عقيدتنا في الأصول - منتديات موقع الميزان
موقع الميزان السلام عليك أيتها الصدِّيقة الشهيدة يا زهراء السيد جعفر مرتضى العاملي
يا مُمْتَحَنَةُ امْتَحَنَكِ اللهُ الَّذي خَلَقَكِ قَبْلَ اَنْ يَخْلُقَكِ، فَوَجَدَكِ لِمَا امْتَحَنَكِ صابِرَةً، وَزَعَمْنا اَنّا لَكِ اَوْلِياءُ وَمُصَدِّقُونَ وَصابِرُونَ لِكُلِّ ما اَتانا بِهِ اَبُوكِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَاَتى بِهِ وَصِيُّهُ، فَاِنّا نَسْأَلُكِ اِنْ كُنّا صَدَّقْناكِ إلاّ اَلْحَقْتِنا بِتَصْديقِنا لَهُما لِنُبَشِّرَ اَنْفُسَنا بِاَنّا قَدْ طَهُرْنا بِوَلايَتِكِ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ * ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ * صَدَقَ اللّهُ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ – منتديات موقع الميزان للدفاع عن الصدِّيقة الشهيدة فاطمة الزهراء صلوات الله عليها – منهاجنا الحوار الهادف والهادئ بعيداً عن الشتم والذم والتجريح ولا نسمح لأحد بالتعرض للآخرين وخصوصاً سب الصحابة أو لعنهم وهذا منهاج مراجعنا العظام والعلماء الأعلام حفظ الله الأحياء منهم ورحم الماضين
 
اضغط هنا
اضغط هنا اضغط هنا اضغط هنا
اضغط هنا
عداد الزوار
العودة   منتديات موقع الميزان .: القرآن الكريم والعترة الطاهرة صلوات الله عليهم :. ميزان الثقلين القرآن الكريم والعترة الطاهرة عليهم السلام
ميزان الثقلين القرآن الكريم والعترة الطاهرة عليهم السلام ميزان الثقلين القرآن الكريم والعترة الطاهرة عليهم السلام
منوعات قائمة الأعضاء مشاركات اليوم البحث

إضافة رد
كاتب الموضوع خادمة العباس (ع) مشاركات 35 الزيارات 13502 انشر الموضوع
   
أدوات الموضوع ابحث في الموضوع

خادمة العباس (ع)
الصورة الرمزية خادمة العباس (ع)
عضو دائم

رقم العضوية : 516
الإنتساب : Oct 2007
الدولة : مدينة الرسول الأعظم عليه السلام
المشاركات : 1,304
بمعدل : 0.22 يوميا
النقاط : 253
المستوى : خادمة العباس (ع) is on a distinguished road

خادمة العباس (ع) غير متواجد حالياً عرض البوم صور خادمة العباس (ع)



  مشاركة رقم : 1  
المنتدى : ميزان الثقلين القرآن الكريم والعترة الطاهرة عليهم السلام
Post عقيدتنا في الأصول
قديم بتاريخ : 05-Dec-2007 الساعة : 10:19 PM

اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم


اللهم صلى على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وأهلك أعداهم

بسم الله الرحمن الرحيم

سوف نقوم البحث عن عقيدتنا في أصول الدين أنا وأختي منتظرة المهدي ومن أراد مشاكتنا في ذلك


عقائدنا هي الأصول الخمسة التي يقوم عليها الدين الإسلامي الحنيف، والأركان الحقة التي (نشيّد عليها إيماننا) وفطرة الله التي فطر الناس عليها ولا يقبل عملاً بغيرها، وهي المعارف الإلهية التي تقرب إلى الله زلفى وتوجب الجنة في العقبى..

هي (التوحيد، والعدل، والنبوة، والإمامة، والمعاد)، بمعنى إننا نشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولا نظير، له الأسماء الحسنى والصفات العليا، صفاته عين ذاته واحد أحد، فرد صمد ولا حول ولا قوة إلا به وهو على كل شيء قدير.

ونشهد أن محمداً عبده المصطفى ورسوله المرتضى أشرف الخلق أجمعين وخاتم الرسل والنبيين جاء مصدقاً لما بين يديه من الكتب والمرسلين. وأن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وسيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء وأبناءهما الأئمة المعصومين () حجج الله على الخلق وأولوا الأمر الذين آتاهم الله ما لم يؤتِ أحداً من العالمين.. بهم تتولى ومن أعدائهم نتبرأ ولهم نسلم وقد صدقوا في كل ما جاؤوا به عن الله تعالى من الأصول والفروع وغيرها في الدنيا والآخرة وما بينهما، كما حق ما أخبروا به عن المبدأ والمعاد وأمور الكون والكائنات من قبل المولى القدير. أما الدليل فهو الكتاب الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه والسنة المطهرة والعقل السليم والفطرة الخالصة.


وأول مانتطرق إليه التوحيد



أولاً: بيان عقيدتنا في التوحيد

حينما نريد أن ندخل حلبة الصراع مع القوى المعارضة لفكرتنا لابد أن نعرف ما هو الموضوع الذي نريد أن نقدم له الدليل وندافع عنه؟ وما هي العقيدة التي نؤمن بها؟ وما هي أسس التوحيد وعقيدة التوحيد لدينا؟ ولكي نكون على وضوحٍ تام لابد أن نستند إلى خلفية فكرية صلبة نقف عليها وندافع عنها دفاع المعتنق المبدئي الذي يعانق عقيدته بقوة ويدافع عنها، وأيضاً يدفع عنها الشبهات والاتهامات ويضحي من أجلها إذن فنحن نعتقد عقلياً بضرورة معرفة أبعاد فكرة التوحيد ولو بمستوى مناسب لهذا البحث.

والدافع العقلي هذا هو المحقق لمعرفتنا تلك فمن ناحية يجب أن نقدم الشكر للخالق والمالك والمدبر الذي مهّد لنا السبيل لحسن الاستفادة من الطبيعة أمطارها وهوائها ومن الحيوانات والنباتات بل من أجهزة الإنسان الداخلية فقد قال سبحانه:

(لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم). [سورة التين: الآية 4].

وأمرنا بالنظر والاعتبار للتوصل إلى معرفته حق المعرفة ومن ناحية أخرى ندرك أن العقل يأمرنا بدفع الضرر عن أنفسنا فكل إنسان عاقل يؤمن بضرورة دفع الضرر عن النفس ومن المؤكد ان الذي لا يؤمن بالله تعالى حق الإيمان يعرّض نفسه لأكثر من ضرر وخطورة وبالفعل إنه يلقي بنفسه إلى التهلكة حيث الاضطراب النفسي والقلق في الحياة الدنيا فقد قال الله الكريم:

(ألا بذكر الله تطمئن القلوب). [سورة الرعد: الآية 28].

وقال أيضاً: (ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا). [سورة طه: الآية 124].

وأما في الآخرة فالهلاك والجحيم والخسران المؤكد حيث يقول عز وجل:

(ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين). [سورة آل عمران: الآية 85].

ومن ناحية ثالثة هنالك دعوة إلهية مفتوحة للإنسان للالتزام بهذه العقيدة القائمة على أسس التوحيد ليحصل على السعادة في الدنيا والآخرة بل إلحاح في دعوته للنجاة وإلاَّ سيُحرم الإنسان من نعيم الآخرة على الأقل بل سيشقى نفسياً في الدنيا - كما مر في الآيات الكريمة - وسنوضح هذه الفكرة في حديثنا عن عدالة الله، بأن عدم التصديق بالتوحيد سيعكس سلوكاً شاذاً بعيداً تماماً عن السلوك السوي الذي يعكسه هذا المعتقد المقدس فمقابل تحقيق بعض لذائذ الدنيا غير الشرعية سيُحرم من لذات الآخرة الأبدية كما يقول سبحانه وتعالى:

(إنما الحياة الدنيا لعب ولهو وإن تؤمنوا وتتقوا يؤتكم أجوركم..). [سورة محمد: الآية 36].

والآن ما هي عقيدتنا في التوحيد:

عقيدتنا هي: إن الله سبحانه هو الخالق المبدع المهيمن المكون المبدئ للكون والإنسان والوجود وهو الواحد الذي ليس كمثله شيء، قديم أزلي عليم حكيم عادل قدير حي غني باقٍ لا يزول، لا تأخذه سِنَةٌ ولا نوم، بصير سميع، وغاية فكرة التوحيد انه واحد لا شريك له ولا معين له، لم يلد ولم يولد فهو الذي أوجدنا بحكمته وإبداعه لا شبيه له ولا نظير، فهو الموجِد والمميت والمحيي وهو ليس مثلنا لا بالصفات ولا بالقدرات فهو القدير والعليم لا كما نصف أحدنا بأنه قدير في أمر ما كالخطابة أو التعامل التجاري أو عارف بالنحو أو الطب فالله ليس كمثلنا ومن هنا تبدأ أزمة الإنسان في الاعتراف بوجود الله تعالى حيث أنه لا يستطيع أن يخرج من إطار شخصه فكل التصورات يتصورها شبيهة به، ونسخاً طبق أصله وكما قال الإمام الباقر (): (هل سمي عالماً قادراً إلا لأنه وهب العلم للعلماء والقدرة للقادرين وكلما ميزتموه بأوهامكم في أدق معانيه فهو مخلوق مصنوع مثلكم مردود إليكم والبارئ تعالى واهب الحياة ومقدر الموت ولعل النمل الصغار تتوهم إن لله زبانيتين أي قرنين فإنهما كما لها وتتصور إن عدمها نقصاً له لمن لا يكونان له ولعل حال كثير من العقلاء كذلك فيما يصفون الله تعالى به سبحان ربك ربّ العزة عما يصفون..).

فيفترض الإنسان خالقه ومبدعه كشخصه فله عينان ورجلان وأجهزة داخلية وبمعنى آخر إنه يعكس مكوناته وصفاته على ما يتصور في ذهنه مثله مثل ذلك الشخص الأعمى العاجز الذي قيل له يجب أن تأكل من هذه الفواكة وقدمت له فاكهة التفاح قال: من أولدها؟ قيل له: شجرة اسمها شجرة التفاح قال: إنه إنتاج لذيذ ولكن لي أسئلة عنها قيل له: ما هي؟ قال: أين تنام هذه الشجرة؟ وكيف تسير أهي عاجزة عن السير مثلي؟ وما هو أكلها؟ وهل يمكن أن نضيّفها في بيتنا فترةً من الزمن؟ أو نهدي لها ملابس صوفية أيام البرد؟ كي تقي نفسها وهل يمكن أن نتعرف على زوجها وأقربائها؟ وهل لها أب أو أمير يحكمها؟ وهكذا..

ومن حقنا أن نتساءل - هنا -: لماذا يسأل هذا الإنسان الأعمى والعاجز كل هذه الأسئلة التي تبدو لنا في غير محلها؟ والجواب: لأنه لا يستطيع أن يتصور نظاماً غير النظام الذي يعيشه هو وأقرانه، ولا يمكن أن يتصور وجوداً مختلفاً عنه.

إذن إن الذي أوجدنا ليس مثلنا بالمكونات والصفات وصحيح قد تكون اللغة قاصرة لا تستطيع أن تجسد لنا ما نعتقد به ولكن علينا أن نميز بين قولين، فحينما نقول زيد عالم وخالقنا عالم، صحيح أن اللفظين بالشكل والصورة مشتركان في أمر واحد وهو العلم وبصيغة لفظية واحدة ولكنهما يختلفان بالمضمون قطعاً، وصحيح قولنا هذا سميع وهذا بصير ولكن ليس بنفس المفهوم الذي نطلقه على ذات الخالق سبحانه وتعالى.

فهو المنزه عن التشبيه وعن النقص ولذا يقول الإمام الباقر (): (بل كل ما ميزتموه بأوهامكم في أدق معانيه فهو مخلوق مصنوع مثلكم مردود إليكم) كما مر معنا آنفاً.

وأما الآيات الكريمة التي تجسد الله تعالى فهي من باب تقريب المعنى لذهن الإنسان ولا يمكنُ أن نؤمن بها بظواهرها مطلقاً فمثلاً قوله تعالى:

(وجوه يومئذٍ ناضرة، إلى ربها ناظرة). [سورة القيامة: الآية 22 - 23].

فهل يمكن أن يذهب البعض إلى أن المسلم يوم القيامة بإمكانه أن يرى الله سبحانه بعينه؟ فهذا أمر مستحيل إذ لو كان كذلك فيكون الله جسماً مركباً محتاجاً وحادثاً وغير أزلي وهذا ليس ربّنا والحقيقة أننا ننظر وننتظر رحمته وعطفه وثوابه يوم القيامة وهذا أمر مستساغ في اللغة العربية فهو لا يقصد النظر الحسي بالتأكيد، وكذلك في الآية الكريمة (يد الله فوق أيديهم) فلا يجوز التجسيم لذاته المقدسة وإنما المسألة معنوية تدل على أن قوة الله وقدرته فوق قوتهم وقدرتهم وهكذا بقية الآيات الكريمة الظاهرة في ذلك.

قال سيدنا أمير المؤمنين (): (من وصف الله فقد قرنه ومن قرنه فقد ثناه ومن ثناه فقد جزأه ومن جزأه فقد جهله) يعني من وصف الله تعالى بصفة مغايرة لذاته فقد جعله مقارناً لغيره بالصفة ومن جعله مقارناً لغيره بصفته فقد ثناه إذ الموصوف وهو الله شيء والوصف شيء آخر ومن ثناه فقد جزأه أي جعله مركباً من ذات وصفه ومن قال بأنه ذا جزء لم يعرفه لأن الله واحد أحد.

وقال () أيضاً: (أول الدين معرفته وكمال معرفته توحيده وكمال توحيده نفي الصفات عنه) وروى الصدوق في (التوحيد) عن عروة قال: قلت للرضا (): خلق الله الأشياء بقدرة أم بغير قدرة، فقال: لا يجوز أن يكون خلق الأشياء بالقدرة لأنك إذا قلت خلق الأشياء بالقدرة فكأنك قد جعلت القدرة شيئاً غيره وجعلتها آلة له بها خلق الأشياء، وهذا شرك وإذا قلت خلق الأشياء بقدرة فإنما تصفه أنه جعلها باقتدار عليها وقدرة ولكن ليس هو بضعيف ولا عاجز ولا محتاج إلى غيره.

وبإسناده عن الباقر () إنه قال: (سميع بصير يسمع بما يبصر ويبصر بما يسمع...).

هذا هو ربنا وهذه هي عقيدتنا به.



توقيع خادمة العباس (ع)


خــ العباس(ع) ــــــادمة




منتظرة المهدي
عضو
رقم العضوية : 421
الإنتساب : Sep 2007
الدولة : طيبة الطيبة
المشاركات : 5,448
بمعدل : 0.90 يوميا
النقاط : 0
المستوى : منتظرة المهدي is on a distinguished road

منتظرة المهدي غير متواجد حالياً عرض البوم صور منتظرة المهدي



  مشاركة رقم : 2  
كاتب الموضوع : خادمة العباس (ع) المنتدى : ميزان الثقلين القرآن الكريم والعترة الطاهرة عليهم السلام
Post
قديم بتاريخ : 05-Dec-2007 الساعة : 10:37 PM

اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم


يا دائم الفضل على البرية
يا باسط اليدين بالعطية
يا صاحب المواهب السنية
صلى على محمد وآل محمد
خير الورى سجية
وغفرلنا ياذا العلى في هذه العشية ....


بسم الله الرحمن الرحيم

وصلات وسلام على أشرف الخلق أجمعين حبيب الله وطبيب قلوبنا أبي القاسم محمد وسلم
ولعنة الدائمه على أعدائه أجمعين إلى قيام يوم الدين

المحور الثاني في التوحيد هو




ثانياً: كيف يجب أن نعرف الله؟




في الساحة البشرية عقائد متنوعة ولكنها ترتبط بقواسم مشتركة فيما بينها مما يجعلها تتمحور حول صنفين من العقائد الصنف الأول: يجتمع على الإيمان بوجود الله الخالق الأزلي
والصنف الثاني: لا يؤمن بوجود إله أزلي خالق للكون بل يدعو لأزلية شيء آخر كالمادة مثلاً أو يبقى متشبثاً بنكران الخالق وجحود الله بكونه علة الوجود ومدبره.


ويشمل الصنف الأول عقائد متنوعة أيضاً منها ما يؤمن بأن لله سبحانه شريك ومعاون في الإدارة الكونية أو عدة شركاء له، وبعضُها يؤمن بالإثنيّنية في الخالق حيث يرى استحالة اجتماع النقيضين في إله واحد فلا يكون إله الخير وإله الشر إلهاً واحداً وإله النور وإله الظلام إلهاً واحداً بل لابدّ أن يكون هنالك إلهان في العالم إله المنافع والخير والإيجابيات، وإله الأضرار والشر والسلبيات كما في عقيدة المجوس. وهنالك من يؤمن بتعدد الآلهة فإله للخير وإله للشر وإله للظلام وإله للنور وإله للمطر وإله للشمس، وهكذا.


كما ذهب الأغارقة إلى ذلك - في غابر الزمن - ومنهم من يرى ان الله سبحانه أوجد وأبدع الكون والوجود فهو علة الإيجاد والإبداع وليس علة الدوام والاستمرار حيث فقد أو ترك سيطرته بعد أن أبدع قوانين الحياة وسيّرها، بقيت الطبيعة وقوانينها الكونية هي التي تسيّر الوجود فهي المدبرة حالياً لمسيرها، أما الله فهو الخالق للقوانين الطبيعية فقط في بدايتها أما القوانين الطبيعية الحالية هي الآلهة الميدانية فهي تدير نفسها بنفسها بالاستمرارية كدحرجة الكرة من مرتفع فالبداية هي بتحريك الإنسان للكرة أما دوام الحركة فللاستمرارية وعليه فقد انتهى دور الخالق في الكون - وفقاً لهذه النظرية - بمجرد الإيجاد والإبداع! بينما يرى الإسلام إن الله سبحانه هو علة الوجود والإبداع أولاً وعلة الدوام والاستمرار كذلك فلا شريك له ولا نظير - كما مر.


وعموماً إن هذه النظريات الفلسفية المتعددة تلتقي في فكرة الإيمان بوجود الله ولكن باختلاف وجهات النظر وعلينا أن نتوصل عبر الأدلة العقلية والنقلية إلى أحقية العقيدة الصحيحة ويلزمنا أن نقدم الأدلة لدحض الأباطيل والأوهام التي تكتنف هذه العقيدة - عقيدة الإيمان بالله بالمعنى الإسلامي - فندفع نظرية تعدد الآلهة والإثنيّنية وغيرهما ولنقرر عبر الأدلة أن الله تعالى هو الواحد الأحد المبدع والمدبر المهيمن الدائم على ملكوته.

وقبل التطرق لهذه التفصيلات نودّ أن ندخل في حوارٍ موضوعيٍّ هادئ مع الصنف الثاني ولا نريد النقاش في صحة أو خطأ النظرية لأن ذلك سيأتي وإنما لنضع الجماعة أمام مفترق الطرق بعيدين عن التفصيلات والتشعبات فبكلمة واحدة نقول: إن الحق لواحد أينما نكون ومن أي منظار ننطلق فلا يمكن أن نؤمن بالتناقض فالشمس إما مشرقة أو مظلمة والقمر إما أبيض أو أسود فلا نؤمن بالتناقض في مكان واحدٍ وزمانٍ واحد وشروط منطقية واحدة.

ومن أبسط المناقشات والاستدلالات ومن واقع المنكرين لله! يمكن أن نتوصل مع هذه الجماعة إلى أنهم لا يطيقون جواباً أمام كلمة الحق وكلما هنالك نراهم يلتفون على هذا الأمر الفطري وهو الإيمان بالله بدوافع عديدة منها شخصية ومنها سياسية واجتماعية وعلى ما في تصوري الشخصي أنهم ينهزمون من الواجبات الشرعية التي تثقل كاهلهم غالباً فيبررون لهذا الانهزام تمسكهم بهذه الأفكار والنظريات المنكرة لمبدع الكون ليروضوا عقولهم ويجبروها على مسايرة شهواتهم وطموحاتهم الشخصية.

فالمؤمن مكلف بعدة واجبات بعد إيمانه بالرسل والرسالة الإسلامية والإمامة والمعاد فعليه أن يصلي ويصوم ويلتزم بالواجبات الشرعية ويترك المحرمات فالإيمان هو سلسلة من الالتزامات والضوابط فيفر المنكر هارباً من هذه الالتزامات عبر الضغط على فطرته وعقله بضغوطات النفس الأمارة بالسوء حتى ترضخ هذه الفطرة النقية! لضغوط وإرهاصات الغرائز النفسية وطموحاتها وبالنتيجة سينجذب العقل إلى أن يضع التبريرات والمسوغات بقالب فلسفي معين يرضاه لنفسه! ومثله مثل ذلك الصبي الذي أخذه والده إلى الكتاتيب كي يتعلم اللغة العربية وقراءة القرآن الكريم وحفظه وقد كان الطفل ذكياً جداً لكنه في الدرس الأول امتنع عن مسايرة الدرس والاستجابة للتعلم وتظاهر بالبلاهة والبلادة وامتنع من تلفّظ الحروف الهجائية (أ، ب، ت...) فسأله المعلم عن السبب أجابهُ بأنه لا يستطيع التلفظ وحينما سأله عن أموره الحياتية الأخرى أجابه بطلاقة!! فعرف الشيخ أنه محتال فاستعمل معه وسائل الضغط المعروفة لدى بعض المعلمين بالتهديد والضرب وفعلاً ضربه ضرباً مبرحاً، حينها تعالت صرخاته وملأت الجو الدراسي ضجيجاً وبالتالي أعلن عن استجابته لقرار الشيخ في مواصلة التعليم وبالفعل بدأ يتلفظ الحروف بشكلٍ جيّد واستمر في دراسته وبعد فترة سأله الشيخ عن ذلك فأجابه بصراحة: لقد عرفت انه لا مخلص من هذه السلسلة الدراسية الطويلة فالمسألة لا تنتهي حينما أتلفظ الحروف الأولية حيث سنواصل الدراسة من بعد الحروف الهجائية تأتي سور القرآن وبعد السور التزامات وبعد الالتزامات سلوكيات وعبادات وواجبات وهلم جرّاً... ففكرت أن أنهزم كليّاً من البداية من دون الدخول في هذه الخطة التعليمية الطويلة فامتنعت من القراءة.. ولكني ما أفلحت! فكثير من أفراد هذه المجموعة المنكرة يشبهون هذا الصبي ففي واقعهم ينضمون إلى طريقة الانهزام من المسؤوليات والانفلات من الواجبات فقد قال سبحانه في محكم كتابه:

(فلمّا جاءتهم آياتنا مبصرةً قالوا هذا سحر مبين، وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلماً وعلوّاً فانظر كيف كان عاقبةُ المفسدين). [سورة النمل: الآيتان 13، 14].

وهكذا مهما اختلفت الأسباب والتصورات في تفسير أصحاب الصنف الثاني فالمسألة مصيرية بحد ذاتها وبحاجة إلى القرار الشجاع في اختيار العقيدة التوحيدية الخالصة من الشوائب التي أشرنا إليها.

ونعود الآن إلى الحديث عن فكرة الصنف الأول: لماذا التعدد في وجود الآلهة؟

يقول القرآن الحكيم: (الذي خلق سبع سماوات طباقاً، ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت فارجع البصر هل ترى من فطور). [سورة الملك: الآية 3].

فالدقة البنائية في الخلق الإبداعي للكون تدل على وحدة الخالق المبدع.

ونتساءل لماذا لابد من وجود إلهين اثنين؟ والحال إن كل شيءٍ في الكون يدل على أن الخالق واحد لعظمة الانسجام والتنسيق فيما بين المخلوقات في العالم.

فــوا عجبا كيف يُعصى الإله أم كيــــف يجـــحده الجــاحِدُ

وفــــي كــل شـــــيءٍ له آيـةٌ تــــدل عــــلى أنـــه الـواحِدُ

وجدلاً نقول إن هذه الآلهة المتعددة أو الإلهين إما أن يكون أحدهم أو أحدهما هو الأقوى فيقدر على غيره وأما أن يكونوا بدرجة متساوية من القوة فلا يقدر أحدهم على غيره فإن قلنا إن أحدهم قادر على غيره فهو الإله المدبر الواحد وإن قلنا إن أحدهم ليس قادراً على غيره من المشاركين معه في الألوهية فنسلب منه صفة مهمة من صفات الألوهية وهي القدرة فإذن لا يستحق أحدهم منصب الإله الحقيقي المبدع المهيمن القادر وكيف نقول إنه قادر ويعجز عن السيطرة على وجودات منافسة له فالإيمان بالإله على أنه قادر وعاجز في آن واحد هو إيمان بالتناقض الباطل عقلاً، والعجز صفة شاملة لكل أنواع العجز سواء كان من السيطرة على المنافس أو الهيمنة على قانون الطبيعة فهو عجز على كلِّ حال وبالمقابل القدرة صفة شاملة كذلك لكل أفرادها فالقادر قدرته مطلقة والمهيمن هيمنته مطلقة.

(إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون). [سورة يس: الآية 82].

ولا فرق لديه بين إبداع السماوات والأرضين وإبداع حشرة حقيرة كالذبابة أو البعوضة فقد قال سبحانه:

(إن الله لا يستحي أن يضرب مثلاً ما بعوضة فما فوقها فأما الذين آمنوا فيعلمون أنه الحق من ربهم وأما الذين كفروا فيقولون ماذا أراد الله بهذا مثلاً يُضل به كثيراً ويهدي به كثيراً وما يضل به إلاَّ الفاسقين). [سورة البقرة: الآية 26].

والقرآن العظيم في موضع آخر يتناول فكرة الشريك لله سبحانه ووجود الآلهة المتعددة فيقول:

(لو كان فيهما آلهة إلاَّ الله لفسدتا فسبحان الله ربّ العرش عمّا يصفون). [سورة الأنبياء: الآية 22].

فالدقة التي نراها في خلق الكون من الذرة إلى المجرة والنظام الذي نراه في جسم الإنسان والحيوان والنبات إنه حقاً يرغمنا للاعتراف والإذعان للمبدع الأكبر فلو كان هنالك مدبّران لهذا الكون لارتبكت الأمور الكونية كما لا يمكن أن نتصور رئيسين لدولة أو مديرين لمعمل وهكذا لا يمكن أن نتصور إلهين لهذا الكون وبالفعل لو كانت الإدارة أثنينية لكانت تأتينا الأوامر والإرشادات من كل إله بل تأتينا رسل وكتب سماوية من كل إله ونحن ما وجدنا في قديم الزمان أو الزمن الحالي من يدّعي هذا الإدعاء الباطل فقد قال الله تعالى في محكم كتابه العزيز:

(إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم. ألاَّ تعلوا عليّ وأتوني مسلمين). [سورة النمل: الآيتان: 30، 31].

وقال الإمام علي () في وصيته لولده الحسن أو محمد بن الحنفية على اختلاف الروايات: (واعلم يا بُني أنّه لو كان لربك شريك لأتتك رسله ولرأيت آثار ملكه وسلطانه، ولعرفت أفعاله وصفاته ولكنه إله واحد كما وصف نفسه).

أما الإمام الصادق () فقال في جواب الزنديق الذي قال له: لم لا يجوز أن يكون صانع العالم أكثر من واحد؟:

(لا يخلو قولك أنهما اثنان من أن يكونا قديمين قويين أو ضعيفين أو يكون أحدهما قوياً والآخر ضعيفاً فإن كانا قويين فلِمَ لا يدفع كل واحد منهما صاحبه وينفرد بالتدبير وإن زعمت ان أحدهما قوي والآخر ضعيف ثبت أنه واحد كما نقول للعجز الظاهر في الثاني وإن قلت إنهما اثنان لم يخل من أن يكونا متفقين من كل جهة أو مفترقين من كل جهة فلما رأينا الخلق منتظماً والفلك جارياً واختلاف الليل والنهار والشمس والقمر دلَّ صحة الأمر والتدبير وائتلاف الأمر على أن المدبر واحد)(1).

أما فكرة تعدد الآلهة فكذلك إن قلنا كلهم موجودون في آن واحد يأتينا الحديث المار الذكر بمعنى أيهم أقوى وأقدر؟ فإن برز منهم أحد فهو الإله القادر وإن كانوا متساوين في القوة والقدرة فيكون كل واحد منهم عاجز وقادر في آن واحد وهذا ما أبطلناه حيث التناقض - كما مر معنا - فإذن لا يمكن أن نؤمن بإله عاجز وغير قادر.

هذا إن قلنا إن الآلهة موجودة في آن واحد وهنالك من يذهب إلى أن تعدد الآلهة عبر تجدد الزمن وبكلمة أخرى يرى أنّ العرش الإلهي هو منصب وراثي: إله ابن إله فكل اثنين بحاجة إلى ثالث والثالث بحاجة إلى رابع والرابع بحاجة إلى خامس، وهكذا...

فالموجد المبدع بحاجة إلى من أوجده وأبدعه فهو حادث والحادث بحاجة إلى علة والعلة بحاجة إلى علة أخرى، ونقع حينئذ في التسلسل الباطل كما يقول الفلاسفة إذ لابد من نقطة بداية لهذا الكون ولهذا الوجود فإن لم نتوصل لهذه القناعة سنبقى نسلسل العلل تلو العلل إلى ما لا نهاية.

