الشرح التفصل للطرق و کفة السر ال الله - منتديات موقع الميزان
موقع الميزان السلام عليك أيتها الصدِّيقة الشهيدة يا زهراء السيد جعفر مرتضى العاملي
يا مُمْتَحَنَةُ امْتَحَنَكِ اللهُ الَّذي خَلَقَكِ قَبْلَ اَنْ يَخْلُقَكِ، فَوَجَدَكِ لِمَا امْتَحَنَكِ صابِرَةً، وَزَعَمْنا اَنّا لَكِ اَوْلِياءُ وَمُصَدِّقُونَ وَصابِرُونَ لِكُلِّ ما اَتانا بِهِ اَبُوكِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَاَتى بِهِ وَصِيُّهُ، فَاِنّا نَسْأَلُكِ اِنْ كُنّا صَدَّقْناكِ إلاّ اَلْحَقْتِنا بِتَصْديقِنا لَهُما لِنُبَشِّرَ اَنْفُسَنا بِاَنّا قَدْ طَهُرْنا بِوَلايَتِكِ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ * ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ * صَدَقَ اللّهُ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ – منتديات موقع الميزان للدفاع عن الصدِّيقة الشهيدة فاطمة الزهراء صلوات الله عليها – منهاجنا الحوار الهادف والهادئ بعيداً عن الشتم والذم والتجريح ولا نسمح لأحد بالتعرض للآخرين وخصوصاً سب الصحابة أو لعنهم وهذا منهاج مراجعنا العظام والعلماء الأعلام حفظ الله الأحياء منهم ورحم الماضين
 
اضغط هنا
اضغط هنا اضغط هنا اضغط هنا
اضغط هنا
عداد الزوار
العودة   منتديات موقع الميزان .: ميزان أنوار السلوك :. ميزان السلوك إلى الله وطرق العرفان
ميزان السلوك إلى الله وطرق العرفان بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ{الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ}

إضافة رد
كاتب الموضوع السيد امير الاعرجي مشاركات 0 الزيارات 3096 انشر الموضوع
   
أدوات الموضوع ابحث في الموضوع

السيد امير الاعرجي
الصورة الرمزية السيد امير الاعرجي
عضو
رقم العضوية : 15239
الإنتساب : Sep 2015
المشاركات : 9
بمعدل : 0.00 يوميا
النقاط : 0
المستوى : السيد امير الاعرجي is on a distinguished road

السيد امير الاعرجي غير متواجد حالياً عرض البوم صور السيد امير الاعرجي



  مشاركة رقم : 1  
المنتدى : ميزان السلوك إلى الله وطرق العرفان"> ميزان السلوك إلى الله وطرق العرفان
Post الشرح التفصل للطرق و کفة السر ال الله
قديم بتاريخ : 13-Sep-2015 الساعة : 10:41 AM

اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم


هذه جملة من الإرشادات والتوجيهات و الإضاءات العرفانية للراغبين في السير إلى الله بالطريقة الصحيحة.

تمثل هذه التوجيهات كنزا مهما من المعرفة في عالم السير إلى الله سبحانه وتعالى , وينبغي أن تكتب بماء الذهب.

إن هذه الإضاءات العرفانية هي بحث قيم للعلامة العالم الرباني آية الله السيّد الجليل محمّد الحسين‌ الحسينيّ الطهرانيّ , قدس سره, وهو يمثل رسالة قيمة عالية المضامين و المحتوى حملت اسم «رسالة‌ لبّ اللباب‌ في‌ سير وسلوك‌ أُولي‌ الالباب‌»


أضعها أنها لعظمة أهميتها.
الاوّل‌ : ترك‌ العادات‌ والرسوم‌ والمجاملات‌

والابتعاد عن‌ الاُمور الاعتباريّة‌ التي‌ تمنع‌ السالك‌ من‌ طيّ الطريق‌. والمقصود أن‌ يعيش‌ السالك‌ بين‌ الناس‌ بنحوالاعتدال‌. فالمجتمع‌ يحتوي‌ عل‌ طائفة‌ من‌ الناس‌ قد غرقت‌ في‌ المراسم‌ الاجتماعيّة‌، لا همّ لها سوي‌ جلب‌ الاصدقاء والخلاّن‌، ولا تبخل‌ بأيّ شكل‌ من‌ أشكال‌ المجاملة‌ والزيارات‌ المضرّة‌ أوالتي‌ ليست‌ لها فائدة‌ حفاظاً عل‌ شخصيّتها ومقامها الخاصّ، وتتكلّف‌ العادات‌ والتقاليد التي‌ تحفظ‌ لها حُسن‌ الظاهر، تاركة‌ صميم‌ الحياة‌ لحفظ‌ هامشها، جاعلة‌ المعيار في‌ التقبيح‌ والتحسين‌ آراء عوامّ الناس‌، واضعة‌ الحياة‌ والعمر في‌ معرض‌ التلف‌ والهلاك‌ حتّي‌ صارت‌ سفينة‌ وجودهم‌ لعبة‌ تتقاذفها الامواج‌ المتلاطمة‌ للرسوم‌ والعادات‌ المفتعلة‌، فأينما سارت‌ الامواج‌ بآداب‌ العوامّ وأخلاقيّاتهم‌ سارت‌ معها، فاقدة‌ للإرادة‌ قبال‌ المجتمع‌، منساقة‌ انسياق‌ العبيد. وفي‌ المقابل‌ هناك‌ طائفة‌ أُخري‌ اعتزلت‌ الجماعة‌، وابتعدت‌ عن‌ كلّ نوع‌ من‌ العادات‌ والآداب‌ الاجتماعيّة‌، وتنصّلت‌ من‌ الاجتماعيّات‌، فلا معاشرة‌ ولا مزاورة‌ لهم‌ مع‌ الناس‌، وبقي‌ أصحابها كذلك‌ حتّي‌ عرفوا بالمنزوين‌.


ولكي‌ يتمكّن‌ السالك‌ من‌ الوصول‌ إل‌ المقصد، عله‌ أن‌ يختار طريق‌ الاعتدال‌ بين‌ هذين‌ المسلكين‌، ويتجنّب‌ الإفراط‌ والتفريط‌، ويسير عل‌ صراط‌ مستقيم‌، وهذا الامر لا يحصل‌ إلاّ بمراعاة‌ المقدار الذي‌ تقتضيه‌ الضرورة‌ في‌ مجال‌ المعاشرة‌ ومزاولة‌ المجتمع‌، نعم‌ لوحصل‌ امتياز قهريّ بين‌ السالك‌ وغيره‌ عل‌ أثر اختلاف‌ كمّيّة‌ المعاشرة‌ أوكيفيّتها، فإنَّ هذا الامر لن‌ يكون‌ مضرّاً، وبالطبع‌ فإنَّ مثل‌ هذا الاختلاف‌ ليحصل‌، فالمعاشرة‌ لازمة‌ وضروريّة‌، ولكن‌ لا إل‌ الحدّ الذي‌ يجعل‌ السالك‌ نفسه‌ تابعاً لاخلاقيّات‌ الناس‌، وَلاَ يَخَافُونَ (فِي‌ اللَهِ) لَوْمَةَ لآئِمٍ، [1]هذه‌ الآية‌ تحكي‌ عن‌ مدي‌ ثباتهم‌ عل‌ هذا النهج‌ المستقيم‌، وتصلُّبهم‌ في‌ رأيهم‌ ومسلكهم‌.


