3_المكاسب المحرمة ...لسماحة السيد علي مكي دامت بركاته - منتديات موقع الميزان
موقع الميزان السلام عليك أيتها الصدِّيقة الشهيدة يا زهراء السيد جعفر مرتضى العاملي
يا مُمْتَحَنَةُ امْتَحَنَكِ اللهُ الَّذي خَلَقَكِ قَبْلَ اَنْ يَخْلُقَكِ، فَوَجَدَكِ لِمَا امْتَحَنَكِ صابِرَةً، وَزَعَمْنا اَنّا لَكِ اَوْلِياءُ وَمُصَدِّقُونَ وَصابِرُونَ لِكُلِّ ما اَتانا بِهِ اَبُوكِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَاَتى بِهِ وَصِيُّهُ، فَاِنّا نَسْأَلُكِ اِنْ كُنّا صَدَّقْناكِ إلاّ اَلْحَقْتِنا بِتَصْديقِنا لَهُما لِنُبَشِّرَ اَنْفُسَنا بِاَنّا قَدْ طَهُرْنا بِوَلايَتِكِ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ * ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ * صَدَقَ اللّهُ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ – منتديات موقع الميزان للدفاع عن الصدِّيقة الشهيدة فاطمة الزهراء صلوات الله عليها – منهاجنا الحوار الهادف والهادئ بعيداً عن الشتم والذم والتجريح ولا نسمح لأحد بالتعرض للآخرين وخصوصاً سب الصحابة أو لعنهم وهذا منهاج مراجعنا العظام والعلماء الأعلام حفظ الله الأحياء منهم ورحم الماضين
 
اضغط هنا
اضغط هنا اضغط هنا اضغط هنا
اضغط هنا
عداد الزوار
العودة   منتديات موقع الميزان .: مراجع عظام وعلماء أعلام :. الميزان الفقهي

إضافة رد
كاتب الموضوع جارية العترة مشاركات 0 الزيارات 2989 انشر الموضوع
   
أدوات الموضوع ابحث في الموضوع

جارية العترة
الصورة الرمزية جارية العترة
المدير العام
رقم العضوية : 12
الإنتساب : Mar 2007
الدولة : لبنان الجنوب الابي المقاوم
المشاركات : 6,464
بمعدل : 1.04 يوميا
النقاط : 10
المستوى : جارية العترة will become famous soon enough

جارية العترة غير متواجد حالياً عرض البوم صور جارية العترة



  مشاركة رقم : 1  
المنتدى : الميزان الفقهي
افتراضي 3_المكاسب المحرمة ...لسماحة السيد علي مكي دامت بركاته
قديم بتاريخ : 25-Jun-2009 الساعة : 10:00 PM

اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم


(7)

الغـنـاء

الغناء وسماعه لا إشكال ولا ريب في حرمته في الجملة. وعلى هذا فلا إشكال في حرمة التكسب به، بأن يجعله الإنسان وسيلة عيش ورزق له، والمال منه حرام مطلقاً. فإن الله سبحانه وتعالى عندما قسم الأرزاق قسّمها بين عباده مِن حلال، ولم يجعل شَيْئاً مِن ذلِكَ مِن حرام، فإنه مِن المستحيل أن يقسم رزقاً حراماً ويحاسب الناسَ عليه ويعاقبهم به.

والمتيقّن مِن الغناء المحرم، هو الغناء الَّذي على طريقة المغنين في هذا الزمان والأزمنة السابقة، مِن دون فرق بين أنواعه، وأنواع الكلام الَّذي يقال فيه، فكل ما كان مِن الغناء على طريقة وبأسلوب المغنين بهذا الزمان فهو حرام، فلا حاجة للتفصيل والإطالة في الكلام حول هذا الموضوع.

ويدل على حرمة الغناء: القرآن والسنَّة الشريفة والاجماع.
في القرآن:

أما مِن القرآن فهي آيات عديدة، منها قوله تَعالَى:

{واجتنبُوا قولَ الزُّور}ومنها قوله تَعالَى: {ومِنَ النَّاسِ مَن يَشتري لَهْوَ الحديثِ، لِيُضِلَّ عن سَبيلِ الله}ومنها قوله تَعالَى: {والَّذينَ هُم عنِ اللَّغوِ مُعرِضون}.

فالزور، واللهو، واللغو ؛ عناوين عامة تشمل كل ماهو زور ولهو ولغو. إلا أن هناك روايات معتبرة ومعتمدة تقول وتوضح بأن الغناء هو المقصود خاصة باللغو واللهو وقول الزور في الآيات.

ففي صحيحة النضر بن سويد عن درست عن زيد الشحام قال: (سألت أبا عبد الله (ع) عن قوله عزّ وجل: {واجتنبُوا قولَ الزُّور} قال: قول الزور " الغناء ").

وورد في صحيحة أبي الصباح عن أبي عبد الله (ع) قال في قوله عزّ وجل: {والَّذينَ لا يشهَدونَ الزُّورَ}قال: الغناء (1).

ومنها صحيحة محمّد بن مسلم عن أبي جعفر (ع) قال: سمعته يقول: الغناء ما وعد اللّـهُ عليه النار، وتلا هذه الآية: {ومِنَ النَّاسِ مَن يَشتري لَهْوَ الحديثِ، لِيُضِلَّ عن سَبيلِ الله بغير عِلمٍ، ويتَّخِذَها هُزُواً، أولئكَ لهم عذاب مُهين}(2) "لقمان 6 ".

وعن أبي أيوب الخزاز، قال: نزلنا بالمدينة فأتينا أبا عبد الله (ع) فقال لنا: أين نزلتم؟. فقلنا: على فلان صاحب القيان (3). فقال: كونوا كراماً، فواللهِ ما علمنا ما أراد به، وظننا أنه يقول: تفضّلوا عليه. فسرنا إليه فقلنا: ما ندري ما أردت بقولك: كونوا كراماً. فقال: أما سمعتم الله عزّ وجل يقول: {وإذا مرّوا باللغو مَرُّوا كِراماً}(4).

هذه الروايات تأكيد وتفسير وشرح ودلالة على أن الغناء هو اللغو، وهو اللهو، وهو قول الزور. وقد وردت الآيات ناهية عنه، والنهي يدل على التحريم، فلا إشكال في حرمة الغناء بمقتضى الآيات الكريمة.





--------------------------------------------------------------------------------

(1) الوسائل ، ج12 ص 226

(2) المصدر السابق

(3) القيان: الجواري التي عملها الغناء

(4) الوسائل ، ج12 ص 236
مسائل:

1) - هل يصحّ أن يستأجر الإنسان صالة للغناء خاصة بحيث يكون القصد منها الاجتماع للغناء وسماعه؟.

لاتصحّ الإجارة لذلك. نعم لو استأجر الصالة لأجل غاية أخرى مثل أن تستأجر للأعراس، ووقع الغناء فيها فهذا أمر آخر.

2) - هل يصحّ غناء النساء في الأعراس؟.

يجوز غناء النساء في الأعراس بشروط يصعب تطبيقها اليوم، منها أن لا ترافقه أية آلة موسيقية، وبشرط أن لا يصل الصوت إلى خارج القاعة فيسمعه الرجال، وإلا فهو حرام.

3) - بعض الناس ممن يكسب ماله مِن الغناء ومصدر رزقه منه، يحاول أن يبذل بعض هذا المال في وجوه البر والخير مِن صدقات ومساعدة المرضى والفقراء وبناء مساجد أو مدارس ليغطي بذلك حرمة ما يأخذه مِن هذه الجهة، فهل يصح ذلِكَ؟.

الجواب: إن الله لا يُخدع عن جنّته، ولم يجعل مِن أسباب الخير والثواب المال الحرام، فالحرام يبقى حراماً ولا يحلله عمل الخير، وما يقال: شرّ هذا بخير هذا، غير صحيح. والله سبحانه إنما يتقبّل مِن المتقين. فحتى لو عمل ألف مسجد لا يكون حلالاً، ولا يحصل عليه ذرة مِن ثواب، بل توبته مِن هذا المال الحرام خير له مِن بناء ألف مسجد مِن مال حرام


الغناء رَقِيـَّة الزنا:

إن مهنة الغناء والتعامل به مِن أبغض الأمور إلى الله سبحانه وتعالى كما قرأنا في الأخبار الشريفة التي أشرنا إليها مفصلاً، وإن ترويج هذه المهنة وتحليلها مِن الأخطاء الكبيرة التي تدعو إلى التحلل الأخلاقي والأدبي بين الناس، فضلاً عن التحلل الإيماني والشرعي وتكريس جوانب الحرام والمعصية التي نهى اللّـهُ تَعالَى عن ارتكابها، وتأكيداً لهذا المعنى عبّرت الأخبار عن الغناء بأنه رقيـَّة الزنا، فليس مِن الضروري أن يكون الزنا بالممارسة الجنسية فقط، وإنما يشمل كل ما يؤدي إلى التحلل مِن القيود الشرعية التي تؤدي إلى وقوع الإنسان في شراك الشيطان وممارسة ماهو حرام، مِن جنس وغيره.

