إيقاظ النائم في رؤية الإمام القائم عليه السلام الحلقة(1) - منتديات موقع الميزان
موقع الميزان السلام عليك أيتها الصدِّيقة الشهيدة يا زهراء السيد جعفر مرتضى العاملي
يا مُمْتَحَنَةُ امْتَحَنَكِ اللهُ الَّذي خَلَقَكِ قَبْلَ اَنْ يَخْلُقَكِ، فَوَجَدَكِ لِمَا امْتَحَنَكِ صابِرَةً، وَزَعَمْنا اَنّا لَكِ اَوْلِياءُ وَمُصَدِّقُونَ وَصابِرُونَ لِكُلِّ ما اَتانا بِهِ اَبُوكِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَاَتى بِهِ وَصِيُّهُ، فَاِنّا نَسْأَلُكِ اِنْ كُنّا صَدَّقْناكِ إلاّ اَلْحَقْتِنا بِتَصْديقِنا لَهُما لِنُبَشِّرَ اَنْفُسَنا بِاَنّا قَدْ طَهُرْنا بِوَلايَتِكِ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ * ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ * صَدَقَ اللّهُ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ – منتديات موقع الميزان للدفاع عن الصدِّيقة الشهيدة فاطمة الزهراء صلوات الله عليها – منهاجنا الحوار الهادف والهادئ بعيداً عن الشتم والذم والتجريح ولا نسمح لأحد بالتعرض للآخرين وخصوصاً سب الصحابة أو لعنهم وهذا منهاج مراجعنا العظام والعلماء الأعلام حفظ الله الأحياء منهم ورحم الماضين
 
اضغط هنا
اضغط هنا اضغط هنا اضغط هنا
اضغط هنا
عداد الزوار
العودة   منتديات موقع الميزان .: القرآن الكريم والعترة الطاهرة صلوات الله عليهم :. ميزان النفحات المهدوية للإمام الحجة (عج)
ميزان النفحات المهدوية للإمام الحجة (عج) وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ
منوعات قائمة الأعضاء مشاركات اليوم البحث

إضافة رد
كاتب الموضوع صبر المهدي مشاركات 2 الزيارات 2637 انشر الموضوع
   
أدوات الموضوع ابحث في الموضوع

صبر المهدي
عضو
رقم العضوية : 15034
الإنتساب : Nov 2014
المشاركات : 14
بمعدل : 0.00 يوميا
النقاط : 0
المستوى : صبر المهدي is on a distinguished road

صبر المهدي غير متواجد حالياً عرض البوم صور صبر المهدي



  مشاركة رقم : 1  
المنتدى : ميزان النفحات المهدوية للإمام الحجة (عج)
افتراضي إيقاظ النائم في رؤية الإمام القائم عليه السلام الحلقة(1)
قديم بتاريخ : 06-Nov-2014 الساعة : 05:25 PM

اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم


بسم الله الرحمن الرحیم
محاضرة سيد عادل العلوي
إيقاظ النائم في رؤية الإمام القائم ×([1]).
الحمد لله السميع البصير، الهادي المهدي الخبير، والصلاة والسلام على أشرف خلق الله السّراج المنير سيد الأنبياء والمرسلين محمد المصطفى وعلى آله سادة الخلق أجمعين، لا سيما بقية الله في الأرضين صاحب الزمان، وقطب عالم الامكان، الإمام الثاني عشر، الحجة القائم المهدي المنتظر #.
أمّا بعد:
فقد قال الله الحكيم في محكم كتابه الكريم ﴿ قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْراً فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ ﴾ (الملك: 30).
من دعاء زمن الغيبة الكبرى:
(اللّهم عرّفني نفسك فإنك إن لم تعرفني نفسك لم أعرف رسولك، اللهم عرّفني رسولك فإنك إن لم تعرّفني رسولك لم أعرف حجتك، اللّهم عرفني حجتك فإنك إن لم تعرفني حجتك ضللت عن ديني، اللهم لا تمتني ميتة الجاهلية).
ورد في الحديث النبوي الشريف: قال رسول الله ‘: من لم يعرف امام زمانه مات ميتة الجاهلية ـ ميتة كفر وضلال ونفاق ـ .
إنّ من لم يعرف إمام زمانه بمعرفة عقدّية وإيمانية قلبيّة كمعرفة الله ومعرفة رسوله، فيعرفهُ بالإمامة الخلافة والوصاية لرسول الله ‘، فإنّ الإمامة إمتداد للنّبوة في حفظها وصيانتها وضياعها ونشرها وتبليغها وقيامها بين الناس وتطبيقها في المجتمع، كما أن النبوة إمتداد للتوحيد، فمن لم يعرف إمام زمانه بهذه المعرفة، ولم يرتبط معه برابطة الولاء والموّدة، والإمامة والطاعة، فإنه لم يعمل بوصايا الأنبياء والمرسلين، فضلاً من عمله بوصية الله ربّ العالمين، ولا شك من كان كذلك سيكون موته وميتته ميتة الجاهلية، أي يبتني موته على أساس الجهل والظلمات، دون العقل والعلم والنّور.
ولمّا كان الموت عصارة الحياة ونتيجتها، فمن كان موته جاهليّاً، فإنه لا ريب كانت حياته حينئذٍ كلّها حياة جاهليّة، كما ورد في الخبر النبي الشريف (كما تعيشون تموتون، وكما تموتون تعيشون([2]).
وإذا كانت حياته ومعيشته جاهلية، فإنّ لازمه أن تكون نواحي حياته وشؤونها وجوانبها كلّها في دائرة الجهالة والضلالة.
ولا شك أنّ الجهل من الظلمات. ـ كما في حديث جنود العقل وجنود الجهل ـ فتكون حياته حينئذ حياة ظلمانية لا نور فيها، فيتخبط في الجهل والظلمات، ولم يكن له نوراً فما له من هادٍ. حتى آخر مرحلة من مراحل حياته، وبطبيعة الحال سيموت جاهلاً ، ولا يمكن أن تكون حياته حياة معقولة، وبطابع نوري ووضوح في التصرفات والحركة والسكون والإقدام والاحجام، فإن العقل خلقه الله من النور.
ومن لم تكن حياته نورية وعقلانية كان موته موت الجاهلية، فإن الموت الجاهلي ثمرة الحياة الجاهلية اللّامعقولة، ومن كانت حياته معقولة ـ والعقل ما عُبد به الرحمن وأُكتسب به الجنان ـ فإنّه لا مجالة تكون ثمرة حياته، أي موته موتاً عقلانياً ونورياً، ويكون قيامته حينئذ ـ وإذا مات المرء قامت قيامته ـ قيامة نورية، فنوره في قبره وبرزخه ويوم الحشر يسعى بين يديه، حتى يأخذه إلى بطنان الجنان، في مقعد صدق عند مليك مقتدر، في ظل عرش الله سبحانه.
فحياة القيامة الأبدية (لدَار الحيوان) ان هي إلّا نتيجة الموت، والموت نتيجة الحياة الدنيوية والميزان فالمقياس حينئذ في الحياة الجاهلية والعقلانية، إنّما هو الموت، فإنه حلقة وصل بين النشأتين والحياتين، بين الدنيا والآخرة.
ثم من لم يعرف إمام زمانه حقّ المعرفة في عصر الغيبة الكبرى، فإنه لا يكون منتظراً لظهوره وقيامه وإصلاحه، ليملأ الأرض قسطاً وعدلاً، بعدما ملئت ظلماً وجوراً، ومن علائم الحياة الجاهلية أن لا يكون الإنسان بإنتظار المصلح الحقيقي والواقعي للأرض ليملأها قسطاً وعدلاً، فحياة العلم والعقل والإيمان، إنما يتّم بمعرفة إمام الزمان ×.
تنبيه هام جداً:
يمكن أن يكون المرء في ظاهر حياته يعيش أجواء إيمانيّة، كأن يصلّي ويصوم ويتلو القرآن الكريم، ويكون في المسجد النبوي الشريف معتكفاً، وفي محراب الرسول الأعظم مصّلياً، وعلى منبره خطيباً، إلّا أنّ حياته حياة جاهلية وظلال ونفاق وكفر، فإن الظلال والكفر والنفاق كلّه من الجهل، فظاهر حياته في عبادة الله وفي مظاهر إيمانيّة ، إلّا أنّ حياته حياة جاهلية، لعدم معرفة إمام زمانه، كما أشارت إلى ذلك سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء’ في خطبتها الفدكية([3]) في إحتجاجها على القوم الّذين غصبوا الخلافة، وأزاحوا إمام الحق عن مرتبته، وجلسوا في غير مجلسهم ظلماً وجوراً وغصباً، فإحتجّت عليهم بقوله تعالى: ﴿ أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنْ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ ﴾ (المائدة: 50).
إذن: من لم يعرف إمام زمانه ولم ينتظر ظهوره في غيبته الكبرى، كانت حياته حياة جاهلية وظلمانيّة، ونتيجة حياته أن يكون موته موت الجاهلية.
وأما من عرف إمام زمانه، وكان بإنتظار عدله وإصلاحه، وعلم أنّه هو الشاهد على أعماله وسلوكه، وأنه مظهر لقوله تعالى ﴿ أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ ﴾ (الرعد: 33) فلا جرم كان منتظراً لقدومه المبارك ليملأ الأرض قسطاً وعدلاً، ومعنى إنتظاره الإيجابي أنه يعمل على ضوء إرادته وطاعته، والتي هي العمل بالشريعة الإسلامية المقدّسة في ظل مذهب أهل البيت^.
وبهذا كان مودّته وولاءه لمولاه وإطاعته المطلقة لإمامته وإمام زمانه، فكانت حياته ومماته على ضوء العقلانية، وومسارهُ مسار النور من دون جهل وظلمات.
تمهيد ومقدمات: وقبل الدّخول في صُلب الموضوع لا بأس بذكر مقدمات، لنكون على بصيرة من أمرنا، وهي كما يلي: ـ
1 ـ إنّ أول ما خلق الله العقل، وإنّه خلقه من نوره ومن يمين عرشه، وجعله مقياساً للثواب والعقاب، وزوّده بلطفه سبعين جندياً، كما خلق ضدّه وهو الجهل، فإنّ الله ليس كمثله شيء، ولا ضد له، ولا ندّ له، وما سواه فله الندّ والضّد، فخلق ضد العقل وندّه الجهل من الظلمات وبعدله زوّده بسبعين جندياً كذلك ، ومنذ خلقتهما وإبتلاء الإنسان بهما، بدء الصراع بينهما في داخل الإنسان، فكان في عقائده وأخلاقه وسلوكه بين غلبة العقل تارة، وغلبة الجهل أخرى، فإنقسم الناس بالنسبة إلى العقل والجهل إلى صنفين، فمنهم عاقل ومنهم الجاهل، كما كانت الحياة الدنيويّة حلبة الصّراع بين الحياة الجاهلية والحياة العقلانيّة.
ومن جنود العقل العلم، ويقابله الجهل بمعناه الخاص الذي هو ضد العلم، فالجهل يطلق تارة ويراد منه ما يقابله العلم، وأخرى ما يقابل العقل، ورب عالم يكون جاهلاً بالمعنى الثاني لغلبة جنود الجهل عليه، كأن يكون متكبّراً ومغروراً بعلمه، فإن الكبر والتكبّر من جنود الجهل، كما إنّ التواضع من جنود العقل، أو يكون مرائياً في عمله، والرّياء من جنود الجهل، كما أن الإخلاص من جنود العقل؟ أو يكون عالماً خائناً، فيكون جاهلاً، فإنّ الخيانة من جنود الجهل، والأمانة من جنود العقل، وهكذا الأمر في باقي الموارد.
2 ـ قال أمير المؤمنين× في نهجه البليغ: (الجاهل أما مفرط أو مفرّط)، فإنّه من العقل السليم أخذ الحدّ الوسط والفضيلة بين طرفيها من الافراط والتفريط، فإنّهما من الجهل المذموم عقلاً وشرعاً وعقلائياً، فالجاهل أما أن يكون مقصراً، وهذا من التفريط، وأما أن يكون مغالياً، وهذا من الإفراط، وعن أئمتنا الأطهار^: نحن النمرقة الوسطى بنا يلحق التالي وإلينا يرجع الغالي.
وفي الصلوات الشعبانية: (اللهم صل على محمد وآل محمد الفُلك الجارية في اللّجج الغامرة، يأمن من ركبها ويغرق من تركها، المتقدم لهم مارق، والمتأخر عنهم زاهق، واللازم لهم لاحق([4])كما ورد هذا المعنى في زيارة الجامعة الكبرى (فالراغب عنكم مارق، والّلازم لكم لاحق، والمقصّر في حقكم زاهق،والحق معكم وفيكم ومنكم وإليكم، وأنتم أهله ومعدنه...).
3 ـ ربّ عالم قتله جلُكم، فإنّه يدعي بما ليس فيه، وروي عن أمير المؤمنين× قال: (من قال أنا عالم فهو جاهل) وانّه من قال أنا أعلم فهو أجهل بما يعلم، والإنسان مهما بلغ من العلم، فإنه ﴿وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ﴾﴿وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً﴾ ﴿وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً﴾ وألحقني بالصالحين، وكما قال بعض العلماء الأعلام وأساتذتنا العظام، لو وضعت جهلي تحت قدمي. أي لوضعت مجهولاتي وما أجهله تحت قدمي لنطح رأسي السّحاب، كناية عن كثرة جهله، وأقول: بل لنطح رؤوسنا السّماء السابعة وما فوقها، إلا إن العلم لو بقي الإنسان فيه، ولم يخرق حجابه النوري، لكان الحجاب الأكبر، فإنّ السالك إلى الله لابّد له من العلم أولاً، إلّا أنه العلم حجاب نوري، فلابّد أن يخترقه إلى حجاب نوري آخر، كالإيمان القلبي بعقد العلم فيه، ثم يخترق هذا الحجاب كذلك إلى اليقين والأطمئنان القلبي ﴿قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي﴾ ثم يخرق ذلك ليصل إلى مقام الشهود وقرب النوافل (حتى أكون سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به) وهكذا يخرق الحجب النورية التي ورد في الحديث الشريف: انها سبعين ألف حجاب، وتسعين ألف حجاب، وذلك بعد أن يخرق حجب الظلمات من حبّ الدنيا، فإنها رأس كل خطيئة، ومن الأنانية وحبّ النفس الأمارة بالسّوء، فربّ عالم بالمصطلحات العلمية محّباً لدنياه ومغلوباً لهواه، فإنه يعيش الحياة الجاهلية وفي الظلمات ، فضلاً عن أنه يخرق حجب النور حتى يصل إلى معدن العظمة.
ومثال خرق الحجب النّورية: كمن ينظر إلى حوض فيه صورة القمر، ونوره المنعكسة من المرآة التي وقع فيها صورة القمر ونوره، المنعكس من نور الشمس عليه، فمن نور القمر في الحوض يصل إلى نور القمر في المرآة، ثم إلى نور القمر في القمر ، ثم إلى نور الشمس التي نورها من ذاتها، وكذلك الحجب النورية في أسماء الله وصفاته، إلى أن يصل إلى نور الأنوار، وغيب الغيب، ومقام الأحدية واللّاهوتية، بعد خرق الحجب في العالم الملكوتي، وهو في عالم أفعال الله، والعالم الجبروتي وهو في عالم الصفات الإلهية،و مقام الواحدية.
وفي المناجاة الشعبانية لأئمتنا الأطهار^: (إلهي هب لي كمال الإنقطاع إليك، وأنر أبصار قلوبنا بضياء نظرها إليك، حتى تخرق أبصار القلوب حُجب النور، فتصل إلى معدن العظمة، وتصير أرواحنا معلقة بعزّ قدسك)([5]).
فمن العلماء من يبتلى بعلمه، ويبقى مدهوشاً بمعلوماته كما يندهش بصورة القمر في الحوض ولا ينتقل إلى مصدر ذلك، كالمرآة المنطبعة فيها صورة القمر. فهذا من يقتله جهله بالمقامات النورية الأخرى، التي هي الأعلى، فتدبّر.
ثم لا يخفى إنّ من علماء الدّنيا في عصرنا هذا، من تغلّبت عليه العقلائية العلمانية، لتأثره بأفكار العلمانيين ومن يدور من حوله من المثقفين، أي المتغرّبين المتأثرين بالحضارة والمدنيّة الأمريكية والأوروبية، فتنعدم أو تضعف عنده العقلانية الدينيّة، والحوزويّة ، فينكر الثوابت الدينية أو المذهبيّة ظنّاً منه، أنّه بهذا نصر الدين والمذهب .
4 ـ إنّ العقل هو الحجة الباطنية لله سبحانه، فإنّ الله سبحانه يحتّج على الإنسان بعقله، الذي قد تميّز به عن جميع المخلوقات، كما شُرّف به عنها، كما يحتّج عليه بعضيد العقل، وبالحجة الظاهرية، أي بالوحي وبكتبه وأنبياءه ورسله وأوصيائهم، وورثتهم من العلماء الصالحين، ولله الحجّة البالغة.
فما يدلك على صحة الدّعوى وبطلانها، في مقام إثبات الدّعوى وإنكارها هو العقل، والذي يسمى بالدليل أو البرهان العقلي.
ويستدل بالعقل في إثبات الدعوى ونفيها في مقامين:
الأول: في مقام الثبوت: ويتعلّق بالإمكان الذاتي في تحقق ووقوع الممكن وعدمه، من حيث إمكانه الذّاتي، فإنّ الممكن ما كان متساوي الطرفين في الوجود والعدم، ويقابله واجب الوجود لذاته كالباري سبحانه، وممتنع الوجود لذاته كشريك الباري.
فالباحث في أيّ موضوع وقضية ودعوى، يبحث أولاً عن إمكانة الذاتي، بأنّه هل هو ممكن وقوعه وتحققه في الخارج ذاتاً، من جهة وجود المقتضي وعدم المانع أو غير ممكن؟ والحُّجة العقلية في هذا المقام تسمى بالعقل الميزاني ، والذي يكون بين الوجود والعدم، ككفتي الميزان.
الثاني: في مقام الإثبات: ويترتب هذا على المقام الأول، بعد ثبوت الإمكان الذاتي، بأنّه لو كان ممكناً ذاتاً فهل وقع في الخارج كذلك أو لم يقع ، فيقع الكلام في إمكانة الوقوعي بعد إمكانه الذاتي، والعقل في هذا المقام يسمّى بالعقل الآلي والطريقي.
وإنما يُستدل على الإمكان الوقوعي أولاً، بوقوعه وتحققه في الخارج، كما يقال: أدلّ دليل على إمكان الشيء وقوعه، وأُخرى بالأدلة الظاهرة، من النّقليات كالآيات القرآنية والأحاديث الشريفة بالنسبة لعقائد المسلمين.
5 ـ النظر والرؤية والمشاهدة من المعاني الإضافية، وإنّ كلّ منها رابط بين فاعل ومفعول، فالنّظر بين الناظر والمنظور، والرؤية بين الرائي والموئي، والشهود بين الشاهد والمشهود، وكل منها في الإنسان تارة يتعلق بجسده، وأُخرى بروحه، فالرّؤية تكون بالجسد، وبالعين والبصر، فهذه نظرة ومشاهدة ورؤية بصيريّة، تتعلق بالظواهر والمحسوسات البصريّة، يشترك فيها الإنسان والحيوان.
وأما الرؤية والمشاهدة التي تتعلق بالروح الإنسانية وبقلبه المعنوي، فإنّ في قلب المؤمن عينان يبصران بهما ملكوت الدنيا والآخرة، وتسمى بالرؤية القلبية، كما سمى بالبصيرة النافذة ﴿لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ﴾ (ق : 22).
والرؤية البصريّة تتوقف إلى سلامة البصر، فإنّ العين من أدوات والآت العلوم والمعرفة، كما أنّ الرؤية البصيرتيّة والقلبية متوقفة على سلامة الروح والقلب من الذنوب والرذائل ومذام الأفعال، وربّ ذي بصر لا بصيرة له فهو أعمى القلب، ورب بصير القلب لا بصر له فهو أعمى العين، فبينهما عموم من وجه ، فرُبّ مبصر بصير، ورب أعمى العين وأعمى القلب، ورب أعمى القلب دون البصر، وربما أعمى البصر دون القلب.
ورب ذي بصر لا بصيرة له، فيكون كالأنعام بل أضل، فإنه يرى الظاهر كما ترى الأنعام، ذلك إلّا أنه لا يرى الحقائق فكان غافلاً، فيعيش الظلال والجهالة حياةً وموتاً ﴿وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمْ الْغَافِلُونَ ﴾(الاعراف: 179).
والرؤية القلبية توجب المعرفة والنّجاة والتّكامل ورفع الدرجات في الدنيا والآخرة.
6 ـ إن أصحاب النبي الأعظم‘ منهم من كان يرى النبي برؤية البصر دون البصيرة، ومنهم من رآه بالبصيرة دون البصر، كأويس القرني (رضوان الله تعالى عليه) فإنّه لم ير النبي ببصره كما في قصته المعروفة وقدومه للمدينة المنورة شوقاً لرؤية حبيبه المصطفى‘، إلّا أنه لم يتوفق لذلك، وقال رسول الله‘ إني أشم رائحة الجنة من اليمين عند دخول المدينة، وقد خرج أويس القرني منها.
وهذه الرؤية القلبية هي التي توجب رؤية الحقيقة وان الوصي من بعد رسول الله بلا فصل هو أمير المؤمنين×، فإنّ علي مع الحق والحق مع علي أينما دار ويدور، فعرف أُويس القرني نبيه وإمام زمانه ، فكان معه في ركابه في حرب صفين حتى فاز بالشهادة بين يدي إمام زمانه أمير المؤمنين علي×، ولكن غيره ممّن رأى رسول الله‘ ببصره ليلاً ونهاراً إلّا أنه منهم من غصب الخلافة ومنهم من نكث البيعة، وجار في الحكم، ومرق عن الدين، فحاربوا أمير المؤمنين علي× ، وذلك عدم رؤيتهم القلبية لرسول الله محمد‘، فالعمدة في الفوز والفلاح والسعادة في الدنيا والآخرة، هي الرؤية القلبية، لا المشاهدة البصريّة.
7 ـ إن رؤية ومشاهدة الإمام الغائب× تارة تكون بالبصر وعين الرأس، لمن كان سالماً في حاسّة البصر، وأُخرى تكون بالبصيرة ورؤية القلب، والعمدة في معرفة صاحب الزمان× هو الثاني وإن كان الأول مطلوباً في ذاته أيضاً، ويعدّ شرفاً إلّا أن الفوز والنجاة بالثاني دون الأول، كما مثلّنا بأويس القرني، وصحابة النبي’ ، وقال الإمام الكاظم في ولده المهدي×: (غائب عن الأبصار، وذكره في القلوب).
8ـ لقد ورد في أحاديث أهل البيت^ : أن القلب حرم الله وعرش الرحمن، وإنما يستخلف الله في حرمه وعرشه هو خليفته ووليّه الأعظم، بقية الله وصاحب العصر والزمان×.
فمن كان ذكر خليفة الله وإمام زمانه في قلبه، كان يراه دائماً حاضراً برؤية قلبية ولا يغفل عنه، ولا ينساه. كما يرى الله سبحانه بقلبه بحقية الإيمان، كما ورد عن أمير المؤمنين ×: (أنّه تراه القلوب التي في الصدور وبحقائق الإيمان).
والذكر حضور المذكور عند الذاكر، فمن كان قلبه حرم الله وعرشه، فإنّه لا محالة كان ذكر وليّه وحجته حاضراً في قلبه.
9ـ لإمام زماننا# غيبتان : الصغرى : ومدّتها سبعون سنة تقريباً ، وكان الرابط آنذاك بين الإمام وبين شيعته والموالين هم السفراء الأربعة، وكانت بداية الغيبة الصغرى سنة 260 هـ وعمر الإمام × آنذاك خمس سنوات، وأما السفراء الأربعة فهم:
1ـ الشيخ الثقة الجليل عثمان بن سعيد العمري: تولّى السفارة خمس سنوات ، كما تولّى إبنه محمد أربعين سنة ([6])، فكان وفاة الوالد 265 هـ والولد سنة 305 هـ .
2 ـ الشيخ الثقة الجليل محمد بن عثمان العمري: قال الإمام العسكري× لبعض أصحابه: العمري وإبنه ثقتان، فما أدّيا فعني يؤديان([7])...
3ـ الشيخ الثقة الجليل الحسين بن روح النوبختي: مدّة سفارته واحدة وعشرون سنة، توفي 326 هـ.
4 ـ الشيخ الثقة الجليل علي بن محمد السّمرُي([8]): مدة سفارته ثلاثة أعوام، فتكون مدة الغيبة الصغرى على التحديد تسعاً وستين عاماً وستة أشهر خمسة وعشرون يوماً.
وتوفي السمري سنة 3029 هجرية في علم الله سبحانه، وقد غاب شخصه ولم يغب وجوده وشخصيته، ومن هنا بدءت الغيبة الكبرى إلى ما ولامامته وحجّيته على الخلائق فهو كالشمس وراء السّحاب، وهو حجة الله على الخلائق والأمم، وإمام المسلمين. وشيعة أمير المؤمنين علي×، بيمنه رُزق الورى وبوجوده ثبت الأرض والسّماء، يملأ الله به الأرض قسطاً وعدلاً بعدما ملئت ظلماً وجوراً.
زبدة المخاض:
هل يمكن في زمن الغيبة الكبرى أن يُرى صاحب العصر والزمان× برؤية ومشاهدة بصريّة، وبعين الرأس ؟ من الناس من أنكر ذلك مطلقاً، وهو من الشاذ النادر كاد أن يكون كالمعدوم كالمتأثر بالعقلانية العلمانية والحضارة الغربيّة ، وأمّا المشهور وممّا أجمع عليه الأصحاب وعلمائنا الأعلام، منذ بداية زمن الغيبة الكبرى وإلى يومنا هذا، فقد أثبتوا ذلك بالحجج والبراهين القاطعة؛ كما هو المختار، فدع الشاذ النادر وخذ ما اشتهر بين أصحابك.
وحان الوقت أن ندخل في صلب الموضوع لإيقاظ النائم وإثبات رؤية الإمام القائم # ومن الله التوفيق والتسديد.