وهذا الكلام يصلح للجواب على من يسأل من أوجد الله؟! فيدخل في نفق التسلسل علة تجر علة من دون أن يخرج منه بنتيجةٍ ملموسة بل يزداد تيهاً على تيه.

وهنا إما أن نقول إن هذه العلل باقية على حالها وكانت هكذا من دون الحاجة إلى علة رئيسية موجدة أو سبب أخير في إبداعها. وبالتأكيد إن هذا الكلام هو نكران واضح للقانون العقلي فلكل معلولٍ علة ولكل مسبَّب سبب، هذا قول، وإما أن نأخذ بالقول الآخر وهو: أن نفترض أن لهذه الموجودات ولهذه العلل علة تعتبر أم العلل الكونية وهي التي أبدعت الوجود ووضعت القوانين الطبيعية وخلقت الإنسان والحيوان وهذه العلة الرئيسية نسميها الله القادر المبدع المهيمن وهكذا نتوصل إلى فهم الخالق الموجد المبدع.




شعاع المقامات
الصورة الرمزية شعاع المقامات
مشرف سابق
رقم العضوية : 520
الإنتساب : Oct 2007
المشاركات : 1,562
بمعدل : 0.26 يوميا
النقاط : 264
المستوى : شعاع المقامات will become famous soon enough

شعاع المقامات غير متواجد حالياً عرض البوم صور شعاع المقامات



  مشاركة رقم : 3  
كاتب الموضوع : خادمة العباس (ع) المنتدى : ميزان الثقلين القرآن الكريم والعترة الطاهرة عليهم السلام
افتراضي
قديم بتاريخ : 08-Dec-2007 الساعة : 03:00 PM

اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم


اقتباس
قال الإمام الباقر (): (هل سمي عالماً قادراً إلا لأنه وهب العلم للعلماء والقدرة للقادرين وكلما ميزتموه بأوهامكم في أدق معانيه فهو مخلوق مصنوع مثلكم مردود إليكم

لو لاحظنا هذا الحديث الشريف لوجدنا أن الفعل قبل الاسم.
فتسمي زيدا (كاتب) بعدما رأيته يكتب. وهكذا شأن جميع الأسماء الإلهية.
فالفعل هو (محمد)،والاسم هو (علي).
كما في الحديث عن إمامنا الصادق : (نحن والله الأسماء الحسنى التي لا يقبل الله من العباد عملا إلا بمعرفتنا).



اقتباس
يرى الإسلام إن الله سبحانه هو علة الوجود والإبداع أولاً وعلة الدوام والاستمرار كذلك فلا شريك له ولا نظير - كما مر.

صحيح ذلك...ولكن هذه العبارة تحتاج إلى توضيح في غاية الأهمية!!
إن الله تعالى ليس علة مباشرة،تباشر الأشياء (وتنزه عن مجانسة مخلوقاته).
فهو سبحانه (المميت) ولكن بواسطة ملك الموت.
وكذلك فإن علة العلل (العلة الفاعلية والمادية والصورية والغائية)
هي محمد وآل محمد صلوات الله عليه وآله.
كما عن مولانا أمير المؤمنين صلوات الله عليه: (نحن صنائع الله والخلق بعد صنائعنا).
حوار جميل جدا وفكرة في قمة الروووعة.
أشكركما أختاي: خادمة العباس .
و: منتظرة المهدي عجل الله فرجه الشريف.
شعاع المقامات.



خادمة العباس (ع)
الصورة الرمزية خادمة العباس (ع)
عضو دائم

رقم العضوية : 516
الإنتساب : Oct 2007
الدولة : مدينة الرسول الأعظم عليه السلام
المشاركات : 1,304
بمعدل : 0.22 يوميا
النقاط : 253
المستوى : خادمة العباس (ع) is on a distinguished road

خادمة العباس (ع) غير متواجد حالياً عرض البوم صور خادمة العباس (ع)



  مشاركة رقم : 4  
كاتب الموضوع : خادمة العباس (ع) المنتدى : ميزان الثقلين القرآن الكريم والعترة الطاهرة عليهم السلام
Post
قديم بتاريخ : 10-Dec-2007 الساعة : 07:00 AM

اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم


اللهم صلى على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وأهلك أعداهم

بسم الله الرحمن الرحيم

ثالثاً: الله خارج عن حدّ التشبيه والتعطيل

قال سبحانه وتعالى: (فاطر السماوات والأرض جعل لكم من أنفسكم أزواجاً ومن الأنعام أزواجاً يذرؤكم فيه ليس كمثله شيء وهو السميع البصير). [سورة الشورى: الآية 11].

وكما أسلفنا إن الذي أوجدنا ليس مثلنا لا بالذات ولا بالصفات فهو تعالى قوي قادر عالم ليس كما نتصور الإنسان القوي ذا العضلات المفتولة والقدرة الفولاذية وإنما قوته وقدرته وعلمه - كل ذلك - لا يقع في تصوراتنا المحدودة وأيضاً هو الخالق المبدع المهيمن على هذه الوجودات لا مثيل لذاته ولا شبيه لصفاته وبهذا التقرير لا يمكن أن نشبّه الله سبحانه بأحدٍ بلغ قدْراً من إبداع محدود في صناعة أو تأليف شعر فالله سبحانه كما وصف نفسه (ليس كمثله شيء) لأن كل شيءٍ في الوجود نراه بأعيينا فهو مخلوق ومرتبط وجوده بزمن ويتغير مع الظروف وحاشا الله عز وجل من هذا التشبيه والتمثيل.

بالإضافة إلى أننا لا يمكن أن ننكر وجود مدبر عليم يدير الكون وينظم حركته فأنفسنا وما نرى من الظواهر والآثار الكونية تكفي للاعتراف والإذعان التام لعظمة الخالق الكريم فهو ليس نكرةً أو عدماً بل إنه موجود حتماً لوجود آثاره وحكمته وإنه لا شبيه ولا مثيل له ومن هنا قال الإمام الصادق (): (كل موهوم بالحواس مدرَكٌ بها تحده الحواس وتمثله فهو مخلوق) وبهذا فإن دائرة التشبيه بالحواس المحدودة التي نملكها بعيدة عن الله سبحانه وكذلك لا يمكن نفيه، فالأنظمة الدقيقة في الكون تدل عليه دلالة واضحة.

فقد قال (): (لابد من الخروج من جهة التعطيل والتشبيه لأن من نفاه أنكره ورفع ربوبيته وأبطله ومن شبهه بغيره فقد أثبته بصفة المخلوقين المصنوعين).

فكل ما نتخيله ونتصوره في أذهاننا محدود مثلنا، محتاج مثلنا، فقير مثلنا، متغير مثلنا، له بداية كما له نهاية مثلنا بالضبط، لأنه انعكاس عن ذواتنا المتصفة بالتغيير والتبديل والانتهاء فإننا لا نستطيع أن نتعرف على وجود أحد أو أن نحيط علماً بوجوده، بأدواتنا الملموسة هذه إلاَّ أن يكون مثلنا أو دوننا فلا نستوعبه بل لا نستطيع معرفة وجود الذي هو فوقنا كمالاً بهذه الأدوات الملموسة والمحسوسة لأنها محدودة الطاقة والإمكانية.

فالوجود الذي نحن نعرفه ونستوعبه يكون ضده العدم والله سبحانه وجوده ليس له ضد فوجود الله عز وجل لا كما نفهم من الوجود الذي يقابله العدم بل هو الوجود المطلق والكمال المطلق وحينما نقول الله أكبر فإن كنا نقصد إن الله أكبر من كل شيءٍ فقد حدّدناه والمفروض أن نقول إن الله أكبر من أن يوصف فقد قال الإمام أمير المؤمنين (): (فمن وصفه فقد حدّه ومن حدّه فقد عده ومن عدّه فقد ثناه ومن ثناه فقد جعل له شريكاً).

وحقاً كل ما نشاهده أو نتصوره في الذهن فهو من سنخنا وجنسنا أي حسب حدودنا وانعكاسنا بينما الذات المقدسة ليست من سنخنا فكيف نستطيع أن نشبهها على ضوء حواسنا المحدودة وعقولنا القاصرة كذلك، يقول الإمام الصادق () - في هذا الصدد -: (تعالى الله عما يصفه الواصفون) فإذن لابد أن ننفي عن الله التشبيه والعدم يقول الإمام الصادق () أيضاً: (... فإذا انتهى الكلام إلى الله فأمسكوا...)(1).

لأننا لا نستطيع معرفة كنه الله وماهيته بل لا نستطيع التوصل إلى المعرفة المحسوسة لله لأن الله خارج عن إطار إحاطتنا المحدودة والقاصرة يقول الله في محكم كتابه:

(وما قدروا الله حق قدره). [سورة الأنعام: الآية 91].

ويقول الإمام السجاد (): (إلهي لولا أمرك لنزهتك عن ذكري لأن ذكري بقدري لا بقدرك) ولكن تعاليم الله وأوامر بالذكر والدعاء والتسبيح هي التي جعلت الإمام والإنسان المحدود يذكر اللامحدود ويسبح له.

فقد قال سبحانه: (لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير). [سورة الأنعام: الآية 103].

وعن الجعفري عن الإمام الباقر () في كلامه حول هذه الآية المباركة قال: (يا أبا هاشم أوهام القلوب أدق من أبصار العيون أنت قد تدرك بوهمك السند والهند والبلدان التي لم تدخلها ولا تدركها ببصــرك وأن القـــلوب لا تـــدركه فكـــيف أبـــصار العــيون)(2).

فإذن كيف نعبد ربّاً لم نره؟ يجيب على ذلك الإمام علي () - كما يسند إلى الأصبغ - قال: قام إليه رجل يُقال له ذغلب فقال: يا أمير المؤمنين هل رأيت ربك؟ قال: ويلك يا ذغلب لم أكن بالذي أعبد ربّاً لم أره فقال: كيف رأيته؟ صفه لي قال ():

(ويلك لم تره العيون بمشاهدة الأبصار ولكن رأته القلوب بحقائق الإيمان)(3).

فإذن هذا هو الله - خارج عن حدّ التشبيه والتعطيل بل تدركه العقول بآثاره الحكيمة -.

مشكور يا أخي شعاع المقامات

على مرورك لهذه الصفحه ثبتك الله على دينه القويم



.






توقيع خادمة العباس (ع)


خــ العباس(ع) ــــــادمة




منتظرة المهدي
عضو
رقم العضوية : 421
الإنتساب : Sep 2007
الدولة : طيبة الطيبة
المشاركات : 5,448
بمعدل : 0.90 يوميا
النقاط : 0
المستوى : منتظرة المهدي is on a distinguished road

منتظرة المهدي غير متواجد حالياً عرض البوم صور منتظرة المهدي



  مشاركة رقم : 5  
كاتب الموضوع : خادمة العباس (ع) المنتدى : ميزان الثقلين القرآن الكريم والعترة الطاهرة عليهم السلام
Post
قديم بتاريخ : 10-Dec-2007 الساعة : 07:28 AM

اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم


يا دائم الفضل على البرية
يا باسط اليدين بالعطية
يا صاحب المواهب السنية
صلى على محمد وآل محمد
خير الورى سجية
وغفر لنا ياذا العلى في هذه العشية ........

رابعاً: موقع الحواس من معرفة الله سبحانه

الحواس الخمس التي يمتلكها الإنسان هي بمثابة النوافذ الطبيعية بينه وبين العالم الخارجي فالعين ترى الموجودات لتميز الألوان والأشكال وتكشف النور عن الظلام أما الأذن فهي تميز الأصوات لتعرف صوت الصديق عن غيره ولتميز أيضاً بين أصوات الطبيعية كخرير الماء وحَفيف الشجر وأصوات الحيوانات كصهيل الخيل وزئير الأسد وفحيح الأفعى وزقزقة العصافير وكذلك تميز بين أصوات المكائن والآلات الميكانيكية وبين أصوات الطائرات الحربية عن الطائرات المدنية وبين أزير الرصاص وصوت القذائف وهكذا.. وأما الأنف فيشم الروائح المتنوعة فيميز العطور الجميلة عن الروائح الكريهة أيّاً كان المصدر بل ويميز العطور الجميلة ذاتها في درجة التركيز أو الخفة حسب المصادر.. وأما اللسان فيتذوق الأمور ليكتشف لنا الطعم الحلو عن المر والحار عن البارد، إضافة لكونه الناطق الرسمي عن أفكار وأحاسيس الإنسان الداخلية.. وأما حاسة اللمس فتكشف لنا عن الملمس الخشن لتميزه عن الناعم وهكذا فالحواس إذن هي النوافذ الطبيعية التي تربط الوجود الخارجي بذهنية الإنسان. وسبحانه الخالق الكريم الذي قال:

(لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم). [سورة التين: الآية 4].

ونحن في دراستنا عن الحواس ندرك بأن هذه الحواس لها مدىً محدود لا تستطيع أن تتجاوزه والواقع العملي أثبت هذه المسألة حيث إن الحواس الخمس بأجهزتها المعقدة فإنها محدودة بحدود معينة وبقدرات معينة لا يمكن تجاوزها فمثلاً وببساطة نحن لا يمكننا أن نرى ماذا يجري حالياً في شوارع باريس لأن أعيننا قاصرة عن تحقيق هذا الهدف كما لا يمكن أن نرى ماذا يجري في الشارع المجاور لنا وحتى خلف جدران غرفتنا لا نستطيع رؤيته لأن الجدار يحجب عن قدرة العين الباصرة. وحاسة الأذن كذلك، لها ذبذبات معينة تتمكن أن تسمع فيها فلو زادت عن هذا الحد الطبيعي أو نقصت لم نستطع سماع شيءٍ ما، ففي عالم النمل مثلاً لا نستطيع سماع الحوار الدائر بين أفراد النمل بالرغم من أننا ندرس عن هذه المملكة وجيوشها ونظامها، كل ذلك لأن قدرة استيعاب الأذن لذبذبات الصوت قدرة محدودة وما ينطبق على حاسة السمع ينطبق كذلك على حاسة الشم واللمس أي أن هذه الحواس محدودة القدرة والقابلية.

والسؤال المطروح أن هذه الحواس المحدودة ماذا نريد منها؟ أنريدها أن ترى كل شيء في الوجود بما في ذلك الخالق المدبر مثلاً وأنّى لها ذلك وكيف يكون لها ذلك؟

ممّا تقدم نفهم أن الحواس التي نمتلكها هي نوافذ المعرفة للإنسان بالفعل ولكنها قاصرة ومحدودة لا تستطيع أن تستوعب كل الأحداث وتميزها إضافة إلى أن الحواس هذه قد تخطئ كما في الحالات السرابيّة بالنسبة للعين فهي ترى السراب وتتصوره حقيقة ولكن حينما تقترب منه لا ترى شيئاً وينتقل السراب الخادع لمكان آخر.. وعليه نحن لا نستطيع أن نجزم أن كل الوجودات في الكون لابد أن تمرّ عبر حواسنا مباشرةً حتى نؤمن بها كحقيقة قائمة وإنما قد نصل لمعرفتها عبر معرفة الحقائق اليقينية بصورة غير مباشرة أي من خلال آثارها، فإذن لا تستطيع حواسنا استيعاب كل الوجود كي تؤمن به وإنما نستطيع أن نؤمن بنوع من الوجودات التي نتحسسها وندركها عن طريق آثارها حتى لو لم تخضع لإحدى حواسنا مباشرة، مثال ذلك المغناطيسية في الحديد والقوة الكهربائية والجاذبية الأرضية وغيرها فنحن نؤمن بوجودها قطعاً من دون أن نراها أو نشمها... وبمعنى آخر لا تخضع لهذه الحواس التي بحوزتنا وإنما نؤمن بها من آثارها... فنحن بتجاربنا ندرك أن الذي يصعد إلى قمة الجبل أصعب وأشق من الذي ينزل من القمة إلى الوادي وكما في تجربة نيوتن والتفاحة كيف أنه رآها حينما تنضجع تسقط إلى الأرض ولا تصعد إلى السماء... فمن ذلك توصلنا إلى الإيمان بوجود جاذبية في الأرض تجذب إليها الأجسام والهواء.. وكذلك المغناطيسية في الحديد فنحن لا نستطيع أن نميز بين قطعتين من الحديد إحداهما ممغنطة والأخرى غير ممغنطة إلاَّ بعد أن نرى الآثار فنجزم بوجود المغناطيسية بالرغم من أننا لا نستطيع أن نسمع أو نرى أو نشم أو نلمس أو نتذوق المغناطيسية والجاذبية... وحتى الأشعة غير المرئية فلو استعملنا المنشور المضلع في مختبر الفيزياء مثلاً فإننا سنلاحظ فرز سبعة ألوان هي الأحمر والبرتقالي والأصفر والأخضر والأزرق والنيلي والبنفسجي فقط والعلماء يؤكدون على وجود ألوان أخرى غير مرئية فيسمونها بالأشعة تحت الحمراء وما وراء البنفسجية فلا نراها ولا نشمها ولا نتذوقها لكننا نؤمن بها.

وكذلك القوة الكهربائية فهي قوة لا تخضع للحواس الخمسة وإنما يميّزها العقل من خلال الآثار فمن الصعوبة بمكان أن نشير لسلك كهربائي فيه قوة أو خالٍ من القوة الكهربائية حيث لا فرق بين السلكين إلاَّ بالآثار.

وحتى بعض المسائل الوجدانية كالحب والبغض والألم واللذة لا يمكن أن تخضع للحواس الخمس يقال أن بهلولاً صادف إنساناً ينكر وجود الله بحجة إنه لم يره فضربه بحجر أصاب رأسه فتألم وصرخ متوجعاً فالتفت إليه بهلول متسائلاً: إني لا أرى للألم لوناً ولا شكلاً ولا طعماً ولا رائحة فاتعظ المنكر.

وفي نقاش الإمام أبي الحسن الرضا () مع أحد الزنادقة في عصره جاء إليه محتجاً وهو يقول: أوجَدَني كيف هو؟ وأين هو؟ فقال (): ويلك إن الذي ذهبت إليه غلط هو أين الاين بلا أين (أي إنه أبدع الكون وأوجد المخلوقات في مواقعها) وكيّف الكيف بلا كيف فلا يعرف بالكيفوفية ولا بالأينونية ولا يدرك بحاسة ولا يقاس بشيء. فقال الزنديق: فإذن إنه لا شيء إذ لم يدرك بحاسةٍ من الحواس. فقال الإمام (): (ويلك لمّا عجزتْ حواسك عن إدراكه أنكرت ربوبيته ونحن إذا عجزتْ حواسنا عن إدراكه أيقنا أنّه ربنا بخلاف شيءٍ من الأشياء). قال الرجل: فأخبرني متى كان؟

فقال (): أخبرني متى لم يكن فأخبرك متى كان.

قال الرجل: فما الدليل عليه؟

فقال (): (إني لما نظرت إلى جسدي ولم يمكنّي فيه زيادة ولا نقصان في العرض والطول ودفع المكاره عنه وجرّ المنفعة إليه علمتُ أنّ لهذا البنيان بانياً فأقررت به مع ما أرى من دوران الفلك بقدرته وإنشاء الحساب تصريف الرياح ومجرى الشمس والقمر والنجوم وغير ذلك من الآيات العجيبات المبينات علمت أنّ لهذا مقدراً ومنشئاً).

هذا وفي بعض حالات الخوف والفزع بل وفي ذروة الخوف حيث لا يُتوقع الإنقاذ من قوة اعتيادية يتصل الإنسان بوجدانه وضميره وفطرته بالخالق المدبر حيث إن هذا الهاجس المرعب يضغط على الحواس فيقلصها إلى أن تعلن إفلاسها أمام الحدث لتبرز الفطرة وتحكم بما وراء الحواس قوةً حقيقية للإنقاذ. يروى أن رجلاً جاء للإمام الصادق () وسأله: عرفني ربّي فقال له الإمام (): هل ركبت البحر؟ قال: نعم قال: هل كُسرت بك السفينة؟ قال: نعم قال (): هل تعلق قلبك بشيءٍ حيث لا سفينة تنجيك ولا أحد يغنيك؟ قال: نعم. قال الإمام: (ذلك هو ربك).

ففي أحلك الساعات وأحرجها تنطق الفطرة بالحق هامسةً بصوت عال متوجهةً بصدق وإخلاص مباشرة فهي تحطم كل الحواجر التي صنعتها الحواس والماديات والدنيا لتتعلق ببراءة وصدق بالمصدر الأزلي الدائم.

فإذن ليس كل ما لم يخضع للحواس فهو غير موجود وكل ما يخضع للحواس فهو موجود بل قد تكون هنالك أمور واضحة للعقول ولكن الحواس قاصرة عن إدراكها، بل الآثار تدل عليها يقول سبحانه وتعالى:

(قل هو الذي أنشأكم وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة قليلاً ما تشكرون). [سورة الملك: الآية 23].

وكذلك يمكن العكس حيث أن الحواس تخدع الإنسان بوجود شيءٍ خيالي كسراب الماء مثلاً فيتصوره حقيقة وإذا به خيالاً - وقد مرّ ذلك -.

ويصور لنا القرآن الكريم هذه الصورة الوهمية ويعتبر أعمال الكافرين هي كالسراب الخادع للعين بوجوده، لكنّه أمرٌ وهميٌ لا حقيقة له، فيقول: (والذين كفروا أعمالُهم كَسَرابٍ بقيعةٍ يحسبُهُ الظمآنُ ماءً حتى إذا جاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شيئاً وَوجَدَ اللهَ عنده فوفّاهُ حسابه واللهُ سريعُ الحساب). [سورة النور: الآية 39].

مشكور أخي شعاع على المرور

ولا حرمن الله من مشاركاتك واطلالتك لسطورنا

في ميزان الحسنات بإذن المولى



شعاع المقامات
الصورة الرمزية شعاع المقامات
مشرف سابق
رقم العضوية : 520
الإنتساب : Oct 2007
المشاركات : 1,562
بمعدل : 0.26 يوميا
النقاط : 264
المستوى : شعاع المقامات will become famous soon enough

شعاع المقامات غير متواجد حالياً عرض البوم صور شعاع المقامات



  مشاركة رقم : 6  
كاتب الموضوع : خادمة العباس (ع) المنتدى : ميزان الثقلين القرآن الكريم والعترة الطاهرة عليهم السلام
افتراضي
قديم بتاريخ : 10-Dec-2007 الساعة : 12:18 PM

اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم


اللهم صل على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها
صلاة لا يقوى على إحصائها إلا أنت
اقتباس
فالله سبحانه كما وصف نفسه (ليس كمثله شيء) لأن كل شيءٍ في الوجود نراه بأعيينا فهو مخلوق ومرتبط وجوده بزمن ويتغير مع الظروف وحاشا الله عز وجل من هذا التشبيه والتمثيل.
ومن هنا قال الإمام الصادق (): (كل موهوم بالحواس مدرَكٌ بها تحده الحواس وتمثله فهو مخلوق)

لم يثبت لدينا أن العالم الفلاني هو أقوى عالم في علم الفلك ـ مثلا ـ إلا عندما رأينا كتابه المبدع ونظرياته العلمية الباهرة التي كتبها،فبالأثر عرفنا عظمة المؤثر من دون أن نراه.
كذلك هنا (من عرفكم فقد عرف الله) فمن اكتشف وعرف عظمة الأثر عرف عظمة المؤثر.
بل حتى الكتاب ـ الذي كتبه هذا العالم ـ ليس له مثيل من الكتب.
فلما رأينا الكتاب لا مثيل له تيقنا أن هذا العالم ليس له مثيل أيضا.
المقصود أنه لا يوجد مخلوق يماثل أهل البيت ، ولهذا قال مولانا أمير المؤمنين صلوات الله عليه: (أنا الذي لا يقع علي اسم ولا رسم) (ظاهري إمامة وباطني غيب منيع لا يدرك)
و(ما عرفك إلا الله وأنا).
فنحن عاجزون حتى عن إدراك الأثر المحمدي العلوي فضلا عن المؤثر الإلهي!!
2- لقد وصف سبحانه نفسه بالكتب الثلاثة: الكتاب التكويني وهو الكون.
والكتاب التدويني وهو القرآن. والكتاب الأنفسي وهو الإنسان.
ولكن في جميع هذه الكتب الثلاثة أشرقت أنوار محمد وآل محمد صلوات الله عليهم،
ولولاهم سلام الله عليهم لما ظهرت هذه الكتب الثلاثة.
لأنهم أعظم وأعظم،فقد تركزت المعرفة الإلهية بحقيقتها في المعصومين فقط،ولم تتجسد المعرفة الإلهية في مخلوق كما تجسدت فيهم صلى الله عليهم:
(ليس لله آية أكبر مني ولا نبأ أعظم مني) و(فبهم ملأت سماءك وأرضك حتى ظهر ألا إله إلا أنت).
الخلاصة: إن الباري تعالى قد عرف نفسه للخلائق بالنور المحمدي (مثل نوره كمشكاة...).
بل ظهر سبحانه للخلق بهم . ولا يجوز التصريح أكثر من هذا. فتدبر.

اقتباس
والمفروض أن نقول إن الله أكبر من أن يوصف فقد قال الإمام أمير المؤمنين (): (فمن وصفه فقد حدّه ومن حدّه فقد عده ومن عدّه فقد ثناه ومن ثناه فقد جعل له شريكاً).

كل ما دخل في اللفظ فهو واقع على المخلوق،وكل ما أدركته بعقلك أو وهمك أو... فهو مخلوق،لذلك فإن جميع الصفات الإلهية التي ندركها نحن فهي ليست واقعة على الذات الإلهية البحت البات تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.
وإنما جميع الأسماء والصفات الإلهية واقعة على العنوان...واقعة على الفعل الإلهي، وذلك الفعل إنما هو النور المحمدي والحقائق المقدسة للمعصومين صلوات الله عليهم،أما هو سبحانه فهو (أكبر من أن يوصف)، كما قال الإمام: (فهو مخلوق).



اقتباس
وكذلك القوة الكهربائية فهي قوة لا تخضع للحواس الخمسة وإنما يميّزها العقل من خلال الآثار فمن الصعوبة بمكان أن نشير لسلك كهربائي فيه قوة أو خالٍ من القوة الكهربائية حيث لا فرق بين السلكين إلاَّ بالآثار.

هذا صحيح...فلولا الأسلاك المحمدية لم أعرف وجود الكهرباء الإلهية.
موضوعكما أختاي عظييييم وراااااائع
أشكركما من أعماق قلبي
أن شرفتماني وقبلتما بي مشاركا معكما
بل خادما لكما.

شعاع المقامات.


خادمة العباس (ع)
الصورة الرمزية خادمة العباس (ع)
عضو دائم

رقم العضوية : 516
الإنتساب : Oct 2007
الدولة : مدينة الرسول الأعظم عليه السلام
المشاركات : 1,304
بمعدل : 0.22 يوميا
النقاط : 253
المستوى : خادمة العباس (ع) is on a distinguished road

خادمة العباس (ع) غير متواجد حالياً عرض البوم صور خادمة العباس (ع)



  مشاركة رقم : 7  
كاتب الموضوع : خادمة العباس (ع) المنتدى : ميزان الثقلين القرآن الكريم والعترة الطاهرة عليهم السلام
Post
قديم بتاريخ : 11-Dec-2007 الساعة : 11:45 PM

اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم


صلى على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وأهلك أعداهم

بسم الله الرحمن الرحيم

خامساً: الجهاز العقلي وطريق الاستدلال

العقل هو الجهاز الكاشف للحقائق وهذه الحقائق قد يستلمها بإيعازات الحواس أو يستلمها من الآثار المتعددة سواء كانت خارجية أو داخلية فيسلط عليها أشعته الكاشفة ليتبين بالتالي حقيقة الأمر فبالعقل نميّز الطريق المستقيم عن الطريق الملتوي وبالعقل نكتشف خطأ الأفكار وصحتها ومن العقل نستلم بطاقة الدعوة لفعل الخير والجمال وإطاعة الخالق المدبر ومن العقل نتلقى إشارات حمراء بعدم ممارسة الأعمال الشريرة المخالفة للفطرة الإنسانية.

قال تعالى: (وسخر لكم الليل والنهار والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون). [سورة النحل: الآية 12].

فالعقل هو الأداة الكاشفة والمميزة والدالة على الله سبحانه وتعالى حيث القدرة الكاملة والملك التام المطلق.

