلّمهم ، وأبعدهم عن الاتجاهات الباطلة .
هذان العالمان هما أبرز مَن جاء إلى هذا الحي ، في العلم والعمل . ولقد تحملوا كثيراً ، ولكن ذلِكَ لم يضعف مِن عزيمتهم ، بل زادهم قوة لتطبيق الرسالة التي حملوها وجاؤوا مِن أجلها . ومضوا إلى الله بكل عزة وجميل عند الله.
(8) – سماحة السيد علي مكي العاملي (دام ظله ) :
وعلى إثر وفاة العلامة المجتهد الأكبر السيد حسين يوسف مكي عام 1977 م استلم ابنه الأكبر مولانا السيد علي مكي العاملي رئاسة الطائفة الجعفرية في سورية ، وذلك بعد حصوله على درجة الاجتهاد مِن النجف الأشرف . وقد لاقى السيد علي ألوان البلاء ، مِن الجاهلين والمثقفين على السواء ، كما لاقى والده مِن البلواء والضراء . فكأن الأشعار التي قالها العلامة الأمين في التشكي مما لاقى مِن العنت والعناء ، تنطبق على كل الفقهاء والعلماء !.
وما زالت الطائفة الجعفرية في سورية تعيش في ظله الوارف مستفيدة من علمه وشجاعته وتقواه وورعه ، وهو يصد عن المذهب ألوان البلاءات بما عرف عنه من حكمة وفقاهة ، أمدَّ الله في عمره .
قصـة مؤثرة :
قال مولانا السيد علي مكي العاملي حفظه اللّـهُ : جاء الشيخ عبد الكريم الجزائري مِن العراق إلى دمشق يريد الحج ، فزار السيد محسن الأمين رحمه اللّـهُ ، فأخذ السيد الأمين يتحدث له عن مشاريعه في الحي ومنها المدرسة العلوية . فهزّ الشيخ عبد الكريم رأسه وقال : سيدنا كم عمامة موجودة إلى جانبك في دمشق ؟. قال : لا يوجد غيري . قال : لو كان عِمـَّة ثانية بجانبك لما حصل لك ربع ما حصل !.
يريد مولانا أن يبيّن أن التناحر بين الفقهاء يؤدي إلى الفشل وذهاب القوة وضياع الأعمال التي تحتاج إلى تعاون وتضافر وسلطة مركزية واحدة ، واللّـهُ يقول : { ولا تنازَعوا فتفشَلوا وتذهبَ ريحُكم } صدق اللّـهُ العظيم .
نماذج مِن أشعار السيد الأمين التي تصور مآسيه :
قال رحمه اللّـهُ (الرحيق المختوم - الباب 11 : شكوى الزمان ، ج1 ص 234) :
أصبحتُ فرداً في الديا
رِ وعيشيَ العيش النكيدْ
ومِنَ الكمال معطّلاً
لا أستفيد ولا أُفيد
كالمشعل المصباح بيـ
ـن العميِ أو بين الرقود
أو واضع القرآن في
بيت المجوس أو اليهود
ومِنَ العجائب أنني
أُبلى ويحسدني الحسود
واللّـهُ يفعل ما يشا
ء بنا ويحكم ما يريد
وقال :
أصبحتُ فرداً بهذي الدار مغترباً
وما بها ليَ مِن أهل ولا مالِ
أُجَرَّع الصبر فيها كل آونة
مُرّاً وأصحب فيها غيرَ أشكالي
آوي إلى منزل في حيِّها قلقٍ
كأنني ساكن في رأس عَسّال
وقال السيد رحمه اللّـهُ :
أصبحت لا مَن يستفيد منيَ
علماً ولا مَن أستفيد منهُ
كالسيف في كفِّ جبانٍ خانهُ
حاملـُـهُ ، والسيف لم يخُنْه
وقال في نفس المعنى :
إلى الله أشكو أنني في منازلٍ
أبيتُ بها فرداً وما ليَ ثانِ
فلا مستفيد بي ولا مَن يفيدني
كأني حسام في يمين جبان
وقال السيد محسن الأمين :
إلى الله أشكو أنني في منازلٍ
بها الجهل مضروبُ القِباب مخيِّمُ
فلا ذاكرٌ للعلم في عرَصاتها
ولا عالمٌ فيها ولا متعلِّم