وبشكل‌ عامّ، يمكن‌ أن‌ نقول‌ إنَّ عل‌ السالك‌ أن‌ يقيس‌ ويحدّد النفع‌ والضرر في‌ كلّ أمر اجتماعيّ، ولا يجعل‌ نفسه‌ تابعاً لآراء الناس‌ وأهوائهم‌.

الثاني‌ :العزم‌ الراسخ‌ في‌ طريق‌ السلوك‌

ما أن‌ يضع‌ السالك‌ القدم‌ الاُولي‌ في‌ ميدان‌ المجاهدة‌ حتّي‌ تنصبّ عله‌ الحوادث‌ الشديدة‌ والبلاءات‌ من‌ جانب‌ الناس‌ والمعارف‌، أُولئك‌ الذين‌ لا يتّبعون‌ سوي‌ هوي‌ النفس‌ والرغبات‌ الإجتماعيّة‌، يعاتبونه‌ ويوبّخونه‌ بالقول‌ والعمل‌ لكي‌ يبتعد عن‌ وجهته‌ ومقصده‌، وهذا الاختلاف‌ في‌ نمط‌ الحياة‌ والسلوك‌ فيما بينه‌ وبين‌ الناس‌ يؤدّي‌ إل‌ تخوّفهم‌، فيسعون‌ بكلّ وسيلة‌ ممكنة‌ أن‌ يحرّفوا السالك‌ المبتدي‌، موجّهين‌ له‌ سياط‌ اللوم‌ والتوبيخ‌ لإمالته‌ عن‌ الطريق‌ وهكذا.


فإنَّ السالك‌ سوف‌ يواجه‌ في‌ كلّ منزل‌ من‌ منازل‌ السفر مشكلة‌ جديدة‌ يبدوأنـّها لا يمكن‌ دفعها إلاّ بالعزم‌ والصبر، لذا عله‌ أن‌ يطلب‌ من‌ الله‌ المدد والقوّة‌ حتّي‌ يصمد أمام‌ كلّ هذه‌ المشاكل‌ ويزيلها بسلاح‌ الصبر والتوكّل‌، وبالالتفات‌ إل‌ عظمة‌ المقصد عله‌ أن‌ لا يسمح‌ للخوف‌ مجالاً أمام‌ هذه‌ العواصف‌ الهوجاء التي‌ هي‌ عوائق‌ طريق‌ الله‌ وموانعه‌.


وَعَلَي‌ اللَهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ [2] ـ وَعَلَي‌ اللَهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ. [3]

الثالث‌ : الرفق‌ والمداراة‌


وهي‌ من‌ أهمّ الاُمور التي‌ ينبغي‌ أن‌ يراعيها السالك‌ إل‌ الله‌، لانَّ أدني‌ غفلة‌ في‌ هذا الامر تكون‌ ـ إضافة‌ إل‌ منعه‌ من‌ السير والترقّي‌ ـ سبباً كلّيّاً في‌ انقطاع‌ السفر. فالسالك‌ يجد في‌ نفسه‌ في‌ بداية‌ السفر حماساً وشوقاً زائداً عل‌ الحدّ المترقّب‌ من‌ أمثاله‌، بل‌ تلازمه‌ تلك‌ الحال‌ أثناء السفر وحين‌ ظهور التجلّيات‌ الصوريّة‌ الجماليّة‌ حيث‌ يحسّ في‌ نفسه‌ بالعشق‌ والشوق‌ الكثير، فيعزم‌ عل‌ أداء الاعمال‌ العباديّة‌ الكثيرة‌، فتراه‌ يقضي‌ معظم‌ أيّامه‌ في‌ الدعاء والندبة‌ مقتفياً كلّ عمل‌، ومتعلّماً من‌ كلّ شخص‌ كلمة‌، ومتناولاً من‌ كلّ غذاء روحي‌ لقمة‌. إلاّ أنَّ هذا الاُسلوب‌ من‌ العمل‌ ليس‌ مفيداً فحسب‌، بل‌ يؤدّي‌ إل‌ الخسران‌، لانـّه‌ عل‌ أثر تحميل‌ النفس‌ أعمالاً ثقيلة‌ تأتي‌ النتائج‌ معاكسة‌، وبالتالي‌ تتراجع‌ النفس‌ إل‌ الوراء، ويعود السالك‌ بعد ذلك‌ خالي‌ اليدين‌، ويفقد الرغبة‌ والميل‌ للقيام‌ بأدني‌ عمل‌ مستحبّ.

وسرّ هذا الإفراط‌ والتفريط‌ هوأنَّ السالك‌ قد جعل‌ الذوق‌ والشوق‌ المؤقّتين‌ ميزاناً لاداء الاعمال‌ المستحبّة‌، وحمّل‌ النفس‌ عبئاً ثقيلاً، ولمّا انتهي‌ هذا الشوق‌ المؤقّت‌، وخمد لهيبه‌ المتأجّج‌، ضجرت‌ النفس‌ من‌ هذه‌ الاحمال‌ الثقيلة‌، وألقت‌ عصي‌ الترحال‌ في‌ البداية‌ أوأثناء الطريق‌، واشمأزّت‌ من‌ السفر وتبرأت‌ من‌ معدّاته‌ ومملاّته‌. إذن‌ عل‌ السالك‌ أن‌ لا يسقط‌ في‌ فخّ الشوق‌ المؤقّت‌، بل‌ عله‌ أن‌ يقيس‌ بدقّة‌ مدي‌ استعداده‌ وحالته‌ الروحيّة‌ ووضعيّة‌ عمله‌ وأشغاله‌ ومقدار قابليّته‌ للتحمّل‌، وينتخب‌ العمل‌ الذي‌ يمكنه‌ أن‌ يداوم‌ عله‌ عل‌ أن‌ يكون‌ أقلّ من‌ مقدار ومدي‌ استعداده‌، مكتفياً به‌ ومزاولاً له‌ حتّي‌ ينال‌ حظّه‌ الإيمانيّ من‌ هذا العمل‌.


وبناء عل‌ هذا فالسالك‌ يشتغل‌ بالعبادة‌ طالما وجد في‌ نفسه‌ الميل‌ والرغبة‌، ويقلع‌ عنها مع‌ بقاء الشوق‌ لها حفاظاً عل‌ هذه‌ الرغبة‌ وهذا الميل‌، وبالتالي‌ يري‌ نفسه‌ دائم‌ الظمأ للعبادة‌. فمثل‌ السالك‌ الذي‌ يريد أن‌ يؤدّي‌ العبادات‌ كمثل‌ الذي‌ يريد تناول‌ الغذاء، عله‌ أوّلاً أن‌ ينتخب‌ الغذاء الذي‌ يلائم‌ مزاجه‌، ثمّ يدعه‌ قبيل‌ الشبع‌ لتبقي‌ فيه‌ الرغبة‌ والميل‌ دائمين‌. وإل‌ هذا الامر إشارة‌ في‌ حديث‌ الإمام‌ الصادق‌ عله‌ السلام‌ مع‌ عبدالعزيز القراطيسيّ :


يَا عَبْدَ العَزِيزِ ! إنَّ لِلإيمَانِ عَشْرَ دَرَجَاتٍ بِمَنْزِلَةِ السُّلَّمِ يُصْعَدُ مِنْهُ مِرْقَاةً بَعْدَ مِرْقَاةٍ ـ إل‌ أن‌ قال‌ عله‌ السلام‌ ـ وَإِذَا رَأَيْتَ مَنْ هُوَأَسْفَلُ مِنْكَ بِدَرَجَةٍ فَارْفَعْهُ إلَيْكَ بِرِفْقٍ، وَلاَ تَحْمِلَنَّ عَلَيْهِ مَا لاَ يُطِيقُ فَتَكْسِرَهُ.