وهنا يبرز سؤال مفاده: من دلّ العقل على الله ومن منحه هذه القابلية ليبحث عن الأسباب والعلل الماورائية؟ وفعلاً لا يستقر للعقل قرار حينما يبقى في إطار الشك والاحتمال فيسعى بكل قوته للتوصل إلى السبب الأول حيث تتوفر القناعة التي بدورها تجعل العقل مستقراً ومطئمناً ويمكن أن نقول إن هذه المسألة من المسائل الجديرة بالبحث والمناقشة وقد ازدادت الإجابات عنها حيث تتعدد الجهة التي تلهم العقل هذه القابلية على البحث والتمييز عن الخالق الأعظم بل السعي لمعرفة علة العلل وسبب الأسباب فمنهم من قال: إن القوة الملهمة قوة ذاتية كالآلة الميكانيكية تضعها على قانون معين فتستمر عليه دون توقف تبعاً لقانون الاستمرارية كدحرجة الكرة ومنهم من قال: إن القضية تكسبيه حيث تم اكتساب هذه القابلية من البيئة والمجتمع ونحن نسدل الستار على كل هذه النظريات التي هي بحاجة إلى كلام طويل لعرضها وتوجيهها فلنبرز الرأي الإسلامي الصحيح من منابعه الأصيلة، يقول مولانا أمير المؤمنين الإمام علي () في دعاء الصباح:

(يا من دلع لسان الصباح بنطق تبلجه وسرّح قطع الليل المظلم بغياهب تلجلجه وأتقن صنع الفلك الدوار بمقادير تبرجه وشعشع ضياء الشمس بنور تأججه يا من دلّ على ذاته بذاته وتنزّه عن مجانسة مخلوقاته..) تأمل في قوله () يا من دلّ على ذاته بذاته فالله سبحانه هو الذي ألقى في روعنا وعقولنا هذه الغاية المقدسة وهذا الطموح الفطري كي يسعى الإنسان للتوصل إلى معرفته سبحانه بنور العقل.

والإمام السجاد () في هذا الصدد يقول في دعائه: (بك عرفتك وأنت دللتني عليك. ودعوتني إليك ولولا أنت لم أدرِ ما أنت..).

والآن دعنا نتصور هل أن العقل باستطاعته أن يدرك كل الأشياء والوجودات بكنهها وماهيتها ودقة جزئياتها وأوصافها حتى نعمّم هذه الاستطاعة لتشمل بحثنا عن معرفة الله عز وجل وبكلمة أخرى هل استطاع العقل أو هل يستطيع أن يدرك ماهية الله وكنهه بالشكل المحسوس أو الملموس؟

وفي الإجابة على هذا الاستفهام نجزم بأن العقل الإنساني لابد أن يكون قاصراً وقابلياته محدودة وهذا الجهاز المخلوق والمحدود قطعاً لا يستطيع أن يحيط علماً وإدراكاً باللامحدود وهو الخالق العظيم بل أكثر من هذا إن العقل الإنساني قد لا يحيط علماً حتى ببعض الماديات والملموسات من الأشياء المتعارفة التي يقرّ بوجودها العلم فلا تظهر للإنسان إلاَّ أن يكون متخصصاً بالعلم المعين فيمكنه أن يحيط بالشيء أو بجزئه إحاطة شاملة نوعاً ما مثلاً الأطباء فإنهم لم يحيطوا بكل أمراض جسم الإنسان وليس باستطاعتهم أن يشخّصوا المرض ويصفوا الدواء لكل الأمراض المستعصية وهكذا يقف العلم الحديث والطب الحديث عاجزاً عن شفاء بعض الأمراض المستعصية والتي لازالت لغزاً يصعب حلّ رموزه فمن هنا نفهم أن العقل الإنساني رغم إنجازاته العملاقة في الحياة لكنه يعجز عن أمور قد تكون تافهة في نظر الإنسان العادي، صحيح أن العقل الإنساني توصل إلى صنع سفينة الفضاء وصنعَ العقل الإلكتروني ولكنه يعجز عن قتل الجرثومة التي تسبب الزكام مثلاً ولكنه يعجز عن معالجة مرض السرطان فضلاً عن عجزه المطلق إذا طلبوا منه إحياء ذبابة أو إعادة الروح إلى نملة ولتستخدم أضخم المختبرات الطبية لهذه العمليات.

يقول سبحانه في محكم كتابه الكريم: (إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلاً ما بعوضةً فما فوقها فأما الذين آمنوا فيعلمون أنه الحقّ من ربهم وأمّا الذين كفروا فيقولون ماذا أراد الله بهذا مثلاً يضل به كثيراً ويهدي به كثيراً وما يضل به إلاَّ الفاسقين). [سورة البقرة: الآية 26].

وبالفعل: (وما أوتيتم من العلم إلاَّ قليلاً). [سورة الإسراء: الآية 85].

أحد العلماء الكبار صاحب نظريات علمية رائعة ترك وصية قبيل وفاته بعد أن سأله أحد عن إنجازاته العلمية قال: إني اكتشفت أننا لا نعلم شيئاً ومثلنا مثل ذلك الطفل الجالس على شاطئ البحر يتلاعب بالصدف والحصى الملقى على الساحل بواسطة الأمواج البحرية ونتصور بذلك أننا نعلم بكل شيء والحال أن أسرار البحر العظيمة وما يجري في الأعماق كلها مخفية عنا فبمجرد معرفة شيء بسيطٍ جداً عن البحر كالصَّدَف نتصور أننا عرفنا كل شيء!

يقول الأستاذ بويس هامان أستاذ علم البيئة: عندما أرى قطرة من الماء تحت الميكروسكوب وحينما أشاهد أبعد النجوم بالتلسكوب تأخذني الحيرة الشديدة.

ويقول ويليام جيمس الفيلسوف الأمريكي (ت 1910):

(إن نسبة علمنا إلى جهلنا كنسبة قطرةٍ إلى محيط).

فإذن نحن لا نستطيع أن نحمّل عقولنا أكبر من قابليتها وإنما المفروض أن نوظفها في مجال اختصاصها كي تسير مسيرة طبيعية ولا تشذ عن طريقها بشكلٍ مريب وقلق.. فقد قال الإمام الصادق (): (إن العقل يعرف الخالق من جهة توجب عليه الإقرار ولا يعرفه بما يوجب الإحاطة بصفته).

وجاء في الرواية: (لم يطلع العقول على تحديد صفته ولم يحجبها عن واجب معرفته) فبما أن العقول قاصرة عن إدراك الإحاطة التامة بصفة الله سبحانه بالشكل الملموس فعليه أن الله سبحانه لم يوجب علينا هذه المعرفة باعتبار أنها خارجة عن قابلياتنا وقدراتنا فقابلياتنا محدودة وقاصرة ولهذا السبب نرى كثيراً من الأحاديث والروايات الناهية عن التفكير في ذات الله وكنهه فقد قال الرسول الأكرم (): (تفكروا في آلاء الله ولا تفكروا في الله، تفكروا في الخلق ولا تفكروا في الخالق فإنكم لا تقدرّون قدره).

وقال أيضاً: (تفكروا في خلق الله ولا تفكروا في الله فتهلكوا)، (تفكروا في كل شيءٍ ولا تفكروا في ذات الله)(1).

وقال الإمام علي (): (.. والله هو المستور عن درك الأبصار المحجوب عن الأوهام والخطرات)(2).

وفي مرة كان الإمام الصادق () يمرّ في المسجد فسمع أناساً يتكلمون في ذات الله فالتفت إليهم ونهاهم عن ذلك بقوله: (يا قوم لا تتكلموا في ذات الله فإن قوماً تكلموا في ذات الله فتاهوا)(3).

فإذن مسألة معرفة ذات الله وكنهه وماهيته مسألة مرفوعة عن العقل الإنساني لأنها خارجة عن قدرته وطاقته والمفروض أن نؤمن بالله سبحانه قوة خالقة مهيمنة بصورة متناسبة مع قدرة عقولنا ولا ندخل في التفصيلات التي لا تزيدنا إلا حيرةً وابتعاداً عن أصل المطلب والمسألة طبيعية جداً حيث أننا نؤمن بكثير من الأمور من حولنا في الحياة دون الدخول بالقضية التفصيلية وإنما نصل إلى التصديق العملي عبر المعرفة الإجمالية التي تجرنا إلى الإيمان والتصديق في النتيجة فمثلاً روح الإنسان هل من عاقل ينكرها؟ وبالمقابل هل من عاقل يدرك ذاتها وماهيتها؟ لا يدّعي ذلك أحد.

وإنما بصورة إجمالية نعرف تلك الروح ونعتقد بأثرها الواضح.

قال أمير المؤمنين ():

(الحمد لله المعروف من غير رؤية، الخالق من غير منصبه خالق الخلائق بقدرته واستعبد الأرباب بعزته وساد العظماء بجوده وهو الذي أسكن الدنيا خلقه وبعث إلى الجن والإنس رسله ليكشفوا لهم عن غطائها)(4).

فمن هنا يبرز دور الأنبياء والرسل () جاؤوا ليبينوا للناس حقيقة الأمر ويأخذوا بأيديهم إلى الاستقامة والمعرفة الحقة عن طريق الآثار التي تدل عليه سبحانه وتعالى وتجدر الإشارة إلى أن هذا القصور الموجود في حواسنا المختلفة كالعين والسمع وكذلك القصور الموجود في عقولنا ليس كل هذا من باب النقص والعيب وإنما من باب التقدير الإلهي الحكيم الذي بواسطته تتحقق الحكمة الإلهية البالغة في أن تكون لكل أمر حدود معينة لا يمكن تجاوزها فالعين لها حدود كما للعقل حدود ليستقيم نظام الحياة فقد قال عز من قائل في محكم كتابه:

(ولم يكن له شريك في الملك وخلق كل شيءٍ فقدره تقديراً). [سورة الفرقان: الآية 2].

ولكن من خلال هذه الحدود المرسومة يستطيع الإنسان أن يتوصل إلى أبواب الحقيقة والمعرفة الحقة فيدخلها بأمان ونحن حينما نؤمن بأننا في دار امتحان واختبار في هذه الدنيا يمكن أن تكون هذه الحدود من جملة هذه الامتحانات المفروضة على الإنسان.

فإذن ذات الله وكنه وجوده وماهيته لا يمكن أن نتوصل إلى معرفتها تفصيلياً كما لا نتمكن من معرفة القوة الكهربائية والمغناطيسية والروح الحيوانية كذلك - ومن الطبيعي أن الأمثال تضرب لتقريب الفكرة ليس إلاَّ لأنها لا تقاس -.

فقد قال سبحانه: (ليس كمثله شيء). [سورة الشورى: الآية 11


توقيع خادمة العباس (ع)


خــ العباس(ع) ــــــادمة




منتظرة المهدي
عضو
رقم العضوية : 421
الإنتساب : Sep 2007
الدولة : طيبة الطيبة
المشاركات : 5,448
بمعدل : 0.90 يوميا
النقاط : 0
المستوى : منتظرة المهدي is on a distinguished road

منتظرة المهدي غير متواجد حالياً عرض البوم صور منتظرة المهدي



  مشاركة رقم : 8  
كاتب الموضوع : خادمة العباس (ع) المنتدى : ميزان الثقلين القرآن الكريم والعترة الطاهرة عليهم السلام
Post
قديم بتاريخ : 12-Dec-2007 الساعة : 12:59 AM

اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم


يا دائم الفضل على البرية
يا باسط اليدين بالعطية
يا صاحب المواهب السنية
صلى على محمد وآل محمد
خير الورى سجية
وغفر لنا ياذا العلى في هذه العشية ....





سادساً: كيف ومن أوجد الكون؟

هنالك عدة توجهات للإجابة على هذه المسألة أهمها:

1 - مناقشة أزلية المادة.

أ - الأزلي بسيط والحادث مركب.

ب - الأزلي سرمدي والحادث ينتهي.

ج - الأزلي لا يحتاج إلى علة والحادث يحتاج إلى علة.

2 - نظرية الصدفة في خلق العالم.

3 - قراءة في الاحتمالات لعلة الوجود.

4 - الله هو الخالق للكون وحديث الأدلة على ذلك.

5 - وقفة مع الشبهات والردّ عليها.

سندرس هذه التوجهات لنصل إلى الأمر الذي تقنع به عقولنا بروحٍ موضوعية تماماً وهنا وقبل البدء أسجل ملاحظة هامة لهذه الدراسة وهي أن هذه الدراسة الموضوعية تحتاج إلى نوع من التجرد عن العواطف والمعتقدات - على الأقل وقتياً - كي نستوعب الآراء وأدلتها بموضوعية ونردّ عليها بموضوعية كذلك والمفروض أن نزرع في أنفسنا الثقة التامة لخوض هذا المضمار العسير الذي يحدّد مصيرنا ومصير أمتنا الإسلامية كذلك.

فلنبدأ بالتوجه الأول:

1 - أزلية المادة:

ما معنى الأزلي؟ وماذا يقابله من المعاني؟ وما معنى الأبدي؟ وما يقابله أيضاً؟ لنتعرف على ذلك في البداية.

الأزلي هو الذي لا بداية له ويقابله الحادث الذي لوجوده بداية مرتبطة بالزمن والأبدي هو الذي لا نهاية له أي أنه يبقى خالداً دون فناء ويقابله الحادث الذي يفنى ويزول وينتهي في وقت معين. أما أهم صفات الأزلي الأبدي الذي يقابله الحادث فهي ما يلي:

أ - الأزلي بسيط والحادث مركب

أي إن الأزلي لا يحتاج إلى شيءٍ كي يختلط معه أو يشترك معه ليبرزه بشكل معين بينما الحادث ذاته بحاجة إلى عنصر أو عناصر أخرى كي يبرز بوجهه المألوف إلى الوجود فقد يكون هذا الحادث مركباً من جزءين أو أجزاء عديدة فالإنسان مثلاً مركب من دم ولحم وعظم وشعر وجلد بعد أن كان نطفة صغيرة فتركبت مع بويضة الأنثى في الرحم ثم تطورت الأعضاء بمرور الزمن إلى هذا الكائن الحي فهو مركب من أجزاء عديدة وكل جزء ينمو ويظهر لتفاعلات معينة مرتبطة بالزمن كالأسنان اللبنية في الطفولة مثلاً تظهر في ظروف معينة مرتبطة بزمنٍ ما يقول الإمام علي (): (أم هذا الذي أنشأه في ظلمات الأرحام، وشُغُف الأستار، نطفة دهاقاً، وعلقةً محاقاً، وجنيناً، وراضعاً، ووليداً ويافعاً. ثم منحه قلباً حافظاً ولساناً لافظاً وبصراً لاحظاً..) رقم الخطبة 81/3.

فمن كل ذلك نستخلص بأن المركب له أجزاء وهذه الأجزاء قد تنشأ منذ بداية وجوده وقد تلتحق وتتفرع عنه فيما بعد أيْ تظهر فيه كأجزاء ضمن نموه والأجزاء هذه هي حادثة مركبة أيضاً ويمكن فصل عناصر المركّب بعضها عن بعض كالمواد الكيمياوية المركبة ضمن تركيبة معينة من مواد متعددة تظهر بشكلٍ معين ولو غيّرنا التركيبة بتغيير مقادير العناصر المشتركة لتغيّر الناتج، فذرتان من الهيدروجين مع ذرة أوكسجين تنتج لنا مركب الماء وبالعكس يمكن فصل الهيدروجين عن الأوكسجين بإمرار المركب بالتيار الكهربائي فتعود التركيبة إلى طبيعتها في الهواء. ومن هنا نقول إن الأزلي يستحيل أن يكون مركباً لأن المركب حادث. وكذلك نقول إن الأزلي لا يتغير مهما تغيرت الظروف والأحوال على العكس من المركب فالحادث مركب يتغيّر بتغيّر الظروف والأحوال فيزداد وينقص وتنفصل منه بعض العناصر أو تزداد فيه على ضوء ما تستجده الظروف بينما الأزلي يبقى كما هو لا يتغير ولا يتبدل مهما تقدم الزمن وتبدل الظرف.

يقول الإمام علي () في خطبته رقم 184: (وإن الله سبحانه، يعود بعد فناء الدنيا وحده لا شيء معه، كما كان قبل ابتدائها، كذلك يكون بعد فنائها بلا وقت ولا مكان ولا حين ولا زمان عُدمت عند ذلك الآجال والأوقات، وزالت السنون والساعات. فلا شيء إلا الله الواحد القهار. الذي إليه مصير جميع الأمور. بلا قدرة منها كان ابتداء خلقها، وبغير امتناع منها كان فناؤها. ولو قدرت على الامتناع لدام بقاؤها..).

ب - الأزلي سرمدي والحادث ينتهي

الأزلي سرمدي في وجوده أي أبدي خالد لا ينعدم والحادث يفنى وينتهي فالشجرة مثلاً كانت بذرة أو فسيلة فتغيرت وتبدلت إلى أن صارت شجرة مثمرة ثم تبدأ بعد فترة من الزمن بالعد العكسي حتى تنتهي وتموت وتحرق أخشابها أو تستخدم لاغراضٍ أخرى.. فإذن الحادث عكس الأزلي حيث أن الحادث ينتهي ويفنى ويعدم من الوجود بينما الأزلي يبقى كما هو لا ينعدم.

فقد قال الله في محكم كتابه الكريم: (كل من عليها فان. ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام). [سورة الرحمن: الآية 26 - 27].

ج - الأزلي لا يحتاج إلى علة والحادث يحتاج إلى علة

الأزلي لا يحتاج إلى غيره مهما كانت الظروف والأحوال عكس الحادث فإنه يحتاج في وجوده إلى علة وسبب وفي استمراريته كذلك يحتاج إلى علة فالإنسان يحتاج إلى خالق وموجد وأسباب موضوعية ويحتاج إلى أسباب المعيشة كي يستمر في وجوده من أكل وشرب وعناية فإذا مرض فهو بحاجة إلى طبيب يعالجه وفي أيام البرد يحتاج إلى التدفئة والملابس المناسبة وفي حالة التعب يحتاج إلى الراحة والنوم وفي الجوع يحتاج إلى طعام بينما الأزلي لا يحتاج إلى سبب في الإيجاد ولا في استمرار وجوده فهو غني عن العالمين لا يحتاج الراحة والنوم وأسباب العيش كما قال عز وجل في محكم كتابه:

(الله لا إله إلا هو الحي القيوم لا تأخذه سِنَة ولا نوم...). [سورة البقرة: الآية 255].

فهو غني عن عباده وعن كل شيء آخر بينما الحادث فقير في وجوده واستمراره إلى غيره كالإنسان فهو محتاج إلى خالق يوجده وإلى عوامل استمرار وجوده من الماء والهواء والطعام وأسباب النمو والعيش فقد قال القرآن العظيم:

(لله ما في السموات والأرض إن الله هو الغني الحميد). [سورة لقمان: الآية 26].

والآن لنأتي إلى أصحاب نظرية: (أزلية المادة) ونسألهم أولاً ماذا تقصدون بالمادة؟ هل تقصدون بها التراب والجبال والأشجار والماء والبحار والسماء والأرض أي أن مقصودكم من المادة هذه الطبيعة المحيطة بنا، فإن كان كذلك فسوف نصطدم حينما نمرر هذا المعنى على الصفات - آنفة الذكر - ففي الحقيقة إن هذه الموجودات تتصف بصفات الحادث لا بصفات الأزلي على الإطلاق.

فحينما نعرّف المادة بأنها (كل شيء يشغل حيّزاً في الفراغ وله وزن) من هذا التعريف نفهم أن المادة تتصف بصفات الحادث ولا يمكن أن تتصف بصفات الأزلي بأي شكل من الأشكال فالتعريف يشير إلى أن المادة بحاجة إلى مكان فهي ليست غنيّة عنه ولها وزن فلو أخذنا أية مادة - في الوجود - أو أي قدر مشترك بين المواد كلها كالذرات مثلاً فالذرة ذاتها مركبة من الإلكترونات والنيوترونات وتصنف المواد عبر عدد ذراتها وعناصر الذرات أيضاً إلى تصانيف متعددة وتقرّ لنا الفيزياء بأن هذه العناصر قد تتغير طبيعياً ويمكن تغييرها بالعوامل الخارجية فمثلاً أشعة (كاما) تتحول إلى عنصر آخر حينما تفقد بعض بروتوناتها إثر الإشعاع وعنصر اليورانيوم يتحول إلى الراديوم وإلى الرصاص على التوالي بواسطة الإشعاع وحتى أن الأشعة (أشعة كاما) يمكن أن تتحول إلى ذرات مادية بعناصرها - إلكترونات وبروتونات - وإذا اصطدم العنصران فيها تتحول إلى طاقة.

وكما مضى في مركب الماء H2O يتحلل الماء إلى عنصريه الأوكسجين والهيدروجين بتمرير التيار الكهربائي وهكذا نرى أن الطاقة تتحول إلى ذرات مادية والذرات المادية تتحول إلى طاقات فالقنبلة النووية أو الذرية القائمة على قاعدة الانشطار الذري والتفاعل المتوالي والقنبلة الهيدروجينية التي تنفلق بدمج القنبلة الذرية بنوى ذرة الهيدروجين من هذا الدمج تتولد طاقة هائلة وحتى الطاقة هذه تتحول من حالةٍ إلى أخرى فالطاقة الكهربائية تتحول إلى طاقة ميكانيكية كما في تشغيل المكائن الميكانيكية بواسطة طاقة الكهرباء والطاقة الكهربائية يمكن تحويلها إلى طاقة كيمياوية - كما مر - في تحليل الماء إلى عنصريه بواسطة التيار الكهربائي وهكذا.. فأصحاب هذه النظرية ذهبوا إلى أن العالم ينتهي إلى ذرات متناهية في الصغر هذه الذرات تستمد قوتها وحركتها من الأثير أو من الخلاء الموجود في الكون حيث القاسم المشترك لكل الذرات.

هذه الذرات هي أصل الكون وتمتاز بالصلابة القصوى التي لا تتجزأ وهي كذلك تتحرك وتسبح في الأثير بحركة ميكانيكية منتظمة وبسبب هذه الحركة ظهرت في الكون أشكال متعددة للمادة. فإذن تكون المادة أزلية وهي أصل الوجود.

والرّد الواضح على أصحاب هذه النظرية حيث أنهم قالوا بأنها ذرات صلبة لا يمكن أن تتجزأ أرادوا بذلك تصعيد الذرات إلى الصفات الأزلية وأنها لا تقبل التركيب ولكن لا يخفى على أحد وخاصة في تطور العلم الحديث - كما مر معنا - يقسم الذرات إلى عناصر وجزئيات متعددة ويحوّل الذرة المادية إلى طاقة والطاقة إلى ذرة ثم حينما فرضوا وجود الخلاء أو الأثير وبنوا عليه آراءهم وطموحاتهم الفلسفية في الوجود ما سألوا أنفسهم من أوجد الأثير وهل أن هذه الذرات المادية الأزلية كما يزعمون هي في غنىً عن هذا الأثير؟ ثم إن هذه الذرات تتغير في الواقع المادي من شكلٍ لآخر وتفنى كذلك والذي يتغير ويفنى هو حادث متغير محتاج وليس أزلياً.

وأما نظرية المادية الديالكتيكية (الجدلية) فتتلخص بأن (كارل ماركس) الذي يعتبر تلميذ (هيجل) الفيلسوف الألماني (1770 - 1831) قد أخذ نظريته الجدلية من أستاذه (هيجل) لكنه أبدلها من الحالة التصويرية المثالية الناكرة للمذهب المادي إلى الحالة المادية وهنا أتذكر أحد الأساتذة نقل لنا كلمة من (ماركس) وهي: لقد وجدت (هيجل) منكوساً على رأسه فأحببت أن أعدله - أي يعدل أستاذه من التوجّه المثالي إلى التوجه المادي فكان يرى (هيجل) أن الوجود سراب لا حقيقة له في الخارج والحقيقة موجودة في عالم الفكر بشكل متناقض (وجود وعدم وجود) إثبات ونفي فكل فكرة تثبت في الذهن تحمل نقيضها في داخلها فلا شيء موجود في الخارج. أما (ماركس) فقد سحب هذا التفسير إلى المادة فذهب إلى أن الحركة ليست سوى انعكاس حركة الواقع وقد انتقلت إلى الإنسان.

ويذهب (ماركس) إلى أزلية المادة وأنها أبدية خالدة لا تفنى ويؤكد الماديون بأن المادة تحمل في داخلها حركة ذاتية مضادة لما هو الواقع ومتناقضة معه وهذا يفسر لنا تغير المادة من شكلٍ إلى آخر وهم لا يقصدون بالتناقض هو الوجود والعدم وإنما هو الصراع الذي يؤدي إلى انتقال الشيء بسبب ذاتي من القوة إلى الفعل كما يقول المناطقة كما الرجل الشاب هو بالقوة نعتبره أباً ولكنه بالفعل ليس بأب إلا أن يتزوج ويخلف أبناءً فيكون أباً بالفعل فهذه النقلة من حالة إلى أخرى تسميه الفلسفة الماركسية بالتناقض!

فمما تقدم تؤمن الفلسفة المادية بأزلية وأبدية المادة لأنها لا تفنى وإنما وجودها نبعي ذاتي لا وتحتاج إلى علة موجودة فهي أزلية أبدية - كما يتصورون - وهي لا تفنى ولا تستحدث من العدم - كما يقولون -.

والأمر المطروح على الماديين هو ان المادة المتطورة من حالة لأخرى بفعل التناقض الداخلي هل أنها بحاجة إلى من يعطيها هذه القوة لأجل التحول والتغيير أم لا؟ ثم إن المادة التي تتغير كما يقولون من حالة لأخرى قد فقدت شرطاً رئيسياً من شروط الأزلي وهو الثبات وعدم التغير ثم إنها حينما تحمل في داخلها النقيض يعني أنها مركبة في وجودها من ذاتها ومن نقيضها والمركب ليس أزلياً وتجيب المادية الجدلية بأن المادة لا تفنى وإنما تتحول إلى طاقة وإشعاع ومن الإشعاع تتحول إلى حالة مادية فتختفي حالة لتظهر حالة أخرى وهكذا فالأمر يعود إلى الطاقة التي تتحول من شكل لآخر دون فناء فبما أنها لا تفنى فلا تحتاج إلى علة الإيجاد فعليه تكون المادة أزلية خالدة.

ونحن على ضوء الكشوفات الحديثة نرد على هذه النظرية حيث ثبت علمياً ان الطاقة كما الذرة تفنى.. يقول عالم الطبيعة البيولوجية (فرانك ألن) كما جاء في كتابه (الله يتجلى في عصر العلم). قوانين الديناميكية الحرارية تدل على أن مكونات هذا الكون تفقد حرارتها تدريجياً وإنها سائرة حتماً إلى يوم تصير فيه جميع الأجسام تحت درجة من الحرارة بالغة الانخفاض هي الصفر المطلق ويومئذٍ تنعدم الطاقة وتستحيل الحياة ولا مناص من حدوث هذه الحالة من انعدام (فناء) عندما تصل درجة حرارة الأجسام إلى الصفر المطلق بمضي الوقت).

أما (كبسيل) عالم الحشرات في نفس الكتاب يقول: (فإننا نستطيع أن نستنتج أن هذا الكون لا يمكن أن يكون أزلياً... وإن لهذا الكون بداية).

ويقول العالم الكيمياوي (كوثران) (تدلنا الكيمياء على أن بعض المواد في سبيل الزوال والفناء ولكن بعضها يسير نحو الفناء بسرعة كبيرة والآخر بسرعة ضئيلة وعلى ذلك فإن المادة ليست أبدية)(1).

على ما تقدم نلمس أن فكرة أزلية المادة التي نادى بها (ماركس) عبر التناقض الذاتي الموجود داخل الذرات غير صحيحة علمياً وبذلك ينتهي مفعول النظرية لأنها ما استطاعت أن تثبت أزلية المادة بشتى طرقها.




2 - نظرية الصدفة في خلق العالم:

هنالك نظرية تقول بأن الموجودات والكائنات في العالم خلقت صدفة من دون خالق والذي نفهمه من الصدفة - هنا - أحد المعنين فالمعنى الأول هو المعنى الشائع اجتماعياً كما لو تلتقي عزيزاً فارقته منذ فترة طويلة من دون سابق تخطيط ففي أثناء مرورك بالسوق تلتقي به - مثلاً - فتقول: صدفة التقيت به من دون سابق إنذار أو خطور في الذهن بل كان اللقاء عفوياً ومثال آخر أنك تبحث عن حاجة مفقودة وعزيزة عليك وأنت ماض في أعمالك فجأةً تشاهدها أمامك تقول صادفتها صدفةً فهذا المعنى وبهذا التوجه لا يمكن أن ننكر العوامل المسببة لهذا اللقاء المفاجئ مع الشخص الصديق أو الحاجة المفقودة فهنالك أسباب طبيعية متعددة رتبت هذا اللقاء منها الخروج في هذا الوقت ولهذا المكان وخروج صديقي متزامناً معي ولكل دوافعه الذاتية والشيء الذي يمكن تسجيله هو أن هذا اللقاء تم، ولكن دون قصد أونيّة أو تخطيط في الذهن، وبهذا المعنى لا مناقشة لنا فيه لأنه خارج عن بحثنا بل سنناقش المعنى الثاني الذي يدخل في صميم بحثنا.

والمعنى الثاني هو ما يذهب إليه البعض من الفلاسفة والمفكرين ويقصدون بالصدفة أن الأشياء والوجودات في العالم وجدت دون سبب أو علة للإيجاد وإنما من طبيعتها الوجدان والظهور أو الفقدان والضمور فليست مرتبطة بأي جهاز تخطيطي أو عقل مدبر ومخطط وبالطبع يقدّم هؤلاء الصدفيون أدلتهم على دعواهم تلك، وتتلخص أدلتهم بأنهم ما شاهدوا بداية التكوين والخلق فلذلك لم يحصل لهم الجزء بوجود علل للخلق والوجود وأنهم حالياً يشاهدون الموجودات باختلاف أنواعها مخلوقة ولها قوانينها المعينة.

(كلّ في فلك يسبحون). [سورة الأنبياء: الآية 33].

