نبذة من آداب القراءة في خصوص الصلاة - منتديات موقع الميزان
موقع الميزان السلام عليك أيتها الصدِّيقة الشهيدة يا زهراء السيد جعفر مرتضى العاملي
يا مُمْتَحَنَةُ امْتَحَنَكِ اللهُ الَّذي خَلَقَكِ قَبْلَ اَنْ يَخْلُقَكِ، فَوَجَدَكِ لِمَا امْتَحَنَكِ صابِرَةً، وَزَعَمْنا اَنّا لَكِ اَوْلِياءُ وَمُصَدِّقُونَ وَصابِرُونَ لِكُلِّ ما اَتانا بِهِ اَبُوكِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَاَتى بِهِ وَصِيُّهُ، فَاِنّا نَسْأَلُكِ اِنْ كُنّا صَدَّقْناكِ إلاّ اَلْحَقْتِنا بِتَصْديقِنا لَهُما لِنُبَشِّرَ اَنْفُسَنا بِاَنّا قَدْ طَهُرْنا بِوَلايَتِكِ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ * ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ * صَدَقَ اللّهُ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ – منتديات موقع الميزان للدفاع عن الصدِّيقة الشهيدة فاطمة الزهراء صلوات الله عليها – منهاجنا الحوار الهادف والهادئ بعيداً عن الشتم والذم والتجريح ولا نسمح لأحد بالتعرض للآخرين وخصوصاً سب الصحابة أو لعنهم وهذا منهاج مراجعنا العظام والعلماء الأعلام حفظ الله الأحياء منهم ورحم الماضين
 
اضغط هنا
اضغط هنا اضغط هنا اضغط هنا
اضغط هنا
عداد الزوار
العودة   منتديات موقع الميزان .: ميزان أنوار السلوك :. ميزان السلوك إلى الله وطرق العرفان
ميزان السلوك إلى الله وطرق العرفان بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ{الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ}

إضافة رد
كاتب الموضوع سليلة حيدرة الكرار مشاركات 7 الزيارات 3630 انشر الموضوع
   
أدوات الموضوع ابحث في الموضوع

سليلة حيدرة الكرار
الصورة الرمزية سليلة حيدرة الكرار
مشرفة
رقم العضوية : 3576
الإنتساب : Jan 2009
الدولة : جنة الإمام الحسين عليه السلام
المشاركات : 3,167
بمعدل : 0.57 يوميا
النقاط : 311
المستوى : سليلة حيدرة الكرار is on a distinguished road

سليلة حيدرة الكرار غير متواجد حالياً عرض البوم صور سليلة حيدرة الكرار



  مشاركة رقم : 1  
المنتدى : ميزان السلوك إلى الله وطرق العرفان"> ميزان السلوك إلى الله وطرق العرفان
افتراضي نبذة من آداب القراءة في خصوص الصلاة
قديم بتاريخ : 13-Jul-2013 الساعة : 10:49 PM

اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم


السلام على جوهرة العصمة وفريدة الرحمة سيدتنا وولاتنا الزهراء وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم بظهور قائمهم والعن أعدائهم لعنة دائمة إلى يوم الدين


في ذكر نبذة من آداب القراءة في خصوص الصلاة
الفصل الاول
في آداب القراءة في الصلاة خاصة
اعلم أن للقراءة في هذا السفر الروحاني والمعراج الالهي مراتب ومدارج نكتفي ببعضها حسب ما يناسب هذه الرسالة:
المرتبة الاولى: الا يشتغل القارئ الا بتجويد القراءة وتحسين العبارة، ويكون همّه التلفّظ بهذه الكلمات فقط وتصحيح مخارج الحروف حتى يأتي بتكليف ويسقط عنه أمر، ومعلوم أن التكاليف لهذه الاشخاص موجبة للكلفة والمشقة وقلوبهم منها منضجرة وبواطنهم عنها منحرفة وليس لهم حظ من العبادة الا أنهم ليسوا معاقبين بعقاب تاركها الا ان يتفضّل عليهم من خزائن الغيب ويقعوا موردا للاحسان والانعام بمجرد لقلة اللسان، ويتّفق لهذه الطائفة أحيانا أن ألسنتهم مشغولة بذكر الحق وقلوبهم عنه عارية وبرئية ومتعلقة بالكثرات الدنيوية والمشاغل الملكية، وهذه الطائفة داخلة في الصلاة بحسب الصورة ولكنهم بحسب الباطن والحقيقة مشغولون بالدنيا ومآربها والشهوات الدنيوية، ويتفق أحيانا أن قلوبهم أيضا مشغولة بالتفكر في تصحيح صورة الصلاة. ففي هذه الصورة قد دخلوا في صورة الصلاة بحسب القلب واللسان، وهذه الصورة منهم مقبولة ومرضية.
المرتبة الثانية: هم الذين لا يقتنعون بهذا الحد بل يرون الصلاة وسيلة لتذكر الحق ويعدّون القراءة تحميدا وثناء على الحق، ولهذه الطائفة مراتب كثيرة يطول ذكرها ولعله أشير إلى هذه الطائفة في الحديث الشريف القدسي " قسمت الصلاة بيني وبين عبدي فنصفها لي ونصفها لعبدي فاذا قال بسم الله الرحمن الرحيم يقول الله ذكرني عبدي واذا قال الحمد لله يقول الله حمدني عبدي وأثنى علي وهو معنى سمع الله لمن حمده. و اذا قال الرحمن الرحيم يقول الله عظّمني عبدي، واذا قال مالك يوم الدين يقول الله مجّدني عبدي، وفي رواية فوّض إليّ عبدي واذا قال ايّاك نعبد وإياك نستعين يقول الله هذا بيني وبين عبدي، واذا قال اهدنا الصراط المستقيم يقول الله هذا لعبدي ولعبدي ما سأل ". وحيث أن الصلاة قد قسمت بحسب هذا الحديث الشريف بين الحق والعبد فلا بدّ للعبد أن يقوم بحق المولى إلى حيث حقّه ويقوم بأدب العبودية الذي ذكره في هذا الحديث حتى يعمل الحق تعالى شأنه معه باللطائف الربوبية كما يقول تعالى " أوفوا بعهدي أوف بعهدكم "(البقرة - 40).
والحق تعالى قد أقام آداب العبودية في القراءة على أربعة اركان:
الركن الأول: التذكر، ولا بد أن يحصل في بسم الله الرحمن الرحيم وينظر العبد السالك إلى جميع دار التحقق بالنظر الاسمى الذي هو الفناء في المسمّى ويعوّد القلب أن يكون طالباّ للحقّ ومحبّا للحق في جميع ذرّات الممكنات وفطرة تعلّم الاسماء التي فطر بها في مخمّر ذاته المشار اليها في قوله تعالى: " وعلّم آدم الاسماء كلّها "(البقرة - 31) لا بدّ وأن تصل من حضرة اسم الله الأعظم إلى مرتبة الفعلية والظهور بمقتضى جامعية نشأة الظهور، ويحصل هذا المقام من الخلوة مع الحق وشدّة التذكر والتفكر في الشؤون الالهية حتى ينتهي إلى حدّ يكون قلب العبد حقانيا ولا يكون في جميع زوايا قلبه اسم سوى الحق. وهذه مرتبة من الفناء في الالوهية، والقلوب المنكوسة القاسية للجاحدين لا تستطيع انكارها بهذا البيان الذي بيّنّاه الا أن يكون جحوده جحودا ابليسيا، فإن تلك القلوب والعياذ بالله متنفّرة بالطبع عن اسم الحق وذكره وتنقبض اذا جرى حرف من المعارف الالهية أو ذكر من أسماء الله ولا يفتحون بصيرتهم الا إلى الشهوات البطنية والفرجية، وفي هذه الطائفة أفراد لا يعتقدون للانبياء والأولياء أيضا سوى المقامات الجسمانية والجنة الجسمانية التي يُقضى فيها الوطر الحيواني، ويحسبون عظمة المقامات الاخروية كالعظمة الدنيوية بسعة الجنات والانهار الجارية وكثرة الحور والغلمان والقصور، واذا سمعوا كلاما عن العشق والمحبة والجذبة الالهية فيحملون على صاحبه بالالفاظ الركيكة والكلمات القبيحة، فكأن هذا الكلام سبّ لهم فيجبرونه، هؤلاء مأمورون من قبل الشيطان قد قعدوا على الصراط المستقيم الالهي بمقتضى: " ولاقعدنّ لهم صراطك المستقيم "(الأعراف - 16).
ولا يتركون أحدا يحصل له الانس مع الهه ويخلص من ظلمات التعلّق بالشهوات الحيوانية التي منها التعلّق بالحور والقصور.
ومن الممكن أن يستشهد هؤلاء بشواهد من أدعية الانبياء وأهل بيت العصمة بأنهم ايضا كانوا يطلبون الحور والقصور وهذا من قصور هذه الطائفة حيث أنهم لم يفرقوا بين حبّ كرامة الله حيث يكون النظر فيه إلى كرامة المحبوب واعطائه الذي هو علامة المحبة والعناية وبين حب الحور والقصور وأمثالها استقلالا، الذي هو في خميرة الشهوة الحيوانية، فحب كرامة الله هو حب الله ويسري إلى الكرامة والعناية بالتبع (عاشقهم برهمه عالم كه همه عالم ازاواست) (مصراع بيت للشاعر المعروف السعدي الشيرازي يقول: أنا للعالم عاشق حيث منه الكون أجمع).
وما حب الديار شغفن قلبي ولكن حب من من سكن الديارا
والا فما لعليّ والحور والقصور؟ وأي تناسب بينه وبين الاهواء النفسانية والشهوات الحيوانية؟ من كانت عبادته عبادة الاحرار فلا يكون جزاؤه جزاء التجار.. قد اُرخي عنان القلم وبعدت عن المطلب، وبالجملة من عوّد نفسه على قراءة الآيات والاسماء الالهية من كتاب التكوين والتدوين الالهي يصوّر قلبه بالتدريج على الصورة الذكرية والآيتية ويتحقق باطن الذات بذكر الله واسم الله وآيات الله كما فسر وطبّق الذكر بالرسول الاكرم وعلي بن أبي طالب صلوات الله عليهما وآلهما والاسماء الحسنى بأئمة الهدى وكذلك فسّرت وطبّقت آيات الله عليهم، صلوات الله عليهم، فهم الآيات الالهية واسماء الله الحسنى وذكر الله الأكبر ومقام الذكر من المقامات العالية الجليلة لا يسع في مجال البيان وحيطة التقرير والتحرير، وتكفي لاهل المعرفة والجذبة الالهية وأصحاب المحبة والعشق الآية الشريفة الالهية " فاذكروني أذكركم "(البقرة - 152). وقال الله تعالى لموسى " يا موسى أنا جليس من ذكرني ".. وفي رواية الكافي قال رسول الله " من اكثر ذكر الله أحبه الله " وفي الوسائل باسناده إلى الصادق قال: قال الله عزّ وجلّ " يابن آدم اذكرني في نفسك اذكرك في نفسي، يابن آدم اذكرني في خلاء أذكرك في خلاء يابن آدم اذكرني في ملأ أذكرك في ملأ خير من ملئك ". وقال:" ما من عبد ذكر الله في ملأ من الناس الا ذكره الله في ملأ من الملائكة ".
الركن الثاني: التحميد وهو في قول المصلّي الحمد لله رب العالمين.
اعلم ان المصلّي اذا تحقق بمقام الذكر ورأى جميع ذرّات الكائنات وعوالي الموجودات ودوانيها أسماء إلهية وأخرج عن قلبه جهة الاستقلال ونظر إلى الموجودات عوالم الغيب والشهود بعين الاستظلال تحصل له مرتبة التحميد ويعترف قلبه ان جميع المحامد من مختصات الذات الاحدية وليست لسائر الموجودات فيها شركة لأنه ليس لها كمال من عند أنفسها حتى يقع الحمد والثناء لها، ويأتي البيان التفصيلي لهذه اللطيفة الالهية في تفسير هذه السورة المباركة ان شاء الله.
الركن الثالث: هو التعظيم، وهو يحصل في الرحمن الرحيم:
إن العبد السالك إلى الله اذا حصر المحمدة في ركن التحميد على الحق تعالى وسلب الكمال والتحميد عن الكثرات الوجودية يقرب من أفق الوحدة وتعمي بالتدريج عينه الرائية للكثرة وتتجلى لقلبه الصورة الرحمانية التي هي بسط الوجود والصورة الرحيمية التي هي بسط كمال الوجود. ويصف الحق بالاسمين المحيطين الجامعين المضمحلة فيهما الكثرات فيحصل للقلب بواسطة التجلي الكمالي الهيبة الحاصلة من الجمال بتنزل عظمة الحق في قلبه، واذا تمكنت هذه الحالة في قلبه ينتقل إلى الركن الرابع.
الركن الرابع: الذي هو مقام التقديس الذي هو حقيقة التمجيد. وبعبارة أخرى تفويض الامر إلى الله، وهو عبارة عن رؤية مقام مالكية الحق وقاهريته وزوال غبار الكثرة وانكسار أصنام كعبة القلب، وظهور مالِكيّة بيت القلب والتصرف فيه بلا مزاحمة الشيطان، ويصل في هذه الحالة إلى مقام الخلوة. ولا يمكن بين العبد والحق حجاب وتقع اياك نعبد واياك نستعين في تلك الخلوة الخاصة ومجمع الانس، ولهذا قال: هذا بيني وبين عبدي واذا اشتملته العناية الازلية وأفاق يسأله الاستقامة في هذا المقام والتمكين في حضرته بقوله اهدنا الصراط المستقيم، ولهذا فسّر اهدنا بألزمنا وأدّبنا وثبّتنا وهذا لاولئك الذين خرجوا من الحجاب ووصلوا إلى المطلوب الازلي. وأما أمثالنا نحن أهل الحجاب لا بد وأن نسأل الهداية من الحق تعالى بمعناها المعروف، ولعلّه تأتي بقية من هذا في تفسير السورة المباركة الحمد، ان شاء الله تعالى.
تكميل: يظهر من الحديث الشريف أن الصلاة كلها قسمت بين الحق والعبد وقد ذكر الحمد من باب النموذج والمثل فبناء على هذا نقول: ان التكبيرات الصلاتية أعمّ من الافتتاحية وغيرها التي تقال في خلال انقلاب الاحوال الصلاتية كلها حظ الربوبية قسمة الذات المقدسة، فإن قام العبد السالك إلى الله بهذه الوظيفة العبودية وأدّى حق الربوبية بمقدار ما في وسعه فيؤدي الحق تعالى أيضا بألطافه الخاصة الازلية حق العبد وهو فتح باب المراودة والمكاشفة، كما اشار اليه في الحديث الشريف في مصباح الشريعة حيث يقول: " فاذا كبّرت فاستصغر ما بين العلى والثرى دون كبريائه ". إلى أن قال: " فاعتبر انت قلبك حين صلاتك فإن كنت تجد حلاوتها وفي نفسك سرورها وبهجتها وقلبك مسرورا بمناجاته ملتذا بمخاطباته فاعلم أنه قد صدّقك في تكبيرك، والا فقد عرفت من سلب لذة المناجاة وحرمان حلاوة العبادة انه دليل على تكذيب الله لك وطردك عن بابه.
وعلى هذا المقياس ففي كل حال من الاحوال الصلاتية وكل فعل من افعالها حق تعالى لابد للعبد من القيام به وهو آداب العبودية في ذلك المنزل وللعبد حظ ونصيب يعطيه الحق باللطف الخفي والرحمة الجلية بعد قيام العبد بآداب العبودية، واذا رأي نفسه فيب هذه المقامات الالهية محروما فيعلم أنه لم يقم بآداب العبودية وعلامة ذلك للمتوسطين ان لا تذوّق ذائقة القلب لذة المناجاة وحلاوة العبادات ويحرم عن البهجة والسرور والانقطاع إلى الحق.
والعبادة التي خلت عن اللذة والحلاوة عبادة بلا روح ولا يستفيد القلب منها.
فيا أيها العزيز آنس قلبك بآداب العبودية وأذق ذائقة الروح حلاوة الذكر، وهذه اللطيفة الالهية تحصل في بدء الامر بشدة التذكر والانس بذكر الحق، ولكن في حال الذكر لا يكون القلب ميّتا ولا تستولي عليه الغفلة، فاذا آنست قلبك بالتذكر فتشملك العنايات الازلية بالتدريج ويفتح على قلبك أبواب الملكوت وعلامة ذلك التجافي عن دار الغرور والانابة إلى دار الخلود والاستعداد للموت قبل حلول الفوت.
اللهم أعطنا نصيباً من لذة مناجاتك وحلاوة مخاطباتك واجعلنا في زمرة الذاكرين والمنقطعين إلى عزّ قدسك، وهب لقلوبنا الميّتة حياة دائمة واقطعها عمّن سواك ووجهها اليك انك ولي الفضل والانعام.
نسألكم الدعاء لنا ولوالدينا


توقيع سليلة حيدرة الكرار

تركت الخلق طـراً في هـواك
وأيتمت العيــال لــكي أراك
فلـو قطعتني في الحب إربــا
لمـا مـال الفــؤاد إلى سواك




سليلة حيدرة الكرار
الصورة الرمزية سليلة حيدرة الكرار
مشرفة
رقم العضوية : 3576
الإنتساب : Jan 2009
الدولة : جنة الإمام الحسين عليه السلام
المشاركات : 3,167
بمعدل : 0.57 يوميا
النقاط : 311
المستوى : سليلة حيدرة الكرار is on a distinguished road

سليلة حيدرة الكرار غير متواجد حالياً عرض البوم صور سليلة حيدرة الكرار



  مشاركة رقم : 2  
كاتب الموضوع : سليلة حيدرة الكرار المنتدى : ميزان السلوك إلى الله وطرق العرفان"> ميزان السلوك إلى الله وطرق العرفان
افتراضي
قديم بتاريخ : 13-Jul-2013 الساعة : 10:53 PM

اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم


السلام على جوهرة العصمة وفريدة الرحمة سيدتنا وولاتنا الزهراء وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم بظهور قائمهم والعن أعدائهم لعنة دائمة إلى يوم الدين