إجمالاً، يتبيّن‌ أنَّ العبادة‌ المؤثّرة‌ في‌ السير والسلوك‌ هي‌ تلك‌ العبادة‌ التي‌ تنشأ من‌ الرغبة‌ والميل‌، وإل‌ هذا المعني‌ أشار عله‌ السلام‌ :


وَلاَ تُكْرِهُوا أَنْفُسَكُمْ عَلَي‌ العِبَادَةِ.


الرابع‌ : الوفاء


وهوعبارة‌ عن‌ عدم‌ العود إل‌ ما تاب‌ عنه‌، وعدم‌ التقصير في‌ أداء ما عاهد نفسه‌ عل‌ القيام‌ به‌، وأن‌ لا يترك‌ ما عاهد عله‌ شيخه‌ ومربّيه‌ العارف‌ في‌ طريق‌ الحقّ حتّي‌ آخر الامر.

الخامس‌ : الثبات‌ والمثابرة‌


وتوضيح‌ هذا المعني‌ يحتاج‌ إل‌ ذكر مقدّمة‌ : فالمستفاد من‌ الاخبار والآيات‌ أنَّ الذي‌ ندركه‌ بحواسّنا من‌ الذوات‌ الخارجيّة‌، والذي‌ نؤدّيه‌ في‌ الخارج‌ من‌ الافعال‌ ويكون‌ له‌ تحقّق‌ في‌ عالم‌ المادّة‌، له‌ حقيقة‌ في‌ ماوراء هذه‌ التجسّمات‌ الخارجيّة‌ المادّيّة‌ الجسمانيّة‌، وماوراء هذه‌ الظواهر والمحسوسات‌، حقائق‌ عالية‌ المرتبة‌ مجرّدة‌ من‌ لباس‌ المادّة‌ والزمان‌ والمكان‌ وسائر عوارضها، وعندما تتنزّل‌ هذه‌ الحقائق‌ من‌ مقامها الواقعيّ تتجسّم‌ وتتمثّل‌ بهذه‌ الصور المادّيّة‌ المدركة‌ في‌ عالم‌ الخارج‌، وتصرّح‌ بذلك‌ الآية‌ القرآنيّة‌ المباركة‌ :


وَإِن‌ مِن‌ شَيْءٍ إِلاَّ عِندَنَا خَزَآئِنُهُ و وَمَا نُنَزِّلُهُ و´ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ. [4]


وتفسيرها ـ مجملاً ـ هوأنَّ الذي‌ يتحقّق‌ في‌ عالم‌ المادّة‌ عموماً قد كان‌ له‌ قبل‌ تحقّقه‌ الخارجيّ حقيقة‌ أُخري‌ عارية‌ عن‌ لباس‌ التقدير والحدّ، لكنّه‌ في‌ حال‌ النزول‌ والتنزيل‌ يتحدّد ـ وفقاً لعلم‌ الباري‌ تعالي‌ ـ بدرجات‌ معيّنة‌، ويقدّر بالتقديرات‌ الإلهيّة‌.



مَآ أَصَابَ مِن‌ مُصِيبَةٍ فِي‌ الاْرْض‌ وَلاَ فِي‌´ أَنفُسِكُمْ إِلاَّ فِي‌ كِتَـ'بٍ مِن‌ قَبْلِ أَن‌ نَبْرَأَهَآ إِنَّ ذَ 'لِكَ عَلَي‌ اللَهِ يَسِيرٌ. [5]



ثمّ إنَّ الصور الخارجيّة‌ لمّا كانت‌ محدّدة‌ ومملوءة‌ بالعوارض‌ المادّيّة‌ من‌ الكون‌ والفساد فهي‌ لعبة‌ بيد الفناء والزوال‌ والنفاد : مَا عِندَكُمْ يَنْفَدُ، لكنَّ تلك‌ الحقائق‌ العالية‌ المعبّر عنها بالخزائن‌ لها وجهة‌ التجرّد والملكوتيّة‌ ولا يترتّب‌ علها سوي‌ الثبات‌ والدوام‌ والكلّيّة‌ : وَمَا عِندَ اللَهِ بَاقٍ، وإل‌ هذا المعني‌ وإل‌ هذه‌ الحقيقة‌ أُشير في‌ الحديث‌ المتّفق‌ عله‌ بين‌ الفريقين‌ :



نَحْنُ مَعَاشِرَ الاَنْبِيَاءِ أُمِرْنَا أَنْ نُكَلِّمَ النَّاسَ عَلَي‌ قَدْرِ عُقُولِهِمْ.



وهذا الحديث‌ راجع‌ إل‌ جهة‌ات‌ان‌ كيفيّات‌ الحقائق‌ لاكمّيّاتها، ومدلوله‌ : أنـّنا معاشر الانبياء ـ دائماً ـ ننزّل‌ الحقائق‌ العالية‌ ونبيّنها بحسب‌ فهم‌ وإدراك‌ السامع‌، لانَّ العقول‌ البشريّة‌ ـ بسبب‌ انشغالها بزخارف‌ الحياة‌ وأمانيها الفارغة‌ وآمالها البعيدة‌ ـ قد تكدّرت‌ فلاتستطيع‌ أن‌ تدرك‌ تلك‌ الحقائق‌ بنفس‌ الدرجة‌ من‌ الصفاء والواقعيّة‌ التي‌ هي‌ علها. لهذا فالانبياء العظام‌ هم‌ كمن‌ يريد أن‌ يبيّن‌ للاطفال‌ حقيقة‌ ما، يضطرّون‌ إل‌ التعبير عنها بما يتناسب‌ مع‌ القوي‌ الإدراكيّة‌ والحسّيّة‌ للطفل‌. وكم‌ عبّر الانبياء العظام‌ بواسطة‌ مقام‌ الشرع‌ والشريعة‌ (وهم‌ حماتها) عن‌ هذه‌ الحقائق‌ الحيّة‌ بتعابير قد توحي‌ إل‌ أنَّ هذه‌ الحقائق‌ تفقد الحسّ والشعور، والحال‌ أنَّ كلّ واحدة‌ من‌ هذه‌ الظواهر الشرعيّة‌ من‌ صلاة‌ وصوم‌ وحجّ وجهاد وصلة‌ رحم‌ وصدقة‌ وأمر بالمعروف‌ ونهي‌ عن‌ المنكر و... لها حقائق‌ حيّة‌ ذات‌ شعور وإدراك‌.