[1] . مادة أوّلية لمحاظرات عقائدية ألقاها الكاتب في مركز الأبحاث العقائدية في قم المقدسة في ليلة الحادي عشرة والثانية عشرة وفي صحن صاحب الزمان السيدة المعصومة ليلة الثالث عشرفي شهر رمضان المبارك سنة 1434 هـ ق.

[2] . عوالي اللألئي 4:72.

[3] . البحار: 29: 220.

[4] . مفاتيح الجنان: أعمال شهر شعبان: 261.

[5] . مفاتيح الجنان: أعمال شهر شعبان: 261.

[6] . الغيبة: 219.

[7] . تاريخ الغيبة الصغرى: 404.

[8] . أبو الحسن علي بن محمد السّمري أو السيمري أو الصيمري، والمهشور جداً هو الأوّل مضبوطاً بفتح السين والميم معاً، والآخرين مضبطوين بفتح أوّلهما وسكون الياء وفتح الميم، وربّما قيل بالضم أيضاً. (تاريخ الغيبة الصغرى: 412).


زهراء النور
عضو مجتهد

رقم العضوية : 15029
الإنتساب : Nov 2014
المشاركات : 73
بمعدل : 0.02 يوميا
النقاط : 118
المستوى : زهراء النور is on a distinguished road

زهراء النور غير متواجد حالياً عرض البوم صور زهراء النور



  مشاركة رقم : 2  
كاتب الموضوع : صبر المهدي المنتدى : ميزان النفحات المهدوية للإمام الحجة (عج)
افتراضي
قديم بتاريخ : 08-Nov-2014 الساعة : 04:53 PM

اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم


اللهم عجل لوليك الفرج
بارك الله بكم


صبر المهدي
عضو
رقم العضوية : 15034
الإنتساب : Nov 2014
المشاركات : 14
بمعدل : 0.00 يوميا
النقاط : 0
المستوى : صبر المهدي is on a distinguished road

صبر المهدي غير متواجد حالياً عرض البوم صور صبر المهدي



  مشاركة رقم : 3  
كاتب الموضوع : صبر المهدي المنتدى : ميزان النفحات المهدوية للإمام الحجة (عج)
افتراضي
قديم بتاريخ : 09-Nov-2014 الساعة : 01:52 AM

اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم


إيقاظ النائم في رؤية الإمام القائم الحلقة(2)