الفصل الثاني
في بعض آداب الاستعاذة
قال تعالى: " فاذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم إنّه ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربّهم يتوكّلون انما سلطانه على الذين يتولّونه والذين هم به مشركون "(النحل 98 - 99 - 100).
من الآداب المهمة للقراءة وخصوصا القراءة في الصلاة التي هي السفر الروحاني إلى الله والمعراج الحقيقي ومرقاة وصول اهل الله، الاستعاذة من الشيطان الرجيم الذي هو شوكة طريق المعرفة ومانع السير والسلوك إلى الله، كما أخبر الله سبحانه وتعالى عن قوله في السورة المباركة الاعراف حيث قال: " فبما أغويتني لاقعدنّ لهم صراطك المستقيم "(الأعراف - 16)، فإنه حلف ان يسد الطريق على أولاد آدم ويمنعهم عنه ففي الصلاة التي هي الصرلط المستقيم الانساني ومعراج الوصول إلى الله لا يتحقق الوصول من دون الاستعاذة من هذا القاطع للطريق، ولا يحصل الامان من شره من دون الاستعاذة إلى حصن الالوهية الحصين، ولا تتحقق هذه الاستعاذة بلقلقة اللسان والصورة بلا روح والدنيا بلا آخرة كما هو مشهود في أشخاص قالوا بهذا القول منذ أربعين أو خمسين سنة وما نجوا من شرّ هذا القاطع للطريق ويتبعون الشيطان في الاخلاق والاعمال بل في العقائد القلبية، ولو كنا مستعيذين من شرّ هذا الخبيث بالذات المقدسة للحق تعالى وهو الفيّاض المطلق وصاحب الرحمة الواسعة والقدرة الكاملة والعلم المحيط والكرم البسيط لاعاذنا الله ولصلح ايماننا وأخلاقنا وأعمالنا. فلا بدّ أن نفهم بأن التأخّر عن هذا السير الملكوتي والسلوك الالهي مهما كان فهو بواسطة إغواء الشيطان والوقوع تحت السلطنة الشيطانية من قصور أنفسنا أو من تقصيرنا حيث لم نقم بآدابه المعنوية وشرائطه القلبية، كما أن عدم نيلنا في جميع الاذكار والاوراد والعبادات نتائجها الروحية والآثار الظاهرية والباطنية فهو من أجل هذه الدقيقة، ويستفاد من الآيات القرآنية والاحاديث الشريفة للمعصومين آداب كثيرة وتعدادها يحتاج إلى الفحص الكامل واطالة الكلام ونحن نكتفي بذكر بعضها، فمن مهمّات آداب الاستعاذة الخلوص كما نقله سبحانه عن الشيطان انه قال: " فبعـزّتك لاغوينّهـم أجمعين الا عبـادك منهـم المخلصيـن "(ص - 82 - 83) وهذا الاخلاص كما يظهر من الكريمة الشريفة أعلى من الاخلاص العملي وأعم من العمل الجوانحي أو العمل الجوارحي لأن المخلص بصيغة المفعول، ولو كان المنظور هو الاخلاص العملي لكان التعبير بصيغة الفاعل، فالمقصود من هذا الاخلاص هو خلوص الهوية الانسانية بجميع شؤونها الغيبية والظاهرية والاخلاص العملي من رشحاته، وهذه الحقيقة واللطيفة الالهية وان كانت لا تحصل للعامة في ابتداء السلوك الا بالرياضات العملية الشديدة وخصوصا الرياضيات القلبية التي هي أصلها كما أشير اليه في الحديث المشهور: " من أخلص لله أربعين صباحا جرت ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه " فمن أخلص أربعين صباحا (بمقدار تخمير طينة آدم، وكان أربعين صباحا، والربط بينهما معلوم عند أهل المعرفة وأصحاب القلوب) نفسه لله وأخلص أعماله القلبية والقالبية للحق تعالى ويكون قلبه الهيا ولا ينفجر من القلب الالهي سوى عيون الحكمة، فيكون لسانه الذي هو أكبر ترجمان للقلب ناطقا بالحكمة.
ففي أول الامر يكون اخلاص العمل موجبا لخلوص القلب فاذا صار القلب خالصا تظهر على مرآة القلب أنوار الجلال والجمال التي أودعت بالتخمير الالهي من طبنة آدم وتتجلى وتسري من باطن القلب إلى ظاهر ملك البدن.
وبالجملة، الخلوص الذي يوجب الخروج من تحت السلطنة الشيطانية هو خلوص هوية الروح وباطن القلب لله تعالى، و إلى هذا الخلوص يشير أمير المؤمنين سلام الله عليه في المناجاة الشعبانية: إلهي هب لي كمال الانقطاع اليك.. فاذا وصل القلب إلى هذه المرتبة من الاخلاص ينقطع بالكلية عما سوى الله ولا يتطرق في مملكة وجوده غير طريق الحق ويقبله الحق تعالى في معاذه ويقع في الحصن الحصين للالوهية، كما قال تعالى في الحديث القدسي: كلمة لا اله الا الله حصني فمن دخل في حصني أمن من عذابي.. وللدخول في حصن لا اله الا الله مراتب كما أن للامن من العذاب ايضا مراتب، فمن وقع بباطنه وظاهره وقلبه وقالبه في حصن الحق وصار في معاذه فقد أمن من جميع مراتب العذاب، وأعلى مراتبها عذاب الاحتجاب عن جمال الحق والفراق عن وصال المحبوب جلّ جلاله فمن حصل له هذا المقام فهو عبد الله على الحقيقة ويقع تحت قباب الربوبية ويكون الحق تعالى متصرفا في مملكته ويخرج عن تحت ولاية الطاغوت. وهذا المقام من أعز مقامات الاولياء وأخص مدارج الاصفياء وليس لسائر الناس منه حظ، بل لعل القلوب القاسية للجاحدين والنفوس الصلبة للمجادلين البعيدة عن هذه المرحلة بمراحل تنكر هذه المقامات، ويحسبون الكلام في أطرافها باطل بل ينسبون والعياذ بالله هذه الامور التي هي قرّة عين الاولياء والكتاب والسنة مشحونة بها إلى المنسوجات للصوفية والاراجيف للحشوية.
ونحن ايضا ان تذكرنا هذه المقامات التي هي في الحقيقة مقام الكمّل فليس من جهة أن لنا فيها حظا أو أن نمدّ اليها عين الطمع، بل من جهة أننا لا نجوّز انكار المقامات ونرى ذكر الاولياء ومقاماتهم دخيلا في تصفية القلوب وتخليصها وتعميرها لأن ذكر الخير بالنسبة إلى اصحاب الولاية والمعرفة يوجب المحبة والتواصل والتناسب، وهذا التناسب يوجب التجاذب وهذا يسبّب التشافع الذي ظاهره الاخراج من ظلمات الجهل إلى أنوار الهداية والعلم وباطنه الظهور بالشفاعة في العالم الاخرة لأن شفاعة الشافعين لا تكون من دون تناسب وتجاذب باطني ولا تكون عن جزاف وباطل.
وبالجملة، التخليص بهذه المرتبة الكاملة وان كان لا يتيسّر لغير الكمّل من الاولياء والاصفياء عليهم الصلاة والسلام بل المقام الكامل لهذه المرتبة من مختصات النبي الخاتم والقلب الخالص النوراني الاحدي الاحمدي الجمعي المحمدي وسلم بالاصالة وللكمّل والخلّص من أهل بيته بالتبعية، ولكن لا يجوز للمؤمنين والمخلصين أيضا أن يغضّوا النظر عن جميع مراتبه ويقنعوا بالاخلاص الصوري العملي والخلوص الظاهري الفقهي لأن الوقوف في المنازل من الاعمال والافكار العبقرية لإبليس، فهو قاعد على سبيل الانسان والانسانية ويمنعه بأيه وسيلة كانت عن العروج إلى الكمالات والوصول إلى المدارج فلا بدّ من علوّ الهمة وتقوية الارادة، فلعل هذا النور الالهي واللطيفة الربانية تسري من الصورة إلى الباطن ومن الملك إلى الملكوت والانسان اذا نال أي مرتية من الاخلاص يكون بمقدارها في لواذ الحق وتتحقق الاستعاذة وتقصر يد تصرّف العغريت الخبيث والشيطان عن الانسان، فأنت اذا أخلصت الصورة الملكية الانسانية لله وجهلت الجيوش الظاهرة الدنيوية للنفس التي هي عبارة عن القوى المتشتتة في ملك البدن في ملاذ الحق وطهّرت الاقاليم السبعة الارضية أي البصر والسمع واللسان والبطن والفرج واليد والرجل من قذارات المعاصي وجعلتها تحت تصرّف ملائكة الله الجيوش الالهية فتصير بالتدريج هذه الاقاليم حقانية وتتصرّف بتصرف الحق إلى أن يكون هو نفسه ايضا من ملائكة الله أو مثل ملائكة الله لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون، فتحصل المرتبة الاولى من الاستعاذة ويرحل الشيطان وجيوشه عن المملكة ويتوجّهون إلى الباطن ويهجمون على القوى الملكوتية النفسانية، فمن هذه الجهة يصير أمر السالك أصعب وسلوكه أدق ولا بد له أن يكون قدم سيره أقوى ومراقبته أكمل ويستعيذ بالله المتعال من المهالك النفسانية من العجب والرياء والكبر والخيلاء وغيرها، ويشتغل بالتدريج بتصفية الباطن عن الكدورات المعنوية والقذارات الباطنية، ومن مهمات هذا المقام بل جميع المقامات، ومن مهمّات السلوك وأركان العروج التوجّه التام إلى التوحيد الحق الفعلي وتذكير القلب بهذه اللطيفة الالهية والمائدة السماوية، واذاقة القلب حقيقة مالكية الحق تعالى للسموات والارض والباطن والظاهر والملك والملكوت حتى يرتاض القلب بالتوحيد في الالهية ونفي الشريك في التصرف ويخمّر بالتخمير الالهي ويربّي بتربية التوحيدي، فلا يرى القلب ولا يعلم في هذه الحالة مفزعا ولا ملجأ ولا ملاذا ولا معينا سوى الحق، ويستعيذ بالحق ومقام الالوهية بالطوع والحقيقة، وما لم يقطع القلب عن تصرّف سائر الخلق ولم يغمض عين الطمع عن الموجودات لا يلوذ بالله على الحقيقة وتكون دعواه كاذبة وينسلك في مسلك أهل المعرفة في زمرة المنافقين وينسب إلى الخدعة والتغرير وفي هذا الوادي المهيب والبحر العميق الخطير استفادة التوحيدات الثلاثة استفادة علمية من نفخة حكيم رباني أو عارف نوراني يعين باطن القلب اعانة لائقة، ولكن شرط هذه الاستفادة أن يشتغل بها بنظر الآية والعلامة والسير والسلوك إلى الله ولا تكون نفس هذه الاستفادة شوكا للطريق وحجابا لرؤية جمال المحبوب كما لقّب رسول الله هذا العلم في الحديث الشريف للكافي: " أية محكمة ".
وبالجملة، اذا استحكم في القلب أصل التوحيد الفعلي للحق وسقي بماء العلم التوأم بالعمل اللطيف الذي يقرع باب القلب تكون نتيجته تذكر مقام الالوهية ويصفى القلب بالتدريج للتجلي الفعلي للحق. فاذا خلت الدار من الغدّار والعش من الغش يتصرف في البيت صاحبه وتأخذ يد ولاية الحق القوى الملكوتية والملكية من ملكوت الباطن والقلب إلى الملك وظاهر البدن تحت تصرفه وحكومته وترتحل الشياطين أجمع من هذه المرحلة أيضا وترجع المملكة الباطنية إلى استقلاله الذي هو عين الاستظلال للحق، وهذه المرتبة الثانية (من اللطيفة الربانية للاستعاذة). وبعد هذا المقام هو استعاذة الروح واستعاذة السر وسائر مراتب الاستعاذة لا تناسب هذه الاوراق، وهذا المقدار ايضا ظهر في صورة الترقيم من طغيان القلم أو من جراء قلم المولى جلّ وعلا وإليه المفزع.
ومن الآداب والشرائط الاستعاذة التي أشير اليها في الآية الشريفة التي ذكرناها في أول الفصل الايمان وهو غير العلم، حتى العلم الذي حصل بالبرهان الحكمي، فإن الشيطان مع أن له العلم بالمبدأ والمعاد بنصّ القرآن محسوب في زمرة الكفّار، فلو كان الايمان عبارة عن هذا العلم البرهاني يلزم أن يكون الواجدون لهذا العلم بعيدين عن تصرّف الشيطان ويتلألأ فيهم نور هداية القرآن، مع أننا نرى أن هذه الاثار لا تحصل بالايمان البرهاني فإن اردنا أن نخرج من تصرّف الشيطان ونقع تحت عوذة الحق لابد وأن نوصل الحقائق الايمانية إلى القلب بالارتياض القلبي الشديد ودوام التوجّه أو كثرته وشدّة المراودة والخلوة فاذا صار القلب إلهياً يخلو من تصرّف الشيطان كما قال الله تعالى: " الله وليّ الذين آمنو يخرجهم من الظلمات إلى النور "(البقرة - 257). فالمؤمنون الذين يتصرف ويتولىّ الحق تعالى في ظاهرهم وباطنهم وسرّهم وعلانيتهم خالصون من تصرّفات الشيطان وداخلون في سلطان الرحمن، ويخرجهم من جميع مراتب الظلمات إلى النور المطلق فينتقلون من ظلمة المعصية والطغيان ومن ظلمة كدورات الاخلاق الرذيلة وظلمة الجهل والكفر والشرك ورؤية النفس وحب النفس والعجب إلى نور الطاعة والعبادة وأنوار الاخلاق الفاضلة ونور العلم وكمال الايمان والتوحيد ورؤية الله وطلب الله وحب الله.
كما أن من آداب الاستعاذة التوكل، وهو ايضا من شعب الايمان ومن الانوار الحقيقية للّطيفة الايمانية وهو تفويض الامور إلى الحق الذي يحصل من ايمان القلب بالتوحيد الفعلي وتفصيله خارج عن نطاق هذه الاوراق.
فاذا لم ير العبد السالك مفزعا وملاذا غير الحق تعالى وعلم أن التصرّف في الامور منحصر في الذات المقدسة تحصل في القلب حالة الانقطاع والتوكل وتصير استعاذته حقيقية، فاذا لجأ بالحقيقة إلى حصن الربوبية والالوهية الحصين فيأخذه لا محالة في كنف ظلّه ورحمته الكريمة انه ذو فضل عظيم.
تتميم ونتيجة: قد علم من مطالب الفصل السابق ان حقيقة الاستعاذة عبارة عن حالة وكيفية نفسانية تحصل من العلم الكامل البرهاني بمقام التوحيد الحق الفعلي والايمان به بمعنى أنه بعدما فهم من طريق العقل المنور بالبرهان المتين الحكمي والشواهد النقلية المستفادة من النصوص القرآنية واشارات الكتاب الالهي والاحاديث الشريفة وبدائعها ان السلطنة الايجادية والاستقلال في التأثير بل أصل التأثير منحصرة بالذات الالهية المقدسة وليس لسائر الموجودات فيها شركة، كما قرّر في محله لابد له من تنبيه القلب بها وأن يكتب بقلم العقل على لوحة القلب حقيقة لا اله الا الله ولا مؤثّر في الوجود الا الله فاذا آمن القلب بهذه اللطيفة الايمانية والحقيقة البرهانية تحصل حالة انقطاع والتجاء. واذا وجد الشيطان قاطع طريق الانسانية والعدو القوى لنفسه تحصل له حالة الاضطرار وهذه الحالة القلبية هي حقيقة الاستعاذة، وحيث أن اللسان ترجمان القلب يظهر بلسانه تلك الحالة القلبية مع كمال الاضطرار والاحتياج ويقول على الحقيقة أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، واذا لم يكن في القلب اثر من هذه الحقائق ويكون المتصرف في القلب وسائر المملكة الوجودية هو الشيطان وتكون استعاذته ايضا بتصرف الشيطان وتدبيره، وفي التلفّظ يقول بالاستعاذة بالله من الشيطان ولكن في الحقيقة حيث أن التصرف شيطاني تقع الاستعاذة بالشيطان من الله تعالى وتحقق نفس الاستعاذة عكس المطلوب ويستهزئ الشيطان بقائلها وتتبين نتيجة هذه السخرية بعد كشف الغطاء وانطواء حجاب الطبيعة ومثل هذا الشخص الذي استعاذته لفظية فقط كمثل من يريد أن يستعيذ من شرّ العدوّ الجرّار إلى حصن منيع ولكن يمشي هو نفسه نحو العدوّ ويولّي الوجه عن الحصن ويقول لفظاّ إنّي أعوذ من شرّ هذا العدو بهذا الحصن. هذا الشخص مضافا إلى أنه يبتلي بشر العدو يكون سخرية له ايضا.
نسألكم الدعاء ولوالدينا

توقيع سليلة حيدرة الكرار

تركت الخلق طـراً في هـواك
وأيتمت العيــال لــكي أراك
فلـو قطعتني في الحب إربــا
لمـا مـال الفــؤاد إلى سواك




سليلة حيدرة الكرار
الصورة الرمزية سليلة حيدرة الكرار
مشرفة
رقم العضوية : 3576
الإنتساب : Jan 2009
الدولة : جنة الإمام الحسين عليه السلام
المشاركات : 3,167
بمعدل : 0.57 يوميا
النقاط : 311
المستوى : سليلة حيدرة الكرار is on a distinguished road

سليلة حيدرة الكرار غير متواجد حالياً عرض البوم صور سليلة حيدرة الكرار



  مشاركة رقم : 3  
كاتب الموضوع : سليلة حيدرة الكرار المنتدى : ميزان السلوك إلى الله وطرق العرفان"> ميزان السلوك إلى الله وطرق العرفان
افتراضي
قديم بتاريخ : 13-Jul-2013 الساعة : 10:57 PM

اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم


السلام على جوهرة العصمة وفريدة الرحمة سيدتنا وولاتنا الزهراء وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم بظهور قائمهم والعن أعدائهم لعنة دائمة إلى يوم الدين


الفصل الثالث
في أركان الاستعاذة
وهي أربعة:
الأول: المستعيذ. الثاني: المستعاذ. الثالث: المستعاذ به. الرابع: المستعاذ لأجله.
اعلم أن لهذه الأركان تفصيلات كثيرة خارجة عن مجال هذه الأوراق ونحن نكتفي بذكر مختصر منها.
الركن الأول في المستعيذ:
وهو الحقيقة الإنسانية من أول منزل السلوك إلى الله إلى منتهى النهاية للفناء الذاتي، وإذا تم الفناء المطلق هلك الشيطان وتمت الاستعاذة. وتفصيل هذا الإجمال أن الإنسان ما دام مقيما في بيت النفس والطبيعة ولم يشتغل بالسفر الروحاني والسلوك إلى الله وهو تحت السلطنة الشيطانية بجميع شؤونها ومراتبها لم يلتبس بحقيقة الاستعاذة وقلقلة اللسان بلا فائدة بل هي تثبيت وتحكيم للسلطنة الشيطانية إلا بالتفضل والعناية الإلهية، فإذا تلبس بالسير والسلوك إلى الله وشرع في السفر الروحاني فما دام هو في السير والسلوك فكل ما كان مانعا له من هذا السفر وشوكا في طريقه فهو شيطان سواء أكان من القوى الروحانية الشيطانية أم من الجن والأنس لأن الجن والأنس أيضا إذا كانت شوكة الطريق ومانعة السلوك إلى الله فبتأييد الشيطان وتصرفه كما أشار إليه سبحانه وتعالى في سورة الناس المباركة حيث يقول: " من شرّ الوسواس الخنّاس الذي يوسوس في صدور الناس من الجنّة والناس "(الناس - 4 - 5 - 6) فالشيطان إن كان جنّا فيستفاد من الآية الشريفة إن الوسواس الخنّاس الذي هو الشيطان جنّ وأنس أحدهما بالأصالة والآخر بالتبعية، وان كان الشيطان حقيقة أخرى شبيهة للجنة فيعلم من الآية الشريفة أن هذين النوعين يعني الجن والأنس أيضا تمثّلات شيطانية ومظاهره، وقد أشار إلى هذا المعنى في آية أخرى أيضا حيث يقول: " شياطين الأنس والجن "(الأنعام - 112) وقد أشار سبحانه في هذه السورة المباركة إلى الأركان الأربعة المذكورة كما هو ظاهر.
وبالجملة الإنسان قبل شروعه في السلوك إلى الله ليس مستعيذا وبعد تمام سيره، وبعد أن لم يبق من آثار العبودية شيء ونال الفناء الذاتي المطلق فلا يبقى أثر من الاستعادة والمستعاذ منه والمستعيذ ولا يكون في قلب العارف شيء سوى الحق والسلطنة الإلهية، وليس له خبر من قلبه ولا من نفسه أيضا، وأعوذ بك منك أيضا ليس في هذا المقام فإذا أتاه الصحو والأنس والرجوع تكون الاستعاذة حقيقة أيضا ولكن لا كاستعاذة السالك. ولهذا أمر الرسول الخاتم ( وسلم) أيضا بالاستعاذة كما قـال الله تعالى: " قل أعوذ برب الفلــق "(الفلق - 1) و " قل أعوذ برب الناس "(الناس - 1). و " قل أعوذ من همزات الشياطين وأعوذ بك ربّ أن يحضرون"(المؤمنون - 97 - 98). فالإنسان ليس مستعيذا في مقامين أحدهما قبل السلوك وهو حالة الاحتجاب المحض تحت تصرف الشيطان وسلطنته، والآخر بعد ختم السلوك وحصول الفناء المطلق، لأنه لا يكون ثمة خبر من المستعيذ والمستعاذ له والاستعاذة.
والإنسان مستعيذ في مقامين أحدهما حال السلوك إلى الله، وهو يستعيذ من أشواك الوصول التي قعدت على الصراط المستقيم للإنسانية كما حكى سبحانه من قول الشيطان: " فما أغويتني لأقعدنّ لهم صراطك المستقيم "(الأعراف - 16) والآخر في حال الصحو والرجوع من الفناء المطلق، فهو إذاً يستعيذ من الإحتجابات التلوينية وغيرها.
الركن الثاني في المستعاذ منه:
وهو إبليس والشيطان الرجيم الذي يمنع الإنسان بحبائله المتنوعة من الوصول إلى المقصد، وحصول المقصد وما ذكره بعض أعاظم أهل المعرفة من أن حقيقة الشيطان عبارة عن جميع العالم بجنبته السوائية فليس بتمام لدى الكاتب لأن الجنبة السوائية التي هي عبارة عن الصورة الموهومة العارية عن الحقيقة الخالية عن التحقق والواقعية من حبائل إبليس التي يشغل الإنسان بها، ولعله إلى ذلك أشير في قوله تعالى: " ألهيكم التكاثر حتى زرتم المقابـر"(التكاثر - 1 - 2) و إلا فنفس إبليس هي حقيقة ذات تجرّد مثالي وذات حقيقة إبليسية كليّة، هي رئيس الأبالسة وإبليس الكل أيضا، كما أن الحقيقة العقلية المجرّدة الكلية وهي آدم الأول هي عقل الكل. وإن القوى الواهمة الجزئية الملكية من مظاهر إبليس وشؤونه، كما أن العقول الجزئية شؤون العقل الكلّي ومظاهره. وتفصيل هذا المقام وتحقيقه خارج عن مجال هذه الرسالة.
وبالجملة، ما كان في هذا السلوك الإلهي والسير إلى الله مانعا من السير وشوكا في الطريق فهو الشيطان أو مظاهره التي أعمالها أيضا عمل الشيطان، وما كان من عوالم الغيب والشهود والعوارض الحاصلة للنفس
وحالاتها المختلفة حجابا لجمال المحبوب سواء أكان من العوالم الملكية الدنيوية كالفقر والغنى والصحة والمرض والقدرة والعجز والجهل والآفات والعاهات وغيرها، أو كان من العوالم الغيبية التجردية والمثالية كالجنة وجهنم، والعلم المتعلق بها حتى العلوم العقلية البرهانية الراجعة إلى توحيد الحق وتقديسه كل ذلك من حبائل إبليس التي تمنع الإنسان عن الحق والأنس به والخلوة معه وتشغله بذلك حتى الاشتغال بالمقامات المعنوية والوقوف في المدارج الروحانية الذي ظاهره الوقوف في الصراط الإنساني وباطنه الوقوف في صراط الحق الذي هو جسر روحاني لجهنم الفراق والبعد وينتهي إلى جنة اللقاء. وهذا الجسر مخصوص لطائفة قليلة من أهل المعرفة وأصحاب القلوب، وهذا الاشتغال من الحبائل العظيمة لإبليس الأبالسة و لابد من الاستعاذة منه إلى ذات الحق المقدسة جلّ شأنه.
وبالجملة، ما منعك عن الحق وحجبك عن جمال المحبوب الجميل فهو شيطانك سواء أكان في صورة الإنسان أو الجن، وكل ما يمنعك به الشياطين عن هذا المقصد والمقصود فهو حبائل الشيطان سواء كان من سنخ المقامات والمدارج أو العلوم والكمالات أو الحرف والصنائع أو العيش والراحة أو المشقة و الذلّة أو غيرها، وهذه عبارة الدنيا المذمومة وحبائل الشيطان و لابد من الاستعاذة منها. وما نقل عن رسول الله () أنه كان يقول: " أعوذ بوجه الله الكريم وبكلمات الله التي لا يجاوزهنّ بر ولا فاجر من شر ما ينزل من السماء وما يعرج فيها وشر ما ينزل من الأرض وما يخرج منها ومن شر فتن الليل والنهار ومن شر طوارق الليل والنهار إلا طارقا يطرق بخير " فلعل المقصود منه هذا المعنى والاستعاذة بوجه الله وبكلمات الله هي الاستغراق في بحر الجمال والجلال، وما منع الإنسان منه فهو من الشرور ومرتبط بعالم الشيطان ومكائده ولا بدّ من الاستعاذة منه بوجه الله سواء أكان من الحقائق الكاملة السماوية أو الناقصة الأرضية إلا أن يكون طارقا بخير وهو الطارق الإلهي الذي يدعو إلى الحق تعالى.
الركن الثالث: في المستعاذ به:
اعلم أن حقيقة الاستعاذة حيث أنها متحققة في السالك إلى الله ومتحصلة في السير والسلوك إلى الحق، بمعنى إن الاستعاذة تختص بالسالك في مراتب السلوك فتختلف الاستعاذة والمستعيذ والمستعاذ منه والمستعاذ به على حسب مقامات السائرين و لمدارجهم ومنازل سالكي الحقيقة، ويمكن أن تكون إشارة إلى ذلك السالك السورة الشريفة الناس حيث يقول تعالى: " قل أعوذ برب الناس ملك الناس إله الناس "(الناس - 1 - 2) فيستعيذ السالك بمقام الربوبية من مبادئ السلوك إلى حدود مقام القلب، ويمكن أن تكون هذه الربوبيّة، الربوبية الفعلية فتطابق أعوذ بكلمات الله التامات، فإذا انتهى سير السالك إلى مقام القلب فيظهر في القلب مقام السلطنة الإلهية فيستعيذ في هذا المقام بمقام ملك الناس من شر تصرفات إبليس القلبية وسلطنته الباطنية الجائرة، كما يستعيذ في المقام الأول من شر تصرفاته الصدرية، ولعل ما قاله تعالى " الذي يوسوس في صدور الناس "(الناس - 4). مع أن الوسوسة في القلوب والأرواح أيضا من الخناس لأن الأنسب في مقام التعريف أن يكون التعريف بالشأن العمومي والصفة الظاهرة عند الكل.
فإذا تجاوز السالك عن مقام القلب أيضا إلى مقام الروح الذي هو من النفخة الإلهية واتصاله بالحق اشّد من اتصال شعاع الشمس بالشمس فيشرع في هذا المقام مبادئ الحيرة و الهيمان والجذبة والعشق والشوق، فيستعيذ في هذا المقام بإله الناس، فإذا ترقى من هذا المقام وتكون الذات بلا مرآة الشؤون نصب عينيه، وبعبارة أخرى يصل إلى مقام السر، فالمناسب له أعوذ بك منك وفي هذه المقامات تفصيل لا يناسب هذه المقالة.
وأعلم أن الاستعاذة بسم الله لجامعيته تناسب جميع المقامات وهي في الحقيقة الاستعاذة المطلقة، وسائر الاستعاذات استعاذات مقيّدة.
الركن الرابع: في المستعاذ له، يعني غاية الاستعاذة:
اعلم أن ما هو المطلوب بالذات للإنسان المستعيذ فهو من نوع الكمال والسعادة والخير، ويتفاوت ذلك على حسب مراتب السالكين ومقاماتهم تفاوتا كثيرا. فالسالك ما دام في بيت النفس وحجاب الطبيعة تكون غاية سيره حصول الكمالات النفسانية و السعادات الخسيسة الطبيعية وهذا في مبادئ السلوك، فإذا خرج من بيت النفس وذاق شيئا من المقامات الروحانية و الكمالات التجردية فيصير مقصده أعلى و مقصوده أكمل فيلقي المقامات النفسانية وراء ظهره وتكون قبلة مقصودة حصول الكمالات القلبية و السعادات الباطنية فإذا ألفت عنان السير عن هذا المقام أيضا. ووصل إلى منزل السر الروحي فتبرز في باطنه مبادئ التجليات الإلهية ويكون لسان روحه في بادئ الأمر وجّهت وجهي لوجه الله ثم بعد ذلك وجهت وجهي لأسماء الله أو لله ثم بعد ذلك وجهت وجهي له، ولعل الجهة في وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض راجعة إلى المقام الأول بمناسبة الفاطرية.
وبالجملة، فالسالك غايته الحقيقية في كل مقام حصول الكمال والسعادة بالذات، وحيث أن مع السعادات والكمالات في كل مقام شيطانها هو لها قرين وحباله من حبائله مانعة للحصول فلا بد للسالك أن يستعيذ بالحق تعالى من ذلك الشيطان وشروره وحبائله للوصول إلى المقصود الأصلي والمنظور الذاتي، ففي الحقيقة غاية الاستعاذة للسالك حصول ذلك الكمال المترقب والسعادة المطلوبة والحق تعالى جلت عظمته غاية الغايات ومنتهى الطلبات، والاستعاذة من الشيطان تقع بالتبع. والحمد لله أولا و آخراً.
نسألكم الدعاء لنا ولوالدينا


توقيع سليلة حيدرة الكرار

تركت الخلق طـراً في هـواك
وأيتمت العيــال لــكي أراك
فلـو قطعتني في الحب إربــا
لمـا مـال الفــؤاد إلى سواك




سليلة حيدرة الكرار
الصورة الرمزية سليلة حيدرة الكرار
مشرفة
رقم العضوية : 3576
الإنتساب : Jan 2009
الدولة : جنة الإمام الحسين عليه السلام
المشاركات : 3,167
بمعدل : 0.57 يوميا
النقاط : 311
المستوى : سليلة حيدرة الكرار is on a distinguished road

سليلة حيدرة الكرار غير متواجد حالياً عرض البوم صور سليلة حيدرة الكرار



  مشاركة رقم : 4  
كاتب الموضوع : سليلة حيدرة الكرار المنتدى : ميزان السلوك إلى الله وطرق العرفان"> ميزان السلوك إلى الله وطرق العرفان
افتراضي
قديم بتاريخ : 13-Jul-2013 الساعة : 10:59 PM

اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم


السلام على جوهرة العصمة وفريدة الرحمة سيدتنا وولاتنا الزهراء وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم بظهور قائمهم والعن أعدائهم لعنة دائمة إلى يوم الدين