وهذه القوانين الخاصة بكل عنصر في هذا الكون الرحب إنها مستمرة في نظامها بشكلٍ طبيعي ومنضبط ولا تتوقف عن عملها إلا بعوامل خارجية كالجاذبية والضغط الجوي كما يذهب إلى ذلك نيوتن فالتفاحة تسقط من الشجرة إلى الأرض بعوامل الجاذبية الأرضية فينتهي عملها ضمن قانون الشجرة لقانون خارجي آخر وهذه الاستمرارية التي نراها في نظم الكون دون علة ودون سبب بل من طبيعتها ذلك فهي وجدت دون علة وسبب وبقيت دون ذلك أيضاً فإذن وجدت صدفة واستمرت كذلك صدفة وينسحب هذا التصور إلى كل الوجود والخلق فإن هذا العالم وجد صدفة من كبير أجزائه إلى صغيرها كما أجاب أحدهم حينما سئل عن القميص الذي يرتديه بقوله أن هنالك حقول القطن وجدت صدفة في أرضٍ معينة وبمرور الزمن نضجت المحاصيل القطنية وأينعت فما المانع أن تجئ الرياح الشديدة على هذه المحاصيل وتقطف القطن من الحقول وبالفعل أخذت القطن صدفة ثم ساقته إلى آفاق السماء وهنالك في الآفاق العليا وبعد مرور ملايين السنين وعلى أثر تقلبات الجو في طبقات السماء العليا وفي وسط الأمطار والرياح العاتية تمتّ تصفية القطن من كل شائبة وبمرور الزمن تلونت هذه القطع القطنية المنتظمة بألوان عديدة ثم فصّلت بأشكال وأحجام مختلفة وبتنسيق دقيق وبألوان زاهية وبمرور الزمن أخذت الرياح تعيد الأمانة إلى أهل الأرض - صدفةً - وما المانع في أن يوماً من الأيام يكون الإنسان على سطح داره رافعاً يديه إلى السماء وصدفة يأتي القميص الذي فصّل ورتّب مناسباً للجسم ضمن مقاييسه المعينة وصدفةً يدخل في يديّ - أنا مثلاً - وتدفعه الرياح ليستقر في جسمي كما ترى ثم نلاحظ وإذا به قميص قطني جميل ملوّن بالشكل المناسب.

يقول (هلسكي): لو جلست ستة من القرود على آلات كاتبة وظلت تضرب على حروفها ملايين السنين فلا نستبعد أن نجد في بعض الأوراق الأخيرة التي كتبوها قصيدة من قصائد شكسبير فكذلك كان الكون الموجود الآن نتيجة لعمليات ظلت تدور المادة لبلايين السنين)(2).

أما الرد على أصحاب هذه النظريات فيأتي في عدة نقاط أهمها:
1 - إن قانون الاستمرارية الذي يستدلون به على أنه بلا سبب فيسحبونه إلى نكران السبب الأول للإيجاد، كيف يمكن أن نصدق ذلك وننكر علة الاستمرار في النظام؟ بل العكس فإن سبب الاستمرار يمكن أن نسحبه إلى وجوب إيجاد علة أولية لهذا النظام المستمر ثم إن قانون الاستمرارية لا ينكر وجود العلة في الإيجاد، وفي الاستمرار أو في التوقف عن الاستمرارية فلا أحد ينكر علة وجود النظام في الكون والمسألة فطرية سواء كانت المادة ساكنة أو متحركة فإنها ساكنة لسبب وتتحرك لسبب وتقف عن الحركة لسبب آخر فمن غير المنطق أن نضع قانون الاستمرارية سبباً لنكران علة الوجود فلا ربط بينهما بهذه الصورة.

2 - ثم في مثال (هلسكي) نفسه حيث جلوس القردة وطبعها بالآلة على الأوراق آلاف أو ملايين السنين كي تنتج قصيدة لشكسبير وفي الحقيقة أن هذا المثل يناقض فكرة اللاسبب فهو من جانبنا نحن المنكرين للصدفة في خلق العالم وليس من جانب الصدفيين حيث إن القصيدة هذه جاءت عبر تفاعلات عدة أسباب وعلل لإنتاجها فالقرود والضرب على الآلة الكاتبة والآلة نفسها والحبر والورق والزمن كلها أسباب تتفاعل لإنتاج هذه القصيدة - إن وقع ذلك - فلا نستطيع أن نقول إن القصيدة طبعت من وحدها صدفة دون سبب.

3 - ثم إننا حينما نقف أمام الأنظمة الكونية الدقيقة التي يحدثنا العلم الحديث عن عظمتها وإبداعها لحريٌّ بنا أن نقف منها موقف المتأمل الواعي فلو نظرت إلى نفسك بإمعان وبدقة لأعدت النظر في هذه النظرية من جديد واعتبرتها من المسليات الذهنية للإنسان الجليس كحكايات ألف ليلة وليلة، ويكفي أن نعرف أن في كل عين للإنسان توجد أربعة عشر مليون خلية عصبية لو تغير موقع عصب من هذه الأعصاب - لا سمح الله - أصيبت العين بمرضٍ معين يشخصه المتخصصون.

هل تقول إن هذه العين وجدت صدفة وتعمل وتستمر في نشاطها صدفة دون أية أسباب وعلل، فهل يعقل؟ أن أضرب رجلاً على وجهه بقوة وأدعي في المحكمة أن يدي صدفة ارتفعت وصفعت وجه هذا الرجل بقوة من دون أي سبب بل الصدفة والصدفة وحدها لعبت دورها وهي علة الضرب!!

ماذا ننتظر من هذا الإدّعاء إلاَّ أن يأمروا بي للسجن أو إلى مستشفى المجانين ويقولون لي - بعد ذلك - إننا جئنا بك إلى هذا المكان صدفة دون سبب وستستمر فيه دون سبب أو علة هل يصدّق عاقل ذلك؟

وفي كتاب (العلم يدعو للإيمان) مثال جيد يقول فيه (كريس موريسون) المؤلف والعالم الأمريكي (لو تناولت عشر قطع وكتبت عليها الأعداد من واحد إلى عشرة ثم رميتها في جيبك وخلطتها خلطاً جيداً ثم حاولت أن تخرج منها من الواحد إلى العاشر بالترتيب العددي بحيث تلقي كل قطعة في جيبك بعد تناولها مرةً أخرى فإمكان تناول القطعة رقم 1 في المحاولة الأولى 1/10.

وإمكان تناول القطعة رقم1، متتابعين هو1/ 100.

وفرصة سحب البنسات التي عليها أرقام 1، 2، 3 متتالية هي نسبة 1/1000.

وفرصة سحب 1، 2، 3، 4 متتالية هي 1/ 10.000.

وهكذا حتى تصبح فرصة سحب البنسات بترتيبها الأول 1 - 10 بنسبة واحد إلى عشرة بلايين محاولة).

وعلى هذا نجزم بأنه من المستحيل أن يكون وجود العالم وما فيه من الصدفة كما لا يقبل بهذا التفسير أبسط إنسان على وجه الأرض حينما تعتدي عليه أو تسرق منه شيئاً بحجة الصدفة العمياء فلا يقبل عاقل بذلك ولا أية محكمة في العالم ترضى أن تكون الصدفة دليل البيّنة للمدّعي فمثلاً: يسرق إنسان ما بعض المجوهرات والذهب ويدّعي أنها صدفة دخلت جيبه دون سببٍ آخر، فبالتأكيد إنه أمر مردود من الأساس لأن قانون العلية مسألة بديهية فطرية لا يستطيع أحد نكرانه وفي حالة النكران ستهدم كل أسس العلم والبداهة.

فكيف لو نظر الإنسان إلى هذا الكون الرحب بدقته وعظمته وقوانينه المعقدة الداخلية وعلاقته بالعالم الخارجي ضمن ضوابط دقيقة فهل ينظر إلى نظرية الصدفة نظرة اعتبار. والكون كله يدل على الخالق المبدع. فلذا سنتحدث عن بعض الأدلة العلمية في الأحاديث القادمة بعونه تعالى.




3 - قراءة في الاحتمالات لعلة الوجود:

بعد أن توصلنا فيما سبق إلى أن نظرية أزلية المادة ونظرية الصدفة في خلق الوجود لا تقومان على أسس علمية وعقلية وتمّ تفنيدهما والآن نريد أن نتوصل إلى معرفة (علة الوجود) وما هي الاحتمالات في هذه العلة فلو أخذنا أنفسنا مثلاً وتساءلنا من الذي أوجدنا؟ وما هي الاحتمالات في علة خلقنا وسبب وجود أنفسنا؟

وقبل الإجابة على هذا السؤال يمكن أن نقرر أن أنفسنا ما كانت مخلوقة سابقاً ثم وجدت أي أننا قبل الولادة للدنيا ما كنا موجودين في هذا العالم حالياً نحن موجودون وكلٌ منّا يعرف عمره أي بداية وجوده وحتى اللحظة الراهنة. فنحن ما كنا في الوجود وحالياً موجودين وفي يومٍ ما ستنتهي حياتنا: (كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام) كما يقول القرآن الكريم في سورة الرحمن: الآيتان 26، 27.

وفي حديث للإمام الرضا () حينما سئل عن الدليل على وجود الله فأجاب: (أنت لم تكن ثم كنت وقد علمت أنك لم تكوّن نفسك ولا كوّنك من هو مثلك..). وهكذا يحصر الإمام احتمالات المبدع والخالق ومن ثمّ يحاور السائل ويطلب منه أن يحاور نفسه أيضاً لكي لا يقع تحت تأثير معين بل يضفي أجواء الحرّية ليتوصل السائل إلى الحقيقة بملء إرادته.

وبعد تلك الملاحظة وهذه الرواية وأمثالها الكثير، نعيد التساؤل الأول من الذي أوجدنا؟ وقد اتفقنا على أننا ما كنّا في الوجود فوُجدنا فما هي احتمالات الموجد لنا؟ والاحتمالات ثلاثة لا رابع لها وينطبق نفس الأمر على العالم بأسره وعلى الطبيعة المحيطة كلها ودعنا الآن ندرس الاحتمالات الثلاثة:

الاحتمال الأول: نحن أوجدنا أنفسنا ونحن دبرنا جسمنا وروحنا وكيّفنا ظروفنا في الولادة والدوام ضمن هذا النظام الحياتي.

الاحتمال الثاني: إن الذي أوجدنا هو مثلنا فأفاض علينا بالوجود.

الاحتمال الثالث: إن الذي أوجدنا ليس مثلنا.


أما الاحتمال الأول

فهذا لا يمكن أن نصدّقه لأننا أثبتنا سلفاً عدم وجودنا قبل أن نوجَد فكيف أوجدنا أنفسنا من العدم؟ أي حينما آمنا ببداية زمنية لوجودنا فقبلها ما كنا موجودين فوجُدنا بمعنى اننا في مرحلة زمنية كنا عدماً ثم صار لنا وجوداً فالذي يكون عدماً ثم وجوداً ثم عدماً لا يمكن أن يكون - هو - قد أوجد نفسه أو أفناها، هذا أولاً وثانياً لو - جدلاً - نحن أوجدنا أنفسنا لأوجدناها كاملة دون نقص غير ضعيفة ولا محتاجة إلى الموجودات والأشياء الأخرى في الحياة ومن ثم لاستطعنا أن نُبقي أنفسنا دون أن نموت لأن الإبقاء أسهل من الإيجاد والإبداع والخلق علماً بأن الموت والفناء أمر محزن للإنسان وبالفعل - وقهر عباده بالموت والفناء - والإنسان يحب البقاء في الحياة ولكنه من المستحيل التحكم في فترة البقاء ودرء الأجل أو أبعاده وتأجيله.

(يدرككم الموت ولو كنتم في بروجٍ مشيدة) [سورة النساء: الآية 78].

وهكذا نرى في الوجدان إننا لا نستطيع إعادة الحياة إلى أعزّ الخلق إلينا مهما أوتينا من قوة علمية وحتى أنفسنا لا نستطيع أن ندافع عنها حين الضرر الصحي فضلاً عن الموت فنرى البعض مُبتلى بالأمراض الجسمية أو النفسية وأما الموت فحتميته أمر لابد منه وقد قال سبحانه وتعالى:

(كل نفس ذائقة الموت وإنما توفون أجوركم يوم القيامة..). [سورة آل عمران: الآية 185].

فإذا لم نستطع دفع الضرر والإبقاء على النفس من الفناء فقطعاً نحن لا نستطيع أن نوجد أنفسنا فالمسألة - فعلاً - خارجة عن إرادتنا وكيف لا نصدّق ذلك والحال نحن لا ندري ماذا في أجوافنا واحشائنا وداخلنا وحتى المتخصصين في تشريح جسم الإنسان يقفون موقف المتحير لعظيم الصنع والإبداع في الكيان الإنساني العجيب.

قال سبحانه: (أم خلقوا من غير شيءٍ أم هم الخالقون). [سورة الطور: الآية 35].

وبالفعل إن هذه الأمور التي لا يمكننا أن نتحكم فيها كما لا يمكن لأي أحد أن يختار جنسه ولون شعره ولون بشرته وطوله وحتى مسقط رأسه ومكان موته كذلك، قال عز وجل:

(إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام وما تدري نفس ماذا تكسب غداً وما تدري نفس بأي أرضٍ تموت..). [سورة لقمان: الآية 34].

فكيف يمكننا أن نوجد أنفسنا من العدم:

وهكذا ينتهي الاحتمال الثاني أيضاً بأن الذي أوجدنا هو مثلنا! بمعنى آخر لو كان الذي أوجدنا مثلنا ويتصف بأوصافنا لاستطعنا نحن كذلك أن نوجِدَ خلقاً مثلنا وهذا الأمر لا يدعيه عاقل فضلاً عن الجزم والاعتقاد به وإذا كنا غير قادرين وكلّ منا غير قادر أن يوجد مثله فيأتينا الكلام السابق وهو عدم استطاعتنا على أن نبقيهم كما هم عليه الآن والحال أن الكثير من أصدقائنا واعزائنا يموتون ونحن نتقطع أسىً وغصة عليهم دون أن نقدر على إبقائهم وإعادة الأرواح إلى أبدانهم ومؤكد أن هذا العمل أقل بكثير من الإيجاد التام للإنسان فلذا ينفجر الإنسان بكاءً على فقدان أحبائه وهذا عمل المقهورين وعمل العاجزين تنفيساً عن الألم - وقهر عباده بالموت والفناء -.

فإذن نحن لا نستطيع أن نوجد أمثالنا ولا أمثالنا يستطيعون أن يوجدونا هذا من الناحية العملية أما إذا رجعنا إلى حديثنا الماضي في أن أصل الوجود لابد أن يتصف بصفات الأزلي لا الحادث المصنوع والمحدود فنقول إن أنفسنا أو أمثالنا لا يمتلكون صفات الأزلي بل يتميزون بصفات الحادث حيث التغيير والحاجة إلى الغير والتركيب وكلها من صفات الحادث.

فإذن نحن لسنا قادرين على أن نوجد أنفسنا ولا أن نوجد أمثالنا قطعاً ويقيناً. وهكذا لابد أن يكون لهذا الكون الرحب العجيب بنظامه ودقته ولهذا الإنسان العجيب بأجهزته الدقيقة لابد أن يكون من أوجده ليس مثله وإنما يتمتع بصفات الأزلي الأبدي كاملة وسبحانه الذي يقول في محكم كتابه:

(فاطر السماوات والأرض جعل لكم من أنفسكم أزواجاً ومن الأنعام أزواجاً يذرؤكم فيه ليس كمثله شيء وهو السميع البصير). [سورة الشورى: الآية 11].

فالوجود كما نراه (الكون والإنسان) لابد أن يوجده الذي يستوعبه بالكامل أي بمستوى رفيع من الصفات الخاصة التي تنتج هذا الإبداع لا أن يكون الموجِد (بالكسر) بمستوى هذا الوجود إبداعاً أو أقل منه مستوىً! فالكمال المطلق صفة الموجِد الأكبر الذي يحتوي ويستوعب كل الوجود ويسيِّر قوانينه ويتحكم في خلقته ومصير العالم وحقاً إن الطريق لمعرفة الخالق للكون يبدأ من معرفة النفس فالذي يريد أن يعرف خالقه يجب أن يعرف نفسه والأسرار المودعة فيه ليرى عظمة الموجد لها والمدبر لقوانينها (فمن عرف نفسه فقد عرف ربه) كما ورد في الأثر، وبعد أن نتعرف على عظمة الموجد والمبدع لهذه النفس الإنسانية ولهذا التكوين الإنساني ولهذا الوجود الكوني ندرك تماماً إن الموجودات ناقصة رغم عظمتها ومحدودة رغم آفاقها قياساً بالخالق المبدع فهو ليس مثلنا وبالتالي نستنتج أن ما هو موجود في أنفسنا وفي الوجود العام ليس موجوداً في خالقنا العظيم لأنه (ليس كمثله شيء) كما مرّ معنا.

فأنا محدود والخالق ليس محدوداً، فأنا عاجز والخالق قادر وأنا محتاج والخالق غني عن كل شيء وأنا أنتهي وأفنى بنهاية زمنية والخالق لا ينتهي بزمن وأنا كانت لي بداية والخالق ليست له بداية فهو أزلي أبدي سرمدي خالد.

فهو واحد أحد (ليس مقابل الاثنين والثلاثة والأربعة) بل هو واحد أحد لا نظير له ولا ضدّ له ولا ندّ له ولا شبيه له ولا مثيل.

سئل الإمام الرضا () ما الدليل على وجود الله؟ فأجاب: (أنت لم تكن ثم كنت وقد علمت أنك لم تكوّن نفسك ولا كونك من هو مثلك.. ثم قال: إني لما نظرت إلى جسدي ولم يمكني فيه زيادة ولا نقصان في العرض والطول ودفع المكاره عنه وجر المنفعة إليه علمت أن لهذا البنيان بانياً فأقررتُ به..)(3).

فإذن لا أنا أوجدت نفسي يقيناً وبتجرد ولا أوجدني الذي هو مثلي يقيناً وبتجرد أيضاً ويبقى الاحتمال الثالث الذي لا خيار غيره وهو أن الذي أوجدنا ليس مثلنا - والآن قد تكون اللغة قاصرة عن التعبير الدقيق لهذا المعنى وحتى العقل الإنساني كذلك قاصر عن أن يصل لمعرفة كنه الخالق الكريم - وبين اللغة والعقل في قصورهما يمكن أن نخرج بنتيجة علمية واضحة وهي أن الذي أوجدنا ليس مثلنا أما كيف يكون؟ وما هي ماهيّته وكنهه؟ هذا ما أجاب عليه الإمام علي أمير المؤمنين () حيث قال: (اللهم... حمداً لا ينقطع عدده ولا يفنى مدده فلسنا نعلم كنه عظمتك إلاَّ أنا نعلم أنّك حي قيوم لا تأخذك سِنة ولا نوم... لم ينتهِ إليه نظر ولم يدرك بصر أدركت الأبصار وأحصيت الأعمال...).

هذا هو الدليل من داخل أنفسنا ولنا حديث عن الأدلة الخارجية عن النفس ونكتفي بالإشارة هنا إلى تكملة حديث الإمام الرضا () علّنا نفصّل في الأدلة الخارجية في الصفحات القادمة إن شاء الله قال (): (... فأقررتُ به مع ما أرى من دوران الفلك بقدرته وإنشاء السحاب وتصريف الرياح ومجرى الشمس والقمر والنجوم وغير ذلك من الآيات العجيبات المبينات... علمت أن لهذا مقدِّراً منشئاً..).

ويجيب الإمام علي () ببساطة عن إثبات الصانع فقال: (البعرة تدل على البعير والروثة تدل على الحمير وآثار القدم تدل على المسير فهيكل علوي بهذه اللطافة ومركز سفلي بهذه الكثافة لا يدلان على اللطيف الخبير؟) هذا ونحوه محكي عن الأعرابي..(4).



4 - الله هو الخالق وحديث الأدلة:

بعد أن عرفنا شيئاً من نظرية أزلية المادة والصدفة وحديث الاحتمالات توصلنا إلى أن الإنسان المؤمن لابد أن يمتلك القناعة بمبدإه كي يتمسك به كلياً وإلاَّ تبقى المسألة عقدة مترسخة في باطن الإنسان هذه العقدة تنفجر سلباً في حالات العسرة والضيق لأنها تفتقد الأرضية المطلوبة لغرض توفير القناعة التامة ولذلك لابد أن نبحث بحريّةٍ واطمئنان هذه القضية المهمة لنوفر لأنفسنا الحل السليم لهذه العقدة ومن هنا يعرِّفُ بعض الأساتذة العقيدة بالعقدة الكامنة في شعور الإنسان متى ما توصل إليها مطمئناً صادقاً انجلت عقدته ومثله مثل الإنسان إذا ضيع شيئاً عزيزاً عليه فيبحث عنه بحثاً دقيقاً فمتى ما وجده تنتهي عقدته ويستريح ضميره ووجدانه فانحلال العقدة بوجود الهدف الذي كان ضائعاً، حينها تتحول العقدة إلى عقيدة يؤمن بها الإنسان فقد قال سبحانه:

(الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب). [سورة الرعد: الآية 28].

فحالة التمسك بالعقيدة والمبدأ منشأُها القناعة بهذه الأفكار والمعتقدات ونحن يمكننا أن نستدل على وجود الخالق المدبر المهيمن عن طريق وجودنا مرةً وعن دليل خارج عن وجودنا مرةً أخرى حيث نرى عظمة الإبداع والتدبر وسنن هذا الكون الفسيح.

وبداهة أن الأثر يدل على المؤثر والمصنوع يدل على الصانع والدقة في الأثر والنظام في المصنوع يدلان على قدرة الخالق وعظمته كما أنك حينما تشاهد بناءً متواضعاً من طابق أرضي واحد ليس فيه إلاَّ باب واحد وغرفتان ولواحق بسيطة للبيت تقول لابد من بانٍ ومصمم لهذا البناء المتواضع وكذلك حينما تشاهد ناطحات السحاب ذات المصاعد الكهربائية فترى الدقة في التشييد والتنسيق ما بين الطوابق والسلالم الكهربائية فلابد أن تقول أن هنالك عقولاً هندسية واعية أنتجت هذا العمران الضخم وعليه لا نمنح صفة العقل الهندسي المتطور للبيت المتواضع الأول كما نمنحه لمصممي ناطحات السحب وهكذا فمن خلال عظمة الخلقة والإبداع التي نراها في داخلنا ودقة الأنظمة الكونية خارجنا نتوصل إلى معرفة الذات الإلهية المقدسة والمدبرة لهذا الوجود والمتصفة بكل صفات الكمال والجمال والجلال.

وقبل أن نتطرق لحديث الأدلة نلفت انتباه القارئ الكريم إلى مسألة مهمة وهي هل إن الله سبحانه علة العلل في إيجاد الأشياء والوجودات؟ أم أنه ليس كذلك. والعلة إما أن تكون علة تامة أو علة ناقصة فإذا قلنا بأن الله سبحانه هو العلة الناقصة فالمفروض وجود غير الله لإيجاد بقية العلل ولإيجاد الكون وأما إذا قلنا علة تامة لازم هذا أن تكون الموجودات قديمة بقدم الله لأن المعلول لا يفارق علته أبداً، والحال نحن أثبتنا عملياً ووجدانياً وعلمياً بأننا لم نكن موجودين سابقاً فؤُجِدْنا في الكون فيما بعد وهكذا الوجودات المستقبلية حالياً هي عدم ولكنها ستوجد في المستقبل بمعنى نحن لسنا قدماء كما يريد ذلك الفرض على ما يذهب إليه بعض الفلاسفة.

فلو كان معنى أن الله علة تامة يقودنا - كما يذهب البعض - إلى قدم الوجودات بقدم الله على مستوى وجود الشركاء له سبحانه فنحن نرفض هذا المعنى ونرفض الانقياد مع هذا البعض وراء النتيجة الساذجة. وكذلك أن الله سبحانه ليس علة ناقصة للزوم اشتراك غير الله مع الله لتتكون العلة التامة المسببة للوجود والخلق والإبداع.

من كل ذلك نستنتج أن الله سبحانه ليس علة تامة - كما تذهب النتيجة السابقة التي تُوصِلنا إلى قدم الموجودات وإلى أن علية الله تعني سلب القدرة عنه فكلما تحققت العلة التامة يتحقق المعلول دون اختيار العلة التامة ودون السيطرة على هذا الإنتاج وبالتالي سلب القدرة منه (سبحانه). بل العكس فإنّ الله تعالى هو مختار يفعل ما يريد فقد قال عز وجل:

(إنَّما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون). [سورة يس: الآية 82].

فكان الله ولم يكن معه شيء ثم خلق الأشياء ثم يميت الخلائق وهو على كل شيء قدير بعيداً عن كونه (عز وجل) علة تامة أو ناقصة على النتائج التي نخرج بها.

والآن نحاول أن نسلط الضوء على الأدلة:

أولاً: حديث وجودنا:

يقول القرآن المجيد: (ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين. ثم جعلناه نطفة في قرار مكين. ثم خلقنا النطفةَ علقةً فخلقنا العلقةَ مضغةً فخلقنا المضغةَ عظاماً فكسونا العظامَ لحماً ثم أنشأناه خلقاً آخر فتبارك الله أحسن الخالقين). [سورة المؤمنون: الآيات 12 - 14].

ويقول سبحانه في آيةٍ أخرى: (هو الذي يصوّركم في الأرحام كيف يشاء لا إله إلا هو العزيز الحكيم). [سورة آل عمران: الآية 6].

ويقول أيضاً: (قل هو الذي أنشأكم وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة قليلاً ما تشكرون). [سورة الملك: الآية 23].

الإنسان بأجهزته ومظهره وخلاياه وغدده يعد أكبر معمل منظَّم ومنتج في العالم حيث يؤدي واجباته على أحسن ما يرام وفيه أسرار ترى العلم راكعاً أمامها.

يقول سبحانه وتعالى في محكم كتابه الكريم: (لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم). [سورة التين: الآية 4].

فإضافة إلى أنه جهاز معقد في غاية التعقيد فإن أجهزته تتداخل وظيفياً فيما بينها فجهاز يخدم جهازاً آخراً بشكلٍ منسق ودقيق ومن المؤكد أن الأجهزة تقع تحت تأثيرات الحالة النفسية وبالعكس فالشعور واللاشعور النفسي يتبادلان مع أجهزة الإنسان وإفرازات غدده في كافة الأجهزة المختلفة ضمن تنظيم دقيق فكل عضو له وظيفته المعينه يؤديها لصالح الإنسان العام في النمو والبناء ولنستمع إلى أقوال بعض العلماء في هذا الصدد يقول (مورسون) العالم الطبيعي (خذوا جسم الإنسان فإنكم ستجدون فيه من الخلايا بعدد عشرة ملايين مليار خلية وهذا هو العدد المتوسط للخلايا في جسم شاب في مقتبل العمر)(5).

أما في كتاب (الطب محراب الإيمان) يذكر أن هناك ثلاثة عشر ألف مليون خلية عصبية أي 13 مليارد خلية عصبية في الجهاز العصبي وحده والخلية بحد ذاتها بناء محيّر مدهش وهذه كلها تعمل بشكل دقيق محكم متناسق متعاون لتأدية الأغراض الحيوية والفكرية وأن هناك 750 مليون سنخ رئوي يعمل لتصفية الدم وذلك بإمرار غاز الأوكسجين من الخارج إلى الدم الأسود الوارد من البطين الأيمن من القلب وهناك الكِلْية وهي الجهاز المنقّي للدم من الجهة الثانية وفيها واحات صغيرة جداً لا ترى إلاَّ بالمجهر حيث يتفرع الشريان الذي يغذّي الكلية إلى فروع دقيقة جداً حتى يصل إلى تفريع شعري لا يرى إلاّ بالمجهر يلتف حول نفسه ليشكل ما يعرف بالكبد وفيها يمر الدم ببطءٍ شديد ويتصفى بالرشح في الكلية قرابة 200 لتراً من الدم يومياً ويعود ليمتص مرة أخرى بواسطة الأنابيب الكلوية التي يمر منها قرابة 198 ليتراً وهذه الكبب يصل عددها إلى المليون في الكلية الواحدة تقوم بتصفية مئات الألتار من الدم يومياً وإن الروعة تكمن في الغدد وفي البناء وفي كيفية العمل وفي الروعة الهائلة لتخليص الإنسان من السموم التي تدخل جسمه)(6).

أما عن القلب فقد جاء في كتاب (الإعجاز الطبي في القرآن): القلب هو دعامة الجسم وقوام الحياة وعضلاته متصلة بعضها ببعض في مدمج خلوي لا تفصل بين خلاياه جدر خلوية كما هو معروف بين خلايا الحيوان والنبات ولعل هذا التكوين الخلقي للعضلة القلبية قد جعلها مؤهلة تماماً للعمل كوحدةٍ واحدةٍ يتواتر إيقاعها بقوة وانسجام لا إرادياً ولا دخل فيه، وهذه الحركة القلبية شديدة الإعجاز بطبيعتها. والعضلة القلبية شديدة النشاط موفورة القوة دائمة العمل دائبة الحركة لا تكلّ ولا تملّ لا تسأم ولا تهرم لا يتأثر انقباضها تأثراً بيّناً بائناً بالتخدير الكلي أو النصفي كما إنها لا تصاب بالسرطان والقلب يضخ في اليوم الواحد ما يقرب من ثمانية آلاف لتر من الدم يدفعها إلى مسافة تقدر بنحو عشرة آلاف ميل وتصل ضربات القلب السليم في اليوم الواحد إلى 115200 ضربة أو خفقة وتصل في الشهر الواحد إلى 3.456.000 من ثلاثة إلى أربعة ملايين ضربة أو خفقة.