محاضرة السيد عادل العلوي ( حفظه الله )
هل يمكن لقاء الإمام صاحب الأمر × ورؤيته في غيبته الكبرى؟
إنّ رؤية الإمام المعصوم × ومشاهدته بالبصر مطلقاً سواءاً كان في زمن الحضور أو الغيبة من الممكن الذاتي الذي لا استحالة فيه عقلاً، لوجود المقتضي وعدم المانع، فإنّه جسم يأخذ حيزاً في الوجود طولاً وعرضاً وعمقاً، ومع سلامة حاسة البصر، ووجود النور، فإنه قابل للإنعكاس في عدسة البصر، فيكون قابلاً للرؤية البصرية هذا من جهة الامكان الذاتي وبالعقل الميزاني كما مر.
وأما الرّؤية البصرّية في زمن غيبته فهل من الممكن الوقوعي؟
ذهب من ذهب بقول شاذ إلى عدم إمكان وقوعه، فكان من النّافين تمسكاً بخبر واحد وهو التوقيع المروي عن صاحب الزمان^ بسند شيخ الطائفة في غيبته، والشيخ الصدوق في إكمال الدين.
وأما المشهور من علماء الطائفة فإنهم من المثبتين، قالوا: بإمكانه الوقوعي، وتحقق ذلك في عصر الغيبة الكبرى في الجملة، تمسكاً بوجوه:
الأول: الأخبار والحكايات الصادقة الكثيرة المتواترة القطعية التي لا يمكن إحصائها لكثرتها، وتدل على وقوع المشاهدة، وتشّرف البعض بدرك فيض زيارته ومحضره، والتواتر القطعي مما يفيد العلم، وانه من النّص، ولا يقاومه الظن والظهور والخبر الواحد والخبر الواحد.
الثاني: ما إتّفق الكلّ عليه ظاهراً، حتى الشيخ ناقل هذا التوقيع الشريف، من مشاهدة جماعة كثيرة إيّاه×.
الثالث: المناقشة في التوقيع سنداًَ ودلالة، فإنه ما ذكر من التوقيع والخبر إنما هو خبر واحد مرسل ضعيف، لم يعمل به ناقله، وهو الشيخ في الكتاب المذكور لنقله جملة ممّن من شاهد الإمام× في زمن الغيبة الكبرى.
الرابع: قد أعرض الأصحاب عن الخبر، فيسقط عن الاعتبار، فلا يعارض الوقايع والقصص والأخبار التي يحصل القطع عن مجموعها، بل من بعضها المتضّمن لكرامات ومفاخر لا يمكن صدورها من غيره×.
الخامس: وجود طائفة من الروايات المعارضة الدالة على وقوع الرؤية البصرية في زمن الغيبة الكبرى.
ومن الاعلام كما هو المشهور، ممّن يرى التعارض بين الخبر وبين الحكايات المتواترة القطعية الدالة على وقوع المشاهدة، ويحاول أن يرفع التعارض مهما أمكن بذكر وجوهٍ للجمع، ومنهم من يرى عدم التعارض والتنافي في المصداق والدّلالة بذكر وجوه أخرى، هذا إجمال ما يقال من الوجوه عند المشهور.
وأما تفصيل ذلك:
أما دليل القول الأول النافي للرؤية البصرية في زمن الغيبة الكبرى مطلقاً، متمسكاً بما رواه الشيخ الطوسي+ في الغيبة: كما جاء في كتاب منتخب الأثر([1]): عن جماعة عن أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه عن أبي محمد أحمد بن الحسن المكّتب، قال: كنت بمدينة السّلام ـ بغداد ـ في السنة التي توفي فيها الشيخ أبو الحسن علي بن محمد السّمري+ فحضرته قبل وفاته، فأخرج إلى الناس توقيعاً نسخته (بسم الله الرحمن الرحيم يا علي بن محمد السّمري أعظم الله أجر إخوانك فيك، فإنك ميت ما بينك وبين ستة أيام، فاجمع أمرك، ولا توصي إلى أحد فيقوم مقامك بعد وفاتك، فقد وقعت الغيبة التّامة (الثانية) فلا ظهور إلّا بعد إذن الله تعالى ذكره، وذلك بعد طول الأمد، وقسوة القلوب، وإمتلاء الأرض جوراً، وسيأتي لشيعتي من يدّعي المشاهدة قبل خروج السفياني والصيحة، وهو كذّاب مُفتر، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم) قال: فنسختُ هذا التوقيع ، وخرجنا من عنده، فلّما كان اليوم السادس، عدنا إليه وهو يجود بنفسه، فقيل له من وصيّك من بعدك؟
فقال: لله أمر هو بالغه وقضى، فهذا آخر كلام سمع منه رضي لله عنه وأرضاه.
أقول: هكذا وجدت الخبر في النسخة الموجودة عندي من غيبة الشيخ، ونقله في جنة المأوى عن الشيخ والطبرسي مثلما نقلنا عنه، غير أنّه نقل (وسيأتي من شيعتي من يدّعي المشاهدة، إلا فمن أدّعى المشاهدة قبل خروج السفياني والصيحة فهو كذاب مفتر) وفي بعض الكتب (وسيأتي في شيعتي) إنتهى كلامه.
وقال صاحب منتخب الأثر آية الله العظمى الشيخ لطف الله الصافي (دام ظله) في الهامش، وهو خرّيت هذا الفن وفي المجال المهدوي.
ربما يقال: بأنّ هذا التوقيع بظاهره ينافي الحكايات الكثيرة المتواترة القطعية التي لا يمكن إحصائها لكثرتها، وتدل على وقوع المشاهدة، وتشّرف البعض بدرك فيض زيارته، ومحضره، وينافي أيضاً ما اتّفق الكل عليه ظاهراً حتى الشيخ ناقل هذا التوقيع من مشاهدة جماعة كثيرة إياه، وقد ذكروا لرفع التنافي أو الجواب عن هذا الخبر وجوهاً، ذكر الستة منها في جنة المأوى، منها: ما عن المجلسي+ في البحار وغيره، وهو: أن سياق الخبر يشهد بأن المراد من إدّعاء المشاهدة ادعائها مع النيابة والسفارة وإيصال الأخبار من جانبه إلى الشيعة على غرار قول السفراء في الغيبة الصغرى، وهذا الوجه قريب جداً.
ومنها: إنّه خبر واحد مرسل ضعيف، لم يعمل به ناقله وهو الشيخ في الكتاب المذكور، وأعرض الأصحاب عنه، فلا يعارض تلك الوقايع والقصص التي يحصل القطع عن مجموعها، وبل من بعضها المتضمّن لكرامات ومفاخر لا يمكن صدورها من غيره ×.
أقول: وهذه الكرامات والمفاخر هن من علائم الإمامة، وكونه الإمام المهدي× بعينه، فإنّها لا تأتي من غير الإمام المعصوم×، فمن رآه بالبصر وشاهد منه هذه الكرامات والمفاخر علم أنه أمام زمانه، كما هو × في بعض الوقائع يخبر بذلك، ويعرّف المشاهد بأنه إمام زمانه، كما في قصة الرّمانة مع الشيخ محمد بن عيسى البحراني، وكذلك لقاءات السيد مهدي بحر العلوم+ ففي قصّة الرمانة: (البحار: 52: 179) (... فقال: يا محمد بن عيسى: أنا صاحب الأمر فاذكر حاجتك، فقال إن كنت هو فأنت تعلم قصتي ولا تحتاج إلى أن أشرحها لك، فقال له: نعم خرجت لما وهمكم من أمر الرّمانة، وما كتب عليها، وما أوعدكم الأمير به، قال: فلمّا سمعت ذلك توجّهت إليه، وقلت له: نعم يا مولاي، قد تعلم ما أصابنا، وأنت إمامنا وملاذنا والقادر على كشفه عنا)..
وأما وجه الاستدلال بالخبر لمن نفى الرؤية في الغيبة الكبرى مطلقاً.
أولاً: قوله× (فلا ظهور الأبعد إذن الله تعالى ذكره)، فإطلاقه مع لا النافية والإستثناء يدل على نفي الظهور، ومنه الرؤية مطلقاً، فإنها من مصاديق الظهور.
وثانياً: قوله× (سيأتي الشيعي من يدعي المشاهدة قبل خروج السفياني والصيحة فهو كذّاب مفتر) ، فإطلاقه يعمّ جميع من يدعي الرؤية والمشاهدة فهو كذاب، أي كثير الكذب، ومن باب التأكيد المعنوي وصف بالإفتراء أيضاً فهو كدُّاب مُفتر.
ويرد عليه في كلا الوجهين:
أولاً: ما من مطلق إلا وقُيّد، كما، أنّه ما من عام إلّا وخُصّ ، فيقيد الاطلاق بالقرائن المقاليّة اللفظية المتصلة أو المنفصلة، والحالية المقاميّة كالسياق، أو بالإنصراف لغلبة الإستعمال أو كثرته، وفي الخبر قرنية حالية من جهة دلالة السياق، وكذلك الانصراف، إلى أن المراد من دعوى المشاهدة، أي دعوى السفارة والوصاية والوكالة، كما كان للسفراء الأربعة من قبل، وهذا المعنى ما أشار إليه كبار الأعلام حتى من ينقل الخبر والتوقيع الشريف، كما أنه من أقرب الوجوه لرفع التعارض بين التوقيع والأخبار المتواترة، كما سيأتي.
وثانياً: الظاهر، والظواهر حجة ـ من قوله× (فلا ظهور) أي ما يقابل الحضور والوصال كما كان في الغيبة الصغرى. كما أن كلمة الظهور لغلبة الاستعمال وكثرته كما في الروايات الأخرى، إنما يقصد منه الحضور العادي الذي يكون كما كان لآباءه الطاهرين^ من كونه أماماً حاضراً، بل في الغيبة أصبح إماماً غائباً، وهذا لا يعني أنه لا يراه أحد، ويستحيل وقوع ذلك. ومن البعيد جداً، أن يكون الرؤية البصرية من مصاديق الظهور في مثل هذه الأخبار التي تتحدث عن الظهور العادي، فتدبّر.
الثالث: قوله× (سيأتي شيعي) بظاهره يدل على أن الذي يأتي للشيعة ليس منهم، كما لو كان من المنافقين ويدعي المشاهدة، وأنه جاء إليكم بأمرٍ أو نهي من قبل صاحب الزمان× فهذا كذّاب مفتر، وهذا لا يدل على أنه من الشيعة كذلك لو أدعى المشاهدة مطلقاً فهو كذّاب، كيف وممن إدّعى المشاهدة أمثال سيدنا السيد مهدي بحر العلوم + كما في كتاب (قصص العلماء: 287) كما أخبر به زميله المحقق الميرزا القمي صاحب كتاب القوانين قدس سرهما، وان قال: وإن قال له: ولكن تكليفك إنّك تكذبني.
الرابع: المناقشة في السند، لإرسال الخبر، أو لإعراض الأصحاب.
الخامس: الاضطراب في النقل وهذا ممّا يوجب الوهن والضعف في الخبر، فإنه نقل تارة (سيأتي شيعي) وأخرى (سيأتي من شيعتي) وثالثه (سيأتي في شيعتي) وكم فرق بين النقولات، كما هو واضح عند أهله.
السادس: وجود طوائف من الروايات تدل على رؤية الإمام في غيبته الكبرى، وهي تعارض الخبر التوقيعي المناقش فيه سنداً ودلالة مما يوجب تقديم تلك الطوائف من الاخبار والتي.