الفصل الرابع
في بعض آداب التسمية
روي في التوحيد عن الرضا (هو علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن ابي طالب ، الامام الثامن من الأئمة الاثنى عشر) حين سئل عن تفسير البسملة: " معنى قول القائل بسم الله أي اسم على نفسي سمة من سمات الله ن وهي العبادة. قال الراوي: فقلت: ما السمة؟ قال: العلامة ".
اعلم جعلنا الله وإياك من المتَّسمين بسمات الله أن الدخول في منزل التسمية لا يتيسر للسالك إلا بعد الدخول في منزل الاستعاذة واستيفاء حظوظ ذاك المنزل، فما دان الإنسان في تصرّف الشيطان ومقهوراً تحت سلطنته فهو متّسم بالسمات الشيطانية، وإذا غلب على باطنه وظاهره غلبة تامة يصير هو بجميع مراتبه آية وعلامة له، وإذا أتى بالتسمية في هذا المقام فيقولها بالإرادة الشيطانية والقوة الشيطانية واللسان الشيطاني ولا يحصل من استعاذته وتسميته سوى تأكيد السلطنة الشيطانية فإن أفاق بتوفيق الله من نوم الغفلة ووجدت له حالة اليقظة وأحسّ لزوم السير والسلوك إلى الله بنور الفطرة الإلهية وأنوار التعليمات القرآنية وسنن الهداة إلى طريق التوحيد في منزل اليقظة وأدرك القلب موانع السير فتحصل له حالة الاستعاذة بالتدريج وبعد ذلك يدخل منزل الاستعاذة بالتوفيق الرباني فإذا تطهّر من القذارات الشيطانية فيتجلى في مرآة السالك من تلك الأنوار الإلهية على حسب ما يناسبه بمقدار تطهيره الباطن والظاهر وفي أول الأمر تكون الأنوار مشوبة بالظلمات بل تكون الظلمة غالبة، خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا. وبالتدريج فكلما قوي السلوك، فبمقدار قوة السلوك يغلب النور على الظلمة وتظهر سمات الربوبية في السالك فتصير تسميته حقيقية إلى حد ما، والعلامات الشيطانية وهي في الظاهر المخالفة لنظام المدينة الفاضلة، وفي الباطن العجب والاستكبار وأمثالها، وفي باطن الباطن رؤية النفس وحبها وأمثالها ترتحل بالتدريج عن مملكة باطن السالك وظاهره وتسكن في مكانها سمات الله وهي في الظاهر حفظ نظام المدينة الفاضلة وفي الباطن العبودية و ذلة النفس وفي باطن الباطن حب الله ورؤية الله، فإذا صارت المملكة إلهية وخلت من شياطين الجن والإنس وظهرت فيها السمات الإلهية يتحقق السالك بنفسه بمقام الإسمية، فأول تسمية السالك عبارة عن الاتصاف بالسمات الإلهية وعلاماتها ثم يترقى عن هذه المرتبة ويصل بنفسه مقام الاسمية، وهذا أوائل قرب النافلة، فإذا تحقق بقرب النافلة نال تمام الاسمية فلا يبقى بعد شيء من العبد والعبودية، وإذا وصل أحد إلى هذا المقام تقع جميع صلاته بلسان الله وهذا يتحقق في القليل من الأولياء، وأما للمتوسطين أمثالنا الناقصين فالأدب أن نسمَ القلب بسمة العبودية وكيّها عند التسمية ونعلن القلب من سمات الله والعلامات الإلهية وألا نكتفي بلقلقة اللسان، فلعل من العنايات الأزلية نبذة تشمل حالنا وتجبر ما سبق منا وينفتح لقلوبنا طريق إلى تعلّم الأسماء ويحصل سبيل إلى المقصود.
ويمكن أن يكون المقصود من السمة من سمات الله في هذا الحديث الشريف سمة الرحمة الرحمانية والرحمة الرحيمية وعلامتها لأن هذين الاسمين الشريفين من الأسماء المحيطة التي وصلت جميع دار التحقق في ظلّ هذين الاسمين الشريفين إلى أصل الوجود وكماله، ويستمر هذا الوصول، والرحمة الرحمانية والرحيمية شاملة لجميع دار الوجود، حتى أن الرحمة الرحيمية التي جميع هدايات الهادين إلى طريق التوحيد من تجلياتها تشمل الجميع إلا أن الخارجين عن فطرة الاستقامة بسوء اختيارهم، حرموا أنفسهم منها لأن الرحمة غير شاملة لحالهم حتى أنه في عالم الآخرة وهي يوم حصاد ما زرع من الحسنة والسيئة فالذين زرعوا السيئة فهم بأنفسهم قاصرون عن الاستفادة من الرحمة الرحيمية.
وبالجملة، إذا أراد السالك أن تكون تسميتة حقيقيّة فلا بد له أن يوصل مراحم الحق تعالى إلى قلبه ويتحقق بالرحمة الرحمانية والرحيمية، وعلامة حصول نموذج منها في القلب أنه ينظر إلى عباد الله بنظر العناية والتلطف ويطلب الخير والصلاح للجميع وهذا هو نظر الأنبياء العظام والأولياء الكمل ، غاية الأمر أن لهم نظرين أحدهما النظر إلى سعادة المجتمع ونظام العائلة والمدينة الفاضلة، والآخر النظر الشخصي، ولهم علاقة كاملة بهاتين السعادتين والقوانين الإلهية التي تؤسس وتنفّذ وتكشف وتجري بأيديهم، يراعون فيها هاتين السعادتين حتى إجراء القصاص والحدود والتعزيرات وأمثالها والتي تبدو في النظر أنها أسّست وتقنّنت مع لحاظهم نظام المدينة الفاضلة، قد لوحظ فيها كلتا السعادتين لأن لهذه الأمور دخالة كاملة في التربية الروحية في الأكثر وإيصالهم إلى السعادة حتى الذين ليس لهم نور الإيمان والسعادة فيقتلونهم بالجهاد وأمثاله كيهود بني قريظة، فهذا القتل لهم أيضا صلاح وإصلاح ويمكن أن يقال أن قتلهم كان من الرحمة الكاملة للنبي الخاتم لأنهم مع وجودهم في هذا العالم يهيّئون لأنفسهم في كل يوم أنواع العذاب الذي لا يقابل يوما من عذاب الآخرة وعسرها جميع مدة الحياة في هذا العالم، وهذا المطلب واضح جدا عند أولئك الذين يعلمون ميزان عذاب الآخرة وعقابها والأسباب والمسببات فيها، فالسيف الذي يضرب أعناق بني قريظة يهود وأمثالهم كان أقرب إلى أفق الرحمة، والآن هو أيضا أقرب منه إلى أفق الغضب والسخط.
وباب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من وجهة الرحمة الرحيمية فلا بد للآمر بالمعروف والناهي عن المنكر أن يذيق قلبه من الرحمة الرحيمية ولا يكون نظره في الأمر والنهي أراءة نفسه والتكبّر وفرض أمره ونهيه لأنه إن مشى بهذا النظر لا يحصل المنظور من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهو حصول سعادة العباد وإجراء أحكام الله في البلاد، بل يصل ربما تحصل النتيجة المعكوسة من الأمر بالمعروف ومن إنسان جاهل، وتزداد عدة منكرات لأجل أمر أو نهي من جاهل يقع من جهة الهوى النفسي والتصرف الشيطاني، وأما إذا كانت دواعي الإنسان لإرشاد الجاهلين وإيقاظ الغافلين حس الرحمة والشفقة وحق النوعية والأخوة تكون كيفية البيان والإرشاد المترشحة من القلب الرحيم على نحو يؤثر في الموارد اللائقة تأثيرا حسنا وتنزل القلوب الصلبة القاسية عن استكبارها واستنكارها.
يا للأسف، إننا لا نتعلم من القرآن، وليس نظرنا إلى هذا الكتاب الكريم الإلهي نظر التدبر والتعلم، واستفادتنا من هذا الذكر الحكيم قليلة وضئيلة، ففكر الآن في الآية الشريفة:
" اذهبا إلى فرعون إنه طغى فقولا له قولا ليّنا لعله يتذكر أو يخشى "(طه - 24 - 25) ينفتح لك طرق من المعرفة ويفتح على قلب الإنسان أبواب من الرجاء.
إن فرعون الذي قد بلغ من الطغيان إلى حد أنه قال: " أنا ربكم الأعلى "(النازعات - 3) وبلغ علوه وفساده إلى درجة نزلت فيه " يذبح أبناءهم ويستحيي نساءهم "(القصص - 4) وبمجرد أنه رأى مناما وأخبرته الكهنة والسحرة أن موسى بن عمران سيطلع فرّق بين الرجال والنساء، وذبح الأطفال الأبرياء وأفسد ذلك الفساد، فإن الله الرحمن نظر برحمته الرحيمية على جميع وجه الأرض فأنتخب من نوع البشر أشدّهم تواضعا وأكملهم، ونبيّا عظيم الشأن ورسولا عالي المقام المكرم كموسى بن عمران على نبيّنا وآله و وعلّمه وربّاه بيده التربوية كما قال تعالى: " ولما بلغ أشدّه واستوى آتيناه حكما وعلما وكذلك نجزي المحسنين "(القصص - 14) وشدّد ظهره بأخ كريم مثل هارون ، وأنتخب تبارك وتعالى هاتين الزبدتين في العالم الإنساني كما قال تعالى: " وأنا اخترتك "(طه - 13). وقال تعالى: " ولتصنع على عيني "(طه - 39). وقال تعالى: " واصطنعتك لنفسي اذهب أنت وأخوك بآياتي ولا تنيا في ذكري "(طه - 41 - 42). وسائر الآيات الشريفة الواردة في هذا الموضوع الخارجة عن مجال البيان، وللقلب منها نصيب لا يمكن أن يقال وخصوصا من هاتين الكلمتين الشريفتين ولتصنع على عيني.. واصطنعتك لنفسي.. وأنت أيضا لو فتحت عين قلبك لتسمع نغمة روحانية لطيفة تمتلئ جميع مسامع قلبك وشراشر وجودك من سرّ التوحيد.
وبالجملة، إن الله تبارك وتعالى بعد هذه التشريفات هيّأ التهيئّات وروّض موسى الكليم بالرياضات الروحانية كما قال تعالى: " وفتنّاك فتونا "(طه - 40). وأرسله سنين في خدمة شعيب شيخ طريق الهداية والمرتاض في عالم الإنسانية، كما قال تعالى: " فلبثت سنين في أهل مدين ثم جئت على قدر يا موسى "(طه - 40) ثم بعثه للاختبار والافتتان الأعلى إلى واد، في طريق الشام وأضله الطريق وأمطر عليه المطر وغلب عليه الظلمة وعرّض زوجته للمخاض، فإذا أغلقت عليه جميع أبواب الطبيعة وانضجر قلبه عن الكثرات وانقطع إلى الحق بحبلة الفطرة الصافية وانتهى السفر الروحاني الإلهي في ذلك الوادي الظلماني غير المتناهي، آنس من جانب الطور نارا إلى أن قال: " فلما أتاها نودي من شاطئ الوادي الأيمن في البقعة المباركة من الشجرة أن يا موسى إني أنا الله رب العالمين "(القصص - 30)، وبعد هذه الامتحانات الكثيرة والتربية الروحانية المتكثرة هيّأه سبحانه لماذا؟ لأن يدعو ويهدي ويرشد وينجي عبدا طاغيا، باغيا، يضرب طبل أنا ربكم الأعلى.. وأفسد في الأرض ذلك الفساد الكبير. وكان في إمكانه تعالى أن يحرقه بصاعقة غضبه ولكن الرحمة الرحيمية ترسل إليه رسولين عظيمين ويوصيهما في نفس الوقت أن يقولا له قولا لينا لعله يتذكر الله أو يخشى من عمله وعاقبة أمره. هذا هو دستور الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، هذه كيفية إرشاد مثل فرعون الطاغوت.
فإذا أردت أيضا أن تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر وترشد خلق الله فتذكر من هذه الآيات الشريفة التي أنزلت للتذكر والتعليم وتعلّم منها، فالق عباد الله بقلب مملوء من المحبة وفؤاد عطوف لعباد الله وكن طالبا لخيرهم من صميم القلب، فإذا وجدت قلبك رحمانيا ورحيميا فقم بالأمر والنهي والإرشاد كي يلين برق عطف قلبك القلوب القاسية وتلين حديد القلوب بالموعظة الخليطة بنار المحبة، وهذا الوادي غير وادي البغض في الله والحب في الله ولا بد للإنسان أن يعادي أعداء الدين، كما ورد في الروايات الشريفة والقرآن الكريم فهو في محله صحيح وهذا أيضا في محله صحيح وليس الآن مجال بيانه.
نسألكم الدعاء لنا ولوالدينا

توقيع سليلة حيدرة الكرار

تركت الخلق طـراً في هـواك
وأيتمت العيــال لــكي أراك
فلـو قطعتني في الحب إربــا
لمـا مـال الفــؤاد إلى سواك




سليلة حيدرة الكرار
الصورة الرمزية سليلة حيدرة الكرار
مشرفة
رقم العضوية : 3576
الإنتساب : Jan 2009
الدولة : جنة الإمام الحسين عليه السلام
المشاركات : 3,167
بمعدل : 0.57 يوميا
النقاط : 311
المستوى : سليلة حيدرة الكرار is on a distinguished road

سليلة حيدرة الكرار غير متواجد حالياً عرض البوم صور سليلة حيدرة الكرار



  مشاركة رقم : 5  
كاتب الموضوع : سليلة حيدرة الكرار المنتدى : ميزان السلوك إلى الله وطرق العرفان"> ميزان السلوك إلى الله وطرق العرفان
افتراضي
قديم بتاريخ : 13-Jul-2013 الساعة : 11:17 PM

اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم


السلام على جوهرة العصمة وفريدة الرحمة سيدتنا وولاتنا الزهراء وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم بظهور قائمهم والعن أعدائهم لعنة دائمة إلى يوم الدين
الفصل الخامس
في البيان الاجمالي من تفسير سورة الحمد المباركة
وفيه نبذة من آداب التحميد والقراءة
اعلم أن العلماء اختلفوا في متعلق باء بسم الله الرحمن الرحيم وذكر كل حسب مشربه من العلم والعرفان متعلقا لها كما أن علماء الادب اشتقوا من مادة الابتداء أو الاستعانة كلمة وجعلوها في التقدير وما ورد في بعض الروايات ايضا من أن بسم الله هي أستعين اما على وفق مذاق العامة كما أنه شائع في كثير من الروايات واختلاف الاحاديث الكثيرة محمول بهذا المعنى، ولهذا قال الرضا في هذا ايضا: بسم الله أي اسم نفسي بسمة من سمات الله او ان المقصود من الاستعانة ألطف مما يدركه العامة.
وبعض أهل المعرفة جعله متعلقا بظهر وقال: اي ظهر الوجود باسم الله وهذا على حسب مسلك أهل المعرفة وأصحاب السلوك والعرفان حيث أنهم يرون جميع الموجودات وذرات الكائنات وعوالم الغيب والشهادة تجليا للاسم الجامع الالهي يعني الاسم الاعظم الظاهر، فبناء على هذا فإن الاسم بمعنى الآية والعلامة أو بمعنى العلّو والارتفاع عبارة عن التجلي الفعلي الانبساطي للحق الذي يسمى الفيض المنبسط والاضافة الاشراقية لأنه على حسب هذا المسلك جميع دار التحقق من العقول المجردة الى آخر مراتب الوجود تعينات لهذا الفيض وتنزلات لهذه اللطيفة ومؤيد هذا المسلك كثير من الآيات الشريفة الالهية والاحاديث الكريمة لأهل بيت العصمة والطهارة ، كما يقول في الحديث الشريف الكافي: " ان الله خلق المشيئة بنفسها ثم خلق الاشياء بالمشيئة " وقد يوجّه هذا الحديث الشريف كل على حسب مسلكه توجيها، وأظهر التوجيهات ما يطابق هذا المسلك، وهو أن يكون المراد من المشيئة المشيئة الفعليّة وهي عبارة عن الفيض المبسط، والمراد من الاشياء مراتب الوجود التي هي عينات هذه اللطيفة وتنزلاتها فيكون معنى الحديث هكذا.
ان الله تعالى خلق المشيئة الفعلية التي هي ظلّّ المشيئة الذاتية القديمة بنفسها وبلا واسطة وخلق سائر موجودات عالم الغيب والشهادة بتبعها، وللسيد المحقق الداماد (هو السيد الأجل محمد باقر بن محمد الحسيني الاسترابادي المعروف بالميرداماد المحقق المدقق العالم الحكيم المتبحّر النقّاد ذو الطبع الوقّاد الذي حلى بعقود نظمه وجواهر نثره عواطل الأجياد سمّي الداماد لان والده كان صهرا للمحقق الثاني رضوان الله عليه فيدعى داماد وله من المؤلفات القبسات والرواشح السماوية الصراط المستقيم والحبل المتين وشارع النجاة وضوابط الرضاع وغير ذلك من الكتب الكثيرة وله حواش على الكافي والفقيه والصحيفة السجادية وغير ذلك وله ديوان شعر بالعربية والفارسية وحكي أنه لم يأو بالليالي الى فراشه للاستراحة مدة أربعين سنة ولم يفت منه (ره) نوافله مدة تكليفه ذهب في آخر عمره الشريف من أصبهان بمرافقة السلطان شاه صفي الى زيارة العتبات العالية فمات (ره) هناك وذلك في 1041 (غما) ودفن في النجف الاشرف) (قدس سره) مع ما له من مقام التحقيق والتدقيق توجيه عجيب للحديث المزبور، كما أن توجيه الفيض المرحوم أيضا بعيد عن الصواب.
وبالجملة، الاسم عبارة عن نفس التجلي الفعلي الذي به تحققت جميع دار التحقق واطلاق الاسم على الامور العينية في لسان الله ولسان رسوله وأهل بيت العصمة كثير، مثل ما ورد عنهم عليهم السلام: " نحن الأسماء الحسنى ".. وفي الأدعية الشريفة: " وباسمك الذي تجليت به على فلان " كثيرة.
ويحتمل أن يكون بسم الله في كل سورة متعلقا بتلك السورة، فمثلا بسم الله سورة الحمد المباركة متعلق بالحمد وهذا مطابق للذوق العرفاني ومسلك أهل المعرفة لأنه اشارة الى أن حمد الحامدين وثناء المثنين ايضا بقيمومة اسم الله، فبناء على هذا فالتسمية في مقدمة جميع الاقوال والافعال التي هي من جملة المستحبات للتذكر بأن كل قول وفعل (لابد وأن يتحقق بقيمومة اسم الله، فبناء على هذا الاحتمال معنى بسم الله الرحمن الرحيم في أوائل السور) (ما ذكر بين القوسين لم يكن فيما عندي من النسخة ويحتمل أن يكون سقطا من العبارة فمع الاعتذار عن الاستاذ أضيفت تلك الجملات لانسجام المطلب -- المترجم) يختلف. وقال الفقهاء لابد وأن يتعين بسم الله الرحمن الرحيم لكل سورة فاذا قرأ بسم الله بنية سورة في الصلاة فلا يجوز ابتداء سورة اخرى بتلك التسميه، وهذا القول على المسلك الفقهي لا يخلو من وجه، وعلى هذا التحقيق وجيه، وبالنظر الى اضمحلال الكثرات في حضرة اسم الله الأعظم فلبسم الله في جميع السور معنى واحد كما أن هاتين النظرتين موجودتان في مراتب الوجود ومنازل الغيب والشهود. فبنظر الكثرة ورؤية التعينات والموجودات متكثرة ومراتب الوجود وتعينات عالم الأسماء مختلفة، فرحمانية ورحيمية وقهرية ولطفية، وفي نظر اضمحلال الكثرات وانمحاء انوار الوجودية في النور الأزلي للفيض المقدس، فليس من سوى الفيض المقدس والأسم الجامع الالهي خبر ولا اثر، وهذان النظران موجودان في الأسماء والصفات الالهية ايضا، فبالنظر الاول فحضرة الواحدية مقام كثرة الأسماء والصفات وان جميع الكثرات من تلك الحضرة، وبالنظر الثاني ليس من سوى حضرة اسم الله الأعظم اسم ولا رسم وهذان النظران حكميان وبقدم الفكر، واما اذا كان النظر نظر العارف بفتح أبواب القلب وبقدم السلوك والرياضات القلبية فيتجلى الحق تعالى بالتجليات الفعلية والاسمية والذاتية لقلوب اصحاب التجلي تارة بنعت الكثرة وطورا بنعت الوحدة. وقد أشير الى هذه التجليات في القرآن الشريف تارة بالصراحة مثل قوله تعالى: " فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا وخر موسى صعقا "(الأعراف - 143) وأخرى بالاشارة مثل مشاهدات ابراهيم ورسول الله المذكورة في سورتي الأنعام والنجم والاشارة الى ذلك في الأخبار وأدعية المعصومين كثيرة خصوصا في دعاء السمات العظيم الشأن الذي لا يتجرأ المنكرون على انكار سنده ومتنه وهو مقبول للعامة والخاصة، والعارف والعامي، وفي ذلك الدعاء الشريف من المضامين العالية والمعارف الكثيرة ما يغشي شميمه قلب العارف ونسيمه ينفخ النفخة الالهية في روع السالك مثل قوله: " وبنور وجهك الذي تجليت به للجبل فجعلته دكا وخر موسى صعقا وبمجدك الذي ظهر على طور سيناء فكلمت به عبدك ورسولك موسى بن عمران عليه السلام وبطلعتك في ساعير وبظهورك في جبل فاران ".
وبالجملة، لابد للسالك الى الله في وقت التسمية أن يفهم قلبه أن جميع الموجودات الظاهرة والباطنة وجميع عوالم الغيب والشهادة تحت تربية أسماء الله، بل ظاهرة بظهور أسماء الله وجميع حركاته وسكناته وجميع العالم بقيمومية اسم الله الأعظم، فمحامده للحق وعبادته واطاعته وتوحيده واخلاصه كل ذلك بقيمومة اسم الله، فاذا أحكم واستقر هذا المقام وهذه اللطيفة الالهية في قلبه بواسطة التذكر الشديد الذي هو غاية العبادات، كما قال تعالى في خلوة الأنس ومحفل القدس لكليمه موسى بن عمران: " انني أنا الله لا اله الا أنا فاعبدني وأقم الصلاة لذكري "(طه - 14). فجعل غاية اقامة الصلاة ذكره، فبعد التذكر الشديد يفتح لقلب العارف طريق آخر من المعارف ويجذب الى عالم الوحدة حتى يكون لسان حاله وقلبه بالله الحمد لله وأنت كما أثنيت على نفسك وأعوذ بك منك.
هذا اجمال من سر تعلق باء بسم الله، ونبذة من المعارف التي يستفاد منها.
وأما أسرار الباء ونقطة تحت الباء التي باطنها مقام الولاية العلوية ومقام جمع الجمع القرآني فيستلزم مجالا أوسع.
وأما حقيقة الأسم فإن لها مقاما غيبيا وغيب الغيبي، وسريا وسر السرّي، ومقام ظهور وظهور الظهور، وحيث ان الاسم علامة للحق وفان في الذات المقدسة فكل اسم يكون أقرب الى أفق الوحدة وأبعد من عالم الكثرة فهو في الأسمية أكمل، وأتم الأسماء اسم يكون مبرأ عن الكثرات حتى عن الكثرة العلمية وهو التجلي الغيبي الأحدي الأحمدي في حضرة الذات بمقام الفيض الأقدس، ولعله تشير اليه كريمة أو أدنى وبعده التجلي بحضرة اسم الله الأعظم في الحضرة الواحدية، وبعده التجلي بالفيض المقدس، وبعده التجليات بنعت الكثرة في حضرات الأعيان الى أخيرة دار التحقق، وقد كتبت تفصيل هذا الاجمال في رسالتي مصباح الهداية وشرح دعاء السحر (طبعت هاتان الرسالتان بترجمة منّي في ايران وبتعليقات مني أيضا في بيروت وهما من أنفس الكتب في العرفان).
والله مقام الظهور بالفيض المقدس ان كان المراد بالاسم التعينات الوجودية واطلاق الله له من جهة اتحاد الظاهر والمظهر وفناء الاسم في المسمى بلا اشكال. ولعل كريمة " الله نور السموات والأرض "(النور - 35) وكريمة " هو الذي في السماء اله وفي الأرض اله "(الزحرف - 84) تكون اشارة الى هذا المقام وشاهدا لهذا الاطلاق، وان كان المراد من الاسم مقام التجلي بالفيض المقدس فالله مقام الواحدية وجمع الاسماء، وبعبارة أخرى مقام الاسم الأعظم، ولعل هذا أظهر من سائر الاحتمالات وان كان المقصود من الاسم: الاسم الأعظم، فمقام الذات أو مقام الفيض الاقدس ويختلف مقام الرحمن الرحيم على حسب هذه الاحتمالات كما هو ظاهر.
والرحمن الرحيم يمكن أن يكونا صفتي الاسم ويمكن أن يكونا صفتي الله والأنسب أن يكونا صفتي الاسم لأنهما في التحميد صفتي الله فعلى هذا تكون مصونة من احتمال التكرار وان كان له توجيه حتى اذا كانا صفة لله، وفي التكرار ايضا نكتة البلاغة وان أخذناهما صفة للاسم فيؤيد أن المراد من الاسم الأسماء العينية لأن المتصف بالصفات الرحمانية والرحيمية ليس الا الأسماء العينية، فاذا كان المراد من الاسم الاسم الذاتي والتجلي بالمقام الجمعي فالرحمانية والرحيمية من الصفات الذاتية التي ثبتت لحضرة اسم الله في التجليات بمقام الواحدية، والرحمة الرحمانية والرحيمية الفعلية من تنزلاتها ومظاهرها. وان كان المراد من الاسم التجلي الجمعي الفعلي وهو مقام المشيئة، فالرحمانية والرحيمية من صفات الفعل، فالرحمة الرحمانية هي بسط أصل الوجود وهي عامة لجميع الموجودات ولكنها من الصفات الخاصة للحق لأنه ليس له شريك في بسط أصل الوجود. وسائر الموجودات قاصرة الأيدي من الرحمة الايجادية ولا مؤثر في الوجود الا الله ولا اله في دار التحقق الا الله. وأما الرحمة الرحيمية وهداية هداة الطريق ايضا من رشحاتها فهي مخصوصة للسعداء والفطر التي من العليّين ولكنها من الصفات العامة التي لسائر الموجودات ايضا منها حظ ونصيب، وان كنا أشرنا سابقا ان الرحمة الرحيمية ايضا من الرحمة العامة وعدم شمولها الاشقياء من جهة نقصانهم لا من ناحية تحديد الرحمة، ولهذا كانت الهداية والدعوة عامة لجميع العائلة البشرية كما يدل عليه القرآن الشريف، وبنظر آخر الرحمة الرحيمية ايضا مختصة للحق تعالى وليس لغيره فيها شركة. وفي الروايات بينت الرحمة الرحيمية بما يختلف على حسب اختلاف النظر والاعتبار فتارة قالوا " ان الرحمن اسم خاص لصفة عامة، والرحيم اسم عام لصفة خاصة " وقالوا " الرحمن بجميع خلقه والرحيم بالمؤمنين خاصة "، وقالوا " يا رحمن الدنيا ورحيم الأخرة " وأخرى " يا رحمن الدنيا والأخرة ورحيمهما ".
تحقيق عرفاني: ان علماء الادب قالوا: ان الرحمن والرحيم مشتق من الرحمة وللمبالغة ولكن المبالغة في الرحمن أكثر منها في الرحيم والقياس يقتضي ان يكون الرحيم مقدما على الرحمن ولكن الرحمن حيث انه بمنزلة العلم الشخصي ولا يطلق على سائر الموجودات فلذا قدم وقال البعض ان كليهما بمعنى واحد وتكرارهما لمحض التأكيد.
وأما الذوق العرفاني الذي نزل القرآن بأعلى مراتبه فيقتضي ان يكون الرحمن مقدما على الرحيم لأن القرآن الشريف عند أصحاب القلوب نازلة التجليات الالهية والصورة الكتبية للاسماء الحسنى الربوبية، وحيث ان اسم الرحمن اكثر الاسماء الالهية احاطة بعد الاسم الاعظم وقد حقق عند أصحاب المعرفة أن التجلي بالاسماء المحيطة مقدم على التجلي بالاسماء المحاطة، وكل اسم يكون اكثر احاطة فالتجلي به أيضا مقدم، فلذا كان التجلي الاول في الحضرة الواحدية التجلي باسم الله الاعظم وبعده التجلي بمقام الرحمانية، وان التجلي بالرحيمية بعد التجلي بالرحمانية وهكذا في التجلي الظهوري الفعلي ايضا التجلي بمقام المشيئة الذي هو الاسم الاعظم في هذا المشهد وظهور الاسم الاعظم الذاتي مقدم على جميع التجليات، والتجلي بمقام الرحمانية الذي له الاحاطة على جميع موجودات عالم الغيب والشهادة، والية الاشارة " ورحمتي وسعت كل شيء "(الاعراف - 156) مقدم على سائر التجليات واليه يشير سبقت رحمته غضبه ببعض الوجوه.
وبالجملة، حيث أن بسم الله على حسب الباطن والروح صورة التجليات الفعلية، وعلى حسب السر وسرّّ السرّّ صورة التجليات الاسمائية بل الذاتيه والتجليات المذكورة هي التجليات بمقام الله اولا وبعده بمقام الرحمن وبعد بمقام الرحيم، فلا بد أن تكون صورتها اللفظية والكتبية ايضا كذلك حتى تطابق النظام الالهي والرباني، وأما تأخر الرحمن الرحيم في السورة المباركة الحمد عن رب العالمين فلعله من جهة أنه في بسم الله النظر الي ظهور الوجود من مكامن غيب الوجود، وفي السورة الشريفة النظر الى الرجوع والبطون وفي هذا الاحتمال اشكال، ولعل التأخر اشارة الى احاطة الرحمة الرحمانية والرحيمية، ولعله لنكتة أخرى، وعلى كل حال ما ذكر من النكتة في بسم الله جدير بالتصديق ولعلها من بركات الرحمة الرحيمية في قلبي، قلب الاقل الاقل وله الحمد على ما أنعم.
بحث وتفصيل:
قال علماء الظاهر أن الرحمن والرحيم مشتقة من الرحمة ومأخوذ فيها العطوفة والرقة. وروي عن ابن عباس (رضي الله عنه) أنهما " اسمان رقيقان أحدهما أرق من الآخر فالرحمن الرقيق والرحيم العطوف على عباده بالرزق والنعم ". وحيث أن العطوفة والرقة يلزمها الانفعال، فمن هذه الجهة قالوا بالتأويل والتوجيه في اطلاقهما على الذات المقدسة وذهبوا الى أنه مجاز، وبعض على أن مطلق الاوصاف من هذا النحو من قبيل: خذ الغايات واترك المبادىء. فاطلاقها للحق بلحاظ الآثار والافعال لا بلحاظ المبادىء والاوصاف فمعنى الرحمن والرحيم للحق تعالى من هذا القبيل أو ما يقرب منه وبناء عليه فاطلاقها أيضا على الحق مجاز، وعلى كل حال فكونها مجازا بعيد وخصوصا في الرحمن فإنه بناء على المجازية لا بد أن يلتزم بأمر عجيب وهو أن هذه الكلمة قد وضعت لمعنى لا يجوز الاستعمال فيه ولا يمكن، وفي الحقيقة هذا مجاز بلا حقيقة فتأمل.
وقال أهل التحقيق في جواب الاشكالات من هذا النوع أن الالفاظ موضوعة للمعاني العامة والحقائق المطلقة، فبناء على هذا فالتقييد بالعطوفة والرقة ليس داخلا في الموضوع له، وفيما وضع له لفظ الرحمة، وهذا التقييد هو مخترع الاذهان العامية والا فلا دخل له في أصل الوضع، وهذا المطلب بعيد عن التحقيق ظاهرا لانه من المعلوم أن الواضع أيضا أحد هذه الأشخاص المتعارفة ولم يلاحظ في حين الوضع المعاني المجردة والحقائق المطلقة، نعم لو كان الواضع هو الحق تعالى أو الأنبياء بالوحي أو الإلهام الالهيين لكان لهذا المطلب وجه ولكن هو أيضا غير ثابت.
وبالجملة، فظاهر هذا الكلام مخدوش ولكن ليس من المعلوم أن يكون هذا الظاهر ايضا مقصودا لأهل التحقيق بل يمكن أن يقال في بيان هذا المطلب أن واضع اللغات وان لم يلاحظ في حين الوضع المعاني المطلقة المجردة ولكن ما وضعت له الالفاظ في ازائه هو المعاني المجردة المطلقة، فمثلا لفظ النور اذا أراد الواضع أن يضعه فما كان في لحاظه من الأنوار وان كانت هذه الانوار الحسية العرضية لانه ما كان يدرك ما وراء هذه الأنوار ولكن ما وقع لفظ النور في ازائه هوالجهة النورية لا جهة اختلاط النور بالظلمة بحيث لو قيل له بأن هذه الأنوار العرضية المحدودة ليست نورا صرفا بل هي نور مختلط بالظلمة والفتور. فهل وضعت لفظ النور بازاء تلك الجهة النورية أو بازاء النورية والظلمانية، فبالضرورة كان الجواب انه في ازاء جهة النورية، واما جهة الظلمة فليس لها دخل في الموضوع له بوجه من الوجوه كما أنا كلنا نعلم أن الواضع حينما وضع لفظ النار ما كان في نظره غير النيران الدنيوية وما كان سببا لانتقاله الى هذه الحقيقة هو النيران الدنيوية وكان غافلا عن نار الآخرة ونار الله الموقدة التي تطلع على الأفئدة خصوصا اذا لم يكن معتقدا بعالم الاخرة، ومع ذلك لا تكون هذه الوسيلة للانتقال موجبة للتقييد في الحقيقة بل النار وقعت بازاء الجهة النارية فلا نقول أن الواضع جرد المعاني حتى يكون أمرا مستغربا بعيدا بل نقول أن الالفاظ وقعت في ازاء تلك الجهات للمعاني من دون التقييد بقيد، فبناء على هذا ليس ثمة جهة للاستبعاد في الأمر وكلما كان المعنى خاليا من الغرائب والأجانب فهو الى الحقيقة أقرب ومن شائبة المجاز أبعد، مثلا كلمة نور وهي موضوعة لما فيه جهة الظاهرية بالذات والمظهرية للغير وان كان اطلاقها على هذه الانوار العرضية الدنيوية لا يخلو من الحقيقة لأن في اطلاقها عليها لم نلاحظ الجهة المحدودية والاختلاط بالظلمة، بل الملاحظ هو الظهور الذاتي والمظهرية ولكن اطلاقها على الانوار الملكوتية التي ظهورها أكمل وبأفق الذاتية ومظهريتها كما وكيفا أكثر، واختلاطها بالظلمة والنقص أقل، الى الحقيقة أقرب، واطلاقها على الذات المقدسة جل وعلا وهو نور الانوار وخالص من جميع جهات الظلمة وصرف النور والنور الصرف حقيقة محضة وخالصة بل يمكن أن يقال أن النور لو كان موضوعا للظاهر بذاته والمظهر لغيره فاطلاقه على غير الحق تعالى حقيقة عند العقول الجزئية وأما عند العقول المؤيدة وأصحاب المعرفة فمجاز، واطلاقه على الحق تعالى حقيقة فقط وهكذا جميع الالفاظ التي وضعت للمعاني الكمالية يعني الامور التي من سنخ الوجود والكمال، فبناء على ذلك نقول أن في بسم الله الرحمن الرحيم والعطوف و الرؤوف وأمثالها جهة كمال وتمامية وجهة انفعال ونقص وهذه الالفاظ موضوعة بازاء تلك الجهة الكمالية التي هي أصل تلك الحقيقة، وأما الجهات الانفعالية التي هي من لوازم النشأة وأجانب الحقيقة وغرائبها والتي تتلازم وتتشابك معها بعد تنزل هذه الحقائق في البقاع الامكانية والعوالم النازلة الدنيوية كالظلمة التي اختلطت بالنور في النشأة النازلة، فلا دخل لها في المعنى الموضوع له، فإطلاقه على موجود واجد لجهة الكمال مبرىءًٍ من جهات الانفعال والنقص صرف الحقيقة وحقيقة صرفة.
وهذا المطلب بهذا البيان مضافا الى أنه قريب من ذوق أهل المعرفة مناسب لوجدان أهل الظاهر أيضا فعلى هذا فقد علم أن اطلاق هذا النحو من أوصاف الكمال التي اختلطت مع أمر آخر وتلازمت معه في بعض النشآت بعد التنزل، والذات المقدسة الحق جلّت عظمته منه مبرأ فاطلاقه على الحق تعالى ليس بمجاز، والله الهادي.
قوله: الحمد لله يعني جميع أنواع الحمد مختصة بذات الالوهية المقدسة.
اعلم ايها العزيز أن تحت هذه الكلمة الشريفة سر التوحيد الخاص بل أخص الخواص. واختصاص جميع المحامد من جميع الحامدين للحق تعالى على حسب البرهان واضح مبين عند أصحاب الحكمة وأئمة الفلسفة العالية لأنه قد لزم بالبرهان أن جميع دار التحقق ظل منبسط وفيض مبسوط لحضرة الحق وجميع النعم الظاهر وباطنة من أي منعم، وان كانت على حسب الظاهر، وفي انظار العامة من ذاك المنعم فهي من الحق تعالى جل وعلا وليس لأحد من الموجودات فيها شركة، حتى أن الشركة الأعدادية أيضا عند أهل الفلسفة العامية لا الفلسفة العالية، فحيث أن الحمد في مقابل النعمة والأنعام والاحسان، وليس في دار التحقيق منعم سوى الحق فجميع المحامد مختصة له، وأيضا ليس جمال وجميل سوى جماله وسواه، فالمدائح أيضا ترجع اليه.
وببيان آخر كل حمد ومدح من كل حامد ومادح بازاء جهة النعمة والكمال ومحال النعمة والكمال وموردهما التي تنقصهما وتحددهما ليس دخيلا في الحمد والمدح بوجه من الوجوه بل مناف ومضاد لهما، فالمحامد والمدائح كلها ترجع الى حظ الربوبية وهو الكمال والجمال لا الى حظ المخلوق وهو النقص التحديد.
وببيان آخر من الفطر الالهية التي فطر جميع الخلق عليها ثناء الكامل وشكر المنعم وحمده.
وأيضا من الفطر الالهية التنفّر من النقص والناقص ومنقص النعمة. وحيث أن النعمة المطلقة الخالصة من أي شوب أو نقص والجمال والكمال التام التمام المبرأ من كل نقص، مختصة بالحق وسائر الموجودات تنقص النعم المطلقة والجمال المطلق وتحددهما دون أن تزيدهما وتأيدهما ففطرة جميع الناس حامدة ومادحة للذات المقدسة ومتنفرة من سائر الموجودات الا الموجودات التي فنيت في ذات ذي الجلال على حسب السير في ممالك الكمال وبلاد العشق فإن العشق والمحبة لتلك الموجودات وحمدها ومدحها عين العشق بالحق وحمده (حب خاصان خدا حب خدا أست) (مصراع بيت للمولى العارف الرومي (حب المخصوصين بالله هو حب الله)
وما ذكر الى هنا أيضا على حسب مقامات المتوسطين الذين فيهم بقية من حجاب الكثرة ولم يبرؤوا من جميع مراتب الشرك الخفيّّ والأخفى ولم يصلوا الى كمال مراتب الخلوص الأخلاص، وأما على حسب عرفان أصحاب القلوب الفانية في بعض الحالات الخاصه، فجميع النعم والكمال والجمال والجلال صورة التجلي الذاتي وجميع المحامد والمدائح مرتبطة بذات الحق تعالى المقدسة، بل المدح والحمد من نفسه لنفسه، كما يشير الى هذا المعنى تعلق بسم الله بالحمد لله.