وقال رحمه اللّـهُ :
ما لي تقاذفني البلاد كأنني
ما بينها كُرَةٌ بكفِّ مُلاعبِ
ما لي بها وطن ولا سكَن ولا
سجن ولا إلف ولا مِن صاحب
ولقدخشيت ضياع عمري في التي
لا أرتضي وفواتَ جُلِّ مآربي
وقال في نفس المعنى :
أسفي على عمري انقضى
وأُضيع في قيلٍ وقالْ
حتى متى يمضي زما
ني بين حِلٍّ وارتحال
يا رَبِّ فامنُنْ بالقرا
رِ ببلدةٍ يا ذا الجلال
وأَدِمْ لنا عيش الكفا
فِ بها مِن الرزق الحلال
لا تُحْـوِجَـنّي لِلَّئـيـ
ـم ووَقِّني ذُلّ السؤال
لا تجعلنَّ لنا بغيـ
ـرِ العلم في الدنيا اشتغال
إني رضيت به فلا
أبغي به خَوَلاً ومال
واجعلْ بقية عمرنا
وقفاً على حُسن الفعال
واختُمْ لنا بالصالحا
تِ ولَقِّنا حُسنَ المآل
لا تَركُنَنَّ لهذه الدُّ
نيا فغايتها الزوال
ولئن رجوتَ بها الصفا
ءَ فما رجوتَ سوى المحال
إني بلوت الدهر والـ
أيامَ حالاً بعد حال
وحملت مِن أعبائها
ما قد تسيخ له الجبال
فوجدتُ أثقلها على
نفسِ امرئٍ مِنَنُ الرجال
وقال رحمه اللّـهُ :
بلوتُ أهلَ زماني
مِن كلِّ قاصٍ ودانِ
فما رأيت صديقاً
يبقى على الحدثان
كم مِن صديق مفدَّى
بمهجتي و جَناني
لما رأى صرف دهري
بالغدر منه رماني
أهوى إليّ بسيفٍ
مِن غدره و سِنان
ومَن له ألفُ وجهٍ
يُرى وألفُ لسان
يزور إن كان مالٌ
فإن جفاني جفاني
هذا هو الشأن مهما
تعاقب المـَلــَـوان
لذاك أيقنتُ أني
في الناس مِن غير ثانِ
وقال :
فيمَ المـُقام بدارٍ لا مُقام بها
في رَبعها العلم لا عينٌ ولا أثرُ
فالدرس مندرسٌ والفضل منطمس
والجهل منتشر والغيّ مشتهر
وقال :
لحى اللّـهُ دهراً صدَّني عن مقاصدٍ
أطال عليها لوعتي ولهيفي
وأعظم ما أشكو مِن الدهر أنني
وحيدٌ وإن أصبحت بين أُلوف
وقال :
أصبحت في الدار لاعيشي بمتَّسِعٍ
فيها ولا طالب للعلم يأتيني
كلا ، ولا عالم آتيه مستمعاً
كذاك مَن يخسر الدنيا مع الدين
وقال :
مِحنُ الزمان كثيرة وأمَضُّها
ذو العلم يمضي فيه حُكم الجاهلِ
أمسى يعاديني الزمان وليس لي
ذنبٌ لدى الأيام غيرُ فضائلي

وقد وقع تحت يدي كتاب صغير ألـَّفه السيد الأمين رحمه اللّـهُ عن ( الشهيد الثاني ) طبعه عام 1950 ، يقول فيه ص 13 :
" ولقد عانى كاتب هذه السطور كثيراً مِن المشاق ، فتضطرني الحال وأنا في سن الشيخوخة إلى شراء حوائجي مِن السوق بنفسي ، وإلى غير ذلِكَ مِن الأعمال البيتية ، ولا أزال - وقد جاوزت الرابعة والثمانين 84 مِن عمري - أزاول ذلِكَ ، وأشتغل بالتأليف والتصنيف ليلي ونهاري ، ولا مساعد ولا معين إلا اللّـهُ تعالى ".
[ الموضوع منقول عن كتاب حياة وذكريات ج1 للدكتور لبيب بيضون ]
-------------------------------------------------------------
إخوتي الاعزاء هذه لمحة موجزة عن واقع ونشأة الطائفة الجعفرية في دمشق ، ولقد تركت الحديث عن مولانا السيد علي مكي حفظه الله لان الحديث يحتاج إلى مطولات ، لا يسمح المكان بها .
وسأحاول أن أخصص له موضوعاً خاصاً به .
أخوكم خادم خدام أهل البيت : صفوان لبيب بيضون .


رد مع اقتباس