قراءة في كتاب السيد السيستاني رؤية من الداخل ج5 - منتديات موقع الميزان
موقع الميزان السلام عليك أيتها الصدِّيقة الشهيدة يا زهراء السيد جعفر مرتضى العاملي
يا مُمْتَحَنَةُ امْتَحَنَكِ اللهُ الَّذي خَلَقَكِ قَبْلَ اَنْ يَخْلُقَكِ، فَوَجَدَكِ لِمَا امْتَحَنَكِ صابِرَةً، وَزَعَمْنا اَنّا لَكِ اَوْلِياءُ وَمُصَدِّقُونَ وَصابِرُونَ لِكُلِّ ما اَتانا بِهِ اَبُوكِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَاَتى بِهِ وَصِيُّهُ، فَاِنّا نَسْأَلُكِ اِنْ كُنّا صَدَّقْناكِ إلاّ اَلْحَقْتِنا بِتَصْديقِنا لَهُما لِنُبَشِّرَ اَنْفُسَنا بِاَنّا قَدْ طَهُرْنا بِوَلايَتِكِ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ * ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ * صَدَقَ اللّهُ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ – منتديات موقع الميزان للدفاع عن الصدِّيقة الشهيدة فاطمة الزهراء صلوات الله عليها – منهاجنا الحوار الهادف والهادئ بعيداً عن الشتم والذم والتجريح ولا نسمح لأحد بالتعرض للآخرين وخصوصاً سب الصحابة أو لعنهم وهذا منهاج مراجعنا العظام والعلماء الأعلام حفظ الله الأحياء منهم ورحم الماضين
 
اضغط هنا
اضغط هنا اضغط هنا اضغط هنا
اضغط هنا
عداد الزوار
العودة   منتديات موقع الميزان .: مراجع عظام وعلماء أعلام :. إضاءات من نور المراجع والعلماء
إضاءات من نور المراجع والعلماء قال رسول الله (ص) : مداد العلماء أفضل من دماء الشهداء

إضافة رد
كاتب الموضوع BAGHDADY مشاركات 2 الزيارات 4103 انشر الموضوع
   
أدوات الموضوع ابحث في الموضوع

BAGHDADY
الصورة الرمزية BAGHDADY
عضو نشيط

رقم العضوية : 1039
الإنتساب : May 2008
الدولة : عاصمة شيعة امير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلام
المشاركات : 383
بمعدل : 0.07 يوميا
النقاط : 209
المستوى : BAGHDADY is on a distinguished road

BAGHDADY غير متواجد حالياً عرض البوم صور BAGHDADY



  مشاركة رقم : 1  
المنتدى : إضاءات من نور المراجع والعلماء
افتراضي قراءة في كتاب السيد السيستاني رؤية من الداخل ج5
قديم بتاريخ : 03-Jul-2008 الساعة : 11:38 PM

اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم


الفصل الخامس
الإمام وفلسفة الحياد
إن أكثر ما فعله السيستاني هو دعوة الشيعة إلى ضبط النفس وقد يعني هذا أنه أراد الوقوف على الحياد على أمل المحافظة على العلاقات مع الولايات المتحدة إنما في الوقت نفسه حاول أن يوجه رسالة إلى واشنطن بأنه لا يمكن شراء ولائه ويتوقع محدثي بأن يسمح السيستاني لمنافسه الصدر أن يفعل ما يشاء وعندما تطلب منه (السيستاني) واشنطن المساعدة سينتزع الثمن)([FONT='Times New Roman','serif'][1][/font][FONT='Times New Roman','serif'][12][/font]).
الذين يعرفون الإمام يعرفون أيضاً أن لا صلة له بالمطلق لا من قريب أو من بعيد بالولايات المتحدة الأمريكية. إنها ليست حسنة على كل حال، لكنها ليست سيئة بالمطلق!.. فالرجل متفرغ للشأن الاجتماعي والفقهي والسياسي والوطني العراقي من زاوية توجهاته التي تمليها عليه تقديراته الشرعية ووعيه الذاتي وقراءته المستمرة والدؤوبة لكافة أضلاع الملف العراقي المفتوح.
العكس هو الذي يحدث على الدوام. فالأمريكيون هم الذين يتوسلون لقاءه ولم يفلحوا للآن أما أن يكون السيستاني محتاجاً للعلاقات مع واشنطن فهو خطأ فاحش. ما يجري هو أن الإمام يتعامل بواقعية ويدرس الملفات بعناية فائقة ويمعن في الاستدراكات ويفلسف كل الوقائع ويعطي الإجابات المتزنة التي يأخذ باعتباره فيها كل المصالح أو ما يصطلح عليه (المنافع والأضرار). أما أن يقف الإمام على (الحياد) فهو كلام عام واستنتاج مبهم ويتعلق بكل الناس ويكاد ينطبق على الغالبية العظمى من السياسيين في العراق ومنهم أعضاء مجلس الحكم لكنه ببساطة شديدة لا يتعلق بالإمام كون الحياد هو اللاموقف كما يعبر عنه السياسيون وعلماء الاجتماع السياسي وهو ما لا ينطبق على الفقيه السيستاني فالإمام يمارس فعل (الانتماء) في كل لحظة واقصد الانتماء للموقف الوطني واستعادة السيادة وخروج القوات المحتلة وبناء العراق الحر المستقل السيد الديمقراطي. وتأسيس نموذج فريد لنظام الحريات التي يكفلها القانون ويسددها الضمير الحي للمرجعيات الدينية.
إن الإمام وكما تعرف الإدارة الأمريكية وقبلها الإدارة البريطانية لا يمكن شراء ولائه، لأن ولائه للإسلام والأمة والوطن أولاً ولأن الإمام ليس محتاجاً للقوى الكبرى قدر ما تحتاجه هي لطمأنة الناس إزاء مطاليبها ومقاصدها. نقول هذا الكلام وندرك أن هناك قيمة وأهمية وضرورة حقيقية لقيام حوار بناء وإيجابي وندي مع القوى الكبرى في العالم وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية لكن الإمام يدير هذا الحوار ويقيم مثل هذا النوع من العلاقات على خلفية كون النجف هي المؤسسة والجهاز والقرار المسؤول عن سيادة الأمة والذي يفاوض بالنيابة عن الأمة وليس حزباً سياسياً أو شخصية سياسية لا قيمة لها في حساب المؤسسات والنظم القيمية.
ومن هنا ولأجل هذا النفوذ الواسع للإمام من الخطأ تقديم الولاءات أو التبرع ببيعها للقوى الكبرى. وهو مبدأ يطال المؤسسات الدينية والأحزاب السياسية والأشخاص الذين يعملون في حقول العمل العام والخاص الوطني.
المسألة الأخرى المهمة هي أن سماحة الإمام لا يشتغل بمنطق المناورات والمكائد والسياسات النفاقية والظواهر الذئبية الكاذبة، كأن يحاول انتزاع ثمن سياسي ما على حساب قيم واعتبارات وحسابات وطنية بحتةٍ. لذلك ولأن سماحة الإمام يتسم نهجه بالوضوح والمباشرة في طرح المطاليب السياسية والدعوة لإنصاف حقوق الأغلبية من أبناء الشعب العراقي فقد كان منذ اليوم الأول لسقوط بغداد ودخول القوات المؤتلفة وفي مقدمتها طلائع القوات الأمريكية واضحاً مع كل الفرقاء والاتجاهات والقوى العسكرية الدولية والأحزاب السياسية العراقية على حد سواء وخلفية هذا الوضوح تستند في الحقيقة على يقينه العقائدي وحتميته الشخصية ورؤيته القيادية بانتصار الجماجم والعظام البريئة التي هشمها النظام السابق في مقابره الجماعية والدعوة إلى عدم تهميشها في سياق مجمل الأدوار والنفوذ المتزايد لكل الظواهر السياسية المتحركة في الساحة العراقية.
إن الإمام لا يطلب أثماناً من أحد ولا ينتزع ثمن شيء من أحد لأنه صاحب نفوذ واسع في البلاد والآخرون هم الذين يحتاجون هذا النفوذ لغايات وأهداف مختلفة.
لقد بقي الإمام بعيداً عن المواجهات التي حدثت وتحدث ما بين الحاكم المدني الأمريكي بريمر وبعض الجماعات والأطراف وحتى المدن ـ أي أن الإمام لا يتدخل في الإجرائيات والتفاصيل التي يشعر إن تدخل بها ستضيع الهيبة وثقل قرار المرجعية ـ وهذا البعد تفسره بعض الأوساط كما بدى في الشرق الأوسط بوصفه سكوتاً من جانب الإمام لكي يستخدم هذا السكوت في المستقبل ضد الأمريكيين فيما لو لم يحسنوا التعامل معه!
هذا الكلام قد ينطبق على غير الإمام. إن السكوت في غالب الأحيان موقف. لكنه لن يكون موقف رضى بل موقف رفض للسياسات والإجراءات والقرارات وهذا ما يفعله الإمام حين تحتدم المواجهات أو يتهدد الأمريكيون طرفاً من الأطراف الإسلامية أو الوطنية في الساحة العراقية.
إن المرجعية ليست حالة كهنوتية جامدة لا علاقة لها بالالتزامات والقضايا الكبرى في حياة الناس. أنها في أعماقها وجوهرها وليست في هامشها وليس هناك (تاريخياً) مرجعية ميتة أو (خاملة). كل المرجعيات كانت حالات إسلامية متحركة ومتوثبة وحيوية. لكنها كانت ولازالت تتحرك طبقاً للمصالح الحيوية للإنسان العراقي والعربي والمسلم ولا تجد في تلك الوقفة إلا تكليفاً ربانياً حقيقياً وعليها يقع واجب تنفيذه.
الإمام والأمة:
يعيش الإمام السيستاني (حفظه الله) كغيره من الفقهاء والإعلام في عصرنا الحديث حياة الكفاف والبساطة والتواضع في المأكل والملبس، وهي ظاهرة رافقت وترافق علمائنا في كل زمان ومكان، ولعلها (الظاهرة) هي المسؤولة عن المكانة الرفيعة للمرجع الفقيه في أوساط الناس، مثلما هي المسؤولة عن قيمته كقائد وموجه ومرشد.
ومنذ أن عرفت المرجعية الدينية طريقها للإمام السيستاني وتعرفت على فحوى توجهاته ومعارف ثقافته الأصولية والفلسفية والقرآنية وهو يواصل ذات المشوار في التواضع والبساطة وجشوبة العيش مع أن مرجعية الإمام من بين أثرى المرجعيات، فالملايين مبسوطة بين يديه ومصادر تمويل وكلائه لا عد لها ولا حصر، ورغم ذلك لم يعرف عن الإمام إنفاق بغير محله وثراء على حساب الجياع والمحرومين والمستضعفين والبسطاء. لقد كان الإمام (حفظه الله) يوصي كل الذين يرتادون مكتب سماحته في النجف وهم بالآلاف من أبناء العراق والموالين لأهل البيت (ع) من أقطار الخليج والأمريكيتين وأفريقيا بضرورة إنفاق موارد الخمس على الذين يرونهم أهلاً لاستحقاق المبالغ الشرعية وكما يوصي دائماً بضرورة عدم جلب المال لمكتب سماحته ويتشدد في ذلك ويحدد بلغة واضحة موارد الإنفاق من دون الرجوع إليه.
إن هذه المرجعية ـ مرجعية نادرة ـ كأي مرجعية دينية إسلامية في التاريخ الحديث وهو في هذا يحاول العمل على إنجاز الصيغة الأنقى والأطهر والأفضل والأليق للقيادة الدينية ـ الروحية والسياسية القادرة على العيش في أوساط الجمهور ولديها الكفاءة في إنجاز الواجبات والمسؤوليات الشرعية الملقاة على عاقتها.
الإمام السيستاني يعرف جيداً حاجة الأمة في العراق خصوصاً لمرجع يقودها إلى السبيل الإسلامي الأقوم ويقوض ما استطاع من معالم التشويه وسياسات المصالح البراغماتية التي قتلت في الأمة روح المبادرة والحرص على العقيدة والإسلام والمذهب. ويعرف تماماً أن إنجاز هذه المهمة سيكون له انعكاسات حقيقية في وعي الأمة وفي قدرتها الذاتية لمنع حالات اختراق عقيدتها وشريعتها الإسلامية السمحاء وفي محاولة النهوض بالكفاءات الإسلامية الموجودة في البلاد الإسلامية والأخرى المقيمة في الغرب.
من هنا وبعد سقوط النظام السابق وتقويض ركائز حكمه القائمة على القمع والجبروت والعنجهية أمكن لمرجعية الإمام العمل بقوة في أوساط الشعب العراقي والانتشار في كل المدن والمحافظات التي تشعر مرجعية الإمام أنها بحاجة لمرجعيته وقيادته بل بحاجة لمن يمسك بيدها من أجل إنقاذها من واقعها المريض وتقويم أودها واستعادة هويتها العقائدية الإسلامية. إضافة إلى ذلك كان ومازال للإمام السيستاني مواقفه إزاء تطلعات الشعب العراقي في الحرية والاستقلال.
إن كل الذين يترددون على مكتب الإمام ويلتقونه يومياً يعرفون أن هذا الفقيه إنما يمارس دوره الفقهي والاجتماعي والسياسي والوطني كونه كأحدهم لا يميزه شيء عنهم بل يذهب الإمام إلى أكثر من هذا حين يسكن بيتاً متواضعاً في منطقة فقيرة نسبياً بالقياس إلى المناطق الأخرى في مدينة النجف ويعاني نفسياً من ضغط الواقع الاجتماعي والاقتصادي والشخصي للعراقيين كأنه أحدهم لذلك يقول كل الداخلين على الإمام أنه في حزن دائم لكنه يظهر البشاشة والغبطة أمام جلاسه وزواره من مختلف الأقطار والمحافظات ومن مختلف المشارب والتوجهات والتنوعات الاجتماعية العشائرية والسياسية العربية والكردية.
ورغم أن الإمام يمارس دوراً غير عادي وعبر وكلائه في المدن والمحافظات العراقية للقيام بالمسؤوليات الواجب توافرها لصمود الناس في وجه مظاهر وتحديات المرحلة الحالية في العراق إلا أنه يمتلك جهازاً إدارياً في غاية الأمانة والدقة والاختصاص قادراً على استيعاب هموم الناس والاستجابة للمتطلبات الاجتماعية الضخمة والمتزايدة في العراق.