وإذا كان أبناء الجيل الحاضر يتهافتون على الغناء ويروّجونه ويعملون على اتساعه وانتشاره تحت شعار (الفـن) فما ذاك إلا للفراغ الَّذي يعيشه أبناء هذا الجيل والتحلل الَّذي يسيطر عليه، والحرية الواسعة التي يعيشونها إلى درجة أنها أدّت إلى الإباحية في كثير مِن أمورهم. وهذا مِن أخطر ما يواجهه الجيل الحاضر والمجتمع، وقد يكون فيه هروب مِن الواقع.

ومهما يكن مِن أمر فالغناء والحفلات التي يروّج لها بشكل واسع لا يمكن أن تحقق للفرد طموحاته ولا تحقق له تطلعاته ولا تساعده على الهروب مِن مشاكله ولا مِن الأوضاع التي تزداد سوءاً في المجتمع وفي الحياة، بل تزيده سوءاً وضياعاً، وليس أمامه إلا أن ينظر إلى واقعه ويعيش واقعه.

وما يقال مِن أن الغناء والموسيقى قد ترقى بالإنسان إلى أجواء الهدوء النفسي والاستقرار العاطفي وصقل المشاعر وتخفيف الضغط على الأعصاب، فهو كذلك إن كان مِن باب العلاج والاضطرار للإنسان، فيكون مِن قبيل الدواء بالمحرم إذا اضطر إليه الإنسان، أما أن يكون كذلك مع عدم الحاجة الماسة إليه فهو أمر غير جائز، لأن أسباب الراحة وهدوء الأعصاب وتحريك العواطف والمشاعر كثيرة، جعلها اللّـهُ سبحانه للإنسان في كثير مِن الأمور ومن حوله، وليت الإنسان يعيش واقعه ليرى أن ما حوله يفيض بالخير والعطاء.
(8)

السِّـحـر


عمل السحر والتكسب به حرام، ولا خلاف في ذلِكَ عند جميع المسلمين، بل حرمته مِن ضروريات الإسلام.

ويدل على التحريم القرآن الكريم.

قال تَعالَى: {يُعَلّـِمونَ النّاسَ السّـِحْرَ وما أُنزِلَ على المـَلَكَينِ بِبابِلَ: هاروتَ وماروتَ ؛ وما يُعَلّـِمانِ مِن أحدٍ حتى يقولا: إنّما نحنُ فِتنَةٌ فلا تَكْفُرْ، فيتَعَلـَّمونَ منهما ما يُفَرِّقونَ بهِ بينَ المـَرءِ وزَوجِه، وما هُم بِضارِّينَ بهِ مِن أحدٍ إلا بإذنِ الله، ويتعلَّمون ما يضرُّهم ولا ينفعُهُم}(1).

وقال تَعالَى: {ولا يُفْلِحُ السَّاحرُ حيثُ أتى}.

وورد في نهج البلاغة: مِن أن الساحر كالكافر.

وفي رواية عن جعفر بن محمّد عن أبيه أن علياً (ع) قال: مَن تعلم شَيْئاً مِن السحر قليلاً أو كثيراً فقد كفر، وكان آخر عهده بربه، وحدُّه أن يقتل إلا أن يتوب (2).

والسحر: هو الغلبة على الوهم والحواس بحيث يلتبس الحق بالباطل، ويلبس الباطل ثوب الحق، وقد يكون نتيجة استخدام الجن والشياطين أو أمور أخرى تؤدي إلى تغيير الصور، ويراها الشخص على غير حقيقتها، وتكون عند المسحور صورة مخيفة مفزعة يتأثر بها ويتأذّى منها ويتضرر بها، وقد تكون العكس.

ويستفاد هذا مِن قصة موسى (ع) مع السحرة. قال تَعالَى: {فإذا حِبالُهُم وعِصِيُّهُم يُخَيَّلُ إليهِ مِن سِحرهِم أنَّها تَسْعى}(3).

والإضرار بالسحر يكون نتيجة الصور والتخيلات التي تصيب الإنسان وتؤدي إلى انصرافه وتغيره عن وضعه الطبيعي، فيصبح إنساناً مشوّش الأفكار مضطرب النفس والأعصاب قلق الأوضاع. وقد ينصرف عن عمله الَّذي يعمل ويعيش منه بحيث لا يتمكن مِن العمل بعدُ ويكره عمله ولا يستطيع أن يتصوره، أو يكره الجلوس في البيت أو مع زوجته وأولاده، فينصرف عنهم وينصرف عن الناس ويكره معاشرتهم، كل هذا بسبب السحر. وقد يفرّق السحر بين الزوج وزوجته، وهذا ما يحدث كثيراً، وخاصة في هذا الزمان، ويقوم به بعض الأشخاص الَّذينَ يدّعون أنهم مِن الروحانيين أو أنهم يحضّرون الجان أو يخاوونهم أو غير ذلِكَ، فإن كل هذه الأعمال محرّمة حرمةً قاطعة للسحر ذاته، ولما فيها مِن الإضرار بالناس. وأخذ الأجرة عليه حرام حرمةً قاطعة، مِن حيث أنه أجرة على إيذاء الناس والإضرار بهم، وهو حرام، بل حتى كتابة الأدعية والأحجبة التي تكتب ولو للمحبة، أي زيادة حب الزوج لزوجته وصرفه عن غيرها، فإن هذا عمل قبيح وغير صحيح، بل حرام أيضاً لخروج الزوج عن وضعه الطبيعي المألوف الَّذي قد يؤدي إلى الإضرار به والإساءة إليه.

ولذلك يحرم على المرأة أن تذهب إلى المشايخ والمشعوذين الَّذينَ يستعملون مثل هذه الأمور والبخور وكتابة الأوراد والأحجبة، فإنهم يضحكون على الناس ويوقعونهم في الأضرار والمفاسد والشرور الشيطانية. وبذل المال لمثل هؤلاء حرام وأي حرام.

ولقد سمعنا مِن القصص عن هؤلاء المشايخ والمشعوذين ماهو بلاء وشرّ مستطير، وفيه هتك للأعراض واعتداء عليها وتدمير للأسر، قاتلهم اللّـهُ أنى يؤفكون، فالحذر الحذر منهم.

وقد ورد في رواية السكوني إسماعيل بن مسلم عن جعفر بن محمّد عن أبيه عن آبائه (ع) (قال) قال رسول الله (ص) لامرأة سألته: إن لي زوجاً وبه عليَّ غِلظة، وإني صنعتُ شَيْئاً لأعطفه عليّ!. فقال رسول الله (ص): أُفّ لكِ، كدّرتِ البحار وكدّرتِ الطين، ولعنتك الملائكة الأخيار وملائكة السَّموات والأرض. قال: فصاحت المرأة وقامت ليلها، وحلقت رأسها ولبست المسوح، فبلغ النبيّ (ص) ذلِكَ فقال: إن ذلِكَ لا يقبل منها!.

والرواية وإن كانت لا تدل على أن المصنوع سحر، إلا أن هذا العمل غير صحيح، لأنه قد يؤدي إلى الإضرار، ولأنه كما يظهر غير شرعي حتى وصفه النبيّ بأنها كدَّرت البحار. على أن المناقشة مِن جهة السند، فيظهر أنها غير تامة، وثالثاً إن باب التوبة مفتوح وما سُدّ باب التوبة على أحد إطلاقاً. إلا أن التشديد في هذا الأمر ضروري حتى لا يفسح المجال إلى ماهو محرم واقعاً، ويكون أشدّ على الرجل والمرأة بحيث تكون الحياة غير موثوقة ولا مأمونة، بل إن بعض الأعمال تكون بالمحرّم وبالنجس، وهو قطعاً حرام.

ثمّ إن الساحر إذا كان مستحلاً للسحر، فهو حرام قطعاً، بل هو كافر، ولو كانت يد الحاكم الشرعي مبسوطة لوجب قتل الساحر لأنه منكر لما هو ضروري مِن ضرورات الإسلام، وهو حرمة السحر.

وتعلُّم السحر وتعليمه أيضاً حرام، لما يؤدي إليه مِن أذى الناس والاضرار بهم، كما أوضحت الآية الكريمة السابقة.

نعم إذا كان تعلّم السحر لأجل دفع السحر والردّ على السحرة وإبطال سحرهم، فهذا يكون واجباً على المسلمين وعلى مَن يقدر على ذلِكَ، وخاصة للدفع والذبّ عن حرمات الإسلام.