والسالك‌ هومن‌ يريد أن‌ يزيل‌ ـ بخطي‌ السلوك‌ والمجاهدة‌، وبعون‌ الله‌ وتوفيقه‌ ـ كدورة‌ وحجاب‌ النفس‌ والعقل‌ في‌ ظلّ ذلّ العبوديّة‌ والانكسار والتضرّع‌ والإبتهال‌، ليشاهد ـ بالعقل‌ الظاهر والنفس‌ المضيئة‌ النورانيّة‌ الصافية‌ من‌ الاغلال‌ والشوائب‌ ـ تلك‌ الحقائق‌ العالية‌ في‌ هذه‌ النشأة‌ المادّيّة‌ والعالم‌ الظلمانيّ. وكثيراً ما يتّفق‌ للسالك‌ أن‌ يشاهد كلاّ من‌ الوضوء والصلاة‌ بصورته‌ الواقعيّة‌ ويري‌ مقدار تفاوتها مع‌ صورته‌ الجسمانيّة‌ الخارجيّة‌ بآلاف‌ المراتب‌ من‌ حيث‌ الشعور والإدراك‌. كما وردت‌ في‌ أحاديث‌ الائمّة‌ الاطهار علهم‌ السلام‌ مطالب‌ قيّمة‌ ونفيسة‌ حول‌ تلك‌ الصورة‌ المثاليّة‌ للعبادات‌ في‌ عالم‌ البرزخ‌ والقيامة‌، وتكلّم‌ الإنسان‌ معها، كما وردت‌ في‌ مسألة‌ نطق‌ الجوارح‌ والسمع‌ والبصر في‌ القرآن‌ الكريم‌. فالمسجد ليس‌ هوذلك‌ البناء الحجريّ، بل‌ هوواقعيّة‌ حيّة‌ ومدركة‌ وشاعرة‌، كما جاء في‌ الاخبار حول‌ شكاية‌ القرآن‌ والمسجد إل‌ ربّهما يوم‌ القيامة‌.


يروي‌ أنَّ أحد السالكين‌ كان‌ يوماً طريح‌ الفراش‌، وأثناء تقلّبه‌ عل‌ فراشه‌ سمع‌ أنيناً من‌ الارض‌، فلمّا استعلم‌ عن‌ السبب‌، أدرك‌ أوقيل‌ له‌ إنَّ هذا الانين‌ من‌ الارض‌ إنَّما كان‌ لفراقك‌.



بعد هذه‌ المقدّمة‌ نقول‌ : إنَّ عل‌ السالك‌ أن‌ يثبت‌ في‌ نفسه‌ من‌ خلال‌ الاستمرار والمداومة‌ عل‌ الاعمال‌، تلك‌ الصور الملكوتيّة‌ المجرّدة‌ حتّي‌ يرتقي‌ من‌ الحال‌ إل‌ مقام‌ الملكة‌. وعله‌ ـ بواسطة‌ تكرار كلّ عمل‌ ـ أن‌ يحصّل‌ حظّه‌ الروحانيّ والإيمانيّ من‌ ذلك‌ العمل‌، فما لم‌ يحصل‌ لديه‌ هذا المعني‌ لا يترك‌ العمل‌. وهذه‌ الجهة‌ الملكوتيّة‌ الثابتة‌ للعمل‌ إنّما تحصل‌ عندما يثبت‌ السالك‌ ويداوم‌ عل‌ العمل‌ حتّي‌ تترسّخ‌ الآثار الثابتة‌ للاعمال‌ الفانية‌ الخارجيّة‌ في‌ أُفق‌ النفس‌ وتتحجّر بحيث‌ لن‌ تكون‌ بعد التثبيت‌ والاستقرار قابلة‌ للرفع‌.



إذن‌ يجب‌ عل‌ السالك‌ أن‌ يسعي‌ لانتخاب‌ العمل‌ الذي‌ يطابق‌ ويناسب‌ استعداده‌، فما عرف‌ من‌ نفسه‌ عدم‌ الاستمرار عله‌ لا يختاره‌، لانـّه‌ عند ترك‌ العمل‌ سوف‌ تقف‌ حقيقته‌ وواقعيّته‌ للمخاصمة‌، فتجمع‌ آثارها وترحل‌ بها، فتظهر حينئذٍ الآثار المضادّة‌ للعمل‌ في‌ النفس‌، نَعوذُ بالله‌.


ومعني‌ المخاصمة‌ أنَّ السالك‌ لمّا ترك‌ العمل‌ ارتدَّ هذا العمل‌ وابتعد عنه‌ ذاهباً بآثاره‌ وخصائصه‌ معه‌، ولانَّ ذلك‌ العمل‌ كان‌ عملاً نورانيّاً وخيراً، فعندما تخلو ناحية‌ من‌ النفس‌ من‌ تلك‌ الآثار النورانيّة‌، لا مفرّ من‌ أن‌ تحلّ محلّها آثاره‌ المضادّة‌ من‌ الظلمة‌ والكدورة‌ والشرور، والحقيقة‌ أنـّه‌ لاَ يوجَدُ عِندَ اللَهِ إلاّ الخَيْرُ. وَأَمّا الشُّرورُ وَالقَبائِحُ وَالظُّلُماتُ فَإنَّما هِيَ مِنْ أَنْفُسِنا.


بناء عل‌ هذا فإنَّ كلّ عيب‌ أونقص‌ يظهر يكون‌ من‌ قبل‌ أفراد البشر، وَالشَّرُّ لَيْسَ إلَيْكَ، وعل‌ هذا الاساس‌ يتّضح‌ أيضاً أنّ الفيوضات‌ الإلهيّة‌ ليست‌ خاصّة‌ بفرد دون‌ فرد، بل‌ إنَّها تتّجه‌ من‌ الصقع‌ الربوبيّ ومقام‌ الرحمة‌ اللامتناهية‌ بنحوغير متناهٍ إل‌ عموم‌ أبناء البشر من‌ المسلم‌ واليهوديّ والنصرانيّ والمجوسيّ وعبَدَة‌ النار والاصنام‌، لكنَّ الخصوصيّات‌ الموجودة‌ في‌ قابليّاتهم‌ ـ بسوء اختيارهم‌ ـ تصير سبباً لان‌ تكون‌ هذه‌ الرحمة‌ الواسعة‌ عند البعض‌ باباً للسرور والبهجة‌، وعند البعض‌ علّة‌ لإيجاد الغمّ والحزن‌.

السادس‌ : المراقبة‌


وهي‌ أن‌ يكون‌ السالك‌ في‌ جميع‌ الاحوال‌ مراقباً ومنتبهاً لا يتجاوز تكليفه‌، ولا يتخلّف‌ عمّا عزم‌ عله‌.

والمراقبة‌ معني‌ عامّ، فهي‌ تتفاوت‌ باختلاف‌ مقامات‌ ودرجات‌ السالكين‌ ومنازلهم‌. ففي‌ بداية‌ السلوك‌ تكون‌ المراقبة‌ عبارة‌ عن‌ اجتناب‌ ما لا يتماشي‌ مع‌ دين‌ السالك‌ ودنياه‌، والابتعاد عمّا لا يعنيه‌، والسعي‌ لئلاّ يصدر منه‌ ما يسخط‌ الله‌ في‌ القول‌ والفعل‌، ولكن‌ شيئاً فشيئاً تشتدّ هذه‌ المراقبة‌ وترتقي‌ درجة‌ فدرجة‌، فقد تتمثّل‌ في‌ التوجّه‌ والإنتباه‌ إل‌ سكوته‌ أو إل‌ نفسه‌، وقد ترتقي‌ فتكون‌ عبارة‌ عن‌ التوجّه‌ لمراتب‌ حقيقة‌ الاسماء والصفات‌ الكلّيّة‌ الإلهيّة‌. وسوف‌ نبيّن‌ إن‌ شاء الله‌ مراتبها ودرجاتها.