أما عن حركة القلب فأثناء انقباض الأذين الأيمن ينبسط البُطين الأيمن وينغلق الصمام الرئوي وينفتح الصمام الثلاثي ليمر الدم من خلاله إلى البُطين الأيمن وعند انقباض البطين الأيمن ينغلق الصمام الثلاثي وينفتح الصمام الرئوي الذي يندفع الدم من خلاله للشريان الرئوي ومنه إلى الرئتين(7).

وأثناء انقباض البطين الأيسر ينغلق الصمام الرئوي وينغلق الصمام الميترالي وينفتح الصمام الأورطي حيث يندفع الدم خلاله بقوة انقباض البطين الأيسر إلى الشريان الأورطي ثم إلى جميع أجزاء الجسم.

أليس هذا بإعجاز طبي هندسي رائع بديع؟

وأما لو كشفنا عن بعض الأسرار التي كانت غامضة فيما مضى والعلم الحديث كشف عن أهميتها جديداً مثلاً غدة (تيموس) وهي غدة صغيرة في القفص الصدري وتقع فوق البلعوم وقد كانت غير معلومة الأهمية واعتبرها البعض عضواً لا فائدة فيه ولكن قد عُلم اليوم بأن للغدة دور كبير في توفير الحماية والمقاومة والدفاع لبدن ضد العناصر الأجنبية المهاجمة ويعتقد البعض ان لها تأثيراً على الفعاليات الجنسية ونمو البدن بعد البلوغ وباستئصالها تبدو الأعضاء الجنسية بحالة الخمول ويتأخر حصول البلوغ.

أما غدة (أبي فير) فهي أعقد من تيموس وتقع داخل الدماغ وكان البعض من العلماء لا يتصور لها فائدة ولكن اليوم تبين لها التأثير على النشاطات الجنسية والبلوغ وأما اللوزتان حيث كان الأطباء يرون لا فائدة لهما ويأمرون باستئصالها كثيراً، تبين اليوم أنهما تعملان على تزويد الجسم بالكريات البيضاء ومهمتها الدفاع عن الجسم والوقوف بوجه الميكروبات فهي تشكل مراكز حِجر صحي أو حصناً منيعاً يقف في مداخل الطرق التنفسية إذ تنقي الهواء من الميكروبات. وحتى الزائدة الدودية فقد توصل البعض إلى أن الزائدة الدودية يمكن أن تلعب دوراً مؤثراً في الدفاع ضد السرطان ويمكن أن يؤدي استئصالها عند غير الضرورة إلى ظهور السرطان ونقلاً عن مجلة (جاما) استئصال الزائدة الدودية في الأشخاص المؤهلين للابتلاء بالسرطان له تأثيرا ملحوظ في ذلك ويمكن أن يكون باعثاً على حدوثه في الجسم(8).

ولو جئنا إلى جهاز السمع عند الإنسان لوقفنا على إنجاز هائل وجبار حتى إنه وضعت نظريات تشرح لنا كيف تستقبل الأذن الصوت وكيف تحلله من خلال جهاز السمع واعضائه فنستطيع أن ندرك جهة الصوت ونميز الأصوات بعضها عن بعض وندرك البعد المكاني لهذا الصوت.

والمتتبع لهذه الحاسة يدرك عظمتها من خلال الدراسة الدقيقة لأجزائها فهي مقسمة إلى ثلاثة أقسام رئيسية: الأذن الخارجية وهي مؤلفة من صيوان الأذن (الجزء الغضروفي الخارجي) ووظيفته جمع الاهتزازات الصوتية ونقلها بأمانة إلى داخل الجهاز والجزء الثاني هو القناة الموصلة بين الصيوان والطبلة.

أما الأذن الوسطى فتنفصل عن الخارجية بغشاء رقيق (طبلة الأذن) وتتألف هذه الأذن من عظام السمع (المطرقة والسندان والركاب) وغشاء الطبلة هذا مادته من أفضل الأجسام إيصالاً للصوت فيمتاز بالرقة وهذه الميزة مفيدة للنقل لكنه معرض للتمزيق من زيادة الضغط الخارجي فاتقاءً من هذه الخطورة صار من ورائها انبوب يوصل بين الأذن الوسطى والجزء العلوي من الحلقوم ويسمى (قناة أو بوق أوستاكيوس) وهذه القناة تنظّم الضغط على الطبلة ومن خلالها يتم تفريغ الافرازات فلولاها لتراكمت الافرازات وأفسدت الأذن.

والعظيمات هذه (المطرقة والسندان والركاب) متصلة بعضها ببعض بشكلٍ هندسي متنظم تستلم الذبذبات الصوتية من الطبلة بشكلٍ فنيٍ وتسلّمها للعظم التالي ومن ثمّ يطرق نافذة القوقعة (الأذن الداخلية) مكبرة للصوت بما يعادل قوة الذبذبة الأصلية اثنين وعشرين مرة.

فلو تعطلت العظيمات عن العمل لسببٍ ما فهنالك البديل المؤقت لاستلام الصوت وهو (الكوة المستديرة) الواقعة بين الأذن الوسطى والداخلية ولم تتصل بالعظيمات تلك فهي أداة احتياطية يستفاد منها وقت الحاجة بشكلٍ أوتوماتيكي.

ثم يلاحظ أن العظام مصنوعة من أجسام صلبة جيدة لتوصيل الصوت، وأنها منفصلة عن عظام الرأس لتحتفظ بالاهتزازات من التسرب.

أما الأذن الداخلية فهي مؤلفة من عدة دهاليز وأقنية وسلالم وتسمى (التيه) وأوله دهليز بيضوي الشكل متصل بغشاء (الكوة البيضاء) وفي الدهليز أنبوب حلزوني يحتوي على محور مركزي على شكل عمودي وتلفه قناة محيطة بالمحور مرتين ونصف وفي القناة (هذه) صفيحة رقيقة بعضها عظمي وبعضها غشائي وهي تشطر القناة المحيطة بالمحور إلى شطرين وفي داخل القناة جهازان:

أحدهما: يتصل بغشاء الكوة البيضوية ليستلم الاهتزازات عن طريق العظام ويسمى بـ (السلم الدهليزي).

والثاني: يتصل بغشاء الكوة المستديرة ليستلم الاهتزازات عن غير طريق العظام ويسمى (بالسلم الطبلي) وهناك يقع عضو (كورتي) وهو التركيب المتخصص بالتحسس وذلك في غور القوقعة (القناة المحيطة) وعلى القسم الأعلى من عضو كورتي توجد أربعة صفوف من الخلايا الشعرية وهذه الصفوف تحتوي على تركيب جلاتيني يسمى بالغشاء الغطائي وتنقسم هذه الصفوف بتراكيب تشبه العصي إلى صف داخلي وثلاثة صفوف خارجية وتحت الخلايا الشعرية تتفرع نهايات الألياف العصبية السمعية التي يقدر عددها بثلاثين ألف نهاية ويقول ذوو الاختصاص (ولا يعلم على جهة اليقين كيف يتأتى لعضو (كورتي) أن يحوّل الذبذبات إلى دفعات عصبية)(9).

ولا يسعني هاهنا إلاَّ أن أردد وأطيل النظر في كلمات مولانا أمير المؤمنين الإمام علي () في هذا الصدد فيقول: (.. وما الذي نرى من خلقك ونعجب له من قدرتك نصفه من عظيم سلطانك وما تغيّب عنا منه وقصرت أبصارنا عنه وانتهت عقولنا دونه وحالت ستور الغيب بيننا وبينه أعظم..)(10) اكتفي بهذا القدر من النماذج في الاستدلال من وجودنا وداخلنا وأما في استدلالنا من خارج أنفسنا فيمكن القول فيه:

إن ما نراه من دقة ونظام وعظمة لهذا الكون المليء بالأسرار والأعاجيب يكفي أن يوصلنا إلى وجود المدبر المبدع الخالق وعظمته. ففي الأفلاك والبحار والحيوانات والنباتات بل في كل شيء يخطر ببالنا تتجسد عظمة الخالق فيه ودقة نظامه وتدبيره مما يبهر الإنسان على مستوى المعرفة والعلم والبداهة بحيث لا يستطيع أحد أن يجيب حينما يسئل عن المبدع والمدبر والخالق إلا أن يقول الله تبارك وتعالى وفي هذا المجال يقول القرآن المجيد:

(ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض وسخر الشمس والقمر ليقولن الله فأنّى يؤفكون). [سورة العنكبوت: الآية 61].

وفعلاً لو فكر الإنسان فيما يجري حوله من قوانين ونظم تيقّن بوجود الخالق والمدير والمدبر:

(أفلاك ينظرون إلى الإبل كيف خلقت. وإلى السماء كيف رفعت. وإلى الجبال كيف نصبت. وإلى الأرض كيف سطحت. فذكر إنما أنت مذكر). [سورة الغاشية: الآيات 17 - 21].

يقول سيدنا الإمام علي (): (... ألا ينظرون إلى صغير ما خلق كيف أحكم خلقه وأتقن تركيبه وفلق له السمع والبصر وسوَّى له العظم والبشر انظروا إلى النملة في صغر جثتها ولطافة هيئتها لا تكاد تنال بلحظ البصر ولا بمستدرك الفكر كيف دبت على أرضها وصبت على رزقها تنقل الحبة إلى حجرها وتعدها في مستقرها تجمع من حرّها لبردها وفي ورودها لصدرها مكفولة برزقها مرزوقة بوفقها لا يغفلها المنان ولا يحرمها الديّان ولو في الصفا اليابس والحجر الجامس ولو فكرت في مجاري أكلها في علوها وسفلها وما في الجوف من شراسيف بطنها وما في الرأس من عينها وأذنها لقضيت من خلقها عجباً ولقيت من وصفها تعباً. فتعالى الذي أقامها على قوائمها وبناها على دعائمها لم يشاركه في فطرتها فاطر، ولم يعنه على خلقها قادر ولو ضربت في مذاهب فكرك لتبلغ غاياته ما دلتك الأدلة إلاَّ على أن فاطر النملة هو فاطر النخلة لدقيق تفصيل كل شيء وغامض اختلاف كل حي وما الجليل واللطيف والثقيل والخفيف والقوي والضعيف في خلقه إلاَّ سواء وكذلك السماء والهواء والرياح والماء فانظر إلى الشمس والقمر والنبات والشجر والماء والحجر واختلاف هذا الليل والنهار وتفجر هذه البحار وكثرة هذه الجبال وطول هذه القلال وتفرق هذه اللغات والألسن المختلفات... فالويل لمن جحد المقدر وانكر المدبر... وهل يكون بناء من غير بانٍ أو جناية من غير جان)(11).

أما الذي نراه في الكتب الحديثة حول عظمة الخالق وتدبيره فهو كثير فلنقف على بعضه فقد جاء في كتاب (الله والعلم الحديث): (هذا الأوكسجين الذي إذا زاد زيادة طفيفة لسبّب فــناء العـــالم بمـــا يسبـــّبه من اخــــتلال في كثافــــة الهواء... فتتهاوى الكواكب والأجرام)(12).

علماً بأن نسبة الأوكسجين في الهواء 21 % فلو صارت النسبة 30% مثلاً لاختلّ النظام في الحياة وتبدّلت موازين الاحتراق لأن الأوكسجين يساعد على الاشتعال ففي هذه النسبة المفترضة يساعد على الاشتعال بشكلٍ غير طبيعي مما يسبب الحرائق الفادحة في كل مكان وان الكون بنجومه المختلفة الأحجام التي لا حصر لها والتي تندفع في جميع الاتجاهات كأنها شظايا قنبلة متفجرة في صورة لا يكاد المرء أن يتخيلها حتى يدركه البهر)(13).

ويقول أنشتاين - العالم المعروف - (وكما أن الساعة اليدوية لابد لها من صانع صنعها أو مخترع اخترعها كذلك الطبيعة لابد لها من مبدعٍ قدير ابتدعها بقدرته وأنشأها بحكمته وهو الخالق العظيم).

ونرى الكون الرحب بما في فضائه الفسيح من كواكب وأفلاك تسير ضمن خطة دقيقة كلٌ قد عرف طريقه ومسلكه وقانونه وبعبارة أخرى كتلٌ من الأنظمة والدساتير والموازنات في الحركة والتأثير والجاذبية المتوازنة بصناعة دقيقة جداً في المسيرة والتحرك.

يقول عزّ من قائل في محكم كتابه العزيز: (لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكلٌ في فلك يسبحون). [سورة يس: الآية 40].

وفي آية أخرى: (والسماء رفعها ووضع الميزان). [سورة الرحمن: الآية 7].

فمثلاً يذكر علماء الطبيعة والفلك إن قطر الشمس 864.000 ميل وهذه الشمس شرارة في مجرة درب التبانة (مجموعتنا الشمسية تعتبر جزءاً منها) وتتخلل نجوم هذه المجرة وكواكبها كميات كبيرة جداً من الغاز معظمه هيدروجين وغبار وربما كانت كتلة الغاز والغبار المنتشرة في المجرة تعادل كتل النجوم كلها(14).

ومجرتنا يحددون قطرها نحو 100.000 سنة ضوئية(15).

وفي بعض التقارير العلمية أكثر من ذلك وهذه مجرتنا ليست وحدها في الفضاء ويؤكد قسم من التقارير العلمية انه قد تم كشف على الأقل عشرة بلايين مجرة أخرى وهذا يعتمد على قوة الجهاز الكاشف ولدى بعض التقارير إن عدد المجرات مئة ألف مليون مجرة(16).

يقول الله سبحانه: (والسماء بنيناها بأييدٍ وإنّا لموسعون). [سورة الذاريات: الآية 47].

وفي دائرة المعارف قولٌ للعالِم نيوتن هو (كيف تكونت أجسام الحيوانات بهذه الصياغة البديعة ولأي المقاصد وضعت أجزاؤها المختلفة هل يعقل أن تصنع العين الباصرة بدون علم بأصول الإبصار ونواميسه والأذن بدون إلمام بقوانين الصوت... وهذه الكائنات كلها في قيامها على أبدع الأشكال وأكملها ألا تدل على وجود إله منزّه عن الجسمانية حي حكيم)(17).

وبهذا نكون قد وضحنا الأدلة من داخل الإنسان في بيان جزءٍ من أجهزته وأوضحنا أيضاً بعض الأدلة من خارج الإنسان وحديث الأدلة حديث شيق أدعو المؤمنين لمطالعته في مختلف الكتب المعنية.


5 - وقفة مع الشبهات والرد عليها:

الشبهة الأولى:

وخلاصتها:

إن الحواس الخمس هي النوافذ الطبيعية للمعرفة ولحصول العلم وعلى رأس الحواس حاسة البصر فهي الحجة القاطعة ونحن بصراحة لا نرى الله وعليه لا نستطيع أن نؤمن بشيءٍ إلا نراه.

والجواب: هؤلاء يعتقدون أن مصدر المعرفة لديهم هو الدليل الحسي البصري عبر التجارب ويضاف له السمع، الشم، اللمس، الذوق فكل معرفة لا تمر عبر هذه القنوات تعتبر من الأوهام واللاواقعيات - (وما دامت المسألة الإلهية مسألة غيبية وراء حدود الحس والتجربة فيجب أن نطرحها جانباً وننصرف إلى ما يمكن الظفر به في الميدان التجريبي من حقائق ومعارف)(18).

ونقول في الإجابة أيضاً: إننا لا ننكر دور الحس في المعرفة الإنسانية ولكن نقول ليست المسألة كلها متعلقة بالحس وإنما للإدراك العقلي الدور الأهم في المعرفة، (فنيوتن مثلاً حين وضع قانون الجاذبية العامة على ضوء التجربة لم يكن قد أحس بتلك القوة الجاذبية بشيء من حواسه الخمس وإنما استكشفها عن طريق ظاهرة أخرى محسوسة لم يجد لها تفسيراً إلا بافتراض وجود القوة الجاذبة)(19).

فصحيح أنه رأى بعينه التفاحة التي سقطت إلى الأرض وتساءل لماذا ما صعدت إلى السماء ولكنه افترض على هذا البناء الحسي أمراً غير ملموس أو محسوس ألا وهو أمر الجاذبية الأرضية التي لا تخضع للحواس الخمس بأية صورة من الصور وإنما أدركها من خلال آثارها بدليل عقلي واضح فلو أزلنا مبدأ العلية العقلي كما يرغب أصحاب المذهب التجريبي لوقعنا في فخ الصدفيين، ومع ذلك فإن الحواس هذه قد تخطئ كما في مسألة السراب وقد تختلف من فرد لآخر ومن ظرف لآخر مما يجعل لهذا الاختلاف ظهور الواقع العلمي عند البعض ونكرانه عند البعض الآخر، يقول الدكتور فؤاد صروف في مقال نشرته مجلة عالم الفكر الكويتية العدد الثاني: (إن علماء الطبيعة في هذا العصر رأوا بعقولهم ما لا يمكن أن يروه بعيونهم أو بمصوراتهم الضوئية).

فاكتشف علماء الطبيعة أسراراً لم تكتشفها الحواس وعلى رأسها العيون فلو سايرنا المذهب التجريبي أكثر نلاحظ أنه لا يستطيع أن يثبت قواعده في المعارف الموجودة في العالم إلاَّ بالاعتماد على القواعد العقلية مثال ذلك التعليل وكشاهد عليه مثلاً نلاحظ أثر النار في تبخير الماء كسائل له مواصفات معينة وليس كل السوائل لأن الماء يتكون من مكونات مهيّأة للتبخر نتيجة الحرارة فكل سائل يحمل نفس المواصفات يتبخر بالحرارة وهكذا قاعدة التعميم على كل المياه في العالم. فالتعليل والتعميم وأمثالهما من القواعد العقلية هي التي تدفع بالتجارب الحسية نحو الأمام وهذه القواعد عقلية ولولاها لاحتجنا إلى تكرار كل التجارب وعلى كل السوائل كما في مثالنا.

وهكذا نرى العقل يرمم المعرفة الحسية من مواقع القوة أما أصحاب هذا المذهب فهم يذهبون إلى أن الحواس هي المصدر لكل المعارف وهنا نتساءل هل هذه القاعدة حصلوا عليها عبر التجربة أم لا؟ وفي هذا الصدد يقول السيد محمد باقر الصدر في كتابه (فلسفتنا) (صحّ لنا أن نتساءل عن السبب الذي جعل التجريبيين يؤمنون بصواب هذه القاعدة فإن كانوا قد تأكدوا من صوابها بلا تجربة فهذا يعني أنها قضية بديهية وأن الإنسان يملك حقائق وراء عالم التجربة وإن كانوا قد تأكدوا من صوابها بتجربة سابقة فهو أمر مستحيل لأن التجربة لا تؤكد قيمة نفسها)(20).

فبالنتيجة نلاحظ أصحاب هذا المبدأ يطبقون قواعد عقلية من حيث لا يشعرون إضافة إلى أن كثيراً من الخبرات والتجارب والعلوم جاءتنا عبر التاريخ ونحن نؤمن بها دون أن نراها أو نشهدها وقد نحصل عليها بطرق غير حسيّة فالمغناطيسية والكهربائية والجاذبية وأمثالها نؤمن بها دون أن نراها بالعين أو نشمها بالأنف أو نلمسها باليد. فإذن ليست الحواس هي النافذة الوحيدة لمعارف الإنسان بل هي النافذة الاعتيادية للمعرفة بينما يبقى العقل هو البداية الرئيسية لمعارف الإنسان وهكذا تتلاشي هذه الشبهة أمام أشعة العقل والعلم الحديث فليست علومنا ومعارفنا عبر الحواس فقط هي التي آمنا بها.


الشبهة الثانية:

لكل وجود في العالم علة إيجاد لابد منها فمن أوجد الله سبحانه؟

وقبل الإجابة أتذكر قولاً للفيلسوف (برتراند راسل) في كتابه لماذا ليست مسيحيا؟ (فكما أن لكل شيءٍ علة وسبب لابد لوجود الله أيضاً من علة ودليل ولو أمكن لشيءٍ أن يكون بلا دليل ولا علة لأمكن أن يكون هو الله أو العالم وعلى هذا فالبحث عن الله يفقد اعتباره).

ويقول (هربرت اسبنسر) الفيلسوف البريطاني (المشكلة هي أن العقل البشري يفتش لكل أمر عن علة وهو يرى استحالة الدور والتسلسل ولا يرى علة بلا علة ولا يفهمها).

فبالنتيجة يمكن أن نقول إن مبدأ العلية هو قانون لازم لكل مناحي الوجود ولا يمكن أن يكون شيءٌ موجوداً دون علة أو سبب وحينما نفترض أن هنالك شيئاً وجد دون علة أو سبب فهو نوع من أنواع الصدفة في الخلق وبهذا الأسلوب يصنفون الأيديولوجية الإسلامية ضمن نظرية الصدفيين حيث أنها تعتقد بوجود الخالق والمدبر الرئيسي صدفة بمعنى كونه موجوداً بلا علة أو سبب، وصحيح أن الإسلاميين يقدّمون مقدمات طويلة وعريضة بلا بُدّية العلة ويعرضون عن نظرية الصدفة جانباً ويهزأون منها بأدلة علمية دامغة ولكنهم حينما يَصِلون إلى حصن الرب الخالق تتهاوى القواعد العلمية التي ساروا عليها فهنا - وبالذات في موضوع الله - تسقط العلية والسببية تماماً حيث وجد الله من دون علة ومن دون سبب بل هو علة العلل ومسبب الأسباب وهذا ما لم يقرّه العلم ولم يقرّه الإسلاميون أنفسهم في بداية البحث وقبل الوصول إلى حصن الخالق وبالمناسبة يقول الدكتور العظم في كتابه (نقد الفكر الديني): لنفترض أننا سلّمنا بأن الله هو مصدر وجود المادة هل يحل ذلك المشكلة؟... أنت تسأل عن علة وجود السديم الأول وتجيب بأنها (الله) وأنا أسألك - بدوري - وما علة وجود الله؟ وستجيبني بأن الله غير معلول الوجود وهنا أجيبك ولماذا لا نفترض المادة الأولى غير معلول الوجود؟ وبذلك ينحسم النقاش دون اللجوء إلى الغيبيات وإلى كائنات روحية بحتة لا دليل لدينا على وجودها (الميتافيزيقية) ويستمر قائلاً: (إن أقصى ما تستطيع الإجابة به (لا أعرف) إلاَّ أن وجود الله غير معلول ومن جهة أخرى عندما تسألني ما علة وجود المادة الأولى؟ فإن أقصى ما أستطيع الإجابة به (لا أعرف) إلاَّ أنها غير معلولة الوجود)(21).

وعلى هذا سنقرّ بجهلنا في معرفة الوجود الأول وحسب ما يدّعي الدكتور العظم وأصحاب هذا الرأي أن الطريقيْن مسدوديْن بنتيجةٍ واحدةٍ متساويةٍ ومتعادلة.

وبالفعل إنها شبهة مؤثرة حينما تثار في الأوساط العامة تجد من يصغي لها ولكن هؤلاء مثلهُم مثلُ القائل لخصمه (عرفتَ شيئاً وغابت عنك أشياء) وللإجابة على هذه الشبهة نتبع طريقة أساتذتنا في شرح النظريتين (نظرية الوجود) و (نظرية الإمكان الوجودي) ثم الردّ العام على هذه الشبهة التي تعد من الشبهات الرئيسية التي يلتزم بها الماديون وبعض الماركسيين بالذات وأنها السبب في تغيير عقائد بعض الشباب نحو الأفكار الهدامة والسلوك الملتوي.


أما الآن فلنتعرف على النظريتين:

(أ) نظرية الوجود:

هذه النظرية ترى حتمية احتياج الموجود إلى علة توجده، هذه النظرية مستندة على التجارب العلمية في كل الميادين كالطب والهندسة والكيمياء والفيزياء، مثلا ذلك غليان الماء بالحرارة وتمدد الحديد بالحرارة فالحرارة هي علة الغليان للماء والتمدد للحديد ولولا هذا القانون (لكل موجود علة) لجاءت الصدفة واحتلت المنطق العلمي التجريبي - كما يقولون - ويمكننا أن نناقش هذه النظرية ونردها عبر ما يلي:

1 - إن التجربة كمصدر رئيس لمعرفة العلة - هذا ما لا يقرّه العلم والعقل - حيث إننا نعرف أن التجربة لها حدود خاصة في التطبيق الميداني أي لها حقل خاص وهو الحقل المادي من الوجود - فاعتبارها مقياساً علمياً يكشف عن العلة والسبب في عموم الوجود هذا أمر بعيد عن الدقة العلمية حيث إن الوجود ليس ماديّاً فقط وإنما جزء منه يخضع لعنوان المادة وعليه تطبق التجربة كالغليان وتمديد الحديد بالحرارة - كما مر - أما أننا نوكل الوجود الكبير لهذا المقياس الذي لا يستطيع استيعابه بالتجربة وحدها لغرض كشف العلل! فهو أمر شاذ! حيث إن الوجود مليء بأمورٍ غير مرئية كالجاذبية والمغناطيسية والأرواح وما شابه ولو سلّمنا جدلاً بالتجربة وقدرتها على بيان كل العلل والأسباب لكل الوجود ففي الحقيقة أن التجربة تكشف عن أسباب الظواهر المادية كالغليان والتمدد لا أكثر فهي تربط بين عدة عوامل كالنار والحرارة والشمس بمكونات مادية معينة كالحديد فتكشف عن العلاقة التي تعتبرها علة للتمدد أما لماذا الشمس أو الحرارة تعمل هذا العمل؟ ولماذا الحديد له هذه القابلية دون غيره؟ هذه تساؤلات تعجز التجربة عن الإجابة عليها.

أما الوجودات غير المرئية فتعلن التجربة إفلاسها وتستسلم أمامها لأنها لا تستطيع أن تمدّ يديها إلى العمق الغيبي وهو أمر واقعي - دون شك - كالجاذبية والمغناطيسية وما شابه.

2 - أما ربط الإلهيين بالصدفة ولو بدرجة متأخرة - كما يقول البعض - لقلة الشجاعة لدى الإلهيين فيرفعون الصدفة عن الوجود المادي ليضعوها على المصدر الأول للوجود وهو الله! في المسألة خلط واضح إذ أن المصدر الأول الذي يؤمن به الإلهيون يتصف بصفات الأزلي والأبدي وهذه الصفات تجعله يكون واجب الوجود لا يحتاج لشيء... أما الصدفة في الخلق فهي لا تتصف بصفات الأزلي والأبدي وإنما هي محتاجة لظروف عديدة وممكنة فإذا ظهرت أو انعدمت ضمن الإطار الخاص بها نسميها صدفة وجدت دون حضور ذهني أي يتعادل الوجود والعدم بالنسبة لها ككفتي الميزان أما المصدر الأول للوجود في العقيدة الإلهية ليس هكذا بل أن المصدر واجب الوجود وضروري الوجود وممنوع العدم لا إنه ممكن الوجود وممكن العدم كالصدفة.

3 - نظرية الوجود تبحث عن علة الوجود دون أن تعتني بعلة العدم ويظهر من بعض المؤمنين بذلك - أن المادة لا تُفنى ولا تُستحدث من العدم وإنما المركبات حين تحولاتها تفقد كثيراً من خصائصها فالعدم هذا يقرّه العلم ويقرّ كذلك بلا بُدّية السبب في الانعدام، فالماركسيون الذين يدّعون أزلية المادة يقرّون في نفس الوقت أنّها تتغير وتتحول من حالة لأخرى وأنها لتفقد بعض العناصر من مركباتها بالتحول أو تهرب منها بعض العناصر أثناء التفاعلات الكيمياوية. والعلم يقر ذلك بالاتفاق فإن هذه التغيرات والتقلبات ليست من صفات الأزلي الأبدي فحينما تستسلم النظرية المادية أمام العلم الذي يذهب إلى أن للوجود بداية وللمادة بداية وأنها تتحول من حالة لأخرى وتتجدد وتنعدم وتُفنى وتُستحدث، نرى أصحابها يشنّون حملة شعواء على العقيدة الدينية نتيجة رد الفعل السلبي من قرارات العلم وعلى نفس المستوى والأسلوب، بينما العقيدة الدينية تقرّ بأن الصفات الأزلية والأبدية المتفق عليها لا تناسب المادة المتغيرة حسب ما يقرّه العلم بل تناسب ما يصفه الدينيون بالخالق المدبر الذي لا يكون مادة ولا يحتاج لعلة ولا يفتقر لسبب بما أن ذلك من ضرورات المادة الفانية.