وقد ورد في صحيحة إبراهيم بن هاشم عن شيخ مِن أصحابنا، قال: دخل عيسى بن شقفي على أبي عبد الله (ع) وكان ساحراً يأتيه الناس ويأخذ على ذلِكَ الأجر. فقال له: جعلت فداك أنا رجل كانت صناعتي السحر، وكنت آخذ عليه الأجر وكان معاشي، وقد حججت منه. ومَنَّ اللّـهُ عليّ بلقائك، وقد تبتُ إلى الله عزّ وجل، فهل لي في شيء مِن ذلِكَ مخرج؟. فقال أبو عبد الله (ع): حُلَّ ولا تعقد (4).

وقد ورد في الحديث: إن أجرة الساحر سُحت، أي حرام. وعليه فلا يجوز جعله وسيلة كسب وتعيّش واسترزاق، فإنه كسب حرام، وثمن الاضرار بالناس وإيذائهم.

هذا وقد وردت روايات عديدة في السحر وحرمته أذكرها للتأكيد على ما أشرت إليه.





--------------------------------------------------------------------------------

(1) البقرة 102

(2) الوسائل ، ج12 ص 107

(3) سورة طه 66

(4) الوسائل ، ج12 - باب الجهاد 46 جهاد النفس
(9)

الخِفّـة والشعبذة

وهي اللعبة التي تعتمد على سرعة الحركة وخفّة اليد، بحيث يظهر ويتخيل الناظر أن ما يقع هو الواقع ويظهر غير ما يتوقعه الناظر، مثل أن يظهر المشعبذ قطعة قماش بيضاء يريها للناس أنها بيضاء ثمّ يظهرها حمراء، أو يظهر شيئاً آخر مِن آلة أو طير، فهو بسرعة حركته وخفة يده يُشغل أذهان الناظرين فيتخيلون أن ما يفعله هو الواقع، أي أنه قلب قطعة القماش البيضاء إلى حمراء أو صفراء، في حين إنه بخفة يده وسرعة حركته بدّل القماشة البيضاء بالحمراء أو الصفراء.

وقد تكون الشعبذة نوعاً مِن أنواع السحر.

ولا إشكال في حرمة الشعبذة إذا كانت تؤدي إلى الإضرار بالناس، كما لو أدّت هذه الحركات السريعة إلى حصول شبهات وشكوك في نفس المشاهد، أو استوجب ذلِكَ إلى زعزعة إيمانه، أو حصول شيء في النفس بأن القدرة على الحركة بهذا الشكل لا يحصل عند أحد حتى الأنبياء والأوصياء (ع). وإلا إذا كانت مجرد أفعال ولا يترتب عليها أي شيء مِن الشبهات والشكوك، فلا حرمة فيها لعدم وجود الدليل على الحرمة. وأما التعيّش والارتزاق مِن هذا العمل فهو رهن بتحقق موضوعه، والاحتياط أفضل، والوقوف عند الشبهات خير مِن اقتحام الهلكات.

الشعبذة اليوم مِن الأعمال الرائجة والمسلية للناس، وتكثر في هذا الزمان في كل مكان وبين مختلف الطبقات تحت اسم ‘‘ الفن ’’. والحقيقة أنها فنّ مهم للتمويه على الناس وإشغالهم عن واقعهم المرّ الَّذي يعيشونه. وما كان لهذه الأمور أن تنتشر ويكون لها موقع في حياة الناس بالشكل الَّذي نراه اليوم لو لم يكن الناس مضطرين لذلك، ولو لم يكن واقعهم بعيداً عنهم أو يكون مِن المستحيل تحقيقه والعيش في ظله. وهكذا تفسد الحياة، وهكذا تتغير الموازين، وهكذا يُلبس الحق بالباطل، ويكون أهل الباطل أقرب مِن أهل الحق.

وهكذا تكون الشعبذة تعبيراً عما يعيش في داخل الإنسان مِن سوء وشرّ، ومن خلاف لواقعه وحقيقته. ومن هنا كانت نظرة الفقهاء والعلماء إلى ضرورة الابتعاد عنها وعدم التعاطي بها كي لا تؤثر على واقع الإنسان وعلى سلوكه.
روايات في حرمة السحر:

روى خالد الكابلي قال: سمعت زين العابدين يقول: الذنوب التي تغيّر النّعم البغي على الناس.. إلى أن قال: والذنوب التي تظلم الهواء ؛ السحر، والكهانة، والإيمان بالنجوم، والتكذيب بالقدَر، وعقوق الوالدين (1).

وورد في نهج البلاغة قال أمير المؤمنين (ع) لما عزم على المسير إلى الخوارج: أيها الناس، إياكم وتعلّم النجوم إلا ما يُهتدى به في برّ أو بحر، فإنها تدعو إلى الكهانة، والكاهن كالساحر، والساحر كالكافر، والكافر في النار. سيروا على اسم الله... (2).

وفي الحديث دخل عمر بن عبيد على أبي عبد الله (ع) فلما سلّم وجلس، تلا هذه الآية: {الَّذينَ يجتنبونَ كبائرَ الإثم والفواحشَ}ثمّ أمسك. فقال له أبو عبد الله (ع): ما أسكتك؟. قال: أحبّ أن أعرف الكبائر مِن كتاب الله عزّ وجل. فقال: نعم يا عمر. أكبر الكبائر الإشراك بالله، يقول اللّـهُ: {إنهُ مَن يُشرِكْ باللهِ فقد حَرّم اللّـهُ عليه الجنـّة}(3).. إلى أن قال: والسحر، لأن الله عزّ وجل يقول: {ولقد علموا لَمَنِ اشتراهُ ما لَهُ في الآخرة مِن خَلاق}(4) " البقرة 102 ".

فالحذر الحذر مِن هذا العمل وتعلّمه وتعليمه واستعماله، ومن التكسّب به والتعيّش.



--------------------------------------------------------------------------------

(1) الوسائل ، ج 8 ص 270

(2) الوسائل ، ج 8 ص 271

(3) المائدة 72

(4) مباني منهاج الصالحين ، ج7 ص 262


مسـائل حول استخدام الجن والملائكة وأرواح المؤمنين:

ومن الأسئلة التي تطرح:

1) - هل يحكم بكفر الساحر، إذا كان يعتقد بتأثير السحر في الأشياء دون الله سبحانه؟.

الجواب: لا شكّ ولا ريب أنه يحكم بكفره، لإنكاره لوجود الله سبحانه. وإذا كان يعتقد أن الله هو المؤثر، والسحر أيضاً يؤثّر، فهو مشرك، والشرك ظلم عظيم.

أما إذا كان يعتقد أن السحر تأثيره بقدرة الله، ومع ذلِكَ يفعله عصياناً، فهو عاصٍ يعاقب عقاب العصاة.

2) - هل تقبل توبة الساحر؟.

الجواب
: نعم تقبل التوبة مِن كل عاصٍ ومذنب، ولكن عليه أن يحلّ كل سحرٍ فعله في السابق، وأدى إلى الإضرار وإيذاء الناس.

3) - هل استخدام الجن حرام؟.

الجواب:
استخدام الجن لمن يقدر عليهم ولا يلحق بنفسه الضرر وبغيره، لا مجال للقول بحرمته، لأن معنى استخدام الجن هو تسخيرهم والسيطرة عليهم بأسباب وآيات قرآنية معينة تكون أكبر وأقوى مِن قوتهم وتستوجب تأثيراً عليهم. وأما إذا أدى ذلِكَ إلى الضرر بنفسه أو غيره، فلا يجوز ذلِكَ أبداً.

4) - قد يؤدي هذا الاستخدام إلى إيذاء الجن أنفسهم، فهل يجوز هذا؟. والجن منهم مؤمن ومنهم شرير كافر، والمؤمن لا يجوز إيذاؤه، والكافر منهم لا يؤمن ضرره.

الجواب:
إن هذا التأثير للآيات والأسباب التي يستعملها الإنسان والتي تؤدي إلى تسخير الجن، هو أمر طبيعي لها، ويكون إتيانهم واستجابتهم طواعية لا إكراهاً، بمقتضى أثر تلك الآيات لأن لها قوة عليهم، وبما أن استعمال هذه الأمور مباح فلا يلزم مِن ذلِكَ الحرمة. نعم إذا كان الإنسان يعتقد أنه سيتأذّى في المستقبل بأعمال الجن الشريرين فلابدّ له مِن الحذر والاحتياط لنفسه.

5) - هل يجوز استخدام واستحضار الملائكة؟.

الجواب:
استخدام الملائكة واستحضارهم بالأسباب المحرمة حرام قطعاً. وأما إذا كان بغير ذلِكَ فلا حرمة. وقد أشرنا إلى أن تأثير الآيات والأسباب عليهم وعلى الجن يكون لقوة تلك الآيات وقوة أثرها، فتكون استجابتهم للإنسان بالاختيار وإتيانهم طوعاً لا كرهاً، ولذلك لا حرمة فيه. هذا إذا كان يمكن تسخيرهم أو كان له واقع، ولا نعرف له واقعاً.