منها: ما تدل أنّ هناك جماعة مع صاحب الزمان× يزيلون وحشته، ومنها: ما تدّل على الأوتاد والأبدال والصالحين المعروف عنهم برجال في خدمة صاحب الأمر×.
ومنها: ما يدل على لقاء الخضر به× .
1 ـ الشيخ الصدوق في إكمال الدين بسنده عن زرارة قال: سمعت أبا عبد الله× يقول: يفتقد الناس إمامهم فيشهدهم الموسم، فيراهم ولا يرونه([2]) أي لا يعرفونه.
2 ـ الصدوق بسنده عن إبن فضال عن الإمام الرضا× قال: إن الحضر شرب من ماء الحياة فهو حيّ لا يموت حتى ينفخ في الصور، وإنه ليأتينا فيسلّم علينا، فنسمع صوته، ولا نرى شخصه، وإنه ليحضر حيث ذُكر، فمن ذكره منكم فليسلّم عليه، وإنه ليحضر المواسم فيقضي جميع المناسك ويقف بعرفة، فيؤمن على دعاء المؤمنين، وسيؤنس الله به وحشة قائمنا× في غيبته، ويصل به وحدته([3]).
3 ـ الصدوق بسنده عن محمد بن عثمان العمري قال: سمعته يقول: والله إنّ صاحب هذا الأمر يحضر الموسم كل سنة، فيرى الناس ويعرفهم ، ويرونه ولا يعرفونه([4]).
4 ـ غيبة الشيخ الطوسي بسنده عن المفضل بن عمر قال: سمعت أبا عبد الله× يقول إن لصاحب هذا الأمر غيبتان إحداهما تطول حتى يقول بعضهم مات، ويقول بعضهم قتل، ويقول بعضهم ذهب، حتى لا يبقى على أمره من أصحابه إلا نفر سير، لا يطّلع على موضعه أحد من ولده ولا غيره إلّا المولى الذي يلي أمره.
5 ـ غيبة الشيخ الطوسي بسنده عن أبي بصير عن أبي جعفر× قال: لابدّ لصاحب هذا الأمر من عُزلة، ولابد في عزلته من قوة، وما بثلاثين من وحشة، ونعم المنزل الطّيبة، ورواه الكليني عن الوشاء، ومثله عن محمد بن مسلم.
بيان من العلامة المجلسي+: العُزلة ـ بالضم ـ اسم للاعتزال، والطيبة اسم المدنية المنّورة الطيبة، فيدل على كونه× غالباً فيها وفي حواليها، وعلى أن معه ثلاثين من مواليه وخواصّه، إن مات أحدهم قام آخر مقامه.
أقول: وربما ما نقرأه في زيارة آل يس (السلام عليك حين تقرء وحين تبيّن) يكون إشارة إلى هؤلاء الذين هم مع الإمام × يقرء عليهم ويبّين لهم، كما يحتمل أن يكونوا من رجال الغيب الذي يشير إليهم الشيخ الكفعمي في مصباحه من الأوتاد الأربعة، والأبدال السبعة، والصالحين السبعين، وإذا مات من الاوتاد يلتحق بهم من خيرة الأبدال، ثم من خيرة الصالحين بالابدال، ومن خيرة الناس بالصالحين، والله العالم.
6 ـ غيبة الشيخ بسنده عن عبد الأعلى مولى آل سام قال: خرجت مع أبي عبد الله× فلما نزلنا الرّوحاء نظر لي جبلها مُطّلاً عليها، فقال لي ترى هذا الجبل؟ هذا جبل يدعي رضوى من جبال فارس أحبنا فنقله الله إلينا، أما إنّ فيه كل شجرة مطعم، ونِعَم أمان للخائف مرتين، أما إن لصاحب هذا الأمر فيه غيبتين، واحدة قصير، والأخرى طويلة.
أقول: وربما ما جاء في دعاء الندبة إشارة إلى ذلك (ليت شعري أين استقرت بك النوى ؟ بل أيّ أرض تُقلّك أو ترى؟ أبرضوى أو غيرها أم ذي طوى، عزيز عليّ أن أرى الخلق ولا تُرى).
7ـ غيبة النعماني بسنده عن سدير الصيرفي قال: سمعت أبا عبد الله الصادق× يقول: إن في صاحب هذا الأمر لشبه من يوسف، فقلت: فكانك تخبرنا بغيبة أو حيرة فقال: ما ينكر هذا الخلق الملعون أشباه الخنازير من ذلك؟ إنّ أُخوة يوسف كانوا عقلاء ألبّاء، أسباط، أولاد أنبياء، دخلوا عليه فكلّموه وخاطبوه وتاجروه وراده (راودوه) وكانوا إخوته وهو أخوهم، لم يعرفوه حتى عرّفهم نفسه، وقال لهم: أنا يوسف فعرفوه حينئذٍ.
فما ينكر هذه الأمة المتحيّرة، أن يكون الله جل وعزّ يريد في وقت (من الأوقات) أنيستر حجّته عنهم، لقد كان يوسف إليه ملك مصر، وكان بينه وبين أبيه مسيرة ثمانية عشر يوماً، فلو أراد أن يعلمه مكانه لقدر على ذلك [والله لقد سار يعقوب وُولده عند البشارة تسعة أيام من بدوهم إلى مصر).
فما تنكر هذه الأمة أن يكون الله يفعل بحجته ما فعل بيوسف أن يكون صاحبكم المظلوم المحجود حقه، صاحب هذا الأمر يتردّد بينهم، ويمشي في أسواقهم، ويطأ فرشهم، ولا يعرفونه حتى يأذن الله أن يعرّفهم نفسه، كما أذن ليوسف حتى قال له أُخوته: إنك لأنت يوسف؟ قال: أنا يوسف([5]).
8 ـ غيبة النعماني بسنده المعتبر قال: قال أبو عبد الله×: للقائم غيبتان إحداهما قصيرة والأخرى طويلة (الغيبة) الأولى لا يعلم بمكانه (فيها، إلّا خاصة شيعته، والاخرى لا يعلم بمكانه فيها، إلا خاصة مواليه في دينه).
مع الشهيد الصدر الثاني+: وقد ناقش بعض الأعلام المعاصرين هذه الوجوه والإيردات، بعد أن ذكر التوقيع الشريف، وأشار إلى أن الإمام× أكدّ في هذا البيان على أمور، فذكر أموراً ثمانية، وقال في الأمر الثامن([6]) : إنّ من إدّعى المشاهدة قبل خروج السفياني والصيحة فهو مفتر كذّاب، وهو واضح في مدلوله، فإن المراد بيان إحتجاب الإمام المهدي× عن الناس حتى زمان تحقق هاتين العلامتين، فمن الواجب تكذيب كل من إدّعى رؤية المهدي × قبل تحقق ذلك، وإنما ينفتح المجال لإحتمال صدقه بعد تحقق العلامتين، بمعنى أن ذلك الحين هو موعد الظهور، فمن إدّعى رؤية المهدي × يومئذٍ فهو صادق أو محتمل الصدق على الأقل وأمّا قبل ذلك فلا.
وقد اصطدم ذلك ـ في نظر عدد من العلماء ـ بالأخبار القطعية المتواترة ـ أي ليست قصص وحكايات وعواطف وغلو كما قال البعض، بل الاخبار القطعية المتواترة ـ المفيدة للعلم والقطع وبمنزلة النّص ـ التي وردتنا عن لقاء الكثيرين للإمام المهدي× خلال غيبته الكبرى، من بعد صدور هذا البيان الذي سمعناه إلى الآن، بنحو لا يمكن الطعن فيه أو احتمال الخلاف، ومقتضاها لزوم تصديق المخبرين في الجملة، مع ان هذا التوقيع المهدوي يوجب علينا تكذيبه، فكيف يتمّ ذلك، وما هو وجه الجمع بينه وبين تلك الأخبار.
وما قيل أو يمكن أن يقال من وجوه الجمع لو حصلت المعارضة ـ عدة وجوه:
الأول الطعن في سند التوقيع الشريف ورواته حيث قالوا: إنه خبر واحد مرسل ضعيف، لم يعمل به فاعله، وهو الشيخ في الكتاب المذكور، وأعرض الأصحاب عنه، فلا يعارض تلك الوقائع والقصص التي يحصل القطع عن مجموعها، بل من بعضها المتضمن بكرامات ومفاخر لا يمكن صدورها عن غيره ×.
إلّا أن هذا الوجه لا يمكن قبوله لوجوه:
الأول: أما كونه خبر واحد فهو ليس نقصاً فيه، لما ثبت في علم أصول الفقه من حجية خبر الواحد الثقة ، وأما القول بالعدم حجيته فهو شاذ لا يقول به إلّا القليل النادر من العلماء.
أقول: فقبول السند حينئذٍ يكون مبنويّاً، فمن قال بعدم حجية خبر الاحاد كالسيد المرتضى وابن إدريس يلزمه سقوط الخبر عن الاحتجاج به، وكذلك من كان يقبل خبر الاحاد إذا كان محفوفاً بالقرائن الدالة على صحة إسناده وصدوره، ودونه يلزمه عدم الأخذ بالخبر أيضاً.
الثاني: وأمّا كونه خبراً مرسلاً، فهو غير صحيح إذ رواه الشيخ في الغيبة (ص:242) فقال: أخبرنا جماعة عن أبي جعفر محمد بن علي بن الحسن بن بابويه قال: حدثني أبو محمد أحمد بن الحسن المكتّب إلى آخر الخبر، كما رواه الصدوق ابن بابويه في إكمال الدين عن أبي محمد المكتب نفسه فأين الإرسال؟ والزمن بحسب العادة مناسب مع وجود الواسطة الواحدة.
الثالث: وأمّا كونه ضعيفاً، فهو على تقدير تسليمه، يكفي للإثبات التاريخي، كما قلنا في مقدمة هذا التاريخ، وإن لم يكن كافياً لإثبات الحكم الشرعي، كما حقق في محلّه.
أقول: وحينئذٍ يكون الأمر مبنويّاً أيضاً فمن قال بكفاية الخبر الضعيف في القضايا التاريخية، فإنه يعمل بالخبر هذا، لكونه خبراً تاريخيّاً، وأمّا غيره فيسقط الخبر عنده من الاعتبار لضعفه، أضف إلى أنه لو كان يترتب على القضية التاريخية حكماً شرعياً كما في المقام، من تكذيب مدعي المشاهدة وعدمه، فحينئذ لابدّ من صحة الصدور في الخبر، فتأمل.
الرابع: وأما إعراض الشيخ الطوسي والأصحاب عن العمل به، فإنّما تخيّله صاحب الاشكال بإعتبار إثبات الشيخ وغيره رؤية الإمام المهدي × في غيبته الكبرى، وهذا مما لاشك فيه ـ وهذا ينفي قول من يشكّك في الاخبار والحكايات والقصص المروّية الدالة على لقاء الحجة والتشِّرف بخدمته، ورؤيته في الغيبة الكبرى، فلاشك فيه ـ إلّا أنه إنما يصلح دليلاً على إعراضهم لو كانت معارضة ومنافات بين التوقيع وإثبات الرؤية، وأمّا مع عدم المعارضة ـ على ما سيأتي ـ فيمكن أن يكون العلماء: الشيخ الطوسي وغيره ـ قد التزموا بكلام الناحيتين، من دون تكذيب بينهما، ومعه لا دليل على هذا الاعراض منهم.