(ب) أما نظرية الإمكان الوجودي:

وكما مرّ في تقسيم الوجودات إما أن يكون واجب الوجود لذاته وهو لا يحتاج إلى علة في وجوده لذلك فهو واجب الوجود وإما ممتنع الوجود لذاته وهو لا يحتاج في عدمه إلى علة وإما ممكن الوجود والعدم فيحتاج في وجوده إلى علة ويحتاج في عدمه إلى علة كذلك فعلاقة الارتباط بين العلة والمعلول(وجوداً أو عدماً) يرجع إلى الإمكان الوجودي فكل ممكن الوجود يخضع للعلة في إيجاده أو في عدمه وبما أن المادة ممكنة الوجود فلا هي واجبة الوجود لذاتها ولا ممتنعة الوجود لذاتها كما مر معنا الحديث المؤيد علمياً.

فإذن إن المادة تحتاج إلى علة أو سبب للإيجاد كما تحتاج إلى علة أو سبب للفناء والعدم.

وحيث إن الله سبحانه ليس ممكن الوجود فهو واجب الوجود لذاته كما قرر الإلهيون فلا يحتاج إلى علة لإيجاده. فإذن نستطيع أن نخرج من هذا البحث بأن الوجود العام لهذا الكون والكائنات يحتاج إلى مصدر أو سبب أو علة للإيجاد ولابد أن يكون هذا المصدر متصفاً بصفات الأزلي الأبدي فهو واجب الوجود بذاته وإلا سنصل إلى التسلسل والدور الباطلين عقلاً.

فلذا نرى أن الماديين يطلقون على المادة صفات الأزلي وأنها واجبة الوجود لذاتها وقد تبين أن العلم يعترض على ذلك وان المادة غير متصفة بصفات الأزلي وبما أن افتراض هذا الأزلي والمصدر الرئيس للوجود هو بين أمرين لا ثالث لهما إما المادة وإما الله سبحانه كما يذهب الإلهيون. وبما أن المادة والوجود الطبيعي في الحياة لا تخضع لصفات الأزل فإن صفات الأزل هذه تنطبق على القدرة الكبرى التي هي الله سبحانه.

غاية المسألة - إننا كبشر - لا يمكننا أن نتصور وجوداً لواجب الوجود بذاته تصوراً مادياً قائماً كرؤيتنا للمواد الأخرى - ولا يمكننا أن نتصور وجوداً دون سبب وعلة وذلك لأننا ألفنا الحياة القائمة على العلة والمعلول مباشرة فتصورنا أن هذا قانون لا يمكن تجاوزه. والحال أن الأدلة العقلية والعلمية تشير إلى ضرورة واجب الوجود والذي أفاض على الكون كله هذا الوجود الحي. فهو الموجود دون علة سابقة بل هو علة العلل في الوجود.


الشبهة الثالثة:

إن من طبيعة الأشياء والوجودات التي نشاهدها أمامنا موجودة وفاعلة في الحياة بطبيعتها أوجدت نفسها بنفسها والوجود أوجد نفسه بنفسه من دون الحاجة إلى سبب أو علة فلماذا نبحث بجهد عن علة الوجود الأولى ما دام الأمر لا يحتاج لهذا التعب فالوجود بطبيعته موجود وله قوانينه الطبيعية من الولادة حتى الممات.

وللجواب نقول: سبق أن قررنا وتحدثنا في الإجابة على الشبهة الثانية نلاحظ أن منطوق هذه الشبهة يساعد ما قررناه هناك حيث يقول المنطوق منذ الولادة وحتى الممات أي من الوجود المسبوق بالعدم إلى العدم والفناء المسبوق بالوجود وقلنا لازال الوجود يُحكم بالإمكان فهو محتاج إلى المصدر الأول في الإيجاد كما يحتاج إلى علة للإبقاء وعلة للإفناء أيضاً.

ونحن نعتقد أن الوجود هذا سبقه عدم فإذن لهذه المادة والطبيعة بداية محددة فإذن هذا الممكن بحاجة إلى علة وسبب للإيجاد وسبق أن أوضحنا في احتمالات العلة الموجدة للأشياء وقلنا في إحدى الاحتمالات أن الوجود أوجد نفسه والطبيعة أوجدت نفسها والإنسان أوجد نفسه، فالطبيعة الكونية هي التي أوجدت نفسها بنفسها ووضعت قوانينها بنفسها وعالجنا الموضوع في مكانه. وقررنا أن العلة الأصلية يجب أن تتصف بصفات الأزلي الأبدي وهذه الصفات لا تنطبق على المادة والطبيعة بأية صورة من الصور فهي فقيرة ومحتاجة إلى الموجد أي العلة الباعثة والمسببة للإيجاد. قيل للإمام الرضا (): يا ابن رسول الله ما الدليل على حدوث العالم؟ فقال (): (إنك لم تكن ثم كنت وقد علمت أنك لم تكوِّن نفسك ولا كونك من هو مثلك..)(22).


الشبهة الرابعة:

انطلاقاً من مفهومي الزمان والمكان فأين الله ومتى وجد؟

وللجواب على هذه الشبهة نؤكد مراجعة الشبهات الماضية التي تعطي الرؤية الحقيقية للإيمان بالله سبحانه وحينما نقرّ بصفات الأزلي والأبدي يجب أن نبتعد عن الأمور المألوفة والمتكررة أمامنا في الحياة والمطبّقة في العالم المادي أما الواجب الوجود لذاته والأزلي الأبدي لا يحيطه زمان ولا يشغله مكان بل هو الذي يحيط بكل الأزمنة وبكل الأمكنة فهو ليس محتاجاً لصفتي الزمان والمكان وصفة الاحتياج للظرف الزماني والمكاني تنطبق على العالم المادي الذي نحسه ونلمسه. أي الحادث وهذا غير الأزلي كما هو المعروف.

والمشكلة أن العقل البشري لا يستطيع أن يتصور هذه المسألة لأن تصوراتنا هي انعكاسات الحياة المادية فبشكل طبيعي نقيس الأمور على ضوء القوانين المادية التي ألفناها وهذا مما يضطرنا أن نقرّب الفكرة بالأمثلة الشائعة اليوم كالجاذبية الأرضية أو جاذبية الكواكب في الفضاء والكهربائية والمغناطيسية وعالم الأرواح وصفات الصدق والكرم كل ذلك هل يحده مكان أو يقيسه زمن - طبعاً - هذه الأمثلة لتقريب الفكرة فقط والذي نريد أن نقوله أن هنالك وجودات خارجة عن حدود الزمان والمكان وواجب الوجود لذاته لا يخضع لهذه الحدود إطلاقاً وفي الرواية المارة الذكر عن الإمام الرضا () حينما يسئل كيف الله وأين هو؟ فقال (): (.. هو أيّن الأين بلا أين وكيّف الكيف بلا كيف فلا يعرف بالكيفوفيّة ولا بالأينونيّة ولا يدرك بحاسة ولا يقاس بشيء..) فلما سأله متى كان أجاب الإمام (): (أخْبِرني متى لم يكن فأخبرك متى كان)، وفي كلام أمير المؤمنين (): (.. ظاهر في غيب وغائب في ظهور لا تجنه البطون عن الظهور ولا يقطعه الظهور عن البطون قَرُبَ فَنَأَى وعلا فَدَنا وظهر فبطن فعلن..)(23) وقال () أيضاً: (.. ومن قال فيمَ فقدْ ضمنه ومن قال عَلامَ فقد أخلى منه..).

وللدعابة أخبرني أحد الشباب بأن مَلَكَ الموت كيف يأتي لقبض روحي ومن أين يأتي ومتى يأتي؟ وبدأ يحلّل المسألة ويؤكد بأن الجواب على كيف يأتي ومتى يأتي فلا يستطيع تحديده لأنه خارج عن إرادتي أما من أين يأتي؟ فأكّد أن الملك (عزرائيل) يطبق (فاتوا البيوت من أبوابها) فسأغلق الأبواب والشبابيك وامنع مَلَكَ الموت من الدخول عليَّ وبالتالي أمنعه من قبض روحي وبهذا سأسلم منه وأعيش فترة أطول. هذا الفتى ينظر للأمر بعين ساذجة وبريئة فقلت له قول الله سبحانه:

(أينما تكونوا يدركْكم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة). [سورة النساء: الآية 78].

ومَلَكُ الموت هذا إن كان ضمن مقاييسنا المادية بالفعل يمكن حصره ومنعه من قبض الأرواح ولكن الأمر غير ما نتصور نحن فهو لا يخضع لهذه القوانين المألوفة لدينا.

وللجواب على متى كان؟ يجيب الإمام الباقر (): (إنما يُقال متى كان لما لم يكن فأما ما كان فلا يُقال متى كان، كان قَبلَ القبل بلا قبل وبعدَ البعد بلا بعد)(24).

وهكذا نتوصل إلى أن الزمان والمكان من مختصات الحوادث أما الأزلي فلا يخضع لمقاييسهما.


الشبهة الخامسة:

إن من الأحاديث العقائدية التي ندرسها ونسمعها ونتلقاها تشاع فكرة مفادها: أن الإيمان بالتوحيد يَطْرد القلق والاضطراب من النفس ويضفي جوّاً هادئاً في الحياة ونحن لا نرى الموحدّين هكذا والشرائع السماوية أصبحت هي التي تفرّق الناس وتصنفهم إلى أقسام ربما تتناحر فيما بينها بالرغم من التقائها بالإيمان بالله عز وجل فنرى الناس المؤمنين يتخبطون في ألوان الشقاء والبلاء والظلم فلا نرى هذا التغير الإصلاحي والسلوكي المزعوم منعكساً من عقيدة التوحيد على الإنسان والمجتمع، وكما لا نلمس الحكمة من الشرائع السماوية ولا نلمس الحكمة في الخلق في بعض الأحيان فما هي فوائد الشرائع وما هي فائدة هذه المخلوقات الضارة؟ التي قد تهدد الحياة أحياناً.

للإجابة على هذه الشبهة يمكن توضيح بعض النقاط الواردة في الشبهة وبمعنى آخر يمكن تفكيك بعض المفاهيم المنطوية داخل منطوق الشبهة وكما يبدو هنالك نوع من الخلط بين ما هو نازل من السماء بعنوان الكتب المقدسة والفكر الديني لغرض هداية الناس وما بين حالة الناس أنفسهم ويجب أن نعلم أن الكتب المقدسة غير القرآن الكريم قد حرّفت فكتب الديانات السماوية لم تعد تمثل رأي الخالق المدبر بما فيها من تحريف وتبديل وأهواء وهي بالنتيجة نسخت بالرسالة الخاتمة وهي القرآن الكريم أي الدين الإسلامي يقول سبحانه في القرآن العظيم:

(ومن يبتغِ غير الإسلام ديناً فلن يقبلَ منه وهو في الآخرة من الخاسرين). [سورة آل عمران: الآية 85].

ونأتي إلى المسلمين ففي الواقع نحن لم نطبق على أنفسنا القرآن الكريم بالشكل الكامل وإنما أغلب المسلمين جزّأ الإسلام فأخذ ما ينفعه في نواحي حياته الشخصية والاجتماعية وترك ما يكلّفه من واجبات ومسؤوليات وخاصة ما تجسد قيم التضحية والإباء.

هذه الصورة العامة لحياة المسلمين فقد قال عز وجل:

(أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزي في الحياة الدنيا ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب...). [سورة البقرة: الآية 85].

ولا ننكر وجود طبقة واعية مؤمنة تطبق على نفسها القرآن والإسلام، إنما كلامي على الحالة العامة والصورة العامة للمسلمين، وعلى ما نرى من التطبيق الجزئي للإسلام نلاحظ أن المسلمين أفضل من غيرهم من الناحية النفسية فنحن نجني ثمار هذا التطبيق الجزئي للإسلام فمن الناحية النفسية تؤكد لنا الإحصائيات أن حياة المسلمين قليلة القلق والاضطراب وعدم الثبات والانتحار قياساً بحياة غير المسلمين حيث يكثر فيها القلق والانتحار.

والدليل: إن أطباء النفس ودراسات الأمراض النفسية نراها بكثرة هائلة في الدول الأوروبية على عكس الشعوب الإسلامية وهي على علاّتها، وأما لو كان التطبيق الكامل للشريعة الإسلامية في حياتنا لعشنا في قمة الاستقرار والحضارة والعدالة والازدهار فالسبب الرئيس إذن هو نحن المسلمين المطبقين للشريعة فالحكمة الحقيقية من رسالة الإسلام هي تهذيب النفس الإنسانية وإقامة العدل الإلهي في المجتمع ليسود الإخلاء والحب والسلام والكل يعرف كيف كان المجتمع الجاهلي متناحراً وكيف صار في عهد الرسالة الأول هذه حكمة الشريعة إما حكمة المخلوقات الضارة - نحن قد نعتبرها ضارة ويمكن أن يؤيدنا العرف لدى الكثيرين من أبناء الأرض ولكن من وجهة نظر أخرى نحن لا ندريها قد تكون نافعة ومن قال إن الحكمة تكون دائماً في النفع والفوائد فهناك كثير من الحيوانات نعتبرها ضارة وسامة وهالكة وفي بعض الأحيان هي التي تنقذ الإنسان من أخطار محدقة والكشوفات العلمية تثبت لنا ذلك والبشرية عاجزة عن معرفة الأمور كلها وبمرور الزمن نحصل على اكتشافات عظيمة وجبارة كنا نجهلها سابقاً. وهنالك أمثلة كثيرة في هذا الصدد ففي كتاب (الإسلام يتحدى) مجموعة من هذه الأمثلة منها:

طريقة الحصول على (النتروجين المركب) الذي بواسطته تستطيع النباتات أن تقوم بعملية صنع الغذاء والطريقة هذه تعتمد على الجراثيم التي تعيش في جذور النباتات بباطن الأرض فهي تأخذ النترجين من الجو وتحوله إلى مركب النتروجين ثم تستفيد منه النباتات، وطريقة أخرى بواسطة الرعد وهو الصوت الحاصل في احتكاكات السحب فيمتزج الأوكسجين مع النتروجين ويحصل (المركب) وبالأمطار ينزل المركب إلى جوف التربة، وهكذا اكتشف العلم الحديث حكمة الجراثيم والرعد ولربما لم يكتشف كل الحكمة. فالمشكلة الحقيقية إن الإنسان يريد أن يعرف كل شيءٍ ولكن العقل الإنساني قاصر عن بلوغ الكمال حيث الكمال لله سبحانه وتعالى وحده.


الشبهة السادسة:

ما هي المواد الأولية لهذا الوجود الطبيعي في الكون حيث استطاع القادر بهندسة دقيقة أن يركبها تركيبات مختلفة فظهرت كما نرى، خصوصاً حينما نؤمن بأن للمادة أصل ثابت لا يتغير وهو جوهر المواد فهل دوره سبحانه تركيب وهندسة المواد أم الخلق المبدع؟ فإن كان التركيب فما هي المواد الأولية وهل يمكن أن تتصف بالأزل؟ وإن كان الإبداع فهل يعقل أن الكون وجد بعد عدم تام؟

للإجابة نعود لنقول ما قررناه سابقاً أنّ الإنسان عقله قاصر عن التوصل لمعرفة الإبداع التام لأنه لم يألف ذلك، وهنا أتذكر طريفة بالمناسبة حيث كنا أطفالاً كان يتحدث لنا الكبار بأن آباءهم المرحومين لو كان يخبرهم أحد بأنه في المستقبل من الزمان يستطيع الإنسان أن ينتقل من دولة لأخرى عبر وسائط النقل الحديث وكأنها الغرف المنزلية من دون استعمال الحيوانات لما صدّقونا ولضحكوا علينا بينما نرى اليوم أنّ الغرف هذه سواء كانت القطارات أو السيارات أو الطائرات فإنها تسير دون حيوانات أقول في ذلك الوقت وقبل التكنولوجية الحديثة من كان يصدق؟

وشخصياً لديّ طريفة مشابهة لتلك وهي أنّ أحد أقربائنا من كبار السن والمعمّرين كان يتحدث مرة بأن أول سيارة دخلت مدينة كربلاء مع وفد حكومي ملكي لزيارة الإمام الحسين () فقال: خرجنا لمسافة بعيدة على الخيول لاستقبال الوفد وإذا بنا نرى حيواناً جديداً في تركيبه يمشي على أقدام دائرية واسعة (الإطارات) وللحيوان صوت غريب للتنبيه - لم نألفه - قال أحد الحضور لعن الله الإنجليز حتى حيواناتهم ليست عادية - يقول وقفتْ السيارة ونزل الوفد ففي البداية انهزمنا وانهزمت معنا خيولنا ولكن بعد قليل اقتربنا شيئاً فشيئاً حتى وصلنا إلى الحيوان الجديد فبدأنا نبحث عن فم هذا الحيوان ومخرجه وكيف يرى طريقه وما هو نوع طعامه وما شابه هذه التساؤلات.. لماذا؟ لأنهم لم يألفوا هذا الأمر وبمرور الزمن أصبح مألوفاً واعتياديّاً لذلك حينما نقول أن الله أبدع الكون من لا شيء فهذه القدرة الكبرى التي تميز الله سبحانه عن الآخرين فبقدرته أوجد الأشياء أما نحن فلا نألف هذه الصناعة المبدعة لذا قال الإمام علي (): (.. كائن لا عن حدث موجود لا عن عدم..) في وصف الله تعالى.

فالكون بما هو حادث وليس أزلياً كما ثبت معنا سابقاً فهو إما وُجد صدفة وأثبتنا بطلان ذلك وإما أوجده سبب مبدع وهو سبحانه. أما نحن فلم نألف هذا الإبداع لأننا لم نعاصره ولم نألفه وكثيراً من الأمور نعترف بها دون معاصرتها أو مشاهدتها. أما كيف نؤمن بأن للمادة أصل ثابت دون تغيير وقد أثبتنا تحول المادة إلى طاقة والطاقة إلى مادة والكل إلى فناء وعدم، هذا الأصل الثابت نسبياً متغير ومتحول ولابد لهذا المتغير والمتحول أي الحادث من مبدع أزلي وقد أوضحنا ذلك في البحوث السابقة.


الشبهة السابعة:

المؤمن بالله سبحانه كيف يمكنه أن يصوّر لنا كنه الله وماهيته في ذهنه وهل يمكنه أن ينقل تصوره لماهية الله إلى أذهاننا؟

والإجابة واضحة فقد مرت بعض الأمور في هذا الصدد سابقاً أن العقل الإنساني لا يستطيع أن يعرف كنه كل الموجودات في الكون (وما أوتيتم من العلم إلاّ قليلاً) فالمغناطيسية والجاذبية والروح الإنسانية كل هذه الأمور لا يعرف الإنسان كنهها وماهيتها بالرغم من أنها حادثة ومخلوقة فكيف يستطيع أن يحيط بقادر عظيم جبار فالمحدود لا يحيط اللامحدود وهذا مما يذكرنا بحديث الإمام الصادق (): (فإن قوماً تكلموا في ذات الله فتاهوا) - وقد قال الرسول الأكرم () في عدة أحاديث نذكر منها قوله (): (تفكَّروا في آلاء الله ولا تفكروا في الله، تفكروا في الخلق ولا تفكروا في الخالق فإنكم لا تقدرون قدره، تفكروا في كل شيءٍ ولا تفكروا في ذات الله)(25).

وعلى هذا يكفي للإنسان المؤمن أن يرى ربّه وخالقه بعقله عبر آثاره الحكيمة فالله سبحانه هو القدرة المطلقة التي أبدعت الخلق ودبرت الكون وسيّرت القوانين فكلها مطويات بيمينه (وما قدروا الله حقَّ قدرِهِ والأرضُ جميعاً قبضتُهُ يوم القيامةِ والسماواتُ مطويّات بيمينه سبحانه وتعالى عمّا يشركون). [سورة الزمر: الآية 67].

بهذا القدر يستطيع المؤمن أن يتوجه إلى خالقه بالطاعة والامتثال ويزداد إيماناً كلّما تدبّر في آلاء الله وفي الخلق كما أراد الرسول الأعظم () ذلك.


آخر تعديل بواسطة منتظرة المهدي ، 12-Dec-2007 الساعة 01:04 AM.


خادمة العباس (ع)
الصورة الرمزية خادمة العباس (ع)
عضو دائم

رقم العضوية : 516
الإنتساب : Oct 2007
الدولة : مدينة الرسول الأعظم عليه السلام
المشاركات : 1,304
بمعدل : 0.22 يوميا
النقاط : 253
المستوى : خادمة العباس (ع) is on a distinguished road

خادمة العباس (ع) غير متواجد حالياً عرض البوم صور خادمة العباس (ع)



  مشاركة رقم : 9  
كاتب الموضوع : خادمة العباس (ع) المنتدى : ميزان الثقلين القرآن الكريم والعترة الطاهرة عليهم السلام
Post
قديم بتاريخ : 13-Dec-2007 الساعة : 01:04 PM

اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم


بسم الله الرحمن الرحيم

وبه نستعين ولا حول ولا قوة بالله العلي العظيم

اللهم صلى على محمد وآل محمد وعجل فرجهم والعن عدوهم





سابعاً: صفات الله (عز وجل)


والكلام في هذا البحث يتضمن:

1 - الصفات الذاتية الثبوتية.

2 - الصفات السلبية.

3 - صفات أفعاله.

وكما مرّ معنا إنه يستحيل على العقل الرشيد أن يدرك كنه الله سبحانه وماهيته لأن المحدود يستحيل عليه إحاطة اللامحدود والإنسان الحادث يستحيل عليه أن يحيط الله الأزلي الأبدي وقد قال أمير المؤمنين علي (): (فكروا في خلق الله ولا تفكروا في ذات الله). وبالفعل إننا لا نستطيع أن نحيط إحاطةً كليةً حتى بالمحسوسات المادية فترانا نعجز عن إدراكها بشكلٍ معين فكيف نستطيع أن نحيط اللامحدود واللامحسوس.. وهكذا حينما تقصُرُ عقولنا المحدودة عن إدراك كنه وماهية الله سبحانه فهي - أيضاً - تقصر عن إدراك ماهية صفاته وواقعها. إنما كيف نَعْرفُه سبحانه ونعْرفُ صفاته فذلك من خلال آثاره فيتبين من آثاره إنه الخالق المبدع القادر العالم المدرك الحي الباقي الصادق العادل.. ويقسم المفكرون الإسلاميون صفات الله إلى الأقسام الثلاثة أعلاه.

فالصفات الذاتية الثبوتية هي عين ذاته فهو قادر بالذات وعالم بالذات وحيّ بالذات أي إنه ذاته وصفته شيء واحد لأنه لو قلنا بأن صفاته ليست عين ذاته لوقعنا في خطأٍ لا يغتفر والنتيجة تكون إما أنها طارئة على ذاته المقدسة زيدت عليه فإذن صارت ذاته مركبة وهذا خلاف ما اتفقنا عليه بأنه سبحانه أزلي بسيط حيث أن المركب حادث والحادث مخلوق وإلى آخر ما مر سلفاً.

وإما أن تكون صفاته قديمة بقدمه سبحانه فإذن سيكون هذا القديم (الصفات) شريكاً للقديم الأول (عين الذات) وهذا مما يخالف أصل الفرض والاتفاق الماضيين، ولا بأس أن نوضح الفكرتين قليلاً ممّا يلائم هذه الرسالة العقائدية فلو سلّمنا جدلاً إلى أن صفاته طارئة على الذات فستكون حادثة حيث طرأت على الذات فلذا يستلزم وجود المحدث فإن كان الله هو المحدث لزم أن تكون صفاته مكتسبة فيما بعد أي أنه لم يكن عالماً فصار عالماً بعد أن أحدث العلم أليس كذلك؟ وإن كان المحدث غير الله فإما هو مساوٍ له فيكون شريكاً لله وإما أن يكون أقوى منه فهو الله الحقيقي والمبدع الحقيقي لا هذا الإله الوهمي الضعيف الذي يتبين ضعفه وكنا مخدوعين به حيث وضعناه في موضع الخالق المبدع القدير.

وأما لو تماشينا مع الفرض الثاني في أن صفاته قديمة بقدم ذاته المقدسة فسنصل إلى نتيجة مشابهة لما سبق حيث ننتهي إلى الإيمان بتعدد القدماء بتعدد الأزليين أي بتعدد الآلهة وبمعنى آخر سنكتشف شركاء لله سبحانه وهاهنا يقول الإمام علي () في خطبته الرائعة: (أوّلُ الدين معرفته، وكمالُ معرفته التصديق به، وكمالُ التصديق به توحيده، وكمال توحيده الإخلاص له، وكمال الإخلاص له نفي الصفات عنه، لشهادة كل صفة إنها غير الموصوف وشهادة كل موصوف إنه غير الصفة فمن وصف الله سبحانه فقد قرنه (أي جعل له قريناً شريكاً) ومن قرنه فقد ثنّاه ومن ثنّاه فقد جزّأه ومن جزّأه فقد جهله ومن جهله فقد أشار إليه ومن أشار إليه فقد حدّه ومن حدّه فقد عدّه، ومن قال فيم فقد ضمّنه ومن قال علام فقد أخلى منه، كائن لا عن حدث، موجود لا عن عدم...)(1).

فإذن في مسألة صفات الذات نخرج بإيمان تام بأنها عين ذاته المقدسة فهو عالم من حيث إنه حيّ وهو حيّ من حيث إنه عالم.. وهو قدير من حيث إنه حكيم وهو حكيم من حيث إنه قدير وهكذا بقية صفاته.

أما لو أدركنا أن مفهوم علمه يغاير مفهوم حياته مثلاً فهذا الحي يصير مخلوقاً آخر وليس عين ذاته وبالنتيجة ستكون ذاته مركبة من عدة صفات وذلك لأن مفهوم العلم محدود ومؤطر ومستقل عن مفهوم القدرة والحياة وهكذا فسنقف على عدة محاور تشكل دوائر مستقلة بعضها عن بعض كل محور بمثابة الصفة المستقلة عن أختها. بينما كل هذه الصفات مجتمعة تجسد صفات الله الثبوتية والله سبحانه منزّه عن الحدود والأطر كما أسلفنا في صفات الأزلي.

إذن فالعلم ذاته ولا معلوم والقدرة ذاته ولا مقدور فلا يكون العلم والقدرة ذاتاً لله تعالى مع تمايز مفهوميهما بحدود معينة والمفروض أن يكون ذلك العلم وتلك القدرة كلاهما حقيقة واحدة لا غير وهكذا بقية الصفات الثبوتية وإنها تعبير عن حقيقة واحدة. وهكذا نقرأ فيما ورد بالسنة الشريفة (وأسماؤه تعبير) فالذات المقدسة حقيقة واحدة نسميها بأسماء مختلفة فأسماؤه تعبير فلا تمايز ولا اختلاف ولا حدود بينها وإنما تعابير.. فهو القادر والعالم والحي والقيوم والمختار ولا ندّ له ولا حدّ له أي بمعنى لا أول له ولا آخر له بما يدل على أنه قبل كل شيء كان ومع كل شيء يكون مع كل شيءٍ كائن وهنا يكمن السر في رفع الفارق بين الاسم والصفة فقد سئل الإمام الصادق () عن الاسم قال: (صفة لموصوف). إذن لا فرق بين الأسماء والصفات لأن الاسم نفس الصفة بالنسبة للذات المقدسة والاسم عندنا غير المسمى ونعرف ذلك بالوجدان فالاسم شيء والمسمى شيء آخر أما في حديثنا عن الله عز وجل وصفاته وأسمائه لا نميّز بين هذه الأمور كلها إطلاقاً فالأسماء والصفات تعبيران عن الذات المقدسة لا غير لأنه في الاحتمال الآخر (أياً كانت سعتهُ أو ضيقه) فستكون المفاهيم مخلوقة طارئة عليه أو شريكة معه تعالى الله عن ذلك وعلى هذا قال الإمام الصادق (): (من عبد الاسم فقد كفر ومن عبد الاسم والمعنى فقد أشرك فمن عبد المعنى بإيقاع الأسماء التي وصف الله سبحانه وتعالى نفسه فهو شيعة آل البيت () وجاء في (الأنوار النعمانية) عن الصادق (): (كل ما ميزتموه بأوهامكم في أدق معانيه مخلوق مصنوع مثلكم مردود إليكم ولعلّ النمل الصغار تتوهم أن لله تعالى زبانيتين فإن ذلك كما لها وتتوهم أن عدمها نقصان لمن لا يتصف بهما وهكذا حال العقلاء فيما يصفون الله تعالى به)(2).

وقبل أن نعود إلى حديث الصفات التي يقسمها المفكرون الإسلاميون وعلماء الكلام كما ذكرنا ذلك في أول الحديث عن الصفات لابد من تسجيل الملاحظة التالية:

في الحقيقة إن هذه التقسيمات ما هي إلاَّ تقسيمات استيضاحية أراد المفكرون أن يوضحوا كمال الله عز وجل بطريقة مستساغة وملائمة للعقل الإنساني وبما أن اللغة هي الأخرى قاصرة عن التصوير المتكامل لصفاته تعالى فلابد أن نضع فوارق ذهنية بين هذه الصفات التي نطلقها على الذات المقدسة والتي قد تطلق على الإنسان نفسه فنقول محمد عالم ونفس كلمة عالم نطلقها على الله العظيم فنقول الله عالم ولكن هل نقصد نفس المعنى من اللفظ المشترك؟ بالتأكيد لا، فهي صفة واحدة ظاهراً ولكنها مختلفة واقعاً من حيث الحجم والاستيعاب ولكن اللوم يقع على اللغة التي تعجز أحياناً عن بيان هذه الدقة.