6) - هل يجوز تسخير واستخدام الإنسان، وذلك باستعمال الآيات والأسباب التي تؤثر عليه؟.

الجواب:
لا يجوز ذلِكَ إطلاقاً، لأنه تصرف بنفس وبدن الغير بدون رضاه.

7) - هل يجوز تحضير الأرواح المتوفاة؟.

أما تحضير الأرواح ففيه مِن الكراهية والحزازة التي لا تؤمن غوائلها على المستحضر، مِن الوقوع في المكاره وحصول بعض الأضرار، وهو وإن كان غير استخدام الحي، إلا أن هذه الأرواح لها عالمها الخاص، واستحضارها قد يسبب لها التعب، فلا رجحان فيه.

وختاماً أودّ أن أشير إلى شيء مهمّ في حياة الإنسان، وهو أن بعض الناس يعتمد السحر والتنجيم والاستخدام وغير ذلِكَ، وهذه الأمور مِن الظواهر الغير عادية، بل هي مِن الظواهر التي تخالف الناموس الطبيعي في سلسلة الوجود والموجودات وشؤون الإنسان والحياة. والله سبحانه وتعالى خالق الخلق والوجود والموجودات، جعل كافة الأمور تتحرك في إطار القانون الطبيعي للحياة، وحتى الأنبياء والأوصياء أُمروا أن يتعاملوا مع الأحداث والناس وكافة شؤون الدين والإنسان والحياة مِن خلال القانون والنظام الطبيعي للأمور، إلا في ظاهرة المعجزة وبعض الأمور التي تتعلق بالولاية التكوينية التي فيها صلاح للناس ديناً وحياةً، وما تبقّى أخضع الأشياء كلها للقانون الطبيعي العام الَّذي يتحكم بهذا الكون. كل ذلِكَ ليعيش الناس أوضاعهم وحياتهم بشكل عادي، ويتوسلوا إلى أمورهم وشؤونهم بشكل لا يتكلفون أكثر مِن طاقتهم وجهدهم، وحتى لا يقعوا في الحرج، ولذلك كان السحر والاستخدام وأمثالهما أمراً غير مألوف في الحياة وإن كان معروفاً، وشيئاً لا يراه الناس وسيلة طبيعية في الحياة. ومن هنا كان للشرع حكم فيه، أنه إذا أدى إلى الضرر والخطر فهو حرام، وما عدا ذلِكَ فهو شيء لا حاجة إليه، ولا يعتبر وسيلة حياتية مجدية ونافعة وتخدم الإنسانية أو تعطي عطاء ملحوظاً مثمراً، بل الساحر بسحره لا يعبّر عن أن له نشاطاً حياتياً وحركة بناء أو رسم لمعالم أفضل في الحياة، بل ما يشعر به الناس تجاهه مِن الخوف والفزع وجرّ الأذى على الناس، أو التصرف الغير طبيعي في شؤون الناس والحياة يجرّده مِن أي اعتبار وتقييم. ولا مانع مِن تعلّم السحر، ولكن فقط ليكون أداةً رادعة للباطل والضلال، وأسلوباً تعالج به القضايا التي لا دواء لها إلا بذلك.


(10)

الكهانة والعرافة


وهي الإخبار عن أمور غيبية مستقبلية تقع، بدعوى أنه يخبره بها بعض أتباعه مِن الجان والشياطين.

والظاهر أنها كانت موجودة قبل بعثة النبيّ (ص) بالنبوة، وتكون فيما وقع في الماضي وفيما يقع في المستقبل. ولما بُعث النبيّ (ص) بالنبوة مُنعت الشياطينُ مِن استراق السمع، فاقتصرت الكهانة على الإخبار عما وقع في الماضي.

والظاهر أن هذا العمل حرام، لأنه إخبار بالغيب مستند إلى قول الجان أو الشياطين، ولا دليل عليه، فهو يدخل تحت الكذب والافتراء على الله.

وقد ورد في الحديث: مَن مشى إلى كاهن فصدَّقه، فقد برئ مما أنزل اللّـهُ على محمّد (ص).

وفي رواية الهيثم قال: قلت لأبي عبد الله (ع): إن عندنا بالجزيرة رجلاً ربما أخبر مَن يأتيه يسأله عن الشيء يُسرق أو شبه ذلِكَ، فنسأله. فقال: قال رسول الله (ص): مَن مشى إلى ساحر أو كاهن أو كذّاب يصدّقه بما يقول، فقد كفر بما أنزل اللّـهُ مِن كتاب.

وعلى هذا الأساس فما هو منتشر بين الناس مِن الرجوع إلى العرّافين والسؤال عن السرقات التي تحدث وتعيين السارق والسرقة وأين هي؟ أمر غير صحيح وحرام، ولا يمكن الاعتماد عليه في تعيين السارق، لأنه لا دليل على حجيّة قوله إطلاقاً، بل يكون قوله في تحديد السارق وتصديقه مِن باب الاتهام.

وأما إذا اعتمد في إخباره على قاعدة أو أمارة عادية متعارفة عنده أو عن فراسة، فإذا كان بنحو الجزم والقطع وأنه سيكون، فهو محرّم لأنه كذب، وأما إذا كان بغير الجزم وإنما مِن جهة كثرة التجربة على صحة ما يقول، فلا يكون حراماً لأنه لم يكذب. ومع ذلِكَ فالاحتياط سبيل النجاة، وخاصة في مجالات الكسب والارتزاق.

وكذلك التنبؤ بالطقس، فإذا كان على سبيل الحتم والجزم فهو حرام، وإن كان على سبيل الاحتمال فهو جائز، لأن الله بيده كل شيء يصرّفه كيف يشاء ويغيّره متى شاء، وهو على كل شيء قدير.

(11)

التـنجيم

التنجيم: هو النظر في النجوم والأفلاك ومعرفة أحوالها، وربط الحوادث التي تجري في الكون بها، والتي يمكن أن تقع ؛ مِن الرخص والغلاء، أو الحر والبرد، أو الحرب والسلم، وغيرها.

ولا شك ولا ريب أن الكواكب والأفلاك لها تأثيرات فيما يحصل مِن اختلاف الفصول، وزيادة نور القمر ونقصانه، وتأثيره في المد والجزر، وغير ذلِكَ مِن الأمور والتأثيرات في زيادة المياه ونقصانها، وزيادة المزروعات وأمثالها، وفي أمر الكسوف والخسوف، فإن هذه الأمور تدخل في علم الفلك، وهي شيء آخر غير التنجيم، وهي ناشئة مِن ملاحظة حركة القمر حول الأرض، ودوران الأرض حول ذاتها وحول الشمس، التي تقوم عليها الحسابات الفلكية للأشهر والسنين. وهذا لا كلام فيه.

إنما الكلام في أن هذا التأثير للأفلاك مستقل مِن دون تدخل للإرادة والتكوين الإلهي في شأن وحركة هذه الكواكب، أم أن تأثيرها كذلك مِن جهة أنه تعالى هو الَّذي أوجدها وأوجد فيها القوى والمؤثرات، وجعلها تؤثّر في بعضها لمصالح يتوقف عليها الكون والموجودات في كل شؤونها.

فإن قلنا بالقول الأول، وهو تأثير الأفلاك وحدها نتيجة حركة معينة ونتيجة اقتران الأفلاك ببعضها، وأنه هو المؤثر دون المشيئة والإرادة الإلهية، فهذا الاعتقاد والعمل لا ريب ولا إشكال في أنه كفر، لأنه منافٍ لما هو الضروري مِن الاعتقاد بأن الله سبحانه هو الموجد والمؤثر وهو المبدع لكل الموجودات، وكل ما يحدث فيها أو منها مِن عجائب وغرائب ومظاهر كونية ومؤثرات وتأثيرات أرضية أو غيرها، فهو بإرادة الله ومشيئته وتكوينه وتدبيره، ولا سلطان لغير الله سبحانه في هذا الوجود.

وكذلك إذا قلنا بأن المؤثر هو اللّـهُ مع الأفلاك، بمعنى أنهما معاً يؤثران، فهو كفر أيضاً، لأنك جعلت لله شريكاً في قدرته وتدبيره وخلقه وإيجاده. فإن هذه الأفلاك تكون جزء العلة المؤثرة، فهو كفر. وفي كليهما يكون التنجيم حراماً.

وأما إذا قلنا بأن المؤثر الوحيد هو اللّـهُ سبحانه وتعالى، وهو الَّذي جعل القدرة والقوة والخصائص في الأفلاك والكواكب، وهو الَّذي يحركها ويجعلها تؤثر التأثير الخاص، والأفلاك والنجوم لها وظيفة الآلة فقط، فهذا لا ينافي شَيْئاً مِن أصول الاعتقاد في الإسلام، ومثل هذا النظر لا مانع منه وليس بحرام، وذلك نظير الإحراق للنار، فإن قوة الإحراق للنار مجعولة مِن قبل الله سبحانه، وهو الَّذي أمدّها بذلك فجعلها بمجرد وجودها في الأشياء تؤثر الإحراق وتوجبه.