أقول: وحينئذ أيضاً يلزم أن يكون الأمر مبنويّاً، فلو كان بين الخبر التوقيعي المنافي للرؤية والاخبار المتواترة الدالة على وقوع الرؤية تعارضاً، حينئذ لابدّ من الجمع أولاً مهما أمكن، فإنه الأولى، وإلا فيؤخذ بالمرجّحات الداخلية السندية، أو الخارجية الدلالتية كالأخذ، بالأفقه والأعدل، وبما وافق كتاب الله وخالف العامة، وبما اشتهر بين أصحابك، كما في الأخبار العلاجيّة، والغالب على العلماء في هذا المقام قالوا بالتّعارض وتقديم الاخبار المتواترة لإعراض الأصحاب عن الخبر التوقيعي لأي سبب كان سواء من جهة سند؟ ومن جهة الدالة كما هو المختار ونقول بالتفصيل حينئذ كما سيتضح إن يشاء الله تعالى.
الخامس: على إنّ الإعراض لوكان حاصلاً لما أضرّ بحجية الحديث، لما هو الثابت المحقق في علم الأصول، بأن إعراض العلماء عن الرواية لا يوجب وهناً في الرواية سنداً ولا دلالة.
أقول: وهذا يرجع أيضاً إلى ما يختاره الفقيه من المبنى في فهمه الاعراض بأنّه يختص بأصحاب الأئمة فيوجب وهن الخبر وإن كان صحيحاً، أو يعمّ إعراض العلماء والمشهور أيضاً.
ثم يذكر الشهيد الصدر الثاني+ وجوهاً أخرى للجمع كما سنذكره انشاء الله بالتفصيل لما فيه من التفصيل والفوائد النافعة.
مع خاتم المحدّثين شيخنا العلّامة النوري+:
لقد ألّف المحدث الثقة كتاباً بعنوان (جنة المأوى في ذكر من فاز بلقاء الحجة × أو معجزته في الغيبة الكبرى) وأُلحق الكتاب ببحار الأنوار المجلد 52) ويذكر فيه القصص والأخبار الدالة على التشرف واللقاء في الغيبة الكبرى فَيذكر (59) قصة من قصص الحق، وكما يؤخذ برواياته في الأحكام الشرعية لوثاقته، فإنه يؤخذ كذلك فيما يروى من القصص في هذا الباب ولا يصّح أن يقال أنّها أوهام أو قصص خياليّة أو يميل إلى مثل هذه القصص التّرفيهيّة.
ثم في نهاية الكتاب يذكرفائدتين، والكلام في الفائدة الأولى، في نقله للخبر التوقيعي عن غيبة الشيخ الطوسي+ ثم يقول كما قال غيره من الأعلام: وهذا الخبر بظاهره ينافي الحكايات السابقة وغيرها مما هو مذكور في البحار، والجواب عنه من وجوه، فيذكر وجوهاً ستة:
الأول: إنّه خبر واحد مرسل غير موجب علماً، فلا يعارض تلك الوقائع والقصص التي يحصل القطع عن مجموعها، بل ومن بعضها المتضمن لكرامات ومفاخر لا يمكن صدورها من غيره× ـ كما في قصة الرّمانة ـ فكيف يجوز الإعراض عنها، لوجود خبر ضعيف لم يعمل به ناقلة، وهو الشيخ في الكتاب المذكور. كما يأتي كلامه فيه، فكيف بغيره، والعلماء الأعلام تلقّوها بالقبول، وذكروها في زبرهم وتصانيفهم معّوّلين عليها، معتنين بها.
أقول: هذا الوجه قد مرّ الكلام فيه تفصيلاً.
الثاني: ما ذكره في البحار بعد ذكر الخبر المزبور ما لفظه: (لعلّه محمول على من يدّعي المشاهدة مع النيابة وإيصال الأخبار من جانبه إلى الشيعة على مثل السفراء، لئلا ينافي الاخبار التي مضت وسيأتي فيمن رآه× والله العالم) ([7]).
أقول: قيل كما مرّ، أنّ هذا أقرب الوجوه في رفع التعارض بين الخبر التوقيعي الشريف، وبين الاخبار المتواترة الدالة على اللّقاء والمشاهدة، والعجب من بعض المعاصرين ـ هداه الله ـ في إحدى الفضائيات بحركات لا تليق سماحته أراد أن يسفّه عقول من قال بهذا الوجه القريب جداً، والحال قد ذهب الله جمع من كبار علمائنا الأعلام سواء أكان من القدماء أو المتأخرين، كالعلامة المجلسي+، وكذلك من المعاصرين كآية الله الشيخ لطف الله الصافي دام ظله.
نعم ذهب الشهيد الصدر الثاني+ إلى استبعاد هذا الوجه، إلّا أنه قابل للنّقاش.
بيان ذلك:
قال: في الوجه الخامس لدفع التعارض بين الخبر التوقيعي والاخبار المتواترة : الوجه الخامس([8]).
حمل التوقيع الشريف على دعوى المشاهدة مع إدعاء الوكالة أو السفارة عنه×، وإيصال الأخبار من جانبه إلى الشيعة على مثال السفراء في الغيبة الصغرى، قالوا: وهذا الوجه قريب جداً، وقد نقل عن البحار وغيره([9]).
إلّا أنه في الواقع بعيد جداً، بمعنى أنه خلاف الظاهر من عبارة الإمام المهدي× في بيانه ـ وهذا يعني أنّه تمسّك بالظاهر الذي هو من الظن، ولا يدل على ما هو في الواقع الذي هو من العلم، وفي نفس الأمر وفي علم الله سبحانه، فهذا تفسير جديد لمعنى الواقع فتأمّل .
فإنه يحتاج إلى ضمّ قيد أو لفظ إلى عبارته لم تقم قرينة على وجودها، كما لو كان قد قال: ألا فمن إدّعى المشاهدة مع الوكالة فهو كذّاب مفتر، إلّا أن المهدي× لم يقل ذلك كما هو واضح، ومقتضاه التكذيب لمن ادعى السفارة أو غيره وربّما يناقش قوله:
أولاً: لا تنحصر القرائن والقيود على اللفظ وحسب، حتى تكون من القرائن والقيود اللفظيّة.
وثانياً: من القرائن (سياق الكلام) وهو من القرائن الحالية، فإن سياق الخبر كما في المقام يدل على ذلك بوضوح، لأن المقام مقام إنتهاء السفارة الخّاصة وإنتهاء مدّة الغيبة الصغرى، وبدء الغيبة الكبرى الثانية والتّامة، فلا وكالة خاصة ولا سفارة خاصة بعد ذلك. بل في الحوادث الواقعة ترجع الأمة إلى الفقيه الجامع للشرائط والموصوف بما ورد في الخبر العسكري الشريف: أن يكون صائناً لنفسه، حافظاً لدينه، مطيعاً لمولاه، مخالفاً لهواه، فعلى العوام، أي من لم يكن مجتهداً ولا محتاطاً، أن يقلدّوه، فأرجع الإمام المنتظر× الأمة والشيعة في زمن الغيبة الكبرى إلى المرجعيّة الصالحة والمتّقية وجعلها حجة الله عليهم، كما كان هو حجة الله عليهم، والرّاد عليهم في حدّ الشرك، وهذا يعني قداسة المرجعية الحقّة والحقيقية دون من يدعي ما ليس فيه من المرجعيّة تبعاً لهواه، فإنه من المزّيفين كما ورد في الأخبار الشريفة، في بيان علماء السوء وذكر أوصافهم، كأن يكون مقبلاً على دنياه ومفتون بها، فإنه متّهم في دينه، ولا يؤخذ منه الدين، ولا مشروعية في قوله وفعله، ولا يكون مقدساً حينئذ.
وثالثاً: قد ذهب السيد الصدر نفسه إلى هذا الوجه القريب في مواضع من كتابه الشريف:
فقد قال عند بيان المستويات السبعة لعدم وجود التعارض بين التوقيع الشريف وبين الاخبار المتواترة فقال في المستوى الأول.
إننا سبق أن عرفنا أن الإمام المهدي× ليس مختفياً بشخصه عن الناس، وإنما يراهم ويرونه ولكنه يعرفهم ولا يعرفونه، فما هو الواقع خارجاً هو الجهل بعنوانه كإمام مهدي لا إختفاء جسمه كما تقول به بعض الأفكار غير المبرهنة... فرؤية الناس للمهدي× ثابتة في كل يوم وعلى الدوام كلما مشى في الطريق، أو ذهب إلى السوق، أو إلى الحج، أو إلى زيارة أحد أجداده الأئمة^، غاية الأمر أنّ الناس يرون فيه شخصاً عادياً، ويجهلون بالكليّة كونه هو المهدى ×.
إلى أن قال: (وظاهر بيان انتهاء السفارة ان ما هو كاذب أو ما يجب تكذيبه هو إدعاء مشاهدة المهدي بصفته إماماً مهدياً، أو الالتفات إلى ذلك ولو بالنتيجة، أو بعد انتهاء المقابلة، وهو ممّا لا يمكن أن يحدث في المقابلات الاعتيادية للمهدى×...)([10]).
وقال في موضع آخر وفي المستوى الخامس: (... نعم لو أخذنا بقوله ×: وسيأتي لشيعتي من يدعي المشاهدة، وفهمنا منه التنبيه على الدعوات المنحرفة بالخصوص، على ما سيأتي على المستوى الأتي .. كان ذلك قرنية على أن دعوى المشاهدة المقترنة بالدعوة المنحرفة هي الكاذبة دائماً، ومعه يكون إدّعاء المشاهدة المجردة عن الدعوة المنحرفة غير منصوص على كذبه في التوقيع، وإن تجرد عن الدليل الواضح، بل يبقى محتمل الصدق على أقل تقدير([11]).
وقال في المستوى السادس: (والمطمأن به هو أن هذا المستوى من الإدّعاء هو المقصود من التكذيب في التوقيع الشريف، فإن المستظهر من قوله×: (وسيأتي لشيعتي من يدعي المشاهدة) كون المراد منه الإشارة إلى حدوث دعوات منحرفة وحركات غير محمودة في داخل القواعد الشعبية الإماميّة، تقوم على دعوى المشاهدة، خلال الغيبة الكبرى، مع إلفات نظر المؤمنين، وتحذيرهم من تلك الدعوات، وتنبيهم على خطرها على الإسلام والمجتمع الإسلامي.
إذن فمدعي المشاهدة كاذب مزوّر في خصوص ما إذا كان منحرفاً، ينقل أموراً باطلة عن الإمام المهدي×، وأما فيما سوى ذلك، فلا يكون التوقيع الشريف دالاً على بطلانه، سواء نقل الفرد عن المهدي× أموراً صحيحة بحسب القواعد الإسلامية، أو محتملة الصحة على أقل تقدير، أو لم ينقل شيئاً على الإطلاق) ([12]).
فظهر مما ذكر إنّ المراد من مدّعي المشاهدة، ما كان يلزمه الإنحراف، كأن يدّعي السفارة أو الوكالة الخاصة أو الوصاية الخاصة كالبابية أو الدعوات المهدوية المزيفة والباطلة أخيراً بين الأوساط الشيعيّة. بأنه يأخذ الدين مباشرة من صاحب الأمر، وإن الناس يرجعون إليه، وليس إلى المراجع الكرام والفقهاء العظام، فهذا لا محالة كذّاب مفتر ملعون في الدنيا والآخرة.
ومن أنكر الرؤية إنما يقصد مثل هذه المشاهدات والرؤى، ولا ينافي من يذكر لقاءه مع الحجة×، من دون الدعوات المنحرفة والمزيفة، كما هو المختار، فلابد من القول بالتفصيل في الرؤية والمشاهدة من دون إفراط وتفريط.
وصايا الوالد لولده