وفي هذا الإطار تأتي المؤسسات الاجتماعية القائمة على تكفل الآلاف من العوائل سواء كانت العوائل المتضررة جراء الحروب والحصار زمن النظام السابق أو عوائل شهداء مسيرة العمل الإسلامي في العراق ومجمل الحالات الاجتماعية التي يقدر الإمام ووكلائه بضرورة إيلائها الأهمية التي تستحقها.
إن وجود آليات مالية للصرف على عشرات الآلاف من العوائل العراقية المتضررة وإقامة المؤسسات الدينية والمراكز العلمية ونشاطات ثقافية وإبلاغية في مختلف مناطق العالم دليل على كفاءة مرجعية الإمام وحضوره الروحي والعلمي العالي واستيعابه لقطاع واسع من أبناء الطائفة والمذهب واستقطاب جمهور واقعي من أبناء الأمة الإسلامية. فلا يعقل أن يتحدر مرجع ديني في النجف على هذه المساحة الكبيرة والواسعة في العراق وأفريقيا وأوروبا عبر مشاريع فكرية وعلمية وإعالة الآلاف بشكل شهري مرتب كالإمام السيستاني من دون أن يكون هذا المرجع يمتلك رصيداً مهيباً في أفئدة مقلديه.
لكن.. هل يمكن الحديث عن أهم الأسس والشروط المتعلقة بمرجعية الإمام وخصائصه في التعاطي مع مفردات المحيط الذي يعيش فيه ويتعايش معه؟
إذ جاز القول بأن مرجعية الإمام تمتلك رصيداً معقولاً من الشروط المغايرة نستطيع هنا بعد ذلك أن نؤكد جملة من هذه الشروط.
1ـ أن الإمام السيستاني لا يؤمن بل لا يريد في مكتب سماحته أو في محيط مرجعية وكلاء أو مسؤولين أو قياديين يعملون له.. بل يريد قادة ووكلاء يعملون معه!.
إن هذه النظرية والاشتغال بآلياتها الواقعية ستوسع دون شك من مساحة اهتمام الأمة بهذه المرجعية واستجلاب المريدين وسيكون لها وقع مرض في أولويات النهوض المفترض للمشروع الإسلامي المعاصر لأن سيادة هذه المقولة واقع المسلمين سيتلافى أخطاء فادحة حصلت في فترات سابقة كلفت الوجود الإسلامي الكثير من الجهود وضيعت فرصاً تاريخية لاستعادة المرجعية وجودها المباشر كسلطة أساسية في واقع الأمة.
ومن المؤكد أن سماحة الإمام لم يؤمن بهذه النظرية ـ وهي خلاف أفعال سياقات كثيرة كانت متداولة في الوسط الديني ـ إلا لأنه كان على إطلاع شامل على مناشئ وبيئات السلوكيات السابقة.
2ـ خدمة الموقع:
يشعر الإمام السيستاني حفظه الله ـ أن الموقع والزعامة والقيادة هي التي يجب أن تخدم لأنها تمثل الإسلام وحركته ومشروعه الديني والاجتماعي ولا يجب أن يستثمر الموقع للأغراض الذاتية والشخصية والترويج للأفكار والميول الجهوية. كما أن الإمام يؤمن أن الموقع لا ينبغي أن يستثمر للأبناء والأبناء الأبناء والوكلاء ووكلاء الوكلاء وكأن المسألة (عائلية) وليست قائمة على شروط شرعية ومواصفات الكفاءة والقيادة والعلم والزهد والورع وخدمة الأمة.
إن الإمام بهذا يقدم المثل الأعلى لسلوك المرجع المحمدي الحسيني ـ الرسولي ويجسد المفهوم القرآني في القدوة الحسنة كقوله تعالى (ولكم في رسول الله أسوة حسنة) وهو بهذا أيضاً يخرج بالمفهوم من دائرة الاهتمامات الدينية الصرفة إلى استثمار الموقع لاستيعاب الطموح الجماهيري العام لتحقيق أغراض سيادة الإسلام وقدرته على نشر دعوته المباركة.
في قلب العملية الفقهية
إن أية قراءة لملامح الفقيه الإمام ستضعفنا حتماً في قلب الصورة الواقعية لملامح المدرسة الأمامية ـ تواضع ـ رسولي يختصر آداب وسنن الحركة النبوية الكبيرة التي بشرت الناس ـ كل الناس بالهدى والعدالة الاجتماعية والمساواة والدولة العادلة، فقاهة عبقرية تختزن معالم الفكر الأمامي في صناعة الحكم الشرعي الذي يجد الناس فيه الموئل والأرضية والقاعدة الأساسية لفهم الشريعة والحياة، زهد بالسلطة والسلطات وبهرجة الحياة وزخارفها وخارجها وابتعاد عن الأضواء والنجومية السياسية مع أن فقيهاً ومرجعاً دينياً كالإمام لا شك أن النجومية هي التي تزحف إليه لا العكس وكيف لا تزحف إليه وهو الذي لم يطلبها ولم يسع ورائها أو يطالب بها رغم أن النجومية والحضور السياسي أصبحنا في عالم اليوم ـ عالم المصالح والا متيازات والأرقام المالية ميزتين أساسيتين لمن يريد الدخول بقوة لحاكمية العالم.
لقد أثمر منبر الإمام الخوئي الراحل قدس سره خلال أكثر من نصف قرن ثماراً عظيمة جليلة هي الأزكى والأفضل عطاءاً على صعيد الفكر الإسلامي وفي مختلف العلوم والقضايا والمواقف الإسلامية المهمة، حيث تخرج من بين يديه مئات الفقهاء والمجتهدين والفضلاء العظام الذين أخذوا على عاتقهم مواصلة مسيرته الفكرية ودربه الحافل بالبذل والعطاء والتضحية لخدمة الإسلام والعلم والمجتمع، معظمهم اليوم أساتذة الحوزات العلمية وبالخصوص في النجف الأشرف وقم المقدسة ومنهم في مستوى الكفاءة والجدارة العلمية والاجتماعية التي تؤهلهم للقيام بمسؤولية التربية والتعليم ومسؤولية المرجعية والقيادة ورعاية الأمة في يومنا الحاضر.
ومن أهم وأبرز أولئك العباقرة هو سيدنا الأستاذ آية الله العظمى السيد علي الحسيني السيستاني (دام ظله)، فهو من أبرز تلامذة الإمام الخوئي الراحل قدس سره نبوغاً وعلماً وفضلاً وأهلية.
ولد سماحته في ربيع الأول من عام 1349 للهجرة في المشهد الرضوي الشريف في أسرة علمية دينية ملتزمة، وقد درس العلوم الابتدائية والمقدمات والسطوح وأعقبه بدراسة العلوم العقلية والمعارف الإلهية لدى جملة من أعلامها ومدرسيها حتى أتقنها. وحضر دروس بحث الخارج في مشهد المقدسة واستفاد من فكر العلامة المحقق الميرزا مهدي الأصفهاني قدس سره.
ثم انتقل إلى الحوزة العلمية الدينية في قم المقدسة على عهد المرجع الكبير السيد حسين البروجردي قدس سره في عام 1368هـ وحضر بحوث علماء وفضلاء الحوزة آنذاك، منهم السيد البروجردي قدس سره في الفقه والأصول وقد أخذ الكثير من خبرته الفقهية ونظرياته في علم الرجال والحديث كما حضر درس الفقيه العالم الفاضل السيد الحجة الكوهكمري قدس سره وبقية الأفاضل في حينه.
ثم غادر قم متجهاً إلى موئل العلم والفضل للحوزات العلمية في النجف الأشرف عام 1371هـ وحضر دروس أساطين الفكر والعلم آنذاك من أمثال الإمام الحكيم والشيخ حسين الحلي والإمام الخوئي رضوان الله تعالى عليهم أجمعين، وقد لازم بحوث الإمام الخوئي قدس سره فقهاً وأصولاً أكثر من عشر سنوات، كما لازم بحث الشيخ الحلي قدس سره دورة أصولية كاملة.
اشتغل سيدنا الأستاذ بالبحث والتدريس بإلقاء محاضراته (البحث الخارج) 1381هـ في الفقه على ضوء مكاسب الشيخ الأعظم الأنصاري قدس سره وأعقبه بشرح كتاب العروة الوثقى للسيد الفقيه الطباطبائي قدس سره فتم له من ذلك شرح كتاب الطهارة وأكثر فروع كتاب الصلاة وبعض كتاب الخمس، كما ابتدأ بإلقاء محاضراته (البحث الخارج) في الأصول في شعبان 1384هـ وقد اكمل دورته الثالثة منها في شعبان 1411هـ، وقد سجل محاضراته الفقهية والأصولية في تقريرات غير واحد من تلامذته.
لقد برز السيد السيستاني (دام ظله) في بحوث أساتذته بتفوق بالغ على أقرانه وذلك في قوة الإشكال وسرعة البديهية وكثرة التحقيق والتتبع في الفقه والرجال ومواصلة النشاط العلمي وإلمامه بكثير من النظريات في مختلف الحقول العلمية الحوزوية، وكانت بينه وبين الشهيد السيد محمد باقر الصدر قدس سره منافسة شديدة في مجال التفوق والنبوغ العلمي ومما يشهد على ذلك شهادة خطية من الإمام الخوئي رضوان الله تعالى عليه وشهادة أخرى من العلامة الشيخ حسين الحلي قدس سره وقد شهدا ببلوغ درجة الاجتهاد في شهادتين مؤرختين في عام 1380هـ مغمورتين بالثناء الكبير على فضله وعلمه.
إن المعروف عن الإمام الخوئي قدس سره عدم شهادته لأحد من تلامذته بالاجتهاد شهادة خطية إلا لسيدنا الأستاذ وآية الله الشيخ علي فلسفي من مشاهير علماء مشهد المقدسة. كما كتب له شيخ محدثي عصره العلامة الشيخ آغا بزرك الطهراني قدس سره شهادة مؤرخه في عام 1380هـ أيضاً يطري فيها على مهارته في علمي الرجال والحديث، أي أن الإمام السيستاني قد حاز على هذه المرتبة العظيمة بشهادة العظماء وهو في الحادية والثلاثين من عمره.
ومنذ 34 سنة بدأ يدرس البحث الخارج فقهاً وأصولاً ورجالاً ويقدم نتائجه وعطاءه الوافر، وقد باحث المكاسب والطهارة والصلاة والقضاء والخمس وبعض القواعد الفقهية كالربا وقاعدة الإلزام. ودرس الأصول ثلاث دورات وبعض هذه البحوث جاهز للطبع كبحوثه في الأصول العلمية والتعادل والتراجيح مع بعض المباحث الفقهية وبعض أبواب الصلاة وقاعدة التقية والإلزام.
وقد أخرج بحثه عدة من الفضلاء البارزين وبعضهم على مستوى تدريس البحث الخارج، كالعلامة الشيخ مهدي مرواريد والعلامة السيد حبيب حسينيان والعلامة السيد مرتضى الأصفهاني والعلامة السيد أحمد المددي والعلامة الشيخ باقر الايرواني وغيرهم ممن هم من أفاضل أساتذة الحوزات العلمية، وضمن انشغال سماحته في الدرس والبحث خلال هذه المدة كان دام ظله مهتماً بتأليف كتب مهمة وجملة من الرسائل لرفد المكتبة العلمية الدينية بمجموعة مؤلفات قيمة، مضافاً إلى ما كتبه من تقريرات بحوث أساتذته فقهاً وأصولاً.
ومن أبرز مؤلفاته شرح العروة الوثقى، البحوث الأصولية، كتاب القضاء، كتاب البيع والخيارات، رسالة في اللباس المشكوك فيه، رسالة في قاعدة اليد، رسالة في صلاة المسافر، رسالة في قاعدة التجاوز والفراغ، رسالة في القبلة، رسالة في التقية، رسالة في قاعدة الإلزام، رسالة في الاجتهاد والتقليد، رسالة في قاعدة لا ضرر ولا ضرار، رسالة في الربا، رسالة في حجية مراسيل ابن أبي عمير، نقد رسالة تصحيح الأسانيد للأردبيلي، شرح مشيخة التهذيبين.