واعلم ان السالك الى الله والمجاهد في سبيل الله لا بد له أن لا يقتنع بالحد العلمي لهذه المعارف ولا يصرف جميع عمره في الاستدلال الذي هو حجاب بل الحجاب الأعظم لأن هذه المرحلة لايمكن طيها بالرجل الخشبية بل ولا بطائر سليمان (الرجل الخشبية التي يأخذها القعد تحت إبطيه ويمشي بها، هنا اشارة الى بيت معروف من المولى العارف الرومي يقول:
(باي استدلاليان بود باي جوبين سخت بي تمكين بود)
الاستدلاليون يمشون في طريق العلم بالرجل الخشبية فكما أنه لا يمكن الاعتماد عليها فانها تنكسر فكذلك لا يمكن الاعتماد على الاستدلال. وهذا في مقابل الشهود والعيان واما طائر سليمان فتعبير دائر في لسان الشعراء يكنّون به عن سرعة السير كما يقول الحافظ الشيرازي:- قطع اين مرحلة بامر غ سليمان كردم -: تنهيت هذه المرحلة بمساعدة طائر سليمان. ان هذا الوادي وادي المقدسين وهذه المرحله مرحلة الأحرار، فما لم يخلع نعلي حب الجاه والشرف والأهل والولد وما لم يلق عصا الأعتماد والتوجه الى الغير عن اليمين لا يمكن وضع القدم على الوادي المقدس الذي هو مكان المخلصين ومنزل المقدسين، واذا خطى السالك في هذا الوادي بحقائق الأخلاص وألقى الكثرات والدنيا (وهي خيال في خيال) ورواء ظهره فإن بقي فيه بقايا من الأنانية فيؤيد من عالم الغيب ويندك جبل انّيته بالتجليات الالهية وتحصل له حالة الصعق والفناء، وقبول هذه المقامات للقلوب القاسية التي ليس عندها خبر سوى الدنيا وحظوظها ولا تتعارف الا بالغرور الشيطاني يكون صعبا جدا وينسب الى نسج الأوهام مع أن الفناء الذي نحن الان فيه بالنسبة الى الطبيعة والدنيا بحيث أننا غافلون بالكلية عن عوالم الغيب التي هي أظهر من جميع الجهات من هذا العالم، بل اننا غافلون عن الذات وصفات الذات المقدسة التي يختص بها الظهور (وقد أشار الى ذلك مولانا ابي عبدالله في دعاء عرفة " ألغيرك من الظهور ما ليس لك حتى يكون هو المظهر لك) ونتشبث لاثبات تلك العوالم والذات المقدسة للحق جلا وعلا بذيل البرهان والاستدلال أغرب وأعجب بمراتب من الفناء الذي يدعيه أصحاب العرفان والسلوك.
حيرت اندر حيرت آمد زين قصص
بيهشيّّ خاصكان اندر اخص (اخس) (الشعر للعارف الرومي ذكره في ضمن نقل رواية يرويها أن رسول الله استدعى جبرائيل أن يريه صورته الأصلية فظهر جبرائيل في صورته الأصلية وقد ملأت المشرقين فخرّّ رسول الله مغشيا عليه ثم يقول ان الحيرة في الحيرة تأتي من جهة أنه كيف يمكن أن يكون الخاص مدهوشا في الأخص فذكر الاستاذ مدّّ ظله التفصيل المذكور في المتن للأخص. فتدبر).
وان كان الاخص بالصاد فليس لشدة الحيرة حينئذ مجال لان فناء الناقص في الكامل امر طيبعي وموافق للسنة الالهية فالحيرة في الحيره في محل يكون الأخس بالسين كما أن هذا الصعق والفناء متحقق الأن لنا أجمع وقد انغمرت اسماعنا وأبصارنا في الطبيعة الى حد ليس لنا أي خبر من ضوضاء عالم الغيب.
نقل وتحقيق:
اعلم أن علماء الأدب والظاهر قالوا ان الحمد هو الثناء باللسان على الجميل الاختياري وحيث أنهم غافلون عن جميع الألسنة غير هذا اللسان اللحمي فلهذا حملوا تسبيح الحق تعالى وتحميده بل مطلق كلام ذاته المقدسة على نوع من المجاز وكذلك يحملون كلام الموجودات وتسبيحها على المجاز فيرون أن التكلم للحق تعالى عبارة عن ايجاد الكلام ويقولون أن التسبيح والتحميد في سائر الموجودات هو التسبيح والتحميد الذاتي التكويني، فهؤلاء في الحقيقة يحصرون النطق في نوع البشر ويظنون أن الذات المقدسة الحق جل وعلا وسائر الموجودات غير ناطقة، بل نعوذ بالله، يظنونها خرساء ويتوهمون أن ذلك تنزيه للذات المقدسة مع أن هذا تحديد بل تعطيل (بين في الروايات الواردة عن الأئمة المعصومين أن التوحيد عبارة عن اخراج الذات المقدسة عن حدّّ التعطيل والتشبيه ولتفصيل الكلام محل آخر) والحق سبحانه منزه عن هذا التنزيه، كما أن الغالب لتنزيهات العامه التحديد والتشبيه، ونحن ذكرنا من قبل كيفية وضع الألفاظ للمعاني العامه والمطلقه، والان نقول أنا لا نتقيد بالصدق اللغوي أو لزوم تحقق الحقيقة اللغوية في هذه الحقائق الالهية بل الميزان في هذه المباحث هو صحة الأطلاق ووجود الحقيقة العقلية وان كانت الحقيقة اللغويه أيضا ثابته بالبيان السابق فنقول:
أن للسان و التكلم والكلام والكتابة والكتاب والحمد والمدح مراتب على حسب النشآت الوجودية تتناسب كل مرتبة مع نشأة من النشآت ومرتبة من مراتب الوجود وحيث ان الحمد في كل مورد على جميل والمدح على جمال وكمال فالحق جلّّ وعلا على حسب علمه الذاتي شاهد جماله الجميل في حضرة غيب الهوية بأتمّّ مراتب العلم والشهود فكان مبتهجا بذاته الجميله أشد مراتب الأبتهاج (قولنا مبتهج بذاته لا يذهب عليك ان اطلاق لفظ الابتهاج في حقه تعالى وكذلك ألفاظ العشق والحبّّ وأمثالهما التي تلازم نوعا من التجدد والحدوث والانفعال والامكان هو على حسب معانيها العامة المتعارفة بل أنها ايضا من الألفاظ التي وضعت للمعاني المجردة واطلاقها على الحق تعالى كإطلاق العطوف والرحمن وأمثالهما وهذه الأمور ليست من الأمور التي يستقيم بالافهام العرفية لعوام الناس بل تحتاج الى بحث دقيق فلسفي وذوق فوار عرفاني رزقنا الله واياكم.
" المؤلف دام ظله ")
فتجلي بالتجلي الازلي بأعلى مراتب التجليات في حضرة الذات لحضرة الذات وهذا التجلي واظهار ما في المكنون الغيبي والمقارعة الذاتية هو الكلام الذاتي الذي وقع بلسان الذات في حضرة الغيب ومشاهدة هذا التجلي الكلامي هو سمع الذات، وثناء الذات هذا لذات الحق هو ثناء الحق وتعجز سائر الموجودات عن ادراكه كما أن الذات المقدسة للنبي الخاتم الذي هو أقرب الموجودات وأشرفها يعترف بالعجز ويقول " لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك " ومعلوم ان احصاء الثناء فرع المعرفه بالكمال والجمال، وحيث أن المعرفة التامة للجمال المطلق لا تحصل، فالثناء الحقيقي لا يقع وغاية معرفة أصحاب المعرفه عرفان العجز عن المعرفه.
ويقول أهل المعرفه: ان الحق تعالى يحمد ويمدح نفسه بالألسنة الخمسة وهي لسان الذات من حيث هي، ولسان أحدية الغيب، ولسان الواحدية الجمعية، ولسان الأسماء التفصلية، ولسان الأعيان، وهذه الألسن غير لسان الظهور الذي أوله لسان المشيئة الى آخر مراتب التعيينات أي لسان الكثرات الوجوديه.
واعلم ان لجميع الموجودات حظا بل حظوظا من عالم الغيب الذي هو الحياة محضا والحياة ساريه في جميع دار الوجود، وهذا المطلب ثابت عند أرباب الفلسفة العالية بالبرهان وعند أصحاب القلوب والمعرفة بالمشاهدة والعيان، وتدل عليه الآيات الشريفة وأخبار أولياء الوحي عليهم الصلاة والسلام دلالة تامة، والمحجوبون من أهل الفلسفة العاميه وأهل الظاهر حيث لم يدركوا نطق الموجودات قاموا بتأويله وتوجيهه.
ومن العجيب ان أهل الظاهر الذين كانوا يطعنون أهل الفلسفة بأنهم يؤوّلون كتاب الله على حسب عقولهم أولوا في هذه الموارد الآيات الصريحه والأحاديث الصحيحه على كثرتها بمجرد أنهم لم يدركوا نطق الموجودات مع أنه ليس بيدههم برهان فيؤولون القرآن من دون برهان، وعلى مجرد الأستبعاد.
بالجملة، أن دار الوجود أصل الحياة وحقيقة العلم والشعور وتسبيح الموجودات تسبيح نطقي شعوري ارادي لا التكويني الذاتي الذي يقوله المحجوبون، ولجميع الموجودات على حسب حظها من الوجود معرفة بمقام الباري جلت عظمته، وحيث أنه ليس لموجود الاشتغال بالطبيعة والانغمار في الكثرة الى الحد الذي هو للانسان فلهذا كانت محجوبية الانسان أكثر من جميع الموجودات الا أن يخرج من جلباب البشرية ويخرق حجب الكثرة والغيرية فيشاهد جمال الجميل بلا حجاب فيكون حمده ومدحه أجمع المحامد والمدائح، وهو اذاًً يثني على الحق ويعبده بجميع الشؤون الالهية وكل الأسماء والصفات.
تتميم:
اعلم أن الكلمة الشريفة " الحمد لله " على حسب ما بيناه من الكلمات الجامعة التي اذا حمد بها الحق تعالى بلطائفها وحقائقها فقد أدى حق الحمد بقدر ما في الطاقة البشرية، ولهذا وردت في الروايات الشريفة الاشارة الى هذا المعنى كما عن باقر العلوم سلام الله عليه ما مضمونه أنه خرج من دار وليس مركوبه على بابها فقال: لو وجد المركوب لحمدت الله حق حمده، فلمّا وجد المركوب ركب عليه وسوى ثيابه فقال الحمد لله (مصراع وبيت من أبيات العارف الرومي). وعن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال: " لا اله الا الله نصف الميزان والحمد لله يملؤه ".
وهذا لما بيناه من أن الحمد جامع للتوحيد أيضا.
وعن رسول الله صلى الله عليه وآله " قول العبد الحمدلله أثقل في ميزانه من السموات السبع والأرضين السبع ". ونقل عنه ما معناه: " لو أن الله سبحانه أعطى جميع الدنيا عبدا من عباده ثم يقول العبد الحمد لله لكان قوله أفضل مما أعطى ".. وعنه ايضا" ما من شيء أحب الى الله من قول القائل الحمد لله.. ولهذا أثنى الله به على نفسه " والأحاديث في هذا الباب كثيرة.
قوله تعالى رب العالمين: الرب اذا كان بمعنى المتعالي والثابت والسيد فهو من الأسماء الذاتية، واذا كان بمعنى المالك والصاحب والغالب والقاهر فهو من الأسماء الصفاتية، وان كان بمعنى المربّي والمنعم والمتمم فهو من الأسماء الأفعالية.
والعالم ان كان عبارة عن سوى الله الشامل لجميع مراتب الوجود ومنازل الغيب والشهود فلا بد أن يعد الرب من أسماء الصفات وان كان المراد من العالم عالم الملك الذي هو تدريجي الحصول والكمال، فالمراد من الرب اسم الفعل، وعلى أي حال ليس المراد منه هنا اسم الذات ولعله بقرينة أن المراد من العالمين هذه العوالم الملكية التي تحت التربية والتمشية الألهية حتى تصل الى كمالها اللائق، فإن المراد من الربّ هو المربّي الذي هو من اسماء الأفعال.
واعلم أننا نكف في هذه الرسالة عن ذكر الجهات التركيبية واللغوية والأدبية للآيات الشريفة فقد تعرّض لها العلماء غالبا، وانما نذكر هنا بعض الأمور التي يتعرّض لها أصلا أو ذكرت ذكرا ناقصا.
وليعلم أن اسماء الذات والصفات والأفعال التي أشير اليها فهي على طبق اصطلاح ارباب المعرفة وبعض المشايخ من أهل المعرفة قسمت الأسماء في كتاب انشاء الدائرة الى اسماء الذات واسماء الصفات واسماء الأفعال، وقال إن اسماء الذات هي الله الرب الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر العلي العظيم الظاهر الباطن الأول الآخر الكبير الجليل المجيد الحق المبين الواجد الماجد الصمد المتعالي الغنيّ النور الوارث ذو الجلال الرقيب.
واسماء الصفات هي: الحي الشكور القهار القاهر المقتدر القوي القادر الرحمن الرحيم الكريم الغفّار الغفور الودود الرؤوف الحليم الصبور البرّ العليم الخبير المحصي الحكيم الشهيد السميع البصير.
وأسماء الأفعال هي: المبدىء الوكيل الباعث المجيب الواسع الحسيب المقيت الحفيظ الخالق البارىء المصوّر الوهّاب الرّزّاق الفتاح القابض الباسط الخافض الرافع المعزّ المذلّ الحكيم العدل اللطيف المعيد المحيي المميت الوالي التوّاب المنتقم المقسط الجامع المغني المانع الضارّ النافع الهادي البديع الرشيد. (انتهى).
وذكروا في ميزان هذا التقسيم أن الاسماء وان كانت كلها اسماء الذات ولكنها باعتبار ظهور الذات يقال لها اسماء الذات وباعتبار ظهور الصفات والافعال يقال لها الاسماء الصفاتية والافعالية بمعنى أن الاسم تابع لاعتبار يكون اظهر فلهذا قد يجتمع في بعض الاسماء اعتباران او اعتبارات ثلاثة فيكون من الاسماء الذاتية والصفاتية والافعالية، او الاثنين من هذه مثل الرب كما ذكر.
وهذا المطلب لايستقيم على مذاق الكاتب ولا يطابق الذوق العرفاني بل ما يبدو للنظر في هذا التقسيم ان الميزان في هذه الاسماء هو ان السالك بقدم المعرفة اذا حصل له الفناء الفعلي، فالتجليات لقلبه من الحق تعالى هي التجليات باسماء الافعال، وبعد حصول الفناء الصفاتي تكون التجليات الصفاتية وبعد الفناء الذاتي تكون التجليات بأسماء الذات، واذا كان قلبه قادرا للحفظ بعد الصحو فما يخبره من المشاهدات الافعالية فهو أسماء الافعال، ومن المشاهدات الصفاتية فهو أسماء الصفات. وهكذا أسماء الذات، ولهذا المقام تفصيل لا ينبغي لهذه الاوراق.
وما ذكره في انشاء الدائرة فهو غير صحيح طبقا للميزان الذي عيّنه نفسه كما يتضح ذلك بالنظر الى الاسماء.
ويمكن أن يقال ان هذا التقسيم الثلاثي للأسماء اشير اليه في القرآن الشريف في الآيات الاخيرة من سورة الحشر قال تعالى: " هو الله الذي لا اله الا هو عالم الغيب والشهادة هو الرحمن الرحيم " الى آخر الآيات الشريفة، ولعل الاولى من هذه الآيات الشريفة تكون اشارة الى الاسماء الذاتية، والثانية اشارة الى الاسماء الصفاتية والثالثة اشارة الى الاسماء الافعالية وتقديم الذاتية على الصفاتية والتجليات الصفاتية على الافعالية على حسب ترتيب الحقائق الوجودية الالهية لا على حسب ترتيب مشاهدات أصحاب المشاهدات والتجليات القلبية لأرباب القلوب.
ليعلم أن للآيات الشريفة رموزا اخرى لا يناسب المقام ذكرها، وأما كون الآيه الثانية من الاسماء الصفاتية والثالثة من الافعالية فواضح، وامّا كون عالم الغيب والشهادة والرحمن والرحيم من الاسماء الذاتية فمبني على أن يكون الغيب والشهادة عبارة عن الاسماء الباطنة والظاهرة والرحمانية والرحيمية من تجليات الاقدس لا الفيض المقدس. واختصاص هذه الاسماء بالذكر مع أن الحي والثابت والرب وأمثالها يبدو للنظر أنها أقرب الى الاسماء الذاتية فلعله لاحاطتها لأنها من أمهات الاسماء، والله العالم.
تنبيه:
فقد وقع اختلاف عظيم في لفظ العالمين واشتقاقه ومعناه، فبعض على أن العالمين جمع ومشتمل على جميع أصناف الخلق من المادي والمجرد، وكل صنف هو عالم بنفسه، وهذا الجمع ليس له مفرد من جنسه، وهذا القول مشهور، وقال بعض ان العالم بفتح اللام اسم مفعول وعالِم بكسر اللام اسم فاعل وعالمين بمعنى معلومين وهذا القول مضافا الى أنه فى حد نفسه لا شاهد له وبعيد، فإطلاق رب المعلومين بارد جدا وبلا مورد. وقال بعض ان اشتقاقه من العلامه وعليه فيطلق على جميع الموجودات لانها كلها علامة وآية للذات المقدسه والواو والنون باعتبار الاشتمال على ذوى العقول وتغليبها على سائر الموجودات.
وذهب بعض الى انه مشتق من العلم، وعلى كل حال فاطلاقه على جميع الموجودات صحيح كما أن إطلاقه على ذوي العقول ايضا وجيه ولكن العالم يطلق على ما سوى الله ويطلق العالم ايضا علىكل فرد وصنف، فإن كان الذى يطلق اللفظ من أهل العرف واللغه فباعتبار أن كل فرد علامة لذات الباري وفى كل شيء له آيه، وان كان عارفا الهيا فباعتبار أن كل موجود ظهور بالاسم الجامع ومشتمل على كل الحقائق بطريق ظهور أحدية الجمع وسر الوجود ومن هذه الجهة يمكن أن يقال ان جميع العالم وكل جزء منه هوالاسم الاعظم بمقام احدية الجمع والاسماء كلها في الكل وكذا الآيات، وبناء على ما ذكر فايراد الفيلسوف العظيم الشأن صدر الملة والدين (قدس سره) على امثال البيضاوي وارد لانهم لم يتذوقوا هذا المشرب، وأما في مسلك اهل العرفان فليس بصحيح، وحيث ان الكلام البيضاوي في هذا المقام وكلام الفيلسوف المذكور طويل تركنا ذكره فمن اراد فليراجع تفسيرالسورة الفاتحة للفيلسوف المرحوم.
والرب ان كان من اسماء الصفات بمعنى المالك والصاحب وأشباههما فيمكن أن يكون المراد من العالمين جميع ما سوى الله سواء أكان من الموجودات لعالم الملك أو الموجودات المجرده الغيبيه، وأما ان كان من اسماء الافعال، ولعل هذا هو الأظهر فالمراد من العالمين هوعالم الملك فقط لأن الرب حينئذ بمعنى المربّي، وهذا المعنى يستلزم التدريج والعوالم المجرده منزّهة عن التدريج الزماني وان كان روح التدريج بمعنى متحقق في عالم الدهر عند الكاتب وبذاك المعنى أثبتنا الحدوث الزماني بمعنى روح الزمان ودهرية التدريج في العوالم المجرده ايضا، وفي المسلك العرفاني ايضا نقول بأن الحدوث الزماني ثابت لجميع العوالم لكن لا على نحو يسعه فهم المتكلمين وأصحاب الحديث.
تنبيه آخر:
اعلم ان الحمد حيث أنه في مقابل الجميل، ويستفاد من الآية الشريفة أن الحمد والثناء ثابتة لمقام الاسم الأعظم الذي هو الاسم الجامع له مقام ربوبية العالمين والرحمه والرحمانية والرحيمية وهو مالك يوم الدين، فلا بد أن يكون لهذه الاسماء الشريفة مدخلية تامة في التحميد.
ونحن نذكر بعد ذلك في ذيل مالك يوم الدين بيانا تفصيليا عن هذا المطلب.
ونتكلم الان من مناسبة مقام ربوبية العالمين للتحميد وهذا التناسب من جهتين.
الجهة الاولى: أن الحامد حيث أنه بنفسه من العالمين بل هو ربما يكون عالما برأسه أحيانا بل في نظر أهل المعرفة كل موجود من الموجودات عالم برأسه فيحمد الحق لأنه ربّاه بيده التربوية في مقام الربوبية فأخرجه من الضعف والنقص والوحشة والظلمة والعدم والهيولاني الى القوة والكمال والطمأنينة ونورانية العالم الانساني وأوصله عبر المنازل الجسمية والعنصرية والمعدنية والنباتية والحيوانية تحت النظام المرتب بالحركات الذاتية والجوهرية وأنواع العشق الفطري والجبلي الى منزل الانسانية الذي هو أشرف منازل الموجودات، وبعد ذلك ايضا يربيه الى أن يصل الى حدّ لا يتّسع في الوهم.
آنجه اندروهم نايد آن شوم
بس عدم كردم عدم جون ارغنون
كويدم كانا اليه راجعون (مصراع وبيت من أبيات العارف الرومي)
الجهة الثانية: حيث أن تربية نظام عالم الملك من الفلكيات والعنصريات والجوهريات والعرضيات مقدمة وجود الانسان الكامل، وفي الحقيقة هذه الوليدة عصارة عالم التحقق والغاية القصوى للعالمين ولهذه الجهة صارت الوليدة الأخيرة، وحيث أن عالم الملك متحرك بالحركة الذاتية الجوهرية وهذه الحركة ذاتية استكماليا فأينما انتهت فهو غاية الخلقة ونهاية السير، فاذا نظرنا بالطريق الكلي الى الجسم الكلي والطبع الكل والنبات الكل والحيوان الكل والانسان الكل، فإن الانسان هو الوليدة الأخيرة التي وجدت بعد الحركات الذاتية الجوهرية للعالم وانتهت الحركات اليه، فيد التربية للحق تعالى فيد التربية للحق تعالى قد ربّت الانسان في جميع دار التحقق والانسان هو الأول والآخر.
تنبيه آخر:
وهذا الذي ذكرناه في الأفعال الجزئية وبالنظر الى مراتب الوجود والا فبحسب الفعل المطلق ليست لفعل الحق تعالى غاية سوى ذاته المقدسة كما هو مبرهن في محالّه، واذا نظرنا الى الأفعال الجزئية أيضا فغاية خلقة الانسان عالم الغيب المطلق كما ورد في القدسيات " يابن آدم خلقت الأشياء لأجلك وخلقتك لأجلي ".. وفي القرآن الشريف يخاطب موسى ابن عمران على نبينا وآله و ويقول " اصطنعتك لنفسي "(طه - 40). وأيضا يقول: "وأنا اخترتك "(طه - 13). فالانسان مخلوق لأجل الله ومصنوع لذاته المقدسة وهو المصطفى والمختار من بين الموجودات، وغاية سيره الوصول الى باب الله والفناء في ذات الله والعكوف لفناء الله ومعاده الى الله ومن الله وفي الله وبالله كما يقول سبحانه في القرآن: " إنّ الينا ايابهم ".. وسائر الموجودات بواسطة الانسان ترجع الى الحق تعالى بل مرجعها ومعادها الى الانسان كما يقول في الزيارة الجامعة المظهرة لنبذة من مقامات الولاية " واياب الخلق اليكم وحسابكم عليكم ". ويقول: " بكم فتح الله وبكم يختم ".. وفي قول الله تعالى: " إنّ إلينا ايابهم ثم إنّ علينا حسابهم "(الغاشية - 25).. وقوله في الزيارة الجامعة " واياب الخلق اليكم وحسابهم عليكم " سر من أسرار التوحيد واشارة الى أن الرجوع الى الانسان الكامل هو الرجوع الى الله لأن الانسان الكامل فانٍ مطلق وباقٍ ببقاء الله وليس له من عند نفسه تعيّن وإنّيّة وأنانية بل هو نفسه من الأسماء الحسنى وهو الاسم الأعظم.
كما ان الاشارة الى هذا المعنى كثيرة في القرآن والأحاديث الشريفة وان القرآن الشريف قد جمع من لطائف التوحيد وحقائقه وسرائره ودقائقه ما تتحير فيه عقول أهل المعرفة وهذا هو الاعجاز العظيم لهذه الصحيفة النورانية السماوية لا أن حسن التركيب ولطف البيان وغاية الفصاحة ونهاية البلاغة وكيفية الدعوة والأخبار عن المغيبات وأحكام الأحكام واتقان التنظيم للعائلة وأمثالها فحسب التي يكون كل واحد منها باستقلاله اعجازا فوق الطاقة وخارقا للعادة بل يمكن أن يقال أن معروفية القرآن بالفصاحه واشتهار هذا الاعجاز من بين سائر المعجزات في الآافاق لانه كان للأعراب في الصدر الأول هذا التخصص وأدركوا هذه الجهة من الأعجاز فحسب، وأما الجهات الأخرى المهمة التي كانت فيه وكانت جهة اعجازها أرفع، وأساس ادراكها أعلى فلم يدركها أعراب ذلك الزمان، والحال ايضا أن المتحدين معهم في أفق الفهم لا يدركون من هذه اللطيفة الالهية سوى التركيبات اللفظية والمحسنات البديعة والبيانية، أما المطلعون لأسرار المعارف ودقائقها والخبراء بلطائف التوحيد والتجريد فوجهة نظرهم في هذا الكتاب الإِلهي وقبلة أمالهم في هذا الوحي السماوي انما هي معارفه وليس لهم توجّه كثير الى الجهات الأخرى. ومن نظر الى عرفان القرآن وعرفاء الاسلام الذين اكتسبوا المعارف من القرآن وقايس بينهم وبين سائر علماء الأديان وتصنيفاتهم ومعارفهم يعرف حد معارف الاسلام والقرآن التي هي أساس الدين والديانة والغاية القصوى لبعث الرسل وانزال الكتب ويصدق بلا مؤونة أن هذا الكتاب وحي الهي وهذه المعارف معارف الهية.
نسألكم الدعاء لنا ولوالدينا