ونظير ذلِكَ تأثير الصدقة والدعاء في دفع البلاء، فالصدقة وهي العطاء المجاني بدافع القربة إلى الله سبحانه، والدعاء هو التوجه والتوسل إلى الله سبحانه لدفع القضاء والبلاء، فالذي جعل هذه الخصوصية فيهما بنحو عندما يوجدان يؤثران الأثر الملائم هو اللّـهُ سبحانه. وهذا ما دلت عليه الروايات العديدة الكثيرة.

ومع ذلِكَ لابدّ لنا في إثبات جواز التنجيم مِن دليل لفظي، أي لابدّ مِن الاستدلال عليه مِن القرآن والسنة، لأنه قد تكون الروايات على خلافه، باعتبار أنه لا يعلم الخصوصيات وتأثيرها إلا اللّـهُ. ولذلك لا يجوز لغير الله سبحانه أو مَن ارتضاه اللّـهُ لعلمه وأودع علمه عنده أن يتحدث عن ذلِكَ، فإن قوله تَعالَى: {يمحو اللّـهُ ما يشاءُ ويُثْبِتُ}يؤكد عدم الحرية في العمل والأخذ بالتنجيم. وكذلك ما ورد في الأمر بالصدقة والدعاء وغيرهما مِن الأسباب الدافعة للبلاءات والأمراض والحوادث تؤكد ما قلناه.

وأما ما ورد في الأخبار مِن أنه يكره التزويج والقمر في المحاق، أو القمر في العقرب، فهذا أمر ليس مِن التنجيم في شيء، وإنما هو مِن الأمور التي نهى الشارع المقدس عنها، وقد يكون هذا بياناً مِن الشارع على التأثير للكواكب، وهذا هو المطلوب والصحيح في علم الكواكب والنجوم. أما أن نقول بأن لها اختياراً وتأثيراّ مستقلاً عن الله، فهذا ما يمنعه الشارع.

والحاصل أنا لا نجد مِن الأخبار ما يساعد على التنجيم، ولذلك فما يظهر مِن أخبارهم ينبغي أن يكون لا على وجه الجزم واليقين، وإنما على وجه الظن والاحتمال، ولا مانع منه بهذا النحو.

وإذا كان الإنسان يخشى على نفسه مِن هذا العلم لأنه قد يؤدي به إلى الوقوع في العقائد الباطلة الفاسدة، فلا يجوز له تعلمه والعمل به.

وكذلك الحال في الضرب بالرمل، وكتابة الطلاسم، وخواص الحروف، عليه أن لا يكون إخباره على نحو الجزم، بل على سبيل الاحتمال والظن. ومع ذلِكَ فإن هذه الأمور لما كانت وسيلة لاستجلاء الأمور بشكل غير طبيعي وقهري،فإن الممارس لها لا يمكن أن يحالفه التوفيق، ولا يعيش حياة طبيعية كما شاهدنا. فإن الله جعل لكل شيء سبباً، وجعل الأمور تجري على مقاديرها وأسبابها العادية، ولو كان في هذه الأمور ما يجلب الحظ والخير لكان أولى باستعمالها الأنبياء والرسل، وهم على أرفع حال مِن العلم والمعرفة والاطلاع على حقائق الأمور، ومع ذلِكَ نجدهم يتركون الأشياء تسير على طبيعتها وفق السنن العادية المقررة في الوجود.

وأما الإخبار عن الأرصاد الجوية المتبعة في زماننا هذا، حيث يخبر عن حدوث أعاصير وأمطار وثلوج ورياح أو عن ارتفاع في درجات الحرارة أو انخفاضها وغير ذلِكَ، فهذا لا مانع منه ولا حرمة فيه، لأنه نتيجة قراءة لأحوال الغيوم وتحرك الرياح الَّذي استمرت عليه التجربة والاستقرار الطويل، فولد خبرة كافية بذلك. هذا مضافاً إلى الاعتقاد والإيمان بأن الله تَعالَى هو المؤثر وهو مسبب الأسباب.

والآن لا بأس باستعراض بعض الأخبار الواردة في التنجيم.

منها رواية هشام الخفاف (قال) قال أبو عبد الله (ع): كيف بصرك في النجوم؟. قلت: ما خلّفت بالعراق أبصر بالنجوم مني!. قال: كيف دوران الفلك عندكم؟.. إلى أن قال: ما بال العسكرين يلتقيان، في هذا حاسب وفي هذا حاسب، فيحسب هذا لصاحبه بالظفر، ويحسب هذا لصاحبه بالظفر، ثمّ يلتقيان فيهزم أحدهما الآخر، فأين كانت النجوم؟. (قال) قلت: لا واللهِ لا أعلم ذلِكَ. (قال) فقال: صدقت إن أصل الحساب حقّ، ولكن لا يعلم ذلِكَ إلا مَن علم مواليد الخلق كلهم (1).



--------------------------------------------------------------------------------

(1) الوسائل ، ج12 باب 24
(12)

الغش

الغش حرام قطعاً، والحرمة ثابتة ومتفق عليها عند جميع المسلمين بلا استثناء. والروايات متواترة في شأنه، وهي تدل على حرمة الغش بعنوانه، لا بعنوان أنه كذب وتمويه، وأكلٌ لأموال الناس بغير رضاً منهم.

ورد في صحيحة هشام بن سالم عن أبي عبد الله (ع) قال: ليس منا مَن غشّنا (1).

وصحيحته الأخرى عن أبي عبد الله (ع) قال: قال رسول الله (ص) لرجل يبيع التمر: يا فلان أما علمت أنه ليس مِن المسلمين مَن غشّهم؟ (2).

وفي صحيحة هشام بن الحكم قال: كنت أبيع السابري في ظلال، فمرّ بي أبو الحسن الأول [ الإمام الكاظم (ع) ] راكباً، فقال لي: يا هشام إن البيع في الظلال غشّ، والغش لا يحِلّ (3).

والحاصل أن الأحاديث كثيرة في هذا الباب، وهي متواترة بين المسلمين مِن حيث الحكم التكليفي وهو الحرمة. ومن هذه الروايات ما روي عن أبي عبد الله (ع):

دخل عليه رجل يبيع الدقيق، فقال: إياك والغش، فإنه مَن غشَّ غُشّ في ماله، فإن لم يكن له مال غُشّ في أهله.

ومنها ما رواه سعد الإسكاف عن أبي جعفر (ع) قال: مرّ النبيّ (ص) في سوق المدينة بطعام، فقال لصاحبه: ما أرى طعامك إلا طيباً، وسأله عن سعره؟. فأوحى اللّـهُ عزّ وجل إليه أن يدسّ [ يُدير ] يده في الطعام، ففعل. فأخرج طعاماً رديّاً. فقال: ما أراك وقد جمعت خيانةً وغشاً للمسلمين! (4).

وفي حديث المناهي عن رسول الله (ص) أنه قال: ومَن غشّ مسلماً في شراء أو بيع فليس منا، ويحشر يوم القيامة مع اليهود، لأنهم أغشّ الخلق للمسلمين.

وقال (ع): ليس منا مَن غشّ مسلماً. ومَن بات وفي قلبه غشّ لأخيه المسلم بات في سخط الله، وأصبح كذلك حتى يتوب (5).

معنى الغشّ:

الغش أمر عرفي، أي أمره ومعناه معروف عند الناس. وفي العُرف: هو الخديعة والخيانة والتمويه والتلبيس والكذب على الناس بإظهار الرديء وغير الجيد أنه جيد وحسن. ويشترط فيه - أي في تحقق الغش وانطباق مفهومه وأحكامه - أن يكون الغاشّ عالماً بواقع السلعة وأنها خلاف واقعها وأنها مغشوشة، وكذلك يشترط أن يكون المشتري جاهلاً بذلك. وأما إذا كان الغاش والمغشوش عالمين بأن البضاعة فيها غش وأنها مخلوطة بالرديء فلا غشّ.

فقد ورد في صحيحة محمّد بن مسلم عن أحدهما (ع) أنه سئل عن الطعام يخلط بعضه ببعض وبعضه أجود مِن بعض؟. قال (ع): إذا رؤيا جميعاً فلا بأس ما لم يغطِّ الجيدُ الرديء (6).

وكذلك إذا كان البائع واقعاً جاهلاً بالحال، وكان المشتري عالماً، فلا غش أيضاً. وكذلك لا غشّ إذا كان العيب مما يلتفت إليه ويعرف بأدنى تأمل.