رسالة في مسالك القدماء في حجية الأخبار.
بالإضافة إلى مؤلفات مخطوطة أخرى ورسائل عملية في الأحكام للمقلدين.
هذا الفقيه الحسيني الذي تشهد في ملامح شبيته بقايا الملامح الحسينية المشرقة متمسك بجذوره في التواضع والزهد والابتعاد عن مباهج الدنيا لكنه مصر إلى درجة كبيرة على ممارسة دوره النبوي ـ الرسولي ـ الأمامي ـ بأدوات العصر وآلياته مع تراكم مذهل من الخصوصية التي تميز موقع النجف الفقهي في الحياة الاجتماعية والأخلاقية والعقائدية الإسلامية ومن يشهد تجربة الإمام الفقهية وإجاباته العصرية على مختلف المسائل الشرعية وفي شتى المجالات والاختصاصات والحقول يدرك أنه مصر على ممارسة هذا الدور لاستكمال ذات المهمة الرسولية النبوية الأمامية التي سار على خطاها فقهاء السلف الصالح أولئك الذين توارثوا النجف فارتفعت بهم وارتقوا بها منازل المعرفة والحضور وتمثيل خصوصية الشريعة والمدرسة الإمامية عبر التاريخ.
لكن الإمام السيستاني وكغيره من الفقهاء والمرجعيات الدينية الكبيرة لديه خصوصيته المتفردة في التفاعل مع المسألة الشرعية وفلسفتها الاجتماعية وحكمها العقائدي والأخلاقي إذ يرى أن المسألة ترتقي إلى قدسيتها المفترضة في الوجدان الاجتماعي والشخصي وفي البنية الدينية العامة للمجتمع الإسلامي من خلال ارتباطها بالواقع وحيثياته وتفاصيله الواقعية الدقيقة ومظاهره الاجتماعية وبكلمة أخرى يرى الإمام أن الواقع الاجتماعي بتعقيداته ومظاهره الثابتة والمتحركة هو الذي يقود الفقيه إلى حيثيات الحكم الشرعي وليس العكس. وهذا يتطلب مهارة وخبرة فائقة في الواقع وحيثياته.
هذا يعني أن الإمام ينتمي إلى نمط المرجعيات الدينية غير التقليدية المؤمنة إيماناً راسخاً بما يطلق عليه عند طائفة عريضة وواسعة من العلماء والفقهاء وأصحاب الدراية وأهل الاختصاص بـ (الفقه المتحرك). إن الإمام ينتمي إلى المرجعيات المتحركة التي تستجيب لمتطلبات العصر وأسئلته الاستثنائية وضغطه المتواصل كما مقتضيات الزمان والمكان وتلاحق المستجدات والمتغيرات وتلك هي المهمة الحقيقة الملقاة على عاتق المرجعيات الدينية القيادية الكبيرة.
نجد هذا المعنى عند فتاوى الإمام ومواقفه الفقهية (إذا صح التعبير) إزاء الأسئلة التي توافدت وتتوافد باستمرار على مكتب سماحته في النجف من أبناءه المسلمين القاطنين في دول الاغتراب ففي جوابه على سؤال جواز أو عدم جواز العمل في مجال القضاء لحاملي شهادة الحقوق في البلدان غير الإسلامية أن يقضي الناس وفق قوانينها فيقول (لا يجوز التصدي للقضاء لغير أهله وعلى غير القوانين الإسلامية)([FONT='Times New Roman','serif'][2][/font][FONT='Times New Roman','serif'][13][/font]).
الإمام هنا لا يرفض مهمة القضاء ومهنته ولا يحرم القضاة المسلمين من ممارسته لكنه يحترم خصوصية الملل والمذاهب الدينية الأخرى ويلزم المسلمين عدم التدخل احتراماً لهذه الخصوصية ليس إلا والإمام لا يمنع المسلمين من العمل في المحلات التجارية التي يباع فيها الخمر إذا ما كان عمل المسلم استلام الأموال فقط حيث يجيب سماحته (يجوز له تسلم ثمن غير الخمر وكذا ثمن الخمر إذا كان المتبايعان من غير المسلمين)([FONT='Times New Roman','serif'][3][/font][FONT='Times New Roman','serif'][14][/font]).
ومن الفتاوى التي تدخل في باب الفقه الحضاري لسماحة الإمام السيستاني ما يذكره عن حكم المصابين بمرض الإيدز حيث وردت أسئلة كثيرة على مكتب الإمام في النجف الأشرف من لدن أبنائه المغتربين في مناطق الشتات فكان جوابه جواب الفقيه الضليع بمسائل الفقه الاجتماعي الذي يقضي بضرورة استيعاب هذه الشريحة المصابة وعدم عزلها.
يقول السائل: ما هو حكم عزل المصاب بالإيدز هل يجب عليه أن يعزل نفسه وهل يجب على أهله عزله فيجيب الإمام (لا يجب عليه أن يعزل نفسه كما لا يجب عزله عن الآخرين بل لا يجوز منعه من حضور الأماكن العامة كالمساجد ونحوها ما دام أنه لا خطر في ذلك من انتقال العدوى إلى غيره. نعم يجب أن يراقب ويراقب في خصوص الطرق الناقلة للعدى قطعاً أو احتمالاً)([FONT='Times New Roman','serif'][4][/font][FONT='Times New Roman','serif'][15][/font]).
أما منهجه في التدريس فهو منهج متميز على مناهج كثير من أساتذة الحوزة وأرباب البحث الخارج، فعلى صعيد الأصول يتجلى منهجه بعدة خصائص:
أ. التحدث عن تاريخ البحث ومعرفة جذوره التي ربما تكون فلسفية كمسألة بساطة المشتق وتركيبه، أو عقائدية وسياسية كبحث التعادل والتراجيح الذي أوضح فيه أن قضية اختلاف الأحاديث فرضتها الصراعات الفكرية العقائدية آنذاك والظروف السياسية التي أحاطت بالائمة ومن الواضح أن الاطلاع على تاريخ البحث يكشف عن زوايا المسألة ويوصلنا إلى واقع الآراء المطروحة فيها.
ب. الربط بين الفكر الحوزوي والثقافات المعاصرة ففي بحثه حول المعنى الحرفي في بيان الفراق بينه وبين المعنى الأسمى وهل هو فارق ذاتي أم لحاظي؟ اختار اتجاه صاحب الكفاية في أن الفرق باللحاظ لكن بناه على النظرية الفلسفية الحديثة وهي نظرية التكثير الإدراكي في فعالية الذهن البشري وخلاقيته، فيمكن للذهن تصور مطلب واحد بصورتين تارة بصورة الاستقلال والوضوح فيعبر عنه بالاسم وتارة بالآلية والانكماش ويعبر عنه بالحرف وعندما دخل في بحث المشتق في النزاع الدائر بين العلماء حول اسم الزمان، تحدث عن الزمان بنظرة فلسفية جديدة في الغرب وهي انتزاع الزمان من المكان «زمكان» بلحاظ تعاقب النور والظلام وفي بحثه حول مدلول صيغة الأمر ومادته وبحثه في التجري فقد طرح نظرية بعض علماء الاجتماع من أن تقسيم الطلب لأمر والتماس وسؤال نتيجة تدخل صفة الط الب في حقيقة طلبه من كونه عالياً أو مساوياً أو سافلاً.
وكذلك جعل الضابط استحقاق العقوبة عنوان تمرد العبد وطغيانه على المولى وأن ذلك مبني على التقسيم الطبقي للمجتمعات البشرية القديمة من وجود موالي وعبيد وعالٍ وسافل وما أشبه ذلك، فهذه النظرية من رواسب الثقافات السالفة التي تتحدث باللغة الطبقية لا باللغة القانونية المبنية على المصالح الإنسانية العامة.
ج. الاهتمام بالأصول المرتبطة بالفقه وأن الطالب الحوزوي يلاحظ في كثير من العلماء اغراقهم واسهابهم في بحوث أصولية لا يعد الاسهاب فيها إلا ترفاً فكرياً لا ينتج ثمرة عملية للفقيه في مسيرته الفقهية كبحثهم في الوضع وكونه أمراً اعتبارياً أو تكوينياً وأنه تعهد أو تخصيص وبحثهم في بيان موضوع العلم وبعض العوارض الذاتية في تعريف الفلاسفة لموضوع العلم وما شاكل ذلك.
ولكن الملاحظ في دروس المرجع السيستاني هو الإغراق وبذل الجهد الشاق في الخروج بمبنى علمي رصين في البحوث الأصولية المرتبطة بعملية الاستنباط كمباحث الأصول العملية والتعادل والتراجيح والعام والخاص، وأما البحوث الأخرى التي أشرنا لبعض مسمياتها، فبحثه فيها بمقدار الثمرة العلمية في بحوث أخرى أو الثمرة العلمية في الفقه.
د. الابداع والتجديد: هناك كثير من الأساتذة الماهرين في الحوزة من لا يملك روح التجديد بل يصب اهتمامه على التعليق فقط والتركيز على جماليات البحث لا على جوهره فيطرح الآراء الموجودة ويعلق على بعضها ويختار الأقوى في نظره ويشغل نفسه بتحليل عبارات من قبيل: فتأمل أو فافهم، ويجري في البحث على أن في الإشكال إشكالين تأملاً وفي التأمل توقف.
هـ. نكاح أهل الشرك جائز ـ وكذلك بالنسبة لقاعدة التزاحم التي يطرحها الفقهاء والأصوليون كقاعدة عقلية أو عقلائية صرفة فيدخلها السيد الأستاذ تحت قاعدة الاضطرار التي هي قاعدة شرعية أشارت لها النصوص نحو «ما من شيء حرمه الله إلا وقد أحله لمن اضطر اليه» فإن مؤدي قاعدة الاضطرار هو مؤدي قاعدة التزاحم بضميمة فهم الجعل التطبيقي. وأحياناً قد يقوم بتوسعة القاعدة كما في قاعدة «لا تعاد» حيث خصها الفقهاء بالصلاة لورود النص في ذلك بينما السيد السيستاني جعل صدر الرواية المتضمن لقوله «لا تعاد الصلاة الا من خمسة» مصداقاً لكبرى أخرى تعم الصلاة وغيرها من الواجبات وهذه الكبرى موجودة في ذيل النص «ولا تنقض السنة الفريضة فالمناط هو تقديم الفريضة على السنة في الصلاة وغيرها من مصاديق هذا التقديم الوقت والقبلة.. الخ على غيرها من أجزاء الصلاة وشرائطها لأن الوقت وا لقبلة من الفرائض لا من السنن.
و. النظرة الاجتماعية للنص: أن من الفقهاء من هو حرفي الفهم بمعنى أنه جامد على حدود حروف النص من دون محاولة التصرف في سعة دلالات النص وهناك من الفقهاء من يقرأ أجواء النص والظروف المحيطة به ليتعرف مع سائر الملابسات التي تؤثر على دلالته، فمثلاً ما ورد من ان رسول الله صلى الله عليه وسلم حرم أكل لحم الحمر الأهلية يوم خيبر، فلو أخذنا بالفهم الحرفي لقلنا بالحرمة أو الكراهة لأكل الحمر الأهلية لو اتبعنا الفهم الاجتماعي لرأينا أن النص ناظر لظرف حرج وهو ظرف الحرب مع اليهود في خيبر والحرب تحتاج لنقل السلاح والمؤنة ولم تكن هناك وسائط نقل إلا الدواب ومنها الحمير، فالنهي في الواقع نهي إداري لمصلحة موضوعية اقتضتها الظروف آنذاك ولا يستفاد منه تشريع الحرمة ولا الكراهة. وسيدنا الأستاذ هو من النمط الثاني من العلماء في التعامل مع النص.