ومن هنا نكرر ما قلناه سابقاً (إن الذي خلقنا ليس مثلنا) ففي الواقع إن الأنبياء والأوصياء ورسالات السماء ما استطاعت أن تبين أكثر من هذا فقد جاء في القرآن الكريم:

(ليس كمثله شيء وهو السميع البصير). [سورة الشورى: الآية 11].

إذن فإذا أردنا أن نعرِفه كمال المعرفة يجب أن نعرف أنفسنا تمام المعرفة وإذا عرفنا أنفسنا وصفاتنا وقابلياتنا سنعرف ذات الله وصفاته لأن ذات الله هي غير ذواتنا وصفاته غير صفاتنا حتى لو كانت الألفاظ مشتركة في اللغة. وبيان الفروق بين المعنَيْين شيء نعتقده ونؤمن به، فعلى هذا لو عرفنا أنفسنا تماماً فكل ما كان فينا ليس في الله لأنه ليس مثلنا وقد جاء في الأثر الشريف عن الإمام علي (): (من عرف نفسه فقد عرف ربه)(3).

وهكذا فنحن محدودون بزمان ومكان وبقابليات محدودة بينما الله سبحانه ليس له حد وهذا التعبير أدق وابلغ من قولنا (لا نهاية لله) لأن اللانهاية مفهوم يختلف عن مفهوم ليس له حد فاللانهاية لأمرٍ يمكن أن يكون له بداية كالعدد له بداية وليس له نهاية بينما اللاّحد ليس له بداية ولا نهاية.

ونحن لنا بداية أولى بينما سبحانه ليس له بداية ولنا آخِر وليس له آخِر ولنا ظاهر فليس له ظاهر ولنا باطن فليس له باطن...

وحينما نصفه سبحانه بالأول نعني قبل كل شيء لا بمعنى البداية وهو الظاهر يعني فوق كل شيء وقد قال الإمام علي () - كما مر في الصفحات السابقة - : (ظاهر في غيب وغائب في ظهور... قَرُبَ فنأى وعلا فَدَنا وظهر فبطن وبطن فعلن...) فاللغة لابدّ أن تخضع بشكل من الأشكال لما يدور في أذهاننا من المعاني المجردة والدقيقة فلا نقول أن الله واحد ونقصد بذلك الواحد الذي يليه رقم الاثنين ورقم الثلاثة وإنما نقصد إنه أحد فرد صمد فالله سبحانه لا يعد فهو ليس واحداً بذلك المعنى بل إنه واحد لا نظير له ولا ضد له ولا ندّ له ولا مثيل له ولا شبيه له والآن لماذا كل هذا التوضيح الذي لابد منه؟ ولما كانت المسألة لغَوية فأين وجه المسألة من المعرفة الحقيقية. والجواب لأننا عادة نقيس الأمور على أنفسنا - هذه حدود معرفتنا - فنحن لنا ضد وند ومثيل وأول وآخر وحدود معينة أخرى ونقول: واحد واثنين وثلاثة.

وحينما نريد أن نعرف الله ونصفه بصفاتٍ ألفاظها مجردة لا توصلنا إلى عمق المعرفة وغاية التوحيد إلا بالتوضيح والفهم وهنا تطل علينا سورة التوحيد لتجسد المعتقد الحق فقد قال سبحانه: (قل هو الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد) فهذه غاية التوحيد، وصفاته سبحانه ليست كصفاتنا التي تعوّدناها أو عرفنا مضمونها لذا يقول الإمام علي () - كما ذكرنا آنفاً -: (وتمام توحيده نفي الصفات عنه لشهادة كل صفة أنها غير الموصوف وشهادة كل موصوف أنه غير الصفة فمن وصف الله سبحانه فقد قرنه ومن قرنه فقد ثنّاه ومن ثناه فقد جزّأه ومن جزأه فقد جهله ومن جهله فقد أشار إليه ومن أشار إليه فقد حدّه ومن حدّه فقد عدّه ومن قال فيم فقد ضمنه ومن قال علام فقد أخلى منه، كائن لا عن حدث، موجود لا عن عدم، مع كل شيء لا بمقارنة وغير كل شيء لا بمزايله، فاعل لا بمعنى الحركات والآله، بصير إذ لا منظور إليه من خلقه..)(4).

وهنا نتساءل بحريّة تامة ونقول إن الإمام علي () يحصر غاية التوحيد في نفي الصفات عنه ونحن نقرأ في القرآن الكريم وهو كلام الله سبحانه عن صفات الله فهو سميع وبصير وعليم وحي وقيوم.. وفي الأحاديث الشريفة وروايات الأئمة () نقرأ هذه الصفات الكريمة المنسوبة إلى الله عز وجل فكيف نفسر ذلك؟ يمكن رفع هذا الإشكال من الأساس حينما نعود إلى الصفات التي قسمها علماء الكلام لندرسها بإمعان فيرتفع هذا الإشكال.


1 - الصفات الذاتية الثبوتية

وهي صفات الكمال والجمال اللازمة لواجب الوجود وعدّها علماء الكلام ثمانية: القدرة، العلم، الحياة، الإرادة، الإدراك، الكلام، الصدق، والسرمدية كما عن المحقق الطوسي في (تجريده)(5).

وهكذا تقسم صفاته تعالى إلى نوعين.

أ - صفات الذات.

ب - وصفات الفعل.

والفرق بينهما يتضح في أن الصفات التي لا نستطيع أن نسلبها عن ذات الله يُقال لها صفات الذات فهي الصفات الكمالية لواجب الوجود ونفيها عنه يستوجب نقصاً وهي كما قلنا سابقاً عين ذاته كالقدرة والعلم فعندما نقول: الله قادر وعالم لا نستطيع سلب العلم والقدرة عنه.

وأما الصفات التي نستطيع أن ننسبها إليه ونسلبها عنه يُقال لها (صفات الفعل) فهي ليست ذاتية وإنما حادثة وليست من صفات الكمال ونفيها لا يوجب النقص كما نقول هو الذي خلق ولم يخلق ورزق ولم يرزق وهو الذي يهدي ويضل فهذه الصفات تسمى بصفات الفعل بينما لا نستطيع القول أن الله يعلم ولا يعلم ويقدر ولا يقدر أو يعلم ويجهل، يقدر ويعجز. وفي مسألة صفات الذات أيضاً إذا قلنا أن الله عالم وقادر وحيّ واستفدنا من العالم مفهوماً غير ما نستفيده من القدرة وغيرما نستفيده من الحياة هذا العلم كذلك سيكون مخلوقاً وليس هو عين ذاته بل لابد أن يكون مفهوماً واحداً - كما مرّ آنفاً - لأن مفهوم القدرة محدود بأُطرٍ معينة أي إنها تخلو من كلّ شيءٍ ما سوى العلم وهكذا مفهوم القدرة محدود ومعين ومفهوم الحياة أيضاً... وكل محدود مخلوق والله سبحانه منزه عن الحدود، وإذا قرأنا هذا الحديث القائل (والعلم ذاته ولا معلوم والقدرة ذاته ولا مقدور) لا يكون العلم والقدرة ذاتاً لله مع بقاء تمايز بين مفهوميهما، فإذن ذلك العلم وتلك القدرة كلاهما حقيقة واحدة أو كلاهما تعبير عن حقيقة واحدة وكما ذكرنا سابقاً (وأسماؤه تعبير) فالفرق بين الاسم والصفة يتضح من جواب الإمام الصادق حينما سئل عن الاسم فقال: (صفة لموصوف). إذن لا فرق بين الاسم والصفة لأن الاسم نفس الصفة والصفة عين الذات.

والآن لنعرف شيئاً عن هذه الصفات التي ذكرناها عن المحقق الطوسي فالصفات الثمانية التي تعتبر هي الصفات الثبوتية - ولا يفوتني أن أشير إلى الخلاف البسيط بين العلماء في تحديد هذه الصفات الثمانية فمنهم من يفككها إلى أعداد أخرى كالعلامة الحلي (قدس سره) في كتبه الكلامية يعدّها هكذا - القدرة والعلم والحياة والإرادة والكراهية والإدراك وإنه قديم أزلي باق أبدي وأنه متكلم وأنه صادق فزاد اعتبار الكراهية ومنهم من اكتفى بذكر الإرادة فرأى أن الكراهة هي إرادة الترك وأما اعتباره القدم والأزلية والأبدية لأنها تفصيل معنى السرمدية(6) - المهم هذه الصفات الثمانية هي الصفات الثبوتية الذاتية الحقيقية لنقف عليها وقفة سريعة:

1 - القدرة:

قال سبحانه: (وكان الله على كل شيءٍ قديراً). [سورة الأحزاب: الآية 27].

لما وصفنا الله سبحانه بالكمال المطلق فإنه قادر على كل شيءٍ وجوداً وعدماً حدوثاً وبقاءً أي مستولٍ على كل شيءٍ فلا يعجزه شيء لأن العجز نقص لا يمكن مع فرض الكمال المطلق له ومثال قدرته ما نرى من الكائنات ونظمها الدقيقة قال الله تعالى:

(وما كان الله ليعجزه من شيءٍ في السماوات ولا في الأرض إنه كان عليماً قديراً). [سورة فاطر: الآية 44].

فالله قادر على كل شيء ولا نؤيد قول المعتزلة أنه لا يقدر على القبيح والشر لاستلزمه الظلم بل نقول أنه قادر لكنه منزّه عن فعل القبيح وعن الإمام الصادق (): قيل لأمير المؤمنين هل يقدر ربك أن يُدخل الدنيا في بيضةٍ من غير أن تصغر الدنيا وتكبر البيضة؟ قال: (إن الله تعالى لا ينسب إلى العجز والذي سألتني لا يكون)(7).

والآن بعد أن عرفنا أنّ ذات الله علة العلل في الإبداع والإيجاد والإدامة فهو القادر الخالق المهيمن يردنا سؤال وهو هل إنه تعالى علة تامة أم علة ناقصة؟ - وقد أشرنا إشارة سريعة لهذا المعنى فيما مضى - فإذا قلنا إنه علة ناقصة فالمفروض وجود علل أخرى غير الله سبحانه ليتحقق الإيجاد فمجموع العلة الناقصة مع العلل الناقصة الأخرى تتكون العلة التامة. أما إذا قلنا إنه علة تامة فلازم ذلك أن نؤمن بقدم كل المخلوقات والموجودات لأن المعلول لا يفارق العلة التامة أبداً ولا لحظة زمنية واحدة ولازم ذلك أن يكون كل الخلائق قديمة كقدم العلة التامة لأنهما لن يفترقا أبداً. والحال نحن أثبتنا علمياً ويقينياً أننا لم نكن موجودين في القرون الماضية والآن نحن موجودون في هذا القرن من الزمن ونحن لم نوجد أنفسنا - كما قلنا سابقاً - فإذن ليس الله علة ناقصة يلزم اشتراك علل أخرى معه لتحقيق العلة التامة لإيجاد الخلائق ومن جهة أخرى ليس الله علة تامة على هذا المفهوم حيث أننا نعلم حالياً بوجودنا عقلاً ويقيناً وستنتهي حياتنا في المستقبل كما لم نكن شيئاً فيما مضى ثم وجدنا، فإذن مسألة القدم للخلائق بقدم العلة التامة تنتفي.

فالقول بعلية الله سلبٌ للقدرة عنه وتحقيق المعلول دون اختيار العلة التامة لإيجاد الخلائق ومن جهة أخرى ليس الله علة تامة على هذا المفهوم حيث إننا نعلم حالياً بوجودنا عقلاً ويقيناً وستنتهي حياتنا في المستقبل كما لم نكن شيئاً فيما مضى ثم وجدنا، فإذن مسألة القدم للخلائق بقدم العلة التامة تنتفي.

فالقول بعلية الله سلبٌ للقدرة عنه وتحقيق المعلول دون اختيار العلة التامة هذا هو سلب القدرة عنه وكل ذلك مردود فالله قادر مريد مختار ليس علة تامة لا ناقصة بل يفعل ما يريد (وكان الله ولم يكن معه شيء ثم خلق الأشياء) كما ورد في الأثر.

2 - العلم:

فالله عز وجل محيط بكل الأمور ولا يخفى عنه شيء ففي قوله تعالى:

(وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلاَّ هو ويعلم ما في البر والبحر). [سورة الأنعام: الآية 59].

وقال في آية أخرى: (يعلم خائنة الأعين وما تُخفي الصدور). [سورة غافر: الآية 19].

فالله سبحانه محيط بكل الأمور من أسرار وخفايا ونوايا فهو العالم بالأشياء بذواتها وصفاتها وأفعالها ووجودها وأسباب زوالها وحياتها فقد قال في محكم كتابه:

(ويعلم ما في السماوات وما في الأرض والله على كل شيءٍ قدير). [سورة آل عمران: الآية 29].

وقال عز وجل في آيات أخرى: (والله عليم حكيم). [سورة النساء: الآية 26].

(والله بكل شيء عليم). [سورة النساء: الآية 176].

(تعلمُ ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسِك إنك أنت علاّمُ الغيوب). [سورة المائدة: الآية 116].

(وتوكّل على الله إنه هو السميعُ العليم). [سورة الأنفال: الآية 61].

فهو يعلم بالأشياء قبل وجودها كعلمه بها بعد وجودها لا تخفى عليه خافية وإنه حكيم في أفعاله وخلقه ومنزّه عن الظلم والقبح والجهل. فقد قال الإمام الرضا () في دعائه: (سبحان من خلق الخلق بقدرته واتقن ما خلق بحكمته ووضع كل شيءٍ منه موضعه بعلمه سبحان من يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور وليس كمثله شيء وهو السميع البصير) فهذه عين حكمته حيث جعل للحيوان البرّي أدوات الاهتداء وللحيوان البحري غيرها مما يناسب الوسط المائي والنملة تختلف عن البقرة والطيور تختلف عن الزواجف والأشجار تختلف عن الحيوانات وهكذا وبالفعل (وضع كل شيء منه موضعه بعلمه) فلا ترى جهازاً أو آلة أو جزءاً من أجزاء الحيوان والنبات والإنسان والوجود كله إلاَّ وتتجلى فيه الحكمة الربانية فبعضه يمكن أن نعرفه وبعض لازال العلم يجهل أثره. وهنا يبرز سؤال بعد مراجعة بعض النصوص الشرعية مثلاً قوله تعالى: (وما أوتيتم من العلم إلاّ قليلاً) (وقل ربِّ زدني علماً) إن صفة العلم محدودة قابلة للزيادة والنقيصة كيف نطلقها على الله سبحانه وقد ردّدنا فيما مضى أن الذي خلقنا ليس مثلنا.. فللإجابة على هذه المسألة نشير إلى أن علم الله ليس كعلمنا محدوداً ومؤطراً فقد جاء في (أصول الكافي) عن الإمام الصادق () (لم يزل الله تعالى ربنا والعلم ذاته ولا معلوم والسمع ذاته ولا مسموع والبصر ذاته ولا مبصر والقدرة ذاته ولا مقدور فلما أحدث الأشياء وكان المعلوم وقع العلم منه على المعلوم والسمع على المسموع والبصر على المبصر والقدرة على المقدور قيل فلمْ يزل الله متحركاً قال: تعالى الله، إن الحركة صفة محدثة بالفعل قيل فلمْ يزل الله متكلماً قال: إن الكلام صفة محدثة ليست بأزلية).

ويقول الإمام الحسين () في دعاء عرفه (... يا من لا يخفى عليه اغماض الجفون ولا لحظ العيون ولا ما استقر في المكنون ولا ما انطوت عليه مضمرات القلوب ألا كلّ ذلك قد أحصاه علمك ووسعه حلمك وتعاليت عما يقول الظالمون علوّاً كبيراً..)(8).

3 - الحياة:

فهو الحي القيوم القديم الأزلي والباقي إلى الأبد فهو واجب الوجود بذاته وعلته ذاتية فهو حيّ دائم بمعنى أنه عالم قادر حيّ لا يموت فهو الذي أوجد الكائنات وأبدع الوجود ونظامه وبمرور الزمن نرى هذه الوجودات منها ما يتجدد ويتولد ومنها ما يموت وينقرص فهذه الاستمرارية في الإبداع والعطاء هي التي توصلنا إلى العلم والقدرة الإلهية أي إنه حي قيوم على الوجود. وجاء في (عقائد الإمامية الاثنى عشرية): (وبعد فرض كون الذات هو الكمال المطلق فمن جزئيات كماله استناد ما سواه إليه تعالى حدوثاً وبقاءً فهو تعالى حي)(9).

وسئل الإمام الباقر () عن الله متى كان فقال (): (متى لم يكن حتى أخبرك متى كان).

4 - الإرادة:

إنه سبحانه مريد لأفعاله أي تصدر منه أفعاله بالإرادة والاختيار فبإرادته التامة تتخصص أوقات وأمكنة وظروف خلق الأشياء من دون خضوع لأيّةِ اعتبارات خاصة أو تأثيرات معينة. وكذلك بإرادته أمرنا بطاعته لكن لا على سبيل القسر والحتم وإنما باختيار عبيده:

(وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر). [سورة الكهف: الآية 29].

فأمرنا بالطاعة التامة لأوامره ونهانا عن المعاصي فيكون مريداً للطاعة وكارهاً للمعصية فأمرنا بما يريد، ونهانا عمّا يكره، وترك لنا الخيار:

(ولكن الله يفعل ما يريد). [سورة البقرة: الآية 253].

(وأنّ الله يهدي من يريد). [سورة الحج: الآية 16].

فأمْرُهُ بإرادته للمصلحة ونهيُهُ عمّا يكره لعلمِه بالمفسدة فقد قال سبحانه:

(يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر). [سورة البقرة: الآية 185].

فإذن ترك الله سبحانه الخيار لنا بإرادته: (إن ربّكَ فعالٌ لما يُريد). [سورة هود: الآية 107].

(ولو شاء الله ما أشركوا وما جعلناك عليهم حفيظاً). [سورة الأنعام: الآية 107].

أي لو أراد الله بمشيئته جبراً ألاّ يَشرك به أحد لفعل ولكنه ما أراد ذلك وجاء في (الاحتجاج) عن الرضا (): (إرادة الله تعالى ومشيئته في المعاصي النهي عنها والسخط لها والخذلان عليها قال السائل: فلله فيه قضاء. قال: نعم، ما من فعل يفعله العباد من خير أو شر إلاَّ ولله فيه قضاء وقال السائل: ما معنى هذا القضاء قال: الحكم عليهم بما يستحقونه من الثواب والعقاب في الدنيا والآخرة)(10).

فالإرادة علة الإيجاد وهي فعل ذات الله سبحانه لذلك نقرأ في القرآن الكريم:

(إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون). [سورة يس: الآية 82].

وقيل للإمام الصادق () لم يزل الله تعالى مريداً فقال: إن المريد لا يكون إلا المراد معه (قديم مثله) لم يزل عالماً قادراً ثم أراد...).

5 - الإدراك:

هو علم الله تعالى الخاص والمحيط بجميع المعلومات فهو السميع وهو البصير (يسمع ويبصر) طبعاً دون جوارح للسمع والبصر لأن ذلك يخرجه عن صفات الأزل فإذن لا تخفى عليه خافية بل يسمعها ويراها أي يدركها بدقة فقد قال سبحانه:

(وما تسقط من ورقة إلاَّ يعلمُها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين). [سورة الأنعام: الآية 59].

(ليس كمثله شيء وهو السميع البصير). [سورة الشورى: الآية 11].

وقد قال الإمام الحسين () في دعائه يوم عرفة: (... عُميت عينٌ لا تراك عليها رقيباً وخسرت صفقة عبد لم تجعل له من حبك نصيباً)(11).

6 - الكلام:

إنه تعالى متكلم - وكما قلنا سابقاً - من دون أن نعكس صفة لجارحة اللسان عليه لأنه يستحيل عليه ذلك. فقد قال سبحانه في محكم كتابه المجيد:

(وكلّم الله موسى تكليماً). [سورة النساء: الآية 164].

فصفة الكلام بالنسبة إليه عز وجل نقصد بها قدرته على إيجاد الكلام فهو على كل شيءٍ قدير ولهذا يخلق الحروف والأصوات فيما يشاء من الأجسام لإيصال رسالته كما في خلق الكلام في شجرة طور لتكليم موسى ().

7 - الصدق:

حينما وصفنا الخالق الكريم بالكمال المطلق فلا تجوز عليه صفة الكذب لأنها من صفات النقص ويستحيل عليه ذلك وحينما يذهب البعض بجواز القبح عليه سبحانه فيجوّزوا عليه الكذب والظلم إنهم لا يخرجون الأمر من الدوائر التالية فإما أن يكون سبحانه جاهلاً بهذا القبح والظلم أو أن يكون عالماً به ولكنه مجبور على فعله وعاجز عن تركه أو أن يكون عالماً به وغير مجبور عليه ولا يحتاج إليه فينحصر في أن يكون فعله تشهياً وعبثاً ولهواً!!. هذه الصور تستحيل على الله تعالى لأنها تستلزم النقص فيه والله سبحانه محض الكمال فيجب أن نحكم بأنه منزّه عن الظلم وفعل ما هو قبيح(12) وسيأتي الحديث عن العدل الإلهي ونفصل في المسألة أكثر - إن شاء الله -.

8 - السرمدية:

فالله سبحانه قديم أزلي لم يُسبق بعلة فقد قال تعالى:

(وما نحن بمسبوقين). [سورة المعارج: الآية 41].

وأنه سبحانه باقٍ أبدي لا يعتريه العدم فهو الأول بلا أول يكون قبله والآخر بلا آخر يكون بعده ألم يكن سبحانه وتعالى واجب الوجود فهو القائم بذاته، الغني عن غيره ومن صفات الواجب الوجود لذاته أن لا يسبقه عدم ولا يلحقه عدم أيضاً وإلا لصار ممكن الوجود والعلة توجده والعلة تعدمه أي يكون محتاجاً لعلة الإيجاد في وجوده ولعلة العدم في زواله بينما واجب الوجود لذاته مستحيل العلة للإيجاد ومستحيل العلة للعدم.

فهو الغني بذاته عمّا سواه، فهو دائم قيوم أزلي أبدي لا يحدد بزمن البداية ولا يمكن تحديد نهايته فعن أمير المؤمنين (): (إنما يقال متى كان لما لم يكن فأما ما كان فلا يقال متى كان، كان قبل القبل بلا قبل وبعد البعد بلا بعد) وهكذا مر معنا حديث الإمام الباقر () حينما سئل عن الإمام سبحانه متى كان فقال (): (متى لم يكن حتى أخبرك متى كان)(13).

والإمام الحسين () في دعاء عرفة يقول في مقطع منه: (... متى غبت حتى تحتاج إلى دليل يدلّ عليك ومتى بعُدت حتى تكون الآثار هي التي توصل إليك...).

إذن فنحن نعتقد أن من صفاته تعالى الثبوتية الحقيقية الكمالية التي تسمى بصفات الجمال والكمال كالعلم والقدرة والإرادة والحياة.. هي عين ذاته ليست هي صفات زائدة عليها وليس وجودها إلا وجود الذات فقدرته من حيث الوجود حياته وحياته قدرته بل هو قادر من حيث هو حي وحي من حيث هو قادر لا اثنينية في صفاته ووجودها وهكذا الحال في سائر صفاته الكمالية(14).

فهي عين ذاته وجوداً وعيناً وفعلاً وتأثيراً فهو تعالى ليس كمثله شيء ولا يشبه خلقه فصفاته عين ذاته غير زائدة عليها بينما صفاتنا زائدة على ذواتنا فكنا معدومين فوجدنا وكنا جاهلين فتعلمنا.. أما لو كانت صفاته تعالى كصفاتنا زائدة علينا أو كانت غير ذاته لكان تعالى محتاجاً إليها والمحتاج ممكن الحدوث ومركب فلا يكون واجب الوجود كما فرضناه وتأتي افتراضات متشعبة على هذا الفرض مثلاً لو كانت صفاته غير ذاته من سيكون الأقدم وإن كانا معاً في القدم فيلزم تعدد القدماء وهكذا يجرنا البحث إلى سلسلة البطلان التي عالجناها في حديثنا عن صفات الأزلي الأبدي الذي مرّ معنا.

وهنا يقول أمير المؤمنين: (... وكمال الإخلاص له نفي الصفات عنه لشهادة كل صفة أنها غير الموصوف وشهادة كل موصوف أنه غير الصفة فمن وصفه فقد قرنه ومن قرنه فقد ثناه ومن ثناه فقد جزأه ومن جزأه (جعله مركباً) فقد جهله...).

وروى الصدوق في (التوحيد) عن عروة قال: قلت للرضا (): خلق الله الأشياء بقدرة أم بغير قدرة، فقال: (لا يجوز أن يكون خلق الأشياء بالقدرة لأنك إذا قلت خلق الأشياء بالقدرة فكأنك قد جعلت القدرة شيئاً غيره وجعلتها آلة له بها خلق الأشياء وهذا شرك وإذا قلت خلق الأشياء بقدرة فإنما تصفه أنه جعلها باقتدار عليها وقدرة ولكن ليس هو بضعيف ولا عاجز ولا محتاج إلى غيره).

وعن الباقر () أنه قال: (سميع بصير يسمع بما يبصر ويبصر بما يسمع).

وأما الصفات الثبوتية الإضافية كالخالقية والرازقية والتقدم والعلية فهي ترجع في حقيقتها إلى صفة واحدة حقيقية وهي القيوّمية لمخلوقاته وهي صفة واحدة تنتزع منها عدة صفات باعتبار اختلاف الآثار والملاحظات(15).

فهذه الصفات التي سميناها فيما سبق بصفات الفعل وقلنا إنها حادثة وليست ذاتية فيه كصفات الذات فنستطيع أن ننسب الفعل إليه تعالى ونسلبها كذلك فهو المحيي وهو المميت وهو يخلق ولم يُخلق ويرزق ولم يُرزق - ومرّ معنا الحديث عن صفات الفعل قبل صفات الذات وأشرنا إلى الإرادة وأثبتنا أنها من صفات الفعل -.


توقيع خادمة العباس (ع)


خــ العباس(ع) ــــــادمة




منتظرة المهدي
عضو
رقم العضوية : 421
الإنتساب : Sep 2007
الدولة : طيبة الطيبة
المشاركات : 5,448
بمعدل : 0.90 يوميا
النقاط : 0
المستوى : منتظرة المهدي is on a distinguished road

منتظرة المهدي غير متواجد حالياً عرض البوم صور منتظرة المهدي



  مشاركة رقم : 10  
كاتب الموضوع : خادمة العباس (ع) المنتدى : ميزان الثقلين القرآن الكريم والعترة الطاهرة عليهم السلام
Post
قديم بتاريخ : 14-Dec-2007 الساعة : 12:56 PM

اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم


يا دائم الفضل على البرية
يا باسط اليدين بالعطية
يا صاحب المواهب السنية
صلى على محمد وآل محمد
خير الورى سجية
وغفر لنا ياذا العلى في هذه العشية ....


نتابع السابعا


2 - وأما الصفات السلبية

قال تبارك وتعالى: (تبارك اسم ربك ذي الجلال والإكرام). [سورة الرحمن: الآية 78].

قيل الجلال صفاته السلبية وتسمى صفات الجلال أما الإكرام فهي صفاته الثبوتية وصفات الجلال هي التي تنفي النقائص عنه تعالى فهي ممتنعة عن واجب الوجود وغيره لائقة بالكمال المطلق وهذا الكمال المطلق لا يمكن تثبيته إلاَّ بنفي النقص والقبح عنه كما لا يثبت الحق إلا بنفي الباطل ومن أهم هذه الصفات السلبية هي:

أنه لا شريك له وأنه ليس محتاجاً في ذاته وصفاته إلى الغير والمكان والزمان وأنه ليس مركباً من الأجزاء وأنه ليس محلاً للحوادث كالنوم واليقظة وأنه لا يحل ولا يتحد مع أحد وأنه ليس بجسمٍ وأنه لا يُرى بحاسة البصر وأنه لا يفعل قبيحاً وأنه لا يشبه أحداً... فهي منافية تقريباً للصفات الثبوتية أو مضادة لها كالجهل والعجز والفناء والشريك كل ذلك ينافي العلم والقدرة والبقاء والوحدانية - على التوالي - فليس لله ضدّ ولا شكل ولا صورة ولا حيّز لمكان ولا هو جوهر كالجسم والمادة ولا هو عرض كاللذة والشهوة لأن ذلك مفتقر إلى من يؤثر فيها من الوجود لذا حينما سئل الإمام علي (): هل رأيت ربك يا أمير المؤمنين؟ فقال (): (أفأعبد لما لا أرى ثم قال: لا تدركه العيون بمشاهدة العيان ولكن تدركه القلوب بحقائق الإيمان قريب من الأشياء غير ملامس، بعيد منها غير مباين، متكلم لا برويّة، مريد لا بهمة، صانع لا بجارحة، لطيف لا يوصف بالخفاء، كبير لا يوصف بالجفاء، بصير لا يوصف بالحاسة، رحيم لا يوصف بالرقة، تعنو الوجوه لعظمته، وتجب القلوب من مخافته)(16).

وحينما سئل الإمام الصادق () عن حقيقة الله أجاب: (هو شيء بخلاف الأشياء أرجع بقولي إلى إثبات معنى وإنه لشيء بحقيقته الشيئية غير أنه لا جسم ولا صورة ولا يحس ولا يجس ولا يُدرك بالحواس الخمس لا تدركه الأوهام ولا تغيره الأزمان)(17).