والغش كما ذكرنا حرام تكليفاً، بمعنى أنه يحرم عليه أن يخفي ما في السلعة مِن عيب، أو يظهرها بلا عيب بأي واسطة كانت، ويخدع الناس ويكذب في وضعها وواقعها، ويكون آثماً بذلك ويستحق العقاب مِن الله سبحانه، لأنه كذب في ذلِكَ، ولأنه لم ينصح أخاه المسلم.

وقد اعتبر الإسلام الغاشّ ليس مِن المسلمين، لأن المسلم أخو المسلم وعينه ودليله ومرآته وناصحه فكيف يغشّه! وكيف يكون مِن المسلمين وهو يغش أخاه، ولا يعيش دينه في إيمانه وأخلاقه؟.

وأما حكم الغش مِن حيث الحكم الوضعي، أي مِن حيث صحة المعاملة وبطلانها، أي صحة بيع المغشوش وفساده فنقول:

إن المعاملة التي فيها غشّ أو بيع المغشوش، إن كان مِن قبيل خلط الحنطة الرديئة بالجيدة، وباعهما على أنهما حنطة جيدة وبسعر الجيد، فالمعاملة لا تكون باطلة لأن المشتري أراد شراء الحنطة وهذه حنطة، فقصدُ المشتري قد تحقق، ولكنه أراد الحنطة الجيدة، وانطباق هذا الوصف على ما وقعت عليه المعاملة غير صحيح. ومن هنا نقول: إن المشتري له الخيار في إمضاء البيع وعدم إمضائه، أي هو بالخيار في قبول المعاملة أو رفضها. وهل إن البائع مع ثبوت الخيار للمشتري يخرج عن كونه آثماً أم لا؟. والحق أن البائع يبقى آثماً لغشّه وكذبه على أخيه المسلم وعدم نصيحته له، ويعاقب على غشه.

والحاصل أن المبيع في حالة الغش لمـّا كان كلياً أي ينطبق ويشمل أكثر مِن فرد فالبائع يجب عليه أن يسلّم الفرد الَّذي وقع عليه العقد وقصده الشاري ولأجله كان الخيار للمشتري.

وأما إذا كان المبيع شخصياً خارجياً، أي أن هذا الفرد الموجود في الخارج واشتراه المشتري على أنه النوع الخاص المتميّز بالوصف الخاص كالذهب، فالمشتري قصد هذا المعدن الخاص المتميّز بخصوصياته، والبائع قدّم له نحاساً مطلياً بالذهب، ففي هذه الصورة يحكم ببطلان المعاملة، لأن ما قصد لم يقع عليه العقد، وما وقع عليه العقد غير مقصود للمشتري.

وهناك أقسام أخرى في مسألة الغش، لا تكون المعاملة فيها فاسدة، والمهم أن يرجع كل مقلِّد فيها إلى مقلَّده في مثل هذه المسائل، لأن أنظار الفقهاء قد تتغير وتختلف في استنباط الأحكام الشرعية.

ومهما يكن مِن أمر فالغش في المعاملة إنما يكون مفسداً وموجباً لبطلانها إذا كان النهي إرشادياً.

ثمّ إن الغش لا يختص بالمعاملات، بل هو حرام بشكل مطلق في المعاملات والأقوال والأفعال، وكل ما يؤدي إلى الضرر والأذى على الآخرين لكونه غشاً واقعاً.

إن الغش مِن أقبح الأمور في الإنسان، وهو يكشف عن النفسية السيئة التي يحملها بين جوانبه. إنه يجسّد الكذب والخداع ويجسد التلون والتقلب، بل والاضطراب والقلق الروحي وعدم الاتزان السلوكي والأخلاقي. هذا مضافاً إلى عدم الاتزان والوضوح في الموقف الإيماني، لأن المؤمن مهما كان وضعه لا يمكن أن يكون متقلباً ولا مخادعاً ولا يقدم على الكذب مهما كان وضعه، لأنه لا داعي له للكذب أبداً إلا سوء النية وسوء السريرة وسوء الأخلاق، فإذا ما غشّ فغشّه لما فيه مِن هذه الأمور.

وحين نستعرض الأخبار التي وردت في الغش وفي ذمّه وفي عقوبته نقرأ فيها أن الغاشّ بعيد عن الإسلام تماماً، ولذلك قال (ص): ليس منا مَن غشّ مسلماً.. ليس مِن المسلمين مَن غشّهم.. وأنه يحشر يوم القيامة مع اليهود لأنهم أغشّ الناس للمسلمين.

هذه الأخبار توحي بأن الإنسان المسلم يعني الصفاء والنقاء والطهارة، وأنه زكي وبَرّ رحيم، وأنه على الهدى والاستقامة. وكان كل شيء يخالف هذه المعاني والأخلاق، يوجب مخالفة الدين والإسلام، وكان الغش مِن أهمّ هذه المعاني التي تخالف الإسلام، ولذلك جرّد مِن الإسلام.

وحين نقرأ في الأحاديث التي تؤكد على أن المسلم أخو المسلم، وما أكثر الأخبار التي وردت في هذا المعنى، والتي تحثّ على وحدة المسلمين وترابطهم فيما بينهم، نجد أن هذه الأخبار تشير إلى أن هذه الأخوة هي تأكيد على ضرورة التلاحم والوحدة والتوحد في كل المفاهيم ؛ فأنت هو وهو أنت، هو نفسك وأنت نفسه. ولذلك ورد في الحديث: مَثل المؤمنين في توادّهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالحمى والسهر. هذا المعنى يتنافى مع الغش، وحين يرضى الإنسان أن يغشّ نفسه، وحين يرضى الإنسان أن لا يكون واقعياً مع نفسه، فأي ضابط يمكن أن يقيده، وأي رادع يمكن أن يردعه، وأي أمانة يمكن أن يؤتمن عليها في النفس أوالمال أوالدم أو العرض أو الدين أو الأخلاق!.

وأيضاً عندما نقرأ أن المسلم أخو المسلم، بل هو عينه ودليله، لا يخونه ولا يخدعه ولا يغشّه، تتأكد هذه المفاهيم كلها، ويتأكد أن المسلم ليس هو مَن اتصف بالإسلام وبشهادة الشهادتين فقط، وإنما يرسم هذا الحديث أن العلاقة بين المسلم والمسلم ترقى إلى أن يراه نفسَه بكل ما لهذه الكلمة مِن معنى، ولذلك قال: عينه ودليله، لأن أخوّتهما أُخُوّة إيمانية، والأخوّة الإيمانية فوق كل أخوة {إنَّما المؤمنون إخوة}.. ارتقاء في عالَم الأخوة إلى درجة الإيثار والتفاني في سبيل الأخوة، وكمال العلاقة والترابط بينهما، وبهذا يسمو الفرد ويسمو المجتمع، ويتألق في عالم الاعتبارات والحقائق إلى مستوى الانسانية الحقّة الفاضلة.

مِن هذا نعرف تماماً أن الإسلام حين وقف أمام الغش ومنع منه وأبعد الغاشّ عن الإسلام والمسلمين وعن دائرة الأخلاق، ما كان ليقرر ذلِكَ لو لم يكن الغش عملية تكشف وتجسّد واقع الإنسان، وأنه في واقعه بعيد عن التسامي والتكامل الإيماني والأخلاقي والسلوكي، وأنه عرضة لكل الآفات والعوارض التي تطيح بمعالم الحق والخير، وتؤكد الباطل والشرّ والسوء.



--------------------------------------------------------------------------------

(1) الوسائل ، ج12 باب 86 أبواب ما يتكسب به

(2) المصدر السابق

(3) المصدر السابق



(4) الوسائل ، ج12 ص 209

(5) الوسائل ، ج12 ص 210

(6) الوسائل ، ج12 باب 9 باب العيوب
(13)

المزاودة والنَّجَش

معنى النَّجَش كما ذكره أهل اللغة: هو أن يزيد الرجل في ثمن السلعة وهو لا يريد شراءها، بل لكي يسمعه الناس فيشترونها. وذلك كما إذا اجتمع الناس في سوق هرج ونادى الدلال على سلعة لبيعها، فيأتي هذا الشخص ويزيد في سعرها، وهو لا يريد أن يشتريها.

والمعنى الثاني للنجش، أن يمدح السلعة التي عند البائع ويروّجها لتنفق بسرعة، وهي لا تستحق المدح أبداً بل هي دون المدح، أو أن يذمها حتى لا يشتريها أحد.

ولا خلاف في حرمة هذا المعنى (النَّجَش) عند السنة وعند الشيعة. فإنه - سواء كان عن تواطؤ مع البائع أم لا - فهو غش للمشتري وتغرير به، وتشمله أدلة الغش المتقدمة. ولو فرضنا أنه لم يكن غشاً فهو حرام أيضاً، لأنه متجرئ على الحرام وهو الغش وقاصد له، أو مِن جهة الكذب في زيادة الثمن حيث لا يريد شراءها، أو يكون الكذب مِن جهة مدح السلعة وهي لا تستحق المدح بل هي دون المدح، وهو عالم فيكون كاذباً.