توقيع سليلة حيدرة الكرار

تركت الخلق طـراً في هـواك
وأيتمت العيــال لــكي أراك
فلـو قطعتني في الحب إربــا
لمـا مـال الفــؤاد إلى سواك




سليلة حيدرة الكرار
الصورة الرمزية سليلة حيدرة الكرار
مشرفة
رقم العضوية : 3576
الإنتساب : Jan 2009
الدولة : جنة الإمام الحسين عليه السلام
المشاركات : 3,167
بمعدل : 0.57 يوميا
النقاط : 311
المستوى : سليلة حيدرة الكرار is on a distinguished road

سليلة حيدرة الكرار غير متواجد حالياً عرض البوم صور سليلة حيدرة الكرار



  مشاركة رقم : 6  
كاتب الموضوع : سليلة حيدرة الكرار المنتدى : ميزان السلوك إلى الله وطرق العرفان"> ميزان السلوك إلى الله وطرق العرفان
افتراضي
قديم بتاريخ : 17-Jul-2013 الساعة : 08:58 PM

اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم


السلام على جوهرة العصمة وفريدة الرحمة سيدتنا وولاتنا الزهراء وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم بظهور قائمهم والعن أعدائهم لعنة دائمة إلى يوم الدين


ايقاظ ايماني:
اعلم أن الربوبية الحق جلّ شأنه للعالمين على نحوين:
الأول: الربوبية العامة التي تشارك فيها جميع موجودات العالم وهي التربية التكوينية التي توصل كل موجود من حد النقص الى حدّ الجمال اللائق له تحت تصرف الربوبي وتقع جميع الترقيات الطبيعية والجوهرية والحركات والتطورات الذاتية والعرضية تحت التصرفات الربوبية.
وبالجمله، التربية التكوينية من منزل مادة المواد والهيولى الأولى الى المنزل الحيواني وحصول القوى الجسمانية والروحانية الحيوانية، وانّ كلا منها يشهد بأن الله جلّ جلاله ربي.
والثاني من مراتب الربوبية، الربوبية التشريعة المختصة بالنوع الانساني وليس لسائر الموجودات فيها نصيب، وهذه التربية هي هداية الطرق النجاة واراءة سبل السعادة والانسانية والتحذير من منافياتها قد أظهرها الله سبحانه بتوسط الأنبياء ، فاذا وقع انسان بقدمه الأختيارية تحت تربية رب العالمين وتصرفه وصار مربى بتلك التربيه بحيث لم تكن تصرفات أعضائه وقواه الظاهرية والباطنية تصرفات نفسانية بل كانت تصرفات الهيه وربوبية يصل الى مرتبة الكمال الانساني المختص بالنوع الانساني.
ان الانسان الى أن يصل الى منزل الحيوانية يكون متماشيا مع سائر الحيوانات ومن هذا المنزل يكون أمامه سبيلان لابد أن يسلكهما بقدم الاختيار، احداهما طريق السعادة وهي الصراط المستقيم لرب العالمين، ان ربي على صراط مستقيم.
والثانية: طريق الشقاوة وهو الطريق المعوّج للشيطان الرجيم فإن جعل قواه وأعضاء مملكته في تصرّف رب العالمين وصار مربى بتربيته فيسلم القلب وهو سلطان هذه المملكة له واذا صار القلب مربوبا لرب العالمين فيقتدي سائر جنوده له وتصير المملكة كلها مربوبة له، وفي هذا الوقت يتمكن لسانه الغيبي وهو ظل القلب أن يجيب ملائكة عالم القبر حين تقول له من ربك؟ بأن: الله جلّ جلاله ربي. وحيث أن هذا الشخص قد أطاع رسول الله واقتدى بأئمة الهدى وعمل بكتاب الله فينطق لسانه بقوله: محمد نبيّي، وعليّ وأولاده المعصومون أئمتي والقرآن كتابي، لكنه إذا لم يصر القلب الهيا وربوبيا ولم ينتقش نقش لا اله الا الله ومحمد رسول الله وعلي ولي الله على لوح القلب ولم يصر صورة باطنية للنفس ولم ينتسب الى القرآن بالعمل به والتفكر والتذكر والتدبّر فيه ولم يرتبط هو بالقرآن ارتباطا روحيا ومعنويا، ففي سكرات الموت وشدائده وفي حال الموت الذي هو الداهية العظمى تنمحي جميع المعارف عن خاطره.
أيا عزيزي، ان الانسان ينسى جميع معلوماته عند ابتلائه بمرض أو ضعف قواه الدماغية الا أمورا قد صارت بشدة التذكر والأنس بها جزء من فطراته الثانوية، واذا دهمته داهية عظمى ومخوفة فيغفل عن أكثر أموره ويخط خط النسيان على معلوماته، فماذا يكون حاله في أهوال الموت وشدائده وسكراته، واذا كان سمع القلب غير منفتح ولم يكون قلبه سميعا فلا ينفعه تلقين العقائد حين الموت وبعد الموت، والتلقين ينفع لمن يكون قلبه خبيرا بالعقائد الحقه ويكون سمع قلبه منفتحا، وقد حصلت له غفلة ما في تلك السكرات والشدائد فيصير التلقين وسيلة الى أن يوصلها ملائكة الله الى سمعه، ولكن اذا كان الانسان أصم ولم يكن له سمع عالم البرزخ ابدا فلا يؤثر التلقين في حاله، وقد أشير الى بعض ما قلناه في الأحاديث الشريفة.
قوله تعالى: الرحمن الرحيم:
اعلم أن لجميع الأسماء والصفات للحق تعالى جل وعلا مقاميـن ومرتبتين على النحو الكلّي:
أحدهما مقام الأسماء والصفات الذاتية الثابتة في الحضرة الواحدية كالعلم الذاتي الذي هو من الشؤون الذاتيه والقدرة والارادة الذاتيتين وسائر الشؤون الذاتيه.
والثاني: مقام الاسماء والصفات الفعلية الثابتة للحق بتجلي الفيض المقدس كالعلم الفعلي الذي يثبته الاشراقيون ويرونه مناطا للعلم التفصيلي، وقد أقام البرهان عليه أفضل الحكماء الخواجة نصير الدين الطوسي (هو حجة الفرقة الناجية الفيلسوف المحقق أستاذ البشر وأعلم أهل البدو والحضر محمد بن محمد بن الحسن الطوسي الجهرودي ممدوح أكابر الآفاق ومجمع مكارم الأخلاق الذي لا يحتاج الى التعريف لغاية شهرته مع أن كل ما يقال فيه فهو دون رتبته. ولد في 11جمادى الأولى سنة 597 بطوس ونشأ بها ولذلك أشتهر بالطوسي وصنّف كتبا ورسائل نافعة نفيسة في فنون العلم له تجريد الكلام وهو كتاب كامل في شأنه وصفه الفاضل القوشجي بأنه مخزون بالعجائب مشحون بالغرائب صغير الحجم وجيز النظم كثير العلم جليل الشأن حسن الانتظام مقبول الأئمة العظام ولم يظفر بمثله علماء الأعصار وهو في الأشتهار كالشمس في رابعة النهار (انتهى).
شرحه جمع من أعاظم العلماء أولهم آية الله العلامة (ره) وله كتاب التذكرة النصيرية في علم الهيئة الذي شرحه النظام النيسابوري والأخلاق الناصرية وآداب المتعلمين وأوصاف الأشراف وكتاب قواعد العقايد وتحرير المجسطي وتحرير أصوال الهندسة لاقليدس الى غير ذلك. حكي أنه قدس سره قد عمل الرصد العظيم بمدينة مراغة وأتخذ في ذلك خزانة عظيمة ملأها من الكتب وكانت تزيد على أربعمئة ألف مجلّد وكان من أعوانه على الرصد من العلماء جماعة أرسل اليهم الملك هلاكوخان منهم العلامة قطب الدين الشيرازي ومؤيد الدين العروضي الدمشقي وكان متبحرا في الهندسة وآلات الرصد ومحيي الدين الأخلاطي وكان مهندسا متبحرا في العلوم الرياضية وغيرهم من الفضلاء فضبطوا حركات الكواكب.
وحكي من أخلاقه الكريمة أن ورقة حضرت اليه من شخص فكان ممّا فيها: يا كلب بن الكلب. فكان الجواب: أما قولك يا كذا فليس بصحيح لأن الكلب من ذوات الأربع وهو نابح طويل الأظفار وأما أنا فمنتصب القامة بادي البشرة عريض الأظفار ناطق ضاحك فهذه الفصول والخواص غير تلك الفصول والخواص، وأطال في نقض كل ما قاله. هكذا ردّ عليه بحسن طوية وتأنّ غير منزعج ولم يقل في الجواب كلمة قبيحة، وتوفي قدس سره في يوم الغدير سنة 673 (خعج) ودفن في جوار الامامين موسى بن جعفر والجواد عليهما السلام في المكان الذي أعدّ للناصر العبّاسي فلم يدفن فيه.) نضر الله وجهه، وتبع الاشراقيين في هذا المعنى وهو ان الميزان في العلم التفصيلي العلم الفعلي، وهذا المطلب وان كان على خلاف التحقيق بل العلم التفصيلي ثابت في مرتبة الذات وإنّ كشف العلم الذاتي وتفصيله أعلى وأكثر من العلم الفعلي، كما ثبت وحقق في محله على وجه البرهان النوري، ولكن اصل المطلب وهو أن نظام الوجود هو العلم الفعلي التفصيلي للحق ثابت ومحقق في سنّة البرهان ومشرب العرفان وان كان للمسلك الاعلى العرفاني وذوقه الاصلي طريقة غير هذه الطرق. (مذهب عاشق زمذهبها جدا است).
وبالجملة، ان للرحمة الرحمانية والرحيمية مرتبتين وتجليين. أحدهما:
في مجلى الذات في حضرة الواحدية بتجلي الفيض الأقدس.
والثاني في مجلى الأعيان الكونية بتجلي الفيض المقدس، ففي السورة المباركة ان كان الرحمن الرحيم من صفات الذاتية كما هو ظاهر ففي الآية الشريفة بسم الله الرحمن الرحيم يمكن ان تجعل هاتين الصفتين تابعتين للاسم، فتكونا من الصفات الفعلية، وبناء على هذا فليس في المقام تكرار أصلا حتى يقال أنه للتاكيد والمبالغة وعلى هذا الاحتمال فمعنى الآيات الشريفة والعلم عند الله يكون هكذا:
بمشيئته الرحمانية والرحيمية الحمد لذاته الرحمانية والرحيمية وكما أن مقام المشيئة هو تجلي الذات المقدسة فمقام الرحمانية والرحيمية الذي هو من تعينات مقام المشيئة تجلي الرحمانية والرحيمية الذاتيتين، وهنا احتمالات أخر تركنا ذكرها لكون هذا الاحتمال أظهر.
قوله تعالى مالك يوم الدين:
قرأ كثير من القرّاء ملك بفتح الميم وكسر اللام وذكروا لكل من هاتين القراءتين ترجيحات أدبية، حتى أن بعض الاعاظم من العلماء رحمه الله كتب رسالة في ترجيح ملك على مالك، وما ذكره الطرفان ليس مما يحصل به الاطمئنان، وما في نظر الكاتب أن مالك راجح بل متعيّن لان هذه السورة المباركة والسورة المباركة التوحيد ليستا كسائر السور القرآنية بل حيث أن الناس يقرأون هاتين السورتين في فرائضهم ونوافلهم وفي كل عصر من العصور يسمعها ملايين من المسلمين من مئات ملايين المسلمين وهم كذلك من مئات الملايين سابقيهم وهكذا بالتسامح ثبتت هاتان السورتان الشريفتان على هذا النحو الذي يقرؤونه من دون تقدم حرف وتأخره ومن دون زيادة حرف ونقصه عن الائمة الهداة والنبي . ومع أن أكثر القراء قرؤوها ملك وكثير من العلماء رجّحوا ملك مع ذلك ما ضرّت هذه الامور في هذا الامر الثابت الضروري والمتواتر القطعي ولم يتبعهم الناس ومع أن العلماء يجوّزون تبعية كل من القرّاء لم يقرأ أحد في مقابل هذه الضرورة (ملك) في صلاته الا الشّاذ الذي لا يعتنى بقوله، وان قرأ أحد ملك قرأ مالك أيضا من باب الاحتياط، كما أن شيخنا العلاّمة في العلوم النقلية الحاج الشيخ عبد الكريم اليزدي قدس سره كان يقرأ ملك أيضا باستدعاء من أحد علمائنا الأعلام المعاصر ولكن هذا الاحتياط في غاية الضعف بل على عقيدة الكاتب مقطوع خلافه. ومن هذا البيان الذي ذكرناه علم ضعف ما قالوا أن ملك ومالك متشابهان في الخط الكوفي لأن هذا ربما يمكن أن يدعى في السور التي ليست كثيرة التداول على الالسنة على اشكال فيه أيضا، ولكن في مثل هذه السورة التي ثبوتها بالتسامع والقراءة كما هو واضح جدا دعوى بلا محتوى وقول بلا اعتبار، وهذا الكلام الذي ذكرناه جار في كفوا أيضا لأن القراءة بالواو المفتوحة والفاء المضمومة مع انها قراءة عاصم فقط فمع ذلك هي أيضا ثابتة بالضرورة بالتسامع، وان القراءات الأخر لا تعارض هذه الضرورة وان كان البعض يحتاط بزعمه ويقرؤوها بضمّ الفاء والهمزة طبقا لقراءة الأكثر ولكن لا مورد لهذا الاحتياط ولو نوقش في الروايات التي أمر فيها بالقراءة كقراءة الناس، كما أنها أيضا محل المناقشة، ومن المظنون أن المراد من تلك الروايات أن اقرؤوا كما يقرأ عامة الناس لا انكم مخيّرون بين القراءات السبع مثلا، فحينئذ تكون قراءة ملك وكفوا بغير ما هو مشهور بين المسلمين ومسطور في الصحف غلطا، وعلى كل حال الاحوط قراءتها على النحو المتداول بين الناس والمشهور على الألسنة والمسطور في القرآن لأن القراءة على هذا النحو صحيحة على جميع المسالك والله أعلم.
تحقيق حكمي:
اعلم أن مالكية الحق تعالى ليست كمالكية العباد مملوكاتهم ولا كمالكية السلاطين ممالكهم لانها اضافات اعتبارية وليست اضافة الحق الى الخلق من هذا القبيل، وان كان هذا النحو من المالكية ثابتاً للحق تعالى طولا عند علماء الفقه وهو لا ينافي ما هو ملحوظ ومذكور في هذا النظر.
وليست من قبيل مالكية الانسان أعضاءه وجوارحه وليست ايضا من قبيل مالكيته قواه الظاهرية والباطنية وان كانت هذه المالكية أقرب الى مالكيته تعالى من سائر انواع المالكية المذكورة سابقا. وليست من قبيل مالكية النفس لافعالها الذاتية التي هي من شؤون النفس كايجاد الصور الذهنية التي يكون قبضتها وبسطها الى حد تحت ارادة النفس ايضا وليست ايضا من قبيل مالكية العوالم العقلية ما دونها وان كانت تلك العوالم متصرفة في هذه العوالم بالايجاد والاعدام لان جميع دار التحقق الامكانية الثابت في ناصيتها ذل الفقر محدودة بحدود ومقدرة بقدر ولو بالحد الماهوي وكل ما كان محدودا بحد يكون بينه وبين فعله بينونة عزليه على قدر محدوديته وليس له احاطة قيومية حقانية، فجميع الاشياء متباينة مع منفعلاتها ومتقابله معها بحسب مرتبة ذاتها ولهذه الجهة ليست لها احاطة ذاتية قيومية، واما مالكية الحق تعالى التي هي بالاضافة الاشراقية والاحاطة القيومية مالكية ذاتية حقيقية حقة بحيث ليست شائبة البينونة العزلية بوجه من الوجوه في ذاته وصفاته لموجود من الموجودات، وان مالكية الذات المقدسة لجميع العوالم على السواء من دون أن يتفاوت بوجه لموجود من الموجودات أو أن تكون احاطته بعوالم الغيب والمجردات أكثر أو أقرب من العوالم الاخر لانه يستلزم المحدودية والبينونة العزلية ويلازم الافتقار والامكان تعالى الله عن ذلك علوّا كبيرا كما أنه يمكن أن تكون الاشارة الى هذا المعنى قوله تعالى: " نحن أقرب اليكم منكم "(الواقعة - 85)، و" نحن أقرب اليه من حبل الوريد "(ق - 16)، و " الله نور السموات والارض "(النور - 35). و " هو الذي في السماء اله وفي الأرض اله "(الزخرف - 84) و " وله ملك السموات والأرض "(الحديد - 2). وقول رسول الله على ما نقل " لو دوليتم بحبل الى الأرضين السفلى لهبطتم على الله ". وقول الصادق في رواية الكافي" لايخلو منه مكان ولا يشتغل به مكان ولا يكون الى مكان أقرب منه الى مكان ".. وقول الامام علي النقي (هو الامام العاشر والبدر الباهر ذو الشرف والكرم والمجد والايادي أبو الحسن الثالث علي النقي الهادي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسن بن علي بن أبي طالب صلوات الله عليهم. ولد بصريا من المدينة للنصف من ذي الحجة سنة 212 اثنتي عشرة ومئتين، وقيل يوم الجمعة ثاني رجب وقيل خامسه من تلك السنة. أمّه المعظّمة الجليلة سمّانة المغربية وفي الدر النظيم هي تعرف بالسيّدة وتكنّى أم الفضل. وقبض مسموما بسرّ من رأى في يوم الأثنين ثالث رجب سنة 254 (رند) سنة أربع وخمسين ومئتين وله احدى وأربعون سنة وأشهر. وكانت مدة امامته ثلاثا وثلاثين سنة وأشهرا وكان في أيام امامته بقية ملك المعتصم ثم ملك الواثق ثم ملك المتوكل ثم ملك المنتصر ثم ملك المستعين ثم ملك المعتز ودفن في داره بسرّ من رأى وخرج أبو محمد في جنازته وقميصه مشقوق وصلّى عليه ودفنه وقال المسعودي: وكانت وفاة أبي الحسن في خلافة المعتز بالله وذلك في يوم الأثنين لاربع بقين من جمادي الاخرة سنة 254 وهو ابن أربعين سنة وقيل أبن اثنين وأربعين وقيل أكثر من ذلك. وسمع في جنازته جارية تقول ماذا لقينا في يوم الاثنين قديما وحديثا وصلى عليه احمد بن المتوكل على الله في شارع أبي أحمد في داره بسامرّا ودفن هناك (انتهى).). " واعلم أنه اذا كان في السماء الدنيا فهو كما هو على العرش والأشياء كلها له سواء علما وقدرة وملكا احاطة ". ومع أن مالكية الذات المقدسة لجميع الأشياء ولجميع العوالم على السواء مع ذلك يقول في الآية الشريفة مالك يوم الدين.. وهذا الاختصاص يمكن أن يكون امّا لأجل أن يوم الدين هو يوم الجمع، فلهذه الجهة مالك يوم الدين الذي هو يوم الجمع مالك سائر الأيام المتفرقات، والمتفرقات في النشاة الملكية هي مجتمعات في النشأة الملكوتية، وأما لان ظهور مالكية الحق وقاهريته تعالى مجده في يوم الجمع الذي هو يوم رجوع الممكنات الى باب الله وصعود الموجودات الى فناء الله.
وتفصيل هذا الاجمال على وجه يناسب هذه الرسالة هو أن نور الوجود وشمس الحقيقة مادامت في السير التنزلي والنزول عن مكامن الغيب الى عالم الشهادة، يكون سيرها في الأحتجاب والغيبه، وبعبارة أخرى في كل تنزّل وتعيّن وفي كل تعيّن وتقيّد حجاب والانسان حيث أنه مجتمع التعيّنات والتقيدات فهو محتجب بجميع الحجب السبعة الظلمانية والحجب السبعة النورية التي هي الأرضون السبع والسموات السبع على حسب التأويل، ولعل الرد الى أسفل السافلين ايضا عبارة عن الاحتجاب بجميع أنواع الحجب، ويمكن أن يعبّر بالليل وليلة القدر عن هذا الاحتجاب لشمس الوجود وصرف النور في أفق التعينات، ومادام الانسان محتجبا في تلك الحجب فهو محجوب عن مشاهدة جمال الأزل ومعاينة النور الأول، وحيث أن جميع الموجودات في السير الصعودي عن المنازل السافله لعالم الطبيعة بالحركات الطبيعية التي هي في جبلة ذاتها وأودعت فيها من نور جاذبة فطرة الله بتقدير من الفيض الأقدس في الحضرة العلميّة اذا رجعت الى الوطن الأصلي والميعاد الحقيقي كما أشير الى ذلك كثيرا في الآيات الشريفة، فإنها تتخلص ثانيا من الحجب النورانية والظلمانية وتتجلى مالكية الحق تعالى وقاهريته، ويتجلى الحق بالوحدة والقاهرية وعند ذلك اذا رجع الأخر الى الأول واتصل الظاهر بالباطن وسقط حكم الظهور وتجلت حكومة الباطن فيجيء الخطاب عن المالك على الاطلاق وليس له مخاطب سوى ذاته المقدسة لمن الملك اليوم.. وحيث أنه ليس ثمة مجيب فيقول نفسه: لله الواحد القهار.. وهذا اليوم المطلق الذي هو يوم خروج شمس الحقيقة عن حجاب افق التعينات يوم الدين بمعنى، لأن كل موجود من الموجودات في ظل الأسم المناسب له يفنى في الحق فاذا نفخ في الصور فيظهر من ذلك الأسم ويقترن مع توابع ذلك الأسم فريق في الجنة وفريق في السعير والانسان الكامل في هذا العالم على حسب السلوك الى الله والهجرة اليه يخرج عن هذه الحجب وتظهر وتثبت له أحكام القيامة والساعه ويوم الدين فيظهر الحق على قلبه بمالكيته في هذا المعراج الصلاتي ويكون لسانه ترجمانا لقلبه وظاهره لسانا لمشاهدات باطنه، وهذا أحد أسرار اختصاص المالكيه بيوم الدين.
الهام عرشي:
اعلم ان في باب العرش وحملته اختلافات وفي ظواهر الأخبار الشريفة ايضا اختلافا وان كان الاختلاف منفيا على حسب الباطن فإن العرش في النظر العرفاني والطريق البرهاني يطلق على معان كثيرة، واحد تلك المعاني ولم أره في لسان القوم هو الحضرة الواحدية التي هي مستوى الفيض الأقدس وحملته أربعة من أمهات الأسماء وهي: الأول والأخر والظاهر والباطن، والمعنى الأخر وما رأيته أيضا في لسان القوم الفيض المقدّس الذي هو مستوى الأسم الأعظم وحامله الرحمن الرحيم والرب والمالك، ومن اطلاقاته جميع ما سوى الله وحامله أربعة من الملائكة اسرافيل وجبرائيل وميكائيل وعزرائيل، والمعنى الاخر هو جسم الكل وحامله أربعة أملاك وهي صور أرباب الأنواع وقد أشير اليه في رواية الكافي. وربما أطلق على العلم ولعل المراد من العلم، العلم الفعلي للحق الذي هو عبارة عن مقام الولاية الكبرى وحملته أربعة من الأولياء الكمّل في الأمم السابقة وهم نوح وابراهيم وموسى وعيسى على نبينا وآله و، وأربعة من الكمّل في هذه الأمه الرسول الخاتم وأمير المؤمنين والحسن والحسين ، فاذا علمت هذه المقدمه فاعلم:
انه في السورة الشريفة الحمد بعد اسم الله الذي هو اشارة الى الذات أختصت بالذكر هذه الاسماء الشريفة الأربعة وهي الرب والرحمن والرحيم والمالك، ويمكن أن يكون هذا الأختصاص لأن هذه الاسماء الشريفة الأربعة حملة عرش الوحدانية على حسب الباطن ومظاهرها الملائكة الأربعة المقرّبون للحق تعالى حملة عرش التحقق، فالاسم المبارك الرب باطن ميكائيل وهو بمظهريته للرب موكل بالأرزاق ومربي دار الوجود، والاسم الشريف الرحمن باطن اسرافيل منشأ الأرواح والنافخ في الصور وباسط الأرواح والصور كما أن بسط الوجود أيضا باسم الرحمن، والاسم الشريف الرحيم هو باطن جبرائيل الموكل على تعليم الموجودات وتكميلها. والاسم الشريف المالك هو باطن عزرائيل الموكل بقبض الأرواح والصور وارجاع الظاهر الى الباطن، فالسورة الشريفة الى مالك يوم الدين مشتملة على عرش الوحدانية وعرش التحقق ومشيرة الى حوامله، فجميع دائرة الوجود وتجليات الغيب والشهود التي ترجمانها القرآن مذكورة الى هذا الموضع من السورة، وهذا المعنى موجود جمعا في بسم الله الذي هو الاسم الأعظم وفي الباء التي هي مقام السببية وفي النقطة التي هي سر السببية وعليّ هو سر الولاية والله اعلم.
تنبيه عرفاني:
لعل في تقديم الرب وذكر الرحمن والرحيم بعده وفي تأخير المالك، اشارة لطيفة الى كيفية سلوك الانسان من النشأة الملكية الدنيوية حتى الفناء الكلي أو حتى مقام الحضور عند مالك الملوك. فالسالك مادام في مبادىء السير فهو تحت تربية رب العالمين التدريجية لأنه أيضا من العالمين وسلوكه تحت تصرف الزمان والتدرج فاذا انسلخ عن عالم الطبيعة المتصرمة بقدم السلوك تتجلى لقلبه مرتبة الاسماء المحيطه التي لا تتعلق بالعالم فقط الذي يغلب عليه جانب السوائيه، وحيث أن للاسم الرحمن الشريف مزيد اختصاص بين الاسماء المحيطة فلهذه الجهة قد ذكر، وحين أن الرحمن ظهور الرحمة ومرتبة البسط المطلق فقد قدم على الرحيم الأقرب الى أفق البطون.
ففي السلوك العرفاني تتجلى أولا الاسماء الظاهرة وبعدها الاسماء الباطنة لأن سير السالك من الكثرة الى الوحدة حتى ينتهي الى الاسماء الباطنية المحصنة التي منها اسم المالك، ففي التجلي بالمالكية تضمحل كثرات عالم الغيب والشهادة ويحصل الفناء الكلي والحضور المطلق فاذا تخلص عن حجب الكثرة بظهور الوحدة والسلطنة الالهية ونال المشاهدة الحضورية فيخاطب مخاطبة حضورية ويقول: اياك نعبد. فدائرة سير السائرين أيضا بتمامها مذكورة في السورة المباركة من أخيرة حجب عالم الطبيعة الى رفع جميع الحجب الظلمانية والنورانية وحصول الحضور المطلق وهذا الحضور هوالقيامة الكبرى للسالك وقيام ساعته، ولعل المقصود من المستثنى في الآية الشريفة " فصعق من في السموات ومن في الأرض الا من شاء الله ". هو هذا النوع من أهل السلوك فإنه قد حصل لهم الصعق والمحو قبل النفخ الكلي في الصور، ولعل هذا المعنى أحد محتملات قول رسول الله : " انا والساعة كهاتين " وجمع بين السبابتين الشريفتين.
تنبيه أدبي:
ما رأيناه في التفاسير المتداولة أو نقل عنهم أنهم فسروا الدين بمعنى الجزاء والحساب، وقد ذكر هذا المعنى في كتب اللغة أيضا واستشهد عليه بقول الشعراء العرب، مثل قول الشاعر
" واعلم بأنّ كما تدين تدان "
والقول المنسوب الى شهل بن ربيعة " ولم يبق سوى العدوان دنّاهم كما دانوا " وقالوا بأن الديّان وهو من الأسماء الالهية أيضا بهذا المعنى ولعل المراد من الدين الشريعة الحقة، وحيث أن آثار الدين تظهر في يوم القيامة وتلقي الستار عن وجه الحقائق الدينية فيحق أن يقال لذاك اليوم يوم الدين، كما أن يومنا هذا هو يوم الدنيا لانه يوم ظهور آثار الدنيا ولم تظهر صورة حقيقة الدين بعد، وهذا يشبه قوله تعالى: " وذكرهم بأيام الله "(ابراهيم - 5)، وهي الأيام التي يعامل فيها الحق تعالى قوما بالقهر والسلطنة، ويوم القيامة أيضا يوم الله وكذلك هو يوم الدين أيضا لانه يوم ظهور السلطنة الالهية ويوم بروز حقيقة دين الله.
قوله تعالى: " اياك نعبد واياك نستعين ":
اعلم أيها العزيز أنه اذا علم السالك في طريق المعرفة ان المحامد والمدائح بتمامها مختصة بذات الحق وعلم أن قبض الوجود وبسطه منه وعلم أن أزمّة الأمور في الأول والأخر والمبدأ والمنتهى بيد مالكيته وتجلى لقلبه توحيد الذات والصفات والافعال فانه يحصر العبادة والاستعانة بالحق، ويرى جميع دار التحقق خاضعة لذاته المقدسة طوعا أو كرها ولا يرى قادرا في دار التحقق حتى ينسب الاعانة اليه، وما ذكره بعض أهل الظاهر من أن حصر العبادة حقيقي واما حصر الاستعانة فليس بحقيقي لانه يستعان بغير الحق، وفي القرآن الشريف ذكر سبحانه ايضا " وتعاونوا على البر والتقوى "(المائدة - 2). وقال: " واستعينوا بالصبر والصلاة "(البقرة - 45) ايضا من المعلوم بالضرورة أن سيرة النبي الاكرم والأئمة الهداة وأصحابهم المسلمين قائمة على الاستعانة بغير الحق في غالب الأمور المباحة مثل الاستعانة بالدابة والخادم والزوجة والرفيق والرسول والأجير وغير ذلك، فهذا كله كلام على أسلوب أهل الظاهر، وأما من له علم بالتوحيد الفعلي للحق تعالى ويرى أن نظام الوجود صورة فاعلية الحق تعالى ويرى ببصيرته وقلبه النوراني اما برهانا او عيانا انه لا مؤثر في الوجود الا الله، فهو يرى حصر الاستعانة أيضا حصرا حقيقيا ويرى اعانة سائر الموجودات صورة لاعانة الحق، وبناء على ما يذكره أهل الظاهر فاختصاص المحامد لله ايضا لا وجه له لانه على هذا المسلك، فلسائر الموجودات تصرفات واختيارات وجمال وكمال تليق بها للمدح والحمد بل الاحياء والاماتة والرزق والخلق وسائر الامور مشتركة بين الحق والخلق، وهذه الأمور في نظر أهل الله هي الشرك وقد عبّر في الروايات عن هذه الامور بالشرك الخفيّ، كما ان ادارة الخاتم لتذكر شيء عدّت من الشرك الخفيّ.
وبالجملة، اياك نعبد واياك نستعين من متفرعات الحمد لله الذي هو اشارة الى التوحيد الحقيقي، ومن لم تتجلّ حقيقة التوحيد في قلبه ولم يطهر قلبه من مطلق الشرك فقوله اياك نعبد عار عن الحقيقة ولا يتمكن من حصر العبادة والاستعانة بالحق ولا يكون شاهدا لله وطالبا لله، واذا تجلى التوحيد في القلب فانه ينصرف عن الموجودات ويتعلق بعزّ قدس الحق بمقدار تجلّيه الى أن يشاهد انه باسم الله يقع اياك نعبد واياك نستعين وتتجلى لقلبه بعض حقائق " انت كما أثنيت على نفسك ".
تنبيه اشراقي:
قد تبين من بيانات هذه الرسالة نكتة العدول عن الغيبة الى الخطاب، وهذا وان كان بنفسه من محسنات الكلام ومزايا البلاغة وكثيرا ما يقع في كلام الفصحاء والبلغاء ويوجب حسن الكلام، ونفس الالتفات من حال الى حال يرفع السآمة عن المخاطب ويعطي روحه نشاطا جديدا، ولكن حيث ان الصلاة معراج الوصول الى حضرة القدس ومرقاة حصول مقام الانس فهذه السورة الشريفة تعطي تقريرا للترقي الروحاني والسفرالعرفاني، وحيث أن العبد في بدء السلوك الى الله محجوب في الحجب الظلمانية لعالم الطبع والحجب النورانية لعالم الغيب ومحبوس فيها، والسفر الى الله هو الخروج من هذه الحجب بقدم السلوك المعنوي، وفي الحقيقة المهاجرة الى الله هي الرجوع من بيت النفس وبيت الخلق الى الله وترك الكثرات ورفض غبار الغيرية وحصول التوحيدات والغيبة عن الخلق والحضور لدى الرب، فاذا رأى في الآية الشريفة مالك يوم الدين الكثرات منطوية تحت سطوع نور المالكية والقاهرية فتحصل له حالة المحو عن الكثرة ويحصل له الحضور في الحضرة ويقدّم العبودية بالمخاطبة الحضورية ومشاهدة الجمال والجلال ويعرض مشاهداته لله وطلبه على محضر القدس ومحفل الانس، ولعل النكتة في أن العبد يؤدي هذا المقصد بضمير اياك هي ان هذا الضمير راجع الى الذات مضمحلة فيها الكثرات فيمكن ان تحصل للسالك في هذا المقام حالة التوحيد الذاتي وينصرف عن كثرة الاسماء والصفات ايضا وتكون وجهة القلب حضرة الذات بلا حجب الكثرات وهذا هو كمال التوحيد الذي يقوله امام الموحدين ومقدم حلقة العارفين وقائد العاشقين ورأس سلسلة المجذوبين والمحبوبين أمير المؤمنين صلوات الله عليه وعلى أولاده المعصومين: " وكمال التوحيد نفي الصفات عنه " لان للصفة وجهة الغيرية والكثرة. وهذا التوجه الى الكثرة الاسمائية بعيد عن سرائر التوحيد وحقائق التجريد، ولهذا فلعل سر خطيئة آدم كان التوجه الى الكثرة الاسمائية التي هي روح الشجرة المنهية.
نسألكم الدعاء لنا ولوالدينا

توقيع سليلة حيدرة الكرار

تركت الخلق طـراً في هـواك
وأيتمت العيــال لــكي أراك
فلـو قطعتني في الحب إربــا
لمـا مـال الفــؤاد إلى سواك




سليلة حيدرة الكرار
الصورة الرمزية سليلة حيدرة الكرار
مشرفة
رقم العضوية : 3576
الإنتساب : Jan 2009
الدولة : جنة الإمام الحسين عليه السلام
المشاركات : 3,167
بمعدل : 0.57 يوميا
النقاط : 311
المستوى : سليلة حيدرة الكرار is on a distinguished road

سليلة حيدرة الكرار غير متواجد حالياً عرض البوم صور سليلة حيدرة الكرار



  مشاركة رقم : 7  
كاتب الموضوع : سليلة حيدرة الكرار المنتدى : ميزان السلوك إلى الله وطرق العرفان"> ميزان السلوك إلى الله وطرق العرفان
افتراضي
قديم بتاريخ : 22-Jul-2013 الساعة : 02:41 PM

اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم


السلام على جوهرة العصمة وفريدة الرحمة سيدتنا وولاتنا الزهراء وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم بظهور قائمهم والعن أعدائهم لعنة دائمة إلى يوم الدين