أن السيد السيستاني يركز دائماً على أن الفقيه لا يكون فقيهاً بالمعنى الأتم حتى يتوفر لديه خبرة وافية بكلام العرب وخطبهم وأشعارهم ومجازاتهم كي يكون قادراً على تشخيص ظهور النص تشخيصاً موضوعياً لا ذاتياً وأن يكون على اطلاع تام بكتب اللغة وأحوال مؤلفيها ومناهج الكتابة فيها فإن ذلك دخيل في الاعتماد على قول اللغوي أو عدم الاعتماد عليه وأن يكون على إحاطة بأحاديث أهل البيت ورواتها بالتفصيل، فإن علم الرجال فن ضروري للمجتهد لتحصيل الوثوق الموضوعي التام بصلاحية المدرك. وله آراء خاصة يخالف بها المشهور مثلاً ما اشتهر من عدم الاعتماد بقدح ابن الفضائري إما لكثرة قدحه أو لعدم ثبوت نسبة الكتاب اليه.
فإن السيد المرجع لا يرتضي ذلك بل يرى ثبوت الكتاب وأن ابن الفضائري هو المعتمد في مقام الجرح والتعديل أكثر من النجاشي والشيخ وأمثالهما، ويرى الاعتماد على منهج الطبقات في تعيين الراوي وتوثيقه ومعرفة كون الحديث مسنداً أو مرسلاً على ما قرره السيد البروجردي قدس سره، ويرى أيضاً ضرورة الالمام بكتب الحديث واختلاف النسخ ومعرفة حال المؤلف من حيث الضبط والتثبيت ومنهج التأليف وما يشاع في هذا المجال من كون الصدوق أضبط من الشيخ فلا يرتضيه بل يرى الشيخ ناقلاً أميناً لما وجده من الكتب الحاضرة عنده بقرائن يستند اليها.
فهذه الجهات الخبرية قد لا يعتمد عليها كثير من الفقهاء في مقام الاستنباط بل يكتفي بعضهم بالظهور الشخصي من دون أن يجمع القرائم المختلفة لتحقيق الظهور الموضوعي بل قد يعتمد على كلام بعض اللغويين بدون التحقيق في المؤلف ومنهج التأليف ولا يكون لبعض آخر أي رصيد في علم الرجال والخبرة بكتب الحديث.
إلا أن السيد المرجع والسيد الشهيد الصدر يختلفان في هذا المنهج فيحاول كل منهما محاولة الابداع والتجديد إما في صياغة المطلب بصياغة جديدة تتناسب مع الحاجة للبحث كما صنع السيد السيستاني عندما ادخل بحث استعمال اللفظ في عدة معانٍ، حيث بحثه الأصوليون من زاوية الامكان والاستحالة كبحث عقلي فلسفي لا ثمرة عملية تترتب عليه وبحثه السيد المرجع من حيث الوقوع وعدمه لأنه أقوى دليل على الإمكان، وبحثه كذلك من حيث الاستظهار وعدمه.
وعندما ادخل بحث التعادل والتراجيح رأى أن سر البحث يكمن في علة اختلاف الأحاديث فإذا بحثنا وحددنا أسباب اختلاف النصوص الشرعية انحلت المشكلة المعقدة التي تعترض الفقيه والباحث والمستفيد من نصوص أهل البيت وذلك يغنينا عن روايات الترجيح والتغيير كما حملها صاحب الكفاية على الاستحباب، وهذا البحث تناوله غيره كالسيد الصدر قدس سره ولكنه تناوله بشكل عقلي صرف، أما السيد السيستاني فإنه حشد فيه الشواهد التاريخية والحديثية وخرج منه بقواعد مهمة لحل الاختلاف وقام بتطبيقها في دروسه الفقهية أيضاً.
إن المعروف عن كثير من الأساتذة حصر البحث في مدرسة معينة أو اتجاه خاص ولكن السيد السيستاني يقارن بحثه بين فكر مدرسة مشهد وفكر مدرسة قم وفكر مدرسة النجف، فهو يطرح آراء الميرزا مهمدي الأصفهاني قدس سره من علماء مشهد وآراء السيد البروجردي قدس سره كتعبير عن فكر مدرسة قم وآراء المحققين الثلاثة والسيد الخوئي قدس سره والشيخ حسين الحلي قدس سره كمثال لمدرسة النجف، وتعدد الاتجاهات هذه يوثق أمامنا زوايا البحث والرؤية الواضحة لواقع المطلب العلمي.
أما منهجه الفقهي فله فيه منهج خاص يتميز في تدريس الفقه وطرحه، ولهذا المنهج عدة ملامح:
أ ـ المقارنة بين فقه الشيعة وفقه غيرهم من المذاهب الإسلامية الأخرى، فإن الإطلاع على الفكر الفقهي السني المعاصر لزمان النص كالإطلاع على موطأ مالك وخراج أبي يوسف وأمثالهم يوضح أمامنا مقاصد الأئمة ونظرهم حين طرح النصوص.
ب ـ الاستفادة من علم القانون الحديث في بعض المواضع الفقهية كمراجعته للقانون العراقي والمصري والفرنسي عند بحثه في كتاب البيع والخيارات، والإحاطة بالفكر القانوني المعاصر تزود الإنسان خبرة قانونية يستعين بها على تحليل القواعد الفقهية وتوسعة مداركها وموارد تطبيقها.
ج ـ التجديد في الأطروحة: إن معظم علمائنا الأعلام يتلقون بعض القواعد الفقهية بنفس الصياغة التي طرحها السابقون ولا يزيدون في البحث فيها إلا عن صلاحية المدرك لها أو عدمه ووجود مدرك آخر وعدمه، أما السيد السيستاني فإنه يحاول الاهتمام في بعض القواعد الفقهية بتغير الصياغة مثلاً بالنسبة لقاعدة الإلزام التي يفهمها بعض الفقهاء من الزاوية المصلحية بمعنى أن للمسلم المؤمن الاستفادة في تحقيق بعض رغباته الشخصية من بعض القوانين للمذاهب الأخرى وإن كان مذهبه لا يقرها، بينما يطرحه السيد السيستاني على أساس الاحترام ويسميها بقاعدة الاحترام أي احترام آراء الآخرين وقوانينهم، وانطلاقه من حرية الرأي.
وهناك مسائل فقهية هي ردود على أسئلة مغتربين مسلمين تؤكد أن الإمام في أجوبته التي ضمنها فتاواه الشرعية قارئ كبير للواقع الاجتماعي الإسلامي في بلدان الاغتراب مثلما يدلل أن الإمام على دراية بتعقيدات وأزمات ومشاكل هذا الوسط حيث يتطلب الأمر دوراً أساسياً للفقيه في تذليل الصعاب وحل المشاكل وإيجاد كل السبل الكفيلة بصمود أبناء المغتربات من المسلمين في مناطقهم وبلدانهم الجديدة خدمة للإسلام وترويجاً للشريعة الإسلامية.
الروح المحمدية والنهج الإصلاحي للإمام
إن من يقترب من الفضاء الإنساني للمرجع السيستاني (دام ظله) ويتصل به يرى فيه شخصية فذة تتمتع بالخصائص الروحية والمثالية التي حث عليها أهل البيت والتي تجعل منه ومن أمثاله من العلماء المخلصين مظهراً جلياً لكلمة (عالم رباني) وقوله : (مجاري الأمور بيد العلماء أمناء الله مع حلاله وحرامه).
الإمام والحوار:
إن بحوث النجف معروفة بالحوار الساخن بين الزملاء أو الأستاذ وتلميذه وذلك مما يصقل ثقافة الطالب وقدرته العلمية، وأحياناً قد يكون الحوار جدلاً فارغاً لا يوصل لهدف علمي بل مضمونه إبراز العضلات في الجدل وقوة المعارضة وذلك مما يستهلك وقت الطالب الطموح ويبعده عن الجو الروحي للعلم والمذاكرة ويتركه يحوم في حلقة عقيمة دون الوصول إلى الهدف.
أما بحث السيد السيستاني (دام ظله) فإنه بعيد كل البعد عن الجدل وأساليب الإسكان والتوطين فهو في النقاش مع أساتذته وآراء الآخرين يستخدم الكلمات المؤدبة التي تحفظ مقام العلماء وعظمتهم حتى ولو كان الرأي المطروح واضح الضعف والاندفاع، وفي إجابته لاستفهامات الطالب يتحدث بانفتاح وبروح الإرشاد والتوجيه، ولو صرف التلميذ الحوار الهادف إلى الجدل الفارغ عن المحتوى فإن السيد السيستاني يحاول تكرار الجواب بصورة علمية، ومع إصرار الطالب فإن السيد الأستاذ حينئذ يفضل السكوت على الكلام.
تأسيسات فكرية:
السيد السيستاني ليس فقهياً فقط بل هو رجل مثقف مطلع على الثقافات المعاصرة ومتفتح على الأفكار الحضارية المختلفة ويمتلك الرؤية الثاقبة في المسيرة العالمية في المجال الاقتصادي والسياسي وعند نظرات إدارية جيدة وأفكار اجتماعية مواكبة للتطور الملحوظ واستيعاب للأوضاع المعاصرة بحيث تكون الفتوى في نظره طريقاً صالحاً للخيرة في المجتمع المسلم.
مدرسته وكتابه التعليقة على رسالة الإمام الخوئي قدس سره ومنسكه، وبعد وفاة الإمام الخوئي قدس سره كان من الستة المشيعين لجنازته ليلاً وهو الذي صلى على جثمانه الطاهر، وقد تصدى بعدها للتقليد وشؤون المرجعية وزعامة الحوزة العلمية بإرسال الإجازات وتوزيع الحقوق والتدريس على منبر الإمام الخوئي قدس سره في مسجد الخضراء، وبدأ ينتشر تقليده وبشكل سريع في العراق والخليج ومناطق أخرى كالهند وأفريقيا وغيرها وخصوصاً بين الأفاضل في الحوزات العلمية وبين الطبقات المثقفة والشابة لما يعرف عنه من أفكار حضارية متطورة، وهو دام ظله من القلة المعدودين من أعاظم الفقهاء الذي تدور حولهم الأعلمية بشهادة غير واحد من أهل الخبرة وأساتيذ الحوزات العلمية في النجف الأشرف وقم المقدسة.
إن الإمام السيستاني الذي يتحدر من جذور حسينية محمدية عربية هاجرت مع من هاجر إلى مشهد القداسة الرضوية ذو نزعة عراقية غيورة موغلة بالحرص على الوطن ومستقبله السياسي وسلامة نظامه الاجتماعي وحرية وكرامة أبنائه. عاش الإمام سنوات عمره في النجف. وللنجف الأشرف قصة طويلة في روح ووجدان هذا الفقيه الكبير كما أن المكان في فلسفة العارفين ومنهم الإمام دور عقائدي ورباني وإنساني سيتحول في مرور فترات الوعي والتجربة وتراكم الخبرة إلى قيمة معرفية وفقهية وروحية لا تضاهيها أية قيمة.
الإمام والعلاقة بالمركز المعرفي
كيف عاش الإمام السيستاني النجف كقيمة للمعرفة والتجربة وأفق مفتوح على الإنسان والمسألة الشرعية ودراسة الفقه الإسلامي ومعرفة الدور القيادي في الأمة والنهوض بواقع الإنسان وخدمة الشريعة الإسلامية؟.
النجف في ذاكرة الفقيه هي الإسلام والشريعة والدعوة إلى الهدى والمساواة والعدالة الاجتماعية والانتصار الإنساني والإياب إلى النور بعد جاهلية والوعي بعد ظلمة والتنوير بعد ويلات التخلف والعمى الفكري والشرعي والثقافي والاجتماعي والأخلاقي والعقيدي كما أن النجف هي الحاضرة التي تستجيب لمتطلبات الواقع بكل حيثياته وتفاصيله وتعقيداته وهي الحاضرة التي تجيب على كل الأسئلة الحرجة والاستثنائية والقادرة على الإضافة والإنتاج والإبداع والعمل وسط الأمة بروح لا تهدأ وعقل متوقد وذهنية منفتحة على أشواق الإنسان.