والحاصل أن النَّجَش حرام، والكسب منه حرام أيضاً.

وقد ورد في الحديث عن أبي عبد الله (ع) قال: رسول الله (ص): الواشمة والموشِمة، والناجش والمنجوش، ملعونون على لسان النبيّ (ص) (1).

إن الشريعة الإسلامية التي جعها اللّـهُ سبحانه وتعالى لعباده منهجاً، هي في نفس الوقت قانون يحمي الفرد والمجتمع مِن كل السلبيات التي تكون في الحياة. وهي أيضاً أساس مهمّ يجعل الإنسان يسلك ويتطلع إلى آفاق السعادة والخير والاستقرار والأمن والأمان، وقد جعلت الأخلاق مِن أهم الوسائل والأسباب لتحقيق أهداف الشريعة والوصول إلى غاياتها. ومن أهم تلك الأخلاق: الصدق، والإخلاص في التعامل مع الأحكام والانقياد لها.

فحين يعيش الإنسان الصدق والواقعية، وحين يكون الإخلاص له منطلَقاً ومبدأً، كان لابدّ أن تظهر آثارهما بوضوح في كل أمر، ويعمّ الخير وتكثر البركة والتوفيق. وحين يكون العكس يحصل العكس.

والحديث الشريف الَّذي يقول: (الدين المعاملة) تأكيد لهذه المفاهيم ولهذه الحقيقة ؛ الصدق والإخلاص في كل شأن وأمر، بينه وبين الله، بينه وبين نفسه، بينه وبين أسرته، بينه وبين الناس، وبينه وبين ممتلكاته في كل شيء. والإنسان قادر على كل شيء بما جعل اللّـهُ له مِن القدرة والقوة والاختيار، وحين لا يريد أن يكون شيئاً مِن هذه الأمور يخرج باختياره عن دائرة الاعتبار الإنساني. والإنسان قادر على أن يكون صادقاً، ولكنه حين يختار الكذب أو الغش أو غير ذلِكَ يكون قد خرج عن اعتباره كإنسان.



--------------------------------------------------------------------------------
[color="Blue"][color="Red"][/COLOR]
(1) الوسائل ، ج12 باب 49

(14) الاحتـكار

الاحتكار: هو جمع الطعام والقوت وحبسه عن الناس بانتظار بيعه بقيمة عالية، مع حاجة الناس إليه، وعدم وجود باذل آخر.

وهذا يقع كثيراً عند التجار، خاصة في السلع المتداولة كثيراً بين الناس، فتخزن السلع الضرورية والتي هي محل احتياج الناس حتى تكاد تُفقد مِن الأسواق، ثمّ تباع بالثمن الَّذي يريده صاحب السلعة.

وقد اختلف الفقهاء في حرمة هذا العمل، وأنه حلال أو حرام. واختلافهم ناشئ مِن أن الناس مسلطون على أموالهم، فهذه السلع لما كانت ملكاً للبائع فهو مسلّط عليها يبيعها بالثمن الَّذي يريد.

ولكن الكلام في أن قاعدة السلطنة هذه في مثل هذه الظروف التي يمرّ الناس بها واحتياجهم إلى السلع واضطرارهم إليها، هل يمكن استعمالها باعتبار أن هذا يؤدي إلى الفوضى في الشؤون العامة للمجتمع، وهل على ولي المسلمين في مثل هذه الظروف المنع منه ومن أمثاله رعاية للصالح العام؟.

والكلام هو أن قاعدة السلطنة (أي الناس مسلّطون على أموالهم) لا يمكن إلغاؤها، وإنما تقيّد ببعض القيود، ولابدّ مِن دليل يدل على هذه القيود.

وهناك عدة روايات تدل على حرمة الاحتكار.

منها صحيحة سالم الحـنّاط، (قال) قال لي أبو عبد الله (ع): ما عملك؟. قلت: حنّاط، وربما قدمت على نفاق، وربما قدمت على كساد، فحبست. قال: فما يقول مَن قِبَلك فيه؟. قلت: يقولون محتكر. فقال: يبيعه أحد غيرك؟. قلت: ما أبيع أنا مِن ألف جزء جزءاً. قال: لا بأس، إنما كان ذلِكَ رجل مِن قريش يقال له حكيم بن حزام، وكان إذا دخل الطعام المدينة اشتراه كله. فمرّ عليه النبيّ (ص) فقال: يا حكيم بن حزام إياك أن تحتكر (1).

وهذه الرواية واضحة في حرمة الاحتكار، لنهي النبيّ (ص) عنـه.

ومثله ما ورد في نهج البلاغة في كتاب أمير المؤمنين إلى مالك الأشتر: فامنعْ مِن الاحتكار، فإن رسول الله (ص) منع منه، وليكن البيع سمحاً بموازين عدل، وأسعار لا تُجحف بالفريقين، مِن البائع والمبتاع. فمن قارف حُكرةً بعد نهيك فنَكِّلْ به، وعاقبه مِن غير إسراف.

وهذه الفقرات فيها دلالة واضحة على حرمة الاحتكار، إذ لا معنى للتنكيل والعقوبة مع جواز الاحتكار.

ومما يدل على الحرمة أيضاً صحيحة الحلبي.

قال: سألت الإمام عن الرجل يحتكر الطعام ويتربص به هل يصلح ذلِكَ؟. قال (ع): إن كان الطعام قليلاً لا يسع الناس، فإنه يُكره أن يحتكر الطعام ويترك الناس ليس لهم طعام.

وقد دلت هذه الرواية على كراهة الاحتكار، إلا أن المقصود مِن الكراهة هنا الحرمة. وذلك لأن السؤال كان عن الاحتكار يصلح أم لا؟. وقد أجابه الإمام (ع): إن كان الطعام كثيراً فلا بأس، ومفهومه إن لم يكن كثيراً ففيه البأس، ومعنى فيه البأس أي لا يصلح الاحتكار، ومعنى لايصلح الحرمة لا الكراهة. فالتعبير وإن ورد بلسان الكراهة إلا أن المقصود فيه الحرمة مِن خلال القرينة العقلية التي هي المفهوم، على أنه لا معنى للكراهة، مع قوله (ع): ويترك الناس بلا طعام، أو ليس لهم طعام ؛ إلا القول بالحرمة.

والحاصل أن الاحتكار حرام.

وموارد الاحتكار وإن وردت في الرواية: الحنطة والشعير والتمر والزبيب، أي الغلات الأربع ؛ إلا أن الظاهر أنها كل ما هو ضروري للناس ومحل احتياج لهم وبذلك يدخل تحت قوله (ع): ويترك الناس ليس لهم طعام.. فيحرم الاحتكار فيه، سواء كانت الغلات الأربع أو ما هو داخل في الطعام، وما كان طعاماً للناس، لأن منع الناس مِن الطعام أمر خطير جداً، وعلى الحاكم والوالي على شؤون الناس أن لا يتهاون في هذا الأمر.

نعم مثل الدواء وأمثاله، مما هو محل احتياج الناس، أيضاً يحرم منعه وحبسه عن الناس إذا كانوا محتاجين إليه، لا من جهة الاحتكار وإنما مِن جهة أن لا يقع الناس في الأمراض الخطيرة، وضرورة دفع الضرر عنهم ورفع الأذى. وكذلك بقية المواد التي هي محل حاجة ماسة للناس، لا يصحّ حبسها ومنعها عن الناس.

ثمّ إن المحتكر يُجْبـَر مِن قبل الحاكم على وضع سلعته بين يدي الناس في صورة الاضطرار، ولكنه هو - أي المحتكر - الَّذي يقرر السعر، على أن لا يكون مجحفاً، وإلا فإذا كان فيه إجحاف بالناس، فيقرره الحاكم والوالي، على أن يراعي الحاكم ثمن السلعة مع الربح المعقول.

إن الاحتكار مِن الأمور السيئة التي تجسّد الجشع والحرص والاستغلال في نفس الإنسان. كما أنه وسيلة سيئة في السياسة الاقتصادية بنظر الإسلام، لأنه يؤدي إلى تفاقم الوضع الاقتصادي، وإلى فقدان الضروريات، وإلى التلاعب في مقدرات الناس وشؤونهم، بل تصبح حياة الناس رهناً للقمة العيش. ولذلك يعتبر الاحتكار وسيلة مِن وسائل الافقار المتبعة اليوم. وسياسة الإفقار مِن أخطر السياسات في تدمير الشعوب وإنهائها. كما هو الحال اليوم في السياسة العالمية المتبعة ضد الدول الفقيرة والنامية والعالم الثالث، فضلاً عن الدول المتخلفة.