وليُعلَم‌ أنَّ المراقبة‌ من‌ أهمّ شروط‌ السلوك‌، وقد أكّد علها المشايخ‌ العظام‌، بل‌ قد عدّها الكثير منهم‌ من‌ اللوازم‌ الحتميّة‌ للسير والسلوك‌، لانـّها بمنزلة‌ الحجر الاساس‌، فالذكر والفكر وسائر الشروط‌ الاُخري‌ مبنيّة‌ علها، فإذا لم‌ تتحقّق‌ المراقبة‌ لا يكون‌ للذكر والفكر أيّ أثر. والمراقبة‌ بمنزلة‌ اجتناب‌ المريض‌ عن‌ الغذاء اللامناسب‌، والذكر والفكر بمنزلة‌ الدواء، فما لم‌ يبتعد المريض‌ عمّا لا يناسبه‌ من‌ الطعام‌، يعود الدواء بلا أثر، بل‌ قد يؤدّي‌ إل‌ نتيجة‌ عكسيّة‌، لهذا فإنَّ الاساتذة‌ العظام‌ ومشايخ‌ الطريقة‌ منعوا عن‌ الذكر والفكر دون‌ المراقبة‌، وهم‌ ينتخبون‌ الذكر والفكر حسب‌ درجات‌ السالك‌.


السابع‌ : المحاسبة‌


وهي‌ عبارة‌ عن‌ اتّخاذ وقت‌ معيّن‌ في‌ الليل‌ والنهار يقوم‌ خلاله‌ بمحاسبة‌ نفسه‌ عن‌ كلّ ما عمله‌ في‌ ليله‌ ونهاره‌. وإل‌ هذا الامر إشارة‌ في‌ حديث‌ الإمام‌ موسي‌ بن‌ جعفر عله‌ السلام‌ في‌ قوله‌ : لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يُحَاسِبْ نَفْسَهُ كُلَّ يَوْمٍ مَرَّةً. فإذا تبيّن‌ له‌ أنـّه‌ قد أخطأ، فعله‌ أن‌ يستغفر، وفي‌ حال‌ عدم‌ الخطأ يجب‌ أن‌ يشكر الله‌ تعالي‌ شأنه‌.



الثامن‌ : المؤاخذة‌


وهي‌ عبارة‌ عن‌ تأديب‌ النفس‌ بعد صدور الخيانة‌ منها، وينبغي‌ أن‌ يكون‌ ذلك‌ حسب‌ مقتضي‌ الحال‌.



التاسع‌ : المسارعة‌


بأن‌ يسارع‌ إل‌ فعل‌ ما قد عزم‌ عله‌، فطريق‌ السالك‌ تحفّه‌ الآفات‌، ويقف‌ في‌ كلّ مقام‌ منه‌ مانع‌، فينبغي‌ أن‌ يكون‌ السالك‌ حاذقاً وواعياً جدّاً، فيؤدّي‌ تكليفه‌ ووظائفه‌ قبل‌ أن‌ يحول‌ دونها المانع‌ ويلوّث‌ ساحته‌، فلا يضيّع‌ دقيقة‌ واحدة‌ في‌ سبيل‌ الوصول‌ إل‌ المقصد.


العاشر : الحبّ


حبّ صاحب‌ الشريعة‌ وخلفائه‌ بالحقّ، فينبغي‌ أن‌ يُخلص‌ في‌ هذه‌ المحبّة‌ بحيث‌ لا يكون‌ فيها أيّ غشّ، ويصل‌ في‌ هذه‌ المرحلة‌ إل‌ حدّ الكمال‌، لانَّ للمحبّة‌ مدخليّة‌ عظيمة‌ في‌ التأثير عل‌ الاعمال‌، وكلّما كانت‌ المودّة‌ أكثر وأعظم‌ فإنَّ أثر الاعمال‌ سوف‌ يكون‌ أعظم‌ وأشدّ رسوخاً.


ولانَّ كلّ الموجودات‌ هي‌ مخلوقات‌ الله‌، فعل‌ السالك‌ أن‌ يحبّها جميعاً، ويحترم‌ كلّ واحد حسب‌ مرتبته‌ ودرجته‌. فالعطف‌ والإشفاق‌ عل‌ كلّ ما ينتسب‌ إل‌ الله‌ سواء كان‌ حيواناً أوإنساناً، كلٌّ في‌ مرتبته‌ ومقامه‌، كلّ هذا من‌ آثار محبّة‌ الله‌، كما ورد في‌ الحديث‌ : «إنَّ عمدة‌ شعب‌ الإيمان‌ الشفقة‌ عل‌ خلق‌ الله‌». إِلَهِي‌ أَسْأَلُكَ حُبَّكَ وَحُبَّ مَنْ يُحِبُّكَ...


أُحِبُّ بِحُبِّهَا تَلَعَاتِ نَجْدٍ وَمَا شَغَفِي‌ بِهَا لَوْلاَ هَوَاهَا


أَذِلُّ لآلِ لَيْلَي‌ فِي‌ هَوَاهَا وَأَحْتَمِلُ الاصَاغِرَ وَالكِبَارَا




الحادي‌ عشر : حفظ‌ الادب‌


تجاه‌ الحضرة‌ المقدّسة‌ لربّ العزّة‌ وخلفائه‌. وهذا الامر يختلف‌ عن‌ معني‌ المحبّة‌ الذي‌ ذكر سابقاً. والادب‌ عبارة‌ عن‌ الالتفات‌ إل‌ النفس‌ كيلا تتعدّي‌ حدودها، وتخالف‌ مقتضي‌ العبوديّة‌، فكلّ ممكن‌ له‌ حدّ وحريم‌ في‌ قبال‌ الواجب‌، ولازم‌ حفظ‌ الادب‌ رعاية‌ مقتضيات‌ عالم‌ الكثرة‌، ولكنَّ الحبّ هوانجذاب‌ النفس‌ إل‌ الحضرة‌ الإلهيّة‌، ولازمه‌ الالتفات‌ إل‌ الوحدة‌.


إنَّ النسبة‌ بين‌ الحبّ والادب‌ مثل‌ النسبة‌ بين‌ الواجب‌ والمحرّم‌ من‌ الاحكام‌، لانَّ السالك‌ أثناء أداء الواجب‌ يتوجّه‌ إل‌ المحبوب‌ وفي‌ الاجتناب‌ عن‌ الحرام‌ يتوجّه‌ إل‌ حريمه‌ الخاصّ كيلا يخرج‌ عن‌ حدوده‌ الإمكانيّة‌ ومقتضي‌ عبوديّته‌، فالادب‌ يرجع‌ ـ في‌ حقيقته‌ ـ إل‌ جانب‌ اتّخاذ الطريق‌ المعتدل‌ بين‌ الخوف‌ والرجاء، ولازم‌ عدم‌ رعاية‌ الادب‌، كثرة‌ الانبساط‌ بمقدار يوجب‌ تجاوز الحدود المرسومة‌ للسالك‌.

كان‌ المرحوم‌ الحاجّ الميرزا عل‌ّ القاضي‌ رضوان‌ الله‌ عله‌ يغلب‌ لديه‌ جانب‌ الحبّ والإنبساط‌ عل‌ جانب‌ الخوف‌، وكذلك‌ كان‌ المرحوم‌ الحاجّ الشيخ‌ محمّد البهاريّ رحمة‌ الله‌ عله‌، وفي‌ المقابل‌ الحاجّ الميرزا جواد الملكيّ التبريزيّ رضوان‌ الله‌ عله‌ حيث‌ كان‌ مقام‌ الخوف‌ غالباً عل‌ الرجاء والانبساط‌، وهذا الامر مشهود من‌ خلال‌ جوانب‌ وزوايا أحاديثه‌. والذي‌ يكون‌ رجاؤه‌ أكثر يقال‌ له‌ «الخراباتيّ»، وأمّا من‌ يطغي‌ خوفه‌ فيسمّي‌ «المناجاتيّ». ولكنَّ الكمال‌ في‌ رعاية‌ الاعتدال‌، وهو عبارة‌ عن‌ حيازة‌ كمال‌ الرجاء في‌ عين‌ كمال‌ الخوف‌، وهذا ما ينحصر وجوده‌ في‌ شخص‌ الائمّة‌ الاطهار علهم‌ السلام‌.