لقد كان من دأب سلفنا الصالح أن ينصحوا ويوصوا أولادهم بمواعظ ونصائح ووصايا. كما فعل السيد بن طاووس مع ولده السيد محمد في كتابه (المحجة لثمرة المهجة)، وعلى نهجهم الكريم أُوصي ولدي وقرّة عيني السيد محمد علي حفظه الله ـ وأيّده بألطافه الجلية والخفيّة، وأسعده وإخوانه في الدارين ـ بهذه الوصايا المتواضعة:
أوّلاً: الله الله في أيتام آل محمد وشيعة أهل البيت والموالين، فاتقِ الله فيهم، واجمع شملهم، وإسع في تقوية إيمانهم وتعظيم شوكتهم، وتحكيم كيانهم، فإنهم يشكون في كل شهر رمضان إلى الله سبحانه، قلّة عددهم، وكثرة عدّوهم وغيبة وليهم، وفقد نبيهم، كما في دعاء الافتتاح في شهر رمضان المبارك.
ثانياً: ولدي لقد إشتد لحمك وعظمك علماً وعملاً من بركات الحوزات العلميّة، فكن ولدها البّار الصّالح، واخدمها بكلّ ما أوتيت من قوة وبسطة في العلم والجسم، ولا تتحدّاها يوماً من الأيام في عرض مسألة تبدو لك أنّها علمية، وقد إنفردت بها، فإن التّحدي يكون للخصم، والحوزة العلمية ليست خصماً لك، بل هي أُمّك الحاضنة والحاضرة، بل قدّم ما عندك من إبداع بكلّ تواضع خدمة للعلم والدين والمذهب والحوزة وعلمائها وطلّابها، فالتّحدي للخصوم، وأما الأصدقاء، فيقدّم لهم الخدمات الخالصة وبذل المعروف،وإعلم أن ما أوتيتم من العلم إلّا قليلاً، وفوق كل ذي علم عليم، وقل ربي زدني علماً وألحقني بالصالحين، وان العلم حجاب نوراني لو بقيت فيه منشغلاً بزيادة الفروع والتشعيب وبالغرور والكبرياء، كان هو الحجاب الأكبر، فالمفروض أن تخرق حجب النّور. لتصل إلى معدن العظمة.
ثالثاً: إحذر كل الحذر من الافراط والتفريط، فإنهما من الرذائل، وطرفي الفضيلة، وكن مؤدباً في أفعالك وأقوالك، واحترم آراء الآخرين، ولا تسفّه عقولهم، لتسحب البساط العلمي من تحت أرجهلم، بالتّهريج فهذا أسلوب الغوغائيين ولا تكن بذلك متبختراً ومتجبّراً ـ علماءً جبّارين ـ مبتلى بشكر العلم وتشعر في نفسك الأمارة بالسوء إنك أعلم من غيرك، فهذا هو الحجاب الأكبر، والمنزلق الأعظم لأهل العلم، فالحذار الحذار من النفس الأمارة، ومن وساوس وغرور شياطين الجن والإنس.
رابعاً: ولدي إن المرجعية في زمن الغيبة الكبرى إنّما هي بأمر من صاحب الأمر أمام زماننا ×، فمشروعيتها وقدسيتها منه وإليه، وإنها عقل التشيع المفكر والمدبّر، وقلب الشيعة النابض والحي، فلولاها لضاع الدين واندرس معالمه، فايّاك أن يسلب الشيطان حلمك وعقلك، فتهجم عليها وتضّعف كيانها بين الموالين بحجة التطهير والتعديل والتصحيح، فهذه من تسويلات إبليس اللعين، وانه ممّا يفرح به أعداء أهل البيت^، وإنهم في عصرنا هذا ليفرحون بما تقوله من الهجوم الصبياني والطفولي، ويثنونه على قناواتهم المقيتة، وفضائياتهم البغيضة، فالحذار الحذار، واتق الله في أيتام آل محمد^، كفاهم ما يرونه من الظلم والجور من قبل أعدائهم، فلا تزيد في المحنة والمصيبة، ولا تزيد في الطين بلّة، والله العاصم، وإنك لتعلم ان حجية المراجع العظام إنّما هو من حجية صاحب الزمان× فإنّهم من أبرز مصاديق رواة الحديث أو القدر المتيقّن منهم في عصرنا هذا. فإنه حجة الله عليهم كما هم حجته على الأمة في غيبته، والرّاد عليهم في حدّ الشرك([13]). نعم لك أن تبّين زيف من يدعي المرجعية وهو ليس من أهلها، كما أدّبنا أهل البيت^ في بيان علماء السوء بذكر أوصافهم وحالاتهم كحبّهم لدنيا، إذا رأيتم العالم مقبلاً على دنياه مفتون بها، فأتهموه أي لا تأخذوا دينكم منه، كما بيّنوا أوصاف العلماء الصالحين لدينه، وكذلك أوصاف المراجع والفقيه الذي يجب تقليده لمن لم يكن مجتهداً ولا محتاطاً، كقولهم (من كان حافظاً ، صائناً لنفسه مطيعاً لمولاه، مخالفاً لهواه، فعلى العوام أن يقلدوه، أسأل الله أن يعصمك من الزّلل والخطأ ، ويجعلك ذخراً للأمة وكهفاً وملاذاً للمسلمين والمؤمنين آمين رب العالمين .