تحقيق عرفاني:
اعلم أن أهل الظاهر ذكروا في ذكر نعبد ونستعين بصيغة المتكلم مع الغير مع أن العابد واحد، نكاتا منها أن العابد يحتال حيلة شرعية تكون عبادته بها مقبولة لجناب الحق تعالى وهي أن يقدم عبادته لجناب القدس وحضرة الرحمة ضمن عبادة سائر المخلوقين ومنهم كمّل أولياء الله الذين يقبل الله تعالى عبادتهم كي تكون بهذه الوسيلة عبادته أيضا مقبولة ضمنا لان تبعض الصفقة ليس من عادة الكريم.
ومنها تشريع الصلاة اذ كانت في أول الأمر مع الجماعة، فمن هذه الجهة أدّيت بلفظ الجمع ونحن ذكرنا نكتة في السرّ الجملي للاذان والاقامة يكتشف منها هذا السر في الجملة، وهي أن الاذان اعلان لقوى السالك الملكية والملكوتية بالحضور في المحضر وان الاقامة هي اقامتها في الحضور، فاذا أحضر السلك قواة الملكية والملكوتية في المحضر وقام القلب الذي هو إمامها بسمة الامامة فقد قامت الصلاة وان المؤمن وحده جماعة.. فقول نعبد ونستعين واهدنا كلها لاجل هذا الجمع الحاضر في محضر القدس، وقد اشير الى هذا المعنى في الروايات والادعية الصادرة عن أهل بيت العصمة والطهارة منابع العرفان والشهود.
والوجه الاخر الذي يتراءى في نظر الكاتب هو أن السالك في الحمد لله اذا جعل المحامد والاثنية من كل حامد ومثن في الملك والملكوت مقصورة ومخصوصة بالذات المقدسة للحق وقد ظهر ايضا في مدارك برهان أئمة البرهان وقلوب أصحاب العرفان أن لجميع دائرة الوجود بملكها وملكوتها وقضها وقضيضها حياة شعورية ادراكية حيوانية بل انسانية وهي حامدة مسبحة للحق تعالى عن استشعار وإدراك. وان الخضوع لدى حضرة الكامل المقدسة والجميل على الاطلاق ثابت في فطرة جميع الموجودات وخصوصا النوع الانساني وناصية الكل في جناب قدسه على التراب كما قال تعالى في القرآن الشريف: " وان من شيء الا يسبّح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم "(الاسراء - 44) وسائر الآيات الشريفة وأخبار المعصومين المشحونة بهذه اللطيفة الالهية مؤيدة بالبرهان الحكمي المتين، فاذا وجد السالك الى الله هذه الحقيقة بقدم الاستدلال البرهاني او الذوق الايماني او المشاهدة العرفانية فهو يدرك في أي مقام هو فيه ان جميع ذرات الوجود وسكنة الغيب والشهود عابدة للمعبود على الاطلاق وتطلب موجدها فيظهر بصيغة الجمع ان جميع الموجودات في جميع حركاتها وسكناتها تعبد الذات المقدسة للحق تعالى وتستعين به.
تنبيه ونكتة:
اعلم ان العلماء قالوا في وجه تقديم اياك نعبد واياك نستعين مع ان القاعدة تقتضي ان تكون الاستعانة في العبادة مقدمة على نفس العبادة، ان ما قدم هو العبادة على الاستعانة لا على الاعانة وربما تكون الاعانة من دون الاستعانة.
وايضا حيث أنهما مرتبطان احدهما بالاخرى فلا فرق في التقديم والتأخير كما يقال قضيت حقي فأحسنت اليّ، وأحسنت اليّ فقضيت حقي.
وايضا الاستعانة هي للعبادة المستأنفة لا العبادة الواقعة، وبرودة هذه الوجوه ليست مختفية لأهل الذوق، ولعل النكتة فيه أن حصر الاستعانة بالحق تعالى متأخر عن حصر العبادة على حسب السلوك الى الله كما هو واضح فإن كثيرا من الموحدين في العبادة والحاصرين العبادة في الحق مشركون في الاستعانة ولا يحصرون الاستعانة بالحق كما نقلناه عن بعض أرباب التفسير ان حصر الاستعانة ليس حقيقيا، فالحصر في العبادة بمعناه المتعارف من أوائل مقامات الموحدين واما حصر الاستعانة فهو ترك غيرالحق مطلقا ولا يخفى ان المقصود من الاستعانة ليس الاستعانة في العبادة فقط بل الاستعانة في مطلق الامور وهذا انما يكون بعد رفض الاسباب وترك الكثرات والاقبال التام على الله.
وبعبارة اخرى، حصر العبادة هو حب الحق وطلب الحق وترك طلب الغير، وأما حصر الاستعانة فهو رؤية الحق وترك رؤية الغير، وفي مقامات العارفين ومنازل السالكين ترك رؤية الغير متأخّر عن ترك طلب الغير.
فائدة عرفانية:
اعلم ايها العبد السالك ان حصر العبادة والاستعانة للحق ايضا ليس من مقامات الموحّدين والمدارج الكمالية للسالكين لان فيه دعوى تنافي التوحيد والتجريد بل رؤية العبادة والعابد والمعبود والمستعين والمستعان به والاستعانة كلها منافية للتوحيد، وفي التوحيد الحقيقي الذي يتجلى لقلب السالك تستهلك كل هذه الكثرات وتضمحلّ رؤية كل هذه الامور، نعم الذين انتبهوا من الجذبة الغيبية وحصل لهم مقام الصحو فليست الكثرة حجابا لهم وذلك لان الناس على طوائف.
فطائفة هم المحجوبون أمثالنا المساكين المستغرقون في الحجب الظلمانية للطبيعة، وطائفة هم السالكون المسافرون الى الله والمهاجرون الى حضرة القدس. وطائفة هم الواصلون قد خرجوا عن حجب الكثرة واشتغلوا بالحق، وهم عن الخلق محجوبون وغافلون وقد حصل لهم الصعق الكلي والمحو المطلق، وطائفة هم الراجعون الى الخلق الذين لهم منصب المكمّلية والهادويّة كالانبياء العظام والاوصياء لهم، ، وهذه الطائفة مع وقوعهم في الكثرة واشتغالهم بارشاد الخلق لا تكون الكثرة حجابا لهم، ولهم مقام البرزخية، فبناء على هذا يفرق اياك نعبد واياك نستعين على حسب حالات هؤلاء الطوائف، فمن امثالنا المحجوبين فهو ادّعاء صرف وصورة محضة فان تنبّهنا لحجابنا ووجدنا نقصاننا، فبمقدار ما اطّلعنا على نقصاننا تنور عبادتنا وتقع موردا لعناية الحق تعالى وأما من السالكين فيقع هذا القول بمقدار سلوكهم قريبا من الحق ومن الواصلين فهو بالنسبة الى رؤيتهم الحق حقيقة وبالنسبة الى رؤية الكثرة صورة صرفة وجري على العادة، ومن الكاملين حقيقة صرفة فليس لهم حجاب حقي ولا حجاب خلقي.

ايقاظ ايماني:
اعلم ايها العزيز اننا مادمنا في هذه الحجب الغليظة لعالم الطبيعة ونصرف الوقت في تعمير الدنيا ولذائذها غافلين عن الحق تعالى وذكره، والتفكر فيه فجميع عباداتنا وأذكارنا وقراءاتنا عارية عن الحقيقة فلا في الحمد لله نتمكن من حصر المحامد للحق ولا في اياك نعبد واياك نستعين نسلك طريقا من الحقيقة بل نحن مع هذه الدعاوى الفارغة مخزيون وناكسو الرؤوس في محضر الحق تعالى والملائكة المقربين والانبياء المرسلين والاولياء المعصومين فإن من كان لسان حاله ومقاله مشحونا بمدح أهل الدنيا كيف يقول الحمد لله، وان من كانت وجهة قلبه الى الطبيعة ولم يشمّ رائحة الالوهية وكان اعتماده واتكاله على الخلق فبأي لسان يقول اياك نعبد واياك نستعين، فاذا كنت من رجال هذا الميدان فشمّر ذيل الهمة وأوصل الى قلبك هذه الحقائق واللطائف التي ذكرت في خلال هذه الرسالة في أوائل الامر بشدّة التذكر والتفكر في عظمة الحق وفي ذلة المخلوق وعجزه وفقره، أحيي قلبك بذكر الحق تعالى كي تصل رائحة من التوحيد الى شامة قلبك وتجد طريقا الى صلاة أهل المعرفة بالامداد الغيبي، وان لم تكن من رجال هذا الميدان فلا أقل من أن تجعل نقصك نصب عينيك. وتوجّه الى ذلتك وعجزك وقم بالامر بالخجلة والاستحياء، واحذر من دعوى العبودية واقرأ هذه الآيات الشريفة التي ليست متحققا بلطائفها أما بلسان الكمّل، وأما أن يكون في نيّتك قراءة صورة القرآن صرفا حتى لا تدّعي باطلا ولا يكون ادّعاؤك كاذبا على الأقل.
فرع فقهي:
ذهب بعض الفقهاء الى عدم جواز قصد الانشاء في ايّاك نعبد واياك نستعين وأمثاله ظنّا منهم أنه ينافي القرآنية والقراءة لأن القراءة هي نقل كلام الغير.
وهذا الكلام ليس له وجه لأن الانسان كما يمكن أن يمدح بكلامه مثلا انسانا يمكن أن يمدحه بكلام الآخرين، فمثلا اذا مدحنا شخصا بشعر من الحافظ يصدق أنّا مدحناه ويصدق أيضا أنا قرأنا شعر الحافظ فاذا أنشأنا حقيقة جميع المحامد للحق بالحمد لله رب العالمين وأنشأنا قصر العبادة للحق بإيّاك نعبد يصدق أنّا حمدنا الله بكلامه وقصرنا العبادة لله بكلامه بل نقول:
اذا جرد أحد كلامه عن هذا المعنى الانشائي، فهذا التجريد مخالف للاحتياط ان لم نقل ببطلان قراءته، نعم لو لم يعلم أحد معناه فلا يلزم له أن يتعلم بل تكفي له قراءة سورة الآية بما لها من المعنى، وفي الروايات الشريفة اشارة الى أن القارىء ينشىء كما في الحديث القدسي: " فاذا قال - أي العبد - في صلاته بسم الله الرحمن الرحيم يقول الله ذكرني عبدي واذا قال الحمد لله يقول الله حمدني عبدي " الى آخره.. وما لم يكن انشاء الحمد والتثنية من جانب العبد فلا معنى لذكرني وحمدني وفي أحاديث المعراج يقول " الآن وصلت فسمّ باسمي". ويعلم من الحالات التي كانت تحصل لأئمة الهدى في مالك يوم الدين واياك نعبد وتكرار بعض هذه الايات أنهم كانوا ينشؤون وليست قراءتهم قراءة صرفة ومن قبيل اسماعيل يشهد أن لا اله الا الله، ومن احدى مهمات اختلاف مراتب صلاة أهل الله الأختلاف في قراءتهم كما اشير في السابق الى نبذه منها، وهذا لايتحقق الا اذا كان القارىء منشئا للقراءه والأذكار، والشواهد على هذا المعنى أكثر مما ذكرنا.
وبالجملة فجواز انشاء هذه المعاني بالكلام الالهي بلا اشكال.
فائدة:
ان أهل اللغه قالوا بأن العبادة بمعنى غاية الخضوع فلا تليق الا لمن له أعلى مراتب الوجود والكمال وأعظم مراتب النعم والاحسان. ومن هذا تكون عبادة غير الحق شركا ولعل في العبادة التي في اللغة الفارسية بمعنى (بر ستش وبندكي) معنى مأخوذا في حقيقتها أكثر من المعنى الذي ذكروه لها، وهو عبارة عن الخضوع للخالق ولله ولهذا يلازم هذا النحو من الخضوع اتخاذ المعبود الها وخالقا او نظيرا وشبيها ومظهرا له مثلا فلهذه الجهة تكون عبادة غير الحق تعالى شركا وكفرا، واما مطلق الخضوع من دون هذا الاعتقاد أو التجزّم بهذا المعنى ولو تكلّفا فإنه لا يوجب الكفر والشرك وان بلغ غاية الخضوع وان كان بعض أنواعه حراما كتعفير الجين بالتراب للخضوع فهذا وان لم يكن عبادة لكنه ممنوع شرعا على الظاهر، فالحرمات التي يراعيها أرباب المذاهب لأعاظم مذاهبهم مع الأعتقاد بأنهم عباد فقراء الى الحق تعالى في كل شيء في أصل الوجود وكماله وعباد صالحون، ومع أنهم لايملكون لأنفسهم نفعا ولا ضرا ولا موتا ولاحياة ومقربو جناب الحق تعالى ومورد عناياته ووسائل عطياته بواسطة العبودية ليس فيها شائبة الشرك والكفر، وحرمة خاصة الله حرمته و (حب خاصان خدا حب أست) (مصراع بيت لعارف الرومي يقول: حب خواص الله حب الله) وأشهد بالله وكفى بالله شهيدا ان فيما بين الطوائف الطائفة التي امتازت عن جميع طوائف العائلة البشرية في توحيد الحق تعالى وتقديسه وتنزيهه ببركة أهل البيت الوحي والعصمة وخزّان العلم والحكمة هي طائفة الشيعة الأثنا عشرية وكتبهم في أصول العقائد مثل الكتاب الشريف أصول الكافي والكتاب الشريف توحيد الشيخ الصدوق رضوان الله عليه، وخطب أئمتهم المعصومين وأدعيتهم التي صدرت في توحيد الحق جلّ وعلا وتقديسه من معادن الوحي والتنزيل تشهد ان تلك العلوم لم تكن لها سابقة لدى البشر وبعد الكتاب المقدس الوحي الالهي والقرآن الشريف الذي كتب بيد القدرة لم يقدّس ولم ينزّه أحد الحق تعالى مثلهم، وعلى الرغم من أن الشيعة في جميع الأمصار والأعصار اتّبعت هؤلاء الأئمة المعصومين المنزّهين الموحّدين وعرفت الحق ونزّهته ووحّدته بالبراهين الواضحه. فمع ذلك فإن بعض الطوائف المعلوم من عقائدهم وكتبهم الالحاد لما فيهم من النصب الباطني قد فتحوا باب الطعن واللعن على الشيعة ونسبوا التابعين لأهل بيت العصمة الى الشرك والكفر وهذا وان كان في سوق أهل المعرفة لا يقوّم بشيء ولكن فيه مفسدة ان يبعّد الناس الناقصين والعوام الجاهلين عن معادن العلم ويسوقهم الى الجهل والشقاوة وهذه جناية عظيمة لنوع البشر لا يمكن جبرانها بوجه، فلهذه الجهة طبقا لموازين العقلية والشرعية يكون وزر هذه الجماعة القاصرة الجاهلة المسكينة وذنبها على الذين لم يراعوا الأنصاف ومنعوا نشر المعارف والأحكام الالهية لمنافع خيالية في أيام معدودة واوجبوا الشقاوة للنوع البشري وضيّعوا وأبطلوا جميع ما تحمّل خير البشر صلوات الله عليهم من التعب واغلقوا باب أهل بيت الوحي والتنزيل على الناس، اللهم العنهم لعنا وبيلا وعذبهم عذابا أليما.
قوله تعالى:" اهدنا الصراط المستقيم "الى آخر السورة:
اعلم ايها العزيز حيث ان في السورة الشريفة الحمد اشارة الى كيفية سلوك أرباب المعرفة والأرتياض والى اياك نعبد جميع كيفية السلوك من الخلق الى الحق فاذا ارتقى السالك من التجليات الأفعالية الى التجليات الصفاتية ومنها الى التجليات الذاتية وخرج من الحجب النورانية والظلمانية ووصل الى مقام الحضور والمشاهدة فحصلة له مرتبة الفناء التام واصابة الاستهلاك الكلي، فاذا تمّ السير الى الله بغروب أفق العبودية وطلوع سلطنة المالكية في مالك يوم الدين ففي منتهى هذا السلوك تصيبه حالة التمكن والأستقرار ويصحو السالك وتحصل له حالة الصحو ويتوجّه الى مقامه ولكن اتباع التوجّه الى الحق بعكس حال الرجوع الى الله الذي كان التوجه الى الحق فيه بتبع التوجه الى الخلق، وبعبارة اخرى في حال السلوك الى الله كان يرى الحق في الحجاب الخلقي وبعد الرجوع من مرتبة الفناء الكلي التي حصلة في مالك يوم الدين يرى الخلق في حجاب الحق، ومن هذه الجهة يقول اياك نعبد بتقديم ضمير ايّا وكاف الخطاب على ذاته وعبادته وحيث انه لا يمكن ألاّ يكون لهذه الحالة ثبات ويتصوّر في هذا المقام ايضا الزلّة فيطلب من الحق تعالى ثباته ولزومه بقوله اهدنا أي الزمنا كما في السر بهذا.
وليعلم أن هذا المقام الذي ذكر، والتفسير الذي بيّن انما هو للكمّل من أهل المعرفة الذين مقامهم الاول أنهم في مقام رجوعهم من السير الى الله يكون الحق تعالى حجابا لهم عن الخلق ومقام كمالهم هو حالة البرزخية الكبرى التي لا يكون الخلق فيها حجابا لهم من الحق كأمثالنا المحجوبوبين ولا الحق يكون حجابا لهم عن الخلق كالواصلين المشتاقين والفانين المجذوبين، فالصراط المستقيم لهم عبارة عن هذه الحالة البرزخية المتوسطة بين النشأتين وهي صراط الحق وبناء على هذا يكون المقصود من الذين أنعمت عليهم هؤلاء الذين قدر الحق تعالى في الحضرة العلمية بالتجلي بالفيض الاقدس استعدادهم وبعد الفناء الكلي أرجعهم الى مملكتهم ويكون المغضوب عليهم على هذا التفسير المحجوبين قبل الوصول والضالين هم الفانون في الحضرة واما غير الكمّل فإنهم إن لم يردوا في السلوك فهذه الامور في حقهم غير صحيحة وصراطهم صراط ظاهر الشريعة ولهذا فسّر الصراط المستقيم بالدين والاسلام وأمثالهما وإن كانوا من أهل السلوك فالمقصود من الهداية ومن الصراط المستقيم أقرب طرق الوصول الى الله وهو طريق رسول الله وأهل بيته كما فسّر برسول الله وأئمة الهدى وأمير المؤمنين ، وكما في الحديث ان رسول الله رسم خطا مستقيما ورسم في أطرافه خطوطا قال رسول الله هذا الخط الوسط المستقيم لي ولعل المراد من الامة الوسط في قوله تعالى: " وكذلك جعلناكم أمة وسطا "(البقرة - 143). الوسطية بقول مطلق وبجميع المعاني ومن جملتها الوسطية في جميع المعارف والكمالات الروحية وهي مقام البرزخية الكبرى والوسطية العظمى ولهذا يختص هذا المقام بالكمّل من أولياء الله، ولذا ورد في الرواية أن المقصود من هذه الآية أئمة الهدى كما قال الباقر ليزيد بن معاوية العجلي: " نحن الأمة الوسط ونحن شهداء الله تبارك وتعالى على خلقه " الحديث. وفي رواية اخرى " الينا يرجع الغالي وبنا يلحق المقصّر "وفي هذا الحديث اشارة الى ما ذكر.
تنبيه اشراقي واشراق عرفاني:
اعلم أيها الطالب للحق والحقيقة أن الحق تبارك وتعالى لما خلق نظام الوجود ومظاهر الغيب والشهود على حسب الحب الذاتي بالمعروفية في حضرة الأسماء والصفات بمقتضى الحديث الشريف: كنت كنزا مخفيّا فأحببت أن اعرف فخلقت الخلق لكي أعرف.. فأودع وأبدع في فطرة جميع الموجودات الحب الذاتي والعشق الجبلي، فجميع الموجودات بتلك الجذبة الالهية ونار العشق الرباني تتوجه الى الكمال المطلق وتطلب وتعشق الجميل على الاطلاق وجعل سبحانه لكل واحد منها نورا فطريا الهيا يجد بذلك النور طريق الوصول الى المقصد والمقصود، وهذه النار وهذا النور أحدهما رفرف الوصول والآخر براق العروج، ولعل براق رسول الله ورفرفه كانت رقيقة هذه اللطيفة وصورة ممثلة ملكية لهذه الحقيقة ولهذا أنزلت من الجنة التي هي باطن هذا العالم، وحيث أن الموجودات نزلت في مراتب التعينات وحجبت عن جمال الجميل المحبوب جلت عظمته فيخرجها الحق تعالى بهذه النار والنور عن حجب التعينات الظلمانية والانّيّات النورانية بالاسم المبارك الهادي الذي هو حقيقة هذه الرقائق ويوصلها الى المقصد الحقيقي وجوار محبوبها في أقرب الطرق، فذاك النور نور هداية الحق تعالى وتلك النار نار التوفيق الالهي، والسلوك في الطريق الاقرب هو الصراط المستقيم والحق تعالى على ذاك الصراط المستقيم ولعله تكون الاشارة الى هذه الهداية وهذا السير وهذا المقصد الآية الشريفة: " ما من دابة الا هو آخذ بناصيتها ان ربي على صراط مستقيم "(هود - 56) كما هو ظاهر لأهل المعرفة.
وليعلم أن لكل من الموجودات صراطا خاصّا به ونورا وهداية مخصوصا به والطرق الى الله بعدد أنفاس الخلائق، وحيث أن في كل تعيّن حجابا ظلمانيا وفي كل وجود وانيّة حجابا نورانيا، والانسان مجمع التعيّنات وجامع الموجودات فهو احجب الموجودات عن الحق تعالى ولعله الى هذا المعنى تشير الآية الكريمة: " ثم رددناه أسفل سافلين "(التين - 5) ومن هذه الجهة فصراط الانسان أطول الصرط وأظلمها، وأيضا حيث أن رب الانسان حضرة اسم الله الاعظم ونسبة الظاهر والباطن والاول والآخر والرحمة والقهر. وبكلمة أخيرة نسبة جميع الاسماء المنتقابلة له على السواء فلا بد أن يحصل لنفس الانسان في منتهى سيره مقام البرزخية الكبرى، ولهذه الجهة يكون صراطه أدق من جميع الصراط.
تنبيه ايماني:
كما ذكر وعلم ان للهداية على حسب أنواع سير السائرين ومراتب سلوك السالكين الى الله مقامات ومراتب ونحن نشير بطريق الاجمال الى بعض مقاماتها ليعلم في ضمنه الصراط المستقيم وصراط المفرطين. وصراط المفرِّطين الذين هم المغضوب عليهم ولا الضالون على حسب كل مرتبة من المراتب.
الاول: نور الهداية الفطري وقد أشير اليه في التنبية السابقة. فالصراط المستقيم في هذه المرتبة من الهداية عبارة عن السلوك الى الله بلا احتجاب بالحجب الملكية أو الملكوتية أو أنه السلوك الى الله بلا احتجاب بحجب المعاصي القالبية أو المعاصي القلبية أو أنه السلوك الى الله بلا احتجاب بالحجب النورانية أو الظلمانية، أو السلوك الى الله بلا احتجاب بحجب الوحدة أو الكثرة ولعل آية: " يضل من يشاء ويهدي من يشاء "(فاطر - 8) تشير الى هذه المرتبة من الهداية والاحتجاب التي قدرت في حضرة القدر وهي عندنا عبارة عن مرتبة الواحدية بالتجلي بحضرات الأعيان الثابتة، وتفصيله خارج عن مجال هذه الرسالة بل عن نطاق التحرير والبيان وهو سرّ من أسرار الله وستر من استار الله.
الثاني: الهداية بنور القرآن وفي مقابله الغلوّ والتقصير عن معرفته أو الوقوف على الظاهر والوقوف على الباطن، كما أن بعض أهل الظاهر يرون أن علوم القرآن عبارة عن المعاني العرفية العامية والمفاهيم السوقية والوضعية ولهذه العقيدة لا يتفكرون في القرآن ولا يتدبرونه، واستفادتهم من هذه الصحيفة النورانية المتكفّلة لجميع السعادات الروحية والجسمية والقلبية والقالبية منحصرة بالمقررات الصورية الظاهرية، والآيات الكثيرة الدالة على أن التدبّر والتذكّر لازم أو راجح ويفتح أبوابا من المعرفة بالاستنارة بنور القرآن يجعلونها وراء ظهورهم فكأن القرآن نزل للدعوة الى الدنيا ومستلذاتها الحيوانية وتأكيد المقام الحيواني والشهوات البهيمية.
وبعض أهل الباطن اتباعا لظنونهم ينصرفون عن ظاهر القرآن ودعواته الصورية التي هي برنامج التأدّب بآداب المحضر الالهي وكيفية السلوك الى الله وهم عنها غافلون وينحرفون عن ظاهر القرآن بتلبيسات ابليس اللعين والنفس الأمارة بالسوء ويتشبّثون بزعمهم بالعلوم الباطنية مع أن طريق الوصول الى الباطن بالتأدب بالظاهر فهاتان الطائفتان خارجتان عن جادة الاعتدال ومحرومتان من نور الهداية الى الصراط المستقيم القرآني ومنسوبتان الى الافراط والتفريط ولكن العالم المحقق والعارف المدقق يقوم بالظاهر والباطن ويتأدب بالآداب الصورية والمعنوية، فكما أنه ينوّر الظاهر بنور القرآن ينوّر الباطن أيضا بأنوار معارفه وتوحيده وتجريده.
فليعلم أهل الظاهر أن قصر القرآن على الاداب الصورية الظاهرية ونبذة من الوظائف العملية والأخلاقية والعقائد العامية في باب التوحيد والأسماء والصفات انكار لحق القرآن واعتقاد النقص في الشريعة الختمية التي لا بد أن يتصوّر أكمل منها والا تكون خاتميته في سنّة العدل محالا، فحيث أن هذه الشريعة خاتمة الشرائع والقرآن خاتم الكتب النازلة والرابطة الأخيرة بين الخالق والمخلوق، فلا بد أن يكون في حقائق التوحيد والتجريد والمعارف الالهية التي هي المقصد الاصلي والغاية الذاتية للأديان والشرائع والكتب النازلة الالهية، في المرتبة النهائية ومنتهى أوج الكمال والا يلزم النقص في الشريعة وهو خلاف العدل الالهي واللطف الربوبي وهذا بنفسه محال فضيح وعار قبيح لا تغسل وَسْمَةَ عاره عن وجه الأديان الحقّة بسبعة أبحر والعياذ بالله.
وليعلم أهل الباطن أن الوصول الى المقصد الأصلي والغاية الحقيقية لا يمكن الا بتطهير الظاهر والباطن، وبدون التشبّث بالصورة والظاهر لا يمكن الوصول الى اللبّ والباطن، وبدون التلبّس بلباس ظاهر الشريعة لا يوجد الطريق الى الباطن، ففي ترك الظاهر ابطال لظاهر الشريعة وباطنها وهذا من تلبيسات شياطين الجن والانس، وقد ذكرنا نبذة من هذا المطلب في كتاب شرح أربعين حديثا.
الثالث: الهداية بنور الشريعة.
الرابع: الهداية بنور الاسلام.
الخامس: الهداية بنور الايمان.
السادس: الهداية بنور اليقين.
السابع: الهداية بنور العرفان.
الثامن: الهداية بنور المحبة.
التاسع: الهداية بنور الولاية.
العاشر: الهداية بنور التجريد والتوحيد، ولكل منها طرفان: افراط وتفريط وغلوّ وتقصير، وتفصيلها موجب للتطويل ولعله الى بعضها أو الى جميعها يشير الحديث الشريف للكافي:"نحن آل محمد النمط الأوسط الذي لا يدركنا الغالي ولا يسبقنا التالي ". وفي الحديث النبوي " خير هذه الأمة النمط الأوسط يلحق بهم التالي ويرجع اليهم الغالي ".
تنبيه عرفاني:
اعلم أن لكل من موجودات عوالم الغيب والشهادة والدنيا والاخرة مبدأ ومعادا وان كان مبدأ الكل ومرجعه الهوية الالهية ولكن حيث إنه ليس للذات المقدسة جلا وعلا من حيث هو بلا حجاب الاسماء تجلّ للموجودات العالية والسافلة وبحسب هذا المقام اللامقامي لا اسم له ولا رسم وغير متصف بالأسماء الذاتية والصفاتية والأفعالية وليس لأحد من الموجودات معه تناسب ولا ارتباط ولا اختلاط، أين التراب ورب الأرباب، كما ذكرت تفصيل هذه اللطيفة مستقصى في كتاب مصباح الهداية فمبدأ ذاته المقدسة ومصدريتها في الحجب الأسمائية والأسم عين الحال انه نفس المسمّى فهو حجابه ايضا، فالتجلي في عوالم الغيب والشهادة على حسب الأسماء وفي حجابها، فمن هذه الجهة للذات المقدسة وفي جلوات الأسماء والصفات تجليات في الحضرة العلمية يسمي أهل المعرفة تعيناتها بالأعيان الثابتة فبناء على هذا يلزم لكل تجلّ اسمي في الحضرة العلمية عين ثابت ولكل اسم بتعيّنه العلمي مظهر في النشأة الخارجية ومبدأ هذا المظهر ومرجعه الى الأسم الذي يناسبه ورجوع كل الموجودات من عالم الكثرة الى غيب الاسم الذي هو مصدره ومبدؤه عبارة عن الصراط المستقيم له، فلكلٍ سير وصراط مخصوص ومبدأ ومرجع مقدر في الحضرة العلمية طوعا أو كرها، واختلاف المظاهر والصرط باختلاف الظاهر وحضرات الاسماء.
وليعلم أن تقويم الانسان في أعلى علّيّين للجمع الاسمائي، فلهذه الجهة رد الى أسفل السافلين ويشرع صراطه في أسفل السافلين ويختم بأعلى عليين وهذا صراط الذين أنعم الله عليهم بالنعمة المطلقة وهي نعمة كمال الجمع الاسمائي التي هي أعلى النعم الالهية، والصراط الأخر سواء أكان صراط السعداء والمنعم عليهم أو صراط الأشقياء، فبمقدار نقصانة من فيض النعمة المطلقة داخل في أحد الطرفي الافراط والتفريط فصراط الانسان الكامل فقط صراط المنعم عليهم بقول مطلق، وهذا الصراط بالأصالة مختص بالذات المقدسة للنبي الخاتم وثابت لسائر الأولياء والأنبياء بالتبعية، وفهم هذا الكلام مع أن النبي الأكرم هو الخاتم للنبيين يحتاج الى فهم حضرات الاسماء والاعيان وكفيله رسالة مصباح الهداية، والله الهادي الى سبيل الرشاد.
نسألكم الدعاء لنا ولوالدينا