فمشروع النجف بهذه المواصفات والشروط التاريخية أكبر منها كمدينة ومساحتها الحالية أقل بكثير من دورها الفكري ومساحتها الحضارية في المشروع الإسلامي المعاصر والإمام يتطلع فيما يتطلع إلى النهوض بالمكان كقيمة للمعرفة كما النهوض به كحاضرة للعلم ومركز للنشاط الثقافي والعقائدي والأخلاقي وعاصمة مسؤولة عن العراق وآفاق مستقبله وأرواح أبنائه وتطوره بعد أن أجلت السياسات والمصالح السلطوية الدكتاتورية ومقاييسها الدموية في النظر لمصالح الشعوب هذه العاصمة من أن تتبوأ مقعدها الأساس في بناء الشخصية العراقية المسلمة وقاعدتها المتينة في بناء الهرم الوطني للسلطة والدولة في العراق.
في بيت الإمام المتواضع بالنجف تشهد أو أن المكان يضعك في عمق المشهد الإنساني للإمام وهو يتفاعل مع قضايا الحياة لكنك حين تدلف دارة هذا المفكر الكبير والقيادي البارز سرعان ما ستسقط أسيراً ومنجذباً لتلك الشخصية الإسلامية وساحتها الروحانية المحمدية.
كوز الماء والعبقرية والذهنية المتوقدة والترابية الحسينية والحرص الشديد على الإسلام والأمة والعراق والمستقبل والتنمية وشيبة طاعنة باليقين ـ كل شيء في هذا المكان يوحي لك بالتواضع والترابية دون تكلف. مكتبة هي حصيلة جهد دهور من الكدح المستمر إلى الله والناس إيماناً من هذه المرجعية بأن العمل إلى الله تعالى لن يرتقي إلى اليقين وعمق الحقيقة إلا بالعمل مع الناس لكن تلك المصنفات والكتب ليست كبقية المصنفات إذا وضعت إلى جانب الإمام أو خلفه وتبدو صورتها الأولية الانطباعية عبارة عن مشهدية تاريخية لا تستطيع التفريق في قراءتك لأبعادها المادية بين الإمام والمصنف وبينه وبين كتب الحديث الفلسفة والأصول والدراسات القرآنية فهو جزء منها وهي جزء منه ولن ينفصلا حتى ينجزا المهمة الرسولية الملقاة على عاتقهما في الحياة.
إنها ستكتسب بالتأكيد قيمتها التاريخية وقيمتها الزمكانية ووهجها المستمر هذا إضافة إلى مجمل المؤلفات والأفكار التي وضعها الإمام بخط يده طيلة حياته العملية وعمره الشريف. إن المؤلف الفقهي المركون خلف الفقيه الإمام ليس مؤلفاً ساكناً إنه مؤلف متحرك كونه يستمد حركيته مديناميكيته من الذات المتحركة للفقيه.
هذا الكلام لا يقال إلا في حضرة الفقهاء الكبار والقيادات الدينية البارزة التي أفنت ذاتها بساحة الفناء المطلق للحضرة الإلهية المقدسة أمثال آية الله العظمى الإمام السيد علي السيستاني.
إن المكان في فلسفة الإمام يستند إلى الإرث الفقهي والفكري للنجف وسخونة التراب الذي يضم بين دفتيه وذراته الإمام علياً ولما تختزنه تلك المدينة من حركة تنويرية وجهادية ومعرفية وأصولية أمدت العالم الإسلامي بالأفكار المختلفة والمفاهيم المميزة، فبالإضافة إلى نشر الفكر ومسؤوليتها الشرعية في ترجمة نصوصها وأقوالها الأصولية إلى أفعال وريادتها في تسويق حركة التنوير الديني والأخلاقي ساهمت النجف في مجمل أفكار وأفعال الحركة الاستقلالية الوطنية التي راجت في أجزاء واسعة من الوطن العربي والإسلامي بدايات القرن الماضي ولا زالت الذاكرة الإسلامية والنجفية بشكل خاص تتذكر وأفعال كتائب المجاهدين العراقيين (علماء وكسبة وفلاحين وبسطاء) من الذين أرسلتهم القيادات الدينية والزعامات الفقهية في النجف الأشرف إلى ليبيا زمن الاحتلال الإيطالي لها.
إن بيت المرجع والإمام السيستاني يختزن تلك التأملات التاريخية ولا أستطيع النظر إلى هذا البيت الواقع في زاوية نجفية أو أتأمل ملامح هذا الفقيه من غير ما تقودني الذاكرة أو عينا ذاكرتي لتلك المعاني والمفاهيم والكتائب.
وفي هذا البيت النجفي أيضاً نشهد كل فصول المواجهات الفقهية والتأملات الفلسفية والأصولية والقرآنية التي تحتدم أو تلك التي احتدمت في هذا البيت منذ عشرات السنين كما تشهد احتدامات ومواجهات سياسية عن مستقبل العراق بعد أن تبوأ الإمام السيستاني المكانة الأولى في فضاء القيادة المرجعية وزعامة الأمة والانفتاح على العالم..
هذا البيت وقيادته الدينية الكبيرة يمارس مواقف ويتخذ قرارات ويعمل اليوم على تقريب وجهات نظر العراقيين من مختلف الفصائل السياسية والتيارات الاجتماعية والحزبية مثلما يمارس الانفتاح على القوى السياسية في العراق من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار.
وفي المحصلة تحول هذا البيت الذي يضم مرجع الأمة الإسلامية إلى قبلة يؤمها الزعماء والقادة والتيارات السياسية والجمعيات والمؤسسات العراقية والعربية والاسلامية، هذا البيت سيكون له ـ كما هو حاصل حالياً ـ شأن أكبر في تقرير مستقبل التنمية والتطوير في العراق مثلما يمتلك ذات الشأنية القيادية في تقرير حق الشعب العراقي بالحرية والاستقلال وتكوين تجربته السياسية في إدارة شؤونه بنفسه.
المؤسسة والقائد
كان لابد من إيراد بعض الملاحظات الجادة لكي تكون حلقة وصل لا فصل في علاقة المرجعيات الدينية وأبناء الأمة. إن الهدف الأساس من هذه الدراسة الوقوف المتأني عند ثوابت وأفكار المرجعية الدينية الممثلة بالإمام السيستاني وتقديمها بشكل موضوعي وجدي وحقيقي للأمة لكي يتم التعرف عليها لا بوصفها مؤسسة دينية معزولة عن سياقها التاريخي والاجتماعي بل تعيش اتصالاً حقيقياً بالناس والأفكار والتحولات الإنسانية ـ الاجتماعية ذات الصلة بالسيادة ووحدة البلاد ومستقبل التنمية والدور المفترض للأمة في مستقبل الإسلام والعالم.
إن الغرض الأساس من كشف ملامح مرجعية الإمام السيستاني ـ ليس ولن يكون إبراء للذمة.. أو يلتقي عند خلفية الكتابات التي تقدم المرجعيات على أساس إبراء الذمة الشرعية. إنني لست في مورد الكتابة التي تبرأ ذمة الكاتب الشرعية. ولست في معرض تقديم شهادة كفاءة لهذا المرجع الديني الكبير.
فالسيستاني لن يحتاج مثل هذه الشهادة من أحد. بل أعتقد أن الشهادات الكثيرة (ربما) تفسد في بعض الأحيان الجو الحقيقي ما بين المرجع وأبناء الأمة. وأتمنى في هذا الإطار أن تكون شهادتي في المرجع السيستاني الذي ضمها هذا الكتاب زادي في الآخرة يوم لا زاد إلا زاد التزود من بركات وجود المرجعيات المحمدية الكبيرة.. ان تكون سنداً ومرجعاً حقيقياً للراغبين بالكتابة عن هذا المرجع الكبير.
وهنا بعض الملاحظات:
1ـ واضح أن الإمام السيستاني حفظه الله اتجه منذ اليوم الأول لزعامته الدينية ـ المرجعية إلى العمل بقاعدة (ولكن لا نبي من بعدي) بمعنى أن الإمام لن يورثه أحد من أبنائه بقرار منه.. أما إذا وجدت الأمة الإسلامية ومرجعيات النجف الأشرف وأهل الاختصاص والخبرة والدراية والأعلمية أن أحد أنجاله الاثنين وهما من أفاضل مجتهدي النجف أن يكون أحدهما في موقع المرجعية فهذا أمر آخر.
وفي الوقت الذي نعتقد فيه أن هذا الكلام سابق لأوانه ومن المبكر جداً مناقشة هذا الأمر. لأن الأعمار بيد الله سبحانه وتعالى نجزم في الوقت ذاته أن الإمام لن يورثه أحد من أبنائه. ولن يعمل في الوقت ذاته أيضاً على تأهيل الأبناء ليتسنم موقع المرجعية الدينية العليا ولن يصرف مليماً واحداً على ترويج من هذا النوع إيماناً منه أن ذلك يشكل تعارضاً واضحاً مع مباني الشريعة الإسلامية ويتناقض مع جوهر الدعوة للإسلام ولا يتفق مع كل السياقات المؤكدة على الحرص والإخلاص للإسلام ومرجعية الدينية وموقع النهضة في حركة المشروع الإسلامي المعاصر وأدواته ومؤسساته الحيوية وفي القلب منها المرجعية الدينية.
بهذا يكتسب مشروع الإمام السيستاني أهمية استثنائية في السياق الديني والحوزات العلمية وفي سياق الكتابة عن هذا النمط المنسجم مع ذاته، الذي يعبر دائماً عن مسؤولية المشرع إزاء الأمة ومصلحة الإسلام وإزاء مستقبل المسألة الشرعية ودورها في تهذيب النفس وضبط إيقاع الحركة الاجتماعية الجوهرية في الأمة.
ولأن الإمام عبر منذ اليوم الأول عن زهده بالامتياز وحرصه على الموقع الديني كونه النافذة التي يطل من خلالها على أبناء الأمة والأهداف والطموحات الإسلامية العادلة فقد بقي أميناً على الأدوات المعرفية وأميناً كذلك على الموقع وربط شخصية المرجع بكرامة الموقع. وفوق هذا وذاك أحدث تطويرات أساسية في نمط علاقة المرجع بالموقع وكرامته. عبر الخروج بالموقع من قيمته الاجتماعية والدينية المعروفة التي تمتاز بالتقليدية في الأوساط الجماهيرية إلى التفعيل والخصوصية الفقهية والحيوية والجدية.
إن هذا الأمر استلزم من الإمام إفناء الشخصية بالخصوصية الحقيقية لموقع المرجعية الدينية مضافاً إلى ذلك أن الإمام لم يأت المرجعية الدينية إلا وفي النفس همة المتصدي وزهد القائد، وقرار المرجع، وتواضع الكبار ومن يتطلع لمجمل المواقف والأداء ووجهات النظر المتميزة للإمام يلحظ الموقع الواضح لشخص المرجع عبر الارتفاع بالمكانة والخصوصية الذاتية لموقع المرجعية وضرورة العمل على تصديها الحازم لجميع القضايا والمهمات الكبيرة في الساحة العراقية.
2ـ يتميز الإمام السيستاني بحرصه الكبير على بناء العراق الجديد وفق أصول وطنية حقيقية لا تفرق بين العراقيين أو تستثني طائفة أو قومية منهم على حساب الطوائف والقوميات الأخرى، إيماناً من الإمام أن العراق لا يستقر ولا يأمن العراقي على ماله ومستقبله وحياته ويتطور وضعه الاجتماعي والسياسي والاقتصادي وينطلق إلى فضاء الإبداع والإنتاج والأهلية العربية والإسلامية والدولية إلا بالانسجام التام بين مختلف طوائفه وقومياته وأعراقه.