([1]) منتخب الأثر في الإمام الثاني عشر×: لسماحة آية الله العظمى الشيخ لطف الله الصافي: ص399 ـ 400.

([2]) البحار: 52: 151.

([3]) المصدر نفسه.

([4]) المصدر نفسه.

([5]) البحار: 52: 154 عن غيبة النعماني: 89 والكافي: 1: 240.

([6]) الغيبة الصغرى: 633 ـ 640.

([7]) راجع البحار: ج52 ص151 باب من أدعى الرؤية في الغيبة الكبرى.

([8]) تاريخ الغيبة الصغرى: 644.

([9]) انظر منتخب الأثر ص400 والبحار ج13 ص142 (الطبعة القديمة، المطبعة الحديثة: ح52: 151.

([10]) تاريخ الغيبة الصغرى: 646 ـ 647.

([11]) تاريخ الغيبة الصغرى: 652.

([12]) المصدر نفسه: 652 ـ 653.

([13]) البحار: 52: 181 قال×: واما الحوادث الواقعة فارحعوا فيها إلى رواة حديثنا، فانهم حجتي عليكم، وأنا حجة الله عليهم.

إضافة رد



ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة


 

 


المواضيع والمشاركات التي تطرح في منتديات موقع الميزان لا تعبر عن رأي المنتدى وإنما تعبر عن رأي كاتبيها فقط
إدارة موقع الميزان
Powered by vBulletin Copyright © 2017 vBulletin Solutions, Inc