توقيع سليلة حيدرة الكرار

تركت الخلق طـراً في هـواك
وأيتمت العيــال لــكي أراك
فلـو قطعتني في الحب إربــا
لمـا مـال الفــؤاد إلى سواك




سليلة حيدرة الكرار
الصورة الرمزية سليلة حيدرة الكرار
مشرفة
رقم العضوية : 3576
الإنتساب : Jan 2009
الدولة : جنة الإمام الحسين عليه السلام
المشاركات : 3,167
بمعدل : 0.57 يوميا
النقاط : 311
المستوى : سليلة حيدرة الكرار is on a distinguished road

سليلة حيدرة الكرار غير متواجد حالياً عرض البوم صور سليلة حيدرة الكرار



  مشاركة رقم : 8  
كاتب الموضوع : سليلة حيدرة الكرار المنتدى : ميزان السلوك إلى الله وطرق العرفان"> ميزان السلوك إلى الله وطرق العرفان
افتراضي
قديم بتاريخ : 22-Jul-2013 الساعة : 02:56 PM

اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم


السلام على جوهرة العصمة وفريدة الرحمة سيدتنا وولاتنا الزهراء وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم بظهور قائمهم والعن أعدائهم لعنة دائمة إلى يوم الدين


نقل كلام زيادة في الأفهام:
قال الشيخ الجليل البهائي (هو شيخ الاسلام والمسلمين محمد بن الحسين بن عبدالصمد الجبعي العاملي الحارثي قال صاحب السلافة في حقه ما ملخّصه هو علامة البشر ومجدّد دين الائمة على رأس القرن الحادي عشر اليه انتهت رئاسة المذهب والملة الى أن قال مولده بعلبك عند غروب الشمس يوم الاربعاء لثلاث عشر بقين من ذي الحجة سنة 953 (ظنج) وانتقل به والده وهو صغير الى الديار العجمية فنشأ في حجرة الاقطار المحمية وأخذ عن والده وغيره من الجهابذ حتى أذعن له كل مناضل ومنابذ. فلما أشتد كاهله وصفت له من العلم مناهله ولي بها شيخ الاسلام وفوّضت اليه امور الشريعة على صاحبها الصلاة والسلام ولم يزل آنفا من الانحياز الى السلطان راغبا في العزلة عازفا عن الاوطان يؤمل العود الى السياحة ويرجو الاقلاع من تلك الساحة فلم يقدر له حتى وافاه حِمامه وترنّم على أفنان الجنان حَمامه وأخبرني بعض ثقاة الاصحاب ان الشيخ (ره) قصد قبل وفاته زيارة المقابر في جمع من الاجلاء الاكابر فما استقرّ بهم الجلوس حتى قال لمن معه اني سمعت شيئا فهل فيكم من سمعه؟ فأنكروا سؤاله واستغربوا مقاله وسألوه عما سمعه فأوهم وعمى في جوابه ثم رجع الى داره فأغلق بابه فلم يلبث أن اصاب داعي الردى فأجابه وكانت وفاته لاثنتي عشرة خلون من شوال المكرّم سنة 1031 (غلا) باصبهان ونقل قبل دفنه الى طوس فدفن بها في داره قريبا من الحضرة الرضوية على صاحبها أفضل الصلاة والسلام والتحية (انتهى).
حكي عن المجلس الاول قال في ترجمة استاذه الشيخ بهاء الدين انه سمع قبل وفاته بستة أشهر صوتا من قبر بابا ركن الدين وكنت قريبا منه فنظر الينا وقال سمعتم ذلك الصوت؟ فقلنا: لا. فاشتغل بالبكاء والتضرّع والتوجّه الى الآخرة وبعد المبالغة العظيمة قال اني اُخبرت باستعداد الموت وبعد ذلك بستة أشهر تقريبا توفي وتشرفت بالصلاة عليه مع جميع الطلبة والفضلاء وكثير من الناس يقربون من خمسين ألفا (انتهى).
له مصنفات فائقة مشهورة أكثرها مطبوعة. منها: حبل المتين وشرق الشمسين والاربعين والجامع العباسي والكشكول والمخلاة والعروة الوثقى ونان وحلوا والزبدة والصمدية وخلاصة الحساب وتشريح الافلاك والرسالة الهلالية ومفتاح الفلاح. وهذه الكتب كلها مطبوعة في ايران.) قدس سره في رسالة العروة الوثقى (لم تكن الرسالة موجودة عندي. وما ذكرته ترجمة المؤلف دام ظله من رسالة العروة الوثقى) ان نعم الله سبحانه وان كانت أجلّ من أن تحصى كما قال الحق تعالى: " وان تعدّوا نعمة الله لا تحصوها "(ابراهيم - 34) لكنها جنسان النعم الدنيوية والاخروية وكل منهما اما وهبي او كسبي، وكل منهما اما روحاني او جسماني فالمجموع ثمانية أقسام:

الأول: الدنيوي الوهبي الروحاني كنفخ الروح وإفاضة العقل والفهم.
الثاني: الدنيوي الوهبي الجسماني مثل خلق الأعضاء وقواها.
الثالث: الدنيوي الكسبي الروحاني كتخلية النفس من الأمور الدنية وتحليتها بالخلق الذكية والملكات العالية.
الرابع: الدنيوي الكسبي الجسماني كالتزيّن بالهيئة الحميدة والحليّ الحسنة.
الخامس: الأخروي الوهبي الروحاني كأن يغفر الله ذنوبنا ويرضى عنّا من تاب سابقا (عبارة الشيخ في هذا المثال ما ذكر والظاهر أنه وقع سهو من الناسخ ولعل الصحيح ان الله يغفر لنا من دون سبق التوبة. فراجع...).
السادس: الأخروي الوهبي الجسماني كأنهار من لبن وعسل.
السابع: الأخروي الكسبي الروحاني كالمغفرة والرضوان مع سبق التوبة وكاللذات الروحانية التي استجلبت بفعل الطاعات.
الثامن: الأخروي الكسبي الجسماني، كاللذات الجسمانية التي استجلبت لفعل الطاعات، والمراد من النعمة هنا الأقسام الأربعة الأخيرة وما يكون وسيلة للبلوغ الى هذه الأقسام الأربعة من الأقسام الأربعة الأول.. انتهت ترجمة الشيخ قدس سره.
وهذه التقسيمات للشيخ وان كانت لطيفة ولكن الاهم من النعم الالهية وأعظم مقصد الكتاب الشريف الالهي قد سقط من قلم الشيخ الجليل واكتفى فقط بنعم الناقصين أو المتوسطين، وفي كلامه قدس سره، وان جرى ذكر من اللذة الروحانية ولكن اللذة الروحانية الأخروية التي استجلبت بفعل الطاعات حظ المتوسطين ان لم نقل بأنها حظ الناقصين، وبالجملة غير ماذكره الشيخ الجليل الراجع الى اللذات الحيوانية والحظوظ النفسانية نعم أخرى وعمدتها ثلاث:
الأولى: نعمة معرفة الذات والتوحيد الذاتي التي أصلها السلوك الى الله ونتيجتها جنة اللقاء، واذا كان السالك نظر الى النتيجة ففي السلوك نقصان لأن هذا المقام ترك النفس ولذاتها والتوجه الى حصول النتيجة توجه الى النفس وهذا هو عبادة للنفس لا لله وتكثير لا توحيد وتلبيس لا تجريد.
الثانية: نعمة معرفة الاسماء وهذه النعمة تتشعب على حسب الكثرة الاسمائية، فإن حسبت مفرداتها فألف وان حسبت بالتركيب من الاسمين أو الاسماء فخارجة عن حد الاحصاء " وان تعدّوا نعمة الله لا تحصوها " (ابراهيم - 34) والتوحيد الاسمائي في هذا المقام نعمة معرفة الاسم الاعظم الذي هو مقام أحدية جمع الاسماء، ونتيجة معرفة الاسماء جنة الاسماء لكل على مقدار معرفة اسم أو اسماء فردا أو جمعا.
الثالثة: نعمة معرفة الافعال، ولهذه ايضا شعب كثيرة غير متناهية ومقام التوحيد في هذه المرتبة هو أحدية جمع التجليات الفعلية التي هي مقام الفيض الاقدس ومقام الولاية المطلقة ونتيجتها جنة الافعال التي هي تجليات أفعالية للحق تعالى لقلب السالك، ولعل التجلي لموسى بن عمران في بدء الأمر اذ قال: " انست نارا "(طه - 10) كان بالتجلي الافعالي والتجلي الذي اليه الاشارة في قوله تعالى: " فلما تجلّى ربه للجبل جعله دكّا وخرّ موسى صعقا "(الأعراف - 143). كان تجليا اسمائيا او ذاتيا فصراط المنعم عليهم في المقام الاول صراط السلوك الى ذات الله والنعمة في ذلك المقام التجلي الذاتي. وفي المقام الثاني صراط السلوك الى اسماء الله، والنعمة في ذلك المقام التجليات الاسمائية وفي المقام الثالث السلوك الى فعل الله و نعمته التجلي الافعالي، سواء أكانت روحانية أو جسمانية كما أثبت هذا المقام في الروايات لبعض المؤمنين أيضا.
خاتمة:
اعلم ان السورة المباركة الحمد كما أنها مشتمله على جميع مراتب الوجود، كذلك هي مشتملة على جميع مراتب السلوك، ومشتملة بطريق الاشارة على جميع مقاصد القرآن. والغور في هذه المطالب وان كان يحتاج الى بسط تام ومنطق غير هذا المنطق، ولكن الاشارة الى كل واحد منها لا تخلو من فائدة بل فوائد لأصحاب المعرفة واليقين.
فنقول في المقام الاول: أنه يمكن ان يكون بسم الله الرحمن الرحيم اشارة الى دائرة الوجود بتمامها وقوس النزول والصعود، فاسم الله مقام أحدية القبض والبسط والرحمن مقام البسط والظهور وهو قوس النزول. والرحيم مقام القبض والبطون وهو قوس الصعود.
والحمد لله يمكن ان يكون اشارة الى عالم الجبروت والملكوت الأعلى التي حقائقها المحامد المطلقه.
ورب العالمين بمناسبة التربية وبمناسبة العالمين التي هي مقام السوائية والغيرية يمكن أن يكون اشارة الى عوالم الطبيعة التي بجوهر ذاتها متحركة ومتصرمة وتحت التربية. ومالك يوم الدين اشارة الى مقام الوحدة والقهارية ورجوع دائرة الوجود.
والى هنا يختتم دائرة الوجود بتمامها نزولا وصعودا.
ونقول في المقام الثاني: أن الاستعاذة وهي مستحبة لعلها اشارة الى ترك غير الحق والفرار من السلطنة الشيطانية. وحيث أن هذه مقدمة المقامات لا جزءها لأن التخليه مقدمه للتحليه وليست بالذات من المقامات الكماليه، ولهذه ليست الاستعاذه جزءا للسورة بل مقدمه للدخول فيها.
والتسمية لعلها اشارة الى مقام التوحيد الفعلي والذاتي والجمع بينهما.
والحمد لله رب العالمين لعلّها اشاره الى التوحيد الفعلى.
ومالك يوم الدين اشاره الى الفناء التام والتوحيد الذاتي، ومن اياك نعبد تشرع حالة الصحو والرجوع.
وبعبارة أخرى الاستعاذة هي السفر من الخلق الى الحق والخروج من بيت النفس، والتسمية اشارة الى التحقق بالحقانية بعد الخلع عن الخلقيه وعالم الكثرة.
والحمد الى رب العالمين اشارة الى السفر من الحق الى الحق في الحق.
وفي مالك يوم الدين يتم هذا السفر.
ونقول في المقام الثالث: ان هذه السورة الشريفة مشتملة على عمدة المقاصد الالهية في القرآن الشريف لأن أصل مقاصد القرآن هو تكميل معرفة الله وتحصيل التوحيدات الثلاثة والرابطة فيما بين الحق والخلق، وكيفية السلوك الى الله، وكيفية رجوع الرقائق الى حقيقية الحقائق، وتعريف التجليات الالهية جمعا وتفصيلا وفردا وتركيبا، وإرشاد الخلق سلوكا وتحققا، وتعليم العباد علما وعملا وعرفانا وشهودا. وجميع هذه الحقائق موجودة في هذه السورة الشريفة فاتحة الكتاب وام الكتاب وصوره اجمالية عن مقاصد القرآن الكريم وحيث ان جميع مقاصد الكتاب الالهي ترجع الى مقصد واحد وهو حقيقة التوحيد التى هي غاية النبوات ونهاية مقاصد الانبياء العظام .
فحقائق التوحيد وسرائره منطوية في الآية المباركة بسم الله الرحمن الرحيم، فهذه الآية الشريفة أعظم الآيات الالهية ومشتملة على جميع مقاصد الكتاب الالهي كما ورد فى الحديث الشريف وحيث ان الباء ظهور التوحيد ونقطة تحت الباء سرّه فجميع الكتاب ظهورا وسرا موجودة فيها، والانسان الكامل يعني الوجود العلوي المبارك عليه الصلاة والسلام هو نقطة سرالتوحيد وليست في العالم آية أكبر من ذلك الوجود المبارك بعد الرسول الخاتم كما ورد في الحديث الشريف.
تتمه:
في ذكربعض الروايات الشريفة التي وردت في فضل هذه السورة المباركة:
منها ما روي عن النبي أنه قال لجابر بن عبد الله الانصاري رضي الله عنه (جابر بن عبدالله بن عمرو بن خزام الانصاري. صحابي جليل القدر وانقطاعه الى أهل البيت وجلالته أشهر من أن يذكر. مات سنة 78 (عح) حكي عن أسد الغابة أنه قال في جابر (رض) انه شهد مع النبي ثمان عشرة غزوة وشهد صفين مع علي بن أبي طالب وعميَ في آخر عمره وكان يحفي شاربه وكان يخضب بالصفرة وهو اخر من مات بالمدينة ممن شهد القعبة الى أن قال وكان من المكثرين للحديث الحافظين للسنن (انتهى). قال العلامة النوري في المستدرك في ترجمة جابر الانصاري هو من السابقين الأولين الذين رجعوا الى أمير المؤمنين وحامل سلام رسول الله الى باقر علوم الأولين والأخرين وأول من زار أبى عبدالله الحسين في يوم الأربعين المنتهي اليه سند أخبار اللوح السّمائي الذي فيه نصوص من الله رب العالمين على خلافة الأئمة الراشدين الفائز بزيارته من بين جميع الصحابة عند سيدة نساء العالمين وله بعد ذلك مناقب اخرى وفضائل لا تحصى (انتهى).) " يا جابر، ألا أعلّمك أفضل سورة أنزلها الله في كتابه؟ فقال جابر: بلى بأبي أنت وأمي يا رسول الله علّمنيها. قال: فعلّمه الحمد أم الكتاب ثم قال: يا جابر، ألا أخبرك عنها؟ قال: بلى بأبي أنت وأمي يارسول الله أخبرني. قال: هي شفاء من كـل داء الا السأم".
وعن أبن عباس قال: قال رسول الله : " لكل شيء أساس وأساس القرآن الفاتحة وأساس الفاتحة بسم الله الرحمن الرحيم "وعنه " فاتحة الكتاب شفاء من كل داء ". وعن الصادق : " من لم تبرئه الحمد لم يبرئه شىء ".
وعن أمير المؤمنبن انه قال، قال رسول الله : " ان الله تعالى قال لي يا محمد ولقد آتيناك سبعا من المثاني والقرآن العظيم فأفرد الامتنان عليّ بفاتحة الكتاب وجعلها بازاء القرآن وان فاتحة الكتاب أشرف ما في كنوز العرش وان الله خصّ محمدا وشرّفه بها ولم يشرك فيها احدا من انبيائه ما خلا سليمان فإنه اعطاه منها بسم الله الرحمن الرحيم. ألا تراه يحكي عن بلقيس حين قالت إنّي ألقيَ إليّ كتاب كريم إنّه من سليمان وإنّه بسم الله الرحمن الرحيم، ألا فمن قرأها معتقدا لموالاة محمد وآله منقادا لأمرها مؤمنا بظاهرها وباطنها اعطاه الله بكل حرف منها حسنه كل واحدة منها افضل له من الدنيا بما فيها من اصناف أموالها وخيراتها ومن استمع الى قارىء يقرؤها كان له قدر ثلث ما للقارىء فليستكثر أحدكم من هذا الخير المعرّض له فإنه غنيمة لا يذهبنّ أوانه فتبقى في قلوبكم حسرة ".
وعن الصادق :" لو قرأت الحمد على ميّت سبعين مرة ثم ردّت فيه الروح ما كان عجيبا " وعن رسول الله قال: " أيّما مسلم قرأ فاتحة الكتاب أعطي من الاجر كأنّما قرأ ثلثي القرآن وأعطي من الاجر كأنما تصدّق على كل مؤمن ومؤمنة ". وروى هذا الخبر بعينه من طريق آخر الا أنه قال " كأنما قرأ القرآن ". وروي عن أبيّ ابن كعب (أبيّ بن كعب صحابي شهد العقبة مع السبعين وكان يكتب الوحي شهد بدرا والعقبة الثانية وبايع رسول الله وكان من الاثني عشر الذين أنكروا على أبي بكر خلافته وأرادوا تنزيله عن ممبر رسول الله وكفى في فضله وجلالته ان الصادق ينقل الحديث عنه كما في مصباح الشريعة أن الصادق قال حسن الظن أصله من حسن ايمان المرء وسلامة صدره الى أن قال قال أبيّ بن كعب اذا رأيتم أحد اخوانكم في خصلة تستنكرونها منه فتأوّلوا لها سبعين تأويلا فإن اطمأنت قلوبكم على أحدها والا فلوموا أنفسكم حيث لم تعذروه في خصلة سترها عليه سبعين تأويلا وأنتم أولى بالأنكار على أنفسكم.) قال:" قرأت على رسول الله فاتحة الكتاب فقال: والذي نفسي بيده ما أنزل الله في التوراة ولا في الانجيل ولا في الزبور ولا في القرآن مثلها هي أمّ الكتاب وهي السبع المثاني وهي مقسومة بين الله وعبده ولعبده ما سأل ". وعن حذيفة بن يمان (حذيفة بن اليمان العنسي من أصحاب رسول الله أحد الأركان الأربعة سكن الكوفة ومات بالمدائن وعن أسد الغابة أنه كان صاحب سرّ رسول الله بالمنافقين لم يعلمهم أحد الا حذيفة أعلمه بهم رسول الله (انتهى). قتل أبوه في أحد قتله المسلمون خطأ يحسبونه من العدو وحذيفة يصيح بهم فلم يفقهوا قوله حتى قتل فلما رأى حذيفه أن أباه قد قتل أسغفر للمسلمين فقال: يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين. فبلغ ذلك رسول الله فزاده عنده خيرا وحكي أن له درجة العلم بالسنّة وعن العلامة الطباطبائي أنه يستفاد من بعض الأخبار أن له درجة العلم بالكتاب ايضا وقال ايضا وعند الفريقين انه كان يعرف المنافقين بأعيانهم وأشخاصهم. عرفهم لليلة العقبة حين أرادوا أن ينفروا ناقة رسول الله في منصرفهم من تبوك وكان حذيفة تلك الليلة قد أخذ بزمام الناقة ويقودها وكان عمار من خلف الناقة يسوقها. وتوفي في المدائن بعد خلافة أمير المؤمنين (ع) بأربعين يوما سنة ست وثلاثين وأوصى أبنيه صفواناً وسعيداً بلزوم أمير المؤمنين واتباعه فكانا معه بصفين وقتلا بين يديه وفي أمالي الشيخ الصدوق (ره) عن الثمالي قال: دعا حذيفة بن اليمان ابنه عند موته فأوصى اليه وقال: يا بني أظهر اليأس عما في أيدي الناس فإن فيه الغنى واياك وطلب الحاجات الى الناس فإنه فقر حاضر وكن اليوم خيرا منك أمس واذا أنت صليت فصلّ صلاة مودّع للدنيا كأنك لا ترجع واياك وما يُعتذر منه.) رضي الله عنه أن رسول الله قال:" ان الله تعالى يرسل العذاب الحتم المقضي الى قوم فيقرأ صبّي من صبيانهم في الكتاب الحمد لله رب العالمين فلما سمع الله يرفع العذاب عنهم أربعين سنة " وعن ابن عباس1 (عبدالله بن العباس بن عبد المطلب أمه لبانة بنت الحرث بن الحزن أخت ميمونة زوج النبي قال العلامة كان محبا لعلي (ع) وتلميذه، حاله في الجلالة والاخلاص لأمير المؤمنين أشهر من أن يخفى وقد ذكر الكشي أحاديث تتضمن قدحا فيه وهو أجلّ من ذلك وقد ذكرناه في كتابنا الكبير وأجبنا عنه (انتهى). ذكروا أنه ولد بمكة قبل الهجرة بثلاث سنين ودعا له النبي بالفقه والتأويل وكان حبر هذه الأمة وترجمان القرآن وكان عمر يقربه ويشاوره مع جملة الصحابة كف بصره في أواخر عمره وتوفي بالطائف سنة 68 (سح) وله تفسير مطبوع وابنه أبو محمد علي بن عبدالله بن العباس جدّ السفاح والمنصور كان شريفا وكان أصغر أولاد أبيه روي أنه لما ولد أخرجه أبوه الى أمير المؤمنين فحنكه ودعا له ثم ردّه اليه وقال خذ اليك أبا الأملاك قد سميته عليا وكنيته أبا الحسن.) قال: " بينما رسول الله جالس وعنده جبرائيل اذ سمع نقيضا - يعني صوتا - فرفع رأسه فاذا باب من السماء قد فتح فنزل عليه ملك وقال: ان الله يبشّرك بنورين لم يعطهما نبيّا قبلك: فاتحة الكتاب وخواتيم سورة البقرة لا يقرأهما أحد الا أعطيته حاجته " (هذه الرواية ذكرها في المجمع وقد أشار إليها المؤلف دام ظله بأنها قريبة المضمون للرواية التي ذكر ترجمتها المؤلف في الأصل.
لفت نظر: ما ذكرته في صفحة 402 من الرواية عن باقر ترجمة لما ذكره المؤلف دام ظله واليك نصّ الحديث روى المحدث المجلسي في البحار عن كشف الغمة للعالم علي بن عيسى الأربلي قال جعفر () فَقَدَ أبي بغلة له فقال لئِن ردّها الله تعالى لأحمدنّه بمحامد يرضاها فما لبث أن أُتي بها بسرجها ولجامها فلما استوى عليها وضمّ اليه ثيابه رفع رأسه الى السماء فقال الحمد لله فلم يزد ثم قال ما تركت ولا بقيت شيئا جعلت كل أنواع المحامد لله عز وجل فما من حمد الاّ وهو داخل في ما قلت.
أقول: قد علق على الرواية في الطبع الجديد للبحار أنه أخرج ذلك ابن طلحة في مطالب السؤول ص80 وابو نعيم في الحلية ج 3 ص186 بتفاوت. ولعل المؤلف أخذها عن غير الاربلي كما هو ظاهر).
نسألكم الدعاء لنا ولوالدينا

توقيع سليلة حيدرة الكرار

تركت الخلق طـراً في هـواك
وأيتمت العيــال لــكي أراك
فلـو قطعتني في الحب إربــا
لمـا مـال الفــؤاد إلى سواك



إضافة رد


أدوات الموضوع ابحث في الموضوع
ابحث في الموضوع:

بحث متقدم

ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة


 

 


المواضيع والمشاركات التي تطرح في منتديات موقع الميزان لا تعبر عن رأي المنتدى وإنما تعبر عن رأي كاتبيها فقط
إدارة موقع الميزان
Powered by vBulletin Copyright © 2017 vBulletin Solutions, Inc