وكأي قيادة حقيقية في الأمة ساهم الإمام السيستاني ويساهم باستمرار في دفع عجلة التفاهم والتعايش بين الفئات المذهبية الشيعية والسنية العربية والكردية الإسلامية والمسيحية منطلقاً في الدعوة هذه من رغبة العراقيين أساساً في ضرورة استتباب أجواء العيش المشترك وتأسيس مناخ الاعتدال والوسطية في عملية بناء البلاد والتفاهم على إدارة الحياة السياسية والقرار الوطني، وانطلاقاً من فهم سماحته للجذور التاريخية للمشكلة العراقية وضرورة الابتعاد عن الطائفية السياسية التي كان لها أسوء الأثر في تمزيق البلاد ومجيء الحكومات الظالمة والمستبدة والعقيمة وتسلط المناهج التربوية القاهرة والمارقة والمدنسة لأجواء الوحدة الوطنية لذلك يلحظ المتابع لمجمل الافتاءات والمواقف والقرارات الصادرة عن المرجع الس يستاني الحزم والجدية بعدم السماح للفتن والانشقاقات والتمزقات والاختلافات من الاستمرار وملاحقة ذلك كله بكل الوسائل المخلصة والشرعية.
إن هدف الإمام من كل ذلك خلق أجواء المستقبل الجديد للعراق ـ هذا المستقبل الذي يفترض أن يساهم في تشكيله كل أبناء العراق ومؤسساته ومراكزه وأحزابه السياسية ومرجعياته الدينية وشخصياته الفكرية ولا يمكن أن يتم إعادة بناء العراق إلا بتوافق جميع وجهات النظر الفكرية والسياسية ولا يتم ذلك بالتنافر والتنابز بالألقاب والعداوات واستخدام الثأر والانتقام لغة بديلة عن أجواء الحوار والتفاهم الوطني.
من هنا كان الإمام مع جميع الجهود السياسية للأطراف العراقية على اختلاف مشاربها وتوجهاتها وألوانها يستمع لمختلف الآراء ويتحاور من أجل المصلحة العراقية الوطنية الخاصة ويمارس كذلك عناداً شرعياً وتاريخياً واضحاً في التصدي للمحاولات التي تسعى لربط مستقبل العراق وأمنه في منظومة من العلاقات الأمنية والعسكرية والاقتصادية الإقليمية والدولية المتشابكة سعياً إلى ربط العراق نهائياً بظروف وأجواء عدم الاستقرار.. كي تفلت الدول المعنية بالمشروع الأمريكي من قبضة الإرادة الأمريكية القادمة وقد عبر المرجع الديني الكبير عن حزم واضح أمام كل الذين يريدون تحويل العراق إلى مزرعة لتصفية الحسابات الإقليمية وطالب بضرورة احترام إرادة العراقيين وعدم التلاعب برغباتهم الوطنية الجديدة.
إن الإمام يهمه بالدرجة الأولى في كل ممارساته وأفعاله السياسية واجتماعاته بالقوى الوطنية أن يعيش العراقيون بأمان واستقرار عبر استقرار إرادة السلطة نهائياً على قواعد الانتخاب الحر والديمقراطي المستقل فإذا تم انتخاب شخصية كردية مثلاً فهو مع ما يورده الاستفتاء. أليست الأمة ترجع في الأحكام والالتباسات الدينية للاستفتاء المرجعي؟. الإمام يحقق تلك المسألة عبر ترشيح مبدأ الاستفتاء وهو اللغة الأوضح لمبدأ الرجوع للأمة وأصواتها في حيازة قرار الدولة.
إن الإمام يريد أن يقرر مبدأً أساسياً حقيقياً لا يمكن تجاوزه كأبرز مرجع متنور من مراجع الحركة الاستقلالية الوطنية العراقية هو الرجوع للأمة واستنطاق رأيها وعدم تغييبها ورفض مصادرة رأيها وإحلال قواها الحقيقية والفاعلة والحيوية في الشارع وفي تأسيس القرار وليس القوى السياسية وحدها.
إن الطموح الذي يسعى لتحقيقه هذا الإمام المستنير النهوض بمستوى الأمة وإخراج صوتها من التغييب ودوائره العفنة إلى التفكير بصوت عال والتواجد الكثيف في نقطة ارتكاز حركة التحول الاجتماعي لكي لا تبقى هذه الأمة أسيرة ثوابت الطائفة، إن الإمام يريدها أن تكون أسيرة ركائز صناعة المستقبل الأقوى للوطن.
ومن هنا كان انفتاحه العريق على الجميع، بوصفهم أبناء العراق إضافة إلى كونه أبناء الطائفة الشيعية أو السنية، أن التوفيق بين المذاهب الدينية والسياسية في العراق هي مهمة المرجع الديني الكبير الإمام السيستاني ـ يضطلع بها باعتبارها التكليف الشرعي والوطني والتاريخي والإنساني والأخلاقي ولا مناص من تغيير جوهري في تركيبة الذهنية (الطائفية) إلى (الوطنية) لكي لا يحدث شرخ في منظومة الأداء الوطني يؤدي بالعراق إلى هاوية التراجع والانقسامات الإثنية والطائفية.
إن القوى المعادية لشعبنا العراقي تعتقد أن التعددية الدينية والطوائفية والسياسية في البلاد مرتع خصب لإنبات الخلافات الطائفية لتكريس لغة الانتقام والثأر والحروب الداخلية لإضعاف العراق وتأخير نمو دوره العربي والقومي والإسلامي كجزء من أمته العربية والإسلامية، على أن العراقيين يعرفون جيداً أنه ما يقومون به في المجالين العربي والإسلامي لا ينطلق من اعتبارات بروتوكولية أو اتفاقات أمنية معينة بل هو الواجب والمسؤولية الشرعية ـ التاريخية الحقيقية لا المزيفة. وأعتقد أن العراقيين تمكنوا في الفترة السابقة وخلال مرحلة ما بعد إسقاط النظام الدكتاتوري. تأكيد رغبتهم في الانفتاح على المنظومات العربية وإقامة العلاقات الأخوية المتوازنة مع أطرافهم من دون إجحاف أو هيمنة أو إشعار بالتفوق كما كان يفعل صدام مع جيرانه.
3ـ أثبت الإمام السيستاني فطنة سياسية وحنكة مختلفة في مواجهة التحديات والأعاصير التي واجهت وتواجه البلد في ظل وجود قوات متعددة الجنسيات بعد عملية عسكرية أمريكية ـ بريطانية بالأساس تساندها أكثر من خمسة وأربعين دولة أخرى وتلك الحنكة أحرجت أوساطاً سياسية دولية كبيرة إذ تصورت تلك الأوساط في البداية سهولة إمكانية اللقاء مع المرجع الكبير والتفاهم معه حول مختلف المسائل والقضايا العالقة في العراق مثلما اعتقدت تلك الدول أن اللقاء مع سماحة الإمام الكبير سيوفر لها (شرعية ما) في أوساط الشعب العراقي وتبريراً لمجمل الممارسات المتخذة من قبلها في العراق والإيحاء أن لا وجود لمشكلة ما مع المرجعيات الدينية في العراق. لكن الإمام السيستاني رفض اللقاء ولقاءات أخرى لكي يبقي مقام وموقع المرج عية الدينية بعيداً عن محاولات التوظيف السياسي الدولي وجعلها طرفاً في (تشريع) ممارسات ـ لا علاقة لها إلا بأجواء مرحلة وظرف وقوع العراق تحت الاحتلال.
لكن الإمام السيستاني يتعامل مع الواقع السياسي الراهن في العراق بفطنة وحنكة وواقعية هي واقعية الفقيه وحنكة القيادة المرجعية الداعية، فهو يحاور كل القوى من منطلق الأخذ بأولوية الاستقلال والحرية الكاملة والناجزة واستيفاء حقوق العراقيين كاملة غير منقوصة ولم يتعقد من كل الأجواء والسياسات الخاطئة لكنه ظل متمسكاً برأي الأكثرية المسحوقة من أبناء العراق ـ التي طالبت وتطالب بحل سياسي ينهي حالة الحرب في الداخل بشكل نهائي ويرسم صياغات المستقبل ويحدد ملامح الأفق القادم على هدى أفكار العراقيين أنفسهم.
وحين طالب الإمام بإجراء انتخابات شعبية حقيقية على أساس البطاقة التمويلية السابقة فهو لم يطالب بإنصاف طائفة والانتصار لها وعلى حساب حق الطوائف والاتجاهات الأخرى قدر ما كان ومازال وسيبقى حفظه الله يطالب بضرورة تأكيد رغبة الشعب العراقي كله في ممارسة حقه الانتخابي وأن يؤخذ رأيه في كل المسائل والقضايا المصيرية وفي المقدمة منها حقه وحق فعالياته في تشكيل مجلس صياغة دستوره.
إن الإمام السيستاني طالب بإجراء الانتخابات كون المسألة الدستورية جوهرية في حياة أية أمة وفي أي تحول استراتيجي ونوعي من الاستبداد والقمع ودولة الشخص الواحد إلى التعددية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية وهنا يتألق سماحة الإمام في ساحة العمل السياسي الوطني كفقيه وقيادة دستورية تشترط لنقل السلطة وكتابة الدستور واستعادة الدولة والكرامة انتخابات حرة ومستقلة يساهم في إقامتها كل أبناء الشعب العراقي من شماله إلى جنوبه ومن شرقه إلى غربه.
4ـ لم يتطلع الإمام السيستاني لتشكيل حزب سياسي لديه مكاتب وممثليات وقيادات وخطاب معين، رغم أن العمل الحزبي في الإسلام ليس (سوءة) وقد مارس مراجع وقيادات دينية كبيرة في الساحة العراقية وفي غير مكان من العالم الإسلامي العمل الحزبي بقوة. مثل الشهيد السعيد المرجع آية الله العظمى السيد محمد باقر الصدر السيد محمد باقر الحكيم وعلماء أفذاذ كان لهم دورهم الأكبر في صياغة ملامح الوعي الإسلامي في العراق.
الإمام السيستاني مقتنع كما يبدو بوظيفته الشرعية كمرجع يقف على هرم القيادة الروحية والدينية والاجتماعية ويلزم الناس بالحكم الشرعي ويسيطر على مساحات مهمة من ذاكرة الناس وجغرافية انتشارهم في العالم ومقتنع أيضاً أن الأحزاب الإسلامية في الساحة العراقية لم تعد تفي بأغراض إيصال المفهوم الإسلامي للناس إضافة إلى إشكاليات تأ إلى إشكاليات تأ يعد بالإمكان العمل في ظل (الظاهرة الحزبية) ممكناً إذا لم يرافقه تسديد مباشر من الفقيه أو المجلس الفقهي.
نحن نعتقد أن انعكاسات الظاهرة الحزبية الإسلامية في العراق على مسيرة العمل للإسلام والتبشير بتعاليمه وقدرته على التغيير كان لها وقعها في ذهنية الإمام فهو مثلاً لم يفصح عن رأيه الصريح بها وبفاعلية نشاطها، ولذلك يستبعد المراقبون لمسيرة الإمام أية فاعلية حزبية له.
إن الاعتقاد بعدم إمكانية قيام مناخ للإسلام وحركته من دون وجود أحزاب عتيدة اعتقاد خاطئ ويتطلع الحريصون على الإسلام وظاهرته التنويرية لقيام هذا المناخ عبر هذا التعايش المفترض ما بين المرجعية الدينية الواعية المستنيرة وبين فعاليات المجتمع العراقي المسلمة كلها. ولابد أن تنتهي إلى الأبد (حكاية) استحالة قيام الوجود الإسلامي إلا بوجود الأحزاب ـ فتلك أسطورة أجلت جهود أمة بكاملها بفعل ربط حركة الأمة بحركة الأحزاب العتيدة فإذا تحركت تحركت الأمة وإن استكانت تعطلت فاعلية حركة التغيير في الأمة.