نعود إل‌ صلب‌ الموضوع‌ فمحصّل‌ الكلام‌ أنَّ الادب‌ هوأن‌ لا ينسي‌ الممكن‌ حدوده‌ الإمكانيّة‌، ولهذا نري‌ الإمام‌ الصادق‌ عله‌ السلام‌ يخرّ ساجداً للّه‌ تعالي‌ واضعاً جبينه‌ المبارك‌ عل‌ التراب‌ عندما يسمع‌ بضع‌ كلمات‌ في‌ حقّه‌ يشمّ منها رائحة‌ الغلوّ.


والمرتبة‌ الكاملة‌ من‌ الادب‌ هي‌ أن‌ يعتبر السالك‌ نفسه‌ دائماً وفي‌ جميع‌ الاحوال‌ في‌ محضر الحقّ سبحانه‌ وتعالي‌، ويلاحظ‌ الادب‌ في‌ حال‌ التكلّم‌ والسكوت‌، في‌ النوم‌ واليقظة‌، في‌ الحركة‌ والسكون‌، وفي‌ تمام‌ الحركات‌ والسكنات‌، ولوالتفت‌ السالك‌ دائماً إل‌ الاسماء والصفات‌ الإلهيّة‌ لظهرت‌ عله‌ علائم‌ الادب‌ والصغر.

الثاني‌ عشر : النيّة‌


وذلك‌ أن‌ لا يكون‌ للسالك‌ قصد من‌ السلوك‌ سوي‌ نفس‌ السلوك‌ والفناء في‌ الذات‌ الاحديّة‌، وعله‌، ينبغي‌ أن‌ يكون‌ سير السالك‌ خالصاً للّه‌ تعالي‌ : فَادْعُوا اللَهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ. [6]وقد جاء في‌ عدّة‌ أخبار أنَّ للنيّة‌ ثلاث‌ مراتب‌، منها ما قاله‌ الصادق‌ عله‌ السلام‌ :


العُبَّادُ ثَلاَثَةٌ : قَوْمٌ عَبَدُوا اللَهَ خَوْفاً فَتِلْكَ عِبَادَةُ العَبِيدِ. وَقَوْمٌ عَبَدُوا اللَهَ طَمَعاً فَتِلْكَ عِبَادَةُ الاُجَرَاءِ. وَقَوْمٌ عَبَدُوا اللَهَ حُبّاً فَتِلْكَ عِبَادَةُ الاَحْرَارِ.


بالتأمّل‌ والتدقيق‌ يتّضح‌ أنَّ عبادة‌ الطائفتين‌ الاُوليينِ ليست‌ صحيحة‌ حقيقة‌، لانَّ عبادتهم‌ لم‌ تكن‌ للّه‌ وإل‌ الله‌، وإنَّما تعود إل‌ عبادة‌ النفس‌، فهم‌ ـ في‌ الواقع‌ ـ كانوا يعبدون‌ ذواتهم‌ دون‌ الله‌ تعالي‌، لانَّ عبادتهم‌ تعود في‌ واقعها إل‌ تلك‌ العلائق‌ والمشتهيات‌ النفسانيّة‌، ولانَّ عبادة‌ النفس‌ لا تجتمع‌ مع‌ عبادة‌ الله‌، لذا تعدّ هذه‌ الجماعة‌ ـ حسب‌ النظرة‌ الاُولي‌ ـ كافرة‌ بالله‌ ومنكرة‌ له‌، لكن‌ باعتبار أنَّ القرآن‌ الكريم‌ ينصّ عل‌ أنَّ أصل‌ عبادة‌ الله‌ فطريّ في‌ كلّ البشر، وينفي‌ حدوث‌ أيّ تغيّر أوتبدّل‌ في‌ خلقه‌ :


فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَهِ الَّتِي‌ فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَهِ ذَ 'لِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ ولَـ'كِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ. [7]


لا يرجع‌ انحراف‌ البشر ـ بناء عل‌ ذلك‌ ـ إل‌ أصل‌ عبادة‌ الله‌، بل‌ يرجع‌ إل‌ مقام‌ التوحيد، أي‌ عدم‌ الإيمان‌ بوحدانيّة‌ الله‌ في‌ الفعل‌ والصفة‌ وجعل‌ شركاء له‌، ولهذا نجد أنَّ القرآن‌ في‌ كلّ مجال‌ يصرّح‌ بثبوت‌ توحيد الله‌ ونفي‌ الشرك‌ عنه‌، وعل‌ هذا الاساس‌ فإنَّ أهل‌ الطائفتينِ الاُوليينِ يشركون‌ بالله‌ بالقصد. ويمزجون‌ في‌ مقام‌ العمل‌ بين‌ عبادة‌ الله‌ وعبادة‌ الذات‌، ويؤدّون‌ الافعال‌ والاعمال‌ العباديّة‌ بكلا الداعيينِ. وهذا هوالشرك‌. وفي‌ الحقيقة‌ هم‌ مشركون‌ بالله‌ وبنصّ القرآن‌ لن‌ يغفر لهم‌.


إِنَّ اللَهَ لاَ يَغْفِرُ أَن‌ يُشْرَكَ بِهِ ويَغْفِرُ مَا دُونَ ذَ 'لِكَ لِمَن‌ يَشَآءُ. [8]


وهكذا فإنَّ عبادتهم‌ لن‌ تكون‌ مثمرة‌ أبداً، ولن‌ تقرّبهم‌ إل‌ الله‌ المتعال‌.


أمّا الطائفة‌ الثالثة‌ التي‌ تعبد الله‌ عل‌ أساس‌ المحبّة‌، وهي‌ عبادة‌ الاحرار، وفي‌ بعض‌ الروايات‌ : تِلْكَ عِبَادَةُ الكِرَامِ، فها هي‌ العبادة‌ الصحيحة‌ الواقعيّة‌ التي‌ لن‌ يصل‌ إلها إلاّ المطهّرون‌ في‌ الساحة‌ الإلهيّة‌. فَهَذَا مَقَامٌ مَكْنُونٌ لاَ يَمَسُّهُ إلاَّ الْمُطَهَّرُونَ.


فالمحبّة‌ عبارة‌ عن‌ الانجذاب‌، أي‌ الانجذاب‌ نحو شي‌ء وحقيقة‌، والطائفة‌ الثالثة‌ هم‌ الذين‌ بنوا عبادتهم‌ عل‌ أساس‌ المحبّة‌ والانجذاب‌ إل‌ الله‌، وليس‌ لهم‌ أيّ هدف‌ أومقصد سوي‌ الميل‌ نحوه‌ تعالي‌ والتقرّب‌ إله‌، وهذا الانجذاب‌ الذي‌ يشعرون‌ به‌ تجاه‌ المحبوب‌ هوالداعي‌ والمحرّك‌ لهم‌ نحوه‌، والموجب‌ لسيرهم‌ باتّجاه‌ ذلك‌ الحريم‌ المقدّس‌.