فالمجاعة التي مرت بها أفريقيا مِن سنوات نتيجة الجفاف الَّذي أصيبت به، أدت إلى مصاعب ومصائب في تلك القارة، وكان بإمكان الدول المتحضرة في العالم الأول الَّذي لديه مِن المخزون الغذائي ما يكفي أفريقيا وغيرها عشرات المرات أن يساعدها، فمنعت عنها الغذاء والمساعدات وكل أنواع العون، انطلاقاً مِن سياسة الإفقار التي كانت تتّبع مِن دول العالم الأول ضد الدول النامية والمتخلفة وغير ذلِكَ. لقد كانت الموارد الغذائية في الدول المنتجة تتصاعد نسبتها إلى درجة عالية بحيث تكفي احتياجات العالم، كما تؤيده التقارير الواردة مِن منظمة الأغذية العالمية.

ولكن هذا الفائض كان يُلقى في البحار أو يُتلف، انطلاقاً مِن سياسة التوازن الاقتصادي، ليبقى المتداول بين الناس في أفق التوازن الاقتصادي ويحققه، وهذا نوع مِن الاحتكار السياسي الاقتصادي.

والشارع المقدس حين حرّم الاحتكار ومنع منه وأمر ولي الأمر أن يأخذ السلعة ويطرحها بين الناس، كان هدفه مِن ذلِكَ المحافظة على الوضع العام بين الناس، فهو يلغي اعتبارات الفرد أمام حاجة الجماعة والأمة، وهو يلغي مشاريع الفرد في زيادة موارده وأساليبه أمام الضروريات العامة التي تهدد بالدمار العام.

إن جشع الإنسان لا حدود له، بل إن الأخلاقية الفردية إذا لم تكن في القمة والاعتبار، خاصة في التعامل بين الناس، وخاصة في الضروريات التي فيها قوام الإنسانية، فلا يمكن أن يتحقق توازن اجتماعي أو توازن اقتصادي. إن كثيراً مما تعانيه المجتمعات الإنسانية سببه عدم الأخلاقية الصحيحة عند الناس، سواء في التعامل الاجتماعي أو التعامل الاقتصادي أو المادي على إطلاقه.

إن نقطة هامة يجب أن تعرفها الشعوب وأهل الأديان السماوية بل حتى الوضعية، أن الدين مِن أهم مقوماته الأخلاق، بل بدون الأخلاق لا يمكن أن يتحقق شيء مِن الحق والعدل. والمشكلة اليوم هي في السياسات التي تأخذ على عاتقها اعتبار الوجود، وتلغي مِن حسابها اعتبار البقاء، وهما أمران متلازمان ومتقوّمان بالأخلاق. وفتِّشْ عن الأخلاق فإنك لا تجد لها أثراً في قاموس السياسة العالمية.

إن موضوع الاحتكار يشكل حادثة خطيرة على طريق الانهيار الأخلاقي فضلاً عن الاقتصادي، حيث يحارب الناس في بقائهم واستمرار وجودهم، ولو بأقل مراتبه وهو لقمة العيش، وهي موجودة اليوم بأساليب متعددة ومتنوعة، والخطير منها أنها بدأت تلبس اللباس الإنساني ولباس الرحمة والشفقة أحياناً. يجوِّعون الناس مِن ناحية بالاحتكار وأمثاله، ويبعثون لهم المؤن التي لا تسدّ الرمق مِن باب العطف والشفقة والإحسان مِن ناحية أخرى، وهذا الفقر والمرض والموت يضرب في الناس، ولا يهتزّ لذلك ضمير أي إنسان.

مِن هنا نفهم موقف الإسلام الواضح الصريح والعلني مِن الاحتكار، وسدّ أبوابه ومنافذه على المحتكرين، وبكل أنواع الاحتكار حتى السياسي. إن الإنسان له اعتباره ومكانته في الإسلام، والتعامل الصحيح بين الناس هو الإطار الَّذي ينطلق منه الإنسان في تحقيق مبادئه وأهدافه وغاياته، ويُنظر إلى مسائله بالاحترام والتقدير والتقديس حين تكون صحيحة.

--------------------------------------------------------------------------------

(1) الوسائل ، ج12 باب 28 آداب التجارة
(15)

النوح بالباطل



مما تعارف بين الناس وفي كل المجتمعات الإنسانية البكاء على الميت والنياحة عليه. ويؤكد هذا المعنى روايات عديدة.

عن الحسين بن زيد قال: إن رسول الله (ص) لما مات حمزة، قال: ولكنّ حمزةَ لا بواكي عليه.

وفي صحيح يونس بن يعقوب عن الإمام الصادق (ع): قال لي أبي، يا جعفر أوقِفْ لي مِن مالي كذا وكذا لنوادب تندبني عشر سنين بمِنى أيام مِنى.

وفي صحيح أبي حمزة الثِّمالي عن أبي جعفر (ع) قال: مات الوليد بن المغيرة فقالت أم سلمة للنبي صلـّى اللهُ عليه وآله: إن آل المغيرة قد أقاموا النياح فأذهبُ إليهم؟. فأذن لها النبيّ (ص).. إلى أن قال: فندبت ابن عمها بين يدي رسول الله صلـّى اللهُ عليه وآله، فما عاب رسول الله (ص) ذلِكَ، ولا قال شَيْئاً.

والنياحة هي: القول على الميت وفيه وعنه، بما يهيّج الحزن عليه، ويحرك العواطف والمشاعر ألماً وحزناً وأسى.

وهذا القول مرة يكون بالحق، وأخرى بالباطل. ومرة تشترط الأجرة عليه، وأخرى لا تشترط الأجرة.

وهذه المعاني والتقسيمات مأخوذة ومستفادة مِن الأخبار والروايات الواردة في هذا الموضوع. لذلك نقول أنا نستفيد مِن مجموعها ومن التوفيق بينها أن النوح بالباطل حرام، بخلاف النوح بالحق. ومعنى النوح بالحق، أن يقول في الميت ماهو فيه كما لو كان كريماً ومتديناً وشجاعاً وله صفات كريمة فيعددها ويذكره بها. بخلاف النوح بالباطل، بأن لا يكون له أية صفة مِن صفات الخير، بل كان ظالماً فاسقاً، ومع ذلِكَ يعطى صفات أهل الخير والصلاح ويذكر بها ؛ وهذا قطعاً حرام، للأخبار الدالة على ذلِكَ، مضافاً إلى الكذب الصريح بذلك.

وبالجملة حين نبحث في هذا الموضوع نستعرضه بلحاظ ذاته، أي النوح بما هو، بغض النظر عما يدخل فيه مِن كلام باطل وكذب وأمور محرمة أخرى، فهل يجوز؟. ذكرنا أن النوح بالحق لا مانع منه وجائز، وعليه السيرة القطعية المتصلة بزمان المعصوم.

ويؤيد هذا المعنى الرواية المعتبرة، عن حنّان بن سدير قال: كانت امرأة معنا في الحي ولها جارية نائحة، فجاءت إلى أبي، فقالت: يا عمّ أنت تعلم أن معيشتي مِن الله، ثمّ مِن هذه الجارية، فأحب أن تسأل أبا عبد الله عن ذلِكَ، فإن كان حلالاً وإلا بعتها وأكلت مِن ثمنها، حتى يأتي اللّـهُ بالفرج. فقال لها أبي: واللهِ إني لأُعظمُ أبا عبد الله أن أسأله عن هذه المسألة. فلما قدمنا عليه أخبرته أنا بذلك، فقال أبو عبد الله (ع): تُشارط؟. فقلت: واللهِ ما أدري تشارط أم لا. فقال: قُل لها لا تشارط، وتقبل ما أعطيتْ (1).

وفي صحيحة أبي بصير (قال) قال أبو عبد الله (ع): لا بأس بأجر النائحة التي تنوح على الميت.

وفي رواية عذافر قال: سمعت أبا عبد الله (ع) وسئل عن كسب النائحة، فقال: تستحله بضرب إحدى يديها على الأخرى (2).

مِن هذا نعرف أنه طالما كانت النياحة بالحق وبدون شرط وبدون أمور أخرى محرمة، لا مانع منها، وأخذ المال عليها جائز. وأما غير ذلِكَ فحرام، وهو النوح بالباطل.

وقد ورد عن رسول الله (ص) أنه قال: صوتان ملعونان يبغضهما الله: إعوال عند المصيبة، وصوت عند نعمة. يعني النوح بالباطل والغناء.



--------------------------------------------------------------------------------

(1) الوسائل، ج12 باب 17

(2) المصدر السابق
الى هنا اكتفي التالي بأذنه تعالى
قراءةالتعازي

إضافة رد


أدوات الموضوع ابحث في الموضوع
ابحث في الموضوع:

بحث متقدم

ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة


 

 


المواضيع والمشاركات التي تطرح في منتديات موقع الميزان لا تعبر عن رأي المنتدى وإنما تعبر عن رأي كاتبيها فقط
إدارة موقع الميزان
Powered by vBulletin Copyright © 2017 vBulletin Solutions, Inc