توقيع BAGHDADY





BAGHDADY
الصورة الرمزية BAGHDADY
عضو نشيط

رقم العضوية : 1039
الإنتساب : May 2008
الدولة : عاصمة شيعة امير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلام
المشاركات : 383
بمعدل : 0.07 يوميا
النقاط : 209
المستوى : BAGHDADY is on a distinguished road

BAGHDADY غير متواجد حالياً عرض البوم صور BAGHDADY



  مشاركة رقم : 2  
كاتب الموضوع : BAGHDADY المنتدى : إضاءات من نور المراجع والعلماء
افتراضي
قديم بتاريخ : 03-Jul-2008 الساعة : 11:45 PM

اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم


اللهم صلي على محمد وال محمد

توقيع BAGHDADY





BAGHDADY
الصورة الرمزية BAGHDADY
عضو نشيط

رقم العضوية : 1039
الإنتساب : May 2008
الدولة : عاصمة شيعة امير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلام
المشاركات : 383
بمعدل : 0.07 يوميا
النقاط : 209
المستوى : BAGHDADY is on a distinguished road

BAGHDADY غير متواجد حالياً عرض البوم صور BAGHDADY



  مشاركة رقم : 3  
كاتب الموضوع : BAGHDADY المنتدى : إضاءات من نور المراجع والعلماء
افتراضي
قديم بتاريخ : 04-Jul-2008 الساعة : 12:04 AM

اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم




توقيع BAGHDADY




إضافة رد


أدوات الموضوع ابحث في الموضوع
ابحث في الموضوع:

بحث متقدم

ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة


 

 


المواضيع والمشاركات التي تطرح في منتديات موقع الميزان لا تعبر عن رأي المنتدى وإنما تعبر عن رأي كاتبيها فقط
إدارة موقع الميزان
Powered by vBulletin Copyright © 2017 vBulletin Solutions, Inc