قد جاء في‌ بعض‌ الروايات‌ أن‌ اعبدوا الحقّ تعالي‌ من‌ حيث‌ إنَّه‌ أهل‌ للعبادة‌. ومع أن‌ أنَّ هذه‌ الاهليّة‌ لا تعود إل‌ الصفات‌ الإلهيّة‌، بل‌ إل‌ مقام‌ ذاته‌ المقدّسة‌ جَلَّ جَلالُه‌ وعَظُمَ شَأْنُه‌، فيكون‌ مفاد ذلك‌ أن‌ اعبدوا الله‌ لانـّه‌ الله‌ :


إلَهِي‌ مَا عَبَدْتُكَ خَوْفاً مِنْ نَارِكَ وَلاَ طَمَعاً فِي‌ جَنَّتِكَ، بَلْ وَجَدْتُكَ أَهْلاً لِلْعِبَادَةِ فَعَبَدْتُكَ.


أَنْتَ دَلَلْتَنِي‌ عَلَيْكَ، وَدَعَوْتَنِي‌ إلَيْكَ، وَلَوْلاَ أَنْتَ لَمْ أَدْرِ مَا أَنْتَ.


ويخطو سالك‌ طريق‌ الله‌ في‌ بداية‌ سلوكه‌ بقدم‌ المحبّة‌، ولكن‌ بعد أن‌ يطوي‌ المنازل‌، ويحصل‌ إجمالاً عل‌ بعض‌ الكمالات‌، سوف‌ يدرك‌ أنَّ المحبّة‌ أمر مغاير للمحبوب‌، فيسعي‌ لترك‌ المحبّة‌ التي‌ كانت‌ حتّي‌ هذا الحين‌ وسيلة‌ لسلوكه‌ ومعراجاً لرقيّه‌، ويدرك‌ أنَّ هذه‌ الوسيلة‌ التي‌ كانت‌ مؤثّرة‌ أصبحت‌ الآن‌ مضرّة‌ ومانعة‌ للطريق‌. ومن‌ هنا يضع‌ السالك‌ فقط‌ وفقط‌ محبوبه‌ نصب‌ عينيه‌ ويعبده‌ بعنوان‌ المحبوبيّة‌ لا غير، ولكن‌ عندما يتقدّم‌ أكثر ويطوي‌ منازل‌ عدّة‌، يدرك‌ أنَّ هذا النوع‌ من‌ العبادة‌ لم‌ يكن‌ خالياً من‌ شائبة‌ شرك‌، لانـّه‌ قد عدّ نفسه‌ في‌ هذه‌ العبادة‌ عاشقاً ومحبّاً، واعتبر الله‌ معشوقاً ومحبوباً، فيري‌ لذاته‌ كمحبّ وجوداً في‌ قبال‌ ذات‌ المحبوب‌، لذا فإنَّ النظر إل‌ المحبوب‌ بعنوان‌ المحبّ مغاير ومناف‌ لعبادة‌ الذات‌ المقدّسة‌ للّه‌ تعالي‌، ومن‌ هنا يسعي‌ لينسي‌ عنواني‌ الحبّ والعشق‌ حتّي‌ يتجاوز المغايرة‌ والكثرة‌، ويضع‌ قدمه‌ في‌ عالم‌ الوحدة‌، وعندها تختفي‌ النيّة‌ من‌ السالك‌ وتمحي‌، لانـّه‌ لن‌ يكون‌ بعد ذلك‌ شخصيّة‌ وذاتيّة‌ للسالك‌ تصدر عنها النيّة‌.


إل‌ ما قبل‌ هذه‌ المرحلان‌ كان‌ السالك‌ طالباً للمكاشفة‌ والشهود، ولكنّه‌ في‌ هذا المقام‌ ي ال تلك‌ الاغراض‌ كلّها عرضة‌ للنسيان‌، فلن‌ يكون‌ بعد ذلك‌ إرادة‌ ليكون‌ اعتبار للمراد والمقصود. وفي‌ هذه‌ الحالة‌ يُغمض‌ السالك‌ عينيه‌ عن‌ الرؤية‌ واللارؤية‌، والوصول‌ واللاوصول‌، والمعرفة‌ واللامعرفة‌، والردّ والقبول‌. يقول‌ حافظ‌ الشيرازيّ :


با خرابات‌ نشينان‌ ز كرامات‌ ملاف‌

هر سخن‌ جائي‌ وهر نكته‌ مقامي‌ دارد [9]


ورد عن‌ الإمام‌ السجّاد عله‌ السلام‌، في‌ دعاء أبي‌ حمزة‌ الثماليّ، قوله‌ : مَعرِفَتِي‌ يَا مَولاَيَ دَلِيلِي‌ عَلَيكَ، وَحُبِّي‌ لَكَ شَفِيعِي‌ إلَيكَ؛ وَأَنَا وَاثِقٌ مِنْ دَلِيلِي‌ بِدلاَلَتِكَ، وَسَاكِنٌ مِنْ شَفِيعِي‌ بِشَفَاعَتِكَ.


ونقل‌ عن‌ بايزيد البسطاميّ أنـّه‌ قال‌ : «تركت‌ الدنيا في‌ اليوم‌ الاوّل‌، وفي‌ اليوم‌ الثاني‌ تركت‌ العُقبي‌، وفي‌ اليوم‌ الثالث‌ تخطّيت‌ ما سوي‌ الله‌، وفي‌ اليوم‌ الرابع‌ سُئِلتُ : ما تُرِيدُ ؟ فقلت‌ : أُريدُ أَنْ لا أُريدَ».

ويشير إل‌ نفس‌ المطلب‌ ما يصرّح‌ به‌ البعض‌ في‌ تعيين‌ المنازل‌ الاربعة‌ : الاوّل‌ : ترك‌ الدنيا. الثاني‌ : ترك‌ العقبي‌. الثالث‌ : ترك‌ المولي‌. الرابع‌ : ترك‌ الترك‌، فَتَدَبَّرْ.


والمراد من‌ نبذ الطمع‌ عند السالكين‌ هوهذه‌المرحلة‌ العظيمة‌ والعقبة‌ المشكلة‌، وعبورها في‌ غاية‌ الصعوبة‌، وليس‌ تحصيلها بالهيّن‌، لانَّ السالك‌ في‌ هذه‌ المرحلة‌ بعد التأمّل‌ والتدقيق‌ يجد أنـّه‌ لم‌ يكن‌ خالياً من‌ النيّة‌ في‌ تمام‌ مراحل‌ السير، بل‌ كان‌ له‌ غاية‌ ومقصود في‌ سويداء قلبه‌، وإن‌ كانت‌ تلك‌ الغاية‌ هي‌ العبور من‌ مراحل‌ الضعف‌ والنقص‌ والوصول‌ إل‌ الكمال‌ والكمالات‌. ولوسعي‌ السالك‌ ـ عن‌ طريق‌ تجريد الذهن‌، والضغط‌ عل‌ نفسه‌ مرّات‌ عديدة‌ ـ ليعبر هذه‌ العقبة‌، ويعرّي‌ ويجرّد نفسه‌ من‌ هذه‌ المعاني‌ والمقاصد، سوف‌ لن‌ يحصل‌ عل‌ أيّة‌ نتيجة‌، لانَّ نفس‌ هذا التجريد مستلزم‌ لعدم‌ التجريد، وذلك‌ لانَّ نفس‌ ذلك‌ التجريد لم‌ يكن‌ من‌ السالك‌ إلاّ لداعٍ وغاية‌ وهذا النظر إل‌ الغاية‌ دليل‌ وعلامة‌ عل‌ عدم‌ التجريد.

