في معنى « الراضية والمرضية »

أما الراضية : فهذا اللقب الشريف يحكي رضا تلك المقدسة ، ويحكي عالم الرضوان الأكبر ، وهو عالم لا يكون إلا للمعصومين ( عليهم السلام ) ، كما أخبر الحق تعالى في سورة الغاشية : ( وجوه يومئذ ناعمة * لسعيها راضية * في جنة عالية ) .

قال بعض العرفاء في تفسير هذه الفقرة من الدعاء : « وخذ لنفسك رضاء من نفسي » أي أرضي نفسي بكل ما ينزل منك ويرد عليها ، فإذا صارت النفس راضية ، صارت يوم القيامة إلى عيشة مرضية .

وعلامة النفس الراضية أنها لا تسخط على ما قدره الله لها ، ولا ترضى من نفسها بالقليل من العمل .

روى في المجمع : « من رضي بالقليل من الرزق ، قبل الله منه اليسير من العمل ، ومن رضي باليسير من الحلال ، خفت مؤنته وتنعم أهله ، وبصره الله داء الدنيا ودوائها ، وأخرجه منها سالما إلى دار السلام » .

والراضي : الذي لا يسخط بما قدر عليه ويرضى لنفسه بالقليل .

وهذا الحديث غاية في الشرف والجلال .

واعلم أن النفس إذا صارت مطمئنة ، بلغت زمان الرجوع إلى الحق والخروج من علائق البدن والتوجه إلى عالم القدس ، فهي حينئذ راضية ومرضية .

وهذا الإرضاء ناشئ من الإطمئنان المودع في النفس والاطمئنان يلي مقام الإيقان وهو راشح من ترقي الملكات الحقة .

ومعنى الإطمئنان أن العناية التي تحفه في الآخرة يراها بالمشاهدة والعيان في دار الدنيا ، أي إن عالم الشهود والكشف لديه في الدنيا والآخرة على نهج واحد ، وهو معنى « لو كشف لي الغطاء ما ازددت يقينا » .

قال في المجمع : « النفس المطمئنة الآمنة من الخوف والحزن أو المطمئنة للحق تعالى » ، قال تعالى : ( يا أيتها النفس المطمئنة * ارجعي إلى ربك راضية مرضية ) .

في التفسير عن أهل البيت ( عليهم السلام ) عن الصادق : « النفس المطمئنة إلى محمد ( صلى الله عليه وآله ) والراضية بالولاية والمرضية بالثواب ، وادخلي في عبادي أي محمد وأهل بيته ( عليهم السلام ) » .

والخلاصة : إن هذا اللقب غاية في تمجيد فاطمة الصديقة الطاهرة ( عليها السلام ) ، وقد ظهرت صفة الرضا بنحو الكمال في حبيبة ذي الجلال ، بل اتحد رضاها برضا الله ورسوله وارتفعت المغايرة ، وإلا لما قال النبي ( صلى الله عليه وآله ) : « رضا فاطمة رضاي وسخط لفاطمة سخطي » .

وقد استفاد المرحوم المجلسي من هذا الحديث ونظائره عصمة الزهراء ( عليها السلام ) .

وقد نزل في رضا فاطمة آي الذكر الحكيم في قوله : ( ولسوف يعطيك ربك فترضى ) .

روي في سبب نزولها أنه دخل رسول الله ( صلى الله عليه وآله) على فاطمة وعليها كساء من ثلة الإبل وهي تطحن بيدها وترضع ولدها ، فدمعت عينا رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) لما أبصرها ، فقال : يا بنتاه ! تعجلي مرارة الدنيا بحلاوة الآخرة ، فقد أنزل الله علي ( ولسوف يعطيك ربك فترضى ) .

وأما المرضية : وهذا اللقب المبارك يأتي في الذكر الحكيم وفي الروايات ضمن أوصاف النفس المطمئنة ، ويذكر بعد الراضية ، إلا أنه أشرف وأقوى من حيث ما قاله النيسابوري في تفسيره : إن الراضية هي النفس الراضية والمسلمة لكل المقدرات الكائنة والأحكام الجارية التي تصلها من الله .

أما المرضية : فهي التي رضى الله عنها فصارت مرضية للحق تعالى .

ففي الأولى الرضا من العبد ، وفي الثانية الرضا من الله ، والمناط رضا الحق عن العبد ، لأن العبد إذا رضي عن الله رضي الله عنه ، كما يقال : « رضي الله عنه ورضي عنه » .

وفي مجمع البحرين : الراضية وهي التي رضيت بما أوتيت ، والمرضية هي التي رضى عنها  .

وببيان آخر : إن للنفس خمس مراتب : الأولى : النفس الأمارة . الثانية : النفس اللوامة . قال تعالى : ( إن النفس لأمارة بالسوء ) وقال : ( ولا أقسم بالنفس اللوامة ) .

الأولى تتبع الهوى وتأمر بالسوء ، والثانية تلوم على المخالفة وتذعن بالتقصير في الطاعة والإحسان .

الثالثة : النفس المطمئنة وهي الآمنة . الرابعة : الراضية .

الخامسة : المرضية . وذهب بعض إلى القول بالنفس الملهمة التي تنزل عليها الخيرات من الله أو تلهم بواسطة الملك ، ولربما أخذت من قوله تعالى : ( فألهمها فجورها وتقواها ) .

والنفس المطمئنة للسيدة لو لم تكن راضية من الله ، لما كانت مرضية عند الله ، ولما حازت هذا اللقب ، ومثلها أيضا نفوس الأئمة المعصومين ( عليهم السلام ) ، خصوصا نفس سيد الشهداء ( عليه السلام ) الذي أولوا فيه قوله تعالى : ( يا أيتها النفس المطمئنة * ارجعي إلى ربك راضية مرضية ) ، وهذه الثمرة من تلك الشجرة كما أن الواحد من العشرة .

والنفس - باصطلاح المتصوفين - لها حقيقة واحدة تتصف بثلاث صفات « وإن النفس أمارة ولوامة ونفس مطمئنة » ، ومنهم من عد النفس الملهمة شيئا رابعا ، وعبارتهم كالتالي : « فإن حقيقة النفس المطلقة من غير اعتبار حكم معها إذا توجهت إلى الله تعالى توجها كليا سميت مطمئنة ، وإذا توجهت إلى الطبيعة توجها كليا سميت أمارة ، وإذا توجهت تارة إلى الحق بالتقوى وتارة أخرى إلى الطبيعة البشرية بالفجور سميت لوامة » .

العودة إلى الصفحة الرئيسية