وتبرز أمامي علامة استفهام كبيرة أحبذ أن أوردها قبل أن أشرح بعض الصفات السلبية وهذه المسألة قد أخذت منّا وقتاً وجهداً لا بأس به بيننا وبين أستاذ الفلسفة أيام دراستنا في النجف الأشرف وملخصها أننا حينما نصف الله سبحانه وصفاً خارجاً عن أطرنا وحواسنا ولا نستطيع أن نحيطه علماً ولا نتمكن من معرفة كنه ذاته وماهيته وكل ذلك مرّ معنا في الصفحات السابقة مع الروايات الشريفة الداعمة للفكرة، يبرز هذا التساؤل حينما يكون الخالق الكريم بهذه الصورة فمن الذي دلّنا عليه وجعلنا نبحث عنه ونتوصل إلى معرفة ما أمكنا معرفته لنمتثل أوامره.

وما استطعنا أن نصل إلى الجواب الشافي حينذاك حيث المناقشة الحادة بين الأطراف فأحدنا يرفض والآخر يعارض وثالث يوافق وهكذا في الوسط المزدحم بالنقاش خيّم علينا صوت الأستاذ المرحوم ذلك الصوت الرخيم وتلا مقطعاً من دعاء الصباح لمولانا وسيدنا الإمام علي () وبالفعل كان هو الجواب الشافي الذي جعلنا نوقف تلك المناقشة وذلك الضجيج بل ونقتنع... حيث قال الإمام: (... يا من دل على ذاته بذاته وتنزه عن مجانسة مخلوقاته وجلّ عن ملاءمة كيفياته يا من قرب من خطرات الظنون وبَعُدَ عن لحظات العيون وعلم بما كان قبل أن يكون...)(18).

ونقرأ كذلك في دعاء الإمام زين العابدين (): (بك عرفتك وأنت دللتني عليك ودعوتني إليك ولولا أنت لم أدر ما أنت..)(19).

فإذن هو الله سبحانه الذي دلنا على ذاته المقدسة ومما لا ريب فيه نلاحظ في هذا المقطع المبارك ذكر بعض الصفات السلبية الجلالية حيث لا يتجانس سبحانه وتعالى مع مخلوقاته ولا يرى بالعيون المجردة وهكذا.. والآن لنعود إلى معرفة أهم صفات الجلال (الصفات السلبية) فلنوضحها بإيجاز:

1 - إن الله تبارك وتعالى لا شريك له

سبق وأن تحدثنا في الفصل السابق وأشرنا إلى الآيات الكريمة بهذا الصدد في أنه (سبحانه) يمتنع عليه الشريك عقلاً فأما الواحد أقوى من الثاني أو متساويين في القوة والقدم وعلى كل التقادير لرأينا حينذاك الاختلاف في الخلق والرسل والآثار ومرت معنا الآيات والروايات الموضحة لهذه الصفة منها قال سبحانه:

(لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا). [سورة الأنبياء: الآية 22].

2 - إنه سبحانه غير محتاج في ذاته وصفاته

إلى الغير والمكان والزمان والأدوات والكيفية فهو الغني المطلق عن غيره وقد مضى معنا أنه واجب الوجود لذاته وصفاته صفات الأزلي التي منها أنه لا يحتاج إلى غيره وإنه يستغني بذاته عن كل شيء في الوجود بل كل شيءٍ مفتقر إليه. وهنا لابد أن نشير إلى مسألة الظهور الإلهي ومستلزمات الظهور هل أن الخلائق تظهر في الله سبحانه أم أنه الله يظهر فيها من باب (فلست تظهر لولاي لم أكن لولاك) ومما لاشك فيه أن هذه المسألة أخذت أبعاداً مختلفة وآراء متعددة فبعض الصوفيين ذهب إلى أن الله سبحانه يظهر في المخلوقات حتى في الحيوانات لأنهم تشدّدوا في ظهوره فيها وبعض المفكرين وقف متحيّراً متردداً فلو تصفحنا تراثنا الديني المقدس لقرأنا في الحديث القدسي (كنتُ كنزاً مخفياً فأحببت أن أعرف فخلقت الخلق لكي أعرف) ومعنى ذلك أن الله خلق الخلق لأنه أراد الناس أن يعرفوا ربهم فعليهم أن ينظروا إلى خلقتهم وعظمة أجهزتهم الداخلية والخارجية حتى يعرفوا الله الخالق لهم وليس المعنى أنه لو لم يخلق الخلق لم يكن معروفاً فخلق الخلق ليكون معروفاً فهو معروف لنفسه وظاهر بنفسه ولا يحتاج إلى شيءٍ ليظهر به.

فليس معنى الحديث أنه سبحانه ظاهر فيهم بل هم ظاهرون به كما كل شيءٍ قائم بالله وليس هو قائم بأيّ شيء بل كل شيءٍ قائم به وهكذا كل شيء ظاهر به وباطن به فلا يكون المخلوق ظرفاً لله تعالى ولا الله تعالى ظرفاً للخلائق حتى تكون الخلائق في الله ظاهرة أو يكون الله في الخلائق ظاهراً بالمعنى الظرفي. وأما ما نقرأ في الكتاب العزيز في الآية الكريمة مثلاً:

(فنفخنا فيه من روحنا). [سورة التحريم: الآية 12].

فمن باب نسبة الشيء إلى الله عز وجل لتقريبه إليه كما في الآية الأخرى:

(يا عباد لا خوف عليكم اليوم ولا أنتم تحزنون). [سورة الزخرف: الآية 68].

وفي آية مباركة أخرى: (وطهر بيتي للطائفتين والقائمين والركع السجود). [سورة الحج: الآية 26].

فالروح والعباد والبيت كل ذلك من مخلوقات الله أما نسبة ذلك إلى الله من باب القربة والمنزلة الرفيعة.

يقول الإمام الصادق في تفسير الآية (ونفخنا فيه من روحنا) قال: (إن الروح متحرك كالريح وإنما سمي روحاً لأنه اشتق اسمه من الريح.. وإنما أضافه إلى نفسه لأنه اصطفاه على سائر الأرواح كما قال لبيت من البيوت (بيتي) ولرسول من الرسل (خليلي) (حبيبي) واشباه ذلك وكل ذلك مخلوق مصنوع محدَث مربوب مدبَّر).

فهو الصمد ليس وعاء يصدر منه شيء ولا يكون ظاهراً في شيء، عن الصادق (): (هو الله الثابت الموجود، تعالى الله عما يصفه الواصفون، فلا تعدو القرآن فتضلوا بعد البيان) فلابد من نفي التشبيه والتعطيل عن الله سبحانه. ونقرأ في دعاء الإمام الحسين () في يوم عرفة قوله: (كيف يستدل عليك بما هو في وجوده مفتقر إليك أيكون لغيرك من الظهور ما ليس لك حتى يكون هو المظهر لك متى غبت حتى تحتاج إلى دليل يدل عليك ومتى بعدت حتى تكون الآثار هي التي توصل إليك عميت عين لا تراك عليها رقيباً...) وهذا المقطع واضح لما ذهبنا إليه وقد قال الإمام الصادق: (ليس إلا الله وخلقه لا ثالث بينهما ولا ثالث غيرهما) فكل شيء أراد أن يظهر فلابد أن يظهر بالله سبحانه وليس الله يظهر في الشيء فهو الغني عن كل شيءٍ لقوله تعالى: (ومن كفر فإنّ الله غنيٌ عن العالمين). [سورة آل عمران: الآية 97].

وقوله أيضاً: (قالوا اتخَذَ الله ولداً سبحانه هو الغنيّ..). [سورة يونس: الآية 68].

3 - الله سبحانه ليس مركباً

كذلك أخذنا فيما مضى من صفات الأزلي أن يكون بسيطاً لا مركباً لأن المركب يكون حادثاً والحادث مخلوق ويكون له أول كما يكون له آخر وهذا كله ينافي صفة الأزل ويطابق صفة الممكن المحتاج لغيره وحاشا لله سبحانه من ذلك فالله منزّه عن التركيب الخارجي ومنزّه عن الأجزاء العقلية - كما يسجل ذلك الشيخ الهادي في كتابه (معالم التوحيد) - والمراد من التركيب الخارجي يعني هو أن يكون الشيء ذا أجزاء خارجية كالمعادن والمحاليل الكيمياوية التي تتألف من الأجزاء المختلفة ولكن مثل هذا التركيب يستحيل في شأن الله سبحانه لأن الشيء المركب من مجموعة الأجزاء سيكون محتاجاً في وجوده إلى تلك الأجزاء لا محالة والمحتاج إلى غيره معلول لذلك الغير ولا يصلح للألوهية حينئذ. هذا مضافاً إلى أن الأجزاء المؤلفة للذات الإلهية إما أن تكون واجبة الوجود فحينئذ سنقع في مشكلة (تعدد الآلهة) التي يعبر عنها في علم الكلام بتعدد القدماء وإما أن تكون ممكنة الوجود وفي هذه الصورة ستحتاج هذه الأجزاء إلى الغير ليوجدها فيكون معنى هذا أن ما فرضناه إلهاً يكون معلولاً لأجزاء ذاته التي هي معلولة لموجود أعلى وبالتالي لا يكون إلهاً. وذاته منزهة عن الأجزاء العقلية ويسترسل الشيخ الهادي في توضيح هذا النوع من البساطة ولأهمية توضيحه نورده:

أ - إن الشيء يعرف بجنسه وفصله أو ما يقوم مقامهما التي تسمى بالماهية وليس للماهية أي دور إلاَّ تحديد وجود الأشياء وبيان موقعها في عالم الوجود.

ب - إن كل مولود ممكن مركب من شيئين ماهية ووجود وليس المقصود تركبه من الجزئين الخارجين كالعناصر المتركبة بل المراد هو أن الذهن النقاد يرى الشيء الخارجي الواحد في - مختبر العقل - مكوناً من جزئين:

أحدهما: يحكي عن مرتبته الوجودية وأنه يقع في أي مرتبة من مراتب الوجود من الجماد والنبات والحيوان وغيرها.

والثاني: يحكي عن عينيته الخارجية التي طرد بها العدم عن ساحة الماهية ولكن هذا النوع من التركيب يستحيل في شأن الذات الإلهية لأنها إذا كانت مؤلفة من وجود وماهية انطرح هذا السؤال إن الماهية كانت في حد ذاتها نافذة للوجود والعينية فبماذا طرد هذا العدم وأقيم محله الوجود فإنّ هذا الطرد يحتاج - تبعاً لقانون العلية العام - إلى عامل خارجي عن ذات الشيء ومن المعلوم أن الشيء المحتاج إلى العلة الخارجة عن وجوده ممكن لا يستحق الألوهية؟! ولأجل هذا ذهب العلماء إلى بساطة ذاته وإنها منزهة عن الماهية وهو عين الوجود وصرفه(20).

4 - إنه تعالى ليس محلاً للحوادث

كالنوم واليقظة والحركة والسكون والقيامة والقعود والشباب والهرم والقوة والضعف واللذة والألم والحزن والفرح والرضى والسخط لأن ذلك كله خاص بالممكنات الحوادث المتغيرات والله سبحانه لا يتغير ولا يتبدل ولا يتأثر فهو ليس بجسم كي يرتبط بمتغيرات الزمان والمكان. وهذه العوارض كالنوم والألم والضعف إنها دليل العجز والنقص وهو تعالى منزه عن ذلك فقد قال سبحانه في محكم كتابه الكريم:

(الله لا إله إلا هو الحيُّ القيوم لا تأخذه سِنَةٌ ولا نومٌ له ما في السماوات وما في الأرض). [سورة البقرة: الآية 255].

وهذه الصفة أود أن أتوسع فيها لأنها مورد كلام ونقاش.. فحينما قررنا أن ذات الله ليس فيها رضىً ولا غضب إذن فما هو معنى غضب الله عليهم ورضي الله عنهم فنقرأ ذلك في القرآن والأحاديث والروايات. فإن لم يكن في ذات الله رضى أو غضب فما معنى قيام الناس بالعبادات أو بترك المعاصي لتحقيق رضاه فإن قلنا إن الرضى والسخط موجودان في ذات الله فلازم ذلك متعلق الرضا أفعال العباد عموماً وتشمل أعمالهم بالفكر واللسان والجوارح إذن تارة يرضى الله حيث يكون العمل من قبل العباد موجباً لرضاه تعالى وتارة يغضب ويسخط حيث يكون عملهم موجباً للسخط والغضب. عندئذ يتحقق معنى رضى الله وغضبه قال سبحانه في محكم كتابه:

(رضي الله عنهم ورضوا عنه ذلك الفوز العظيم). [سورة المائدة: الآية 119].

وقال أيضاً: (والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه). [سورة التوبة: الآية 100].

وقال سبحانه في آية أخرى: (من لعنه الله وغضب عليه وجعل منهم القردة والخنازير). [سورة المائدة: الآية 60].

وقال عز وجل أيضاً: (وغضب الله عليهم ولعنهم وأعدّ لهم جهنم). [سورة الفتح: الآية 6].

وقد قال الرسول الأعظم (): (يا فاطمة إن الله يغضب لغضبك ويرضى لرضاك) و (إن الله يغضب لغضب فاطمة ويرضى لرضاها)(21).

وبهذا نرى أن الغضب والرضى يتحققان في الله عز وجل نتيجة أعمال العباد فتكون ذاته حينذاك متغيرة من حال إلى حال ومتحولة من حال إلى حال! بمعنى آخر سيرضى الله عنا إذا أطعناه وطبقنا أوامره وأما إذا عصيناه سيغضب علينا فإذن وجودنا بل وجود إنسان واحد يمارس عملاً معيناً يكون سبباً لتغير ذات الله من الغضب إلى الرضا فإذا تغيرت ذات الله نتيجة أعمال العباد وكل شيء متغير مصيره الزوال والتبدل وربما الإبادة - ومن هنا كان لهذه الصفة الأهمية في شرحها وتفصيلها.

والآن كيف يمكن حلّ المسألة:

جاء في (أصول الكافي) عن الإمام الصادق () في شرح الآية الكريمة:

(فلمّا آسفونا انتقمنا منهم فأغرقناهم أجمعين). [سورة الزخرف: الآية 55].

قوله (): (إن الله لا يأسف كأسفنا ولكنه خلق أولياء لنفسه يأسفون ويرضون وهم مخلوقون مربوبون فجعل رضاهم رضاء نفسه وسخطهم سخط نفسه لأنه جعلهم الدعاة إليه والأدلاء عليه فلذلك صاروا كذلك وليس ذلك يصل إلى الله كما يصل إلى خلقه لكن هذا معنى ما قال من ذلك وقد قال من أهان لي ولياً فقد بارزني بالمحاربة ودعاني إليها وقال (ومن يطع الرسول فقد أطاع الله) وقال: (إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم) فكل هذا وشبهه على ما ذكرت لك، وهكذا الرضا والغضب وغيرهما من الأشياء مما يشاكل ذلك ولو كان يصل إلى الله الأسف والضجر وهو الذي خلقهما وأنشأهما لجاز لقائلٍ أن يقول إن الخالق يبيد يوماً لأنه إذا دخله الغضب والضجر دخله التغير وإذا دخله التغيير لم يؤمَن عليه بالإبادة ثم لم يعرف المكوِّن من المكوِّن (بالفتح) ولا القادر من المقدور عليه ولا الخالق من المخلوق، تعالى الله عن هذا القول علواً كبيراً، بل هو الخالق للأشياء لا لحاجة فإذا كان لا لحاجة استحال الحدّ والكيف فيه).

إذن لا نستطيع أن ننسب الصفات التأثرية كالغضب والضجر والأسف والرضى إلى الله سبحانه فهو منزّه عن ذلك كله فهو المؤثِر ولا مؤثِر سواه وهو سبحانه غير متأثر بشيءٍ إطلاقاً وإنما خلق أولياء لنفسه يمتازون بميزتين رئيسيتين كما في الرواية المتقدمة (جعلهم الدعاة إليه والأدلاء عليه فصاروا كذلك) فهذا الولي الداعية لله سبحانه والدليل عليه رضاه رضى الله وغضبه غضب الله وسخطه سخط الله فبيعة الرسول هي بيعة الله:

(إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله). [سورة الفتح: الآية 10].

(من يطع الرسول فقد أطاع الله). [سورة النساء: الآية 80].

لذلك حينما نقرأ الروايات التالية وبعض الأحاديث الشريفة تتوضح إلينا هذه المسألة كلياً، فقد جاء في كتاب (من لا يحضره الفقيه) أنه سئل الرسول () كيف يتوفى ملك الموت المؤمن، فقال (): (إن ملك الموت ليقف من المؤمن عند موته موقف العبد الذليل من المولى فيقوم هو وأصحابه لا يدنو منه حتى يبدأ بالتسليم ويبشره بالجنة) وجاء في (أصول الكافي) عن الرسول (): (لو أن مؤمناً أقسم على ربه لا يُميته ما أماته أبداً ولكن إذا كان ذلك إذا حضر أجله بعث الله إليه ريحين ريحاً يُقال لها المنسية وريحاً يُقال لها المسخية فأما المنسية فإنها تنسيه أهله وماله وأما المسخية فإنها تسخي نفسه عن الدنيا حتى يختار ما عند الله).

وعن الإمام الصادق (): (ما يخرج مؤمن عن الدنيا إلاَّ برضىً وذلك أن الله تبارك وتعالى يكشف له الغطاء حتى ينظر مكانه في الجنة وما أعدّ الله له فيها وينصب له الدنيا كأحسن ما كانت ثم يخيّر فيختار ما عند الله عز وجل ويقول ما أصنع بالدنيا وبلائها فلقنوا موتاكم كلمات الفرج).

وعن الإمام الصادق في رواية أخرى: أنه سئل: هل يكره المؤمن على قبض روحه قال: (لا والله إنه إذا أتاه ملك الموت يقبض روحه جزع عند ذلك فيقول له ملك الموت يا وليّ الله لا تجزع فو الذي بعث محمداً () لأنا أبرُّ بك وأشفق عليك من والدٍ رحيم لو حضرك أفتح عينيك فانظر قال: وتمثل له رسول الله () وأمير المؤمنين وفاطمة والحسن والحسين والأئمة من ذريتهم () فقال له هذا رسول الله وأمير المؤمنين و.. والأئمة رفقاؤكم فيفتح عينيه فينظر فينادي روحه منادٍ من قبل رب العزّة فيقول:

يا أيتها النفس المطمئنة إلى محمد وأهل بيته ارجعي إلى ربك راضيةً بالولاء مرضيةً بالثواب فادخلي في عبادي (يعني محمداً وأهل بيته) وادخلي جنتي فما شيء أحب إليّ من استلال روحه واللحوق بالمنادي).

وعن الإمام الباقر () كما جاء في (أصول الكافي): (حضر رسول الله () رجلاً من الأنصار وكانت له حال عند رسول الله فحضره عند موته فنظر إلى ملك الموت عند رأسه فقال له رسول الله () ارفق بصاحبي فإنه مؤمن فقال له ملك الموت يا محمد طِبْ نفساً وقرْ عيناً فإني بكل مؤمن رفيق شفيق واعلم يا محمد أني لأحضر ابنَ آدم عند قبض روحه فإذا قبضته صرخ صارخ من أهله عند ذلك فانتحي في جانب الدار ومعي روحه فأقول لهم والله ما ظلمناه ولا سبقنا به أجلنا ولا استعجلنا به قدره وما كان لنا في قبض روحه من ذنب فإن ترضوا بما صنع الله به وتصبروا تؤجروا وتحمدوا وإن تجزعوا وتسخطوا تأثموا وتؤزروا وما لكم عندنا من عُتبى وإن لكم عندنا أيضاً عودة وبقية فالحذر الحذر..).

من مجمل الروايات المنتخبة في هذا الصدد نلاحظ أن الرضا والسخط هو رضا أولياء الله وعباده المخلصين كما قال الرسول الأكرم (): (يا فاطمة إن الله يغضب لغضبك ويرضى لرضاك).

وكذلك نرى إن نفس الرضا والغضب هو فعل الله سبحانه فرضى الله الذي هو فعله يعني ما خلق في موضع رضاه أي الجنة وغضبه الذي هو فعله وليس في ذاته أبداً هو مخلوقه أي النار وبموجبهما رضى وليه وغضب وليه فمن رضي عنه الولي يدخل الجنة ومن غضب عنه الولي يدخل النار - فالذي يرضي الولي يكون محله رضى الله وهو الجنة ومن أغضب الولي يكون محله غضب الله الذي هو النار فرضا الله الجنة وغضب الله النار.

فمن مجمل الروايات السابقة وغيرها نستخلص هذه الفكرة التي قلناها فالرضا والغضب مخلوقان وليسا في ذات الله عز وجل وهذان المخلوقان هما عبارة عن الجنة والنار والولي المؤمن هو الشفيع للجنة وكما في الروايات أن الإمام علي () هو قسيم النار والجنة فرضاه رضا الله أي يدخل المؤمن إلى الجنة وأما غضبه فهو غضب الله أي يدخل المنحرف إلى النار كما ورد عن الرسول الأكرم (): (يا علي لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق) وفي حديث آخر: (عنوان صحيفة المؤمن حب علي بن أبي طالب)(22).

5 - أنّه سبحانه لا يحلّ ولا يتحد مع أحد

أي إنه تعالى لا يوجد في محل يضمه ويحويه ولا يفتقر إلى المحل الذي يحل فيه لأن الافتقار والاحتياج للشيء ليس من صفات الأزلي بل من صفات الممكن الحادث المتغير المحتاج فالله سبحانه موجود في كل مكان غير مفتقر لحيّزٍ ليتواجد فيه فيخلو منه الحيز الآخر ولأن الحلول في مكان يستلزم الجسمية والله منزه عن ذلك.

أما الاتحاد وهو أن يصير الشيئان شيئاً واحداً. والآن هل يتحد سبحانه وتعالى مع مخلوقاته القاصرة أو يحل فيها - كما يذهب البعض - وما هو الهدف من ذلك؟ أم يتحد مع قديمٍ آخر ويندمج معه وما الغرض من ذلك أيضاً؟ ويبدو أن غرض الأمرين هو الحاجة لذلك، والحاجة منفية عن واجب الوجود بذاته إضافة إلى أن هذين الأمرين يستلزمان الجسمية والحدوث والله منزّه عن ذلك وساحته المقدسة تطرد هذه الاحتمالات الباطلة.

6 - الله عز وجل ليس بجسم

لأن الجسم يكون مركباً عادةً ويحتاج الجسم إلى مكان وزمان، ويتغير وينمو ويموت وينتهي وكل ذلك من صفات الممكن الحادث المتغير، والجسم بحاجة إلى الإيجاد أيضاً وهو من صفات الممكن كذلك والله سبحانه منزّه عن هذه الصفات فهو واجب الوجود أزلي - كما مر معنا -.

7 - وأنّه لا يُرى بحاسة البصر

وضحنا ذلك في الشبهة الأولى من أحاديثنا الماضية ولا بأس هنا بذكر هذه الرواية عن الأصبغ عن أمير المؤمنين () قال: قام إليه رجل يُقال له ذُغلب فقال يا أمير المؤمنين هل رأيت ربك؟ قال (): (ويلك يا ذُغلب لم أكن بالذي أعبد رباً لم أره فقال كيف رأيته صفه لنا). قال (): (ويلك لم تره العيون بمشاهدة الأبصار ولكن رأته القلوب بحقائق الإيمان) فلأن الرائي بالعين المجردة حينما يرى شيئاً يعني يرى جسماً يشغل حيزاً بالفراغ. ولا يمكنه أن يرى شيئاً ليس بجسم ومن الممكن ألا ترى العين حتى بعض الأجسام المرئية فأنّى لها أن ترى ما ليس بجسم وقد أكدنا أن الله سبحانه وتعالى ليس بجسم لأنه ليس من الممكنات الحوادث وعليه لابُدّ من تأويل ما ورد للتقريب الذهني في القرآن الكريم والأحاديث الشريفة مما يتوهم القارئ بأنه (سبحانه) جسم. فمثلاً الآية القائلة: (يد الله فوق أيديهم) تعني قدرته وقوته الكبرى فوق القوى الأخرى وهكذا.

8 - أنّه لا يفعل قبيحاً

الكمال المطلق لا يصدر عنه القبيح لأنه حينما يصدر قبيحاً إما أن يكون جاهلاً بقبحه والجهل يخرج الله سبحانه عن دائرة الكمال المطلق وأما أن يكون جاهلاً بقبحه والجهل يخرج الله سبحانه عن دائرة الكمال المطلق وأما أن يكون عالماً بقبحه لكنه عاجز عن الترك والعجز صفة لا تليق بالكمال المطلق وإما أن يكون محتاجاً لفعل القبيح ونفينا حاجته - سبحانه وتعالى - لشيء. وإما أن يكون عابثاً والعبث ليس من صفات الحكيم الكامل فإذن كل ذلك مردود ومحال على الله عز وجل.

9 - أنّه سبحانه لا يشبه أحداً

وقد قررنا سابقاً أن الذي أوجدنا ليس مثلنا كما جاء في قوله تعالى في محكم كتابه المجيد: (ليس كمثله شيء) وقد قال الإمام علي () في خطبته المشهورة: (الحمد لله الذي لا يبلغ مدحته القائلون ولا يحصي نعماءه العادّون ولا يؤدي حقه المجتهدون الذي لا يدركه بُعد الهمم ولا يناله غوصُ الفطن، الذي ليس لصفته حد محدود ولا نعت موجود ولا وقت معدود ولا أجل ممدود فطر الخلائق بقدرته ونشر الرياح برحمته ووتّد الصخور ميدان أرضه أول الدين معرفته وكمال معرفته التصديق به وكمال التصديق به توحيده وكمال توحيده الإخلاص له وكمال الإخلاص له نفي الصفات عنه لشهادة كل صفة إنها غير الموصوف وشهادة كل موصوف إنه غير الصفة فمن وصف الله سبحانه فقد قرنه ومن قرنه فقد ثناه ومن ثناه فقد جزأه ومن جزأه فقد جهله ومن جهله فقد أشار إليه ومن أشار إليه فقد حدّه ومن حدّه فقد عدّه ومن قال فيمَ فقد ضمّنه ومن قال علام فقد أخلى منه، كائن لا عن حدث، موجود لا عن عدم، وجد مع كل شيءٍ بمقارنه وغيّر كل شيءٍ لا بمزايله فاعل لا بمعنى الحركات والآلة)(23).

هذه الخطبة تحدثت عن كثير من الأمور وتضمنت الصفات السلبية عموماً حيث نفى عن الله سبحانه المشابه في الوجود كما في حديثنا عن الصفة الأخيرة حيث قال: (ولا نعت موجود) ونفى عنه الحدود الزمنية والمكانية والجسمية أيضاً. ولا بأس أن نشير في نهاية هذا البحث إلى حديث الإمام الباقر () في هذا الصدد يقول (): (هل سمي عالماً قادراً إلاَّ لأنه وهب العلم للعُلماء والقدرة للقادرين وكلما ميزتموه بأوهامكم في أدق معانيه فهو مخلوق مصنوع مثلكم مردود إليكم والبارئ تعالى واهب الحياة ومقدر الموت ولعل النمل الصغار تتوهم أن لله زبانيتين أي قرنين فإنهما كما لها وتتصور أنّ عدمهما نقصان لمن لا يكونان له).

وأما في تعدد الأسماء الحسنى فقد روي عن ثقة الإسلام في (الكافي) بإسنادٍ حَسَنٍ عن هشام بن الحكم أنّه سأل مولانا الصادق () عن أسماء الله واشتقاقها، الله ممّ هو مشتق قال: فقال لي: (يا هشام الله مشتق من إله والإله يقتضي مألوهاً والاسم غير المسمى فمن عبد الله دون المعنى فقد كفر ولم يعبد شيئاً ومن عبد الاسم والمعنى فقد كفر وعبد اثنين ومن عبد المعنى دون الاسم فذلك التوحيد أفهمت يا هشام).

قال فقلت زدني، قال: (إن لله تسعة وتسعين اسماً فلو كان الاسم هو المسمى لكان كل اسم منها إلهاً ولكن الله معنى يدلك عليه بهذه الأسماء وكلها غيره يا هشام، الخبز اسم للمأكول والماء للمشروب والثوب اسم للملبوس والنار اسم للمحرِق أفهمت يا هشام فهماً تدفع به وتناضل به أعداءنا والملحدين مع الله تعالى غيره)، قلت: نعم. وهذه الرواية تنفعنا فيما قررناه سابقاً بأن صفات الله عز وجل هي عين ذاته.


3 - صفات أفعاله

تحدثنا عنها في أثناء الحديث عن الصفات الذاتية الثبوتية وعن صفة الإرادة كذلك فهي صفات متداخلة مع صفات الذات فآثرنا أن نذكرهما معاً لتتم المعرفة بشكل سريع ومقارن.


إضافة رد



ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة


 

 


المواضيع والمشاركات التي تطرح في منتديات موقع الميزان لا تعبر عن رأي المنتدى وإنما تعبر عن رأي كاتبيها فقط
إدارة موقع الميزان
Powered by vBulletin Copyright © 2017 vBulletin Solutions, Inc