ذات‌ يوم‌ طرحتُ هذا السرّ عل‌ أُستاذي‌ المرحوم‌ الحاجّ الميرزا عل‌ّ القاضي‌ رضوان‌ الله‌ عله‌، والتمست‌ منه‌ حلّ هذه‌ المعضلة‌، فقال‌ : «يمكن‌ حلّها بواسطة‌ اعتماد طريقة‌ الإحراق‌، وذلك‌ بأن‌ يدرك‌ السالك‌ ـ حقيقة‌ ـ أنَّ الله‌ تعالي‌ خلقه‌ مفطوراً عل‌ هذه‌ الصفة‌، وكلّما أراد أن‌ ينبذ الطمع‌ لن‌ يحصل‌ عل‌ نتيجة‌، لانَّ فطرته‌ جبلت‌ عله‌، فسعيه‌ لنبذ الطمع‌ عن‌ نفسه‌ مستلزم‌ لطمع‌ آخر، لانـّه‌ لا يسعي‌ لذلك‌ إلاّ طمعاً في‌ الحصول‌ عل‌ مرتبة‌ أعل‌ من‌ التي‌ هوفيها، وهكذا إل‌ أن‌ يشعر بالعجز التامّ عن‌ التخلّي‌ عن‌ هذه‌ الصفة‌، فلا يجد حينئذٍ مفرّاً سوي‌ اللجوء إل‌ الله‌ تعالي‌ وتوكيل‌ الامر إله‌، وهذا الشعور بالعجز كفيل‌ بأن‌ يحرق‌ بناره‌ جذور الطمع‌ في‌ نفسه‌، فيعود السالك‌ بعدها نزيهاً طاهراً».


وليعلم‌ أنَّ الوصول‌ إل‌ إدراك‌ هذا المعني‌ لا يكون‌ بمجرّد إعمال‌ النظر والتفكير، بل‌ إنَّ إدراكه‌ الواقعيّ يحتاج‌ إل‌ الذوق‌ وحصول‌ الحال‌. ولوأنَّ أحداً أدرك‌ هذا المعني‌ بالذوق‌ لفهم‌ أنَّ إدراك‌ تمام‌ لذّات‌ الدنيا وما فيها لا يساوي‌ هذه‌ الحقيقة‌.


ثمّ إنَّ سبب‌ تسمية‌ هذه‌ الطريقة‌ بالإحراق‌ هوأنـّها تحرق‌ أكوام‌ الوجودات‌ والنيّات‌ والغصص‌ والمشكلات‌ دفعة‌ واحدة‌، وتجتثّها من‌ الجذور، ولا تبقي‌ لها من‌ أثر في‌ وجود السالك‌.


وقد استفيد في‌ القرآن‌ الكريم‌ من‌ هذه‌ الطريقة‌ في‌ بعض‌ الموارد، فمن‌ يستخدم‌ هذه‌ الطريقة‌ لاجل‌ الوصول‌ إل‌ المقصود، ويسير في‌ هذا السبيل‌، فإنَّ الطريق‌ الذي‌ يجب‌ طيّه‌ في‌ سنوات‌ يطويه‌ في‌ مدّة‌ قليلة‌. وأحد الموارد التي‌ استفيد فيها من‌ هذه‌ الطريقة‌ في‌ القرآن‌ الكريم‌، كلمة‌ الاسترجاع‌ :

إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَ 'جِعُونَ.


فالإنسان‌ يستطيع‌ حين‌ الشدائد والمصائب‌ ونزول‌ البلايا والفتن‌ أن‌ يسكِّن‌ نفسه‌ بطرق‌ مختلفة‌، كأن‌ يتذكّر أنَّ الموت‌ للجميع‌، والمصيبة‌ تحلّ عل‌ كلّ الناس‌، وبهذه‌ الوسيلة‌ تهدأ نفسه‌ شيئاً فشيئاً. ولكنَّ الله‌ يقصّر الطريق‌ بواسطة‌ الطريقة‌ الإحراقيّة‌ وتلقين‌ كلمة‌ الاسترجاع‌، ويرفع‌ المشكل‌ مرّة‌ واحدة‌، لانَّ الإنسان‌ لوتذكّر أنَّ نفسه‌ وكلّ متعلّقاتها وما يملكه‌ هوملك‌ مطلق‌ للّه‌، قد أُعطي‌ له‌ ذات‌ يوم‌ وسوف‌ يؤخذ في‌ يوم‌ آخر، ولا حقّ لاحد في‌ التدخّل‌ فيه‌، عندما يدرك‌ الإنسان‌ جيّداً أنـّه‌ منذ البدء لم‌ يكن‌ مالكاً، وإنّما كان‌ عنوان‌ الملكيّة‌ له‌ مجازيّاً وقد كان‌ يتخيّل‌ أنـّه‌ المالك‌، سوف‌ لن‌ يتأثّر في‌ حال‌ فقدانه‌، فإذا بأُفقه‌ مُتَّسع‌، وطريقه‌ معبّد.


فإدراك‌ السالك‌ أنَّ الله‌ تعالي‌ فطره‌ عل‌ الحرص‌ والطمع‌ كإدراكه‌ أنَّ الخالق‌ الغنيّ خلق‌ عبده‌ فقيراً محتاجاً قد خمرت‌ طينته‌ بالفاقة‌ والعوز، وأنَّ السؤال‌ والطلب‌ لديه‌ ـ باعتباره‌ لازم‌ فقره‌ وحاجته‌ ـ غنيّ عن‌ الدليل‌ والبرهان‌، فلا يحقّ لفرد الاعتراض‌ عل‌ سؤال‌ فقير ما، فافتراض‌ الفقر فيه‌ يوازي‌ افتراض‌ السؤال‌ والطلب‌، فلا ينبغي‌ للسالك‌ ـ بناء عل‌ ذلك‌ ـ أن‌ يرتاب‌ حينما يلمس‌ من‌ ذاته‌ حرصاً أوطمعاً خلال‌ سيره‌ وحركته‌، إذ ليس‌ بمقدوره‌ اجتثاث‌ عنصر الطمع‌ من‌ ذاته‌ بعد أن‌ خلق‌ مفطوراً عله‌. هذا من‌ جانب‌، ومن‌ جانب‌ آخر باعتبار أنَّ الفناء في‌ الذات‌ الإلهيّة‌ ـ المبتني‌ عل‌ أساس‌ عبادة‌ الاحرار ـ لا يتلائم‌ هو وداعي‌ الطمع‌ في‌ النفس‌، فسوف‌ تعتري‌ السالك‌ حالة‌ من‌ الخوف‌ والهلع‌، وشعور بالاضطراب‌ والمسكنة‌، تلك‌ الحالة‌ وذلك‌ الشعور يأخذان‌ بيد السالك‌ ليتخطّي‌ ذاته‌ الملازمة‌ لتلك‌ الصفة‌، فلا تبقي‌ ـ بعد اجتياز هذه‌ المرحلة‌ ـ ذات‌ لتكون‌ محلاّ للحرص‌ والطمع‌. فافهَمْ وتأمَّل‌ جيِّداً.


إضافة رد


أدوات الموضوع ابحث في الموضوع
ابحث في الموضوع:

بحث متقدم

ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة


 

 


المواضيع والمشاركات التي تطرح في منتديات موقع الميزان لا تعبر عن رأي المنتدى وإنما تعبر عن رأي كاتبيها فقط
إدارة موقع الميزان
Powered by vBulletin Copyright © 2017 vBulletin Solutions, Inc